فلسطين في الوثائق العثمانية ... قراءة متأنية ...

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • s___s

    فلسطين في الوثائق العثمانية ... قراءة متأنية ...

    <font size="5">فلسطين في الوثائق العثمانية ... قراءة متأنية ...<br /><br />كانت حتى يوم قريب مجرد وثائق صفراء قديمة يعلوها الغبار ... لا تثير انتباه أحد ... أو أن أحدا لم يجد فيها منفعة سريعة تكفي لكي تدفعه إلى التضحية بشيء من وقته الثمين ... إلى أن قيض الله لها أحد الباحثين الشرفاء ... فأخرجها من غياهب الماضي إلى أنوار الحقيقة ... ليست لفائف قمران ما أتحدث عنه ... فتلك اللفائف ليست في الحقيقة على مستوى ما أعطيت من أهمية ... وليست في الواقع على مستوى ما أثير حولها من ضجة... ما أتحدث عنه هنا هو وثائق عثمانية تعود الى فترة هامة من تاريخنا ... اكتشفها وقدمها وقام بترجمتها شيخ المترجمين العثمانيين ... الاستاذ المترجم كمال خوجة ... وأهمية هذه الوثائق تكمن في أنها تلقي بالضوء على فترة مظلمة مدلهمة من تاريخنا ... كان المحرر والكاتب التاريخي الوحيد لها هو الاستعمار نفسه ... الاستعمار الذي تربع على أرضنا وداس على جماجم أجدادنا.... فاستعمر وحور وزور.... وما من رقيب....<br /><br />الوثيقة رقم Y.E.E-136/110-1 تاريخ 24 كانون الثاني 1899، هي عبارة عن تقرير مرفوع إلى رئاسة الديوان السلطاني من أحد الموظفين الغيورين في السفارة العثمانية في واشنطن، وتعادل ترجمتها العربية صفحتين من قياس A4.<br /><br />وعلى الرغم من عدم وجود ما يشير صراحة إلى هوية كاتب الرسالة، فان القاريء المتمعن وكذلك المتخصص الملم بأعمال السفارات، يمكنه من خلال المتابعة الحثيثة للنص أن يكتشف بسهولة، بأن كاتب هذه الرسالة الوثيقة لم يكن سوى السفير العثماني لدى واشنطن في ذلك الوقت.<br /><br />الاسطر الاولى من رسالة السفير العثماني الغيور تلخص وتعكس وتكشف بجلاء عجيب صورة وطبيعة المرحلة الاولى من المحاولات الصهيونية للاستيطان في فلسطين، وتثبت أن الدولة العثمانية كانت في ذلك الوقت على اطلاع وعلم بما كان يحاك في الخفاء، وأنها كانت على دراية بوجود أفكار ونوايا وتحركات ومخططات مشبوهة، ترمي إلى السيطرة على فلسطين، وتشير بشكل يدعو الى الدهشة والاستغراب إلى وجود رعاية أمريكية مبكرة لذلك المخطط منذ البداية، وفي تلك المرحلة المبكرة جدا.<br /><br />فالاخبار التي كانت ترد تباعا الى الحكومة العثمانية كانت تؤكد وتجمع على قيام اليهود في ذلك الوقت بمحاولات من أجل جمع الاموال، وتأمين دعم المتنفذين المحليين، وشراء الأراضي، وغير ذلك من التحضيرات والاستعدادات من جهة، وقيامهم بالتوجه إلى جهات فلسطين بصورة سرية، مثنى وثلاث ورباع وأحيانا (مجموعات) بالثلاثين والأربعين من جهة أخرى، بالرغم من استحالة وضع أفكارهم ومخططاتهم في استملاك تلك البلاد السلطانية موضع التنفيذ.<br /><br />وتؤكد هذه الوثيقة تفهم الحكومة العثمانية لخطورة الوضع بكل تفاصيله، وقيامها على الفور باتخاذ الاجراءات والتدابير الضرورية، والتي كان من ضمنها إصدار التعليمات إلى السفارات العثمانية بعدم قبول مهاجرين من اليهود الأجانب وبدون أي استثناء. ويفهم من سياق هذه الرسالة أيضا أن الحكومة العثمانية كانت تتعرض لانواع من الضغوط في هذا الشأن من قبل الحكومة الامريكية، الامر الذي دفعها إلى محاولة إقناع الحكومة الأمريكية بصعوبة تحقيق ذلك المخطط المرسوم، وأن الحكومة عممت هذا الامر عن طريق الإعلان في الصحف، مع التنويه بعدم تلقي أية اعتراضات من أية جهة على قرارها ذلك.<br /><br />وتشير هذه الرسالة الوثيقة المحررة من قبل السفير العثماني الى أن السفارة العثمانية في واشنطن وجهت بتاريخ 9 أيلول 1898 مذكرة إلى وزارة الخارجية الأمريكية تبلغها فيها بالقرار الاحترازي الصادر عن الحكومة العثمانية بمنع اليهود من دخول أراضي فلسطين، وتخبرها أيضا بأن التعليمات والاوامر قد صدرت الى الموظفين والمسؤولين العثمانيين بمنع المهاجرين اليهود من النزول إلى الشواطيء الفلسطينية. وتبلغ الدقة بالسفير العثماني كاتب الوثيقة إلى الذروة عند أشارته إلى ورود هذه المعلومات في فقرة رسمية مندرجة في الصفحة 476 من كتاب (ويمكن من هذا الرقم تخيل حجم هذا الكتاب تبعا لاهمية الموضوع!!!) تم تقديمه إلى الديوان السلطاني داخل مغلف كتب عليه العبارة التالية: "دخول اليهود إلى أرض فلسطين ممنوع".<br /><br />ويشير كاتب الوثيقة سفير الدولة العثمانية لدى واشنطن إلى الزيارة المرتقبة في ذلك الوقت للامبراطور الألماني إلى فلسطين وسوريا، ويتحدث عن التعليمات والاوامر التي وصلت إلى سفارته بخصوصها، والمتعلقة بالاجراءات الاحترازية الواجب اتخاذها فيما يتعلق بمنع وعدم منح تأشيرات على جوازات الأشخاص المشبوهين الراغبين بالسفر إلى فلسطين وسوريا خلال زيارة الإمبراطور. ويتحدث السفير عن الاشكاليات التي واجهها حين أبلغ القنصليات التابعة لسفارته بالتعليمات القطعية من أجل تنفيذ هذا الأمر. ونفهم من حديث الكاتب السفير هنا أن عددا كبيرا من اليهود الامريكيين كانو يتقدمون ألى السفارة والقنصليات العثمانية في ذلك الوقت من أجل الحصول على تأشيرات سفر إلى فلسطين، وأنهم كانوا يعدون العدة للتوجه الى هناك لغايات الاستيطان، وأنهم تأثروا بقرار المنع هذا، الامر الذي دفعهم الى الاحتجاج والشكوى لدى وزارة الخارجية الامريكية، من أجل دفعها الى الضغط على الحكومة العثمانية والقيام بتحرك ضد هذا القرار.<br /><br />ويبين السفير العثماني كيف أن وزارة الخارجية الامريكية لم تكن تستطيع فعل شيء حيال هذه الشكاوى، وأنها كانت تكف عن الحاحها حين كان يواجهها بقرار الحكزمة العثمانية المتعلق بمنع هجرة اليهود إلى فلسطين، وعدم امكانية إصدار تأشيرات سفر لهم.<br /><br />وتتجلى حنكة السفير العثماني كاتب الوثيقة وما يتمتع به من ذكاء ودهاء وفطنة، من خلال حديثه عن المواطن الامريكي الذي رفض طلبه، ثم توسطت من أجله وزارة الخارجية الامريكية كونه لم يكن من اليهود أو من المشبوهين. حيث قام هذا السفير بالاستجابة فورا لذلك الطلب، وأصدر تعليماته إلى القنصلية العثمانية في نيويورك من أجل منح المواطن الامريكي المذكور التأشيرة المطلوبة وبدون إبطاء. ويكشف السفير العثماني الذكي عن سبب تصرفه ذلك، مبينا أنه كان يرى في هذه الحادثة أعترافا وموافقة وتأييدا من قبل الحكومة الأمريكية لقرار الحكومة العثمانية حول سد أبواب أرض فلسطين على اليهود، وأنه أراد تثبيت ذلك بشكل عملي.<br /><br />ويبدي هذا السفير العثماني الغيور امتعاضه من تصرف وزير الخارجية العثمانية الذي قام فور انتهاء زيارة الامبراطور الالماني إلى فلسطين وسوريا، باصدار تعليماته الى السفارات والقنصليات العثمانية في العالم بالغاء قرار المنع السابق، مع اقتصار المنع على الأشخاص المشبوهين فقط.. ويبدي الكاتب السفير استغرابه واستهجانه لخلو تعليمات وزير الخارجية العثماني وبصورة قطعية من الاشارة الى منع دخول اليهود إلى أرض فلسطين. ويبين كذلك أنه وبالرغم من هذا التجاهل المريب، فقد قام كسفير للدولة العثمانية باصدار تأكيداته إلى القنصليات التابعة له باستمرار سريان منع دخول اليهود أرض فلسطين على النحو السابق.<br /><br />من جهة أخرى، يبدو أن الحكومة الامريكية المتابعة لهذا الأمر قد انتبهت للفجوة المريبة في قرار وزبر الخارجية العثمانية المذكور، حيث نفهم من السياق أن السفير الامريكي في العاصمة العثمانية, الغيور على المصالح اليهودية، قد قام بالاتصال مع وزير الخارجية العثمانية المذكور، وحصل منه على تأكيدات بعدم وجود منع خاص باليهود يمنعهم من دخول أرض فلسطين، وأن التحفظ هو فقط على ذهابهم إلى هناك بشكل جماعي ولاغراض الهجرة والاستيطان. وبعد قيام السفير الامريكي بنقل هذه المعلومات إلى وزير الخارجية الأمريكي، سارع الأخير بارسال مذكرة عاجلة (وردت بالامس) إلى كاتب هذه الوثيقة السفير العثماني لدى واشنطن يقول فيها ما نصه:<br /><br />"علمت من السفير الأمريكي بدار السعادة (اسطنبول) بأن الباشا وزير الخارجية أبلغه بعدم وجود منع خاص باليهود من دخول أرض فلسطين ولكن من غير المناسب سفرهم إلى هناك بصورة جماعية وبغرض الهجرة، وعليه نرجو التفضل بإصدار الأوامر إلى القنصليات لمنح اليهود تأشيرات".<br /><br />ويبدوا أن وزير الخارجية العثمانية العتيد لم يحذو حذو السفير الامريكي، ولم يكلف خاطره باطلاع سفيره في واشنطن على ما دار بينه وبين السفير الأمريكي من حوار، إذ ان السفير العثماني يعبر في رسالته هذه وبمرارة عن مدى شعوره بالحرج والاحباط نتيجة الاهمال والتصرف الأرعن وغير المسؤول الذي قام به وزير الخارجية العثماني. وهو يعبر كذلك بشكل مؤثر عن مدى أساه واحباطه لضياع كل الجهود المبذولة حتى تلك اللحظة لدى الادارة الامريكية، والتي كانت تعتبر (نجاحا بكل المقاييس) على حد تعبيره. ويضيف بشيء من التهكم والسخرية المؤلمة أن النتائج التي استطاع تحقيقها بشق الانفس قد طارت كلها في لحظة واحدة نتيجة التصرف الأحمق (القدرة السياسية البالغة!!!) لحضرة الباشا وزير الخارجية.<br /><br />ويواصل هذا السفير الوطني المحنك رسالته بالحديث عن تماسكه أمام هذه الصدمة، وعن قيامه بابلاغ الوزير الامريكي عن انتظاره للتعليمات من حكومته في هذا الشأن. وأنه أرسل برقية الى وزير خارجيته يبلغه فيها عما جرى بينه وبين السفير الأمريكي، طالبا تعليماته السريعة البرقية في هذا الخصوص. ومؤكدا على ضرورة وضعه في صورة الحوارات التي قد تجري بين الوزير العثماني والسفير الأمريكي من الآن فصاعدا، منعا لأية احراجات في المستقبل.<br /><br />ويبدوا أن تجاهل الوزير العثماني واهماله للرد على تلك البرقية مدة تجاوزت الاسبوعين كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير، الامر الذي دفع بالسفير العثماني الى تقديم هذه الرسالة بشكل مباشر إلى السلطان العثماني، مشتكيا بصورة رسمية من وزير الخارجية العثماني وتصرفاته المشبوهة، ومنوها برأيه وقناعاته السياسية بقوله: (فلا فرق بين قدوم اليهود جماعات كبيرة وبين قدومهم فرادى إذا كان قدومهم لنفس الغرض ، كما ان أي مهاجر لن يقر ويعترف بأنه مهاجر. ومن الطبيعي أن تتولد النتائج الضارة من هذا الرأي الغافل لحضرة الباشا الوزير).<br /><br />ويواصل السفير العثماني الغيور انتقاداته لوزير الخارجية العثماني ولتصريحاته العشواء، مبينا أن تلك التصرفات جعلت الوزير عرضة للانتقادات الشفوية والتحريرية للسفراء العثمانيين، بل انها جعلت منه مثار سخرية وتندر لبعض مترجمي السفارات، الامر الذي يمس بكرامة الحكومة العثمانية ويعرضها للمذلة والمهانة، ولا ينسى الكاتب السفير أن يقترح الحلول للحيلولة دون تكرر هذه المأساة في المستقبل، فيوصي بأن يحضر الحديث بين وزير الخارجية وسفير أي دولة أجنبية موظف ثالث، ويوجه الدعوة لتسجيل ما يجرى بين الوزير والسفراء من أحاديث، ويتحدث عن ضرورة إبلاغ المعلومات التي يتم تسجيلها إلى السفراء العثمانيين المعنيين في الدول المعنية بشكل برقي أو بالبريد. ويطالب باستصدار أمر من السلطان بجعل هذه الاسلوب عادة متبعة.<br /><br />وفي نهاية هذه الوثيقة الهامة يشير السفير العثماني لدى واشنطن إلى تقريره رقم 80 تاريخ 11 تشرين الأول 1898 الذي كشف فيه بصراحة عن التوجهات الصهيونية للسفير الأمريكي الجديد لدى الدولة العثمانية، وكيف أنه من المتحمسين والمروجين والمؤيدين للمخطط الصهيوني المرسوم من أجل تهويد فلسطين، وأنه يقوم بنشاطات مضرة شديدة السرية والخطورة في مسألة أرض فلسطين، ويشدد السفير العثماني في نهاية رسالته على ضرورة وضع تصرفات وتحركات ذلك السفير الامريكي في اسطنبول تحت المراقبة الدائمة، ويدعو إلى أخذ الحيطة والحذر منه أكثر من أي وقت مضى...!!!<br /><br />هذا ما تقوله الوثائق الرسمية العثمانية ... اللهم فاشهد ....<br /><br />منذر أبو هواش<br /><br /><img class="inlineimg" title="Emo M17" alt="" src="http://www.arabswata.org/forums/images/smilies/emo_m17.gif" border="0" /> </font><font size="+0"><!-- / message --></font>
  • s___s

    #2
    فلسطين في الوثائق العثمانية ... قراءة متأنية ...

