هل كلمة (أسطورة) مأخوذة عن اللغة اليونانية؟

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد الأقطش
    أقود سفينتي وسط الرمال
    • Aug 2009
    • 409

    هل كلمة (أسطورة) مأخوذة عن اللغة اليونانية؟

    بسم الله الرحمن الرحيم

    جاء في القرآن الكريم {وَقَالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}. وقد تكررت هذه العبارة في أكثر مِن موضع بصيغة الجمع (أساطير)، ولم يأتِ لها مفرد في القرآن. وقد ذكر اللغويون لها أكثر مِن صيغة للمفرد مِن بينها كلمة (أسطورة)، ومنهم مَن جعلها صيغة جمع الجمع. وقد تعامل اللغويون مع هذه الكلمة تعاملاً عربيًّا محضًا ولم يقع في كلامهم ما يشير إلى عجمتها.

    على أن هناك مَن نفى عروبة هذه الكلمة، وذهب إلى أنها دخيلة في اللغة العربية وأن أصلها يرجع إلى اللغة اليونانية. نعم سبق وزعم نولدكه أن العرب أخذوا الكلمة من الآرامية، وادَّعى آرثر جفري أن وقوع هذه الكلمة في النقوش اليمنية كان بتأثير من اللغة الفهلوية التي أخذتها بدورها عن الآرامية. إلا أن هذه الدعاوى لم تَخرج عن إطار الأسرة السامية نظرًا لوقوع هذا الجذر اللغوي في اللغة الأكادية التي هي أقدم لغات الأسرة تدوينًا.

    لكن هناك دعوى أخرى مختلفة في تأثيل هذه الكلمة، لعل أول ظهور لها بالعربية كان في كتاب (تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية) للقس طوبيا العنيسي الحلبي اللبناني، والمطبوع بمكتبة العرب بمصر سنة 1932، أن هذه الكلمة يونانية الأصل:
    «أساطير ـــــ يوناني istoria معناه أخبار تاريخية، وقد استعملها العرب بمعنى خرافات وحكايات» (ص3).
    وهي دعوى قديمة في الغرب، وقد ذكرها ألُويس شبرنجر في القرن التاسع عشر في كتابه (حياة محمد).

    وسأحاول في السطور التالية أن أتناول هذه المسألة من الناحية اللغوية من باب الفائدة لي ولغيري. والله الموفق.
    [frame="4 93"]
    ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

    [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)
  • أحمد الأقطش
    أقود سفينتي وسط الرمال
    • Aug 2009
    • 409

    #2
    أقدم ما وقفتُ عليه بخصوص هذا التأثيل اليوناني يعود إلى القرن السابع عشر الميلادي، وهو ما ذكره المستشرق الهولندي ياكوب فان خول المعروف باسمه اللاتيني Jacobus Golius وباسمه العربي يعقوب غوليوس، فقد أرجع في معجمه العربي اللاتيني الضخم هذه الكلمة العربية إلى الكلمة اليونانية ἱστορία.



    Jacobus Golius, Lexicon Arabico-Latinum, Leiden, 1653, col. 1171

    وبعدها بقرنين من الزمان ذكر نفسَ التأثيل المستشرقُ النمساوي ألُويس شبرنجر في كتابه عن السيرة النبوية، وذلك في أحد الهوامش التي علَّق فيها على كلمة (أساطير) التي وردت في القرآن الكريم:



    Aloys Sprenger, The Life of Mohammad From Original Sources, Allahabad, 1851, p. 99

    يقول شبرنجر فيما يخص هذه الكلمة: «... على أنه يظهر لي أنها محرَّفة عن الكلمة اليونانية istoria، ذلك أنَّ صيغة الجمع (أفاعيل) أو (أفاعِل) غالبًا ما تُستعمل مع الكلمات الأعجمية أو الجذور الرباعية، كما في (قمامِس) جمع (قمس) بمعنى السيد، و (أساقِف) جمع (أسقف)، و (بطارِق) جمع (بطريق)، و (جلالِق) جمع (جلق)، إلى غير ذلك». ثم نقل مقولة منسوبة لابن عباس أنَّ الأُسطور هو الكتاب في لغة حمير، ثم بنى على ذلك أنَّ هذه الدلالة لم تكن معروفة في الحجاز قبل القرآن وإنما كان يستعملون هذه المادة بمعنى السيطرة كما في العبرية.

