عادة لبس العباءة رمز للشيخة العربية والرابطة العشائرية الأصيلة
الكاتب محمد زعل السلوم
العباءة التي نسجت خيوطها من الراية العربية الكبيرة هي رمز العزة والكرامة العربية كما تدل على شرف العربي وتمسكه بعاداته وتقاليده فهي ليست مجرد لون من ألوان الزي التراثي العربي فحسب بل هي رمز يحفظ قيمنا وعوائدنا وثوابت مجتمعنا الثقافية فلها وظيفة لافتة وذات دلالات متباينة وتعكس طبيعة النسيج الاجتماعي عند بدو القنيطرة ومنظومة قيم أبنائها فقد احتل هذا الثوب الخارجي مكانة في سلوكيات الأفراد وعلى ألسنتهم وهي غطاء السترة عند البدوي فقد ارتدى البدو العباءة منذ قديم الزمان وهي التي تدل على السيادة والوجاهة وهي ترتبط بالتقاليد العشائرية فعندما تخرج العروس من منزل أهلها ترتدي العباءة للدلالة على مكانتها بين عزوتها ونخوتها وأهلها وأنها خرجت بثوب العفاف والعزة والجاه والسترة وعندما يرتدي العريس العباءة فذلك يعني أنه أصبح رب أسرة مسؤول عنها وهو سيد المنزل وعليه تقع المسؤوليات الكبرى في رعاية زوجته وأولاده والحفاظ عليهم تحت جناحه أو عباءته وهي مسؤولية مضاعفة عليه تقبلها والعشيرة كالأسرة الواحدة وبالتالي عند وفاة شيخ فلابد من تولي ابنه أو أقرب الناس إليه ومن يستحق زعامة عشيرته وتوليه أمرها وهكذا درجت عادة لبس العباءة عند البدو بالوطن العربي فهي مبايعة من قبل أبناء العشيرة لسيدهم وزعيمهم الجديد وهي واقعة نادرة الحصول في عصرنا الحديث بسبب تغير مفهوم الانتماء ومفهوم رابطة الدم فانتماء البدوي بعصرنا الحديث للوطن ومع ذلك فلابد من انتمائه لمنزله ولعائلته وعشيرته فالوطن والعشيرة هما كل متكامل لا يتعارضان, ففي السابق كان العربي قبيل الإسلام يكن مشاعر لعشيرته تصل إلى حد التقديس وكان دم أقربائه شيئا مقدسا لا ينبغي المساس به وللحفاظ على هذا الرابط لابد من وجود جسر يصل هذه العائلة ويحافظ على العرف والتقليد أي لابد من وجود زعيم ورئيس للعشيرة ومن تقاليد انتقال السلطة العشائرية لابد من إعلان تتويج الشيخ وهو لبسه العباءة التي ترمز للحميمية والدفء والرابطة القوية بين أفراد العشيرة الواحدة والتمسك بتلك الرابطة
وبما أن البداوة هي مادة الإسلام والصحراء هي مدرسة الأمراء, فالعشيرة هي مقياس صغير لأمة عريقة لها عادات وتقاليد وتاريخ مشترك وتؤمن بأبنائها وتعمل على إسعادهم ولكل عشيرة شيخ وهذا الشيخ إما أن يكون بطريق الوراثة أو بطريق الاستحقاق وهذا الشيخ له ميزات ومن مميزاته أن يكون من ذوي الحسب والنسب ومن أهل البيوتات عملا بتوصية ابن عباس لعلي وللحسين ابن علي رضي الله عنهم عندما قال :"ولوا أهل البيوتات تستصلح بها عشائرهم" وهذا قول صحيح لان الحسب والنسب يفرض على الشيخ أن يشاور بني عشيرته بكل صغيرة وكبيرة وعليه أن يجالسهم وعليه أن يستمع إلى وضيعهم والى رفيعهم, ثانيا الوفاء إذا استعصى الوفاء في امة أثناها عن القضاء لان القضاء يحكم إلى الذين لا يعرفون الوفاء وأما العشائر فتبرز حقيقة الوفاء, ثالثا الأريحية وهي أن يكون الشيخ قادرا على أن يسمع ويسمع كلمته, رابعا أن يكون شجاعا ومقداما أي انه يأخذ الحق ويعطيه, خامسا أن يكون قابلا للهدى, وسادسا أن يكون بعيدا عن الأنانية أي انه لا يحب لنفسه مالا يحرمه على غيره, سابعا أن يكون قليل العتاب عملا بقول بشار ابن برد :
إذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
سابعا أن يؤمن بحق الجار والإجارة والاستجارة واذكر لكم قصة صغيرة انه جاء أعرابي لأحد الشيوخ يوما من الأيام وطلب منه حق الإجارة فقال أجيرك من الجن والإنس فقال الأعرابي هذا لا يكفي فقال الشيخ ماذا تريد أيضا قال أن تجرني من الموت فاعتذر الشيخ عن هذا فجاء إلى شيخ آخر وطلب منه حق الإجارة من الجن والإنس والموت فقال الشيخ لك ذلك فقال الأعرابي كيف تجرني من الموت قال إذا مت في دياري ادفع دية إلى اهلك وهذا قول صريح
ثامنا أن يكون الشيخ قادرا على إحلال السلام وان يكون قادرا على وضع كل ذي حد عند حده, تاسعا أن يكون الشيخ مقداما ومسؤولا لان الشيخة كما تقول الأغنية البدوية
الشيخة ما هي بالجوخة ولا لبس العباية
يا بنية الجوخة صب القهاوي زي العيون المروية
الشيخة جر المناسف بالسنين الردية
والمسؤولية تكون عندما يكون الإنسان ناضجا وواعيا وعندها يكون مدركا لما يفعل ولابد لهذه الصفات أن تكون متأصلة وموروثة في شيخ العشيرة
لقد كان صحابة رسول الله (ص) يتمنون أن لا يولوا ولا يكلفوا بأية مهمة خوفا من التقصير ولنا في عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدوة حسنة حيث قال وهو في المدينة المنورة "والله إذا عثرت دابة بأرض العراق لخشيت أن يسألني الله عنها" وعندما تمت مبايعة ابو بكر الصديق رضي الله عنه قال : "أيها الناس إني قد وليت عليكم, ولست بخيركم ,فان أحسنت فأعينوني, وان أسأت فقوموني, الصدق أمانة, والكذب خيانة, والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق إن شاء الله, والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله, أطيعوني ما أطعت الله ورسوله, فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
نحن نعتز بعروبتنا وأصالتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة, يتعلم الشباب من الكبار الأعراف والتقاليد الأصيلة, قد يدور في ذهن الكثيرين وخاصة الشباب ماذا تعني الشيخة وماذا يعني لبس العباءة أقول لهم بأن الشيخة أمانة, الشيخة مسؤولية, لقد كان الشيخ مسؤول عن أسرته فقط أما يوم لبسه للعباءة فقد أصبح مسؤولا عن عشيرة بكاملها انه أصبح أب للجميع وأخ للجميع يحل الخلاف ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم وبالتالي لابد من اختيار البذرة الصالحة من النبتة الصالحة فالشيخ هو حامي العشيرة ولسان حقها ورمز رجولتها كابر عن كابر فهو زعيم هذه العشيرة من لحم ودم وهو مشخص وملموس وفي متناول الجميع يمكن لأي كان الوصول اليه وفي أي وقت كان لاسماعه ماقد يكون لديه من شكاوى فهو شيخ بلغ مكانه بفضل مزايا ومؤهلات