    <div id="post_message_218718"><p align="right"><font size="4"><strong><font size="4"><font face="Simplified Arabic"><font color="#000000"><div align="center">دراسة<br /><br />عباس البهائي الجد... كبير سماسرة فلسطين ...</div><br />كنت أدرك من غير شك أو تردد الأهمية الاستثنائية للوثيقة العثمانية رقم Y.PRK.AZJ. 27/39 التي ترجمها ونشرها الاستاذ كمال خوجة، والمحفوظة في أرشيف الوثائق العثمانية لدى رئاسة الوزراء التركية، لكن لم يدر بخلدي، ولم يخطر ببالي قط أن القراءة المتأنية التي نشرتها تحت عنوان (قراءة متأنية في وثيقة الاستاذ كمال خوجة)، ستثير مثل ذلك الاهتمام غير العادي.<br /><br />لذلك فقد رأيت من المفيد أن أعيد القراءة مرة أخرى، وأن أقوم بتوسيع البحث وأن أتوسع في نقل ونشر المزيد من المعلومات المتعلقة بالوثيقة المذكورة، وبموضوع المحاولات الأولى لنقل الاراضي الفلسطينية من خلال أوائل بائعي الأراضي الفلسطينية ألى أوائل المهاجرين اليهود، خلال العقود الثلاثة الأخيرة المشؤومة من القرن التاسع عشر.<br /><br />أبدأ أولا بالترحم على السلطان عبد الحميد خان الثاني، الخليفة العثماني الذي تنبه للمخططات الصهيونية اليهودية منذ ولادتها، فتصدى لها بحكمة، ورفض بشدة كافة العروض المغرية، وأمر باتخاذ التدابير المشددة من أجل الحيلولة دون تحقيقها. وقد خرجت هذه الوثيقة إلى حيز الوجود لتثبت كيف تم انتهاك تلك التدابير من قبل حفنة من الموظفين الذين أعمتهم الرشوة وأعماهم الطمع وحب المال، فكانوا الجسر الذي عبر المهاجرون اليهود من خلاله خلسة وتحت جنح الظلام إلى أرض فلسطين.<br /><br />عمليات التمهيد من أجل تأسيس دولة يهودية في فلسطين كانت قد بدأت بشكل رسمي في شهر تموز من عام 1882، وقد ترافقت بداية هذه العمليات مع المحاولات الاولى التي كان يقوم بها أثرياء يهود من أجل شراء أراض من العثمانيين في فلسطين، وقد اكتسبت هذه المحاولات بعدا جديدا بعد المبادرات التي قام بها الزعيم الصهيوني ثيودور هرتزل لدى السلطان العثماني والحكومة العثمانية أثناء زياراته الخمس التي قام بها تباعا إلى اسطنبول خلال الاعوام 1896-1902. لكن رد السلطان العثماني على تلك العروض المغرية ورفضه الشديد لها كان قاطعا، كما أنه لم يكتف بذلك، بل أرسل تهديده إلى ثيودور هرتزل من خلال صديق الأخير نيولنسكي (Newlinski) <br /><br />"إذا كان السيد هرتزل صديقا لك فبلغه أن لا يقدم على خطوة أخرى في هذا الموضوع. فأنا لن أبيع ولو شبرا واحدا من الأرض. لأن هذا الوطن ليس ملكا لي بل هو ملك لأمتي. لقد حصلت أمتي على هذا الوطن بدمائها. وقبل أن يأخذ منا هذا الوطن ويذهب بعيدا، سوف نغرقه بدمائنا مرة ثانية. إن جنود كتائب سوريا وفلسطين قد سقطوا شهداء واحدا تلو الآخر في بليفنا (Blevna)، لقد استشهدوا عن آخرهم، وبقوا في ساحات القتال، ولم يعد أي واحد منهم. فالدولة العلية العثمانية ليست ملكا لي، وإنما هي ملك للعثمانيين. وأنا لن أقدم أي جزء منها إلى أي أحد. دع اليهود يحتفظون بذهبهم، فإذا ما تمزقت إمبراطوريتي يمكنهم عندها الاستيلاء على فلسطين دون مقابل. لكن تقسيم هذه البلاد لن يكون ممكنا إلا على أشلائنا. وأنا لن أسمح أبدا بإجراء عملية جراحية على جسد الأمة الحي."<br /><br />لكن، وعلى الرغم من ذلك، فقد كان اليهود يكررون عرضهم بتسديد ديون الحكومة العثمانية مقابل فلسطين، بل ومقابل منحهم سنجق عكا ومدينة حيفا على الأقل. لكن المسؤولين العثمانيين الذين أبدوا استعدادهم لتقديم بعض الامتيازات الاقتصادية للمستثمرين اليهود، كانوا يرفضون بشدة بيع فلسطين لليهود، وكانوا يؤكدون بأنهم لن يفعلوا ذلك أبدا.<br /><br />سفير الدولة العثمانية المعروف بمواقفه الوطنية علي فروح بك (Ali Ferruh Bey – Ali Farrouh)، قام بتاريخ 24 نيسان 1899 بالإدلاء بتصريح إلى إحدى الصحف الأمريكية قال فيه: "ليس في نية حكومتنا أن تبيع أي جزء من البلاد العربية، حتى ولو ملئوا جيوبنا بملايين القطع الذهبية" وأضاف السفير علي فروح في نفس التصريح قائلا بأن قضية فلسطين ليست قضية اقتصادية، بل هي قضية سياسية، لذلك فلا علاقة لوزارة المالية بهذه القضية.<br /><br />ولم يكتف السلطان عبد الحميد الثاني برفض عروض اليهود، لكنه قام في نفس الوقت باتخاذ التدابير الفعالة ضدهم، من أجل الحيلولة دون استيطانهم في فلسطين. كما أنه قام للسبب نفسه بمبادرات دبلوماسية لدى القوى العظمى، وحاول إعاقة صهينة اليهود، وأمر بوضع أنظمة لدخول البلاد، وبذل الجهود من أجل منع اليهود من الحصول على حماية أجنبية، كما أنه أصدر أوامره بمنع بيع الأراضي الفلسطينية إلى اليهود.<br /><br />قام السلطان عبد الحميد الثاني بالاتصال مع الامبراطور الالماني وليم الثاني (Wilhelm II. – William II.)، وبين له أن مشروع هرتزل (الصهيونية) لا يتماشى مع مبدأ "وحدة الأراضي العثمانية والسيادة عليها"، الأمر الذي دفع ألمانيا التي أيدت الصهيونية في السابق، إلى التخلي عن موقفها وتوجهها هذا في السنوات الاولى من القرن العشرين. وعلى الرغم من قيام وزير الداخلية الروسي بليف (Plehve) بتوجيه خطاب إلى هرتزل في شهر آب عام 1903 يقول فيه "إن الحكومة الروسية تؤيد الصهيونية، طالما كان هدفها إقامة دولة مستقلة في فلسطين"، إلا أن الحكومة الروسية أيضا تناست وعدها هذا بعد مدة، وكفت عن تأييد الصهيونية. أما الحكومة الفرنسية فقد كانت منذ البداية ضد الصهيونية، لانها كانت تعتبر فلسطين جزءا من سوريا التي كانت تطمع في احتلالها واستعمارها منذ عقود، أما بريطانيا والولايات المتحدة فقد كانتا تقدمان أكبر دعم إلى الصهيونية.<br /><br />اللوبي اليهودي كان يملك نفوذا كبيرا في أمريكا، لذلك فقد قام السلطان عبد الحميد الثاني بمحاولة من أجل ثني هذا اللوبي عن توجيه الدعم والتأييد إلى الصهيونية، وبواسطة زعيم المسلمين الامريكان في ذلك الوقت محمد ويب (Mohammad Webb) تمكن السلطان العثماني في عام 1898 من الوصول إلى إلى ريتشارد غوثيل (Richard Gottheil) زعيم اليهود الامريكان، ودعاه إلى التخلي عن الامال في (الاستيطان اليهودي في فلسطين). قامت الحكومة العثمانية بالاتصال مع الجماعات اليهودية الدينية والاصلاحية في أمريكا وروسيا بشكل خاص، محاولة افهامهم بأن إنشاء دولة يهودية مستقلة في فلسطين سوف يؤدي الى حرمانهم من كافة ممتلكاتهم في أمريكا وروسيا حيث يعيشون برفاهية، وسيؤدي إن تحقق ذلك إلى نفيهم إلى فلسطين الخالية تقريبا من الامكانيات المادية. وقد كان فقدان الاتحاد الصهيوني الامريكي للكثير من أعضائه بعد هذه المحاولات دليلا على مدى نجاعتها ونجاحها.<br /><br />وقد قامت الحكومة العثمانية في تلك الفترة، باتخاذ تدابير جادة تمنع بشكل خاص دخول المهاجرين اليهود واستيطانهم في الأراضي العثمانية. في البداية قامت الحكومة العثمانية بتوجيه تعليماتها الى سفاراتها وممثلياتها في الخارج، وطلبت عدم منح التأشيرات للمشبوهين من اليهود. كانت الحكومة العثمانية تتابع عن قرب كافة الانشطة الصهيونية في اوروبا، لذلك كانت قوات الأمن العثمانية تقف بالمرصاد للمهاجرين اليهود الذين كانوا يدخلون البلاد سرا عن طريق مينائي حيفا ويافا بشكل خاص، وكانت تقوم بإعادة تسفيرهم إلى الحهات التي فدموا منها. وفي شهر تشرين الأول من عام 1882 قامت الحكومة العثمانية بفرض حظر على دخول اليهود الى فلسطين باستثناء القادمين لزيارة الاماكن المقدسة، لكن الصهاينة تمكنوا من التخفي بشكل زوار للاماكن المقدسة ونجحوا في التسلل الى فلسطين والبقاء فيها.<br /><br />لذلك فقد قامت وزارة الداخلية العثمانية عام 1884 بوضع حظر على دخول اليهود إلى فلسطين قبل حصولهم على تأشيرات من السفارات العثمانية، حتى لو كانت زيارتهم بدعوى زيارة الأماكن المقدسة. وفي عام 1887 تم تحديد إقامة زوار الأماكن المقدسة من اليهود بشهر واحد. ومن أجل ضمان مغادرة الزوار اليهود للبلاد، كانت السلطات العثمانية تستوفي منهم عند دخولهم مبلغا كبيرا كتأمين مسترد. وفي هذه المرة حاول اليهود الدخول الى الاراضي العثمانية استثاءا كمواطنين من الدول العظمى. لكن في شهر آب عام 1898 تم إغلاق أبواب فلسطين بشكل كامل أمام كافة اليهود بغض النظر عن الدولة التي ينتمون إليها.<br /><br />وبموجب "نظام شروط الدخول" المنشور بتاريخ 21 تشرين الثاني 1900 ، تم الشروع في تطبيق نظام "جواز السفر الأحمر" من أجل منع دخول الصهاينة إلى فلسطين. وحينما حاول بعض اليهود الامريكين والبريطانيين الذين كانوا يقيمون في البلاد العثمانية الحصول على بعض الحقوق والامتيازات الخاصة بهم، تم اجبارهم على المغادرة ليعيشوا في البلاد التي يحملون جنسياتها.<br /><br />لم يكن "قانون الاراضي العثمانية" الصادر عام 1867 يمنع قيام اليهود بشراء أراض في فلسطين. وعلى الرغم من أن القانون الجديد الصادر بتاريخ 5 آذار 1883 كان يمنع الصهاينة الأجانب من شراء الأموال غير المنقولة في الدولة العثمانية، إلا أنه لم بأت بأي حكم يمنع اليهود من مواطني الدولة العثمانية من فعل ذلك. لهذا السبب، قامت المنظمات الصهيونية بدفع الاموال إلى اليهود المحليين، وأمنت للصهاينة شراء مساحات كبيرة من أراضي المنطقة.<br /><br />وهكذا تم إنشاء بعض التجمعات السكنية الصهيونية، كما سوف نرى من خلال بعض الوثائق الهامة لاحقا، كيف قام بعض السكان وبعض المتنفذين المحليين في تلك السنوات بأعمال الوساطة في بيع قسم لا يستهان به من الاراضي الفلسطينية إلى اليهود حرصا وطمعا.<br /><br />وبناءا على ورود الشكاوى فيما يتعلق بهذا الموضوع، أضطرت حكومة السلطان عبد الحميد الثاني في خريف عام 1892 إلى اتخاذ سلسلة من التدابير الجديدة. حيث جرى التعميم على دوائر الطابو المحلية وعلى السكان بمنع كافة اليهود المحليين واليهود الاجانب من شراء الاموال غير المنقولة، وفي تلك السنوات أصبح بيع الاراضي العثمانية إلى الأجانب يعتبر "خيانة للوطن وخيانة للدين تستوجب غضب الله وعقابه". لقد أصبح بيع الاراضي للاجانب وقيام الارساليات التبشيرية ببناء المدارس والمستشفيات أمورا تتطلب موافقة وإرادة خاصة من السلطان العثماني. أما بالنسبة إلى العرب الفلسطينيين المضطرين إلى بيع أراضيهم، فقد أبدى السلطان عبد الحميد الثاني استعداده واستعداد حكومته لشراء تلك الاراضي وضمها الى أموال الخزينة الخاصة.<br /><br />كان التقرير المشار إليه بأعلاه والمكتوب من قبل ثلاثة مسؤولين فلسطينيين والمرسل بتاريخ 15 آب 1893 يشرح الوقائع وأعمال الخيانة التي كانت تجري في فلسطين بدقة متناهية وبتفصيل عجيب. نعم، فهذا التقرير المكون من صفحتين والذي كتبه صبحي بك (المدير السابق لناحية الشعراوية الشرقية في منطقة البلقاء وهو من أهالي بيروت)، وسعيد اسحق محمد (المدير السابق للريجي في سنجق البلقاء وهو من أهالي حيفا)، ومحمد توفيق السيد (المساعد السابق للمدعي العام في عكا وهو من أهالي مدينة نابلس)، دليل إثبات يفضح بالتفصيل العملاء الذين كانوا وراء تأمين قاعدة الانطلاق للغزاة الصهاينة، وكبف كان ذلك.<br /><br />ويقدم هذا التقرير عرضا موثقا بالارقام والاسماء عن التصرفات والتحركات والأعمال المشبوهة وغير القانونية التي كان يقوم بها بعض المسؤولين في قضاء حيفا، التابع للواء عكا في ذلك الوقت، وعن قيامهم بإدخال المهاجرين اليهود الروس والرومانيين، وتمليكهم الاراضي، وتوطينهم وإسكانهم في الاراضي العثمانية عموما، وفي فلسطين على وجه الحصوص، على الرغم من وجود إرادة سلطانية تمنع هذه الامر وبشكل قطعي.<br /><br />ويبدأ التقرير بالاشارة الى ما حدث قبل ذلك في عام 1306 شرقية (1890 ميلادية)، حين قام اثنان من اليهود الروس هما موسى خانكر وماير زبلون من رجال البارون هيرش (Hirsch) والمقيمان في بلدتي يافا وحيفا، بالترتيب والاتفاق مع متصرف عكا صادق باشا (عندما كان قائم مقام ومتصرفا هناك)، ومع قائم مقام حيفا السابق مصطفى القنواتي، والقائم مقام الحالي (في ذلك الوقت) أحمد شكري، ومفتي عكا علي أفندي، ورئيس بلدية حيفا مصطفى أفندي، وعضو مجلس الإدارة نجيب أفندي، حيث قام هؤلاء جميعا بترتيب إدخال واستقبال مائة وأربعين عائلة يهودية قادمة من روسيا في قضاء حيفا، وقاموا بترتيب بيع الأراضي الواقعة في الخضيرة ودردارة والنفيعات، والتي كان يملكها والي أضنة السابق شاكر باشا (شقيق المتصرف المشار إليه)، وسليم نصر الله الخوري (من أهالي جبل لبنان)، إلى اليهود المذكورين مقابل ثمانية عشر ألف ليرة ، مع إعطاء الموظفين المذكورين ألفي ليرة مقابل تعاونهم لتحقيق ذلك. وتم بعد ذلك إنزال اليهود المذكورين ليلا من السفينة إلى الساحل، تحت إشراف مأمور البوليس في حيفا عزيز، ومأمور الضابطة اليوزباشي علي آغا، وتم توزيعهم في نواحي القضاء. ثم قام رئيس بلدية حيفا مصطفى أفندي (من دون أن تكون له أية صلاحية، ورغم علمه بأن ألامر يتطلب إرادة سلطانية) بتنظيم رخص مزورة بتاريخ قديم، وإنشاء مائة وأربعين منزل على الأراضي المذكورة، وتحويلها إلى قرية، وإسكان اليهود فيها، وتم تنظيم سجل ضريبي لهؤلاء اليهود قبل أن يكون هناك أي شيء، كما تم إعطاؤهم صفة رعايا الدولة العثمانية، لكي يبدو الامر وكأنهم كانوا يقيمون في تلك القرية منذ القدم.