    أمَّا في الأدبيات العربية، فبعد القس العنيسي ببضع سنين كتب بندلي الجوزي مقالة في مجلة مجمع اللغة العربية الملكي بالقاهرة، الجزء الثالث أكتوبر سنة 1936، بعنوان: "بعض اصطلاحات يونانية في اللغة العربية: مواد للمعجم العربي الكبير" (ص330). وقد سرد فيها قائمة مكونة من 129 كلمة بالعربية ذات أصل يوناني كما رأى، وكانت الكلمة الثانية عشرة هي كلمة أسطورة التي أرجعها إلى الكلمة اليونانية historia.



    وبعدها بعدة سنوات اطلع الأب أنستاس الكرملي على هذه المقالة المذكورة، فكتب سلسلة مقالات تعليقًا عليها وذلك في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق. وفي مقالته الثانية، بالمجلد 18 الجزء 3 و 4 آذار ونيسان سنة 1943، واصل استعراضه لقائمة الكلمات التي ذكرها الجوزي معلِّقًا على كل واحدة منها قبولاً أو رفضًا، وقد وافقه على تأثيل كلمة (أسطورة) قائلاً: «صحيحة كما قال» (ص110).



    ولا يزال هذا التأثيل يعاود الظهور من حين لآخر عبر هذه السنوات.
    [frame="4 93"]
    ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

    [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)

    تعليق

    • أحمد الأقطش
      أقود سفينتي وسط الرمال
      • Aug 2009
      • 409

      #3
      وهاك صورة ما قاله العنيسي في كتابه:



      [frame="4 93"]
      ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

      [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)

      تعليق

      • محمد آل الأشرف
        عضو منتسب
        • Jun 2018
        • 212

        #4
        ولعله من زيادة الفائدة وإلقاء مزيد من الضؤ نقل ما قاله د. محمد حسن حسن جبل -رحمه الله- بتصرف يسير:
        السطر بالفتح والتحريك: الصف من الشجر والنخل وغيره..
        والمعنى المحوري: اصطفاف أفراد أو أشياء طوليا بانضباط، والكتاب كتبه( سطر الكتابة: صف من الكلمات متجاورة على امتداد واحد فتبدو مسترسلة الامتداد، فتوالي كلمات الصف على استقامتها يجعلها سطرا كسطر النخل والشجر.
        ومن هذا الأساطير جمع إسطار وإسطير ، بالكسر فيهما، وأسطور وأسطورة وأسطير، بالضم فيهن، والمعنى: الكتابة المسطورة، قال تعالى: ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها).
        هذا هو أصل الأساطير، ثم أنها لما كانت أخبارا مكتوبة عن الأقدمين، غابت شواهدها الواقعة، فخفيت حقائقها على الحاضرين، تشككوا فيها، فلصق بمعنى اللفظ الارتياب، وقالوا الأساطير بمعنى الأباطيل ..

        تعليق

        • أحمد الأقطش
          أقود سفينتي وسط الرمال
          • Aug 2009
          • 409

          #5
          أمَّا شبرنجر فلم تكد تمضي على كتابه سنوات معدودات حتى انتقده نولدكه في كتابه "تاريخ القرآن" الذي ألفه سنة 1860، حيث أبطل دعواه التأثيل اليوناني وأرجع الكلمة بدوره إلى الأصل السامي الموجود في العبرية والسريانية.



          Theodor Noldeke, Geschichte Des Qorâns, Guttingen, 1860, s. 13

          يقول نولدكه: «... إذا كان شبرنجر يرى أن هذا الجذر بالكامل - وهو المستخدم مرارًا وتكرارًا في الأسفار الخمسة - مأخوذ عن كلمة istoria، فهذا بالطبع بعيد كل البعد عن الصواب».

