_md_re: خواطر سليمانية!
عبدالرحمن ريكاردو يحيى!
إنه رجل سرياني متخصص في بيع النبيذ التشيلي، تعرفت عليه صدفة قبل حوالي سبع سنوات من الآن في إحدى قاعات الانتظار في مدينة أنتورب. تحدثت إليه ببرودة شديدة أثناء الانتظار، لأني لم أكن وقتها مهتماً في الحديث مع أحد. إلا أنه كان يفرض الحديث عليّ بإلحاح لطيف يوحي بشعور في الوحدة قاتل. سألني: "هل أنت مغربي"؟ فقلت: "بل سوري". فتغيرت ملامح الرجل وقال لي بحماس شديد: "سوري"؟ قلت: "أجل"! فصافحني مصافحة حارة وقال لي بعربية ركيكة: "بلدياتي حبيبي بلدياتي"! وأقسم بالله العلي العظيم ليستضيفني في داره.
فذهبت معه. قال لي إن اسمه ريكاردو، وإنه سرياني من مواليد الحسكة في شمال شرق سورية، وإنه هاجر مع والديه إلى التشيلي وهو ابن سبع سنوات، وإنه عاش حوالي خمس وثلاثين سنة في التشيلي، وإنه تزوج فيها من بلجيكية خلف منها أولاداً أصبحوا شباباً، وإن الزواج انتهى إلى الطلاق "لاختلاف الطبع"، وإنه انتقل إلى بلجيكا قبل سنتين لأن مطلقته عادت إلى بلجيكا وبمعيتها ولد قاصر لهما لم يشأ أن يتخلى عنه، وإن مطلقته البلجيكية أذاقته الأمرين واستغلته إلى أبعد الحدود، وإنها كادت تدمره بسبب تعلقه الشديد بابنه القاصر ...
التقينا عدة مرات، وتحدثنا كثيراً، وكان ريكاردو يثق بي ثقة كبيرة. وكنت أصغي إليه وأحاول أن أخفف عنه. إنه رجل بسيط جداً ذو طوية سليمة وقلب أبيض. أصبح رجل أعمال ناجحاً وجمع مالاً كثيراً من الاتجار بالخمور اللاتينية كما ذكر لي. وكان لا يفوت مناسبة إلا ويلعن الغربة ومطلقته البلجيكية واللحظة التي غير فيها اسمه من "يحيى" إلى "ريكاردو"، وكان يطلب مني بإصرار شديد أن أناديه باسمه الأصلي "يحيى"، وكان يطرب لسماعه أيما طرب!
قلت له ذات مرة: "إن مشكلة الشرقيين أنهم عاطفيون جداً"، فبكى ريكاردو بكاءً مُرّاً.
مرت الأيام ولم أر ريكاردو بعدها لأنه عاد إلى التشيلي. واليوم رنَّ جرس الهاتف وكان على الخط رجل يسلم علي بحرارة وبعربية ركيكة. تذكرت ريكاردو لكن الرجل المتحدث عرّفني بنفسه على أنه "عبدالرحمن". سألته: "عبدالرحمن مَن"؟ قال: "عبدالرحمن ريكاردو يحيى"! ألا تتذكر؟!
تحدثنا مطولاً على الهاتف، وقال لي إنه مرّ بأزمة نفسية شديدة خرج منها بدخوله في الإسلام ... وإنه غير تجارته ... وإن الله استجاب لدعائه فالتحق به ابنه الأصغر الذي أصبح بالغاً وصار يسكن معه في التشيلي ويعينه في التجارة، وإنه عاد لتوه من سورية بعروس حلبية مسلمة "من بلدياته!
قال لي إنه سيزور بلجيكا في الربيع المقبل لتصفية بعض الأمور العالقة، وإنه أحب أن يتأكد من وجودي فيها للقاء وتجديد العهد. فرحتُ لـ "عبدالرحمن ركاردو يحيى"، لأنه كان يتعذب من أجل ابنه، وفرحت له أكثر عندما قال لي إنه لم يعد يشعر بالغربة بعد المعاناة التي كان يعانيها. وكان يختم كل جملة بـ "الحمد لله حبيبي"، وكان يكررها مراراً.
غريب أمر هذه الدينا، وغريب أمر الغربة والمغتربين!