<br /><br />ويضيف التقرير بأن التزوير الحاصل لم يتوقف عند ذلك الحد، بل إن الامر قد وصل بالمسؤولين المذكورين إلى حد الادعاء بأن هؤلاء اليهود كانوا من أتباع الدولة العثمانية، وأنهم قد ولدوا في قضائي صفد وطبريا، وأنهم كانوا يقيمون في القرية المعروفة بمزرعة الخضيرة، وأنهم لم يكونوا مسجلين في سجلات النفوس، حيث نظمت بحقهم معاملة المكتومين (المنسيين أو البدون)، مقابل تغريم كل واحد قادر على الدفع منهم مجيدي أبيض واحد ( أي ست مجيديات) كغرامة تأخر في التسجيل، بينما اعفي من هذه الغرامة من ادعوا منهم عدم مقدرتهم على الدفع، وقد أبدى كانبوا الرسالة استغرابهم من اكتمال تلك المعاملة بتلك السرعة وخلال يوم واحد، حيث اكتسب هؤلاء المهاجرون اليهود الجدد صفة قدماء الأهالي بين ليلة وضحاها.<br /><br />وتعيد الرسالة التأكيد على قيام وكيل شاكر باشا المذكور، ومفتي عكا علي أفندي، وسليم نصر الله الخوري من جبل لبنان بقبض مبلغ ثمانية عشر ألف ليرة قيمة بيع تلك الأراضي، دون أي اعتبار لمصالح الأمة والوطن، ولمجرد تأمين أسباب الراحة لهؤلاء اليهود الذين طردوا وأبعدوا من الدول الأجنبية. وأن عمليات إنزال المهاجرين اليهود كانت تتم كلما مرت سفينة في ميناء حيفا.<br /><br />وتكشف هذه الرسالة في شهادة فريدة للتاريخ، عن العمليات الملتوية التي واكبت سيطرة المهاجرين اليهود على منطقة قرية زمارين الفلسطينية وما حولها، فتؤكد وقوع القرية في ذلك الوقت تحت سيطرة البارون روتشيلد، وأنه أصبح بطريقة ما مالكا لها، وأن في القرية سبعمائة بيت يعود معظمها لليهود. وتبين الرسالة أن القرية قد تم بيعها لليهود بطريقة مشبوهة، إثر صدور إعلام شرعي بوجوب تسجيل القرية في دفتر الشواغر، بعد أن مات مالكها الأصلي، والذي لم يكن له ورثة شرعيون. كما تذكر الرسالة تفصيلات هامة عن تمليك القرى المحيطة بقرية زمارين والحاقها بها وهي: شيفيا وأم التوت وأم الجمال، وتذكر الرسالة أيضا أن صادق باشا قد باع الى اليهود أراض خربة لا تتعدى قيمتها ألفي قرش مقابل ألفي ليرة. كما تذكر الرسالة الوثيقة أن تلاعبا مشبوها آخر رافق عملية بيع الأراضي الهامة على الساحل بين حيفا ويافا والمعروفة بخشم الزرقة، والتي تزيد مساحتها عن ثلاثين ألف دونم، حيث بيعت الى يهود زمارين على اعتبار أنها خمسة آلاف دونم فقط، وبسعر ثلاثة قروش للدونم، مع أن سعر الدونم الواحد في ذلك الوقت كان يبلغ ليرة واحدة ...!<br /><br />ويكشف كاتبوا هذا التقرير في جانب هام آخر منه الكيفية التي قامت بها بعض الارساليات التبشيرية باستملاك بعض أراضي المنطقة، ويتحدثون عن عمليات التلاعب والتحايل التي تمت في تمليك معظم أراضي جبل الكرمل، مركزين على أهميته بالنسبة للدولة العثمانية، ويذكرون بأن القسم الأعظم (أكثر من خمسة عشر ألف دونم) من أراضي هذا الجبل الشهير قد تم بيعه (بالحيل وبالطرق الملتوية) إلى رهبان دير الكرمل الفرنسيين من قبل رئيس البلدية مصطفى الخليل، وعضو الإدارة نجيب الياسين، وأن (عشرة آلاف دونم) أخرى قد تم بيعها بطرق مشابهة، وبسعر منخفض أيضا، الى بعض الرهبان الآخرين من رعايا الدولة الالمانية، وأن القنصل البريطاني في حيفا في ذلك الوقت المدعو مستر سميث قد توسط في تمليك (خمسة آلاف دونم) إلى سيدة بريطانية (The British Lady) مقابل سكوتها على بيع تلك الأراضي إلى الأجانب الآخرين، وأنه قد تم بعد ذلك إنشاء مبان وكنائس ضخمة على تلك الأراضي.<br /><br />ولم يهمل كاتبوا الرسالة الاشارة الى القضية العامة التي بادر متصرف عكا زيوار باشا إلى رفعها، في عهد رئيس محكمة البداية في حيفا محي الدين سلهب الطرابلسي، ضد الأجانب المعنيين، مطالبا باستعادة تلك الأراضي، وقد نوه كاتبوا الرسالة بأن تلك القضية كادت أن تحسم للصالح العام، لولا ورود برقية من سلطات أعلى بتعطيل كافة المعاملات المتعلقة بهذه القضية، مع الأمر بنقل المرحوم زيوار باشا إلى القلعة السلطانية (جناق قلعة)، وتعيينه هناك، ويتابع كاتبوا الرسالة قائلين (وبذلك أصبحت شواطئ البحر وجبل الكرمل وتلك الأراضي والمناطق المهمة التي تفتدى كل حفنة من ترابها بالروح بيد الغاصبين الأجانب بدعوى التقادم).<br /><br />أما الجزء الأخير والهام أيضا من هذا التقرير، فيشير إلى الدور البهائي في هذه اللعبة، وإلى النشاطات التي كان يقوم بها (الإيراني عباس المنفي حاليا في عكا) ويقصد به الزعيم البهائي عباس افندي (الذي يدعى أيضا بالغصن الاعظم أو عبد البهاء)، ويقول التقرير أن عباس هذا، كان يحقق كل شيء يريده بفضل ثروته ونفوذه، بالتفاهم مع رئيس بلدية حيفا مصطفى، وعضو المحكمة نجيب، وأنه كان يقوم وعملاؤه بسلب واغتصاب أراضي العاجزين والفقراء من الأهالي، بأثمان بخسة، ليقوموا بعد ذلك بتهيئتها، وبيعها بأثمان فاحشة إلى اليهود والأجانب الآخرين، من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية.<br /><br />أما هذا العباس (السمسار الأعظم) الذي أنعم عليه البريطانيون بلقب (سير) نظير خدماته الجلى التي فضحتها الرسالة الوثيقة، فيبدو أنه قد خص نفسه بقطعة كبيرة من الأرض، تمتد من ساحل البحر الأبيض المتوسط وحتى قمة جبل الكرمل في حيفا، حيث تم دفنه هناك بعد وفاته، وبني له ضريح ضخم ذو قبة ذهبية صفراء، أطلقوا عليها اسم (قبة عباس)، كما أن أتباعه البهائيون قاموا ببناء المقر والمعبد الرئيسي للديانة البهائية في نفس الموقع. وتعتبر الحديقة المحيطة بذلك المعبد المشيد على الاراضي المغتصبة من الفلسطينيين، واحدة من اجمل الحدائق في العالم.<br /><br />ويصف التقرير في ختامه، كيف تمكن المهاجرون اليهود بفضل المال من السيطرة على المتنفذين في ذلك الوقت، وكيف أصبحوا (مرعيو الخاطر) ويحسب لهم ألف حساب، لدرجة أنهم أصبحوا يتحرشون بالنساء ويضايقون الأهالي المسلمين في القرى المجاورة ويتسلطون عليهم، ويدلل التقرير على ذلك بذكر ما تعرض له علي بك الشركسي المدير السايق لناحية قيصاري (قيسارية) من قبل يهود زمارين، حين توجه إلى هناك من أجل التحقيق، بعد ورود اخبارية عن قيام اليهود بسك وتزييف النقود العثمانية المعدنية (الاقجه)، حيث قام اليهود بضرب المدير المذكور وإهانته، وبلغ بهم الأمر إلى حد التسبب ومن خلال بعض الوسطاء في عزله عن وظيفته، ويبين التقرير كذلك أن هذا التراخي من قبل بعض المسؤولين المحليين مع المهاجرين اليهود، جعل هؤلاء يتجرأون ويقومون بإرهاب من يعارضهم من العرب وحبسهم وتعذيبهم، ناهيك عن قيامهم في نفس الوقت ببناء المدارس السرية وتخزين مختلف أنواع الأسلحة والذخائر...! <br /><br />منذر أبو هواش<br /><br />الصفحة الأولى من الوثيقة العثمانية<br />(Y.PRK.AZS 27/39-1311-5-1)<br /><br />الصفحة الثانية من الوثيقة العثمانية<br />(Y.PRK.AZS 27/39-1311-5-2)</font></font></font></strong><font size="+0"><!-- / message --></font></font></p>كنت أدرك من غير شك أو تردد الأهمية الاستثنائية للوثيقة العثمانية رقم Y.PRK.AZJ. 27/39 التي ترجمها ونشرها الاستاذ كمال خوجة، والمحفوظة في أرشيف الوثائق العثمانية لدى رئاسة الوزراء التركية، لكن لم يدر بخلدي، ولم يخطر ببالي قط أن القراءة المتأنية التي نشرتها تحت عنوان (قراءة متأنية في وثيقة الاستاذ كمال خوجة)، ستثير مثل ذلك الاهتمام غير العادي.لذلك فقد رأيت من المفيد أن أعيد القراءة مرة أخرى، وأن أقوم بتوسيع البحث وأن أتوسع في نقل ونشر المزيد من المعلومات المتعلقة بالوثيقة المذكورة، وبموضوع المحاولات الأولى لنقل الاراضي الفلسطينية من خلال أوائل بائعي الأراضي الفلسطينية ألى أوائل المهاجرين اليهود، خلال العقود الثلاثة الأخيرة المشؤومة من القرن التاسع عشر.أبدأ أولا بالترحم على السلطان عبد الحميد خان الثاني، الخليفة العثماني الذي تنبه للمخططات الصهيونية اليهودية منذ ولادتها، فتصدى لها بحكمة، ورفض بشدة كافة العروض المغرية، وأمر باتخاذ التدابير المشددة من أجل الحيلولة دون تحقيقها. وقد خرجت هذه الوثيقة إلى حيز الوجود لتثبت كيف تم انتهاك تلك التدابير من قبل حفنة من الموظفين الذين أعمتهم الرشوة وأعماهم الطمع وحب المال، فكانوا الجسر الذي عبر المهاجرون اليهود من خلاله خلسة وتحت جنح الظلام إلى أرض فلسطين.عمليات التمهيد من أجل تأسيس دولة يهودية في فلسطين كانت قد بدأت بشكل رسمي في شهر تموز من عام 1882، وقد ترافقت بداية هذه العمليات مع المحاولات الاولى التي كان يقوم بها أثرياء يهود من أجل شراء أراض من العثمانيين في فلسطين، وقد اكتسبت هذه المحاولات بعدا جديدا بعد المبادرات التي قام بها الزعيم الصهيوني ثيودور هرتزل لدى السلطان العثماني والحكومة العثمانية أثناء زياراته الخمس التي قام بها تباعا إلى اسطنبول خلال الاعوام 1896-1902. لكن رد السلطان العثماني على تلك العروض المغرية ورفضه الشديد لها كان قاطعا، كما أنه لم يكتف بذلك، بل أرسل تهديده إلى ثيودور هرتزل من خلال صديق الأخير نيولنسكي (Newlinski) "إذا كان السيد هرتزل صديقا لك فبلغه أن لا يقدم على خطوة أخرى في هذا الموضوع. فأنا لن أبيع ولو شبرا واحدا من الأرض. لأن هذا الوطن ليس ملكا لي بل هو ملك لأمتي. لقد حصلت أمتي على هذا الوطن بدمائها. وقبل أن يأخذ منا هذا الوطن ويذهب بعيدا، سوف نغرقه بدمائنا مرة ثانية. إن جنود كتائب سوريا وفلسطين قد سقطوا شهداء واحدا تلو الآخر في بليفنا (Blevna)، لقد استشهدوا عن آخرهم، وبقوا في ساحات القتال، ولم يعد أي واحد منهم. فالدولة العلية العثمانية ليست ملكا لي، وإنما هي ملك للعثمانيين. وأنا لن أقدم أي جزء منها إلى أي أحد. دع اليهود يحتفظون بذهبهم، فإذا ما تمزقت إمبراطوريتي يمكنهم عندها الاستيلاء على فلسطين دون مقابل. لكن تقسيم هذه البلاد لن يكون ممكنا إلا على أشلائنا. وأنا لن أسمح أبدا بإجراء عملية جراحية على جسد الأمة الحي."لكن، وعلى الرغم من ذلك، فقد كان اليهود يكررون عرضهم بتسديد ديون الحكومة العثمانية مقابل فلسطين، بل ومقابل منحهم سنجق عكا ومدينة حيفا على الأقل. لكن المسؤولين العثمانيين الذين أبدوا استعدادهم لتقديم بعض الامتيازات الاقتصادية للمستثمرين اليهود، كانوا يرفضون بشدة بيع فلسطين لليهود، وكانوا يؤكدون بأنهم لن يفعلوا ذلك أبدا.سفير الدولة العثمانية المعروف بمواقفه الوطنية علي فروح بك (Ali Ferruh Bey – Ali Farrouh)، قام بتاريخ 24 نيسان 1899 بالإدلاء بتصريح إلى إحدى الصحف الأمريكية قال فيه: "ليس في نية حكومتنا أن تبيع أي جزء من البلاد العربية، حتى ولو ملئوا جيوبنا بملايين القطع الذهبية" وأضاف السفير علي فروح في نفس التصريح قائلا بأن قضية فلسطين ليست قضية اقتصادية، بل هي قضية سياسية، لذلك فلا علاقة لوزارة المالية بهذه القضية.ولم يكتف السلطان عبد الحميد الثاني برفض عروض اليهود، لكنه قام في نفس الوقت باتخاذ التدابير الفعالة ضدهم، من أجل الحيلولة دون استيطانهم في فلسطين. كما أنه قام للسبب نفسه بمبادرات دبلوماسية لدى القوى العظمى، وحاول إعاقة صهينة اليهود، وأمر بوضع أنظمة لدخول البلاد، وبذل الجهود من أجل منع اليهود من الحصول على حماية أجنبية، كما أنه أصدر أوامره بمنع بيع الأراضي الفلسطينية إلى اليهود.قام السلطان عبد الحميد الثاني بالاتصال مع الامبراطور الالماني وليم الثاني (Wilhelm II. – William II.)، وبين له أن مشروع هرتزل (الصهيونية) لا يتماشى مع مبدأ "وحدة الأراضي العثمانية والسيادة عليها"، الأمر الذي دفع ألمانيا التي أيدت الصهيونية في السابق، إلى التخلي عن موقفها وتوجهها هذا في السنوات الاولى من القرن العشرين. وعلى الرغم من قيام وزير الداخلية الروسي بليف (Plehve) بتوجيه خطاب إلى هرتزل في شهر آب عام 1903 يقول فيه "إن الحكومة الروسية تؤيد الصهيونية، طالما كان هدفها إقامة دولة مستقلة في فلسطين"، إلا أن الحكومة الروسية أيضا تناست وعدها هذا بعد مدة، وكفت عن تأييد الصهيونية. أما الحكومة الفرنسية فقد كانت منذ البداية ضد الصهيونية، لانها كانت تعتبر فلسطين جزءا من سوريا التي كانت تطمع في احتلالها واستعمارها منذ عقود، أما بريطانيا والولايات المتحدة فقد كانتا تقدمان أكبر دعم إلى الصهيونية.اللوبي اليهودي كان يملك نفوذا كبيرا في أمريكا، لذلك فقد قام السلطان عبد الحميد الثاني بمحاولة من أجل ثني هذا اللوبي عن توجيه الدعم والتأييد إلى الصهيونية، وبواسطة زعيم المسلمين الامريكان في ذلك الوقت محمد ويب (Mohammad Webb) تمكن السلطان العثماني في عام 1898 من الوصول إلى إلى ريتشارد غوثيل (Richard Gottheil) زعيم اليهود الامريكان، ودعاه إلى التخلي عن الامال في (الاستيطان اليهودي في فلسطين). قامت الحكومة العثمانية بالاتصال مع الجماعات اليهودية الدينية والاصلاحية في أمريكا وروسيا بشكل خاص، محاولة افهامهم بأن إنشاء دولة يهودية مستقلة في فلسطين سوف يؤدي الى حرمانهم من كافة ممتلكاتهم في أمريكا وروسيا حيث يعيشون برفاهية، وسيؤدي إن تحقق ذلك إلى نفيهم إلى فلسطين الخالية تقريبا من الامكانيات المادية. وقد كان فقدان الاتحاد الصهيوني الامريكي للكثير من أعضائه بعد هذه المحاولات دليلا على مدى نجاعتها ونجاحها.