          هذا ما ذكره نولدكه في كتابه آنذاك. إلا أنه بعد قرابة نصف قرن قام فريدريش شفالي بتعديل هذا الكتاب وأصدره في طبعته الثانية سنة 1909 مستفيدًا من تنقيحات أستاذه نولدكه وملاحظاته، فجاءت الطبعة الجديدة من الكتاب "تحمل نتائج حصل عليها باحثان معًا" على حد قول نولدكه في تقديمه لهذه الطبعة. وقد جاء في الحاشية رقم (30) في هذه الطبعة بحسب الترجمة العربية (سنة 2000، ص16) ما يلي: «... يبدو لي الآن أكثر احتمالاً أن (أساطير) مشتقة من كلمة istoria، وذلك ما افترضه ت. نولدكه منذ فترة طويلة». فكأن نولدكه قد تراجع عن انتقاده القديم.
          [frame="4 93"]
          ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

          [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)

          تعليق

          • أحمد الأقطش
            أقود سفينتي وسط الرمال
            • Aug 2009
            • 409

            #6
            مادة (سطر) في القرآن

            @ قال تعالى {وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُون}. [القلم 1]
            جاءت الكلمة هنا بصيغة الفعل، والمعنى: يخطُّون ويكتبون. وذِكْر القلم في هذا السياق عاضدٌ للدلالة المقصودة.

            @ وقال تعالى {كانَ ذَلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُورًا}. [الإسراء 58؛ الأحزاب 6]
            جاءت الكلمة هنا اسمًا للمفعول مِن الفعل "سَطَرَ"، ومعنى "مسطور": مكتوب. وذِكْر الكتاب في هذا السياق عاضدٌ أيضًا للدلالة المقصودة.

            @ وقال تعالى {وَكِتابٍ مَسْطُورٍ، فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ}. [الطور 2-3]
            جاءت الكلمة أيضًا اسمًا للمفعول. والرَّق هو أديم الصحف، فتكون الكتابة في صحيفة من رقاق الجلد. ومنه أيضًا قيل: الرَّق هو الورق.

            @ وقال تعالى {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ}. [القمر 53]
            جاءت الكلمة اسمًا للمفعول ولكن على وزن (مُفتعَل) مِن الفعل "استطر" أي اكتتب، فمعنى "مُسْتَطَر": مُكْتَتَب. ومعنى "الزُّبُر": الكُتُب، مفردها زبور. وذِكْر الزُّبُر في هذا السياق عاضدٌ لدلالة الكتابة.

            @ وقال تعالى {وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}. [الفرقان 5]
            جاءت الكلمة اسمًا بصيغة الجمع (أفاعيل). وذِكْر الاكتتاب والإملاء في السياق عاضدٌ لدلالة الكتابة والتدوين. وقد تكررت هذه الصيغة "أساطير الأولين" في ثمانية مواضع أخرى [الأنعام 25؛ الأنفال 31؛ النحل 24؛ المؤمنون 83؛ النمل 68؛ الأحقاف 17؛ القلم 15؛ المطففين 13]

            وتُشبه هذه العبارة عبارة أخرى وهي "زُبُر الأولين" التي وردت في قوله تعالى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ}. [الشعراء 197] والكلام عن القرآن نفسِه، لأن السياق يبدأ بقوله تعالى {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. [الشعراء 192] وعلى نفس النسق جاء قوله تعالى {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى}. [الأعلى 18]

            مما سبق: يتبيَّن أن هذه المادة اللغوية كما وردت بمختلف صيغها في مختلف المواضع القرآنية تدلُّ دلالة صريحة على معنى الكتابة، واقترنت بها في بعض المواضع كلمات عزَّزت هذا المعنى هي: القلم، الكتاب، الرق، الزبر، الاكتتاب، الإملاء.
            [frame="4 93"]
            ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

            [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)

            تعليق

            • أحمد الأقطش
              أقود سفينتي وسط الرمال
              • Aug 2009
              • 409

              #7
              ما هو مفرد كلمة (أساطير)؟

              انقسم اللغويون فريقين بخصوص هذه الكلمة: فمنهم مَن ذكر لها مفردًا، ومنهم مَن قال إنها جمع لا مفرد له كالأصمعي. واختلف الفريق الأول: فمنهم مَن ذكر لها مفردًا، ومنهم مَن قال إنها جمع الجمع. ثم اختلفوا في تعيين المفرد على أكثر مِن صيغة، مع اتفاقهم على أنَّ مَرَدَّ الجميع إلى كلمة (سَطْر).

