مازلت أذكر...ولكن!
لست أدري عدد المرات التي اجتازت بها قدماي هذا الطريق...
كل ما أذكره هو روائح اليامسين المنبعثة من عرائش متدلية على جدران المنازل، وأشجار الزيتون المنحنية على الطريق لتظللني...
تلك الطريق الترابية الضيقة التي طالما عبرتُ إلى مدرستي لمدة خمس سنوات وحقيبتي على كتفي....
مازلت أذكر رائحة الليمون المنكهة برطوبة الفجر التي كنت أستيقظ معها كل صباح...
ومازلت أذكر غرفتي الصغيرة بسريرين الزرقاوين، طالما ضمتني أنا وأخواتي الثلاث لسنوات أربع، كنا نلعب وندرس فيها، وكنا ننام متلاصقتين أنا وأختي التي تكبرني بعام واحدٍ فقط،
اعتدنا انقطاع الكهرباء، نتظاهر برباطة الجأش، ولكن كنت أسمع حينها هدير الصمت تمزقه ضربات قلوبنا الوجلة، وأزيز الطائرات.
مازلت أذكر لعبتي الصغيرة التي ورثتها عن أختي، كم كانت صديقتي تحبها بعيونها الواسعة، وشعرها المموج الطويل
مازلت أذكر طعم البرتقال الشهي، وعصير الليمون المحلى بالسكر، تقدمه أمي لجاراتنا عندما يزرنها، كنت أشرب منه الكأس تلو الأخرى إلى أن أشعر بحرقة في لساني.
مازلت أذكر جارنا أبو أنس ومحله الصغير في زاوية الشارع كنت أتوقف عنده لأشتري بعض السكاكر، ولأرتاح قليلًا من عناء الطريق الصاعد بقوة،
كان يعطيني في كل مرة ٍ قطعة من الشوكولا مجانًا، ويحمِّلني بصوته الدافئ العالي سلاماً معطرًا برائحة الزعتر والزيتون لأبي .
مازلت أذكر...
ومازلت أذكر ...
رغم أن ذلك كله قد تلاشى، لم يعد منه إلا لعبتي الجميلة التي مازلت أحتضنها منذ ذلك اليوم، ولكنها أصبحت بذراع وحيدة، و دون عينين.
تعليق