وقد قامت الحكومة العثمانية في تلك الفترة، باتخاذ تدابير جادة تمنع بشكل خاص دخول المهاجرين اليهود واستيطانهم في الأراضي العثمانية. في البداية قامت الحكومة العثمانية بتوجيه تعليماتها الى سفاراتها وممثلياتها في الخارج، وطلبت عدم منح التأشيرات للمشبوهين من اليهود. كانت الحكومة العثمانية تتابع عن قرب كافة الانشطة الصهيونية في اوروبا، لذلك كانت قوات الأمن العثمانية تقف بالمرصاد للمهاجرين اليهود الذين كانوا يدخلون البلاد سرا عن طريق مينائي حيفا ويافا بشكل خاص، وكانت تقوم بإعادة تسفيرهم إلى الحهات التي فدموا منها. وفي شهر تشرين الأول من عام 1882 قامت الحكومة العثمانية بفرض حظر على دخول اليهود الى فلسطين باستثناء القادمين لزيارة الاماكن المقدسة، لكن الصهاينة تمكنوا من التخفي بشكل زوار للاماكن المقدسة ونجحوا في التسلل الى فلسطين والبقاء فيها.لذلك فقد قامت وزارة الداخلية العثمانية عام 1884 بوضع حظر على دخول اليهود إلى فلسطين قبل حصولهم على تأشيرات من السفارات العثمانية، حتى لو كانت زيارتهم بدعوى زيارة الأماكن المقدسة. وفي عام 1887 تم تحديد إقامة زوار الأماكن المقدسة من اليهود بشهر واحد. ومن أجل ضمان مغادرة الزوار اليهود للبلاد، كانت السلطات العثمانية تستوفي منهم عند دخولهم مبلغا كبيرا كتأمين مسترد. وفي هذه المرة حاول اليهود الدخول الى الاراضي العثمانية استثاءا كمواطنين من الدول العظمى. لكن في شهر آب عام 1898 تم إغلاق أبواب فلسطين بشكل كامل أمام كافة اليهود بغض النظر عن الدولة التي ينتمون إليها.وبموجب "نظام شروط الدخول" المنشور بتاريخ 21 تشرين الثاني 1900 ، تم الشروع في تطبيق نظام "جواز السفر الأحمر" من أجل منع دخول الصهاينة إلى فلسطين. وحينما حاول بعض اليهود الامريكين والبريطانيين الذين كانوا يقيمون في البلاد العثمانية الحصول على بعض الحقوق والامتيازات الخاصة بهم، تم اجبارهم على المغادرة ليعيشوا في البلاد التي يحملون جنسياتها.لم يكن "قانون الاراضي العثمانية" الصادر عام 1867 يمنع قيام اليهود بشراء أراض في فلسطين. وعلى الرغم من أن القانون الجديد الصادر بتاريخ 5 آذار 1883 كان يمنع الصهاينة الأجانب من شراء الأموال غير المنقولة في الدولة العثمانية، إلا أنه لم بأت بأي حكم يمنع اليهود من مواطني الدولة العثمانية من فعل ذلك. لهذا السبب، قامت المنظمات الصهيونية بدفع الاموال إلى اليهود المحليين، وأمنت للصهاينة شراء مساحات كبيرة من أراضي المنطقة.وهكذا تم إنشاء بعض التجمعات السكنية الصهيونية، كما سوف نرى من خلال بعض الوثائق الهامة لاحقا، كيف قام بعض السكان وبعض المتنفذين المحليين في تلك السنوات بأعمال الوساطة في بيع قسم لا يستهان به من الاراضي الفلسطينية إلى اليهود حرصا وطمعا.وبناءا على ورود الشكاوى فيما يتعلق بهذا الموضوع، أضطرت حكومة السلطان عبد الحميد الثاني في خريف عام 1892 إلى اتخاذ سلسلة من التدابير الجديدة. حيث جرى التعميم على دوائر الطابو المحلية وعلى السكان بمنع كافة اليهود المحليين واليهود الاجانب من شراء الاموال غير المنقولة، وفي تلك السنوات أصبح بيع الاراضي العثمانية إلى الأجانب يعتبر "خيانة للوطن وخيانة للدين تستوجب غضب الله وعقابه". لقد أصبح بيع الاراضي للاجانب وقيام الارساليات التبشيرية ببناء المدارس والمستشفيات أمورا تتطلب موافقة وإرادة خاصة من السلطان العثماني. أما بالنسبة إلى العرب الفلسطينيين المضطرين إلى بيع أراضيهم، فقد أبدى السلطان عبد الحميد الثاني استعداده واستعداد حكومته لشراء تلك الاراضي وضمها الى أموال الخزينة الخاصة.كان التقرير المشار إليه بأعلاه والمكتوب من قبل ثلاثة مسؤولين فلسطينيين والمرسل بتاريخ 15 آب 1893 يشرح الوقائع وأعمال الخيانة التي كانت تجري في فلسطين بدقة متناهية وبتفصيل عجيب. نعم، فهذا التقرير المكون من صفحتين والذي كتبه صبحي بك (المدير السابق لناحية الشعراوية الشرقية في منطقة البلقاء وهو من أهالي بيروت)، وسعيد اسحق محمد (المدير السابق للريجي في سنجق البلقاء وهو من أهالي حيفا)، ومحمد توفيق السيد (المساعد السابق للمدعي العام في عكا وهو من أهالي مدينة نابلس)، دليل إثبات يفضح بالتفصيل العملاء الذين كانوا وراء تأمين قاعدة الانطلاق للغزاة الصهاينة، وكبف كان ذلك.ويقدم هذا التقرير عرضا موثقا بالارقام والاسماء عن التصرفات والتحركات والأعمال المشبوهة وغير القانونية التي كان يقوم بها بعض المسؤولين في قضاء حيفا، التابع للواء عكا في ذلك الوقت، وعن قيامهم بإدخال المهاجرين اليهود الروس والرومانيين، وتمليكهم الاراضي، وتوطينهم وإسكانهم في الاراضي العثمانية عموما، وفي فلسطين على وجه الحصوص، على الرغم من وجود إرادة سلطانية تمنع هذه الامر وبشكل قطعي.ويبدأ التقرير بالاشارة الى ما حدث قبل ذلك في عام 1306 شرقية (1890 ميلادية)، حين قام اثنان من اليهود الروس هما موسى خانكر وماير زبلون من رجال البارون هيرش (Hirsch) والمقيمان في بلدتي يافا وحيفا، بالترتيب والاتفاق مع متصرف عكا صادق باشا (عندما كان قائم مقام ومتصرفا هناك)، ومع قائم مقام حيفا السابق مصطفى القنواتي، والقائم مقام الحالي (في ذلك الوقت) أحمد شكري، ومفتي عكا علي أفندي، ورئيس بلدية حيفا مصطفى أفندي، وعضو مجلس الإدارة نجيب أفندي، حيث قام هؤلاء جميعا بترتيب إدخال واستقبال مائة وأربعين عائلة يهودية قادمة من روسيا في قضاء حيفا، وقاموا بترتيب بيع الأراضي الواقعة في الخضيرة ودردارة والنفيعات، والتي كان يملكها والي أضنة السابق شاكر باشا (شقيق المتصرف المشار إليه)، وسليم نصر الله الخوري (من أهالي جبل لبنان)، إلى اليهود المذكورين مقابل ثمانية عشر ألف ليرة ، مع إعطاء الموظفين المذكورين ألفي ليرة مقابل تعاونهم لتحقيق ذلك. وتم بعد ذلك إنزال اليهود المذكورين ليلا من السفينة إلى الساحل، تحت إشراف مأمور البوليس في حيفا عزيز، ومأمور الضابطة اليوزباشي علي آغا، وتم توزيعهم في نواحي القضاء. ثم قام رئيس بلدية حيفا مصطفى أفندي (من دون أن تكون له أية صلاحية، ورغم علمه بأن ألامر يتطلب إرادة سلطانية) بتنظيم رخص مزورة بتاريخ قديم، وإنشاء مائة وأربعين منزل على الأراضي المذكورة، وتحويلها إلى قرية، وإسكان اليهود فيها، وتم تنظيم سجل ضريبي لهؤلاء اليهود قبل أن يكون هناك أي شيء، كما تم إعطاؤهم صفة رعايا الدولة العثمانية، لكي يبدو الامر وكأنهم كانوا يقيمون في تلك القرية منذ القدم.ويضيف التقرير بأن التزوير الحاصل لم يتوقف عند ذلك الحد، بل إن الامر قد وصل بالمسؤولين المذكورين إلى حد الادعاء بأن هؤلاء اليهود كانوا من أتباع الدولة العثمانية، وأنهم قد ولدوا في قضائي صفد وطبريا، وأنهم كانوا يقيمون في القرية المعروفة بمزرعة الخضيرة، وأنهم لم يكونوا مسجلين في سجلات النفوس، حيث نظمت بحقهم معاملة المكتومين (المنسيين أو البدون)، مقابل تغريم كل واحد قادر على الدفع منهم مجيدي أبيض واحد ( أي ست مجيديات) كغرامة تأخر في التسجيل، بينما اعفي من هذه الغرامة من ادعوا منهم عدم مقدرتهم على الدفع، وقد أبدى كانبوا الرسالة استغرابهم من اكتمال تلك المعاملة بتلك السرعة وخلال يوم واحد، حيث اكتسب هؤلاء المهاجرون اليهود الجدد صفة قدماء الأهالي بين ليلة وضحاها.وتعيد الرسالة التأكيد على قيام وكيل شاكر باشا المذكور، ومفتي عكا علي أفندي، وسليم نصر الله الخوري من جبل لبنان بقبض مبلغ ثمانية عشر ألف ليرة قيمة بيع تلك الأراضي، دون أي اعتبار لمصالح الأمة والوطن، ولمجرد تأمين أسباب الراحة لهؤلاء اليهود الذين طردوا وأبعدوا من الدول الأجنبية. وأن عمليات إنزال المهاجرين اليهود كانت تتم كلما مرت سفينة في ميناء حيفا.وتكشف هذه الرسالة في شهادة فريدة للتاريخ، عن العمليات الملتوية التي واكبت سيطرة المهاجرين اليهود على منطقة قرية زمارين الفلسطينية وما حولها، فتؤكد وقوع القرية في ذلك الوقت تحت سيطرة البارون روتشيلد، وأنه أصبح بطريقة ما مالكا لها، وأن في القرية سبعمائة بيت يعود معظمها لليهود. وتبين الرسالة أن القرية قد تم بيعها لليهود بطريقة مشبوهة، إثر صدور إعلام شرعي بوجوب تسجيل القرية في دفتر الشواغر، بعد أن مات مالكها الأصلي، والذي لم يكن له ورثة شرعيون. كما تذكر الرسالة تفصيلات هامة عن تمليك القرى المحيطة بقرية زمارين والحاقها بها وهي: شيفيا وأم التوت وأم الجمال، وتذكر الرسالة أيضا أن صادق باشا قد باع الى اليهود أراض خربة لا تتعدى قيمتها ألفي قرش مقابل ألفي ليرة. كما تذكر الرسالة الوثيقة أن تلاعبا مشبوها آخر رافق عملية بيع الأراضي الهامة على الساحل بين حيفا ويافا والمعروفة بخشم الزرقة، والتي تزيد مساحتها عن ثلاثين ألف دونم، حيث بيعت الى يهود زمارين على اعتبار أنها خمسة آلاف دونم فقط، وبسعر ثلاثة قروش للدونم، مع أن سعر الدونم الواحد في ذلك الوقت كان يبلغ ليرة واحدة ...!ويكشف كاتبوا هذا التقرير في جانب هام آخر منه الكيفية التي قامت بها بعض الارساليات التبشيرية باستملاك بعض أراضي المنطقة، ويتحدثون عن عمليات التلاعب والتحايل التي تمت في تمليك معظم أراضي جبل الكرمل، مركزين على أهميته بالنسبة للدولة العثمانية، ويذكرون بأن القسم الأعظم (أكثر من خمسة عشر ألف دونم) من أراضي هذا الجبل الشهير قد تم بيعه (بالحيل وبالطرق الملتوية) إلى رهبان دير الكرمل الفرنسيين من قبل رئيس البلدية مصطفى الخليل، وعضو الإدارة نجيب الياسين، وأن (عشرة آلاف دونم) أخرى قد تم بيعها بطرق مشابهة، وبسعر منخفض أيضا، الى بعض الرهبان الآخرين من رعايا الدولة الالمانية، وأن القنصل البريطاني في حيفا في ذلك الوقت المدعو مستر سميث قد توسط في تمليك (خمسة آلاف دونم) إلى سيدة بريطانية (The British Lady) مقابل سكوتها على بيع تلك الأراضي إلى الأجانب الآخرين، وأنه قد تم بعد ذلك إنشاء مبان وكنائس ضخمة على تلك الأراضي.ولم يهمل كاتبوا الرسالة الاشارة الى القضية العامة التي بادر متصرف عكا زيوار باشا إلى رفعها، في عهد رئيس محكمة البداية في حيفا محي الدين سلهب الطرابلسي، ضد الأجانب المعنيين، مطالبا باستعادة تلك الأراضي، وقد نوه كاتبوا الرسالة بأن تلك القضية كادت أن تحسم للصالح العام، لولا ورود برقية من سلطات أعلى بتعطيل كافة المعاملات المتعلقة بهذه القضية، مع الأمر بنقل المرحوم زيوار باشا إلى القلعة السلطانية (جناق قلعة)، وتعيينه هناك، ويتابع كاتبوا الرسالة قائلين (وبذلك أصبحت شواطئ البحر وجبل الكرمل وتلك الأراضي والمناطق المهمة التي تفتدى كل حفنة من ترابها بالروح بيد الغاصبين الأجانب بدعوى التقادم).أما الجزء الأخير والهام أيضا من هذا التقرير، فيشير إلى الدور البهائي في هذه اللعبة، وإلى النشاطات التي كان يقوم بها (الإيراني عباس المنفي حاليا في عكا) ويقصد به الزعيم البهائي عباس افندي (الذي يدعى أيضا بالغصن الاعظم أو عبد البهاء)، ويقول التقرير أن عباس هذا، كان يحقق كل شيء يريده بفضل ثروته ونفوذه، بالتفاهم مع رئيس بلدية حيفا مصطفى، وعضو المحكمة نجيب، وأنه كان يقوم وعملاؤه بسلب واغتصاب أراضي العاجزين والفقراء من الأهالي، بأثمان بخسة، ليقوموا بعد ذلك بتهيئتها، وبيعها بأثمان فاحشة إلى اليهود والأجانب الآخرين، من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية.أما هذا العباس (السمسار الأعظم) الذي أنعم عليه البريطانيون بلقب (سير) نظير خدماته الجلى التي فضحتها الرسالة الوثيقة، فيبدو أنه قد خص نفسه بقطعة كبيرة من الأرض، تمتد من ساحل البحر الأبيض المتوسط وحتى قمة جبل الكرمل في حيفا، حيث تم دفنه هناك بعد وفاته، وبني له ضريح ضخم ذو قبة ذهبية صفراء، أطلقوا عليها اسم (قبة عباس)، كما أن أتباعه البهائيون قاموا ببناء المقر والمعبد الرئيسي للديانة البهائية في نفس الموقع. وتعتبر الحديقة المحيطة بذلك المعبد المشيد على الاراضي المغتصبة من الفلسطينيين، واحدة من اجمل الحدائق في العالم.ويصف التقرير في ختامه، كيف تمكن المهاجرون اليهود بفضل المال من السيطرة على المتنفذين في ذلك الوقت، وكيف أصبحوا (مرعيو الخاطر) ويحسب لهم ألف حساب، لدرجة أنهم أصبحوا يتحرشون بالنساء ويضايقون الأهالي المسلمين في القرى المجاورة ويتسلطون عليهم، ويدلل التقرير على ذلك بذكر ما تعرض له علي بك الشركسي المدير السايق لناحية قيصاري (قيسارية) من قبل يهود زمارين، حين توجه إلى هناك من أجل التحقيق، بعد ورود اخبارية عن قيام اليهود بسك وتزييف النقود العثمانية المعدنية (الاقجه)، حيث قام اليهود بضرب المدير المذكور وإهانته، وبلغ بهم الأمر إلى حد التسبب ومن خلال بعض الوسطاء في عزله عن وظيفته، ويبين التقرير كذلك أن هذا التراخي من قبل بعض المسؤولين المحليين مع المهاجرين اليهود، جعل هؤلاء يتجرأون ويقومون بإرهاب من يعارضهم من العرب وحبسهم وتعذيبهم، ناهيك عن قيامهم في نفس الوقت ببناء المدارس السرية وتخزين مختلف أنواع الأسلحة والذخائر...! منذر أبو هواشالصفحة الأولى من الوثيقة العثمانية(Y.PRK.AZS 27/39-1311-5-1)الصفحة الثانية من الوثيقة العثمانية(Y.PRK.AZS 27/39-1311-5-2)كنت أدرك من غير شك أو تردد الأهمية الاستثنائية للوثيقة العثمانية رقم Y.PRK.AZJ. 27/39 التي ترجمها ونشرها الاستاذ كمال خوجة، والمحفوظة في أرشيف الوثائق العثمانية لدى رئاسة الوزراء التركية، لكن لم يدر بخلدي، ولم يخطر ببالي قط أن القراءة المتأنية التي نشرتها تحت عنوان (قراءة متأنية في وثيقة الاستاذ كمال خوجة)، ستثير مثل ذلك الاهتمام غير العادي.