              قال الخليل بن أحمد في معجم العين: «السَّطْرُ: سَطْرٌ من كُتُبٍ، وسَطْرٌ من شَجَرٍ مَغُروس ونحوه. قال:
              إنِّي وأَسْطارٌ سُطِرْنَ سَطْرا .:. .:. .:. لَقائلٌ: يا نَصْرُ نَصْرًا نصَرا
              يستغيث به: يا نَصْرُ انصُرْني. ويقال: سَطَّرَ فلانٌ علينا تسطيرًا، إذا جاء بأحاديث تُشبهِ الباطِلَ. والواحد مِن الأساطير: إِسطارة وأُسطورةُ، وهي أحاديثُ لا نظام لها بشيء. ويَسْطرُ معناه: يُؤَلِّف ولا أصل له. وسَطرَ يَسطُرُ: إذا كتَبَ. وقال الله جل وعز {ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ} أي وما يكتبُ الملائكة
              ». [7/ 210]

              وقال أبو عبيدة بن المثنى في مجاز القرآن: «{أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} واحدتها أُسْطُورة وإِسْطارة لغةً، ومجازها مجاز الترَّهات البسابس ليس له نظام وليس بشىء». [ص189]

              وقال ابن قتيبة في غريب القرآن: «و{أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} أخبارهم وما سُطِّر منها أي كُتِب. ومنه قوله {وَما يَسْطُرُونَ} أي يكتبون. واحدها سَطْر ثم أَسْطار ثم أَساطير جمع الجمع، مثل: قول وأقوال وأقاويل». [ص37]

              وقال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: «{وَقَالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} خبر ابتداء محذوف. المعنى: وقالوا: الذي كتابُه أساطير الأولين، معناه: مِمَّا سَطَّرَهُ الأولون. وواحدُ الأساطير: أُسْطُورة، كما تقول: أُحْدُوثة وأَحاديث». [4/58]

              والأقاويل كثيرة عند أهل اللغة فيما صنَّفوه أو نُقِل عنهم، ومَن أراد الاستزادة فليَعُدْ إليها.


              معنى الأساطير بين الحقيقة والمجاز

              الذي يتضح مِمَّا ذكره اللغويون أن المعنى اللغوي الحقيقي لأساطير الأولين أنها الكتابات التي سطَّرها الأولون، وأمَّا المعنى المجازي فهي أنها تأليفات مختلقة وترهات أي أكاذيب وأباطيل. فما الذي كان يقصده هؤلاء القوم بالأساطير حتى يشبَّهوا القرآن بها؟ هل هي الحكايات وقصص السابقين؟ أم هناك شيء آخر كذَّبوا به ورفضوه وأطلقوا عليه هذا الوصف؟

              يقول تعالى {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ، قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}. هل في هذه الآية ذِكْر أو إشارة إلى أنهم يقصدون الطعن في القصص المذكورة في القرآن؟ واضح مِن السياق أن المشركين يتكلمون في قضية البعث بعد الموت والحساب الأخروي، فقالوا منكرين على النبي: إنك تَعِدُنا بشيءٍ سَبَقَ ووُعِدَه أسلافنا، فأنت إنما تُرَدِّد نفس ما في الصُّحُف القديمة مِن أكاذيب. فكلمة (أساطير) هنا لا دلالة فيها على معنى الحكايات والأحداث والتواريخ.

              نفس السياق مذكور أيضًا في موضع آخر وهو قوله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ، لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}. فالكلام أيضًا عن القضية نفسها وليس عن قصص الأمم السابقة.

              ومما يزيد هذا المعنى وضوحًا قول الله تعالى {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}. وهو في نفس السياق الذي وردت فيه الآيتان السالفتان، وهو التكذيب بالبعث في الآخرة. وجوابُ هذا الابن على والديه بأنَّ هذا الوعد الذي يقولانه له ليس سوى أساطير الأولين يؤكد مجدَّدًا على أن كلمة (أساطير) هنا لا تعني القصص والتواريخ فهذه الدلالة لا سياق لها في الكلام.

              ومرة أخرى يأتي نفس السياق في قوله تعالى {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ، الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ، إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}. فالآيات التي تتلى على هذا المكذِّب هي آيات الحساب الأخروي. وكذلك يقول تعالى {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.

