هوية للبيع تحت الطلب

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • آدم احمد
    عضو منتسب
    • Aug 2011
    • 47

    هوية للبيع تحت الطلب

    [align=center]<img border="0" height="184" src="http://1.bp.blogspot.com/-FEnnxKRMu24/TW0JUqgBQjI/AAAAAAAAAGw/-YZJjZijNUA/s320/almohadkalifs.png" width="420" />[/align]

    لكم هي المرات العديدة التي مرت بي وأنا منتش بوهم المعرفة، حيث يوهمني الاستنتاج بامتلاك معرفة ما، لنسميها اقتطاع قطعة من عالم الجهل والخبايا. لا مبرر لذلك الانتشاء بالمعرفة إلا فقداني لها. فكلما قرأت أكثر عرفت أكثر وفهمت أن بعض المعارف ليست سوى تقديرات قد تصدق وقد تخيب.
    ولطالما جرني الفضول للبحث في غياهب التاريخ القديم، وتشكل الحياة وتبلور المجتمعات، وبما أنني أمازيغي عاش في بيئة مغاربية شدني الفضول لماضي الجماعة البشرية التي أنتمي إليها، خاصة في ظل الخصام الرسمي مع ذاك الماضي حيث أريد للهوية العربية أن تكون لها اليد العليا، فكرست لغاياتها كراسات المدارس لتكتسح كل المواد الأدبية حتى أصبح الأدب ذميا في تلك المناهج، لا يسلك مسلكا حتى يؤدي جزية الإجلال لطيف العروبة.
    حينها أخذني الزهو بمعارفي وغردت مع السرب أن العروبة هي تاج التطور الثقافي وأن الانحطاط الذي نعيشه اليوم ماهو إلا استثناء وسط التآمر الدولي، كيف لا وقصائد المعلقات تجعلك تشعر بالعجز أمام كل تلك الهالة التي أحيطت بها، أو روعة وجمالية اللغة العربية التي روعتني قواعدها وجعل الأستاذ منها قدسا من الأقداس التي لا يلم بها إلا قديس... ولا تزال الأبحاث "الغربية" التي تخلص إلى أن العربية هي الورقة الرابحة في نشر التكنولوجيا والعلوم تتقاطر بين الأتباع، وقد ارتويت من تلك المعارف المؤقتة وكنت لها نصيرا. نعم، كذلك انتشيت بالمعرفة التي كانت تلقى إلي بيسر، وكذلك زاد زملائي القدامى شبرا وخطوات على ذلك. ولعلنا اليوم قد نتجادل بكل جدية وبهيجان: هل تتفوق العربية على نظيراتها الغربية والشرقية في توفير الوسيلة الأنجع لثورة التعقيدات المصطلحية المتنامية؟ سؤال سيجيب عنه الأتباع ببسمة ماكرة: "وهل هذا سؤال جدي؟".. ثم نحصل على عرض في الاشتقاق وإمكانياته، وعن الأسماء التي استعارها الغرب وعن الريادة العالمية التي وسمت اللغة العربية في الماضي القريب. وقد نخلص إلى أن المصطلحات العلمية تواجه محنة كبيرة لأن الغرب لا يود رؤية تلك الحقيقة ونجزم بأن حضارة الغرب فقاعة صابون وأن الجوهر بين أيدينا كما كنا، فنحن نمتلك اللغة التي تفتح لنا كل الآفاق العلمية. غير أننا لا نتحدث بها ولا نفكر بها ولا نحلم بها.