وضعته تحت تصرف الناس وفي خدمتهم، اختاره أبناء عشيرته من بينهم، يعرفه القوم ويعرفهم، ويطلب رأيهم ويأخذ مصالحهم بعين الاعتبار، ولا ينفرد برأي أو قرار، بل يشاورهم في كل شأن . إنه منهم وإليهم، وهم على باله وفي خاطره، مصلحتهم - لا مصلحته الخاصة أو الشخصية - هي التي توجهه وتملي خطواته، ولا رهان له غير رهاناتهم، فهو ليس فقط رمزهم، بل كذلك محقق العدل والعدالة في مجتمعهم (عشيرتهم)، لذلك تراه يتابع - في تقليد واضح وحرفي لسلوك سيدنا عمر رضي الله عنه، رمز الحاكم العادل عند كل العرب والمسلمين - شؤون فقرائهم، ويهتم لما يطرأ على أيامهم من مفاجآت ونوائب، أو ينشب في ما بينهم من خلافات ويواجههم من مشكلات، ويحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم، وهو يتصدى لمصاعبهم بالنيابة عنهم أو بمعونتهم، باذلاً في سبيل خلاصهم منها ماله وجهده، لذلك يكون أكثرهم سعادة متى تخطوها، وأكثرهم قلقاً إن علقوا فيها . هذه هي صورة الذين هم أهل الحكم والمشورة . أما من هم بقية أبناء العشيرة, فهم يشكلون مجتمعاً متآلفاً منسجماً، تقتصر منغصاته على مشكلات شخصية عابرة سرعان ما تحل، لا تعكر صفو الجماعة ولا تخرجها عن مسارها الحياتي الآمن . وهم كذلك جماعة أي العشيرة أو القبيلة العربية لا تعرف الظلم، إن جاع أحد منها سارع الجميع إلى إطعامه، أو نزلت بأحد نازلة تسابق الجميع إلى مواساته وشد أزره، فالإنسان في تفاعل وتواصل دائم مع غيره، وهو ينال حقه من العيش والكرامة، بغض النظر عن أحواله الخاصة، وينعم بقرب شيخه منه ووجوده الملموس في حياته، وبالوحدة العميقة والأخوية التي تربط المنتسبين إلى قبيلة تسوسها أعراف وتقاليد يعرفها كغيره، ويخضع لها طوعياً كسواه، إنه مجتمع الحق الطبيعي، الذي يصنعه ويقرر شؤونه أبناؤه الطبيعيون والمتساوون، ويجب أن تتكفل استعادة هذا التقليد العشائري العربي الأصيل بما كان في ماضيه من عدالة ومشاركة وحرية وكرامة وعدل، وبدفعه إلى مقارنته مع ما هو قائم في راهنه من أوضاع وعلاقات .
ورغم اندثار هذه العادة تقريبا إلا أن قبيلة العجارمة بالجولان وبعد وفاة الشيخ عدنان بن زعل السلوم اختاروا شيخهم زعل بن ناصر السلوم في 18/8/1995 وكانت واقعة نادرة يفتخرون بها إلى يومنا هذا فمنذ أكثر من خمسين عاما لم يلبس شيخا عباءة بمراسم رسمية بكافة أنحاء الوطن العربي كما حصل عند العجارمة وهو حفل مهيب يعتز به ليس العجارمة فحسب وإنما الكثير من أبناء البادية العربية كونه حدثا استثنائيا ورمزا للتمسك بالعرف والعادات العربية الأصيلة وهي دليل على أصالتهم ووفاءهم الأبدي وكانت خطوة تدل على قوة الرابطة والوحدة والانسجام والتراحم فيما بينهم
ملاحظة : كلمات هذا المقال من خطاب الأستاذ خلف خشمان , الاستاذ أبو معن الحسيكي ,الشيخ دحام الطحان , الشيخ محمد النادر ، الكاتب محمد زعل السلوم، الكاتب ميشيل كيلو ، ومعظمها عن فيلم لبس العباءة لوالدي الشيخ زعل السلوم
ويمكن الحصول على مقاطع من الحفل عبر مراسلتي على الايميل fghklm81@yahoo.fr