              والسؤال هنا: ما هي "أساطير الأولين" التي قصدها المشركون وفيها الإنذار بالبعث بعد الموت وحساب الله للناس يوم القيامة؟ هذه لا توجد إلا في الكُتُب التي أوحاها الله إلى الأنبياء، وكان مصيرها لدى الكافرين التكذيب والإنكار واتهام أصحابها بالافتراء. وكان العرب يسمعون عن هؤلاء الأنبياء من رحلاتهم في البلاد الأخرى ومن أهل الكتاب المقيمين في أماكن متفرقة في جزيرة العرب. هذا ما يفسِّر لنا قول المشركين في حق النبي صلى الله عليه وسلم {وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}. ولأن هذه الكتب القديمة ليست عربية، ولأن محمدًا لسانه عربي، فلم يكن لدى المشركين تفسير لهذا الأمر إلا أن قالوا إنه تعلَّمها على يد أحد الأعاجم وكتبها له بالعربية! وقد قال تعالى {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}.

              مما سبق: يتضح من سياق الآيات أن الأصل اللغوي للأساطير هو الكتابات، وإنما استعملها المشركون في معرض التكذيب بالوحي الإلهي وبالأخص ما يتعلق بالبعث والحساب. كما اتضح من الناحية اللغوية أيضًا عدم وجود علاقة بين معنى الأساطير ومعنى القصص والتواريخ. وأمَّا ما ذهبتُ إليه مِن محاولة الوقوف على تعيين هذه الكتابات القديمة التي كان يقصدها المشركون وادَّعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتتبها، فهو اجتهاد منِّي يخص هذه الجزئية في التفسير وليس له تأثير على الشق اللغوي في المسألة. فهذا ما يتعلَّق بكلمة (أساطير) في القرآن، فهل لهذه الكلمة وجود في لغة العرب قبل الإسلام؟ هذا ما سأحاول تناوله إن شاء الله.
              [frame="4 93"]
              ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

              [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)

              تعليق

              • محمد آل الأشرف
                عضو منتسب
                • Jun 2018
                • 212

                #8
                شكرا لك أخي الأستاذ أحمد الأقطش فقد امتعتنا بتطوافك بنا حول ماقيل في أصل اشتقاق كلمة أساطير، واسمح لي بأن أنبه إلى أن عددا من المستشرقين ومنهم شبرنقر افترضوا مقدما أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم ألّف القرآن وجاء بمافيه من اليهود وكتبهم، ثم صار مثل شبرنقر هذا يتلقط الكلمات من هنا وهناك لعله ينتهي بحشد شواهد تدلل على صحة ما افترضه !
                وقد اعتدت الوقوف على مجازفات المستشرقين البعيدة كل البعد عن المنهج العلمي، حتى أكاد أن أصل إلى نتيجة مفادها أن الوقت أثمن من أن يضيع في متابعة استنتاجات كثير منهم، والتي يشعرونك للوهلة الأولى أنها بنيت على نظر علمي وتحليل منهجي، فما تلبث طويلا حتى يتضح لك بالتدقيق تهافت استنتاجات كثير منهم.
                هذا استطراد لازم أردت به زعزعة ماعند بعض أساتذتنا اللغويين من التسليم بكثير من استنتاجاتهم.
                وقد اطلعتُ على ما تكرمتَ بنقله هنا من كلام لنولدكه مدون بالألمانية من أن شبرنقر مخطىء في استنتاجه، ذكر ذلك بصيغة الجزم والقطع، ثم يعاد طباعة كتاب نولدكه على يد غيره لينسف ماتفدم له من كلام ويعاد فيصحح ما استنتجه شبرنقر! وكذلك يفعلون.
                وأحمد الله أن هيأ للعلم أمثالكم لكشف مايرد على كثير منا من خطلهم ومجازفاتهم، وإلا فإن فعل سطر وكلمة أساطير بينةُ عربيتها لا تحتاج إلى كثير عناء وبحث!

                تعليق

                • أحمد الأقطش
                  أقود سفينتي وسط الرمال
                  • Aug 2009
                  • 409

                  #9
                  بارك الله فيكم يا أستاذ محمد وشكرًا على هذه الإضافات. وحقيقةً أنا أردت أن أتناول هذه المسألة تناولاً لغويًّا دون الدخول في الاستشراق بما له أو عليه، ومِن هنا فإنَّ قوة الرأي المطروح تتوقف على قوة أدلته سواء قاله فلان القريب أو فلان البعيد. وكل شيء قابل للأخذ والرد طالما توفرت فيه الحدود الدنيا من المنهجية العلمية، أمَّا توظيف هذا الرأي أو ذاك لصالح فكر معين فأمر خارج عن نطاق هذا البحث.

