صفّقوا للصحراء آخر تحديث:الاثنين ,16/08/2010
سعد محيو
هل يمكن أن تكون الصحراء الجرداء مصدر الحياة الرئيس للغابات الغنّاء التي توفّر الأوكسجين لنا ولبقية المخلوقات؟
أجل، يرد بسرعة الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، الذي عقد مؤخراً مؤتمراً موسّعاً في برازيليا خُصصت أعماله لمسألة حماية صحارى الأرض التي تُغطي ثلث المساحة البرية لكوكب الأرض .
وهذا كان اكتشافاً مفاجئاً، إذ إن الانطباع الذي ساد البشر في كل مراحل تاريخهم الطويل، هو أن الصحراء بمثابة عقوبة طبيعية أو إلهية، إذ هي قاسية، وجرداء، وحارة، القانون فيها هو البقاء للأصلح الممهور بدمغة السيف، والندرة الشديدة هي لعنتها الأبدية . ثم إن عواصف الغبار التي تهب فيها تتسبب بأمراض تنفسية، حيث إن كل غرام من غبار الصحراء يحمل مليار ميكروب، وهو المسؤول عن اندلاع الأمراض المفاجئة لدى الحيوانات والنباتات في مناطق قصية من المحيطات .
بيد أن مؤتمر الاتحاد الدولي كشف النقاب عن أهم اكتشافات العقد الماضي، وهو دور الصحارى في تزويد المناطق المطيرة في العالم بالمغذيات الضرورية لحياتها، إذ إن نحو 40 مليون طن من الغبار الذي تحمله الرياح، يُغذي كل سنة غابات الأمازون التي تُعتبر الأخصب في العالم والأكثر تنوعاً بيئياً . وهذه الدراسات نفسها أثبتت أن تربة الأمازون نفسها فقيرة بالمغذيات، وأنها تحتاج إلى مصدر خارجي للإبقاء على أشجارها سامقة وخضراء ومورقة .
ومن أين تأتي هذه المُغذيات؟
من منطقة صغيرة في صحراء تشاد، تضخ يومياً 700 ألف طن من الغبار تحملها الرياح عبر محيط الأطلسي، وتنقلها إلى الأمازون وبقية المناطق المطيرة والخضراء .
علاوة على ذلك، يُكوّن غبار الصحراء الأسطح الضرورية للماء كي يتمكّن من التحوّل إلى كرات ثلج ليسقط في شكل أمطار، ومن دون هذا الغبار لا أمطار .
ماذا أيضاً؟
هناك الكثير .
فالصحارى هي موطن 500 مليون إنسان، أي 8 في المئة من سكان الأرض، الذين يعتاشون إما على نباتاتها وحيواناتها النادرة أو على ثرواتها النفطية والمعدنية . كما أنها موطن لأكثر الحيوات تأقلماً مع الظروف المناخية القاسية، ولأجمل مواهب الشعر والنثر والتأمل الروحي والصفاء الذهني .
بيد أن هذه البيئة، التي احتضنت على مدار التاريخ ولادة كل الديانات السماوية (كما يعتقد كمال الصليبي) والعديد من المفاجآت الضخمة التي غيّرت تاريخ العالم، عُرضة الآن لسلسلة لا تنتهي من المخاطر، في مقدمها تغيّر المناخ الذي يُهدد بقلب توازنات البيئة فيها، والاستغلال المُسرف لمصادر المياه الجوفية النادرة والتي تستخدم للري أو التعدين أو لمجرد الاستهلاك غير المسؤول، وتدمير النباتات النادرة .
بالطبع، تنشط بعض الدول، كالإمارات وقطر وعُمان وغيرها، للحفاظ على نقاء الصحراء عبر نشر المحميات على مساحاتها، إلا أن الغالبية العظمى من الدول الصحراوية تعيث فساداً فيها وتهدد كل توازناتها . وهذا لا يشكل خطراً على الصحارى نفسها وحسب، بل هو (كما يتبيّن الآن) يرسم مستقبلاً قاتماً لكل أنماط الحياة في المناطق غير الصحراوية، حتى تلك الغنية بالأنهار والبحيرات .