لذلك فقد رأيت من المفيد أن أعيد القراءة مرة أخرى، وأن أقوم بتوسيع البحث وأن أتوسع في نقل ونشر المزيد من المعلومات المتعلقة بالوثيقة المذكورة، وبموضوع المحاولات الأولى لنقل الاراضي الفلسطينية من خلال أوائل بائعي الأراضي الفلسطينية ألى أوائل المهاجرين اليهود، خلال العقود الثلاثة الأخيرة المشؤومة من القرن التاسع عشر.أبدأ أولا بالترحم على السلطان عبد الحميد خان الثاني، الخليفة العثماني الذي تنبه للمخططات الصهيونية اليهودية منذ ولادتها، فتصدى لها بحكمة، ورفض بشدة كافة العروض المغرية، وأمر باتخاذ التدابير المشددة من أجل الحيلولة دون تحقيقها. وقد خرجت هذه الوثيقة إلى حيز الوجود لتثبت كيف تم انتهاك تلك التدابير من قبل حفنة من الموظفين الذين أعمتهم الرشوة وأعماهم الطمع وحب المال، فكانوا الجسر الذي عبر المهاجرون اليهود من خلاله خلسة وتحت جنح الظلام إلى أرض فلسطين.عمليات التمهيد من أجل تأسيس دولة يهودية في فلسطين كانت قد بدأت بشكل رسمي في شهر تموز من عام 1882، وقد ترافقت بداية هذه العمليات مع المحاولات الاولى التي كان يقوم بها أثرياء يهود من أجل شراء أراض من العثمانيين في فلسطين، وقد اكتسبت هذه المحاولات بعدا جديدا بعد المبادرات التي قام بها الزعيم الصهيوني ثيودور هرتزل لدى السلطان العثماني والحكومة العثمانية أثناء زياراته الخمس التي قام بها تباعا إلى اسطنبول خلال الاعوام 1896-1902. لكن رد السلطان العثماني على تلك العروض المغرية ورفضه الشديد لها كان قاطعا، كما أنه لم يكتف بذلك، بل أرسل تهديده إلى ثيودور هرتزل من خلال صديق الأخير نيولنسكي (Newlinski) "إذا كان السيد هرتزل صديقا لك فبلغه أن لا يقدم على خطوة أخرى في هذا الموضوع. فأنا لن أبيع ولو شبرا واحدا من الأرض. لأن هذا الوطن ليس ملكا لي بل هو ملك لأمتي. لقد حصلت أمتي على هذا الوطن بدمائها. وقبل أن يأخذ منا هذا الوطن ويذهب بعيدا، سوف نغرقه بدمائنا مرة ثانية. إن جنود كتائب سوريا وفلسطين قد سقطوا شهداء واحدا تلو الآخر في بليفنا (Blevna)، لقد استشهدوا عن آخرهم، وبقوا في ساحات القتال، ولم يعد أي واحد منهم. فالدولة العلية العثمانية ليست ملكا لي، وإنما هي ملك للعثمانيين. وأنا لن أقدم أي جزء منها إلى أي أحد. دع اليهود يحتفظون بذهبهم، فإذا ما تمزقت إمبراطوريتي يمكنهم عندها الاستيلاء على فلسطين دون مقابل. لكن تقسيم هذه البلاد لن يكون ممكنا إلا على أشلائنا. وأنا لن أسمح أبدا بإجراء عملية جراحية على جسد الأمة الحي."لكن، وعلى الرغم من ذلك، فقد كان اليهود يكررون عرضهم بتسديد ديون الحكومة العثمانية مقابل فلسطين، بل ومقابل منحهم سنجق عكا ومدينة حيفا على الأقل. لكن المسؤولين العثمانيين الذين أبدوا استعدادهم لتقديم بعض الامتيازات الاقتصادية للمستثمرين اليهود، كانوا يرفضون بشدة بيع فلسطين لليهود، وكانوا يؤكدون بأنهم لن يفعلوا ذلك أبدا.سفير الدولة العثمانية المعروف بمواقفه الوطنية علي فروح بك (Ali Ferruh Bey – Ali Farrouh)، قام بتاريخ 24 نيسان 1899 بالإدلاء بتصريح إلى إحدى الصحف الأمريكية قال فيه: "ليس في نية حكومتنا أن تبيع أي جزء من البلاد العربية، حتى ولو ملئوا جيوبنا بملايين القطع الذهبية" وأضاف السفير علي فروح في نفس التصريح قائلا بأن قضية فلسطين ليست قضية اقتصادية، بل هي قضية سياسية، لذلك فلا علاقة لوزارة المالية بهذه القضية.ولم يكتف السلطان عبد الحميد الثاني برفض عروض اليهود، لكنه قام في نفس الوقت باتخاذ التدابير الفعالة ضدهم، من أجل الحيلولة دون استيطانهم في فلسطين. كما أنه قام للسبب نفسه بمبادرات دبلوماسية لدى القوى العظمى، وحاول إعاقة صهينة اليهود، وأمر بوضع أنظمة لدخول البلاد، وبذل الجهود من أجل منع اليهود من الحصول على حماية أجنبية، كما أنه أصدر أوامره بمنع بيع الأراضي الفلسطينية إلى اليهود.قام السلطان عبد الحميد الثاني بالاتصال مع الامبراطور الالماني وليم الثاني (Wilhelm II. – William II.)، وبين له أن مشروع هرتزل (الصهيونية) لا يتماشى مع مبدأ "وحدة الأراضي العثمانية والسيادة عليها"، الأمر الذي دفع ألمانيا التي أيدت الصهيونية في السابق، إلى التخلي عن موقفها وتوجهها هذا في السنوات الاولى من القرن العشرين. وعلى الرغم من قيام وزير الداخلية الروسي بليف (Plehve) بتوجيه خطاب إلى هرتزل في شهر آب عام 1903 يقول فيه "إن الحكومة الروسية تؤيد الصهيونية، طالما كان هدفها إقامة دولة مستقلة في فلسطين"، إلا أن الحكومة الروسية أيضا تناست وعدها هذا بعد مدة، وكفت عن تأييد الصهيونية. أما الحكومة الفرنسية فقد كانت منذ البداية ضد الصهيونية، لانها كانت تعتبر فلسطين جزءا من سوريا التي كانت تطمع في احتلالها واستعمارها منذ عقود، أما بريطانيا والولايات المتحدة فقد كانتا تقدمان أكبر دعم إلى الصهيونية.اللوبي اليهودي كان يملك نفوذا كبيرا في أمريكا، لذلك فقد قام السلطان عبد الحميد الثاني بمحاولة من أجل ثني هذا اللوبي عن توجيه الدعم والتأييد إلى الصهيونية، وبواسطة زعيم المسلمين الامريكان في ذلك الوقت محمد ويب (Mohammad Webb) تمكن السلطان العثماني في عام 1898 من الوصول إلى إلى ريتشارد غوثيل (Richard Gottheil) زعيم اليهود الامريكان، ودعاه إلى التخلي عن الامال في (الاستيطان اليهودي في فلسطين). قامت الحكومة العثمانية بالاتصال مع الجماعات اليهودية الدينية والاصلاحية في أمريكا وروسيا بشكل خاص، محاولة افهامهم بأن إنشاء دولة يهودية مستقلة في فلسطين سوف يؤدي الى حرمانهم من كافة ممتلكاتهم في أمريكا وروسيا حيث يعيشون برفاهية، وسيؤدي إن تحقق ذلك إلى نفيهم إلى فلسطين الخالية تقريبا من الامكانيات المادية. وقد كان فقدان الاتحاد الصهيوني الامريكي للكثير من أعضائه بعد هذه المحاولات دليلا على مدى نجاعتها ونجاحها.وقد قامت الحكومة العثمانية في تلك الفترة، باتخاذ تدابير جادة تمنع بشكل خاص دخول المهاجرين اليهود واستيطانهم في الأراضي العثمانية. في البداية قامت الحكومة العثمانية بتوجيه تعليماتها الى سفاراتها وممثلياتها في الخارج، وطلبت عدم منح التأشيرات للمشبوهين من اليهود. كانت الحكومة العثمانية تتابع عن قرب كافة الانشطة الصهيونية في اوروبا، لذلك كانت قوات الأمن العثمانية تقف بالمرصاد للمهاجرين اليهود الذين كانوا يدخلون البلاد سرا عن طريق مينائي حيفا ويافا بشكل خاص، وكانت تقوم بإعادة تسفيرهم إلى الحهات التي فدموا منها. وفي شهر تشرين الأول من عام 1882 قامت الحكومة العثمانية بفرض حظر على دخول اليهود الى فلسطين باستثناء القادمين لزيارة الاماكن المقدسة، لكن الصهاينة تمكنوا من التخفي بشكل زوار للاماكن المقدسة ونجحوا في التسلل الى فلسطين والبقاء فيها.لذلك فقد قامت وزارة الداخلية العثمانية عام 1884 بوضع حظر على دخول اليهود إلى فلسطين قبل حصولهم على تأشيرات من السفارات العثمانية، حتى لو كانت زيارتهم بدعوى زيارة الأماكن المقدسة. وفي عام 1887 تم تحديد إقامة زوار الأماكن المقدسة من اليهود بشهر واحد. ومن أجل ضمان مغادرة الزوار اليهود للبلاد، كانت السلطات العثمانية تستوفي منهم عند دخولهم مبلغا كبيرا كتأمين مسترد. وفي هذه المرة حاول اليهود الدخول الى الاراضي العثمانية استثاءا كمواطنين من الدول العظمى. لكن في شهر آب عام 1898 تم إغلاق أبواب فلسطين بشكل كامل أمام كافة اليهود بغض النظر عن الدولة التي ينتمون إليها.وبموجب "نظام شروط الدخول" المنشور بتاريخ 21 تشرين الثاني 1900 ، تم الشروع في تطبيق نظام "جواز السفر الأحمر" من أجل منع دخول الصهاينة إلى فلسطين. وحينما حاول بعض اليهود الامريكين والبريطانيين الذين كانوا يقيمون في البلاد العثمانية الحصول على بعض الحقوق والامتيازات الخاصة بهم، تم اجبارهم على المغادرة ليعيشوا في البلاد التي يحملون جنسياتها.لم يكن "قانون الاراضي العثمانية" الصادر عام 1867 يمنع قيام اليهود بشراء أراض في فلسطين. وعلى الرغم من أن القانون الجديد الصادر بتاريخ 5 آذار 1883 كان يمنع الصهاينة الأجانب من شراء الأموال غير المنقولة في الدولة العثمانية، إلا أنه لم بأت بأي حكم يمنع اليهود من مواطني الدولة العثمانية من فعل ذلك. لهذا السبب، قامت المنظمات الصهيونية بدفع الاموال إلى اليهود المحليين، وأمنت للصهاينة شراء مساحات كبيرة من أراضي المنطقة.وهكذا تم إنشاء بعض التجمعات السكنية الصهيونية، كما سوف نرى من خلال بعض الوثائق الهامة لاحقا، كيف قام بعض السكان وبعض المتنفذين المحليين في تلك السنوات بأعمال الوساطة في بيع قسم لا يستهان به من الاراضي الفلسطينية إلى اليهود حرصا وطمعا.وبناءا على ورود الشكاوى فيما يتعلق بهذا الموضوع، أضطرت حكومة السلطان عبد الحميد الثاني في خريف عام 1892 إلى اتخاذ سلسلة من التدابير الجديدة. حيث جرى التعميم على دوائر الطابو المحلية وعلى السكان بمنع كافة اليهود المحليين واليهود الاجانب من شراء الاموال غير المنقولة، وفي تلك السنوات أصبح بيع الاراضي العثمانية إلى الأجانب يعتبر "خيانة للوطن وخيانة للدين تستوجب غضب الله وعقابه". لقد أصبح بيع الاراضي للاجانب وقيام الارساليات التبشيرية ببناء المدارس والمستشفيات أمورا تتطلب موافقة وإرادة خاصة من السلطان العثماني. أما بالنسبة إلى العرب الفلسطينيين المضطرين إلى بيع أراضيهم، فقد أبدى السلطان عبد الحميد الثاني استعداده واستعداد حكومته لشراء تلك الاراضي وضمها الى أموال الخزينة الخاصة.كان التقرير المشار إليه بأعلاه والمكتوب من قبل ثلاثة مسؤولين فلسطينيين والمرسل بتاريخ 15 آب 1893 يشرح الوقائع وأعمال الخيانة التي كانت تجري في فلسطين بدقة متناهية وبتفصيل عجيب. نعم، فهذا التقرير المكون من صفحتين والذي كتبه صبحي بك (المدير السابق لناحية الشعراوية الشرقية في منطقة البلقاء وهو من أهالي بيروت)، وسعيد اسحق محمد (المدير السابق للريجي في سنجق البلقاء وهو من أهالي حيفا)، ومحمد توفيق السيد (المساعد السابق للمدعي العام في عكا وهو من أهالي مدينة نابلس)، دليل إثبات يفضح بالتفصيل العملاء الذين كانوا وراء تأمين قاعدة الانطلاق للغزاة الصهاينة، وكبف كان ذلك.ويقدم هذا التقرير عرضا موثقا بالارقام والاسماء عن التصرفات والتحركات والأعمال المشبوهة وغير القانونية التي كان يقوم بها بعض المسؤولين في قضاء حيفا، التابع للواء عكا في ذلك الوقت، وعن قيامهم بإدخال المهاجرين اليهود الروس والرومانيين، وتمليكهم الاراضي، وتوطينهم وإسكانهم في الاراضي العثمانية عموما، وفي فلسطين على وجه الحصوص، على الرغم من وجود إرادة سلطانية تمنع هذه الامر وبشكل قطعي.ويبدأ التقرير بالاشارة الى ما حدث قبل ذلك في عام 1306 شرقية (1890 ميلادية)، حين قام اثنان من اليهود الروس هما موسى خانكر وماير زبلون من رجال البارون هيرش (Hirsch) والمقيمان في بلدتي يافا وحيفا، بالترتيب والاتفاق مع متصرف عكا صادق باشا (عندما كان قائم مقام ومتصرفا هناك)، ومع قائم مقام حيفا السابق مصطفى القنواتي، والقائم مقام الحالي (في ذلك الوقت) أحمد شكري، ومفتي عكا علي أفندي، ورئيس بلدية حيفا مصطفى أفندي، وعضو مجلس الإدارة نجيب أفندي، حيث قام هؤلاء جميعا بترتيب إدخال واستقبال مائة وأربعين عائلة يهودية قادمة من روسيا في قضاء حيفا، وقاموا بترتيب بيع الأراضي الواقعة في الخضيرة ودردارة والنفيعات، والتي كان يملكها والي أضنة السابق شاكر باشا (شقيق المتصرف المشار إليه)، وسليم نصر الله الخوري (من أهالي جبل لبنان)، إلى اليهود المذكورين مقابل ثمانية عشر ألف ليرة ، مع إعطاء الموظفين المذكورين ألفي ليرة مقابل تعاونهم لتحقيق ذلك. وتم بعد ذلك إنزال اليهود المذكورين ليلا من السفينة إلى الساحل، تحت إشراف مأمور البوليس في حيفا عزيز، ومأمور الضابطة اليوزباشي علي آغا، وتم توزيعهم في نواحي القضاء. ثم قام رئيس بلدية حيفا مصطفى أفندي (من دون أن تكون له أية صلاحية، ورغم علمه بأن ألامر يتطلب إرادة سلطانية) بتنظيم رخص مزورة بتاريخ قديم، وإنشاء مائة وأربعين منزل على الأراضي المذكورة، وتحويلها إلى قرية، وإسكان اليهود فيها، وتم تنظيم سجل ضريبي لهؤلاء اليهود قبل أن يكون هناك أي شيء، كما تم إعطاؤهم صفة رعايا الدولة العثمانية، لكي يبدو الامر وكأنهم كانوا يقيمون في تلك القرية منذ القدم.