                  خالص تحياتي وتقديري،،
                  [frame="4 93"]
                  ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

                  [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)

                  تعليق

                  • الامين
                    عضو منتسب
                    • Feb 2014
                    • 254

                    #10
                    أحسنت

                    تعليق

                    • أحمد الأقطش
                      أقود سفينتي وسط الرمال
                      • Aug 2009
                      • 409

                      #11
                      مادة (سطر) في لسان عرب الشمال

                      كان ينتشر في القسم الشمالي مِن جزيرة العرب عدد مِن الألسنة العربية القديمة التي كان لها أبجديتها وخطوطها، وهي تُعرف في الدراسات الأكاديمية الغربية بـ Ancient North Arabian، وقد عرفناها مِن خلال النقوش الأثرية التي عُثر عليها، من بينها الثمودية والصفوية واللحيانية وغيرها، مع ملاحظة أن أغلب هذه التسميات اصطلاحية. وقد حاولتُ البحث عن مادة (سطر) في لغات هذه النقوش بحسب ما وقفتُ عليه مِن مصادر، فوجدتها بالفعل كانت مستعملة لدى عرب الشمال.

                      ففي أحد النقوش اللحيانية (أبو الحسن 207) نقرأ النص التالي: «ستطر بمصدن فسمعه ذغيبت». ومعناه بالعربية الفصحى: «استطر بالمَصَدِّ [أي بالجبل] فسمعه ذو غيبة». وذو غيبة هو إله اللحيانيين ومعبودهم. قال أبو الحسن في تحليله للنقش: «(ستطر) فعل ماض بمعنى: كَتَبَ أو دَوَّنَ». [حسين أبو الحسن: نقوش لحيانية من منطقة العلا، وزارة المعارف، الرياض، 2002، ص63]

                      ونلاحظ أن هذا الفعل (استطر) هو المشتق منه اسم المفعول (مستطر) الوارد في قوله تعالى {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ}.

                      وقد وقفتُ على إحالات لهذه المادة اللغوية في الصفوية والثمودية أيضًا، لكنها تحتاج منِّي إلى بحث عن النقوش التي وردت فيها هذه الألفاظ، ولا أنشط لهذا حاليًا. وهذه الإحالات أوردها القدرة في معجمه اللحياني المقارن، فقد ذكر في مادة (سطر) ما يلي:


                      حسين القدرة: دراسة معجمية لألفاظ النقوش اللحيانية، رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، 1983، ص135


                      فقد ذكر أنها وردت في الصفوية بصيغة الفعل (سطر)، وأمَّا في الثمودية فوردت بصيغة الاسم الجمع (أسطر). ونظرًا لخلو الكتابة العربية القديمة شمالها وجنوبها مِن المدود، فيمكن أن تكون صيغة الجمع هذه على أي مِن هذه الأوزان العربية: (أَفْعُل) أو (أَفْعَال) أو (أَفَاعِل) أو (أَفاعِيل). فيمكن قراءة هذه الكلمة: (أَسْطُر) أو (أَسْطار) أو (أَساطِر) أو (أَساطير) على التوالي. وهي في كل الأحوال تعود إلى الاسم المفرد (سَطْر).

                      ولهذه النقوش العربية القديمة أهمية بالغة على المستوى اللغوي، فيكفي أن نعرف أن اللحيانيين تعود مملكتهم تاريخيًّا إلى القرن السادس قبل الميلاد وربما قبل ذلك، وكانت عاصمتهم هي ددان القديمة الواقعة في مدينة العلا شمال الحجاز وهي حاليًا تابعة إداريًّا لمنطقة المدينة المنورة.