اكتشافات مُذهلة؟
حتماً . لذا، في المرات المقبلة حين نتطلع إلى الصحراء، يجب أن تتضمن هذه النظرة القليل من الشكوى والكثير من الحب والاحترام، بعد أن أثبتت الدراسات أن الصحراء ليست ابنة غير شرعية لأمّنا الطبيعة، بل هي وليدتها البكر الأولى، والضرورية .
saad-mehio@hotmail.com
سعد محيو
هل يمكن أن تكون الصحراء الجرداء مصدر الحياة الرئيس للغابات الغنّاء التي توفّر الأوكسجين لنا ولبقية المخلوقات؟
أجل، يرد بسرعة الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، الذي عقد مؤخراً مؤتمراً موسّعاً في برازيليا خُصصت أعماله لمسألة حماية صحارى الأرض التي تُغطي ثلث المساحة البرية لكوكب الأرض .
وهذا كان اكتشافاً مفاجئاً، إذ إن الانطباع الذي ساد البشر في كل مراحل تاريخهم الطويل، هو أن الصحراء بمثابة عقوبة طبيعية أو إلهية، إذ هي قاسية، وجرداء، وحارة، القانون فيها هو البقاء للأصلح الممهور بدمغة السيف، والندرة الشديدة هي لعنتها الأبدية . ثم إن عواصف الغبار التي تهب فيها تتسبب بأمراض تنفسية، حيث إن كل غرام من غبار الصحراء يحمل مليار ميكروب، وهو المسؤول عن اندلاع الأمراض المفاجئة لدى الحيوانات والنباتات في مناطق قصية من المحيطات .
بيد أن مؤتمر الاتحاد الدولي كشف النقاب عن أهم اكتشافات العقد الماضي، وهو دور الصحارى في تزويد المناطق المطيرة في العالم بالمغذيات الضرورية لحياتها، إذ إن نحو 40 مليون طن من الغبار الذي تحمله الرياح، يُغذي كل سنة غابات الأمازون التي تُعتبر الأخصب في العالم والأكثر تنوعاً بيئياً . وهذه الدراسات نفسها أثبتت أن تربة الأمازون نفسها فقيرة بالمغذيات، وأنها تحتاج إلى مصدر خارجي للإبقاء على أشجارها سامقة وخضراء ومورقة .
ومن أين تأتي هذه المُغذيات؟
من منطقة صغيرة في صحراء تشاد، تضخ يومياً 700 ألف طن من الغبار تحملها الرياح عبر محيط الأطلسي، وتنقلها إلى الأمازون وبقية المناطق المطيرة والخضراء .
علاوة على ذلك، يُكوّن غبار الصحراء الأسطح الضرورية للماء كي يتمكّن من التحوّل إلى كرات ثلج ليسقط في شكل أمطار، ومن دون هذا الغبار لا أمطار .
ماذا أيضاً؟
هناك الكثير .
فالصحارى هي موطن 500 مليون إنسان، أي 8 في المئة من سكان الأرض، الذين يعتاشون إما على نباتاتها وحيواناتها النادرة أو على ثرواتها النفطية والمعدنية . كما أنها موطن لأكثر الحيوات تأقلماً مع الظروف المناخية القاسية، ولأجمل مواهب الشعر والنثر والتأمل الروحي والصفاء الذهني .
بيد أن هذه البيئة، التي احتضنت على مدار التاريخ ولادة كل الديانات السماوية (كما يعتقد كمال الصليبي) والعديد من المفاجآت الضخمة التي غيّرت تاريخ العالم، عُرضة الآن لسلسلة لا تنتهي من المخاطر، في مقدمها تغيّر المناخ الذي يُهدد بقلب توازنات البيئة فيها، والاستغلال المُسرف لمصادر المياه الجوفية النادرة والتي تستخدم للري أو التعدين أو لمجرد الاستهلاك غير المسؤول، وتدمير النباتات النادرة .
بالطبع، تنشط بعض الدول، كالإمارات وقطر وعُمان وغيرها، للحفاظ على نقاء الصحراء عبر نشر المحميات على مساحاتها، إلا أن الغالبية العظمى من الدول الصحراوية تعيث فساداً فيها وتهدد كل توازناتها . وهذا لا يشكل خطراً على الصحارى نفسها وحسب، بل هو (كما يتبيّن الآن) يرسم مستقبلاً قاتماً لكل أنماط الحياة في المناطق غير الصحراوية، حتى تلك الغنية بالأنهار والبحيرات .
اكتشافات مُذهلة؟
حتماً . لذا، في المرات المقبلة حين نتطلع إلى الصحراء، يجب أن تتضمن هذه النظرة القليل من الشكوى والكثير من الحب والاحترام، بعد أن أثبتت الدراسات أن الصحراء ليست ابنة غير شرعية لأمّنا الطبيعة، بل هي وليدتها البكر الأولى، والضرورية .
saad-mehio@hotmail.com
تعليق