مرة أخرى: فلسطين دولة أم دولتان؟ آخر تحديث:الخميس ,09/09/2010
يوسف مكي
نواصل في هذا الحديث سلسلة مقالاتنا، التي بدأنا تناولها قبل أربعة أسابيع، في محاولة لصياغة مقاربة جديدة للنضال الفلسطيني، بعد فشل المقاربتين السابقتين: مقاربة المواجهة العسكرية، ومقاربة التفاوض من أجل التوصل لتسوية سلمية للصراع .
في الحديث السابق، فلسطين دولة أم دولتان؟، تعرضنا لبعض من القراءات العربية للصراع مع الصهاينة ووصفنا تلك القراءات بالمسطحة والساكنة والساذجة، والمسكونة بمواريث دينية متزمتة، تضع الحركة الصهيونية، وبرنامجها لحيازة أرض السلام خارج التاريخ وتوصلنا إلى أن غياب القراءة الصحيحة للصراع مع العدو، قد أدت إلى فشلنا في إدارته، وتسببت في ارتباك تحالفاتنا واستراتيجياتنا، وعجزها بالتالي عن تحقيق هدف التحرير .
وكانت خلاصة قراءتنا للحركة الصهيونية، أنها استمرار للهجمة الأوروبية العنصرية على شعوب القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية . إن الاحتلال الصهيوني لفلسطين، هو من نمط الاحتلالات الاستيطانية، التي حدثت في الأمريكتين، وأستراليا وجنوب إفريقيا والجزائر .
استنتجنا من قراءتنا السابقة نقطتين جوهريتين، سنبني عليهما في هذا الحديث . الأولى هي أن قراءتنا للمشروع الصهيوني، قد ركزت على نشأته الأوروبية، فهو بذلك استمرار للهجمة الاستعمارية على دول العالم الثالث . وينبغي في هذا السياق، عدم تسطيح الصراع، واعتباره صراعاً يهودياً- عربياً بل ينبغي قراءته من حيث علاقته بالمشروع الإمبريالي الغربي .
فلم يكن لليهود بمعزل عن التضامن الغربي، أن يعلنوا كيانهم الغاصب . فهذا الكيان مصطنع بامتياز، ولفظة الاصطناع، لا تحمل توصيفاً سلبياً، بقدر ما هي تقرير لأمر واقع . هل كان بإمكان المشروع الصهيوني، أن يتقدم ويكتسب أرض فلسطين، لولا الوعد البريطاني الذي أطلقه وزير الخارجية، بلفور؟ وهل كان بإمكان مشروع تقسيم فلسطين رقم 181 في نوفمبر/تشرين الثاني ،1947 أن يمرر لو لم تمارس إدارة الرئيس الأمريكي، هاري ترومان وعدها ووعيدها بحق أعضاء مجلس الأمن الدولي، الذين أظهروا في البداية تلكؤاً عن تأييد مشروع التقسيم؟ . والوثائق في هذا السياق، أصبح بالإمكان الوصول إليها والتأكد منها .
مثل هذا القول، يصح على العدوان الثلاثي على مصر عام ،1956 الذي لم يكن له أن يأخذ مكانه لولا الشراكة الفرنسية والبريطانية مع “إسرائيل” في العدوان . كما يصدق أيضا، على العدوان “الإسرائيلي” على الأمة العربية في 5 يونيو/حزيران عام ،1967 بدعم عسكري وسياسي من إدارة الرئيس الأمريكي، ليندون جونسون . وقد جاء إغراق الباخرة الأمريكية “ليبرتي”، ليكشف الكثير من الأسرار عن دعم أمريكا للعدوان على العرب . وفي حرب العبور في أكتوبر/تشرين الأول ،1973 أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون الإنذار النووي، معبرة عن استعدادها لمواجهة نووية مع الاتحاد السوفييتي . ولم يكن لمعركة العبور أن تنتهي بالنتائج التي انتهت إليها، لا غالب ولا مغلوب، لولا الجسر الجوي، المحمل بمختلف الأسلحة والعتاد، الذي امتد طيلة أيام الحرب، بين واشنطن وتل أبيب .