ويضيف التقرير بأن التزوير الحاصل لم يتوقف عند ذلك الحد، بل إن الامر قد وصل بالمسؤولين المذكورين إلى حد الادعاء بأن هؤلاء اليهود كانوا من أتباع الدولة العثمانية، وأنهم قد ولدوا في قضائي صفد وطبريا، وأنهم كانوا يقيمون في القرية المعروفة بمزرعة الخضيرة، وأنهم لم يكونوا مسجلين في سجلات النفوس، حيث نظمت بحقهم معاملة المكتومين (المنسيين أو البدون)، مقابل تغريم كل واحد قادر على الدفع منهم مجيدي أبيض واحد ( أي ست مجيديات) كغرامة تأخر في التسجيل، بينما اعفي من هذه الغرامة من ادعوا منهم عدم مقدرتهم على الدفع، وقد أبدى كانبوا الرسالة استغرابهم من اكتمال تلك المعاملة بتلك السرعة وخلال يوم واحد، حيث اكتسب هؤلاء المهاجرون اليهود الجدد صفة قدماء الأهالي بين ليلة وضحاها.وتعيد الرسالة التأكيد على قيام وكيل شاكر باشا المذكور، ومفتي عكا علي أفندي، وسليم نصر الله الخوري من جبل لبنان بقبض مبلغ ثمانية عشر ألف ليرة قيمة بيع تلك الأراضي، دون أي اعتبار لمصالح الأمة والوطن، ولمجرد تأمين أسباب الراحة لهؤلاء اليهود الذين طردوا وأبعدوا من الدول الأجنبية. وأن عمليات إنزال المهاجرين اليهود كانت تتم كلما مرت سفينة في ميناء حيفا.وتكشف هذه الرسالة في شهادة فريدة للتاريخ، عن العمليات الملتوية التي واكبت سيطرة المهاجرين اليهود على منطقة قرية زمارين الفلسطينية وما حولها، فتؤكد وقوع القرية في ذلك الوقت تحت سيطرة البارون روتشيلد، وأنه أصبح بطريقة ما مالكا لها، وأن في القرية سبعمائة بيت يعود معظمها لليهود. وتبين الرسالة أن القرية قد تم بيعها لليهود بطريقة مشبوهة، إثر صدور إعلام شرعي بوجوب تسجيل القرية في دفتر الشواغر، بعد أن مات مالكها الأصلي، والذي لم يكن له ورثة شرعيون. كما تذكر الرسالة تفصيلات هامة عن تمليك القرى المحيطة بقرية زمارين والحاقها بها وهي: شيفيا وأم التوت وأم الجمال، وتذكر الرسالة أيضا أن صادق باشا قد باع الى اليهود أراض خربة لا تتعدى قيمتها ألفي قرش مقابل ألفي ليرة. كما تذكر الرسالة الوثيقة أن تلاعبا مشبوها آخر رافق عملية بيع الأراضي الهامة على الساحل بين حيفا ويافا والمعروفة بخشم الزرقة، والتي تزيد مساحتها عن ثلاثين ألف دونم، حيث بيعت الى يهود زمارين على اعتبار أنها خمسة آلاف دونم فقط، وبسعر ثلاثة قروش للدونم، مع أن سعر الدونم الواحد في ذلك الوقت كان يبلغ ليرة واحدة ...!ويكشف كاتبوا هذا التقرير في جانب هام آخر منه الكيفية التي قامت بها بعض الارساليات التبشيرية باستملاك بعض أراضي المنطقة، ويتحدثون عن عمليات التلاعب والتحايل التي تمت في تمليك معظم أراضي جبل الكرمل، مركزين على أهميته بالنسبة للدولة العثمانية، ويذكرون بأن القسم الأعظم (أكثر من خمسة عشر ألف دونم) من أراضي هذا الجبل الشهير قد تم بيعه (بالحيل وبالطرق الملتوية) إلى رهبان دير الكرمل الفرنسيين من قبل رئيس البلدية مصطفى الخليل، وعضو الإدارة نجيب الياسين، وأن (عشرة آلاف دونم) أخرى قد تم بيعها بطرق مشابهة، وبسعر منخفض أيضا، الى بعض الرهبان الآخرين من رعايا الدولة الالمانية، وأن القنصل البريطاني في حيفا في ذلك الوقت المدعو مستر سميث قد توسط في تمليك (خمسة آلاف دونم) إلى سيدة بريطانية (The British Lady) مقابل سكوتها على بيع تلك الأراضي إلى الأجانب الآخرين، وأنه قد تم بعد ذلك إنشاء مبان وكنائس ضخمة على تلك الأراضي.ولم يهمل كاتبوا الرسالة الاشارة الى القضية العامة التي بادر متصرف عكا زيوار باشا إلى رفعها، في عهد رئيس محكمة البداية في حيفا محي الدين سلهب الطرابلسي، ضد الأجانب المعنيين، مطالبا باستعادة تلك الأراضي، وقد نوه كاتبوا الرسالة بأن تلك القضية كادت أن تحسم للصالح العام، لولا ورود برقية من سلطات أعلى بتعطيل كافة المعاملات المتعلقة بهذه القضية، مع الأمر بنقل المرحوم زيوار باشا إلى القلعة السلطانية (جناق قلعة)، وتعيينه هناك، ويتابع كاتبوا الرسالة قائلين (وبذلك أصبحت شواطئ البحر وجبل الكرمل وتلك الأراضي والمناطق المهمة التي تفتدى كل حفنة من ترابها بالروح بيد الغاصبين الأجانب بدعوى التقادم).أما الجزء الأخير والهام أيضا من هذا التقرير، فيشير إلى الدور البهائي في هذه اللعبة، وإلى النشاطات التي كان يقوم بها (الإيراني عباس المنفي حاليا في عكا) ويقصد به الزعيم البهائي عباس افندي (الذي يدعى أيضا بالغصن الاعظم أو عبد البهاء)، ويقول التقرير أن عباس هذا، كان يحقق كل شيء يريده بفضل ثروته ونفوذه، بالتفاهم مع رئيس بلدية حيفا مصطفى، وعضو المحكمة نجيب، وأنه كان يقوم وعملاؤه بسلب واغتصاب أراضي العاجزين والفقراء من الأهالي، بأثمان بخسة، ليقوموا بعد ذلك بتهيئتها، وبيعها بأثمان فاحشة إلى اليهود والأجانب الآخرين، من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية.أما هذا العباس (السمسار الأعظم) الذي أنعم عليه البريطانيون بلقب (سير) نظير خدماته الجلى التي فضحتها الرسالة الوثيقة، فيبدو أنه قد خص نفسه بقطعة كبيرة من الأرض، تمتد من ساحل البحر الأبيض المتوسط وحتى قمة جبل الكرمل في حيفا، حيث تم دفنه هناك بعد وفاته، وبني له ضريح ضخم ذو قبة ذهبية صفراء، أطلقوا عليها اسم (قبة عباس)، كما أن أتباعه البهائيون قاموا ببناء المقر والمعبد الرئيسي للديانة البهائية في نفس الموقع. وتعتبر الحديقة المحيطة بذلك المعبد المشيد على الاراضي المغتصبة من الفلسطينيين، واحدة من اجمل الحدائق في العالم.ويصف التقرير في ختامه، كيف تمكن المهاجرون اليهود بفضل المال من السيطرة على المتنفذين في ذلك الوقت، وكيف أصبحوا (مرعيو الخاطر) ويحسب لهم ألف حساب، لدرجة أنهم أصبحوا يتحرشون بالنساء ويضايقون الأهالي المسلمين في القرى المجاورة ويتسلطون عليهم، ويدلل التقرير على ذلك بذكر ما تعرض له علي بك الشركسي المدير السايق لناحية قيصاري (قيسارية) من قبل يهود زمارين، حين توجه إلى هناك من أجل التحقيق، بعد ورود اخبارية عن قيام اليهود بسك وتزييف النقود العثمانية المعدنية (الاقجه)، حيث قام اليهود بضرب المدير المذكور وإهانته، وبلغ بهم الأمر إلى حد التسبب ومن خلال بعض الوسطاء في عزله عن وظيفته، ويبين التقرير كذلك أن هذا التراخي من قبل بعض المسؤولين المحليين مع المهاجرين اليهود، جعل هؤلاء يتجرأون ويقومون بإرهاب من يعارضهم من العرب وحبسهم وتعذيبهم، ناهيك عن قيامهم في نفس الوقت ببناء المدارس السرية وتخزين مختلف أنواع الأسلحة والذخائر...! منذر أبو هواشالصفحة الأولى من الوثيقة العثمانية(Y.PRK.AZS 27/39-1311-5-1)الصفحة الثانية من الوثيقة العثمانية(Y.PRK.AZS 27/39-1311-5-2)<font size="4"><strong>كنت أدرك من غير شك أو تردد الأهمية الاستثنائية للوثيقة العثمانية رقم Y.PRK.AZJ. 27/39 التي ترجمها ونشرها الاستاذ كمال خوجة، والمحفوظة في أرشيف الوثائق العثمانية لدى رئاسة الوزراء التركية، لكن لم يدر بخلدي، ولم يخطر ببالي قط أن القراءة المتأنية التي نشرتها تحت عنوان (قراءة متأنية في وثيقة الاستاذ كمال خوجة)، ستثير مثل ذلك الاهتمام غير العادي.لذلك فقد رأيت من المفيد أن أعيد القراءة مرة أخرى، وأن أقوم بتوسيع البحث وأن أتوسع في نقل ونشر المزيد من المعلومات المتعلقة بالوثيقة المذكورة، وبموضوع المحاولات الأولى لنقل الاراضي الفلسطينية من خلال أوائل بائعي الأراضي الفلسطينية ألى أوائل المهاجرين اليهود، خلال العقود الثلاثة الأخيرة المشؤومة من القرن التاسع عشر.أبدأ أولا بالترحم على السلطان عبد الحميد خان الثاني، الخليفة العثماني الذي تنبه للمخططات الصهيونية اليهودية منذ ولادتها، فتصدى لها بحكمة، ورفض بشدة كافة العروض المغرية، وأمر باتخاذ التدابير المشددة من أجل الحيلولة دون تحقيقها. وقد خرجت هذه الوثيقة إلى حيز الوجود لتثبت كيف تم انتهاك تلك التدابير من قبل حفنة من الموظفين الذين أعمتهم الرشوة وأعماهم الطمع وحب المال، فكانوا الجسر الذي عبر المهاجرون اليهود من خلاله خلسة وتحت جنح الظلام إلى أرض فلسطين.عمليات التمهيد من أجل تأسيس دولة يهودية في فلسطين كانت قد بدأت بشكل رسمي في شهر تموز من عام 1882، وقد ترافقت بداية هذه العمليات مع المحاولات الاولى التي كان يقوم بها أثرياء يهود من أجل شراء أراض من العثمانيين في فلسطين، وقد اكتسبت هذه المحاولات بعدا جديدا بعد المبادرات التي قام بها الزعيم الصهيوني ثيودور هرتزل لدى السلطان العثماني والحكومة العثمانية أثناء زياراته الخمس التي قام بها تباعا إلى اسطنبول خلال الاعوام 1896-1902. لكن رد السلطان العثماني على تلك العروض المغرية ورفضه الشديد لها كان قاطعا، كما أنه لم يكتف بذلك، بل أرسل تهديده إلى ثيودور هرتزل من خلال صديق الأخير نيولنسكي (Newlinski) "إذا كان السيد هرتزل صديقا لك فبلغه أن لا يقدم على خطوة أخرى في هذا الموضوع. فأنا لن أبيع ولو شبرا واحدا من الأرض. لأن هذا الوطن ليس ملكا لي بل هو ملك لأمتي. لقد حصلت أمتي على هذا الوطن بدمائها. وقبل أن يأخذ منا هذا الوطن ويذهب بعيدا، سوف نغرقه بدمائنا مرة ثانية. إن جنود كتائب سوريا وفلسطين قد سقطوا شهداء واحدا تلو الآخر في بليفنا (Blevna)، لقد استشهدوا عن آخرهم، وبقوا في ساحات القتال، ولم يعد أي واحد منهم. فالدولة العلية العثمانية ليست ملكا لي، وإنما هي ملك للعثمانيين. وأنا لن أقدم أي جزء منها إلى أي أحد. دع اليهود يحتفظون بذهبهم، فإذا ما تمزقت إمبراطوريتي يمكنهم عندها الاستيلاء على فلسطين دون مقابل. لكن تقسيم هذه البلاد لن يكون ممكنا إلا على أشلائنا. وأنا لن أسمح أبدا بإجراء عملية جراحية على جسد الأمة الحي."لكن، وعلى الرغم من ذلك، فقد كان اليهود يكررون عرضهم بتسديد ديون الحكومة العثمانية مقابل فلسطين، بل ومقابل منحهم سنجق عكا ومدينة حيفا على الأقل. لكن المسؤولين العثمانيين الذين أبدوا استعدادهم لتقديم بعض الامتيازات الاقتصادية للمستثمرين اليهود، كانوا يرفضون بشدة بيع فلسطين لليهود، وكانوا يؤكدون بأنهم لن يفعلوا ذلك أبدا.سفير الدولة العثمانية المعروف بمواقفه الوطنية علي فروح بك (Ali Ferruh Bey – Ali Farrouh)، قام بتاريخ 24 نيسان 1899 بالإدلاء بتصريح إلى إحدى الصحف الأمريكية قال فيه: "ليس في نية حكومتنا أن تبيع أي جزء من البلاد العربية، حتى ولو ملئوا جيوبنا بملايين القطع الذهبية" وأضاف السفير علي فروح في نفس التصريح قائلا بأن قضية فلسطين ليست قضية اقتصادية، بل هي قضية سياسية، لذلك فلا علاقة لوزارة المالية بهذه القضية.ولم يكتف السلطان عبد الحميد الثاني برفض عروض اليهود، لكنه قام في نفس الوقت باتخاذ التدابير الفعالة ضدهم، من أجل الحيلولة دون استيطانهم في فلسطين. كما أنه قام للسبب نفسه بمبادرات دبلوماسية لدى القوى العظمى، وحاول إعاقة صهينة اليهود، وأمر بوضع أنظمة لدخول البلاد، وبذل الجهود من أجل منع اليهود من الحصول على حماية أجنبية، كما أنه أصدر أوامره بمنع بيع الأراضي الفلسطينية إلى اليهود.قام السلطان عبد الحميد الثاني بالاتصال مع الامبراطور الالماني وليم الثاني (Wilhelm II. – William II.)، وبين له أن مشروع هرتزل (الصهيونية) لا يتماشى مع مبدأ "وحدة الأراضي العثمانية والسيادة عليها"، الأمر الذي دفع ألمانيا التي أيدت الصهيونية في السابق، إلى التخلي عن موقفها وتوجهها هذا في السنوات الاولى من القرن العشرين. وعلى الرغم من قيام وزير الداخلية الروسي بليف (Plehve) بتوجيه خطاب إلى هرتزل في شهر آب عام 1903 يقول فيه "إن الحكومة الروسية تؤيد الصهيونية، طالما كان هدفها إقامة دولة مستقلة في فلسطين"، إلا أن الحكومة الروسية أيضا تناست وعدها هذا بعد مدة، وكفت عن تأييد الصهيونية. أما الحكومة الفرنسية فقد كانت منذ البداية ضد الصهيونية، لانها كانت تعتبر فلسطين جزءا من سوريا التي كانت تطمع في احتلالها واستعمارها منذ عقود، أما بريطانيا والولايات المتحدة فقد كانتا تقدمان أكبر دعم إلى الصهيونية.اللوبي اليهودي كان يملك نفوذا كبيرا في أمريكا، لذلك فقد قام السلطان عبد الحميد الثاني بمحاولة من أجل ثني هذا اللوبي عن توجيه الدعم والتأييد إلى الصهيونية، وبواسطة زعيم المسلمين الامريكان في ذلك الوقت محمد ويب (Mohammad Webb) تمكن السلطان العثماني في عام 1898 من الوصول إلى إلى ريتشارد غوثيل (Richard Gottheil) زعيم اليهود الامريكان، ودعاه إلى التخلي عن الامال في (الاستيطان اليهودي في فلسطين). قامت الحكومة العثمانية بالاتصال مع الجماعات اليهودية الدينية والاصلاحية في أمريكا وروسيا بشكل خاص، محاولة افهامهم بأن إنشاء دولة يهودية مستقلة في فلسطين سوف يؤدي الى حرمانهم من كافة ممتلكاتهم في أمريكا وروسيا حيث يعيشون برفاهية، وسيؤدي إن تحقق ذلك إلى نفيهم إلى فلسطين الخالية تقريبا من الامكانيات المادية. وقد كان فقدان الاتحاد الصهيوني الامريكي للكثير من أعضائه بعد هذه المحاولات دليلا على مدى نجاعتها ونجاحها.