كتاب أزمة نظام

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    كتاب أزمة نظام

    أزمة نظام ... الحلقة الأولى آخر تحديث:الأربعاء ,28/01/2009

    الرأسمالية عاشت على الأكاذيب والحروب منذ نشأتها قبل 500 عام
    تأليف: د. عبدالحي زلوم

    1/1



    في كتابه “نذر العولمة” الذي صدر سنة 1998 بيّن د. عبدالحي زلوم أن النظام الرأسمالي قد ركب ثورة المعلومات فأوجد نظاماً اقتصادياً مالياً موازياً للاقتصاد المنتج، وأصبح عبئاً عليه يعيش على المضاربة فحوّل أسواق المال إلى كازينوهات للمقامرة تصب في جيوب بارونات المال العالميين.

    وفي كتابه “امبراطورية الشر الجديدة” أوضح د. عبدالحي زلوم أن عقد التسعينات كان كعقد العشرينات وأن الأسباب نفسها تعطي النتائج نفسها. فكما كانت نتيجة ممارسات العشرينات كساداً كبيراً دام أكثر من عشر سنين، بيّن د. زلوم أن العقد الأول من القرن الواحد والعشرين سيشهد انهياراً اقتصادياً، بحيث كان الفصل الأخير من كتاب

    “حروب البترول الصليبية” لسنة 2005 معنوناً : الإمبراطورية الأمريكية: نهايتها سكتة قلبية اقتصادية.

    هذا الكتاب “أزمة نظام” يبين أن النظام الرأسمالي قديمه جديد وجديده قديم، يعيش على الحروب واستلاب ثروات الآخرين، وأن “تاريخ صلاحيته” قد قاربت نهايتها.

    د. عبدالحي زلوم : أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في القدس، والجامعية الأولى والعليا في الهندسة والإدارة والإدارة العليا في جامعات الولايات المتحدة بما فيها جامعة هارفارد. ولقد تعايش وخبر النظام الأمريكي لأكثر من نصف قرن، كما عمل مع العديد من الشركات العبرقطرية في الولايات المتحدة وأوروبا، كما عمل مستشاراً عالمياً في قطاع النفط وله ستة مؤلفات في الاقتصاد السياسي.

    في كتابنا “نذر العولمة” بيّنا أن الرأسمالية المعلومالية قد مزجت بين قوة المال وقوة الإعلام وقوة علوم التسويق للبضائع والسياسيين، وهذه العناصر أسميناها في كتابنا إياه بالإنجليزية The Three Ms لأنها جميعاً تبدأ بالحرف M Money) ، Media،(Marketing .

    وحيث تم تغيير مفهوم المال حتى أصبح بدوره سلعة من السلع، صار وهماً ونبضة في كمبيوترات البنوك والشركات المالية، وصار غسل دماغ الجماهير الدعامة الأساسية لهذا الثالوث، وذلك النظام، فأصبح دور الإعلام طاغياً، مما جعل أصحاب البيوتات والمؤسسات المالية وأصحابها يهرعون لاحتكار أجهزة الإعلام المختلفة ليتقلص عدد شركاتها الكبرى من 30 إلى 5 خلال آخر عقدين، تربع على رأس هذه الشركات الخمس أصحاب البنوك أنفسهم. وحين كتابة هذه السطور كان رؤساء هذه الشركات الخمس من ملة واحدة!

    عندما زار وفد صحافي من الاتحاد السوفييتي الولايات المتحدة في الثمانينات من القرن الماضي، وقبل مغادرتهم، سأل أحدهم ضيوفه الأمريكان : “كيف تستطيع ماكينة الإعلام الأمريكية أن تتحكم لهذه الدرجة، حيث إننا وجدنا الرسالة نفسها، والنص نفسه في سائر أنحاء الولايات المتحدة ومن مؤسسات الإعلام كافة، وبطريقة لم نستطع نحن في الاتحاد السوفييتي تحقيقها رغم تمركز آلة الإعلام بأيدي حزبنا”.

    نقتبس في هذا الكتاب قول البروفيسور كويغلي Quigly من جامعة جورج تاون، والذي علّم طلابه (ومنهم بيل كلينتون) أن برامج الحزبين الأمريكيين في جوهرهما برنامج واحد في خطوطه العريضة، وأن الإدارات التي تأتي للسلطة تأتي لتنفيذ تلك المخططات مع حرية حركة تكتيكية محدودة. وتتحمل الإدارات الأمريكية كل “أوساخ” تلك البرامج باعتبارهم المسؤولين عنها، وذلك بمنأى عن أصحاب النظام الحقيقيين الذين جيّروا تلك البرامج لمصالحهم الضيقة. جاء كلينتون وراح كلينتون، جاء بوش، وراح بوش، وجاء أوباما وسيروح أوباما، وقد علقت بهم كل أوساخ النظام لفترات حكمهم، لكن أصحاب النظام الحقيقيين باقون، يلعنون مع الجمهور “وساخة” هذه الإدارات، وتبدأ ماكينة إعلامهم بالتبشير أنه ما علينا إلا أن ننتظر الإدارة التي ستأتي حتى تصبح كل الأمور على ما يرام! فالمشكلة في هؤلاء (الأوغاد) كما أسماهم البروفيسور غويغلي!. هذا ما يريد أصحاب النظام أن يوحوا به، مع أن المشكلة والأزمة هي أزمة نظام.

    سيبين هذا الكتاب أن الرأسمالية منذ نشأتها قبل 500 سنة عاشت على الأكاذيب والحروب والعبودية واستعباد الشعوب، تديرها فئة قليلة جداً من بارونات المال العالميين. ولقد وظف هؤلاء في خدمتهم الإعلام على مدى القرون فملكوه وأداروه، سواء عندما كان يعتمد على الشائعات الكاذبة أو الصحف أو على الإذاعة والتلفزيون. كانت أضخم صفقة نفذها روتشايلد هو بمعرفة نتائج معركة واترلو قبل الآخرين، فادّعى أن انجلترا قد خسرت الحرب وباع بعض أسهمه، ما سبب انهيار البورصة.عندها قام بشراء كميات هائلة من الأسهم بأبخس الأسعار التي ارتفعت إلى سابق عهدها، بعدما تبين أن بريطانيا هي التي ربحت تلك المعركة. يقول روتشايلد مفتخراً: “لقد كانت هذه صفقة عمري”. كان الحمام الزاجل هو من أوصل خبر نتيجة معركة واترلو لورتشايلد. وما إن بدأت التقنية الحديثة بدءاً بالتلغراف حتى قام أصحاب النظام الرأسمالي بتأسيس المؤسسات الإخبارية ووكالات الأنباء وسائر وسائل التأثير الجماعي. كان من أوائل هؤلاء إسرائيل بير جوزيفات (Israel Beer Josephat) والذي اقتضت متطلبات المهنة أن يغير اسمه إلى رويتر، وديانته من اليهودية إلى الكاثوليكية، كما فعل الرئيس البريطاني دزرائيلي ذلك في عهده، وكما فعلت مدلين اولبرايت ووالدها جوزيف كوربل من بعده. وصاحبنا هو مؤسس وكالة رويتر للأنباء. ولقد اهتم هؤلاء بالاستيلاء على مصادر الأخبار ثم أدوات نشرها، فلقد تعلموا من تجاربهم أن ذاكرة الشعوب قصيرة المدى واعتمدوا مقولة اكذب اكذب يصدقك الناس. ولكي يعطوا أكاذيبهم طابع الصدق والعدل بل القداسة، وظفوا كهنة لنظامهم أسموهم “الاقتصاديين”، والذين كانوا وما زالوا يزاولون دور وعاظ السلاطين بإصدار الفتاوى من نوع “ادفع وارفع”.

    وفي كل عصر وحقبة من الزمن نجد بأن بارونات المال هؤلاء قد “لمّعوا” أحد هؤلاء ليضفوا عليه هالة القداسة، وأنه إذا “قال فصدقوه”. عند انهيار النظام كما حصل أيام الكساد الكبير، كان هناك جون مينارد كينز John Maynard Keynes ، والذي نظّر بضرورة تدخل الدولة لتقليم أظافر السوق وكذلك بالإنفاق عن طريق العجوزات أثناء الأزمات إلى أن يتم إنقاذ النظام. وما فتئ النظام بعد ذلك إلاّ أن أخرج كبير كهنة جديداً، فجاء ملتون فريدمان يقول: إن تدخل الدولة هو أبو الشرور، فتم فكفكة ما تم وضعه من قوانين معتمدة على الأرذوكسية الكينزية خصوصاً في عهد ريغان، ثم جاء رئيس البنك المركزي بول فاولكر ومن بعده آلان غرينسبان، والذي حكم النظام المالي الأمريكي ومن ثم العالمي 16 سنة ونصف السنة ليقول لنا أمام لجنة تقصي حقائق عن أسباب الأزمة الاقتصادية في الكونغرس في أكتوبر سنة 2008: “إنني مصاب بالذهول... فأنا أعرف بأن هناك خطأ ما في النظام... لكني لا أعرف ما هو...”. لا فُضّ فوه!

    لكن السؤال : لماذا علينا أن نصدق فولكر أو غرينسبان أو حتى بن شلومو برنانكي، الذي جاء وول ستريت به لينقذ مؤسساته المالية؟ فشلومو برنانكي كانت رسالة الدكتوراه خاصته عن الكساد الكبير... يا للصدفة جاء قبل أن يُعلن للملأ عن كساد كبير أو تباطؤ كبير... سمه ما شئت! أم هي صدفة إن جيء به هذه الأيام وهو الذي وصل إلى نتيجة في رسالة دكتوراه مؤداها أن أُم المشاكل هي السماح بانهيار البنوك، وعلى الدولة حمايتها بسائر الوسائل، وهكذا انقلبت الدولة الرأسمالية التي كانت تلعن تدخل الدولة وجعلته من المحرمات على دول شرق جنوب آسيا أثناء أزمة التسعينات، مُعلنة أن على البنوك الضعيفة والشركات الضعيفة أن تنهار، حيث ما لبث أن ذهب بارونات المال العالميون لشرائها بأبخس الأثمان. لكن اليوم، أصبحت تلك المحرمات حلالاً، وبدأت الحكومة بشراء الحصص وضخ المليارات لوقف الانهيارات لمؤسسات باروناتها! ورسالة دكتوراه برنانكي كانت من أشهر الجامعات الأمريكيةMIT ، وكان المشرف عليها الأستاذ في تلك الجامعة آنذاك البروفيسور ستانلي فيشرStanley Fisher ، والذي انتقل ليصبح نائب مدير صندوق النقد الدولي وهو اليوم رئيس البنك المركزي ل”إسرائيل”!

    إذا كان الأمر بهذا الوضوح فهل علينا أن نبقى كتنابل السلطان نسير من أزمة إلى أزمة... إلى حتفنا... أم أن علينا إصلاح ذات بيننا وتفحص ما يجري حولنا؟

    هل أتاك حديث مادوف وبلاغوجيفيتش؟



    برنارد مادوف هو ابن وول ستريت البار. أسس سنة 1960 شركة برنارد مادوف للاستثمار عندما كان في الثانية والعشرين من عمره وكان رأسماله حينئذٍ 5000 دولار. بقي مادوف رئيس مجلس إدارة هذه الشركة حتى 11 ديسمبر 2008 حينما ذهب وأخبر أولي الأمر أن شركته كانت تمارس الخداع والغش والكذب خلال سنوات عملها، وكان قد أخبر بعض مديريه الشيء نفسه قبل يوم من افصاحه عن سوء أمره قائلاً : “كان الأمر كله كذبة كبرى”. وصل مادوف إلى أعلى المراكز في وول ستريت بما في ذلك رئاسة مجلس إدارة ناسداك Nasdaq أهم سوق مالي لشركات التكنولوجيا في العالم لعدة سنوات. كان لآخر أيامه ممن يسمون في وول ستريت “صناع السوق”. (خسائر) مادوف كانت 50 مليار دولار أي 000.000.000.50 دولار عداً ونقداً !!!... وما كادت الفضيحة أن تنكشف حتى أفصحت العديد من البنوك العالمية داخل الولايات المتحدة وخارجها في بريطانيا، وإسبانيا، وفرنسا، وايطاليا وهولندا وغيرها انها قد أصابتها خسائر جسيمة لأنها كانت تستثمر مع مادوف. كان مادوف، حسب صحافة وإعلام وول ستريت رجلاً تقياً نقياً طاهراً ورعاً، حيث أنه كان يكثر أعمال الخير خصوصاً للمؤسسات اليهودية و”اسرائيل”.... بل وكان في مجلس امناء إحدى الجامعات اليهودية.

    حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية AFP في 18/12/2008 فلقد ظهر على الإنترنت طوفان من الرسائل “المعادية للسامية” (وهنا نضع معادية السامية بين قوسين). قالت وكالة الأنباء هذه بأن “مادوف، ذا السبعين عاماً، يهودي الديانة، وعضو بارز في الجالية اليهودية الأمريكية ذات النفوذ القوي”. ثم تقتبس الوكالة ما قالته “رابطة الدفاع ضد التمييز” اليهودية ADF عن هذا الموضوع : “قام البعض بكتابة تعليقات بالغة الإهانة عن علاقة اليهود والمال حتى أن بعضهم قال إنه لا يستطيع أحد القيام بعملية غش كهذه إلاّ اليهود كما أن آخرين ادعوا (في نظريات مؤامرة) بأن سرقات اليهود هذه انما هي لمساعدة “إسرائيل””. واستطرد الناطق باسم رابطة ADL أنه حتى بعض الجرائد، وليس مواقع الإنترنت فقط، كانت من اولئك الذين انضموا إلى تلك الحملة ومنهم نيويورك بوست، ومجلة “فوربس”. لكن الغريب أن مواقع جريدة “هآرتس” و”الجيروسالم بوست” كانا ضمن تلك المواقع التي ورد فيها مثل هذه الاتهامات “اللاسامية”. إذن مهاجمة الغش والخداع والسرقة هي (لا سامية) و(نظرية مؤامرة) حتى ولو كان على موقع جريدة “إسرائيلية”! أليس هذا هو الابتزاز بعينه؟؟

    بينا في هذا الكتاب أن ممارسات أسواق المال منذ كانت هناك أسواق مال هي نفسها، جديدها قديم، وقديمها جديد. بينّا أن الفقاعات الاقتصادية كانت تُمارس حتى قبل 300 سنة، حيث بينا فقاعة شركة بحر الجنوب سنة 1720 والتي يُظّن أنها قد حدثت بالأمس. حتى أن ممارسات مادوف ما هي إلا نسخة طبق الأصل عن ممارسات تشارلز بونزي Charles Ponzi في العشرينات من القرن الماضي.

    بدأ بونزي فقيراً معدماً كما كان الحال مع مادوف، إلى أن عمل مع أحد أصحاب البنوك “الفاسدين” في كندا حيث تَعلّم منه آخر علوم النصب، والنصب هو أحد علوم مهنة أسواق المال وأصحابها التي ورثوها أباً عن جد على مدى التاريخ. ما تعلمه هو ما يسمى Pyramid Scams وملخصها الدفع للمستثمرين القدامى من أموال المستثمرين الجدد بناء على مشاريع وهمية. ووَعَد بونزي بدفع فائدة 50% على أي مبلغ استثمار لمدة 90 يوماً فقط. خلال سبعة شهور جمع 30000 مستثمر دفعوا 9 ملايين دولار وهو مبلغ ضخم في تلك الأيام. ذاع صيته في كل مكان. وبعد أن بدأ عملية احتياله وبجيبه دولاران فقط، امتلك قصراً وسيارات فارهة إلى أن تم اكتشاف أمره بعد أن كان ما كان! وهذا ما قام به مادوف... بل هذا ما تقوم به شركات المال وباروناتها العالميون.

    إذا كانت أخلاقيات نظام السوق الرأسمالي تسمح ببيع السلع والسياسيين واقتراف الجريمة باعتبارها عمليات سوق لا تخضع لمعايير أخلاقيه، فدعنا نرَ كيف ينطبق ذلك على بيئة شيكاغو وحزبها الديمقراطي الذي أوصلت ماكنته السياسية باراك اوباما إلى أعلى مناصب الدولة.