الكاتب محمد زعل السلوم
العباءة التي نسجت خيوطها من الراية العربية الكبيرة هي رمز العزة والكرامة العربية كما تدل على شرف العربي وتمسكه بعاداته وتقاليده فهي ليست مجرد لون من ألوان الزي التراثي العربي فحسب بل هي رمز يحفظ قيمنا وعوائدنا وثوابت مجتمعنا الثقافية فلها وظيفة لافتة وذات دلالات متباينة وتعكس طبيعة النسيج الاجتماعي عند بدو القنيطرة ومنظومة قيم أبنائها فقد احتل هذا الثوب الخارجي مكانة في سلوكيات الأفراد وعلى ألسنتهم وهي غطاء السترة عند البدوي فقد ارتدى البدو العباءة منذ قديم الزمان وهي التي تدل على السيادة والوجاهة وهي ترتبط بالتقاليد العشائرية فعندما تخرج العروس من منزل أهلها ترتدي العباءة للدلالة على مكانتها بين عزوتها ونخوتها وأهلها وأنها خرجت بثوب العفاف والعزة والجاه والسترة وعندما يرتدي العريس العباءة فذلك يعني أنه أصبح رب أسرة مسؤول عنها وهو سيد المنزل وعليه تقع المسؤوليات الكبرى في رعاية زوجته وأولاده والحفاظ عليهم تحت جناحه أو عباءته وهي مسؤولية مضاعفة عليه تقبلها والعشيرة كالأسرة الواحدة وبالتالي عند وفاة شيخ فلابد من تولي ابنه أو أقرب الناس إليه ومن يستحق زعامة عشيرته وتوليه أمرها وهكذا درجت عادة لبس العباءة عند البدو بالوطن العربي فهي مبايعة من قبل أبناء العشيرة لسيدهم وزعيمهم الجديد وهي واقعة نادرة الحصول في عصرنا الحديث بسبب تغير مفهوم الانتماء ومفهوم رابطة الدم فانتماء البدوي بعصرنا الحديث للوطن ومع ذلك فلابد من انتمائه لمنزله ولعائلته وعشيرته فالوطن والعشيرة هما كل متكامل لا يتعارضان, ففي السابق كان العربي قبيل الإسلام يكن مشاعر لعشيرته تصل إلى حد التقديس وكان دم أقربائه شيئا مقدسا لا ينبغي المساس به وللحفاظ على هذا الرابط لابد من وجود جسر يصل هذه العائلة ويحافظ على العرف والتقليد أي لابد من وجود زعيم ورئيس للعشيرة ومن تقاليد انتقال السلطة العشائرية لابد من إعلان تتويج الشيخ وهو لبسه العباءة التي ترمز للحميمية والدفء والرابطة القوية بين أفراد العشيرة الواحدة والتمسك بتلك الرابطة
وبما أن البداوة هي مادة الإسلام والصحراء هي مدرسة الأمراء, فالعشيرة هي مقياس صغير لأمة عريقة لها عادات وتقاليد وتاريخ مشترك وتؤمن بأبنائها وتعمل على إسعادهم ولكل عشيرة شيخ وهذا الشيخ إما أن يكون بطريق الوراثة أو بطريق الاستحقاق وهذا الشيخ له ميزات ومن مميزاته أن يكون من ذوي الحسب والنسب ومن أهل البيوتات عملا بتوصية ابن عباس لعلي وللحسين ابن علي رضي الله عنهم عندما قال :"ولوا أهل البيوتات تستصلح بها عشائرهم" وهذا قول صحيح لان الحسب والنسب يفرض على الشيخ أن يشاور بني عشيرته بكل صغيرة وكبيرة وعليه أن يجالسهم وعليه أن يستمع إلى وضيعهم والى رفيعهم, ثانيا الوفاء إذا استعصى الوفاء في امة أثناها عن القضاء لان القضاء يحكم إلى الذين لا يعرفون الوفاء وأما العشائر فتبرز حقيقة الوفاء, ثالثا الأريحية وهي أن يكون الشيخ قادرا على أن يسمع ويسمع كلمته, رابعا أن يكون شجاعا ومقداما أي انه يأخذ الحق ويعطيه, خامسا أن يكون قابلا للهدى, وسادسا أن يكون بعيدا عن الأنانية أي انه لا يحب لنفسه مالا يحرمه على غيره, سابعا أن يكون قليل العتاب عملا بقول بشار ابن برد :
إذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
سابعا أن يؤمن بحق الجار والإجارة والاستجارة واذكر لكم قصة صغيرة انه جاء أعرابي لأحد الشيوخ يوما من الأيام وطلب منه حق الإجارة فقال أجيرك من الجن والإنس فقال الأعرابي هذا لا يكفي فقال الشيخ ماذا تريد أيضا قال أن تجرني من الموت فاعتذر الشيخ عن هذا فجاء إلى شيخ آخر وطلب منه حق الإجارة من الجن والإنس والموت فقال الشيخ لك ذلك فقال الأعرابي كيف تجرني من الموت قال إذا مت في دياري ادفع دية إلى اهلك وهذا قول صريح
ثامنا أن يكون الشيخ قادرا على إحلال السلام وان يكون قادرا على وضع كل ذي حد عند حده, تاسعا أن يكون الشيخ مقداما ومسؤولا لان الشيخة كما تقول الأغنية البدوية
الشيخة ما هي بالجوخة ولا لبس العباية
يا بنية الجوخة صب القهاوي زي العيون المروية
الشيخة جر المناسف بالسنين الردية
والمسؤولية تكون عندما يكون الإنسان ناضجا وواعيا وعندها يكون مدركا لما يفعل ولابد لهذه الصفات أن تكون متأصلة وموروثة في شيخ العشيرة
لقد كان صحابة رسول الله (ص) يتمنون أن لا يولوا ولا يكلفوا بأية مهمة خوفا من التقصير ولنا في عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدوة حسنة حيث قال وهو في المدينة المنورة "والله إذا عثرت دابة بأرض العراق لخشيت أن يسألني الله عنها" وعندما تمت مبايعة ابو بكر الصديق رضي الله عنه قال : "أيها الناس إني قد وليت عليكم, ولست بخيركم ,فان أحسنت فأعينوني, وان أسأت فقوموني, الصدق أمانة, والكذب خيانة, والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق إن شاء الله, والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله, أطيعوني ما أطعت الله ورسوله, فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
نحن نعتز بعروبتنا وأصالتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة, يتعلم الشباب من الكبار الأعراف والتقاليد الأصيلة, قد يدور في ذهن الكثيرين وخاصة الشباب ماذا تعني الشيخة وماذا يعني لبس العباءة أقول لهم بأن الشيخة أمانة, الشيخة مسؤولية, لقد كان الشيخ مسؤول عن أسرته فقط أما يوم لبسه للعباءة فقد أصبح مسؤولا عن عشيرة بكاملها انه أصبح أب للجميع وأخ للجميع يحل الخلاف ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم وبالتالي لابد من اختيار البذرة الصالحة من النبتة الصالحة فالشيخ هو حامي العشيرة ولسان حقها ورمز رجولتها كابر عن كابر فهو زعيم هذه العشيرة من لحم ودم وهو مشخص وملموس وفي متناول الجميع يمكن لأي كان الوصول اليه وفي أي وقت كان لاسماعه ماقد يكون لديه من شكاوى فهو شيخ بلغ مكانه بفضل مزايا ومؤهلات وضعته تحت تصرف الناس وفي خدمتهم، اختاره