وقد قامت الحكومة العثمانية في تلك الفترة، باتخاذ تدابير جادة تمنع بشكل خاص دخول المهاجرين اليهود واستيطانهم في الأراضي العثمانية. في البداية قامت الحكومة العثمانية بتوجيه تعليماتها الى سفاراتها وممثلياتها في الخارج، وطلبت عدم منح التأشيرات للمشبوهين من اليهود. كانت الحكومة العثمانية تتابع عن قرب كافة الانشطة الصهيونية في اوروبا، لذلك كانت قوات الأمن العثمانية تقف بالمرصاد للمهاجرين اليهود الذين كانوا يدخلون البلاد سرا عن طريق مينائي حيفا ويافا بشكل خاص، وكانت تقوم بإعادة تسفيرهم إلى الحهات التي فدموا منها. وفي شهر تشرين الأول من عام 1882 قامت الحكومة العثمانية بفرض حظر على دخول اليهود الى فلسطين باستثناء القادمين لزيارة الاماكن المقدسة، لكن الصهاينة تمكنوا من التخفي بشكل زوار للاماكن المقدسة ونجحوا في التسلل الى فلسطين والبقاء فيها.لذلك فقد قامت وزارة الداخلية العثمانية عام 1884 بوضع حظر على دخول اليهود إلى فلسطين قبل حصولهم على تأشيرات من السفارات العثمانية، حتى لو كانت زيارتهم بدعوى زيارة الأماكن المقدسة. وفي عام 1887 تم تحديد إقامة زوار الأماكن المقدسة من اليهود بشهر واحد. ومن أجل ضمان مغادرة الزوار اليهود للبلاد، كانت السلطات العثمانية تستوفي منهم عند دخولهم مبلغا كبيرا كتأمين مسترد. وفي هذه المرة حاول اليهود الدخول الى الاراضي العثمانية استثاءا كمواطنين من الدول العظمى. لكن في شهر آب عام 1898 تم إغلاق أبواب فلسطين بشكل كامل أمام كافة اليهود بغض النظر عن الدولة التي ينتمون إليها.وبموجب "نظام شروط الدخول" المنشور بتاريخ 21 تشرين الثاني 1900 ، تم الشروع في تطبيق نظام "جواز السفر الأحمر" من أجل منع دخول الصهاينة إلى فلسطين. وحينما حاول بعض اليهود الامريكين والبريطانيين الذين كانوا يقيمون في البلاد العثمانية الحصول على بعض الحقوق والامتيازات الخاصة بهم، تم اجبارهم على المغادرة ليعيشوا في البلاد التي يحملون جنسياتها.لم يكن "قانون الاراضي العثمانية" الصادر عام 1867 يمنع قيام اليهود بشراء أراض في فلسطين. وعلى الرغم من أن القانون الجديد الصادر بتاريخ 5 آذار 1883 كان يمنع الصهاينة الأجانب من شراء الأموال غير المنقولة في الدولة العثمانية، إلا أنه لم بأت بأي حكم يمنع اليهود من مواطني الدولة العثمانية من فعل ذلك. لهذا السبب، قامت المنظمات الصهيونية بدفع الاموال إلى اليهود المحليين، وأمنت للصهاينة شراء مساحات كبيرة من أراضي المنطقة.وهكذا تم إنشاء بعض التجمعات السكنية الصهيونية، كما سوف نرى من خلال بعض الوثائق الهامة لاحقا، كيف قام بعض السكان وبعض المتنفذين المحليين في تلك السنوات بأعمال الوساطة في بيع قسم لا يستهان به من الاراضي الفلسطينية إلى اليهود حرصا وطمعا.وبناءا على ورود الشكاوى فيما يتعلق بهذا الموضوع، أضطرت حكومة السلطان عبد الحميد الثاني في خريف عام 1892 إلى اتخاذ سلسلة من التدابير الجديدة. حيث جرى التعميم على دوائر الطابو المحلية وعلى السكان بمنع كافة اليهود المحليين واليهود الاجانب من شراء الاموال غير المنقولة، وفي تلك السنوات أصبح بيع الاراضي العثمانية إلى الأجانب يعتبر "خيانة للوطن وخيانة للدين تستوجب غضب الله وعقابه". لقد أصبح بيع الاراضي للاجانب وقيام الارساليات التبشيرية ببناء المدارس والمستشفيات أمورا تتطلب موافقة وإرادة خاصة من السلطان العثماني. أما بالنسبة إلى العرب الفلسطينيين المضطرين إلى بيع أراضيهم، فقد أبدى السلطان عبد الحميد الثاني استعداده واستعداد حكومته لشراء تلك الاراضي وضمها الى أموال الخزينة الخاصة.كان التقرير المشار إليه بأعلاه والمكتوب من قبل ثلاثة مسؤولين فلسطينيين والمرسل بتاريخ 15 آب 1893 يشرح الوقائع وأعمال الخيانة التي كانت تجري في فلسطين بدقة متناهية وبتفصيل عجيب. نعم، فهذا التقرير المكون من صفحتين والذي كتبه صبحي بك (المدير السابق لناحية الشعراوية الشرقية في منطقة البلقاء وهو من أهالي بيروت)، وسعيد اسحق محمد (المدير السابق للريجي في سنجق البلقاء وهو من أهالي حيفا)، ومحمد توفيق السيد (المساعد السابق للمدعي العام في عكا وهو من أهالي مدينة نابلس)، دليل إثبات يفضح بالتفصيل العملاء الذين كانوا وراء تأمين قاعدة الانطلاق للغزاة الصهاينة، وكبف كان ذلك.ويقدم هذا التقرير عرضا موثقا بالارقام والاسماء عن التصرفات والتحركات والأعمال المشبوهة وغير القانونية التي كان يقوم بها بعض المسؤولين في قضاء حيفا، التابع للواء عكا في ذلك الوقت، وعن قيامهم بإدخال المهاجرين اليهود الروس والرومانيين، وتمليكهم الاراضي، وتوطينهم وإسكانهم في الاراضي العثمانية عموما، وفي فلسطين على وجه الحصوص، على الرغم من وجود إرادة سلطانية تمنع هذه الامر وبشكل قطعي.ويبدأ التقرير بالاشارة الى ما حدث قبل ذلك في عام 1306 شرقية (1890 ميلادية)، حين قام اثنان من اليهود الروس هما موسى خانكر وماير زبلون من رجال البارون هيرش (Hirsch) والمقيمان في بلدتي يافا وحيفا، بالترتيب والاتفاق مع متصرف عكا صادق باشا (عندما كان قائم مقام ومتصرفا هناك)، ومع قائم مقام حيفا السابق مصطفى القنواتي، والقائم مقام الحالي (في ذلك الوقت) أحمد شكري، ومفتي عكا علي أفندي، ورئيس بلدية حيفا مصطفى أفندي، وعضو مجلس الإدارة نجيب أفندي، حيث قام هؤلاء جميعا بترتيب إدخال واستقبال مائة وأربعين عائلة يهودية قادمة من روسيا في قضاء حيفا، وقاموا بترتيب بيع الأراضي الواقعة في الخضيرة ودردارة والنفيعات، والتي كان يملكها والي أضنة السابق شاكر باشا (شقيق المتصرف المشار إليه)، وسليم نصر الله الخوري (من أهالي جبل لبنان)، إلى اليهود المذكورين مقابل ثمانية عشر ألف ليرة ، مع إعطاء الموظفين المذكورين ألفي ليرة مقابل تعاونهم لتحقيق ذلك. وتم بعد ذلك إنزال اليهود المذكورين ليلا من السفينة إلى الساحل، تحت إشراف مأمور البوليس في حيفا عزيز، ومأمور الضابطة اليوزباشي علي آغا، وتم توزيعهم في نواحي القضاء. ثم قام رئيس بلدية حيفا مصطفى أفندي (من دون أن تكون له أية صلاحية، ورغم علمه بأن ألامر يتطلب إرادة سلطانية) بتنظيم رخص مزورة بتاريخ قديم، وإنشاء مائة وأربعين منزل على الأراضي المذكورة، وتحويلها إلى قرية، وإسكان اليهود فيها، وتم تنظيم سجل ضريبي لهؤلاء اليهود قبل أن يكون هناك أي شيء، كما تم إعطاؤهم صفة رعايا الدولة العثمانية، لكي يبدو الامر وكأنهم كانوا يقيمون في تلك القرية منذ القدم.ويضيف التقرير بأن التزوير الحاصل لم يتوقف عند ذلك الحد، بل إن الامر قد وصل بالمسؤولين المذكورين إلى حد الادعاء بأن هؤلاء اليهود كانوا من أتباع الدولة العثمانية، وأنهم قد ولدوا في قضائي صفد وطبريا، وأنهم كانوا يقيمون في القرية المعروفة بمزرعة الخضيرة، وأنهم لم يكونوا مسجلين في سجلات النفوس، حيث نظمت بحقهم معاملة المكتومين (المنسيين أو البدون)، مقابل تغريم كل واحد قادر على الدفع منهم مجيدي أبيض واحد ( أي ست مجيديات) كغرامة تأخر في التسجيل، بينما اعفي من هذه الغرامة من ادعوا منهم عدم مقدرتهم على الدفع، وقد أبدى كانبوا الرسالة استغرابهم من اكتمال تلك المعاملة بتلك السرعة وخلال يوم واحد، حيث اكتسب هؤلاء المهاجرون اليهود الجدد صفة قدماء الأهالي بين ليلة وضحاها.وتعيد الرسالة التأكيد على قيام وكيل شاكر باشا المذكور، ومفتي عكا علي أفندي، وسليم نصر الله الخوري من جبل لبنان بقبض مبلغ ثمانية عشر ألف ليرة قيمة بيع تلك الأراضي، دون أي اعتبار لمصالح الأمة والوطن، ولمجرد تأمين أسباب الراحة لهؤلاء اليهود الذين طردوا وأبعدوا من الدول الأجنبية. وأن عمليات إنزال المهاجرين اليهود كانت تتم كلما مرت سفينة في ميناء حيفا.وتكشف هذه الرسالة في شهادة فريدة للتاريخ، عن العمليات الملتوية التي واكبت سيطرة المهاجرين اليهود على منطقة قرية زمارين الفلسطينية وما حولها، فتؤكد وقوع القرية في ذلك الوقت تحت سيطرة البارون روتشيلد، وأنه أصبح بطريقة ما مالكا لها، وأن في القرية سبعمائة بيت يعود معظمها لليهود. وتبين الرسالة أن القرية قد تم بيعها لليهود بطريقة مشبوهة، إثر صدور إعلام شرعي بوجوب تسجيل القرية في دفتر الشواغر، بعد أن مات مالكها الأصلي، والذي لم يكن له ورثة شرعيون. كما تذكر الرسالة تفصيلات هامة عن تمليك القرى المحيطة بقرية زمارين والحاقها بها وهي: شيفيا وأم التوت وأم الجمال، وتذكر الرسالة أيضا أن صادق باشا قد باع الى اليهود أراض خربة لا تتعدى قيمتها ألفي قرش مقابل ألفي ليرة. كما تذكر الرسالة الوثيقة أن تلاعبا مشبوها آخر رافق عملية بيع الأراضي الهامة على الساحل بين حيفا ويافا والمعروفة بخشم الزرقة، والتي تزيد مساحتها عن ثلاثين ألف دونم، حيث بيعت الى يهود زمارين على اعتبار أنها خمسة آلاف دونم فقط، وبسعر ثلاثة قروش للدونم، مع أن سعر الدونم الواحد في ذلك الوقت كان يبلغ ليرة واحدة ...!ويكشف كاتبوا هذا التقرير في جانب هام آخر منه الكيفية التي قامت بها بعض الارساليات التبشيرية باستملاك بعض أراضي المنطقة، ويتحدثون عن عمليات التلاعب والتحايل التي تمت في تمليك معظم أراضي جبل الكرمل، مركزين على أهميته بالنسبة للدولة العثمانية، ويذكرون بأن القسم الأعظم (أكثر من خمسة عشر ألف دونم) من أراضي هذا الجبل الشهير قد تم بيعه (بالحيل وبالطرق الملتوية) إلى رهبان دير الكرمل الفرنسيين من قبل رئيس البلدية مصطفى الخليل، وعضو الإدارة نجيب الياسين، وأن (عشرة آلاف دونم) أخرى قد تم بيعها بطرق مشابهة، وبسعر منخفض أيضا، الى بعض الرهبان الآخرين من رعايا الدولة الالمانية، وأن القنصل البريطاني في حيفا في ذلك الوقت المدعو مستر سميث قد توسط في تمليك (خمسة آلاف دونم) إلى سيدة بريطانية (The British Lady) مقابل سكوتها على بيع تلك الأراضي إلى الأجانب الآخرين، وأنه قد تم بعد ذلك إنشاء مبان وكنائس ضخمة على تلك الأراضي.ولم يهمل كاتبوا الرسالة الاشارة الى القضية العامة التي بادر متصرف عكا زيوار باشا إلى رفعها، في عهد رئيس محكمة البداية في حيفا محي الدين سلهب الطرابلسي، ضد الأجانب المعنيين، مطالبا باستعادة تلك الأراضي، وقد نوه كاتبوا الرسالة بأن تلك القضية كادت أن تحسم للصالح العام، لولا ورود برقية من سلطات أعلى بتعطيل كافة المعاملات المتعلقة بهذه القضية، مع الأمر بنقل المرحوم زيوار باشا إلى القلعة السلطانية (جناق قلعة)، وتعيينه هناك، ويتابع كاتبوا الرسالة قائلين (وبذلك أصبحت شواطئ البحر وجبل الكرمل وتلك الأراضي والمناطق المهمة التي تفتدى كل حفنة من ترابها بالروح بيد الغاصبين الأجانب بدعوى التقادم).أما الجزء الأخير والهام أيضا من هذا التقرير، فيشير إلى الدور البهائي في هذه اللعبة، وإلى النشاطات التي كان يقوم بها (الإيراني عباس المنفي حاليا في عكا) ويقصد به الزعيم البهائي عباس افندي (الذي يدعى أيضا بالغصن الاعظم أو عبد البهاء)، ويقول التقرير أن عباس هذا، كان يحقق كل شيء يريده بفضل ثروته ونفوذه، بالتفاهم مع رئيس بلدية حيفا مصطفى، وعضو المحكمة نجيب، وأنه كان يقوم وعملاؤه بسلب واغتصاب أراضي العاجزين والفقراء من الأهالي، بأثمان بخسة، ليقوموا بعد ذلك بتهيئتها، وبيعها بأثمان فاحشة إلى اليهود والأجانب الآخرين، من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية.أما هذا العباس (السمسار الأعظم) الذي أنعم عليه البريطانيون بلقب (سير) نظير خدماته الجلى التي فضحتها الرسالة الوثيقة، فيبدو أنه قد خص نفسه بقطعة كبيرة من الأرض، تمتد من ساحل البحر الأبيض المتوسط وحتى قمة جبل الكرمل في حيفا، حيث تم دفنه هناك بعد وفاته، وبني له ضريح ضخم ذو قبة ذهبية صفراء، أطلقوا عليها اسم (قبة عباس)، كما أن أتباعه البهائيون قاموا ببناء المقر والمعبد الرئيسي للديانة البهائية في نفس الموقع. وتعتبر الحديقة المحيطة بذلك المعبد المشيد على الاراضي المغتصبة من الفلسطينيين، واحدة من اجمل الحدائق في العالم.ويصف التقرير في ختامه، كيف تمكن المهاجرون اليهود بفضل المال من السيطرة على المتنفذين في ذلك الوقت، وكيف أصبحوا (مرعيو الخاطر) ويحسب لهم ألف حساب، لدرجة أنهم أصبحوا يتحرشون بالنساء ويضايقون الأهالي المسلمين في القرى المجاورة ويتسلطون عليهم، ويدلل التقرير على ذلك بذكر ما تعرض له علي بك الشركسي المدير السايق لناحية قيصاري (قيسارية) من قبل يهود زمارين، حين توجه إلى هناك من أجل التحقيق، بعد ورود اخبارية عن قيام اليهود بسك وتزييف النقود العثمانية المعدنية (الاقجه)، حيث قام اليهود بضرب المدير المذكور وإهانته، وبلغ بهم الأمر إلى حد التسبب ومن خلال بعض الوسطاء في عزله عن وظيفته، ويبين التقرير كذلك أن هذا التراخي من قبل بعض المسؤولين المحليين مع المهاجرين اليهود، جعل هؤلاء يتجرأون ويقومون بإرهاب من يعارضهم من العرب وحبسهم وتعذيبهم، ناهيك عن قيامهم في نفس الوقت ببناء المدارس السرية وتخزين مختلف أنواع الأسلحة والذخائر...! <br /><br />منذر أبو هواش<br /><br />الصفحة الأولى من الوثيقة العثمانية(Y.PRK.AZS 27/39-1311-5-1)<br /><br />الصفحة الثانية من الوثيقة العثمانية(Y.PRK.AZS 27/39-1311-5-2)</strong></font></div><!-- / message -->

    تعليق

    • s___s

      #3
      فلسطين في الوثائق العثمانية ... قراءة متأنية ...