    يقول ديك سمبسون Dick Simpson أستاذ العلوم السياسية بجامعة إلينوي في شيكاغو إن أكثر من ألف شخص قد تم ادانتهم على خلفية جرائم سياسية اقترفت منذ السبعينات من القرن الماضي كان منهم ثلاثون ممن وصلوا إلى مراكزهم عبر صناديق الاقتراع إلى مناصب عامة ومهمة. كان آخر هؤلاء حاكم ولاية إلينوي الحالي (بلاغوجيفيتش Blagojevitch) والذي تم اعتقاله واطلاق سراحه بكفالة في 9/12/2008. وهذا ما نقلته وكالة الأسوشيتيد برس في 24/12/2008: “أوقف بلاغوجيفيتش في التاسع من كانون الأول وأفرج عنه بكفالة. وكشفت نصوص الاتصالات الهاتفية التي نشرها مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) أنه حاول بيع مقعد سناتور إيلينوي الذي بقي شاغراً بعد انتخاب أوباما رئيساً للولايات المتحدة. وكشف التنصت على مكالمات حاكم إيلينوي أنه كان غاضباً لأن فريق أوباما لم يقدم له سوى التقدير مقابل تعيين هذه الشخصية أو تلك... ويعود إلى حكام الولايات المتحدة تعيين أعضاء مجلس الشيوخ الذين تصبح مقاعدهم شاغرة، بانتظار الانتخابات المقبلة لمجلس الشيوخ بعد سنتين.

    ويُمكن أن يحكم بالسجن على بلاغوجيفيتش المتهم بالاحتيال والفساد والذي يخضع لتحقيق حول قضية أخرى مما يفسر تمكن مكتب التحقيقات الفدرالي من التنصت على اتصالاته بإذن من القضاء”.

    إذن، منصب أوباما السابق والذي وصل إليه أوباما عبر ماكينة الحزب الديمقراطي السياسية والتي أوصلت أوباما إلى البيت الأبيض هو الآن معروض للبيع... عدّاً ونقداً، كما بينته تسجيلات مكتب التحقيقات الفدرالي، ولكن أليست هذه حالة فريدة أردنا أن نعمل بها “من الحبة قبّة”؟ يقول البروفيسور سيمبسون إنه حين إدانة الحاكم الحالي ودخوله السجن سيكون أربعة من أصل آخر ثمانية حكام لهذه الولاية قد دخلوا السجن على خلفية الفساد والاختلاس والابتزاز... أربعة من ثمانية تعني 50% - أي النصف. لكن لماذا علينا نحن “أصحاب نظريات المؤامرة” أن ننظر إلى نصف الكوب الفارغ، فهناك نصف ملآن؟ ثم تفاءلوا بالخير تجدوه عند أوباما... وإلاّ فالذي بعده أو الذي بعد الذي بعده ! أوليس من الأفضل أن نحمد الله كثيراً أن بلاغوجيفيتش لم يكن هو الذي وصل إلى الرئاسة الأمريكية؟ لكن هل كان ذلك ممكنا؟

    نطالب بالرأفة ل بلاغوجيفيتش، فهو قد لعب ضمن قواعد اللعبة في الرأسمالية الأمريكية كما وصفها الأستاذ ليستر ثورو وكما وصفتها ال “نيوزويك”، لكنه لسوء حظه قد انكشف أمره.

    المحزن أن خسائر الدول العربية وخصوصاً الصناديق السيادية لدول النفط العربية قدرت بحوالي 2600 مليار دولار من جامعة الدول العربية، وهو مبلغ يزيد مرة ونصف المرة على جميع موجودات البنوك العربية مجتمعة من المحيط إلى الخليج، بل ويزيد على مجموع الدخل القومي السنوي للدول العربية مجتمعة من المحيط إلى الخليج، بما في ذلك الموارد من النفط والغاز. أما ما قدرته الأمم المتحدة من الخسائر العربية حتى منتصف ديسمبر / كانون الأول 2008 فكان 650 مليار دولار، خمسة في المائة من هذه الخسائر لو تم استثمارها في الزراعة في بلد كالسودان، لأصبح سلة غذاء للعالم العربي بأجمعه، أو 10% من هذه الخسارة كان يمكن أن يقيم قاعدة صناعية حقيقية في هذا البلد العربي أو ذاك. بل كان يمكن بأقل من عشرين في المائة من هذه الخسائر أن تقوم بسداد كافة الديون عن الدول العربية. هذه الخسائر في وقت تعاني شعوب منطقتنا من الجهالة والفقر وفي وقت سيدخل فيه سوق العمالة العربي 80 مليون طالب عمل جديد خلال السنوات العشر المقبلة.

    أخو نابليون كتب إلى أخيه ناصحاً: حذار إذا جاعت الجماهير ! سؤالنا : لماذا على دول النفط أن تنتج من النفط أكثر من احتياجاتها للتنمية فتحول هذه المادة الثمينة من كنز ترتفع أسعاره مع الأيام باقياً آمناً تحت أراضيها، إلى أوراق كسندات خزانة في أمريكا أو كاستثمارات عند مادوف ومن على شاكلته؟ ولماذا لا تستثمر هذه الفوائض في بلدانها و/ أو بلدان أشقائها لتصبح ثروة حقيقية منتجة لا أوراق تتآكل لألف سبب وسبب؟ أم أن سؤالنا قد أخطأ العنوان؟ فالجواب في مكان آخر... هناك...!.

    ما قاله مادوف عن شركته “كان الأمر كله كذبة كبرى” يمكننا قوله عن النظام كله.

    الإصلاح في عالمنا العربي



    ليست المشكلة بالآخرين وحدهم، فنحن ما بين فئة قليلة تطابقت مصالحها مع من هم خارج أوطانها أو ممن شغفهم الغرب حباً، وهؤلاء قال عنهم ابن خلدون قبل بضع مئات من السنين بأن “عبودية العقل هي أقسى أنواع العبوديات”، وبين فئة جمدت حضارتنا العظيمة في ثلاجة الزمن البعيد، دون الأخذ بأدوات التحديث والعصر في حضارة حثت على الأخذ بالعلم حتى ولو في الصين.

    هل هناك شرق أوسط جديد؟ الجواب نعم، هناك طفل قد يكون اسمه الشرق الأوسط الجديد وقد لا يكون ! وهو - كما قالت عنه كوندوليزا رايس - في مخاض آلام الولادة. هو لن يكون بمواصفات رايس أو شمعون بيريز. لا أدري مَنْ غيرُ الله يدري كيف سيكون هذا الوليد لأنه من أطفال الأنابيب، وهو قادم من رحم قانون “العواقب غير المحسوبة The Law of Unanticipated consequences لا من واشنطن ولا من أحبائها.

    ليس للأباطرة أصدقاء ولا صداقات. مات ماركوس في منفاه، وضاقت الأرض بما رحبت لقبرٍ يوارى به جثمان شاه إيران. جندت الولايات المتحدة ألوف المتطوعين البسطاء ليجاهدوا معها ضد الكفار السوفييت في أفغانستان. وبعد أن قضي الأمر، أين أصبح هؤلاء؟ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر في غوانتانامو! ثم أين هو سوهارتو؟ وأما مانويل نورييغا فلقد بدأ حياته مخبراً ثم عميلاً من الدرجة الممتازة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، حيث أوصلته إلى حكم جمهورية بنما. أما اليوم فهو السجين رقم 41586 في أحد سجون ميامي الفيدرالية بولاية فلوريدا”.
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    #2
    أزمة نظام ... الحلقة الثانية

    أزمة نظام ... الحلقة الثانية آخر تحديث:الخميس ,29/01/2009

    الرأسمالية.. قديمها جديد وجديدها قديم
    تأليف: د. عبدالحي زلوم

    1/1



    في كتابه “نذر العولمة” الذي صدر سنة 1998 بيّن د. عبدالحي زلوم أن النظام الرأسمالي قد ركب ثورة المعلومات فأوجد نظاماً اقتصادياً مالياً موازياً للاقتصاد المنتج، وأصبح عبئاً عليه يعيش على المضاربة فحوّل أسواق المال إلى كازينوهات للمقامرة تصب في جيوب بارونات المال العالميين.

    وفي كتابه “امبراطورية الشر الجديدة” أوضح د. عبدالحي زلوم أن عقد التسعينات كان كعقد العشرينات وأن الأسباب نفسها تعطي النتائج نفسها. فكما كانت نتيجة ممارسات العشرينات كساداً كبيراً دام أكثر من عشر سنين، بيّن د. زلوم أن العقد الأول من القرن الواحد والعشرين سيشهد انهياراً اقتصادياً، بحيث كان الفصل الأخير من كتاب

    “حروب البترول الصليبية” لسنة 2005 معنوناً : الإمبراطورية الأمريكية: نهايتها سكتة قلبية اقتصادية.

    هذا الكتاب “أزمة نظام” يبين أن النظام الرأسمالي قديمه جديد وجديده قديم، يعيش على الحروب واستلاب ثروات الآخرين، وأن “تاريخ صلاحيته” قد قاربت نهايتها.

    د. عبدالحي زلوم : أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في القدس، والجامعية الأولى والعليا في الهندسة والإدارة والإدارة العليا في جامعات الولايات المتحدة بما فيها جامعة هارفارد. ولقد تعايش وخبر النظام الأمريكي لأكثر من نصف قرن، كما عمل مع العديد من الشركات العبرقطرية في الولايات المتحدة وأوروبا، كما عمل مستشاراً عالمياً في قطاع النفط وله ستة مؤلفات في الاقتصاد السياسي.

    مع أن الناس قد أصبحوا واعين لظاهرة ما أسموه بالعولمة في الربع الأخير من القرن العشرين، إلا أن ذلك كان نتيجة السرعة التي طرأت على عملية وديناميكية العولمة، والتي تسارعت نتيجة تسارع الاكتشافات التكنولوجية في الفضاء، والاتصالات، وتقنية المعلومات. ولقد كانت عملية العولمة بطيئة، تكاد تكون بشكل غير محسوس، إلا أن تسارع الأحداث والاكتشافات قد جعلت ملاحظتها أمراً لا يمكن تجنب رؤيته أو ملاحظة تأثيراته، لأنها قد أصابت دروب الحياة كافة. وما ندعيه هنا أن عملية العولمة كانت عملية تتطور ببطء على مدى التاريخ إلا أنها أخذت وتيرة ثورية في العقود القليلة الماضية.

    إن عملية العولمة هي تطور طبيعي، اللهم إلا أن الاختلاف هو في النظم التي تتحكم بها. فهي مثل جهاز الكمبيوتر، المهم ما هو النظام Soft Ware الذي يتم تشغيله على هذا الجهاز. وكما يقال عن الكمبيوتر Garbage in، Garbage out ، أي إذا كانت المدخلات خاطئة، فكذلك ستكون النتائج. وإن مدخلات عولمة الرأسمالية التي تعتمد على الجشع والكذب والمادية المجردة والمضاربات والحروب لا يمكن لمخرجاتها إلا أن تكون ما نرى عالمنا عليه أيامنا هذه.

    قبل أكثر من مائة وخمسين سنة، وتحديداً في سنة 1848 نظّر كارل ماركس أن ضرورات الإنتاج الرأسمالي ستدفع بالرأسماليين للذهاب إلى كل مكان، وأن يؤسسوا التجارة في كل مكان، ما حدا ب Paul Lewis بول لويس أن يكتب في ال”نيويورك تايمز” بتاريخ 27 يونيو/ حزيران 1998 “عندما يزور القراء (المانيفستو الشيوعي) في عامه الخامس بعد المائة، يفاجأ القراء سواءٌ كانت ميولهم نحو اليمين أم اليسار بدقة تعريف كارل ماركس للاقتصاد العالمي هذه الأيام”. يبدو أن ماركس عرف الداء لكنه لم يعرف الدواء.

    كان الانتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية في أوروبا ناتجاً عن تغيرات إيديولوجية وتكنولوجية. كانت الثورة البروتستانتية، أو ما أسماه البعض “عصر التنوير” هو الغطاء الإيديولوجي الذي حلل الربا، والذي حرمته الشرائع الدينية كافة من الإسلام إلى المسيحية وحتى اليهودية، التي سمحت به فقط على الغوييم من غير اليهود وحرمتهُ بين اليهود أنفسهم.

    أما الاختراعات التكنولوجية فكانت استعمال البخار في الصناعة، والقطار، ومحرك الاحتراق الداخلي، والكهرباء، والطاقة النووية وأخيراً الذكاء الاصطناعي والكمبيوتر. نتج عن هذه الاختراعات تطوير الأسواق من محلية إلى إقليمية إلى قومية ثم إلى عالمية، فتم تركيب مبادئ الرأسمالية على أدوات العولمة هذه، مما نتج عن ذلك ما أسلفنا من نتائج هي من طبيعة ذلك النظام من الإنتاج الكمي، ومن حروب واضطرابات ومصائب، فتقدم الوسائل وقوتها جعل من كل حرب أشرس مما قبلها، ومن كل كارثة اقتصادية أشد ضراوة وقسوة من سابقاتها، ومع أن كلمات العولمة قد كثر استعمالها مؤخراً إلا أنها كانت تتطور مع الزمن ابتداء من طريق الحرير وحتى اليوم. لقد ترجم المسلمون علوم وفلسفة اليونان والرومان وأضافوا عليها كعلم الجبر، بل اختراع “الصفر”، ومن دونه فإن علوم الكمبيوتر والتي تعتمد عليه ما كان لها أن تنطلق وتطلق عصر معلوماتنا هذا. كما ترجم الأوروبيون أعمال المسلمين العلمية والأدبية وأضافوا عليها.

    كانت سرعة الحركة والانتقال وسرعة تطور العولمة تتطوران تطوراً طردياً. فحتى القرن التاسع عشر كان الحصان هو السرعة القصوى للانتقال، إلى أن جاء القطار فأصبحت سرعته تصل إلى 150 كيلومتراً في الساعة، ثم السيارات فالطائرات والصواريخ. وكان إنتاج النفط بكميات كبيرة وبوسائل حديثة سنة 1859 نقطة حاسمة، بحيث يمكن الادعاء أننا في آخر سنوات القرن التاسع عشر وحتى اليوم نعيش ما يمكن تسميته عصر النفط، وبعد انطلاق الثورة الصناعية أصبح من يسميهم المؤرخون الأمريكيون أنفسهم بالبارونات اللصوص، خلفاً لبارونات الإقطاع، وأصبح هؤلاء هم عماد النظام الرأسمالي الصناعي، فالرأسمالية قد اشتقت اسمها من الرأسمال وسُخر النظام كله لخدمة رأس المال وأصحابه.

    تجارة حرة بقوة السلاح

    بينما كان التنافس بين الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية يزداد حدة، أبحر نابليون على رأس 40000 جندي تحملهم 300 سفينة لغزو مصر. واحتل القاهرة في 25 يوليو/ تموز 1798 بعد معارك غير ذي شأن. وتماماً كما دخل الأمريكان بغداد في 9 ابريل/ نيسان ،2003 أصاب المماليك وجيشهم وأهل القاهرة “الصدمة والرعب”، وهذا كان اسم عملية احتلال العراق الأمريكية لكنها كانت موديل ،1798 في البداية نزل الجنود الفرنسيون إلى الشوارع في القاهرة دون سلاحهم، وكذلك المارينز الأمريكان في بغداد، فالناس كانوا في حالة ذهول! ولقد اشترى الجنود الفرنسيون كل شيء بأعلى الأسعار ليجذبوا السكان إلى جانبهم، تماماً كما فعل الأمريكيون عند غزوهم بغداد. ولقد أحضر نابليون معه 36 عالماً ليتفهم عقلية المصريين وثقافتهم ولتغيير القانون من الشريعة إلى قانون علماني، وهو هدف واظب عليه الغرب إلى يومنا هذا. وكما أعلن رامسفيلد وزير دفاع الغزو الأمريكي بأن جنوده قد جاءوا ليحرروا العراق، كذلك أعلن نابليون أنه جاء وأحضر معه “التنوير” والتحرير. وكما حكم بريمر أول مندوب سام أمريكي في العراق بمراسيم تحمل قوة القانون، كان هذا ما فعله أيضاً نابليون قبله بأكثر من مائتي سنة.