القراءة الصحيحة للصراع مع الصهاينة، وحدها التي ترفض أن يكون غلوب باشا البريطاني هو قائد الجيوش العربية في حرب ،1948 ليس لأننا نريد أن نصنع عداوات مع الغرب، ولكن لأن الكيان الغاصب هو صناعة، وصنيعة غربية بامتياز، وليس من المنطقي مطلقا، تصور موقف آخر مغاير للبريطانيين، غير الموقف الذي انطلقوا منه حين تقدموا بوعد بلفور .
هذا القول يصح أيضاً، على الوسيط، الذي اتفق القادة العرب على أن نسبة 99% من أوراق حل الصراع العربي-”الإسرائيلي” بيده، منذ عام 1973 . نقاط الضعف في هذه الاستراتيجية، أنها أولا تجرد العرب من أي إسناد دولي لهم في معركة تحرير أراضيهم . فليس من المتوقع من الأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن الدولي، أن يسارعوا لنصرة قضايانا، ونحن نستبعدهم من دائرة صراعنا، ونعلن لهم أن الأمريكيين هم وحدهم الذين نثق بقدرتهم على الضغط على الكيان الغاصب للقبول بحل مشرف يضمن لنا السلام والأمن والكرامة .
وهي ثانياً، تسهم في تعطيل تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، ومن ضمنها قرار التقسيم، والقرارات التي تنص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وأيضا قرارا ،242 338 والتي تؤكد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق القوة . في هذا السياق، كان الرؤساء الأمريكيون واضحين في هذا الأمر . فالرئيس نيكسون، ومستشاره لشؤون الأمن القومي يعيبون على العرب، تكرارهم المستمر لحقائق التاريخ, والرئيس بيل كلينتون يقول صراحة، إن من يريد تطبيق القرارات الدولية، عليه اللجوء لمجلس الأمن، وليس للإدارة الأمريكية . لقد أثبتت الإدارات الأمريكية المختلفة، منذ تولت ملف الشرق الأوسط أنها تعمل بمعزل عن القرارات الدولية، ولا تتفاوض مع العرب والفلسطينيين على أساسها . بل إن إدارة الرئيس نيكسون عملت ما في وسعها للحيلولة دون انعقاد المؤتمر الدولي، والذي من المفترض أن يشارك فيه بقية الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن .
إن انفراد الإدارة الأمريكية بملف الصراع، جعلها الوحيدة التي بمقدورها ممارسة الضغط على “الإسرائيليين” . وهو ما لم تقم به إلا في حالات نادرة، تعلقت بوقف الاستيطان الصهيوني في أراضي الضفة والقطاع، في عهد الرئيس الأمريكي، جورج بوش الأب، وعهد الرئيس الحالي، باراك أوباما، وسرعان ما يتم التراجع عن تلك الضغوط . أما الضغوط الأمريكية على العرب والفلسطينيين فقد كانت ماثلة باستمرار، وقائمة الضغوط لا تعد ولا تحصى . لقد كان بالإمكان، ممارسة ضغوط حقيقية على الكيان الغاصب، لو أن أطرافا أخرى، شاركت الإدارة الأمريكية في التعامل مع ملفات الصراع، لكن القيادات العربية اختارت النهج الآخر، نهج القبول بتفرد الإدارة الأمريكية بإدارة ملفات الأزمة .
صراعنا مع الصهاينة، على هذا الأساس، ليس صراعاً دينياً بين المسيحية والإسلام، أو بين اليهود والمسلمين والمسيحيين العرب . وهو من جانبنا على الأقل ليس صراعاً عنصرياً، حتى وإن كان الذين اصطنعوا المشروع الصهيوني يريدونه أن يكون كذلك . إنه بالدرجة الأولى صراع إرادات، وتحكمه موازين القوة . وعدونا في هذا الصراع لا يتورع أن يستخدم سلاح الطائفية والمذهبية، متى ما وجد في ذلك تعضيداً لأهدافه كما حدث في العراق، وعدد آخر من الأقطار العربية .