                      مما سبق: يتبيَّن أن هذه المادة اللغوية قد وردت في النقوش العربية الشمالية بصيغة الفعل والاسم، وجاءت فيها صيغة جمع التكسير (أسطر). وفيما يلي سأتناول وقوع هذه المادة أيضًا في لسان عرب الجنوب.
                      [frame="4 93"]
                      ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

                      [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)

                      تعليق

                      • أحمد الأقطش
                        أقود سفينتي وسط الرمال
                        • Aug 2009
                        • 409

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة الامين
                        أحسنت
                        أحسن الله إليكم.
                        [frame="4 93"]
                        ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

                        [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)

                        تعليق

                        • أحمد الأقطش
                          أقود سفينتي وسط الرمال
                          • Aug 2009
                          • 409

                          #13
                          مادة (سطر) في لسان عرب الجنوب

                          وردت هذه المادة في النقوش السبئية والنقوش المعينية. فأمَّا السبئية، فهاك ما وقفتُ عليه في المعاجم:


                          J. C. Biella, Dictionary of Old South Arabic: Sabaean Dialect, Harvard, 1982, p.332




                          المعجم السبئي، منشورات جامعة صنعاء، بيروت، 1982، ص192




                          اغناطيوس غويدي: المختصر في علم اللغة العربية الجنوبية القديمة، القاهرة، 1930، ص35


                          فقد اتفقت هذه المصادر على وقوع هذه المادة في السبئية سواء كانت فعلاً أو اسمًا، وأصل هذا الجذر اللغوي يعني في هذا اللسان الكتابة والنقش والتدوين. كما جاء أيضًا بمعنى الخط والحَدّ في الأرض، وكأنَّ هذا مِن باب المماثلة لسطر الكتابة، تمامًا كما وقع في العربية الفصحى مع سطر النخيل. وقد ذكرت المعاجم وقوع صيغة جمع التكسير (أسطر) في النقوش السبئية. ونظرًا لخلو الكتابة العربية الجنوبية - مثل نظيرتها الشمالية - مِن المدود، فيمكن أن يكون وزن هذه الصيغة (أَفْعُل) أو (أَفْعال) وهما صيغتا جمع التكسير اللتين أوردهما غويدي في كتابه عند حديثه عن صيغ الجمع، وإن قال إن الصيغة الثانية هي الأكثر شيوعًا (ص13).

                          وأمَّا في المعينية، فقد وردت صيغة الجمع (أسطر) في أحد نقوشها (ربرتوار رقم 2774)، وهو نص طويل جاءت هذه الكلمة في آخره هكذا: «وأسطرسم»، يعني: وأسطرهم.


                          محمد بافقيه وآخرون: مختارات من النقوش اليمنية القديمة، تونس، 1985ص284


                          وقد ألحق المؤلفون بالكتاب معجمًا بألفاظ النقوش الواردة في الكتاب، وقد أحالوا إلى هذا النقش في مادة (سطر) وذكروا المعنى كالتالي: «سطر ج أسطر (اسم): نقش، كتابة». [ص377]

                          مما سبق: يتبيَّن أن مادة (سطر) معروفة في لسان عرب الجنوب، وقد جاءت عندهم أيضًا صيغة جمع التكسير (أسطر). وهو ما يتطابق مع ما ورد في لسان عرب الشمال أيضًا. وجميع هذه النقوش العربية في شمال جزيرة العرب وجنوبها تعود تاريخيًّا إلى ما قبل ظهور الإسلام. وهذا يدل على أن هذه الكلمة بمختلف صيغها قديمة في اللسان العربي ومعروفٌ أصلها وفصلها.
                          [frame="4 93"]
                          ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

                          [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)

                          تعليق

                          • أحمد الأقطش
                            أقود سفينتي وسط الرمال
                            • Aug 2009
                            • 409

                            #14
                            مادة (سطر) من المشترك السامي

                            هذه المادة معروفة في اللغات السامية، فهي متواجدة في أكثر من فرع لغوي، وثابتة في أقدم لغات الأسرة تدوينًا وهي اللغة الأكادية. وقد وردت في الأكادية بصيغة الفعل والاسم بنفس المعنى المعروف وهو الكتابة. وقد توسَّع معجم شيكاغو في شرح هذه المادة اللغوية، وأكتفي منه بالنقاط الأساسية:


                            The Assyrian Dictionary, The Oriental Institute, Chicago, Illinois, 2nd ed., 2004, vol. 17, p. 221



                            Ibid, p. 225


                            وهي في الترجمة العربية التي قام بها د. علي الجبوري لهذا المعجم:

                            علي الجبوري: قاموس اللغة الأكدية العربية، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، 2010، ص598


                            وذكر معجم النقوش السامية الغربية وقوع هذه المادة في البونيقية والعبرية والآرامية بلهجاتها المختلفة، وأكثر مجيئها بصيغة الاسم بمعنى وثيقة أو صك.