    لقد تمكنت اللغة العربية من التطور بشكل لافت حيث تخطت حدودها الطبيعية في الجزيرة العربية لتصبح المنطقة الأصلية أقلية هامشية مقارنة بمنطقة الأنتشار، لا بل أن لها أمجادا لا تَغبَر رغم مرور الدهر. فتلك اللغة التي كان يمزجها البدوي الأمي في الصحاري ليصقلها أبياتا مرتبة ويجعل منها مزارا حضاريا منفردا في عالم البدو، أتت لتحل محل أقدم الكتابات في سومر ومصر وفينيقيا. ولقد كان للعربية وطأة وحظوة كبرى بحيث انقلب كتبة ومهندسوا أبناء تلك الشعوب ليعلنوا أنفسهم فاتحين مُمَجدين فتحوا ديارهم وتفوقوا على أسلافهم، واختفى المنهزمون و"المفتوحون"، لا تسمع لهم قيلا ولا قال حتى يلمحوا هرما أو معلما فتراهم كمن استفاق من نوبة صرع يشيرون لأنفسهم نحن .. نحن بنينا وشيدنا نحن فعلنا... ثم يتداركون "ذلك ما فعلنا قبل أن نحل فاتحين هنا". فيرتفع الصخب وتزكى الخطب. فكل شيء ممكن في قانون الهوى والكلام.
    نتجاوز دراما وملاحم الهوية الهلامية، وأحل بكم في بلاد البربر الأمازيغ. فمن نحن؟ ومن أصبحنا؟
    مجموعة بشرية سكنت أراض من شمال إفريقيا، تحدثت لغة نسميها أمازيغية، تحولت لشعوب مغاربية. فكيف؟
    لقد كنا أبطالا من العيار الثقيل، لقد حاربنا الفينيق والرومان والأغريق، حاربنا الوندال والعرب والفرنسيس والأسبان. سطرنا أمجادا في كتب أحرقها الغزاة، ولما جاءنا الأسلام كنا أصحاب فراسة وكنا أحكم الأنام. فتبنينا الأسلام وحاربنا الأصنام، وشيدنا على عادتنا صرح التقدم والازدهار، وأصبح البربر -لما حباهم الله- من علية الأقوام، يرسلون كل أسبوع رائدا للفضاء على ظهر بعير.. عبر الجبال البرية متنكرين للمدنية التي لم تتشرف بعد بمعرفتهم.

    تمكن جيل من الاستقرار في المدينة واستمدن وفطن لبهتان طبالي البربر الذي يطبلون لازدهار غير موجود، واستداروا مع الريح لوجهة أعلى، وكتبوا على الصفحة الأولى "نحن ابناء الفاتحين جئنا بالنور المبين فأنرنا مداشرنا ومدائننا وتخلف البربر عنا فنفروا فنفرنا، وغدونا نعرف أن البربرية لم تفتح لا قارة ولا بلدة ولا حتى كتابا، ففهم كثير منهم واهتدوا للهدى واستعصى بعض الخارجين عن المنطق السليم، وتشبثوا بهوية متهاوية وبين هذا وذاك انبرى مؤرخوا وسياسيوا ووعاظ النفس الأخير ليدلوا ببيان تصحيح وتصويب "لخطئ خارج عن إرادتنا كنا بربرا دون استشارتنا إلى إن جاءتنا العروبة في شكل فارس يحمل الجزرة على يمينه والسياط على يساره فلانت قلوبنا للحق المبين واستعربنا للرمق الأخير، وما فلولنا إلا أطياف من ماض مرير، ونشاز عن قانون التزلف للأقوى والتلون بلون المنتصر وإن لم نر النصر إلا في أفلام ملاحمنا وما نظمنا من معلقاتنا، فبارك الله مجدنا، وكان في عون من لم يقتدي بنا".
    وها نحن اليوم من جهة أمام عرب لا غبار على عروبتهم وعرب بعد تقويم خطأ انتمائهم البربري في مكاتب الحالة المدنية المجاورة، ومن جهة أخرى أمام بربر بالكاد يملكون بطائق هوية وطنية لا يهمهم ماكانوا وما يكونون وآخرون بربر يعلنونها عصيانا اجتماعيا "نحن أمازيغ" وإن اصبحنا أقلية. لكن هؤلاء الأمازيغ يهددون الوحدة الوطنية لا يسمون أنفسهم عربا من باب العنصرية. عملاء فرنسا والأمريكان واسرائيل وبني عِلمان. فنحن العرب ناضلنا ضد فرنسا واسبانيا والطليان من داخل جيوشها وتحت إمرة كتائبها ضد جمهورية الريف وحمو زيان، والتحمنا بأب الأوطان جلالة السلطان وكنا للديموقراطية والشرعية الانتخابية خير سند وبنيان. وحق لنا أن نستأسد بالمقررات الدراسية ونطبع ما اشتهت مصالحنا ونختار العنوان.

    لكن الأصعب من أن تنحت إلاها له أتباع وتنصبه آمرا في معبد على لسان سدنته، هو أن تجد إلاها لا يمرر رغبات الرهبان ولا يرضخ لشروط الأنسان. لكن إلاها دون عباد ملك دون ملكوت. إما ان كنت تخال أنك فيلسوف زمانك وتنتشي بعقلانية قناعاتك عن حق فادخل مجالا لا تحتمل فيه المعرفة عدة قراءات وأرِ نفسك قدر علمك، لتعلم أن تلك المعارف التي لا تسموا إلى مرتبة الحقيقة إلا بين أتباعها ومريديها ماهي إلا معارف وهمية لا تصلح إلا للقناعات المجتمعية والذاتية. وما أكثرها.
يعمل...