    عندما دخل نابليون القاهرة جمع كبار أهل القاهرة وأبلغهم بأنه يريد أن يحكم بواسطة عشرة ينتقيهم منهم، وهكذا أصبح لنابليون ما يعادل CPA أو السلطة المركزية المؤقتة التي أنشأها الأمريكيون بعد الاحتلال. ولقد جعل نابليون من القصر الجديد لحاكم مصر السابق محمد بيه الألفي قصراً لإدارته، وهكذا أصبح لنابليون “منطقته الخضراء”، كما جعل بريمر من منطقة القصر الجمهوري لنظام صدام حسين منطقته الخضراء.

    وعندما أفاق المصريون، كما أفاق العراقيون من صدمتهم، لم يعجبهم الاحتلال.. فقاموا بثورة مسلحة أسماها نابليون، كما سماها الأمريكان تمرداً! ولقد كان رد فعل نابليون بأن وجه مدافعه ضد الأزهر كونه مركزاً للمقاومة، وعلى غرار جورج بوش كان نابليون مصمماً على الاستمرار في سياسته، فبدأ بتغيير جنرال وراء جنرال، فأرسل الجنرال دوبوي General Dupuy لوقف “التمرد” حيث تطورت المظاهرات إلى ثورة في أكتوبر/ تشرين الأول ،1798 ولقد قتل الثوار الجنرال دوبوي مع العديد من جنوده، فرأى نابليون أن يتخذ أشد أنواع العقاب، حيث اعتقل رؤوس المقاومة، بمن فيهم رئيس جمعية المكفوفين والذي تم إعدامه مع أربعة آخرين. صعد الفرنسيون من قمعهم. دسوا السم للكلاب لأنها كانت تعوي وتنذر المقاومين قبل وصول الجنود الفرنسيين إلى معاقلهم، كما دمروا أجزاء من المدينة بأكملها بما فيها المساجد والمنازل والقصور. لا بد أن هذه كانت “فلوجة” نابليون.

    لاحظ نابليون أن المماليك والعثمانيين والإنجليز قد كونوا محوراً، لابد أنه كان محور شر، فرأى أن يهرب إلى الأمام فغزا فلسطين، لكنه هُزم في عكا، وهكذا وفي جنح الظلام سافر سراً إلى فرنسا في 22 أغسطس/ آب ،1799 وكما كافأ الأمريكيون جورج بوش على خيبته في العراق بولاية ثانية تم تسمية نابليون بعد رجوعه “القنصل الأول”. ترك نابليون الجنرال كليبر في القاهرة يتدبر الأمر. لكنه قُتل على يد أحد الثوار المسلمين غير المصريين ويدعى سليمان أليبين (Suleiman Alepin) هل هذا أحد الأصوليين أم إنه من القاعدة؟ تم تنفيذ حكم الإعدام بسليمان واثنين آخرين معه، وتم تعيين الجنرال مينو Menou والذي اعتنق الإسلام فيما بعد، حيث أصبح اسمه الجنرال عبدالله جاك مينو، وتزوج من مصرية وأنجب ولداً أسماه سليمان. لكن “محور الشر” الثلاثي من المماليك والعثمانيين والإنجليز قد انتصر أخيراً ورجعت مصر ولاية تابعة للسلطان العثماني سنة 1805.

    عمل محمد علي قائداً للجيوش العثمانية وعمل بتوافق مع الإنجليز. ويبدو أن تفاهماً ضمنياً مكنه من المحافظة على مركزه لاحقاً كحاكم ولاية مصر العثمانية. بقي النفوذ البريطاني مؤثراً في مصر إبان فترة حكم محمد علي، إلا أنه حاد عن الطريق كما سنرى فتمت إزاحته.

    عندما احتل نابليون مصر، كانت مصر على مفترق طرق استراتيجي. ومع أنه لم يُفصح عن أن هدفه الحقيقي كان الوصول إلى الهند درة التاج البريطاني، إلا أن ذلك كان مفهوماً ضمناً، كما لم يعلن جورج بوش عن هدفه الحقيقي وهو السيطرة على منابع النفط وإن كان أمراً مفروغاً منه عرفه القاصي والداني.

    حكم محمد علي مصر 43 سنة (1805 1848) ولعل التدخل السافر للغرب في شؤون العالم الإسلامي كان سبباً رئيسياً للإبقاء على التخلف بهذه الطريقة أو تلك، وضرب كل حركات التحرر أو التقدم الاقتصادي أو الاجتماعي أو العسكري قبل أن تصبح خطراً على مصالح الغرب، فبعد أن تربع محمد علي على كرسي الحكم وقيامه بمركزة السلطة بين يديه، قام بثورة صناعية وزراعية طموحة. وفي الشأن الزراعي، فقد ضاعف المساحات المزروعة وكذلك نوّع المزروعات للأنواع القابلة للتصدير، فأنشأ نظاماً زراعياً مركزياً بحيث حدد مساحة ما يزرعه المزارعون ونوع المحصول لزراعتهم، واشترى محصولهم والذي كان يباع بربح، واستعمل الربح في بناء المشاريع العامة وقنوات الري، والطرق والسدود، بالإضافة إلى تمويل المشاريع الصناعية وتقوية الجيش. وتم بناء مصانع النسيج والسكر والزجاج وتم شراء الماكينات من الغرب والاستعانة بخبرائهم. وكما كان يفعل الاوروبيون فلقد تم حماية الصناعة المصرية خصوصاً في سنوات تكوينها الأولى، مما حسّن من ميزانه التجاري باستمرار. وكون جيشاً قوياً وبحرية قوية، وكانا تحت تصرف السلطان العثماني عند الطلب.

    أرسل محمد علي جيوشه إلى الجزيرة العربية، كما أرسل جيوشه وأساطيله لمساعدة السلطان في إخماد الثورة اليونانية. أصاب الأوروبيون القلق من تنامي قوة محمد علي البرية والبحرية، فقام أسطول من تحالف القوى الأوروبية بإغراق أسطول محمد علي في نفارينو Navarino في أكتوبر/ تشرين الأول 24 سنة 1828 جنوب شواطئ اليونان.

    بعد أن أثبت قدراته العسكرية شجعت بعض القوى الأوروبية محمد علي على احتلال عاصمة الخلافة العثمانية، وبعد احتلال بلاد الشام بواسطة إبراهيم باشا، استمر نحو الاستانة حيث دحر الجيش العثماني ولم يوقفه سوى القوى الأوروبية التي أنذرت والده بالتوقف وإلا.. محمد علي الألباني الذي لم يتكلم العربية بطلاقة، وابنه إبراهيم (بالتبني من زوجة يونانية) أراد إنشاء دولة تقوم على العروبة والقومية العربية، وتنفصل عن الدولة الإسلامية العثمانية، والتي كانت في حالة وهن وضعف بل “مشروع إمبراطورية جاهزة للسقوط” متى سمحت الجيوبوليتكا بين القوى الأوروبية لذلك. رأى الغرب أن أفضل طريقة لحد قوة محمد علي هي تقنين مصادره المالية. فكما أجبرت بريطانيا الدولة العثمانية على توقيع معاهدة التجارة الحرة بمعاهدة بالتاليمان Balta Liman سنة 1836 بشروط حابت بريطانيا، فلقد طُلب من محمد علي أن يفعل الشيء نفسه. لكنه لم يستجب حيث ان مثل ذلك سيحرمه من عوائد الجمارك، كما سيعرض صناعته وزراعته إلى منافسة غير متكافئة مع أوروبا. عندها هاجمته بريطانيا بالتعاون مع العثمانيين في بلاد الشام وتم إخراجه منها بعد حكم دام عقداً من الزمن، بعد أن قصفت البحرية البريطانية قوات محمد علي في بيروت في سبتمبر/ أيلول ،1840 وفي عكا في أكتوبر، وأخيراً رست قطع بحرية بريطانية في ميناء الاسكندرية وتم إجبار محمد علي على توقيع اتفاقية التجارة الحرة سنة 1841. وبذلك أجبر محمد علي على التخلي عن سائر سياساته الاقتصادية، وأن يخفض الضرائب والجمارك على المنتوجات الأجنبية مما أدى إلى اندثار الصناعة المصرية التي بناها خلال عشرات السنين. وكذلك تم وضع حدود لإعداد وعدة جيشه. وكما كان متوقعاً، فلقد انخفضت إيرادات الدولة ب 80% بعد سنة من هذه الاتفاقية وبدأ الدين يتراكم على مصر، مما سبب انهياراً عصبياً لمحمد علي. وبقيت صحته تتدهور إلى أن تم عزله في يوليو سنة ،1848 كما توفي ابنه إبراهيم في نوفمبر/ تشرين الثاني من السنة نفسها. وبقي الدين على مصر بازدياد بالرغم من وجود المستشارين الأجانب حتى وصل إلى مائة مليون جنيه سنة ،1879 الأمر الذي أدى إلى احتلال مصر تحت دعوى إدارة الاقتصاد المصري لسداد ديونه، الأمر الذي يقوم به هذه الأيام صندوق النقد الدولي، فبعد إغراق البلدان بالديون، يأتي صندوق النقد الدولي بشروطه Conditionalities وخبرائه ليضعوا الشروط وليقبعوا في دوائر الدولة لإدارة الاقتصاد والديون. وكما أن البنك الدولي يُشجع الدول النامية على بناء المشاريع من موانئ ومحطات كهرباء، ثم يأتي الوقت الذي تباع هذه المنشآت نفسها بأبخس الأسعار لسداد الديون تحت برامج الخصخصة، كان الأمر نفسه يتم في السابق، فبعد أن استدانت مصر الملايين لمشاريعها ومنها فتح قناة السويس، اضطرت الحكومة المصرية أن تبيع أسهمها في القناة لقاء 4 ملايين جنيه فقط، أي 4% من حجم ديونها. استدانت الإمبراطورية البريطانية هذه الملايين الأربعة من عائلة المرابين العالميين آل روتشايلد، وكان المستدين رئيس الوزراء البريطاني دزرائيلي.

    الاقتصاد الجديد.. قديم

    لقد كان الاقتصاد الجديد إحدى أكبر أكاذيب القرن العشرين، فهو لم يكن سوى رخصة “جديدة” لوول ستريت لتبرير سرقاتها. ولم يكن هناك أي شيء جديد في هذا الاقتصاد الجديد، سوى أنه أصبح أكثر شدّة في مضارباته، وزادت طفيليته بشكل أكبر، حيث بقي جوهر النظام الاقتصادي على حاله.

    لقد تكيف هذا الاقتصاد الجديد القديم مع وسائل جديدة تعمل على تعاظم ثروات ومنافع البارونات اللصوص. وقد كانت الحواسيب والإنترنت اختراعات تقنية ثورية في النصف الأخير من القرن العشرين. ولكن هذه الصفات تنطبق أيضاً على الاختراعات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مثل الكهرباء والبترول التي كانت اختراعات ثورية أيضاً، ولكن “عبادة الجديد” هي تقليد أمريكي قديم. فأمريكا هي العالم الجديد، والأمة الجديدة، والقارة الجديدة. أمّا الاقتصاد الجديد فلم يكن سوى إحدى صرعات أصحاب وول ستريت، والذين يستخدمون طرقاً ووسائل جديدة وتقنيات الكمبيوتر، وتسخير علماء الصواريخ لتعظيم نهبهم للاقتصاد المنتج.

    لقد سُئل روبرت صامويلسون (Robert J. Samuelson) في تعليق نشر في مجلة نيوزويك في 17/4/2001: “ما هو الاقتصاد الجديد؟ إنه يبدو في معظمه حالة ذهنية، وقناعة، من خلال معجزات التقنية، بأن الاقتصاد قد دخل مرحلة النعيم الدائم الذي يعج بوعود الخير ويخلو من أية مخاطر. وقد قامت هذه الثقة المفرطة بتغيير النمط السلوكي للاقتصاد، مسببة ازدهاراً في سوق الأوراق المالية وفورة في الإنفاق الاستهلاكي. ويبدو المستقبل غاية في الإشراق، حتى أن الناس باتوا لا يخشون أن ينفقوا بسخاء، وقد أظهر انتعاش السوق المالي الأسبوع المنصرم هذه الثقة بصورة واضحة. ولكن هذا الوضع ينطوي كذلك على خطر الهشاشة. فلو هزّ أي شيء هذه الثقة المفرطة، التي وصلت حدودها القصوى، فإن الأسهم ومبيعات التجزئة قد تنهار أو تنخفض، وبذلك فإن الاقتصاد الجديد سيبدو وكأنه الاقتصاد القديم. “ لقد قام مالكو وول ستريت ووسائل الإعلام الناطقة بلسانها بدمج قوتهم المالية مع قوتهم المعلوماتية، ليخلقوا رأسمالية معلومالية أسموها “الاقتصاد الجديد”.

    لقد أثبت التاريخ أن مالكي وول ستريت يعتبرون أن القديم جديد والجديد قديم، فاللعبة هي ذاتها دائماً. ولو قمنا بتغيير التاريخ وبعض الأسماء، فلن يعرف أحد ما إذا كانت عملية الاحتيال قد تمت في هذا القرن أو في القرن الذي سبقه. وحتى عمليات الاحتيال والخداع هي ذاتها دائماً. وهذا ما يجعل الانحلال الأخلاقي جزءاً لا يتجزأ، إلى جانب الفضائح، من ثقافة وممارسات وول ستريت وبارونات الأموال اللصوص. وقد كتب غاري وايز (Gary Weiss) قائلاً: “إن فضائح السماسرة الماليين لا تنفك تتكرر مرة تلو الأخرى مع تغير أسماء الأشخاص فقط دون المساس بقانون اللعبة.. إن الفضائح المتكررة هي جزء من نسيج وول ستريت ونتاج لأخلاقياته والقوانين المطاطة التي تحكم عملياته، والتي تبقى دونما رقابة لسنوات طويلة.

    الترويج لاحتلال العراق

    وفي الوقت نفسه، نجد أن رئيساً أمريكياً هو فرانكلين. د. روزفلت كان السباق في انتقاد النظام النازي لانتهاجه سياسة الحروب الاستباقية، وذلك في خطابه الشهير في أكتوبر/ تشرين الأول ،1937 الذي قال فيه “إن الحروب النازية الاستباقية من شأنها أن تخلق عصراً من الرعب وغياب القانون” من خلال التدخلات غير المبررة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، أو الإقدام على غزو أراض أجنبية”. بالإضافة إلى ذلك، فقد نقل عن المدعي العام الأمريكي في محكمة جرائم الحرب في نوريمبيرغ القول بهذا الشأن: “موقفنا هو أياً كانت المظالم التي تعاني منها دولة ما ومهما بلغ حجم اعتراضنا على واقع معين لديها، فإن الحروب العدوانية تظل وسيلة غير مشروعة لمعالجة هذه المظالم أو العمل على تغيير مثل هذه الظروف”.

    في التسعينات شهدت الولايات المتحدة أكبر فقاعة مضاربة في تاريخ السوق المالي الأمريكي. وفي بداية القرن الجديد، ما بين 10 مارس/ اذار 2000 ونهاية الربع الأول من عام ،2001 حيث تهاوت قيمة الأسهم في ناسداك من 7،6 تريليون دولار إلى 3،3 تريليون. وفي ذلك قال ستيف جوبس مؤسس شركة أبل للكمبيوتر أمام المحللين، إنه يعتقد بأن الاقتصاد الأمريكي يعاني من حالة انصهار.

