التحدي العلمي آخر تحديث:الجمعة ,30/07/2010
علي الخليلي
قبل بضعة أيام، أعلن الموقع الإلكتروني المتخصص في تصنيف الجامعات على مستوى العالم webometrics@info في إسبانيا، عن محصلة رصده لأهم الجامعات وأكثرها تقدماً في مجال الأبحاث والدراسات والتقارير والصفحات الإلكترونية، ومرتبة كل واحدة منها، خلال النصف الأول لهذا العام . وهو رصد أكاديمي يتم وفق أسس علمية دقيقة ومتطورة، كل ستة أشهر .
وكان من اللافت على الفور، في هذا الإعلان الذي يندر أن تلتفت إليه، ولكل ما يماثله أو يمثله من قِيَم أكاديمية عالية ومتميزة، غالبية وسائل إعلامنا العربية، حصول جامعة النجاح الوطنية بنابلس، كبرى مدن الضفة الغربية، على المرتبة الأولى فلسطينياً، والمرتبة الخامسة عربياً، من بين سبعمائة جامعة عربية، وعلى مرتبة 1160 من بين عشرين ألف جامعة عالمية .
تمنيت أن يتابع الخبراء والمختصون هذا الخبر الجميل، بالتحليل الواسع والمكثف على مدار أيام عدة، تأكيداً من جانبهم المنزه عن الهوى، وعن الدعاية الفارغة، على قدرة الشعب الفلسطيني المنكوب والممزق والمحاصر بالاحتلال والاستيطان، على التحدي الحضاري والعلمي، وعلى النمو والتطور، جيلاً بعد جيل، إلى درجة التفوق والمنافسة، في المواجهة الصعبة والمعقدة والمتواصلة على مدار أكثر من قرن .
وتمنيت أن يرى كل مواطن عربي، ناهيك عن الفلسطينيين أنفسهم، في هذا الإنجاز العالي والمتميز على مستويات عدة، حزمة ضوء ضخمة تخترق العتمة المدلهمة من حولهم، وتشحن روحهم المجتمعية المترنحة تحت ثقل التناقضات المتكالبة عليهم، بالفخر والكبرياء، وبالأمل القائم على قوة العمل الجدي والفكر المستنير .
ولكن الخبر بقي مع الأسف، مدحوراً إلى زوايا الهوامش الإعلامية الخافتة، وبعيداً عن أن يكون بجدارته وأهميته، متألقاً في الوعي المجتمعي الفلسطيني على وجه الخصوص، وهو محاصر بالخرائب السياسية المختنقة برمال الانقسام، وفشل المصالحة بين “فتح” و”حماس”، ومناكفات التغيير الوزاري، ومتاهة الانتقال من المفاوضات غير المباشرة، إلى المباشرة، إلخ .
اعتدنا على المستوى العام- وما أبشع الكثير من عاداتنا العامة- على الأخبار السيئة . نندفع من هرج إلى مرج، عند كل واحد منها، فلا نكاد نخلص منه، حتى نغرق في آخر . ونصمت أو نصاب بلوثة عدم الاكتراث، عند أي خبر مفرح . الفرح ليس مهنتنا، الفرح يزعجنا، ويمنع عقولنا من التفكير الجمعي، الفرح يربك مفهوم النكبة في وجداننا المعذب .
غير أن إنجاز جامعة النجاح نفسه، هو بالمقابل وفي آن، من صنع هذا المستوى ذاته . فلا بأس . ثمة تناقض في الوعي . إلا أن استمرار التفوق العلمي، سوف يحسم هذا التناقض لمصلحة الشعب الفلسطيني كله، في طريقه الطويل نحو الدولة المستقلة، ونحو المزيد من المشاركة الحضارية عربياً وعالمياً .