القراءة غير الدقيقة للصراع، هي التي أسهمت في صياغة تحالفات وعلاقات استراتيجية، مع القوى التي صاغت المشروع الاستيطاني الصهيوني، ورعته، ووقفت خلف عدوانه على الأمة العربية,
النقطة الجوهرية الأخرى، التي تعرضنا لها في حديثنا السابق، هي أن هزيمة الاحتلال الاستيطاني، عسكرياً أمر غير ممكن، وبحكم المستحيل، طالما بقي الخلل الديموغرافي في غير مصلحة السكان الأصليين . دليل ذلك ما حدث في القارتين الأمريكيتين، وأستراليا . وأنه حيثما كان المستوطنون يمثلون أقلية، قياسا بالسكان الأصليين، أصبحت المقاومة العسكرية أو السياسية للوجود الاستيطاني ممكنة . دليل ذلك انتصار شعب الجزائر بقيادة جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، بعد نضال طويل وتضحيات في الأرواح تجاوزت المليون شهيد . لكن شعب الجزائر انتصر في النهاية، وتمكن من نيل استقلاله وحريته . وهزمت محاولة فرنسة الجزائر، وتأكد للقاصي والداني أن الأوراس جبالاً عربية . وبالنضال السياسي، أنجز شعب جنوب إفريقيا استقلاله، وانتهت حقبة مظلمة في تاريخ إفريقيا .
إذاً، فالمقاربة الجديدة المطلوبة للصراع مع الصهاينة، ينبغي أن تضع في الاعتبار، صياغة استراتيجية نضالية جديدة، طويلة الأمد تعتمد على تصحيح الخلل في التوازن الديموغرافي بين العرب والكيان الغاصب . ينبغي في هذا السياق، تجريد الحركة الصهيونية، من رصيدها البشري، كمقدمة لازمة لهزيمة مشروعها التوسعي الاستيطاني، الذي مثل ولا يزال خطراً ماحقاً على الأمن والوجود العربي .
وهذا هو بالدقة ما يعيدنا إلى جوهر عنوان هذا الحديث، والحديث السابق، حول الدولة الفلسطينية الواحدة، بعد أن أثبتت التجربة التاريخية، خلال العقود الأربعة المنصرمة، من عمر التوجه نحو تأسيس دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فشل هذه المقاربةٍ .
كيف السبيل إلى قيام هذه الدولة، وما هي المعوقات التي تواجهها، وكيفية تخطي تلك المعوقات؟ أسئلة ملحة ومشروعة، ستكون موضوعاً للمناقشة في الحديث القادم بإذن الله تعالى .
yousifmakki@yahoo.com
يوسف مكي
نواصل في هذا الحديث سلسلة مقالاتنا، التي بدأنا تناولها قبل أربعة أسابيع، في محاولة لصياغة مقاربة جديدة للنضال الفلسطيني، بعد فشل المقاربتين السابقتين: مقاربة المواجهة العسكرية، ومقاربة التفاوض من أجل التوصل لتسوية سلمية للصراع .
في الحديث السابق، فلسطين دولة أم دولتان؟، تعرضنا لبعض من القراءات العربية للصراع مع الصهاينة ووصفنا تلك القراءات بالمسطحة والساكنة والساذجة، والمسكونة بمواريث دينية متزمتة، تضع الحركة الصهيونية، وبرنامجها لحيازة أرض السلام خارج التاريخ وتوصلنا إلى أن غياب القراءة الصحيحة للصراع مع العدو، قد أدت إلى فشلنا في إدارته، وتسببت في ارتباك تحالفاتنا واستراتيجياتنا، وعجزها بالتالي عن تحقيق هدف التحرير .
وكانت خلاصة قراءتنا للحركة الصهيونية، أنها استمرار للهجمة الأوروبية العنصرية على شعوب القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية . إن الاحتلال الصهيوني لفلسطين، هو من نمط الاحتلالات الاستيطانية، التي حدثت في الأمريكتين، وأستراليا وجنوب إفريقيا والجزائر .
استنتجنا من قراءتنا السابقة نقطتين جوهريتين، سنبني عليهما في هذا الحديث . الأولى هي أن قراءتنا للمشروع الصهيوني، قد ركزت على نشأته الأوروبية، فهو بذلك استمرار للهجمة الاستعمارية على دول العالم الثالث . وينبغي في هذا السياق، عدم تسطيح الصراع، واعتباره صراعاً يهودياً- عربياً بل ينبغي قراءته من حيث علاقته بالمشروع الإمبريالي الغربي .