    وطبقاً لمفهوم النظام الرأسمالي الأمريكي، فإنه عندما يعاني اقتصاد ما من مصاعب فإن الحرب (سواء جاءت بفعل تخطيط مسبق أو حدثت بشكل عرضي) تساعد دائما على الخروج من الأزمة، خاصة كما اتضح من مشروع القرن الأمريكي الجديد وأن المسرح قد أعد بالفعل للهيمنة الأمريكية على العالم. فمن جانبها عملت “المؤسسة الأمريكية” على إيصال “رئيس حرب” إلى البيت الأبيض، وقدمت له الدعم المطلوب لتجني الشركات النفطية وشركات الصناعات والخدمات العسكرية من ورائه عظيم المكاسب. وفوق ذلك فإن العديد من رموز هذه الشركات ظهروا فجأة في البيت الأبيض، بدءاً من نائب الرئيس ديك تشيني، الذي كان قبلها مباشرة الرئيس التنفيذي لشركة هالبيرتون لخدمات النفط، وكونداليزا رايس التي شغلت منصباً رفيعاً في شركة شيفرون تكسيكو النفطية قبل أن تصبح على رأس مجلس الأمن القومي. وحتى في الخارج نجد بأن الرئيس الأفغاني المعين من قبل الأمريكيين حميد قرضاي والسفير الأمريكي في كابول بعد الإطاحة بطالبان، كانا يعملان مستشارين بشركة أونوكال النفطية (Unicol).

    وخلال فترة الإعداد لغزو العراق شكل روبرت جاكسون، أحد كبار المسؤولين في شركة لوكهيد مارتن، ما عرف بلجنة تحرير العراق. وبرز من بين المؤسسين عدد من الأسماء المتنفذة في المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وضمت اللجنة كذلك وزير الخارجية السابق جورج شولتز (يعمل حالياً مع شركة بيكتل)، بالإضافة إلى عدد من رموز المحافظين الجدد.

    وعليه فلا عجب أن تخرج الشركات المذكورة بحصة الأسد من مقاولات إعادة إعمار العراق، خاصة وأن عقيدة التجارة الحرة والعادلة تختفي عندما يتعلق الأمر بتعرض المصالح للتجمع الصناعي العسكري الأمريكي للخطر. فبعد الغزو وزعت سلطات الاحتلال الأمريكي الغنائم على الشركات النفطية، حيث أوكلت لشركة شيفرون تكساكو مسؤولية بيع النفط العراقي، بينما منحت شركتي بيكتل وهاليبرتون عقوداً إنشائية سخية، وهذه مجرد قمة الجبل الجليدي الهائل من المكاسب التي حظيت بها الشركات الأمريكية المقربة من إدارة بوش. وطبقاً لصحيفة “الفايننشال تايمز”، فإنه بعد عام واحد من غزو العراق، سجلت عائدات هاليبرتون ارتفاعا بنسبة 80%، بينما قفزت عائدات بيكتل بنسبة 135%. أما شيفرون تيكساكو فحققت زيادة في الأرباح بنسبة 90%، وذلك خلال الفترة من الربع الأول لعام 2003 إلى الربع الأول من العام التالي. وفي الوقت ذاته نجد أن أسهم لوكهيد مارتن لصناعة الأسلحة سجلت خلال الفترة من 2000-2004 (الفترة الأولى من رئاسة بوش) ارتفاعا بنسبة 300%. وطبقاً للسناتور رون وايدن فإن “عملية منح عقود إعمار العراق كانت أقرب إلى حالة الفوضى في مدن الكاوبوي الأمريكي قبل ظهور أمناء شرطة الدولة”.

    تعليق

    • محمد زعل السلوم
      عضو منتسب
      • Oct 2009
      • 746

      #3
      أزمة نظام ... الحلقة الثالثة

      • أزمة نظام ... الحلقة الثالثة • آخر تحديث:الجمعة ,30/01/2009

      في الرأسمالية.. العبودية أساس الملك


      1/2







      في كتابه "نذر العولمة" الذي صدر سنة 1998 بيّن د . عبدالحي زلوم أن النظام الرأسمالي قد ركب ثورة المعلومات فأوجد نظاماً اقتصادياً مالياً موازياً للاقتصاد المنتج، وأصبح عبئاً عليه يعيش على المضاربة فحوّل أسواق المال إلى كازينوهات للمقامرة تصب في جيوب بارونات المال العالميين .

      وفي كتابه "امبراطورية الشر الجديدة" أوضح د . عبدالحي زلوم أن عقد التسعينات كان كعقد العشرينات وأن الأسباب نفسها تعطي النتائج نفسها . فكما كانت نتيجة ممارسات العشرينات كساداً كبيراً دام أكثر من عشر سنين، بيّن د . زلوم أن العقد الأول من القرن الواحد والعشرين سيشهد انهياراً اقتصادياً، بحيث كان الفصل الأخير من كتاب

      "حروب البترول الصليبية" لسنة 2005 معنوناً : الإمبراطورية الأمريكية: نهايتها سكتة قلبية اقتصادية .

      هذا الكتاب "أزمة نظام" يبين أن النظام الرأسمالي قديمه جديد وجديده قديم، يعيش على الحروب واستلاب ثروات الآخرين، وأن "تاريخ صلاحيته" قد قاربت نهايتها .

      د . عبدالحي زلوم : أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في القدس، والجامعية الأولى والعليا في الهندسة والإدارة والإدارة العليا في جامعات الولايات المتحدة بما فيها جامعة هارفارد . ولقد تعايش وخبر النظام الأمريكي لأكثر من نصف قرن، كما عمل مع العديد من الشركات العبرقطرية في الولايات المتحدة وأوروبا، كما عمل مستشاراً عالمياً في قطاع النفط وله ستة مؤلفات في الاقتصاد السياسي .

      يقول البروفيسور رونالد ديفيسRonald Davis من جامعة ولاية كاليفورنيا في نورث ريدج North Ridge "لا نبالغ حيث نقول إن الأرباح التي نتجت عن نظام وتجارة الرقيق من 1600 وحتى 1860 قد أسهمت إلى حد كبير في بروز الغرب في غرب أوروبا والولايات المتحدة كالقوى المهيمنة على العالم" .

      ويمكن أن نضيف إلى ما كتبه ديفس بأن التطهير العرقي والحروب كالدعامتين الأخيرتين للرأسمالية الغربية التي انطلقت بعد أن حلل "التنويريون" بعد الثورة البروتستانتية الربا، وانطلق بارونات المال بعد حصولهم على هذا التغيير الايديولوجي إلى مزج قوة المال بتغير تكنولوجي انطلق بالرأسمالية إلى ما هي عليه اليوم .

      قال ماتير روتشايلد مؤسس العائلة "دعني أسيطر على رأس المال لأي أم، ولا يهمني من الذي سيحكمها بعد ذلك" .

      بعد وصول كولومبوس إلى ما ظنه الهند، كتب لأصحاب حملته بإسبانيا "سأرسل لكم ما تحتاجونه من ذهب، وكل ما تتمنونه من عبيد" . وأضاف: "فلينصر الرب اولئك الذين يتبعون طريقه!"، ومن مقره في ما يعرف اليوم بهايتي Haiti، قام كولومبوس بحملة اصطياد للسكان الأصليين، واحتجز 1500 منهم سنة ،1495 واختار منهم 500 من الأقوى بنية حيث حمّلهم بالسفن إلى إسبانيا . مات 200 منهم في الطريق ما جعل تكلفة الشحن باهظة فتفرغ لمحاولة تعدين الذهب . أمر بكل من هو فوق الرابعة عشرة من السكان الأصليين بجمع كمية محددة من الذهب خلال 3 شهور . أعطى الذين نجحوا في جمع الذهب قطعة من النحاس يعلقونها على صدورهم، أما أولئك الذين لم ينجحوا فتم تقطيع أيديهم لينزفوا حتى الموت . وحسب ما كتبه الراهبBartolome dela casa برتالومي دي لاكازا، الذي عايش تلك الحقبة، فيقول إنه بين 1494 و1508 فقد مات أكثر من ثلاثة ملايين من السكان الأصليين الذين قضوا نتيجة الحروب أو العبودية أو الأشغال الشاقة . وأضاف الراهب "من يصدق هذا في المستقبل؟ فأنا الذي عايشته أكاد لا أصدقه" . وكتب المؤرخ في جامعة هارفارد ساميول ديلوت موريسون: "إن السياسة التي بدأها كولومبوس واتبعها الذين خلفوه، قد أدت إلى إبادة جماعية" .



      مؤسسة العبودية

      مؤسسات العبودية كانت عماد الاقتصاد الأمريكي حتى نهاية الحرب الأهلية الأمريكية ،1865 أي لأكثر من 300 سنة . في العقود الأولى من القرن السابع عشر كان المستعمرون الأمريكيون البيض يستعبدون المواطنين الذين أسموهم الهنود الحمر . وعندما بدأت زراعة القطن بالانتشار السريع منذ 1670 أصبحت أعداد هؤلاء لا تكفي، فانطلقت تجارة العبيد الافريقيين على قدم وساق، كما تم استعباد الرقيق الأبيض ممن لم يستطيعوا سداد ديونهم، فأُرسلوا إلى أمريكا كعبيد لفترة سداد هذا الدين . وكان معدل وفيات العبيد أثناء نقلهم بالبحر لا يقل عن الثلث وإن كانت تصل أحياناً إلى النصف . كان يقذف في البحر المرضى، أما من يصل إلى بر أمريكا، فيباع ويشترى ويصبح ملكاً لصاحبه .

      حتى سنة 1800 وصل من عاش من العبيد إلى أمريكا بين 10 - 15 مليون من أصل 50 مليوناً تم نقلهم خلال القرون الماضية مات في الطريق أكثرهم . كان من أُسموا آباء الثورة الأمريكية للاستقلال من أصحاب المزارع وملاك العبيد مثل جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون وجيمس ماديسون .

      حتى بعد الاستقلال ومناقشة حق الانتخاب، حُرم العبيد من التصويت، ولكن حيث إن غالبيتهم كان في الولايات الجنوبية، أخذ أهل الجنوب بتعدادهم حين احتساب عدد السكان لأمور تقرير عدد أعضاء الكونغرس والذي يخضع لكثافة السكان، عندها قرر المؤتمرون رسمياً اعتبار العبد ثلاثة أخماس رجل . وأخذ أهل الجنوب الحق بمطاردة الهاربين منهم إلى أي مكان لإعادتهم إلى مزارعهم .

      أصحاب العبيد لم يعترفوا، وكذلك ولاياتهم بشمول مؤسسات الزواج على العبيد . كان يتم بيع أبنائهم إلى آخرين كما كانوا يُشغلونهم في حقول الزراعة من الثانية عشرة من أعمارهم . ولعل من الطريف أن نبين أنه حتى يومنا هذا، فإن العنصر الإنساني يشار إليه في علم الإدارة بالأصول البشرية، حيث تعرف الإدارة بأنها الاستغلال الأمثل للموارد والأصول (assets) البشرية والمادية .

      لم يكن هذا هو حال المستعمرات الأمريكية، بل كان هو حال الحضارة الغربية، فثروات أوروبا الغربية بأكملها قامت على العبودية والاستعمار وعبودية شعوب بأكملها، مما يفقدها أي مبرر أخلاقي بالحديث عن حقوق الإنسان، في وقت كانت حضارتنا تقول إن الناس سواسية، ولا فرق لعربي على أعجمي أو قرشي على حبشي إلاّ بالتقوى قبلهم بقرون عديدة .

      إذا كان العدل أساس الملك في الديانات السماوية فالعبودية هي أساس الملك في الرأسمالية .



      الثورة الأمريكية: أسبابها وقادتها

      في سنة ،1676 أي قبل مائة سنة من الثورة الأمريكية سنة ،1776 ثار الفقراء من البيض والسود وحرقوا الأخضر واليابس في عاصمة فيرجينيا واسمها جيمس تاون Jamestown، وهرب حاكم فيرجينيا من المدينة . كان كثير من أصحاب المزارع الكبرى أمثال جورج واشنطن وتوماس جيفرسون في تلك السنوات المائة قبل الثورة الأمريكية هم من الولايات الجنوبية وفيرجينيا . قامت 18 ثورة على الحكومة كما ثار العبيد من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال .

      المؤرخ الأمريكي الشهير بيردBeard قال إن طبقة الأغنياء أصبحت بحاجة إلى حكومة قوية تصون مصالحهم الخاصة ليتمكنوا من السيطرة عليها وإصدار القوانين والتشريعات التي تصون مصالحهم، ولحماية منتوجاتهم الزراعية . كما أن بارونات المال قد أصابهم الاستياء نتيجة قوانين لم تعد تسمح لبنوكهم بإصدارات مالية . أحد من أصبحوا قادة الثورة بنجامين فرانكلين Benjamin Franklin، والذي كان متعهداً لطباعة الأوراق النقدية لأحد أكبر بنوك ذلك الزمان، ذهب إلى بريطانيا في محاولة لإلغاء قانون 1764 الذي أصدره البرلمان البريطاني الذي منع الإصدارات من قبل بنوك المستعمرات الأمريكية، ولكن دون طائل . طبقة التجار استاءت من قرار ملكي يحصر بيع الشاي في شركة الهند الشرقية البريطانية، والتي قامت بتعيين وكلاء لها للبيع المباشر، ما أثار حفيظة التجار وكان سبباً مباشراً للانتفاضة، حيث حرّض التجار والممولون عموم الشعب ضد الإنجليز، وذهب بعضهم ليقذف شاي شركة الهند الشرقية في بوسطن بعرض البحر . المؤرخ الأمريكي المعروف هوارد زينHoward Zinn يقول:

      "حوالي 1776 اكتشف الأثرياء في مستعمرات بريطانيا في شمال أمريكا اكتشافاً مهماً بأنه إذا ما حققوا الاستقلال لمستعمراتهم، وأوجدوا أمة جديدة يسمونها الولايات المتحدة، فإنهم سيستولون على الأراضي، وسوف يحلون محل من تحابيهم بريطانيا في مستعمراتهم، كما يمكنهم كبح جماح الثورات المتكررة في المستعمرات وتأمين مصالحهم عبر الاستيلاء على قيادة هذه الأمة الجديدة"، قامت الثورة على جبل من الديون أثلجت صدور بارونات المال العالمي والمحلي . وتمت طباعة عملة محلية دونما غطاء أسموها بالكونتيننتالContinental فقدت قيمتها، بحيث أصبحت تساوي واحداً على الألف من قيمتها السابقة، وبحيث أصبح مثلاً للذي لا يساوي شيئاً إذ قيل عنه "لا يساوي كونتنينتال" .

      كان عدد سكان المستعمرات الثلاث عشرة حوالي مليونين، نصفهم من النساء ممن ليس لهم حق بالانتخابات، وكذلك العبيد وسكان البلاد الأصليون من الهنود الحمر، وكذلك الفقراء من البيض، حيث كان حق الانتخاب مقروناً بالملكية . أصبح من لهم حق الانتخاب بضع مئات من الألوف لم يمارس أكثرهم حقهم في الانتخاب على كل حال .

      يقول المؤرخ بيرد Beard: إن الثوار المؤسسين كتبوا دستوراً حافظ على مصالح طبقتهم وليس على مصالحهم فقط . ومن الطريف أن جورج واشنطن قد تم تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في وول ستريت، حيث حلف اليمين أمام رئيس المحفل الماسوني في نيويورك، وكان أكثر زملائه من الرعيل الأول من دعاة الاستقلال من الماسونيين أيضاً .



      بدايات بورصة نيويورك

      نال رأسماليو الشمال الأمريكي مآربهم، فإذا لم يستطيعوا أن يلغوا قانون 1764 بالإقناع فلقد ألغوه بالقوة . بدأوا إصداراتهم المالية من جديد . في سنة 1791 اجتمع 24 من كبار تجار وبارونات المال سراً تحت شجرة البطم، حيث وقعوا اتفاقاً بينهم سمي باسم الشجرة التي عقدوا اجتماعهم تحتها، حيث أصبحت الاتفاقية تعرف باتفاقية بوتم وود Buttomwood Agreement . كان فحوى الاتفاقية أنه لن يسمح بتداول الأوراق المالية إلاّ بين هؤلاء الأربعة والعشرين لا غير . وتطور سوقهم المالي بحيث أصبح يسمى سوق نيويورك المالي New York Stock Exchange، وعندها قرروا أنه لا يمكن انضمام أحد إلى هذا السوق في حال اعترض أي ثلاثة من المؤسسين على الانضمام . قاوم أصحاب البنوك تأسيس بنك مركزي أمريكي . في العام 1816 قال الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون "آمل اننا سنتمكن من القضاء على ارستقراطية شركاتنا المالية ووأدها في مهدها . فقد تجرأت على تحدي حكومتنا في استعراض لقوتها واستخفافها بقوانين دولتنا" . وبدلاً من وأدها في مهدها، تنامت البنوك عدداً .