                            J. Hoftijzer and K. Jongeling, Dictionary of the North-West Semitic Inscriptions, E. J. Brill, Leiden, 1995, pp. 1123-1124.


                            وقد ذكر كمال الدين هذه المادة في معجمه العربي السامي المشترك:


                            حازم كمال الدين: معجم مفردات المشترك السامي في اللغة العربية، مكتبة الآداب، القاهرة، 2008، ص218


                            مما سبق: يتضح أن هذه المادة أصيلة في اللغات السامية، وأن إبدال الشين والسين بين اللغات العربية وشقيقاتها دالٌّ على قِدَم هذا الأصل اللغوي بانطباق هذا القانون الصوتي عليه، وهو من الخصائص اللغوية المعلومة في هذه الأسرة.
                            [frame="4 93"]
                            ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

                            [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)

                            تعليق

                            • أحمد الأقطش
                              أقود سفينتي وسط الرمال
                              • Aug 2009
                              • 409

                              #15
                              هل دلالة الكتابة متطورة عن معنى قديم؟

                              كان جزينيوس قد أورد هذه المادة في معجمه على النحو التالي:


                              Gesenius's Lexicon, tr. Edward Robinson, Boston, 4th ed., 1850, p.1048


                              ولكن تنقيحاته الأخيرة التي نشرها رودجر وأدخلها المترجم الإنجليزي في نسخته المنقحة فيما بعد اشتملت على بعض الاختلافات في استعراض المادة اللغوية. ففي هذه النسخة المنقحة نجد محاولة جزينيوس إرجاع هذا الجذر (سطر) إلى أصل أقدم، وذلك بغية الوقوف على تفسير للمعاني المعروفة التي يتضمنها هذا الجذر، أي باعتبارها ذات دلالات متطورة في اللغات السامية. وقد اعتمد في تفسيره هذا على اللغة العربية الفصحى، فقد رَدَّ هذه المعاني إلى معنى واحد وهو القطع والشق ومِن ثم النقش باعتباره حفرًا في الحجر. يقول:


                              Gesenius's Lexicon, 29th ed., 1894, p. 1054


                              ويظهر أنه اعتمد في ذلك المعنى على ما هو مذكور في بعض المعاجم العربية في المادة نفسها: «ويقال: سطر فلانٌ فلانًا بالسيف سطرًا: إذا قطعه به، كأنه سطر مسطور. ومنه قيل لسيف القصاب: ساطور. سلمة عن الفراء: يقال للقصاب: ساطر وسطَّار وشصَّاب ومشقص ولحَّام وجزَّار وقدَّار». [تهذيب اللغة للأزهري 12/230] ففي حين نجد الأزهري يَعتبر السطر بمعنى القطع مأخوذًا عن السطر المكتوب، نجد أن جزينيوس يعتبر هذا المعنى هو المعنى الأصلي للجذر وأن معنى الكتابة هو المتطور عنه.

                              وبغض النظر عن صواب هذا الرأي أو خطئه، فالذي نستفيده مِن طريقة جزينيوس هنا - وقد سلكها في مواضع كثيرة في معجمه - هو أن اللسان العربي له أهمية بالغة في التنقيب عن أصول الجذور اللغوية بحيث يمكن مِن خلاله العثور على الروابط الدلالية القديمة التي تفرعت منها المعاني التي قد تبدو مختلفة الاشتقاق. وهو بهذا لا يعضد أصالة المادة في اللسان العربي فحسب، بل إنه فوق هذا يستدل به على معرفة الأصل السامي القديم الذي انبثقت منه المعاني اللغوية اللاحقة في سائر اللغات السامية. وفي هذا إبطال لقول مَن زعم أن العرب أخذوا كلمة (أساطير) من اللغة اليونانية.

                              هذا ما تيسَّرت كتابته في هذه المسألة، والله الموفق.
                              [frame="4 93"]
                              ܗܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܝܢ ܚܝܐ ܕܠܥܠܡ ܕܢܕܥܘܢܟ ܕܐܢܬ ܐܢܬ ܐܠܗܐ ܕܫܪܪܐ ܒܠܚܘܕܝܟ ܘܡܢ ܕܫܕܪܬ ܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ

                              [/frame](ܝܘܚܢܢ 17: 3)

                              تعليق

                              يعمل...