أبناء عشيرته من بينهم، يعرفه القوم ويعرفهم، ويطلب رأيهم ويأخذ مصالحهم بعين الاعتبار، ولا ينفرد برأي أو قرار، بل يشاورهم في كل شأن . إنه منهم وإليهم، وهم على باله وفي خاطره، مصلحتهم - لا مصلحته الخاصة أو الشخصية - هي التي توجهه وتملي خطواته، ولا رهان له غير رهاناتهم، فهو ليس فقط رمزهم، بل كذلك محقق العدل والعدالة في مجتمعهم (عشيرتهم)، لذلك تراه يتابع - في تقليد واضح وحرفي لسلوك سيدنا عمر رضي الله عنه، رمز الحاكم العادل عند كل العرب والمسلمين - شؤون فقرائهم، ويهتم لما يطرأ على أيامهم من مفاجآت ونوائب، أو ينشب في ما بينهم من خلافات ويواجههم من مشكلات، ويحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم، وهو يتصدى لمصاعبهم بالنيابة عنهم أو بمعونتهم، باذلاً في سبيل خلاصهم منها ماله وجهده، لذلك يكون أكثرهم سعادة متى تخطوها، وأكثرهم قلقاً إن علقوا فيها . هذه هي صورة الذين هم أهل الحكم والمشورة . أما من هم بقية أبناء العشيرة, فهم يشكلون مجتمعاً متآلفاً منسجماً، تقتصر منغصاته على مشكلات شخصية عابرة سرعان ما تحل، لا تعكر صفو الجماعة ولا تخرجها عن مسارها الحياتي الآمن . وهم كذلك جماعة أي العشيرة أو القبيلة العربية لا تعرف الظلم، إن جاع أحد منها سارع الجميع إلى إطعامه، أو نزلت بأحد نازلة تسابق الجميع إلى مواساته وشد أزره، فالإنسان في تفاعل وتواصل دائم مع غيره، وهو ينال حقه من العيش والكرامة، بغض النظر عن أحواله الخاصة، وينعم بقرب شيخه منه ووجوده الملموس في حياته، وبالوحدة العميقة والأخوية التي تربط المنتسبين إلى قبيلة تسوسها أعراف وتقاليد يعرفها كغيره، ويخضع لها طوعياً كسواه، إنه مجتمع الحق الطبيعي، الذي يصنعه ويقرر شؤونه أبناؤه الطبيعيون والمتساوون، ويجب أن تتكفل استعادة هذا التقليد العشائري العربي الأصيل بما كان في ماضيه من عدالة ومشاركة وحرية وكرامة وعدل، وبدفعه إلى مقارنته مع ما هو قائم في راهنه من أوضاع وعلاقات .
ورغم اندثار هذه العادة تقريبا إلا أن قبيلة العجارمة بالجولان وبعد وفاة الشيخ عدنان بن زعل السلوم اختاروا شيخهم زعل بن ناصر السلوم في 18/8/1995 وكانت واقعة نادرة يفتخرون بها إلى يومنا هذا فمنذ أكثر من خمسين عاما لم يلبس شيخا عباءة بمراسم رسمية بكافة أنحاء الوطن العربي كما حصل عند العجارمة وهو حفل مهيب يعتز به ليس العجارمة فحسب وإنما الكثير من أبناء البادية العربية كونه حدثا استثنائيا ورمزا للتمسك بالعرف والعادات العربية الأصيلة وهي دليل على أصالتهم ووفاءهم الأبدي وكانت خطوة تدل على قوة الرابطة والوحدة والانسجام والتراحم فيما بينهم
ملاحظة : كلمات هذا المقال من خطاب الأستاذ خلف خشمان , الاستاذ أبو معن الحسيكي ,الشيخ دحام الطحان , الشيخ محمد النادر ، الكاتب محمد زعل السلوم، الكاتب ميشيل كيلو ، ومعظمها عن فيلم لبس العباءة لوالدي الشيخ زعل السلوم
ويمكن الحصول على مقاطع من الحفل عبر مراسلتي على الايميل fghklm81@yahoo.fr
تعليق