      العبودية بعد الاستقلال

      كان عدد العبيد سنة 1790 يقارب 700000 إلا أن عددهم أصبح حوالي 4 ملايين بحلول سنة 1860 . وحيث إنهم ممتلكات تباع وتشترى، كانت قيمتهم السوقية عام 1805 تساوي 300 مليون دولار، لكنها ارتفعت لتصبح 3 مليارات دولار سنة 1860 وهي قيمة فلكية في ذلك الحين، كان 90% منها في الجنوب . ثار العبيد 3 مرات في السبعين سنة قبل الاستقلال لكنهم ثاروا سبع مرات في السبعين سنة بعد الاستقلال .

      بدأ اقتصادا الشمال والجنوب يتكونان بطرق مختلفة . فالزراعة كانت عماد الجنوب الرئيسية، أما الصناعة فكانت من نصيب الشمال ومموليه . أصبح الشمال بحاجة إلى العبيد كعمال في مصانعه في الشمال، وكمستهلكين لبضائعه، فبدأت دعوات تحرير العبيد لا لوجه الله ولكن لكي تنتقل من الشمال على دعاوى إنسانية أو دينية . لكن سرعان ما تم إنشاء المجمع المعمداني للولايات المتحدة الجنوبية، والذي أفتى سنة 1845 بأن الإنجيل قد حلل العبودية .

      في نهاية عقد الخمسينات للقرن التاسع عشر، تعطلت العملية السياسية . أصبح الكونغرس غير قادر على إصدار القوانين المحابية لأصحاب الأموال، ذلك أنهم أرادوا الحماية لمنتجاتهم الصناعية، وعارضها أهل الجنوب لأنه سوف تنتج عنها زيادة في الأسعار، كذلك عارضوا مشاريع القنوات والسكك الحديدية التي تبناها أهل الشمال . وهكذا وصل تضارب المصالح الى حد قرر عنده أهل المصارف والصناعة تغيير الأمر الواقع بالقوة، ولم لا يكون تحرير العبيد (وامتلاكهم جزءاً من قيمتهم السوقية بالمجان) هدفاً نبيلاً يتم الادعاء بأنه سبب رئيسي للحرب؟

      كانت الحرب الأهلية الأمريكية هي حرب بين الرأسمالية الزراعية في الجنوب والرأسمالية الصناعية / المالية في الشمال حيث كانت الغلبة للأخيرة، ولكن على أجساد 620000 أمريكي من "الغلابة" أي ما يعادل 3% من مجموع سكان أمريكا حينئذٍ . وبالطبع لم يحارب الأثرياء حيث إن قانون "البدل" كان يعفي من الخدمة من يدفع 300 دولار . ابن الرئيس لينكولن وكذلك البارونات اللصوص الذين جنوا ثمار الحرب لم يحارب أحد منهم .



      الفساد سيد الموقف

      كانت الأحزاب السياسية والسياسيون، بمختلف رتبهم وأماكنهم، فاسدين مفسدين، تباع القوانين وتشترى في ردهات الكونغرس وعلى قارعة الطريق . كان وكيل آل روتشايلد في أمريكا أوغست بلمونت August Belmont يشغل منصب رئيس اللجنة القومية للحزب الديمقراطي . أما رئيس اللجنة القومية للحزب الجمهوري وليام تشاندلزWilliam Chandler فكان يتلقى الرشى والهبات المالية من أربع شركات مختلفة في قطاع سكك الحديد في الوقت نفسه . أما بعض أعضاء مجلس الشيوخ فكانوا يتلقون أتعابهم مقدماً من الشركات التجارية الكبرى .

      في هذه الأثناء طال الفساد أكثر أعضاء إدارة الرئيس غرانت Grant، وكما تقول كاتبة السيرة لمورغان، جين ستراوس، "إنها أكثر الحكومات فساداً في ذلك القرن، حيث لطختها الفضائح المالية التي وصمت كل عضو من أعضاء الوزارة فيها" . كما تورط نائب الرئيس في قضية مع المؤسسة المالية كريدت موبيلييهCredit Mobilier عام 1872 حيث أصدرت اسمها بأسماء أعضاء في الكونغرس لمشروع سكك حديد، مقابل الموافقة على منح قروض اتحادية . وحيث إن جديد الرأسمالية والنظام الأمريكي قديم استقال نائب الرئيس الأمريكي اغنيوAgeniew سنة 1972 على خلفية قصة رشوة من أحد المقاولين . في عقد السبعينات لهذا القرن استعمل البارونات اللصوص كل الأساليب لخلق الاحتكارات . فخلاله سيطر جون روكيفيلر على صناعة النفط بوساطة شركته ستاندرد أويل، فأصبح يملك في سنة 1879 90% من صناعة وتجارة تكرير البترول في الولايات المتحدة، كما سيطر على سبيل المثال أيضاً اندرو كارنجي Andrew Carnegie على قطاع الفولاذ وشركاته الواحدة تلو الأخرى .

      وفي المقابل أصبحت الاضطرابات العمالية منتشرة على نطاق واسع، ففي عام 1886 وحده قام العمال بحوالي 1600 إضراب عن العمل، وشهدت الفترة من عام 1889 حتى نهاية ذلك القرن عدداَ كبيراً من الاضرابات والاضطرابات .



      حزب الشعب: حلول لا رأسمالية

      لعل أحد الأمثلة على أن جديد الرأسمالية قديم وقديمها جديد، أنه حينما نقرأ ما قاله أحد أعضاء حزب الشعب إيغناتيوس دونيللي Ignatius Donnelly في مؤتمر حزب الشعب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر تظن أنه يصف حالة اليوم:

      "نعيش في زمن وصل إلى حافة الخراب الأخلاقي والسياسي والمادي . لقد أصبحت الشركات هي التي تهيمن على الانتخابات والمشرعين والكونغرس، حتى وصل هذا الخراب الأخلاقي والسياسي إلى المحكمة العليا . أما الجرائد فهي إما مموُلة منهم أو أنها مكتومة الصوت . كما أن الرأي العام قد تم إسكاته . وبينما يزدهر أصحاب الأعمال فإن بيوتنا مرهونة، وعمالنا معدمون وتسرق الأراضي ليتم بناء ثروات خيالية غير مسبوقة في تاريخ العالم من أناس يحتقرون جمهوريتنا، ويعرّضون الحرية للخطر . ومن رحم اللاعدالة الحكومية تولد طبقتان_ المسحوقون وأصحاب الملايين" .

      في سانت لويس عام ،1889 كان أن وضع ماكيون وحزب الشعب خطة تدعو إلى المطالبة والمناداة بأن الديمقراطية تستدعي وجود نظام مالي ديمقراطي غير مركزي من حيث السيطرة على القروض والاعتمادات، بحيث يسمح بتدفقها للمنتجين الحقيقيين، بما يضمن انتشار الفرص وتوسيع الدخل أكبر قدر ممكن . ولا يتحقق ذلك إلاّ من خلال الإقراض الحكومي المباشر للمنتجين دون أية وساطة (من البنوك) . وضعوا خطة مفصلة أصبحت تعرف باسم خطة الخزائن الفرعية . وتنص هذه الخطة على أن تقوم وزارة الخزانة الأمريكية في كل مقاطعة ذات منتوج زراعي واسع، ببناء مخزن فيدرالي ومصاعد للحبوب، وبذلك يكون هناك الآلاف من هذه المراكز التي ستسمى الخزائن الفرعية . وبإمكان المزارع أن يودع منتوجه في إحدى هذه الخزائن الفرعية ويقترض بفائدة 1% أو 2% على وديعته . وليصبح بمقدوره أيضا أن يبيع محصوله بالأسعار السائدة أو أن يقترض بضمان قيمة أرضه . ويُدفع للمزارعين حسب هذه الخطة بالأوراق النقدية، أي الدولارات التي ليس لها غطاء ذهبي، بحيث يغطيها الإنتاج الحقيقي . ومن الممكن أيضا أن تكون الدفعات على شكل شهادات إيداع قابلة للتداول بحيث يمكن مقايضتها وتداولها . وتقول الخطة إن هذه الموارد المالية والعرض النقدي قد تُسحب نظريا بعد أن يُسدد المزارعون قروضهم .

      كما طالبت الخطة بأنه ينبغي أن يكون للمال غاية اجتماعية، لا أن يكون فقط لمجرد كسب المزيد من المال . ومن الواضح أن هذه الخطة من شأنها أن تخرج أصحاب البنوك من دائرة الإقراض، حيث إن القروض ستذهب مباشرة إلى المستفيدين . ولكن هذا النظام لم يكن ليكتب له الحياة طالما أن لأصحاب البنوك محاسيبهم وعملاءهم المخلصين في واشنطن، وطالما أنهم لا يزالون يُحكمون سيطرتهم على قوة المال .

      وبدأ أعضاء حزب الشعب يراقبون وينتقدون تصرفات حكومتهم، فعندما أنقذت وزارة الخزانة الأمريكية البنوك التجارية في التسعينات من القرن التاسع عشر، عن طريق تخفيض الفائدة إلى 1% على دينها لتلك البنوك والبالغ 47 مليون دولار، كتب تريسي قائلاً:

      " . . . طالما أن الحكومة تستطيع إقراض المال لأصحاب هذه البنوك بنسبة 1% على ضماناتهم، فلماذا لا تقوم بإقراضه للشعب على ضماناته؟ وما دامت الحكومة تستطيع إنقاذ أصحاب البنوك هؤلاء من خلال الفارق البسيط بين سعري الشراء والبيع، وتجنيبهم التضحية بضماناتهم، فلماذا إذن لا تستطيع أن تفعل الشيء ذاته مع الشعب؟ يا لها من سخرية واستهزاء من هذه الحكومة الديمقراطية أن تمنح مزاياها لأربعة آلاف رجل لأنهم أغنياء، وتنكر هذه المزايا ذاتها على 65 مليون شخص" . كانت أفكار حزب الشعب ثورية وأصيل، وكانت من خارج النظام الرأسمالي الذي أفرز بينهم التعاسة والفقر والحرمان . فكانت لهم آراؤهم في السياسة النقدية للدولة . كان أعضاء الحزب يرون أن السياسة والنظام النقدي الأمريكي وسيلتان للانحياز والاضطهاد . وقد بدأوا أولاً بوضع تعريفهم للمال، حيث يقول أحد أعضاء حزب الشعب المنتخب حديثاً في الكونغرس:

      "إننا نُعرّف المال بأي حال على أنه صنيعة القانون، وتمثيل بسيط للقيمة، وأداة للصرف، وهو ليس بأي حال من الأحوال سلعة تباع وتشترى . " لقد وضع هذا النائب يده على إحدى العلات الرئيسية لرأسمالية القرن العشرين، حيث إنها تعتبر المال سلعة تباع وتشترى .

      وفي الانتخابات الوطنية لعام ،1890 فاز حزب الشعب بخمسة مقاعد في مجلس الشيوخ، وعشرة مقاعد في مجلس النواب . وظلت انتصاراتهم تتكرر الواحدة تلو الأخرى، في عام ،1894 كانت شعارات حزب الشعب هي "مال الشعب"، "أرض الشعب"، " ثروة الشعب" و"مواصلات يملكها الشعب" .

      وبدأ أعضاء ومناصرو حزب الشعب يطالبون بنظام قومي جديد وأموال قومية جديدة تصدرها الحكومة بدلا من البنوك المحلية المخصخصة، كما كان الحال عليه . وتحدثوا عن "رأسمال مركزي متحالف مع قوى الشركات غير المسؤولة" .

      وفي خطاب ألقاه في سانت لويس، قال ليونيداس لافاييت بولك: " لقد آن الأوان ليوحد الغرب العظيم والجنوب العظيم والشمال الغربي العظيم قلوبهم وأياديهم معاً، ويمشوا مشية رجل واحد إلى صناديق الاقتراع السرية ويستولوا على الحكومة، ويعيدوا إليها مبادئ آبائنا، ويديروها بما يتماشى ومصالح الشعب" .



      بداية عصر الإمبريالية الأمريكية

      أصبحت الولايات المتحدة محتاجة لأسواق أجنبية بسبب اقتصادها الراكد وإنتاجها المرتفع . وقال ثيودور روزفيلت، الذي تولى الرئاسة فيما بعد، قال حين كان يشغل منصب مساعد وزير البحرية في إدارة الرئيس ماكينلي "إن هذه البلاد تحتاج حرباً"، وهكذا بدأت الصحافة حملتها الإعلامية المنسقة دوماً بين أصحابها من بارونات لصوص ضد إسبانيا لإعداد الشعب نفسياً لتقبل وخوض الحرب . وزعمت الصحافة أن الوحشية التي تمارسها إسبانيا في كوبا لم تعد تطاق، وطالبت الولايات المتحدة بالتدخل .

      وفي منتصف شهر فبراير/شباط من عام ،1898 اندفعت الولايات المتحدة إلى الحرب ضد إسبانيا بعد غرق السفينة الحربية الأمريكية، مين، Maine في ميناء هافانا تحت ادعاء أن الاسبان قد أغرقوها . وتمخضت هذه الحرب عن احتلال أمريكا لكوبا وغيرها من المناطق الاسبانية، بما فيها جزر الفلبين النائية . وسرعان ما اتضح فيما بعد أن غرق السفينة مين كان نتيجة "عطل" داخلي، وليس نتيجة طوربيد إسباني كما زعم آنذاك . وحسب الانسكيلوبيديا بريتانيكا، فهذه الحرب كانت بداية لعهد أمريكا الإمبريالي . حاول الأمريكيون إقناع كولومبيا بإعطائهم امتيازاً لفتح قناة في بنما فلم يوافق برلمانهم على ذلك، عندئذٍ تواطأ الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت عام 1903 مع الشركة الفرنسية في الإعداد لثورة سرية في بنما . وهكذا فقد تم إيجاد جمهورية بنما الجديدة وفصلها عن كولومبيا، خدمة لغرض محدد هو الموافقة على معاهدة مع الولايات المتحدة مكنت من شق قناة بنما لتصل بين المحيطين الأطلسي والهادي، وقد بدئ بتشغيل القناة في الخامس عشر من أغسطس/ آب عام 1914 . وتحت نظام حكم الرئيس الأمريكي ويلسون ثم احتل هايتي حيث أصبحت محمية أمريكية، واحتل الرئيس المذكور جمهورية الدومينيكان عام ،1916 كما جعل نيكاراغوا محمية أمريكية، وابتاع الجزر العذراء الدنماركية بمبلغ 25 مليوناً من الدولارات .

      تعليق

      • محمد زعل السلوم
        عضو منتسب
        • Oct 2009
        • 746

        #4
        أزمة نظام ... الحلقة الرابعة

        أزمة نظام ... الحلقة الرابعة آخر تحديث:السبت ,31/01/2009

        الامبراطورية الأمريكية حصان بارونات المال العالمي الجديد
        تأليف: د. عبدالحي زلوم

        1/1



        في كتابه “نذر العولمة” الذي صدر سنة 1998 بيّن د. عبدالحي زلوم أن النظام الرأسمالي قد ركب ثورة المعلومات فأوجد نظاماً اقتصادياً مالياً موازياً للاقتصاد المنتج، وأصبح عبئاً عليه يعيش على المضاربة فحوّل أسواق المال إلى كازينوهات للمقامرة تصب في جيوب بارونات المال العالميين.

        وفي كتابه “امبراطورية الشر الجديدة” أوضح د. عبدالحي زلوم أن عقد التسعينات كان كعقد العشرينات وأن الأسباب نفسها تعطي النتائج نفسها. فكما كانت نتيجة ممارسات العشرينات كساداً كبيراً دام أكثر من عشر سنين، بيّن د. زلوم أن العقد الأول من القرن الواحد والعشرين سيشهد انهياراً اقتصادياً، بحيث كان الفصل الأخير من كتاب

        “حروب البترول الصليبية” لسنة 2005 معنوناً : الإمبراطورية الأمريكية: نهايتها سكتة قلبية اقتصادية.