عبدالرحمن ريكاردو يحيى!
إنه رجل سرياني متخصص في بيع النبيذ التشيلي، تعرفت عليه صدفة قبل حوالي سبع سنوات من الآن في إحدى قاعات الانتظار في مدينة أنتورب. تحدثت إليه ببرودة شديدة أثناء الانتظار، لأني لم أكن وقتها مهتماً في الحديث مع أحد. إلا أنه كان يفرض الحديث عليّ بإلحاح لطيف يوحي بشعور في الوحدة قاتل. سألني: "هل أنت مغربي"؟ فقلت: "بل سوري". فتغيرت ملامح الرجل وقال لي بحماس شديد: "سوري"؟ قلت: "أجل"! فصافحني مصافحة حارة وقال لي بعربية ركيكة: "بلدياتي حبيبي بلدياتي"! وأقسم بالله العلي العظيم ليستضيفني في داره.
فذهبت معه. قال لي إن اسمه ريكاردو، وإنه سرياني من مواليد الحسكة في شمال شرق سورية، وإنه هاجر مع والديه إلى التشيلي وهو ابن سبع سنوات، وإنه عاش حوالي خمس وثلاثين سنة في التشيلي، وإنه تزوج فيها من بلجيكية خلف منها أولاداً أصبحوا شباباً، وإن الزواج انتهى إلى الطلاق "لاختلاف الطبع"، وإنه انتقل إلى بلجيكا قبل سنتين لأن مطلقته عادت إلى بلجيكا وبمعيتها ولد قاصر لهما لم يشأ أن يتخلى عنه، وإن مطلقته البلجيكية أذاقته الأمرين واستغلته إلى أبعد الحدود، وإنها كادت تدمره بسبب تعلقه الشديد بابنه القاصر ...
التقينا عدة مرات، وتحدثنا كثيراً، وكان ريكاردو يثق بي ثقة كبيرة. وكنت أصغي إليه وأحاول أن أخفف عنه. إنه رجل بسيط جداً ذو طوية سليمة وقلب أبيض. أصبح رجل أعمال ناجحاً وجمع مالاً كثيراً من الاتجار بالخمور اللاتينية كما ذكر لي. وكان لا يفوت مناسبة إلا ويلعن الغربة ومطلقته البلجيكية واللحظة التي غير فيها اسمه من "يحيى" إلى "ريكاردو"، وكان يطلب مني بإصرار شديد أن أناديه باسمه الأصلي "يحيى"، وكان يطرب لسماعه أيما طرب!
قلت له ذات مرة: "إن مشكلة الشرقيين أنهم عاطفيون جداً"، فبكى ريكاردو بكاءً مُرّاً.
مرت الأيام ولم أر ريكاردو بعدها لأنه عاد إلى التشيلي. واليوم رنَّ جرس الهاتف وكان على الخط رجل يسلم علي بحرارة وبعربية ركيكة. تذكرت ريكاردو لكن الرجل المتحدث عرّفني بنفسه على أنه "عبدالرحمن". سألته: "عبدالرحمن مَن"؟ قال: "عبدالرحمن ريكاردو يحيى"! ألا تتذكر؟!
تحدثنا مطولاً على الهاتف، وقال لي إنه مرّ بأزمة نفسية شديدة خرج منها بدخوله في الإسلام ... وإنه غير تجارته ... وإن الله استجاب لدعائه فالتحق به ابنه الأصغر الذي أصبح بالغاً وصار يسكن معه في التشيلي ويعينه في التجارة، وإنه عاد لتوه من سورية بعروس حلبية مسلمة "من بلدياته!
قال لي إنه سيزور بلجيكا في الربيع المقبل لتصفية بعض الأمور العالقة، وإنه أحب أن يتأكد من وجودي فيها للقاء وتجديد العهد. فرحتُ لـ "عبدالرحمن ركاردو يحيى"، لأنه كان يتعذب من أجل ابنه، وفرحت له أكثر عندما قال لي إنه لم يعد يشعر بالغربة بعد المعاناة التي كان يعانيها. وكان يختم كل جملة بـ "الحمد لله حبيبي"، وكان يكررها مراراً.
غريب أمر هذه الدينا، وغريب أمر الغربة والمغتربين!
تعليق