      <font face="Simplified Arabic" size="4"> </font><div align="center">بيع الفلسطينيين أرضهم لليهود حقيقة أم افتراء؟!<br /><br />د. خالد الخالدي - رئيس قسم التاريخ والآثار - الجامعة الإسلامية - غزة</div><br />يُعد هذا الموضوع من الموضوعات المهمة التي يجب على الفلسطينيين وخصوصاً المتعلمين والمثقفين منهم أن يفهموه جيداً، وأن يحفظوا حقائقه وأرقامه، وذلك للأسباب الآتية: <br /><br />1- أَنَّ كثيراً من أبناء الشعوب العربية قد صدَّقوا الإشاعات التي نشرها اليهود، وروج لها أعوانهم، وأَهمها: "أن الشعب الفلسطيني باع أَرضه لليهود، فلماذا يطالبنا بتحرير أرض قبض ثمنها"؟!. وقد تعرضت أنا شخصياً لهذا السؤال مرات عدة، وفي بلدان عربية مختلفة، ووجدته أكثر انتشاراً في البلدان التي يرجى منها أن تفعل شيئاً من أجل تحرير فلسطين. <br /><br />2- أنَّ مصدر هذه الإشاعة كتاب كتبوا في أَكثر الصحف العربية انتشاراً، ونشروا أكاذيب كثيرة، شوهوا فيها صورة الفلسطيني بهدف أن يُفقِدوا شعوبهم الحماس لفلسطين، وبلغ بهم الكذب حداً امتهنوا فيه جيوشهم، فقالوا :" إن الفلسطينيين يبيعون الضابط العربي لليهود بخمسة جنيهات، والجندي بجنيه واحد". <br /><br />3- أنَّ العديد من الصحف العربية الرسمية ما زالت إلى اليوم منبراً لكتاب وضعوا أنفسهم في صف أعداء الأمة، وهم لا يملون من مهاجمة الفلسطينيين وتشويههم. وقد قرأت مقالاً لكاتب معروف في صحيفة عربية مشهورة يُهاجم فيه الفلسطينيين الذين تعاطفوا مع العراق أثناء تعرضه للهجوم الأمريكي، يقول فيه بالحرف الواحد: "هذا الشعب الوضيع الذي باع أرضه لليهود". <br /><br />4- أنَّ هذه التهمة تتردد حتى في أوساط المثقفين، وكنَّا نسمع ذلك أثناء مناقشات مع مثقفين عرب يعملون في السعودية ودول الخليج، ومن ذلك قول أحدهم: " نعمل لكم إيه كل ما نحررها تبيعوها … كل ما نحررها تبيعوها". <br /><br />5- أنَّ مروجي هذه الإشاعة ينشطون عندما تشتد مقاومة الشعب الفلسطيني لليهود، بهدف قتل أي تعاطف شعبي عربي مع الفلسطينيين. <br /><br />6- أنَّ الشعب الفلسطيني الذي يحمل لواء الجهاد والمقاومة منذ أكثر من ثمانين عاماً، وقدم مئات الألوف من الشهداء، وما زال يقدم، ويقف وحده في الميدان، صامداً صابراً مجاهداً بالرغم من اجتماع الأعداء عليه، وتخلي ذوي القربى عنه، بل تآمرهم عليه، هذا الشعب يستحق أن ينصف ويدافع عنه، وقد شهد له كل منصف عرفه أو سمع عنه ونذكر فقط من هذه الشهادات قول هتلر في رسالة إلى ألمان السوديت: "اتخذوا يا ألمان السوديت من عرب فلسطين قدوة لكم، إنهم يكافحون إنجلترا أكبر إمبراطورية في العالم، واليهودية العالمية معاً، ببسالة خارقة، وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما أنتم فإنَّ ألمانيا كلها من ورائكم". <br /><br />7- أنه لا يليق بمتعلم أو مثقف فلسطيني، أن يتهم شعبه، ويقف عاجزاً غير قادر على تقديم المعلومات والحقائق التي تدحض هذا الاتهام.<br /><br />وسوف أتناول هذا الموضوع بحياد ونزاهة وعلمية، مدافعاً عن الفلسطينيين بما يستحقون، ومحملاً إياهم ما وقعوا فيه من أخطاء. وقد استقيت معلوماتي من كتب ووثائق موثوقة. <br />بلغت مساحة الأراضي التي وقعت تحت أيدي اليهود حتى عام 1948م من غير قتال أو حرب، حوالي (2) مليون دونم. أي ما يعادل 8.8% من مساحة فلسطين التي تبلغ 27 مليون دونم. <br />حصل اليهود على تلك الأرض (2 مليون دونم) بأربع طرق هي: <br /><br />الطريق الأول:<br />650.000 دونماً (ستمائة وخمسين ألف دونم) حصلوا على جزء منها كأي أقلية تعيش في فلسطين منذ مئات السنين، وتملك أرضاً تعيش عليها، وحصلوا على الجزء الآخر بمساعدة الولاة الأتراك الماسونيين، الذين عيَّنتهم على فلسطين حكومة الاتحاد والترقي، التي كان أكثر من 90% من أعضائها من اليهود. وقد تآمرت جمعية الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد وأسقطته، لأنه رفض كلَّ عروض اليهود عليه مقابل تمكينهم من أرض فلسطين. ومن هذه العروض إعطاؤه مبلغ خمسة ملايين ليرة إنجليزية ذهباً لجيبه الخاص، وتسديد جميع ديون الدولة العثمانية البالغة 33 مليون ليرة ذهباً، وبناء أسطول لحماية الإمبراطورية بتكاليف قدرها مائة وعشرون مليون فرنك ذهبي، وتقديم قروض بخمسة وثلاثين مليون ليرة ذهبية دون فوائد لإنعاش مالية الدولة العثمانية، وبناء جامعة عثمانية في القدس. <br /><br />الطريق الثاني:<br />665.000 دونماً (ستمائة وخمسة وستين ألف دونم) حصل عليها اليهود، بمساعدة حكومةِ الانتداب البريطاني المباشرة، وقد قُدمت إلى اليهود على النحو الآتي:- <br /><br />1- أعطي المندوب السامي البريطاني منحة للوكالة اليهودية ثلاثمائة ألف دونم. <br /><br />2- باع المندوب السامي البريطاني الوكالة اليهودية وبأسعار رمزية مائتي ألف دونم. <br /><br />3- أهدت حكومة الانتداب للوكالة اليهودية أرض السلطان عبد الحميد في منطقتي الحولة وبيسان - امتياز الحولة وبيسان - ومساحتها 165.000 دونماً (مائة وخمسة وستون ألف دونم). <br /><br />الطريق الثالث:<br />606.000 دونماً (ستمائة وستة آلاف دونم)، اشتراها اليهود من إقطاعيين لبنانيين وسوريين، وكان هؤلاء الإقطاعيون يملكون هذه الأراضي الفلسطينية عندما كانت سوريا ولبنان والأردن وفلسطين بلداً واحداً تحت الحكم العثماني يُسمى بلاد الشام أو سوريا الكبرى، وعندما هزمت تركيا واحتل الحلفاء بلاد الشام، قسمت هذه البلاد إلى أربعة دول أو مستعمرات، حيث خضعت سوريا ولبنان للاحتلال الفرنسي، وشرق الأردن للاحتلال البريطاني، وفلسطين للانتداب البريطاني توطئة لجعلها وطناً قومياً لليهود. وهكذا أصبح كثير من الملاك السوريين واللبنانيين يعيشون في بلد وأملاكهم في بلد آخر، فانتهز كثير منهم الفرصة وباعوا أرضهم في فلسطين لليهود الذين دفعوا لهم فيها أسعاراً خيالية، وبنوا بثمنها العمارات الشاهقة في بيروت ودمشق وغيرها. وكانت كمية الأراضي التي بيعت، والعائلات التي باعت كما يلي: <br /><br />1- باعت عائلة سرسق البيروتية - ميشيل سرسق وإخوانه مساحة 400.000 دونماً (أربعمائة ألف دونم) ، في سهل مرج ابن عامر، وهي من أخصب الأراضي الفلسطينية، وكانت تسكنها 2546 أسرة فلسطينية، طُردت من قراها لتحل محلها أسر يهودية أحضرت من أوروبا وغيرها.<br /><br />2- باعت عائلة سلام البيروتية 165.000 دونماً (مائة وخمسة وستين ألف دونم) لليهود وكانت الحكومة العثمانية قد أعطتهم امتياز استصلاح هذه الأراضي حول بحيرة الحولة لاستصلاحها ثم تمليكها للفلاحين الفلسطينيين بأثمان رمزية، إلا أنهم باعوها لليهود. <br /><br />3- باعت عائلتا بيهم وسرسق (محمد بيهم وميشيل سرسق) امتياز آخر في أراضي منطقة الحولة، وكان قد أُعطي لهم لاستصلاحه وتمليكه للفلاحين الفلسطينيين، ولكنهم باعوه لليهود. <br /><br />4- باع أنطون تيان وأخوه ميشيل تيان لليهود أرضاً لهم في وادي الحوارث مساحتها خمسة آلاف وثلاثمائة وخمسين دونماً، واستولى اليهود على جميع أراضي وادي الحوارث البالغة مساحتها 32.000 دونماً (اثنان وثلاثون ألف دونم) ، وطردوا أهله منه بمساعدة الإنجليز، بدعوى أنهم لم يستطيعوا تقديم وثائق تُثبت ملكيتهم للأراضي التي كانوا يزرعونها منذ مئات السنين. <br /><br />5- باع آل قباني البيروتيون لليهود مساحة 4000 دونماً (أربعة آلاف دونم) بوادي القباني، واستولى اليهود على أراضي الوادي كله. <br /><br />6- باع آل صباغ وآل تويني البيروتيون لليهود قرى (الهريج والدار البيضاء والانشراح -نهاريا-). <br /><br />7- باعت عائلات القوتلي والجزائري وآل مرديني السورية لليهود قسماً كبيراً من أراضي صفد. <br /><br />8- باع آل يوسف السوريون لليهود قطعة أرض كبيرة لشركة <br /><br />(The Palestinian Land Development Company). <br />9- باع كل من خير الدين الأحدب، وصفي قدورة، وجوزيف خديج، وميشال سرجي، ومراد دانا وإلياس الحاج اللبنانيون لليهود مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية المجاورة للبنان. <br /><br />الطريق الرابع:<br />بالرغم من جميع الظروف التي وضع فيها الشعب الفلسطيني والقوانين المجحفة التي سنها المندوب السامي الذي كان يهودياً في الغالب، إلا أنَّ مجموع الأراضي التي بيعت من قبل فلسطينيين خلال ثلاثين عاماً بلغت ثلاثمائة ألف دونم، وقد اعتبر كل من باع أرضه لليهود خائناً، وتمت تصفية الكثيرين منهم على أيدي الفلسطينيين. <br /><br />ومن العوامل التي أدت إلى ضعف بعض الفلسطينيين وسقوطهم في هذه الخطيئة. <br />1- لم يكن الفلسطينيون في السنوات الأولى للاحتلال البريطاني على معرفة بنوايا اليهود، وكانوا يتعاملون معهم كأقلية انطلاقاً من حرص الإسلام على معاملة الأقليات غير المسلمة معاملة طيبة. <br />2- القوانين الإنجليزية التي سنتها حكومةُ الانتداب، والتي وُضعت بهدف تهيئة كل الظروف الممكنة لتصل الأراضي إلى أيدي اليهود. ومن هذه القوانين، قانون صك الانتداب الذي تضمنت المادة الثانية منه النص الآتي:" تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن جعل فلسطين في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تكفل إنشاء الوطن القومي لليهود". <br />وجاء في إحدى مواد الدستور الذي تحكم بمقتضاه فلسطين النص الآتي: " يشترط أن لا يطبق التشريع العام ومبادئ العدل والإنصاف في فلسطين إلاَّ بقدر ما تسمح به الظروف، وأن تراعى عند تطبيقها التعديلات التي تستدعيها الأحوال العامة". إضافة إلى مادة أخرى تقول: " بما أنَّ الشرع الإسلامي خوَّل للسلطان صلاحية تحويل الأراضي الميري (الحكومية) إلى أراضي الملك فإنه من المناسب تخويل المندوب السامي هذه الصلاحية".<br /><br />3- الإغراءات الشديدة التي قدمها اليهود للذين يبيعون الأرض، فقد بلغ ما يدفعه اليهودي ثمناً للدونم الواحد عشرة أضعاف ما يدفعه العربي ثمناً له. وقد تسبب ذلك في سقوط بعض أصحاب النفوس المريضة، ومثل هذه النوعية لا تخلو منها أمة من الأمم. <br /><br />4- الفساد الذي نشره اليهود، وحمته القوانين البريطانية التي تبيح الخمر و الزنا. <br /><br />ويُسجَّل للشعب الفلسطيني أنه أَجمع على تجريم القلائل الذين ارتكبوا هذه الخطيئة، ونبذهم واحتقرهم وخوَّنهم ونفذ حكم الإعدام في كثير منهم. <br /><br />وقد نشرت الصحف أخباراً عن تصفيات تمت في فلسطين لأشخاص باعوا أرضهم لليهود أو سمسروا لبيع أراض لليهود نذكر منها فقط ما نشرته جريده الأهرام في العدد 28 و29 تموز (يوليو) 1937م "اغتيل بالرصاص (فلان) بينما كان في طريقه إلى منزله ليلاً، وهو مشهور بالسمسرة على الأراضي لليهود، وترأس بعض المحافل الماسونية العاملة لمصلحة الصهيونية، وقيل إنَّ سبب اغتياله هو تسببه في نقل ملكية مساحات واسعة من أخصب أراضي فلسطين لليهود، وقد أغلق المسلمون جامع حسن بيك في المنشية لمنع الصلاة عليه فيه، ولم يحضر لتشييعه سوى بعض أقاربه، وليس كلهم، وبعض الماسونيين، وقد توقع أهله أن يمنع الناس دفنه في مقابر المسلمين، فنقلوا جثته إلى قرية قلقيلية بلدته الأصلية، وحصلت ممانعة لدفنه في مقابر المسلمين. وقيل إنه دُفن في مستعمرة يهودية اسمها "بنيامينا" لأنه متزوج من يهودية، وأن قبره قد نبش في الليل وأُلقيت جثته على بعد 20 متراً. <br /><br />يتبين مما سبق أن الـ 8.8 في المائة من مساحة فلسطين أو الـ 2 مليون دونم التي وقعت في أيدي اليهود حتى سنة 1948م، لم يحصل عليها اليهود عن طريق شرائها من فلسطينيين كما يتصور حتى الكثير من مثقفينا، بل وصل معظمها إلى اليهود عن طريق الولاة الأتراك الماسونيين والمنح والهدايا من الحكومة البريطانية، والشراء من عائلات سورية ولبنانية، وأنَّ 300.000 دونماً فقط اشتريت من فلسطينيين خلال ثلاثين عاماً من السياسات الاقتصادية الظالمة والضغوط والمحاولات والإغراءات، أي أنَّ 1/8 (ثُمن) الأراضي التي حازها اليهود حتى سنة 1948م، كان مصدرها فلسطينيون، وقد رأينا كيف باعت عائلة لبنانية واحدة 400.000 دونماً في لحظة واحدة، وهو أكبر مما باعه فلسطينيون خلال ثلاثين عاماً. وأنَّ هؤلاء قلة شاذة عوقبوا بالنبذ والقتل.<br /><br />ولا يخلو مجتمع حتى في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، من ضعاف ومنافقين، وليس من الإنصاف، أن يتحمل الشعب الفلسطيني كله جريمةً ارتكبها بعض شواذه. لا سيما أن هذا الشعب حاسب هؤلاء الشواذ وعاقبهم. <br /><br />وإنَّ ما يقدمه الشعب الفلسطيني اليوم من تضحيات و بطولات بعد مضي أكثر من نصف قرن على احتلال أرضه، وإصراره على المقاومة والجهاد والاستشهاد بالرغم من ضخامة المؤامرة ضده لخير دليل على تمسكه وعدم تفريطه بأرضه المقدسة المباركة

      تعليق

      يعمل...