الحديث عن الأمازيغ ليس حديثاً في السياسة أو عنها بقدر ما هو حديث عن الوطن في صميمه وفي أسمى معانيه . دعوني أبادر فأقول : إنَّ لفظة أمازيغ التي تعني الرجال الأحرار هي أفضل من اللفظة التي كان يطلقها الرومان على السكان شرقي البحر الأبيض المتوسط (بربر ) ، هؤلاء الإخوة متغلغلون في عاداتنا وتقاليدنا وفي أفكارنا ؛ لأنَّهم منَّا ونحن مِنهم ، فعلى سبيل المثال لا الحصر : في المنطقة الشرقية من بلادنا البعيدة نسبياً عن “جبل نفُّوسة ” وعن ” أزوارة ” نجد كثيراً من العادات المنسوبة إلى هؤلاء الإخوة التي اكتسبها منهم سكان ليبيا بمن فيهم سكان المنطقة الشرقية ، عادات في الأفراح وفي المآتم وفي الأزياء الشعبية للنساء والرجال وفي بعض أسماء المأكولات وطريقة إعدادها ربما لايسمح المقام بتفصيلها ، بل إنَّ بعض الأسماء المستخدمة حتَّى يوم الناس هذا تعود إلى أصول في لغة الأمازيغ ، مثل اسم مدينة ” قمينس ” التي تعني بداية سلسلة الجبال ، ومثل اسم قرية ” مسوس ” الوادعة الواقعة جنوب شرق منطقة سلوق فإحدى بطون قبيلة ” لواتة ” التي كانت تقطن في الأزمنة القديمة في المنطقة الشرقية هي ” مسوسا ” ، وربما لايعرف الكثيرون أنَّ قرية ” مراوة ” وهي قرية تقع جنوب الجبل الأخضر تحمل اسم إحدى بطون قبيلة ” لواتة” المشار إليها ، وما لنا نذهب بعيداً فشرقي مدينة بنغازي وعند قرية سيدي خليفة توجد بوَّابة يعرفها المسافرون باسم ” تنسلوخ ” والتاء في لغة الإخوة الأمازيغ التي نجدها في بداية كثير من الكلمات هي بمنزلة أداة التعريف في اللغة العربية ، ومثل هذه الكلمة ( تنسلوخ ) كلمتا ” تنملو ” و”تنجرت ” وهما مكانان يقعان جنوب الجبل الأخضر ، وما ننسى من الأشياء لا ننسى واحة ” أوجلة ” الفضيلة التي يُعرف أهلها بالطيبة والكرم، والتي أقام فيها ردحاً من الزمن العارف بالله سيّدي ” أحمد الزرُّوق ” دفين ” مصراتة ” المجاهدة ، وقال وهو يخرج منها وقد لحق به أهلها يطلبون منه عدم الخروج : ” اللهم إنِّي أوجليّ ثمَّ أوجليّ ثمَّ أوجليّ إلى يوم القيامة ” هذه الواحة الفضيلة التي أنجبت لنا سيدي ” الفضيل بو عمر ” المجاهد الشهيد دفين ” رأس الهلال ” بالجبل الأخضر ، أقول : هذه الواحة مازال أهلها يتكلمون إحدى لهجات الأمازيغية .
وبمناسبة الحديث عن اللغة ، ليس لأحدٍ أن يقرِّر قراراً تعسفياً أنَّ لغة الإخوة الأمازيغ هي لغة عربية أو لهجة من لهجات العربية فهذا تسيسٌ للأمور والإخوة الأمازيغ هم أدرى بلغتهم ، ولتراجع الموسوعة التي كتبها الأستاذ المبدع ” إبراهيم الكوني “
أمَّا انتماء هؤلاء الإخوة إلى الوطن ( ليبيا ) فهو من مكرور الأقوال ، ولا بأس أن نذكِّر هنا بدور المجاهدَين الوطنييَن ” سليمان باشا البارونيّ ” و ” خليفة بن عسكر ” ولا بأس أن نذكِّر أيضاً أنَّهم عندما انتفضوا في السابع عشر من فبراير لم ينتفضوا من أجل حقوقهم الضائعة وإنَّما انتفضوا تضامناً مع مدينة بنغازي المجاهدة .
وأمَّا المذهب الفقهي الذي ينتشر بين الإخوة الأمازيغ في المنطقة الغربية من ليبيا وفي أجزاء من تونس و الجزائر، وهو المذهب الإباضي فهو مذهب لا يخصهم وحدهم، فهو المذهب الرسمي لسلطنة “عمان ” الشقيقة ، وللمسلمين في دولة ” تنزانيا ” الأفريقية.
وهو مذهب معتدل لايكفِّر صحابيًّا من صحابة النَّبيّ ، يقول عبد الله بن حُميد السالميّ أحد أعلام وفقهائها عُمان (ت 1333 هـ ) في أرجوزة يتكلّم فيهاعن فضل بلاده عُمان :
فهذه بلادنا لا تلقى فيها لسب الصَّحْبِ قط نطقا
وفقهاء هذا المذهب يرجعون إلى مراجع أهل السنة ليس من باب التقية ، فهم لا يؤمنون بها ، وأهم أعلام هذا المذهب الأوائل “أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزديّ ” و ” عبد الله بن إباض التميمي ” وهما عالمان تقيان موثقان.
أمَّا ما يُقال من أنّ هذا المذهب من مذاهب الخوارج فهي قضية يرفضها كثير من الباحثين المدققين منهم, وفي مقدِّم هؤلاء في هذا العصر الباحث الليبي الشيخ أبو الشهيديَن ” عليّ يحيى معمَّر ” – رحمه الله – في كتابيه : “الإباضية بين الفرق الإسلاميّة ” و ” الإباضية في موكب التاريخ”
www.almanaralink.com