        هذا الكتاب “أزمة نظام” يبين أن النظام الرأسمالي قديمه جديد وجديده قديم، يعيش على الحروب واستلاب ثروات الآخرين، وأن “تاريخ صلاحيته” قد قاربت نهايتها.

        د. عبدالحي زلوم : أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في القدس، والجامعية الأولى والعليا في الهندسة والإدارة والإدارة العليا في جامعات الولايات المتحدة بما فيها جامعة هارفارد. ولقد تعايش وخبر النظام الأمريكي لأكثر من نصف قرن، كما عمل مع العديد من الشركات العبرقطرية في الولايات المتحدة وأوروبا، كما عمل مستشاراً عالمياً في قطاع النفط وله ستة مؤلفات في الاقتصاد السياسي.

        نتيجة الزيادة المفاجئة في حجم الإنتاج زيادة ثورية ناجمة عن الثورة الصناعية، كان لابد أن تكون زيادة الطلب ثورية أيضاً، وهكذا فقد أضحت المشكلة لا تكمن في إنتاج السلع بل في إنتاج المستهلكين

        قامت الولايات المتحدة بالتوجه إلى الاستعمار كوسيلة أولى لإيجاد الطلب على الإنتاج، ما اقتضى ضرورة تغيير الثقافة السائدة بأكملها، والتي كانت سائدة آنئذ. وإذا كانت الشكوك قد ساورت أحداً بأن إجراء ثورياً قد أصبح مطلوباً لاستيعاب حجم الإنتاج الهائل الجديد، فإن فترتي الكساد اللتين وقعتا خلال عقدي السبعينات والتسعينات من القرن التاسع عشر، مثلتا لهؤلاء تذكيراً قوياً. ولم تكن مثل حالات الكساد هذه ذات نتائج اقتصادية سيئة فحسب، بل ونتج عنها اضطراب سياسي سيئ أيضاً.

        “خلال العقود التي أعقبت الحرب الأهلية، بدأت الرأسمالية الأمريكية بإفراز ثقافة مميزة غير ذات صلة بالقيم التقليدية الأسرية او الاجتماعية، وليست لتلك الثقافة أية علاقة بالدين أو في أي مفهوم تقليدي، او بالديمقراطية السياسية.. وبدءاً من عام 1890 وما بعده، بدأت الشركات الكبرى الأمريكية، وبالتنسيق والارتباط مع المؤسسات المالية الرئيسة، تحويل المجتمع الأمريكي إلى مجتمع يستحوذ عليه حب الاستهلاك والمزيد من السلع، بحيث يزيد ما يطرح في العام الحالي عما طرح في العام الماضي، وما سيطرح في العام المقبل عما طرح خلال هذا العام.

        وهكذا فقد أفرزت رأسمالية الاستهلاك الأمريكية ثقافة شديدة العداء لكل ما هو من الماضي، ولكل ما هو تقليدي، تلك الثقافة الموجهة لخدمة الأهواء المستقبلية المنبعثة من الرغبات والأهواء، والتي سببت الخلط والإرباكات لتوهم وكأن الحياة الجيدة ما هي إلاّ السلع الجيّدة.

        لقد تمثلت أهم الملامح الرئيسية لهذه الثقافة في حب التملك وتكريس حب الاستهلاك كوسائل لتحقيق السعادة، ونشر مذهب جديد، وإطلاق العنان لعنفوان الرغبة، وكان ذلك باسم الديمقراطية، فضلاً عن تكريس مبدأ اعتبار قيمة الأموال وكأنها المعيار المهيمن على سائر القيم السائدة في المجتمع”. وليام ليش “كتاب أرض الرغبة”.

        وقد تمت الإشادة بالاستهلاك وإعلائه ليرتقي إلى مرتبة الديانة، وليحل مكانها، وأصبحت روح هذا النظام الاستهلاكي متمثلة في إطلاق العنان للرغبات والنزوات البشرية. وكانت عقيدة الاستهلاك الجديدة هذه مناهضة للدين، حيث إن الاديان والشرائع كافة تحث على كبح جماح الرغبات والسيطرة عليها، وتعلمنا الاعتدال في كل شيء، بما في ذلك امتلاك السلع والأموال في هذه الدار الدنيا. ورفعت الأديان من شأن القيم الأخلاقية وسموها على الماديات. وقد وعدت الشرائع والديانات بأن جزاء ذلك هو السعادة في الدنيا وحياة أفضل لا تعرف الفناء في الدار الآخرة. أما مبدأ الاستهلاكية فقد سار في الاتجاه المعاكس “إما الآن وإلا فلا..”.

        وما إن أدبر القرن التاسع عشر حتى كان 2% فقط من الشعب يمتلكون 60% من إجمالي الثروة الأمريكية، فيما ترك للنصف الأسفل من الأمريكيين ما نسبته 5% من إجمالي هذه الثروة.

        وقام أصحاب الثروات والقائمون على الإنتاج بإيجاد تحالفات مع الجامعات والكليات الرائدة التي بدأت بتعليم التجارة وإدارة الأعمال في كليات جديدة استحدثت لهذا الغرض. ولم يقم أولئك الأثرياء بالتبرع السخي لهذه المؤسسات فحسب، ولكنهم تربعوا فعلاً على مقاعد مجالس الأمناء فيها، وشاركوا في إعداد السير الذاتية لأعضائها.

        وصف الرئيس الأمريكي هوفر الحياة في قرية مسقط رأسه ويست برانش West Branch بولاية إيوا Iowa وهي قرية كان يقطنها عام 1880 ما لا يزيد على 800 نسمة. ونوه بأن عمته كانت قد تنبأت أن تتحول الكنائس وقاعات المنتديات والاجتماعات إلى أماكن للكراهية والفسق والبغضاء. فقد تحول مقر اجتماعات أولد كويكر إلى دار سينما كما تنبأت عمته. وأردف هوفر قائلاً: “في الثمانينات من القرن الماضي كان الناس يتقاسمون المسرات، وكانت القرية تتمتع بالاكتفاء الذاتي، حيث كانت تزرع القمح والذرة وتطحنها في مطاحنها، وكانت مكتفية ذاتياً فيما يتعلق باللحوم والمنسوجات والأقمشة. وكنا نقوم بأنفسنا بإصلاح المحركات، وكنا نحصل على الوقود من الخشب. كما شيدنا البنايات وصنعنا الصابون اللازم لنا، وحفظنا الفواكه وجففناها وأنتجنا الخضروات. وكان الشيء القليل فقط من لوازم العائلة يتم شراؤه من الخارج”. وقال إنه في طفولته لم يكن الفقر معروفاً في قريته ويست برانش، وكان الناس فرحين دائماً يشعرون بالسعادة، ولم يكونوا رهناً للتقلبات والنكسات التي تلم ببورصة شيكاغو التي تسببت في الأيام الأخيرة في شطب 50% من ايراداتهم على ايدي المضاربين.

        وقد بارك ثقافة الاستهلاك هذه كبير اقتصاديي عصره جون كينز John Keynes. وادّعى أن أخلاقيات العقائد والديانات يجب استبعادها، وقد عمل على ترويج استغلال الفرص والملذات في الوقت الحاضر بدلاً من الانتظار للمستقبل. وفي عرف كينز فإن مثل هذه الفلسفة ستعود على الجميع بفائض من السعادة والمسرات.

        العشرينات الهادرة

        باتت الولايات المتحدة غنية بالنقد السائل، وحققت فائضاً أضخم في تجارتها مع العالم بعد الحرب العالمية الأولى، وقد بدئ بتطبيق نظام المتاجر التنويعية Department Stores، حيث انتشرت هذه المتاجر في أنحاء الولايات المتحدة كافة، ورافق انتشارها استعمال وسائل سلعية وأساليب تسويقية حديثة. وكانت البنوك تتفرع بسرعة لتأخذ نصيبها في هذا العرض النقدي المتزايد، وقد شاركت دور السينما والاذاعات منضمة إلى الصحافة في نشر هذه الثقافة الجديدة.

        وقد شجعت البنوك على عمليات الدمج والاستملاك. وبدأ بعد عام 1920 ظهور سوق قومية، وصارت المؤسسات تكبر وتكبر فيما أصاب الوهن والضعف تجار التجزئة الصغار والمستقلين بسبب إيجاد هذه المخازن الضخمة. ففي العام 1886 لم يكن هناك سوى اثنتين من المؤسسات السلسلية في النشاطات كافة وكانتا تديران خمسة محلات، بينما نجد أنه في العام 1929 ارتفع عدد الشركات إلى حوالي 1500 تدير أكثر من 000.70 منفذ من منافذ البيع في مختلف السلع. وقد فازت صناعة الأغذية بنصيب الأسد في هذه المتاجر. وأضحى الاندماج بين الشركات هو الأسلوب الأمثل للتوسع. وقد أثلجت هذه المسألة صدور القائمين على البنوك الاستثمارية، حيث انبروا لتقديم الخدمات التي تتطلبها عمليات الاندماج والاستملاكmergers and acquisitions ، بل قاموا بترويجها وتشجيعها. وقد ارتفع عدد البنوك الاستثمارية بنسبة 400% خلال الفترة بين عامي 1910 و1930. وكانت كل من شركتي ليمان بروذرز Lehman Brothers وغولدمان ساكس Goldman، Sachs أكبر شركتين تتوليان وضع الترتيبات لعمليات الاندماج خلال تلك الفترة. وكانت كلتاهما قد بدأت نشاطها كبيوتات سمسرة لتجارة السلع إبان القرن التاسع عشر. وكان هيربرت ليمان Herbert Lehman حاكماً لولاية نيويورك، ثم ألحق نفسه في وزارة الحرب وأصبح مسؤولاً عن توفير المستلزمات العسكرية.

        وعندما تراءى للعيان بأن الأمور قد أصبحت على ما يرام، كان أسوأ كساد يشهده التاريخ الأمريكي آخذاً في التشكيل ليتفجر فيما بعد كالبركان وتبدى للعيان أولاً في انهيار سوق الأوراق المالية في وول ستريت في تشرين الأول عام 1929 واستمر لعقد من الزمن. ولم يستطع الاقتصاد الأمريكي ان يعود إلى ما كان عليه من مستويات حتى العام ،1939 وكانت الحرب العالمية الثانية هي صاحبة الفضل في إنقاذ الرأسمالية من حتفها.

        الكساد الكبير

        * كانت نتائج الكساد الكبير ما بين 1929 -1932:

        انهيار 5000 بنك في هذه الفترة.

        هبط الإنتاج الصناعي ب 45%.

        هبطت حركة بناء العقارات ب 80%.

        أصبح 13 مليون أمريكي عاطلين عن العمل حيث ارتفعت نسبة البطالة من 4% إلى 25%.

        * أفرزت الممارسات خلال فترة العشرينات في القرن العشرين فقاعة كبرى أشبه بالفقاعة التي أفرزتها ممارسات التسعينات في القرن العشرين والتي انفجرت سنة 2008.

        * شجع أصحاب المؤسسات المالية المواطنين على الدخول في سوق الأسهم، بحيث كانوا يمولون 2/3 قيمة السهم المتداولة، بحيث أصبحت قيمة الديون على هؤلاء تزيد عن مجموع قيمة النقد المتداول آنذاك.

        * وزادت أسعار الأسهم بصورة هائلة حتى أصبح معدل P/E 32.6 في سبتمبر/ أيلول 1928.

        * في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 1929 بدأ سوق وول ستريت بالهبوط حيث تم معاملات ل 12844650 سهماً في ذلك اليوم حيث حاول الجميع الهروب من السوق.

        * وكما كانت فقاعة العقارات هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير في ،2008 كانت العقارات في فترة العشرينات قد وصلت إلى ذروتها وساهمت هي الأخرى في انهيار الكساد الكبير.

        * ولقد اتفق الجميع بأن الولايات المتحدة كانت المصدر الرئيسي لهذا الكساد الذي انتقل بدوره إلى بقية دول العالم.

        * وكما اليوم كان سوق الأسهم بين 1929 1932 متقلباً فوصل معدل داو جونز في يوليو/ تموز 1932 إلى معدلات أواخر القرن التاسع عشر، أي معدلات ما قبل 30 40 سنة.

        * لكنه أيضاً لم يصل إلى ما كان عليه قبل الكساد في سنة 1929 إلاّ بعد 35 سنة (1964).

        إجراءات روزفلت

        بالرغم من مرور عشر سنوات على الكساد الكبير، وبالرغم من البرامج الكبيرة للخروج منه، لم تخرج الولايات المتحدة منه إلاّ بعد دخولها الحرب العالمية الثانية.

        حجم الاقتصاد الكليGNP ، كان سنة 1929 / 4.101 مليار وفي سنة 1938 / 96،7.

        نسبة العاطلين عن العمل كانت 1.3% سنة ،1929 ارتفعت إلى 9.24% سنة ،1933 وبقيت على 19% سنة ،1938 لكنها أصبحت 9.1% أثناء الحرب العالمية الثانية.

        انتقلت عدوى الكساد إلى العالم. كانت النتيجة: التخلي عن معيار الذهب في بريطانيا أولاً سنة 1931 وفي الولايات المتحدة سنة 1933.

        كما عمت الإضرابات الاجتماعية والسياسية أرجاء العالم، وكان أدولف هتلر هو أحد نتائج الكساد الكبير، كما انتقلت دول أوروبا الغربية إلى أقصى اليمين أو اليسار، كالنازية والفاشية أو الاشتراكية الوطنية.

        هادن روزفلت العمال، وتمسكنت الرأسمالية حتى تمكنت. كما هادن السود.

        ومع أن روزفلت مشى مع الرأي العام بلعن البنوك والبيوت المالية، في الوقت الذي كانت أولى أولوياته هي إنقاذهم بقانون طوارئ البنوك بعد 45 يوماً من تسلمه السلطة. هذا بعض ما جاء في أقواله للاستهلاك الشعبي:

        “إن ممارسات تجار المال هي مدانة في محكمة الرأي العام، ومرفوضة في قلوب وعقول الرجال... لقد هرب هؤلاء من منابرهم بين صفوف معبد الحضارة الإنساني”.

        قام المؤرخون من خارج اليمين المحافظ باتهام روزفلت بأنه أنقذ الرأسمالية من أجلها المحتوم، وفوّت فرصة ذهبية لتأميم البنوك وسكك الحديد والمرافق العامة، التي لم تكن لتستمر لولا دعم الدولة المادي والمعنوي، وأنه ابن الرأسمالية وجاء من عائلة أصولها متجذرة في القطاع المالي منذ عشرات السنين لنجدة أبناء طبقته، بينما هاجمه بعض المحافظين بأنه تسبب في تدخل الدولة بشؤون لا تعنيها، وأنه قوى ساعد العمال.

        المؤرخ Barton J. Bernstein بارتون بيرنستين كتب أن الرأسمالية قد تم إنقاذها من سوء أفعالها بواسطة الصفقات الجديدة التي قدمها روزفلت، والتي أنقذت الرأسمالية ولكنها لم تساعد فئات المجتمع الأحوج إلى المساعدة”.

        كانت برامج الإنقاذ المختلفة تحت اسم “الصفقة الجديدة” The New Deal، وجاء ضمنها قانون الضمان الاجتماعي ودعم المزارعين، وبناء الطرق والسدود وغيرها لخلق الوظائف.

        كانت الحرب هي الوسيلة للخروج من هذا الكساد حتى ولو كان الثمن 50 مليوناً من البشر، فجاءت الحرب.

        كان 82% من الأمريكيين يعارضون دخول الحرب.. فجاءت بيرل هاربر فتغير الحال.. وتطوع مليون رجل بعد ذلك الهجوم “للدفاع عن الوطن”.. أم “الدفاع عن وول ستريت وأقرانهم” من حيث لا يعلمون.

        انتهت أكثر برامج الصفقة الجديدة مع انتهاء الحرب الثانية وما بقي بها من قوانين تم فكفكتها أثناء حكم ريغان، وبقيادة بول فولكر الذي عينه أوباما رئيساً لفريقه الاقتصادي.