فلم يكن لليهود بمعزل عن التضامن الغربي، أن يعلنوا كيانهم الغاصب . فهذا الكيان مصطنع بامتياز، ولفظة الاصطناع، لا تحمل توصيفاً سلبياً، بقدر ما هي تقرير لأمر واقع . هل كان بإمكان المشروع الصهيوني، أن يتقدم ويكتسب أرض فلسطين، لولا الوعد البريطاني الذي أطلقه وزير الخارجية، بلفور؟ وهل كان بإمكان مشروع تقسيم فلسطين رقم 181 في نوفمبر/تشرين الثاني ،1947 أن يمرر لو لم تمارس إدارة الرئيس الأمريكي، هاري ترومان وعدها ووعيدها بحق أعضاء مجلس الأمن الدولي، الذين أظهروا في البداية تلكؤاً عن تأييد مشروع التقسيم؟ . والوثائق في هذا السياق، أصبح بالإمكان الوصول إليها والتأكد منها .
مثل هذا القول، يصح على العدوان الثلاثي على مصر عام ،1956 الذي لم يكن له أن يأخذ مكانه لولا الشراكة الفرنسية والبريطانية مع “إسرائيل” في العدوان . كما يصدق أيضا، على العدوان “الإسرائيلي” على الأمة العربية في 5 يونيو/حزيران عام ،1967 بدعم عسكري وسياسي من إدارة الرئيس الأمريكي، ليندون جونسون . وقد جاء إغراق الباخرة الأمريكية “ليبرتي”، ليكشف الكثير من الأسرار عن دعم أمريكا للعدوان على العرب . وفي حرب العبور في أكتوبر/تشرين الأول ،1973 أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون الإنذار النووي، معبرة عن استعدادها لمواجهة نووية مع الاتحاد السوفييتي . ولم يكن لمعركة العبور أن تنتهي بالنتائج التي انتهت إليها، لا غالب ولا مغلوب، لولا الجسر الجوي، المحمل بمختلف الأسلحة والعتاد، الذي امتد طيلة أيام الحرب، بين واشنطن وتل أبيب .
القراءة الصحيحة للصراع مع الصهاينة، وحدها التي ترفض أن يكون غلوب باشا البريطاني هو قائد الجيوش العربية في حرب ،1948 ليس لأننا نريد أن نصنع عداوات مع الغرب، ولكن لأن الكيان الغاصب هو صناعة، وصنيعة غربية بامتياز، وليس من المنطقي مطلقا، تصور موقف آخر مغاير للبريطانيين، غير الموقف الذي انطلقوا منه حين تقدموا بوعد بلفور .
هذا القول يصح أيضاً، على الوسيط، الذي اتفق القادة العرب على أن نسبة 99% من أوراق حل الصراع العربي-”الإسرائيلي” بيده، منذ عام 1973 . نقاط الضعف في هذه الاستراتيجية، أنها أولا تجرد العرب من أي إسناد دولي لهم في معركة تحرير أراضيهم . فليس من المتوقع من الأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن الدولي، أن يسارعوا لنصرة قضايانا، ونحن نستبعدهم من دائرة صراعنا، ونعلن لهم أن الأمريكيين هم وحدهم الذين نثق بقدرتهم على الضغط على الكيان الغاصب للقبول بحل مشرف يضمن لنا السلام والأمن والكرامة .
وهي ثانياً، تسهم في تعطيل تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، ومن ضمنها قرار التقسيم، والقرارات التي تنص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وأيضا قرارا ،242 338 والتي تؤكد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق القوة . في هذا السياق، كان الرؤساء الأمريكيون واضحين في هذا الأمر . فالرئيس نيكسون، ومستشاره لشؤون الأمن القومي يعيبون على العرب، تكرارهم المستمر لحقائق التاريخ, والرئيس بيل كلينتون يقول صراحة، إن من يريد تطبيق القرارات الدولية، عليه اللجوء لمجلس الأمن، وليس للإدارة الأمريكية . لقد أثبتت الإدارات الأمريكية المختلفة، منذ تولت ملف الشرق الأوسط أنها تعمل بمعزل عن القرارات الدولية، ولا تتفاوض مع العرب والفلسطينيين على أساسها . بل إن إدارة الرئيس نيكسون عملت ما في وسعها للحيلولة دون انعقاد المؤتمر الدولي، والذي من المفترض أن يشارك فيه بقية الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن .
إن انفراد الإدارة الأمريكية بملف الصراع، جعلها الوحيدة التي بمقدورها ممارسة الضغط على “الإسرائيليين” . وهو ما لم تقم به إلا في حالات نادرة، تعلقت بوقف الاستيطان الصهيوني في أراضي الضفة والقطاع، في عهد الرئيس الأمريكي، جورج بوش الأب، وعهد الرئيس الحالي، باراك أوباما، وسرعان ما يتم التراجع عن تلك الضغوط . أما الضغوط الأمريكية على العرب والفلسطينيين فقد كانت ماثلة باستمرار، وقائمة الضغوط لا تعد ولا تحصى . لقد كان بالإمكان، ممارسة ضغوط حقيقية على الكيان الغاصب، لو أن أطرافا أخرى، شاركت الإدارة الأمريكية في التعامل مع ملفات الصراع، لكن القيادات العربية اختارت النهج الآخر، نهج القبول بتفرد الإدارة الأمريكية بإدارة ملفات الأزمة .
صراعنا مع الصهاينة، على هذا الأساس، ليس صراعاً دينياً بين المسيحية والإسلام، أو بين اليهود والمسلمين والمسيحيين العرب . وهو من جانبنا على الأقل ليس صراعاً عنصرياً، حتى وإن كان الذين اصطنعوا المشروع الصهيوني يريدونه أن يكون كذلك . إنه بالدرجة الأولى صراع إرادات، وتحكمه موازين القوة . وعدونا في هذا الصراع لا يتورع أن يستخدم سلاح الطائفية والمذهبية، متى ما وجد في ذلك تعضيداً لأهدافه كما حدث في العراق، وعدد آخر من الأقطار العربية .
القراءة غير الدقيقة للصراع، هي التي أسهمت في صياغة تحالفات وعلاقات استراتيجية، مع القوى التي صاغت المشروع الاستيطاني الصهيوني، ورعته، ووقفت خلف عدوانه على الأمة العربية,
النقطة الجوهرية الأخرى، التي تعرضنا لها في حديثنا السابق، هي أن هزيمة الاحتلال الاستيطاني، عسكرياً أمر غير ممكن، وبحكم المستحيل، طالما بقي الخلل الديموغرافي في غير مصلحة السكان الأصليين . دليل ذلك ما حدث في القارتين الأمريكيتين، وأستراليا . وأنه حيثما كان المستوطنون يمثلون أقلية، قياسا بالسكان الأصليين، أصبحت المقاومة العسكرية أو السياسية للوجود الاستيطاني ممكنة . دليل ذلك انتصار شعب الجزائر بقيادة جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، بعد نضال طويل وتضحيات في الأرواح تجاوزت المليون شهيد . لكن شعب الجزائر انتصر في النهاية، وتمكن من نيل استقلاله وحريته . وهزمت محاولة فرنسة الجزائر، وتأكد للقاصي والداني أن الأوراس جبالاً عربية . وبالنضال السياسي، أنجز شعب جنوب إفريقيا استقلاله، وانتهت حقبة مظلمة في تاريخ إفريقيا .
إذاً، فالمقاربة الجديدة المطلوبة للصراع مع الصهاينة، ينبغي أن تضع في الاعتبار، صياغة استراتيجية نضالية جديدة، طويلة الأمد تعتمد على تصحيح الخلل في التوازن الديموغرافي بين العرب والكيان الغاصب . ينبغي في هذا السياق، تجريد الحركة الصهيونية، من رصيدها البشري، كمقدمة لازمة لهزيمة مشروعها التوسعي الاستيطاني، الذي مثل ولا يزال خطراً ماحقاً على الأمن والوجود العربي .
وهذا هو بالدقة ما يعيدنا إلى جوهر عنوان هذا الحديث، والحديث السابق، حول الدولة الفلسطينية الواحدة، بعد أن أثبتت التجربة التاريخية، خلال العقود الأربعة المنصرمة، من عمر التوجه نحو تأسيس دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فشل هذه المقاربةٍ .
كيف السبيل إلى قيام هذه الدولة، وما هي المعوقات التي تواجهها، وكيفية تخطي تلك المعوقات؟ أسئلة ملحة ومشروعة، ستكون موضوعاً للمناقشة في الحديث القادم بإذن الله تعالى .
yousifmakki@yahoo.com
تعليق