        قال روزفلت بعد هجوم بيرل هاربر “لقد استسلم الدكتور ٌفم مخ (برامج الصفقة الجديدة) إلى دكتور الحرب”.

        أمريكا تطبع دولارات أكثر

        ولتمويل حرب فيتنام، قامت الولايات المتحدة ببساطة بطباعة مزيد من الدولارات، عن طريق بيع المزيد من سندات الخزانة الأمريكية لتمويل العجز. لكن العجز ظل في ارتفاع مستمر من 3 مليارات دولار سنوياً في بداية عام ،1960 حتى وصل إلى 9 مليارات دولار عام ،1967 و25 مليار دولار عام 1969. ومع بدء استنزاف احتياطاتها من الذهب، طلبت الولايات المتحدة من البنوك المركزية الأوروبية أن تبقي الدولارات في أوروبا وألاّ تستردها ذهباً، بل تقوم بتحصيل الفوائد عليها بدلاً من ذلك.. وبعد سنوات قليلة، ألغت الولايات المتحدة اتفاقية بريتون وودز وألغت معها استرداد الدولارات ذهباً، وبالتالي جردت أولئك الذين كانوا يحتفظون بالدولارات الأمريكية من ثرواتهم، ذلك أن دولاراتهم أصبحت لا تساوي إلاّ كسوراً من قيمتها التي كانت عليها حين كانت تتم مقايضة كل 35 دولاراً بأونصة واحدة من الذهب.

        وفي مايو/ ايار من عام ،1971 تم تسجيل أول عجز تجاري أمريكي بعد الحرب العالمية الثانية. وأصبحت احتياطيات الذهب أقل من ربع الالتزامات الأمريكية الرسمية. وأعلنت الولايات المتحدة في 15/8/1971 تعليق قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، لتضع بذلك العالم على كفة قاعدة الدولار بدون أي غطاء أو دعم من الذهب، وكان ذلك نهاية نظام بريتون وودز.

        وتحضيراً لنظام تعويم البترودولارات “الجديد”، تمت إعادة جاك بينيت (Jack Bennett) لوزارة الخارجية أثناء ولاية الرئيس نيكسون عام ،1971 وكذلك بول فولكر وكلاهما من وول ستريت. أما اللورد فيكتور روتشيلد (Lord Victor Rothschild)، الذي كان على رأس قسم الأبحاث الاستراتيجية في شركة رويال دوتش شل (Royal Dutch Shell)، فقد جيء به لقيادة “طاقم مراجعة السياسة المركزية” في رئاسة الوزراء البريطانية. وعمل روتشيلد على التأثير بقوة في سياسات الطاقة في رئاسة الوزراء البريطانية، وحافظ على الصلات مع هنري كيسنجر خلال السنوات الحاسمة التي شهدت أزمة في أسعار النفط.

        تعليق

        • محمد زعل السلوم
          عضو منتسب
          • Oct 2009
          • 746

          #5
          أزمة نظام ... الحلقة الاخيرة

          أزمة نظام ... الحلقة الاخيرة آخر تحديث:الجمعة ,06/02/2009

          الولايات المتحدة والعالم إلى أين؟
          تأليف: د. عبدالحي زلوم

          1/2







          في كتابه “نذر العولمة” الذي صدر سنة 1998 بيّن د. عبدالحي زلوم أن النظام الرأسمالي قد ركب ثورة المعلومات فأوجد نظاماً اقتصادياً مالياً موازياً للاقتصاد المنتج، وأصبح عبئاً عليه يعيش على المضاربة فحوّل أسواق المال إلى كازينوهات للمقامرة تصب في جيوب بارونات المال العالميين.

          وفي كتابه “امبراطورية الشر الجديدة” أوضح د. عبدالحي زلوم أن عقد التسعينات كان كعقد العشرينات وأن الأسباب نفسها تعطي النتائج نفسها. فكما كانت نتيجة ممارسات العشرينات كساداً كبيراً دام أكثر من عشر سنين، بيّن د. زلوم أن العقد الأول من القرن الواحد والعشرين سيشهد انهياراً اقتصادياً، بحيث كان الفصل الأخير من كتاب

          “حروب البترول الصليبية” لسنة 2005 معنوناً : الإمبراطورية الأمريكية: نهايتها سكتة قلبية اقتصادية.

          هذا الكتاب “أزمة نظام” يبين أن النظام الرأسمالي قديمه جديد وجديده قديم، يعيش على الحروب واستلاب ثروات الآخرين، وأن “تاريخ صلاحيته” قد قاربت نهايتها.

          د. عبدالحي زلوم : أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في القدس، والجامعية الأولى والعليا في الهندسة والإدارة والإدارة العليا في جامعات الولايات المتحدة بما فيها جامعة هارفارد. ولقد تعايش وخبر النظام الأمريكي لأكثر من نصف قرن، كما عمل مع العديد من الشركات العبرقطرية في الولايات المتحدة وأوروبا، كما عمل مستشاراً عالمياً في قطاع النفط وله ستة مؤلفات في الاقتصاد السياسي.

          لم تكن أجندة فترة ولاية جورج دبليو بوش جنوحاً لشخص حلم بالليل وأدار حلمه بالنهار ليصبح حقيقة. كانت أجندته هي أجندة المؤسسة الحقيقية الدائمة التي أتت به وتأتي بمثله من الرؤساء وتذهب بهم متى تشاء. ولعل أحد قراء الكاتب “الإسرائيلي” يوري افنيري قد أصاب حينما كتب له يقول: سوف يستبدل الصهاينة من المحافظين الجدد، بصهاينة آخرين من صهاينة بيل كلينتون عند قدوم باراك أوباما. وليس عجباً أنه لم يكن أول تعيين له لرئاسة أركان البيت الأبيض فقط لصهيوني بل كان “الإسرائيلي” خدم في جيش “إسرائيل” وحمل والده السلاح في عهد الانتداب البريطاني مع المنظمة الإرهابية ETZL وشارك في مذبحة دير ياسين. قبل قدوم المحافظين الجدد أيام بوش، كانت الإدارة الأمريكية أيام كلينتون تعج بالصهاينة في كل حدب وصوب. كان وزير ماليته روبرت روبن من الناس أنفسهم ومن كبرى مؤسسات وول ستريت المالية “غولدمن ساكس”، وكان وزير مالية بوش من الناس إياهم أيضا، ومن تلك المؤسسة المالية نفسها، غولدمان ساكس، يا للصدفة، أم هل هي صدفة ؟ كان مستشار الأمن القومي، ورئيس المخابرات المركزية الأمريكية، ووزير الدفاع، ووزيرة الخارجية منهم أنفسهم. كان معظم السفراء في الدول العالمية الهامة من الفئة نفسها، بمن فيهم السفير الأمريكي في مصر و”إسرائيل”، هؤلاء صهاينة كلينتون وهم أنفسهم صهاينة أوباما.

          إذن لسنا أمام شخصنة هذا الرئيس وذاك، فهناك فئة قليلة قد استولت على زمام الأمور منذ أمد بعيد ودمجت نفوذها المالي والإعلامي لتهيمن على أقوى دولة في التاريخ. إن محاولة شخصنة المشكلات بهذا الرئيس أو ذاك ما هي إلا لعبة أتقنها هؤلاء القابضون على السلطة الدائمة والحقيقية في الولايات المتحدة. ولربما أرادت المؤسسات الداعمة لأوباما أن يواجه أيام أمريكا السود القادمة رجل أسود يحافظ على ولاء الملونين والسود، وهم الذين سيكونون أول وأكبر ضحايا الوول ستريت. للمرة الأولى في التاريخ قام الرئيس روزفيلت بتعيين أفارقة أمريكيين في الصف الثاني من وزارته، ولذلك أسمى البعض وزارته بالوزارة السوداء، وكان هدفه المحافظة على ولاء السود أثناء الكساد العظيم.

          من فقاعة إلى أخرى أكبر منها

          إن التغيرات التي حصلت في عهد دبليو بوش كانت عميقة مضت كلها في محاولة الهروب إلى الأمام بفقاعة اقتصاد بني على الأوهام والأكاذيب، وكانت النتيجة أن تم بناء فقاعة أكبر وجاء الأجل المحتوم.

          كتب Robert Samuelson في نيوزويك عدد Nov. 10. 2008 صفحة 50 “ويبدو أن الاقتصاد الأمريكي قد وصل إلى مرحلة تاريخية أصبح فيه سلوك الاقتصاد في الماضي لا ينطبق بالضرورة على المستقبل. لقد استولت الحكومة على شركات الرهونات العقارية Fannie Mae وFreddie Mac، واستثمرت وزارة المالية في العديد من البنوك الرئيسية. ويضخ البنك المركزي 1000 بليون دولار لوقف تراجع الأسواق، والبطالة في ارتفاع. أغلب الظن أن عهد الرخاء بلا حدود قد ولى عهده، وأن حقبة اقتصادية جديدة ستمر بها الولايات المتحدة، ويصل Samuelson إلى النتيجة “مع الأسف فإن نمواً أبطأ هو ما ستتسم به الحقبة الأمريكية الجديدة، وعلى الرئيس الأمريكي الجديد (بعد جورج بوش) وعلى الجميع كذلك أن يتفهموا أن هذه الأزمة الاقتصادية سيتبعها عهد اقتصادي جديد”.

          قصة “سيتي غروب”

          يعتقد الكثيرون من اقتصاديي وأكاديميي الولايات المتحدة بمن فيهم جيفري غارتن، بأن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً ما زالت غير كافية إذ إنهم يرون أن هذه الأزمة تتعمق يوماً بعد يوم وبشكل دراماتيكي وخطير. ولعل الحقائق والأرقام تساند صحة ما وصل إليه هؤلاء. كانت بداية حزم “الإنقاذ” الجمبو من العيار الكبير قد بدأت في سبتمبر/ أيلول 2008 لشركة ميريل لينش Merrill Lynch بقيمة 38 مليار دولار كانت الأضخم لتاريخه. ثم جاءت خطة إنقاذ شركة ايه اي جي AIG والتي بدأت برقم متواضع نسيباً في سبتمبر/ أيلول 2008 إلى أن ارتفعت إلى 123 دولاراً خلال شهر أكتوبر، ثم جاءت كارثة سيتي غروب Citigroup لتتفجر في الأسبوع الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني ،2008 وقد تصل فاتورة الإنقاذ لهذا البنك إلى 326 مليار دولار. ولا يعرف أحد من هي الشركة الأخرى أو الشركات التي تحتاج إلى إنقاذ، بل إن كانت رُزَم الإنقاذ لتاريخه حتى لتلك الشركات كافية لإنقاذها.

          “هناك أربعة أو خمسة من بنوك نيويورك تتحكم بتجارة الأسهم، أكبرها سيتي غروب Citigroup ، ومورغان تيشيز، وتملك هذه البنوك تأثيراً هائلاً في النظام المالي العالمي، وفي حالة انهيارها كما حصل مع LTCM ، سينهار النظام المالي العالمي برمته”. عن كتاب حروب البترول الصليبية الصادر سنة 2005.

          بنك سيتي غروب Citigroup هو أكبر مؤسسة مالية في الولايات المتحدة بلغت اصوله حوالي 2 تريليون دولار. ذلك يعني أن اصول هذا البنك تعادل مرة ونصف بل وأكثر، من مجموع اصول البنوك العربية مجتمعة من المحيط إلى الخليج، ومنذ نهايات 2006 بدأت علامات الوهن تطفو للسطح بحيث أنه فقد 200 مليار دولار من قيمته السوقية خلال هاتين السنتين. كان سعر سهمه في يناير 2007 يبلغ 54 دولاراً بقيمة سوقية تعادل 250 مليار دولار، أما اليوم وبعد كل مئات مليارات الحكومة من كفالات وسيولة فسعر سهمه قد وصل إلى 35.2 دولار للسهم قبل خطة الإنقاذ الحكومية ليرتفع إلى 08.6 دولار للسهم بعدها. وضمن شروط اخرى في خطة الحكومة فسوف تشتري الحكومة 254 مليون سهم بسعر 61.10 دولار في وقت كان يمكن شراؤه ب 35.2 دولار، وفي الأسبوع ما قبل خطة الإنقاذ الحكومية انهار سهم سيتي غروب 60% من قيمته السوقية وأخرجت سيتي غروب citigroup 52000 موظفاً من وظائفهم، أما تفاصيل الخطة والتي شارك بها وزير مالية أوباما المعين:

          * تضخ الحكومة مبلغ 20 مليار دولار فوراً كسيولة للبنك فوق 25 مليار دولار تم ضخها قبل ذلك بأسابيع ولم تجد نفعاً. وهذان المبلغان جاءا من أصل ال 700 مليار دولار التي خصصها الكونغرس لعمليات الإنقاذ.

          * تضمن وزارة الخزانة تحمل خسائر بحدود 306 مليارات دولار من القروض والأوراق المشكوك بأمرها مقابل ضمانات الروهونات (السامة) الآيلة للسقوط.

          * تتحمل سيتي غروب خسائر أول 29 مليار دولار وحدها وبعد ذلك تتحمل الحكومة 90% من تلك الخسائر، وتتحمل وزارة المالية ومؤسسة تأمين الودائع الخسائر الناجمة عن ذلك.

          * مقابل الضمانات الحكومية ستحصل الحكومة على 7 بلايين دولار من أسهم سيتي غروب.

          * تدفع سيتي غروب سنتاً واحداً أرباحاً لكل سهم بدلاً من 32 سنتاً كانت تدفع للسهم قبل ذلك بستة شهور.

          السؤال هنا: لماذا لم تدفع هذه المبالغ مباشرة إلى أصحاب القروض المتعثرة لتقوم بدورها بالدفع للمؤسسات المصرفية وبهذا يبقى هؤلاء في بيوتهم.

          الجواب: في النظام الاقتصادي الرأسمالي الأمريكي، أصحاب البنوك هم فقط من يتم إنقاذهم أيام الأزمات، وهم وحدهم الذين يدخرون أرباحهم أيام الرخاء. فهم الرابحون في الصيف والشتاء وفي السلم وفي الحرب وفي حالة الكساد أو حالة الازدهار، فهم أولاً وأخيراً أصحاب النظام

          باراك أوباما او إيهود باراك: لا فرق

          الساذجون في عالمنا العربي، وهم كُثر، ابتهلوا إلى الله العلي القدير أن ينجح باراك أوباما كرئيس للولايات المتحدة، لعلّ الخير والسلام والمحبة تأتي على يديه، ويكفي أن اسمه هو باراك حسين أوباما، أنريد أكثر من ذلك. ولكن من هو باراك أوباما؟

          لم يكن ممكنا لهذا الشاب المغمور أن يصبح سياسياً من الدرجة العاشرة، دون دعم قوي من اللوبي “الإسرائيلي” في الولايات المتحدة، لا أن يكون سانتوراً لولاية ايلينوي، ولا مرشحاً لبلدية. فولاء من مثله يجب أن يكون مطلقاً إلى “إسرائيل” ويهود أمريكا، خصوصاً بارونات المال ووول ستريت. دعنا نتكلم بالحقائق، بالمقتطفات التالية:

          * في مقابلة مع جريدة “لوس انجلوس تايمز” مع الرئيس الأمريكي كارتر، بعد الزوبعة التي أثارها اللوبي الصهيوني ضده وضد كتابه “فلسطين: سلام لا فصل عنصري”، قال كارتر “إن إجراء نقاش هادف في الولايات المتحدة هو حلم لا يمكن تحقيقه. لا يوجد مرشح واحد في أمريكا لمنصب حاكم ولاية أو عضوية في الكونغرس أو لمنصب الرئاسة الأمريكية يجرؤ أن يتفوه بما لا يُرضي “إسرائيل””.

          * الأدميرال توماس مورر Thomas Moorer الرئيس السابق لهيئة أركان القوات المسلحة الأمريكية Washington Report 12 / 1999. P 124، لم أر أي رئيس، ولا يهمني من يكون، يستطيع مواجهتهم (اليهود و”اسرائيل”). إنه أمر يعطل التفكير. إنهم دائماً يفوزون بما يريدون. يعرف “الإسرائيليون” كل ما يدور كل الوقت، حتى وصلت إلى نقطة أصبحت لا أكتب شيئاً، لو يعلم الأمريكيون القبضة الحديدية لهؤلاء الناس على حكومتهم لربما حملوا السلاح. انهم مواطنون ليس لديهم أية فكرة على ما يدور.

          * منذ بدايات سيرته السياسية في شيكاغو كان مؤيدوه من اليهود. ولقد عبر Obama أثناء حملته الانتخابية هذه عن امتنانه “للدعم من الأصدقاء من الكثيرين من الجالية اليهودية، والتي ترجع قديماً إلى أيام بداياتي في السياسة في شيكاغو”.

          * ولا تربطه بطبقة السود الأمريكيين إلاّ بعض لونه، فهو من أم بيضاء انغلوساكسونية، ومن خريجي جامعة هارفارد، لا يعرف هموم الفقراء ولا السود.

          * اختار أوباما نائباً للرئاسة هو جو بايدن، والذي وصف نفسه “أنا صهيوني، ليس ضرورياً أن تكون يهودياً لتصبح صهيونياً”. قال ذلك في مقابلة مع تلفزيون أمريكي، ويمكن مشاهدة المقابلة وتصريح جو بايدن هذا بفيلم قصير على الإنترنت بالرابط التالي:



          * قال جو بايدن في خطاب بتاريخ 28/9/2008 أمام المجلس الوطني اليهودي الديمقراطي: “أمضيت 35 سنة من حياتي أتعامل مع قضايا تخص “إسرائيل”. إن مساندتي ل”إسرائيل” تبدأ من معدتي، ثم إلى قلبي، ثم إلى عقلي. أعدكم، بل أتعهد لكم بأني ما كنت قبلت منصب نائب لأوباما لو كان عندي شك، وأعني أدنى شك، بأنه يشاركني الانتماء والولاء ل”إسرائيل”. أنا أضمن ذلك بكل بساطة، لأنها الحقيقة”.

          * باراك أوباما في أول خطاب له بعد فوزه بالانتخابات: “إنني ممتن إلى الأبد إلى مدير حملتي الانتخابية ديفيد بلوف (يهودي) ورئيس استراتيجي الحملة الانتخابية ديفيد آكسلرود (يهودي)، لقد جعلتم انتخابي ممكنا..”. كانت كلفة حملته الانتخابية 600 مليون دولار، جاء معظمها من الممولين الصهاينة الأمريكان.

          * كان أول تعيين لإدارته هو رام “إسرائيل” اماثيويل، وهو ليس يهودياً فقط، بل هو “إسرائيلي” لأب “إسرائيلي” كان ينتمي إلى جماعة ETZL الإرهابية، التي شاركت في مذابح دير ياسين بفلسطين. شارك متطوعاً في احتياط الجيش “الإسرائيلي” أثناء الحرب الأمريكية الأولى في الخليج، علماً بأنه كان بإمكانه التطوع مع الجيش الأمريكي آنذاك

          * الكاتب “الإسرائيلي” يوري أفنيري كتب بمقالته بتاريخ 4/10/2008: “لقد استلمت رسالة بالإيميل من مواطن بريطاني يقول فيها: إذن فإننا سنستبدل اليهود من المحافظين الجدد بعهد بوش باليهود الصهاينة الذين حكموا في عهد كلينتون. ما الفرق بربكم؟”.

          * عين أوباما Paul Volcher رئيس البنك المركزي في عهد ريغان كبير مستشاريه الاقتصاديين، وهو معروف بسياساته التي أدت إلى فكفكة القوانين الرقابية، مما نتج عنه الانفلات الاقتصادي الذي أدى إلى انهيار سنة 1987.

          أجندة قوة النخبة الممسكة بزمام أمور أمريكا

          البروفيسور كارول كويغلي Carroll Quigly وكان يدرس في جامعة جورج تاون في واشنطن، بالإضافة إلى كونه مستشاراً بوزارة الدفاع، كما ذكر روجر موريس في كتابه (شركاء في النفوذ) كان شديد الإعجاب بمؤسسة العلاقات الخارجية القديمة، التي يعتبرها جزءاً من المؤسسة المالية ونخبة رجال الأعمال الأنغلوساكسون، وهي القوى النافذة بين نيويورك ولندن، والتي اخترقت وتسيطر بعمق على النظام الجامعي والصحافة، وعلى كل ما له علاقة بالسياسة الخارجية.

          ويضيف موريس بأن كويغلي كان يرى في مجلس العلاقات الخارجية الشهير شبكة دولية متناغمة، إن لم يكن شبكة تآمرية في المقام الأول. ومما كان يقوله كويغلي لطلبته، بأنه ليس هناك من فروقات بين برامج الجمهوريين والديمقراطيين، وهو وضع طبيعي في نظره. وهنا قال أحد طلبة كويغلي، معلقاً على التصويت في الانتخابات الرئاسية: “لن يهم إذن لمن سنصوت يوم الانتخابات الرئاسية في نوفمبر”.

          بينا بوضوح أن مجلس العلاقات الخارجية هو إحدى قوى الظل الرئيسية في الولايات المتحدة، والتي ترسم سياساتها وترسل رجالاتها لتكوين اللجان والدراسات والتوصيات، وحتى “إعارتهم” إلى داخل الإدارات الأمريكية لينفذوا ما قاموا به من دراسات. بين كتاب نذر العولمة بطبعته الأولى أن نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الاقتصادي منه والسياسي قام به “لجان الحرب والسلام” السرية، والتي انعقدت قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية لتخطط لنظام النفوذ الأمريكي بعد تلك الحرب، خلفاً لنظام النفوذ البريطاني وما قبله. ولقد نشأ عن توصياتها الاقتصادية اتفاقية بريتون وود ومؤسساتها، ومنها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وكذلك المؤسسات الدولية والسياسية ومنها الأمم المتحدة.

          إنها أزمة نظام

          خلال عقد الثمانينات أطلق رجل يدعى ميخائيل غورباتشوف العنان لحركة لم تتوقف، حيث ظن او قال إنها ستنتهي. وسواء كان يعمل علانية بمفرده أو سراً مع الآخرين، فإن الطاقة التي أطلقها داخل الاتحاد السوفييتي قد أدت إلى تدمير ذلك النظام، وأفضت إلى انهيار النظام الشيوعي والاتحاد السوفييتي وغورباتشوف نفسه. ومن الجائز أنه لم يكن يعتقد تماماً أن الامور ستصل إلى هذا الحد عندما بدأ مشروع البريسترويكا. وإذا كانت البريسترويكا تهدف إلى “ترميم” سد للمياه، فإن البريسترويكا التي بدأها غورباتشوف قد دمرت جدران السد دون التخطيط لما سيتم عمله بالنسبة للمياه داخله.

          ولعل أحد أهم نتائج بريسترويكا العولمة كان تعطيل الدور التاريخي للأموال من كونها مخزناً للقيمة، ومقياساً للتبادل، ووسيلة للدفع لتصبح سلعة كأي سلعة أخرى، مما نتج عنه بروز اقتصاد مالي امتصاصي لا هدف له سوى المضاربة والمتاجرة بالأموال. وانقلب المال من خادم للاقتصاد المنتج إلى عبء طفيلي عليه، وانتقل المال من حقيقة ملموسة إلى خيال يتجسد في نبضات الكترونية داخل كمبيوترات كازينو المال العالمي. ولقد نعى جويل كيرتزمان Joel Kurtzman محرر مجلة هارفارد بزنس ريفيو Harvard Business Review موت المال كما يعرفه الناس في كتابه (موت الأموال The Death Of Money)، حيث قدّر في ذلك الكتاب بأن ما معدّله 3% فقط من المعاملات المالية اليومية (والتي تزيد على 1200 مليار دولار باليوم) تستثمر في تجارة السلع والخدمات في الاقتصاد المنتج، بينما يتم تسخير حوالي 97% من حجم تلك المبادلات المالية اليومية في أعمال المضاربة، والتي تُرْهق وتستلب الاقتصاد المنتج وفق آليات وأدوات مالية مستحدثة.

          قال ويليس هارمن (Willis Harman): إن النظام الحالي، شأنه شأن المريض الذي يذهب إلى الطبيب، فيقول للطبيب انه يقاسي من عمله الذي يضنيه، لكنه يحب ما يتعاطاه من الكحول في المساء فهي تنسيه هموم النهار، وهو يدخن ثلاث علب سجاير في اليوم وهو يطلب العلاج ولكن دونما أي تغيير في عمله أو شربه أو دخانه. ويبدو أن مجرد الترقيع في النظام الرأسمالي المعلومالي لم يعد كافياً. ويضيف “ويتعمق شعور الشعوب في العالم الحالي بأنهم أصبحوا بلا حول ولا قوة، وهم في أكثر الأحيان يعزون تلك المشاعر لإخفاق سياسات قوى النفوذ أو إلى اليساريين المتعصبين، أو إلى الرأسماليين الجشعين. ولكن حقيقة الأمر هي أعمق من ذلك، وتتطلب تغييراً عميقاً أساسياً في المفاهيم والافتراضات (للنظام نفسه)”.

          وهكذا وصف رؤساء النظام الرأسمالي الانجلوأمريكي نظامهم منذ أيام الرئيس لينكولن إلى يومنا هذا. فلقد قال الرئيس لينكولن “لقد تم تمجيد الشركات وتتويجها، وسيتبع ذلك عهد من الفساد في المناصب العليا الرفيعة، وسيتم تسخير الأموال ونفوذها في تكريس حكم أصحابها، من خلال الإجحاف بحقوق الآخرين وتعريضها للانتقاص. إلى أن تتجمع الثروة في ايدي قلة قليلة..” ولقد صدق الرئيس لينكولن، وقال الرئيس الأمريكي روذر فورد بي هيز Rutherford B. Hays : إن مقولة: هذه حكومة الشعب، ومن الشعب وللشعب، لم تعد قائمة، إنها حكومة الشركات، ومن الشركات وللشركات..”. ولقد صدق الرئيس روذر فورد بي هيز، ولقد قال الرئيس الأمريكي جيمي كارتر Jimmy Carter. في دولة كانت تباهي بالعمل الجاد، والعائلات المترابطة، والمجتمعات المتينة في بنيانها، وإيمانها، أصبحت اليوم تميل إلى عبادة الانغماس الذاتي والاستهلاك. ولم يعد تعريف الهوية الإنسانية بما يفعله الانسان بل يما يملكه. ولكننا اكتشفنا ان امتلاك الاشياء واستهلاكها لا يشبع حاجتنا إلى الأمور المعنوية والروحية، وقد تعلمنا أن تكديس السلع المادية لا يكفي لملء الفراغ الذي يكتنف الحياة عندما لا يكون لديها إيمان أو غرض”. وقد صدق الرئيس كارتر، وعندما كان طالباً في جامعة ييل YALE قدم الطالب بيل كلينتون قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، بحثاً في مساق (الشركات والمجتمع) قال فيه “إن نظام التعددية الأمريكية هو نظام فاشل لأن الشركات تملك المال، وبواسطة المال فقد تم إفشال وإفساد هذا النظام”. ونقول هنا صدق الطالب بيل كلينتون، فإذا كان أهل مكة أدرى بشعابها، فما علينا إلا أن نوافق رؤساء نظام المعلومالية تآلف واشنطن وول ستريت بأنه نظام فاسد ومفسد.

          لعل أخلاقيات النظام الذي تسوّقه الرأسمالية المعلوماليّة ليصبح نموذجاً للعالم يحتذى به قد تم وصفه جيداً من والدة الرئيس الأمريكي كلينتون، حينما وصفت مدينة هوت سبرنغز التي نشأ بها الرئيس كلينتون بأنها “مكان ينظر فيه إلى الخارجين على القانون باحترام، حيث يتم وضع القوانين لتكسر، وحيث المال والقوة، كيفما تم الحصول عليهما، هما المعيار لقيمة الإنسان”. أو كوصف الكاتب الأمريكي روجر موريس Roger Morris حين وصف المدينة نفسها هكذا: “وفي الخمسينات، أصبح الفساد أكبر من ماكنات قمار وبنات هوى، وكما في بقية أمريكا، تم مأسسة الفساد وأعمال الهوى فأضحت مؤسسات وشركات، وأصبح أصحاب الجريمة المنظمة وتآلف أصحاب تلك المؤسسات مع الدولة يتحكمون في السوق السوداء لنوادي الليل والقمار وما هو أكثر، ولقد أصبح كل شيء خاضعاً للشراء بمن في ذلك السياسيون أنفسهم..” ص37 (شركاء في النفوذ).

          ولعل ما جهدنا بالوصول إليه في كتابنا قد جاء أخيراً على لسان شيخ مضاربي الرأسمالية في كتابه “أزمة الرأسمالية العالمية”. يقول سورس: “لا يعير أصوليو الأسواق اهتمامهم إلى المثل الاجتماعية، بحجة أنها تجد تعبيرا لها في سلوكيات السوق، ولكي أثبت كذب هذا الادعاء فلا حاجة لي إلى الحجج النظرية، ولكن دعني أستند إلى خبرتي الشخصية. فعندما ضاربت على الجنيه الاسترليني عام ،1992 كان البنك المركزى البريطاني على الجبهة المقابلة ليجابه مضارباتي. وما كنت أفعله في الحقيقة أنني كنت آخذ النقود من جيوب دافعي الضرائب البريطانيين. ولو أني أردت أن آخذ النتائج الاجتماعية لأعمالي لأصاب الخطأ نتائج حساباتي..” (ص 196). ويضيف سورس القول: “إن طغيان معايير المال وتأثيراتها في السياسة قد جعلت العملية السياسية أقل تأثيرا لخدمة المصلحة العامة عن الماضي عندما كانت المعايير الاجتماعية أكثر أهمية، إن مؤسسات الديمقراطية التمثيلية التي عملت بشكل جيد في الولايات المتحدة، وأكثر أوروبا قد أصبحت في خطر..” (P200). ويضيف: “من المفروض أن تقدم الديمقراطية ميكانيكية لاتخاذ القرارات المشتركة لمصلحة المجتمع، ولكن هذه العملية قد تم افسادها حينما دخلت الأموال داخل اللعبة. ففي الولايات المتحدة لا يستطيع النجاح في الانتخابات إلا أولئك الذين عقدوا الصفقات مع مراكز القوى ليحصلوا على ما يكفيهم من أموال لإنجاح حملاتهم الانتخابية.” (ص 201).

          حقق النظام الرأسمالي المعلوماتي إنجازات علمية وتكنولوجية هائلة، صاحبها خواء روحي وانحطاط اخلاقي كبيران، كما حقق إنجازات مادية لشعوبه على جانبي الاطلسي والبالغة حوالي 10% من سكان الكرة الأرضية، وذلك باستلاب مقدرات ال 90% من بقية سكانها الاخرين، وجاءت أدوات العولمة واقتصادها لتزيد من عملية الاستلاب تلك، واستلبت فئة الواحد بالمائة من كل شعب من شعوبها مقدراته ثم استلبت خيرات ومقدرات البقية الباقية من الشعوب فأصبح العالم مضطرباً كالواقف على رأسه لا يقوى على مثل هذا الوضع ولا يمكن الاستمرار به حتى ان النظام المعلومالي بجبروته ووحدانيته هذه الأيام كان قاب قوسين او أدنى من الانهيار. قال جورج سوروس: “قبل أقل من ستة شهور كان النظام المالي العالمي على شفير الهاوية، وكان ذلك النظام لا يبعد سوى أيام قليلة من الانهيار التام، وأني أخشى ان تؤدي النتائج السياسية الناجمة عن الازمات المالية الأخيرة إلى انهيار النظام الرأسمالي العالمي برمته”.

          ولقد علمنا التاريخ قديمه منذ أيام الروم والفرس، وحديثه قبل بضع سنين في الاتحاد السوفييتي، ان كثيراً من الدول العظمى تكون في حقيقتها أوهى من بيوت العنكبوت.

          والدي رحمه الله كان دائماً يقول: “اللهم ول عليهم أتيسهم”، ويبدو أن الله قد استجاب لهذا الدعاء.

          تعليق

          يعمل...