ولعل في ثنايا تاريخ النشوء والتطور لهذه الجامعة، ولمعظم الجامعات الفلسطينية، ما يوفر لنا معاني هذا الحسم المحتوم لشعب بأكمله، وبقضيته المصيرية، في حركة مراحل هذا التاريخ المتدرجة، عبر بضعة عقود فقط، من مجرد مبان قديمة وبسيطة لمدارس عادية، إلى ما هي عليه الآن، من صروح جامعية ضخمة تضم داخل حمى العشرات من المباني الفخمة والمختبرات والقاعات، عشرات الآلاف من الطلبة، ومئات الأكاديميين والإداريين الحائزين أعلى الدرجات العلمية في مختلف التخصصات الحديثة . وتملك وهو الأهم، إرادة التفوق الحضاري والتحدي العلمي، رغم التفوق العسكري الكاسح ل “إسرائيل” من حول، وفي كل شبر من أرض فلسطين، وهي تحاول مرحلة إثر أخرى، بأنياب ومخالب ترسانتها العسكرية الضخمة، أن تصادر هذه الإرادة، وأن تفرض عليها الموت والخراب . ولكنها فاشلة بالضرورة، ذلك بأن العلم هو السبيل إلى استحقاق الحياة . وهي في جبروتها وغطرستها، لا تفهم معنى هذا الاستحقاق .
علي الخليلي
قبل بضعة أيام، أعلن الموقع الإلكتروني المتخصص في تصنيف الجامعات على مستوى العالم webometrics@info في إسبانيا، عن محصلة رصده لأهم الجامعات وأكثرها تقدماً في مجال الأبحاث والدراسات والتقارير والصفحات الإلكترونية، ومرتبة كل واحدة منها، خلال النصف الأول لهذا العام . وهو رصد أكاديمي يتم وفق أسس علمية دقيقة ومتطورة، كل ستة أشهر .
وكان من اللافت على الفور، في هذا الإعلان الذي يندر أن تلتفت إليه، ولكل ما يماثله أو يمثله من قِيَم أكاديمية عالية ومتميزة، غالبية وسائل إعلامنا العربية، حصول جامعة النجاح الوطنية بنابلس، كبرى مدن الضفة الغربية، على المرتبة الأولى فلسطينياً، والمرتبة الخامسة عربياً، من بين سبعمائة جامعة عربية، وعلى مرتبة 1160 من بين عشرين ألف جامعة عالمية .
تمنيت أن يتابع الخبراء والمختصون هذا الخبر الجميل، بالتحليل الواسع والمكثف على مدار أيام عدة، تأكيداً من جانبهم المنزه عن الهوى، وعن الدعاية الفارغة، على قدرة الشعب الفلسطيني المنكوب والممزق والمحاصر بالاحتلال والاستيطان، على التحدي الحضاري والعلمي، وعلى النمو والتطور، جيلاً بعد جيل، إلى درجة التفوق والمنافسة، في المواجهة الصعبة والمعقدة والمتواصلة على مدار أكثر من قرن .
وتمنيت أن يرى كل مواطن عربي، ناهيك عن الفلسطينيين أنفسهم، في هذا الإنجاز العالي والمتميز على مستويات عدة، حزمة ضوء ضخمة تخترق العتمة المدلهمة من حولهم، وتشحن روحهم المجتمعية المترنحة تحت ثقل التناقضات المتكالبة عليهم، بالفخر والكبرياء، وبالأمل القائم على قوة العمل الجدي والفكر المستنير .
ولكن الخبر بقي مع الأسف، مدحوراً إلى زوايا الهوامش الإعلامية الخافتة، وبعيداً عن أن يكون بجدارته وأهميته، متألقاً في الوعي المجتمعي الفلسطيني على وجه الخصوص، وهو محاصر بالخرائب السياسية المختنقة برمال الانقسام، وفشل المصالحة بين “فتح” و”حماس”، ومناكفات التغيير الوزاري، ومتاهة الانتقال من المفاوضات غير المباشرة، إلى المباشرة، إلخ .
اعتدنا على المستوى العام- وما أبشع الكثير من عاداتنا العامة- على الأخبار السيئة . نندفع من هرج إلى مرج، عند كل واحد منها، فلا نكاد نخلص منه، حتى نغرق في آخر . ونصمت أو نصاب بلوثة عدم الاكتراث، عند أي خبر مفرح . الفرح ليس مهنتنا، الفرح يزعجنا، ويمنع عقولنا من التفكير الجمعي، الفرح يربك مفهوم النكبة في وجداننا المعذب .
غير أن إنجاز جامعة النجاح نفسه، هو بالمقابل وفي آن، من صنع هذا المستوى ذاته . فلا بأس . ثمة تناقض في الوعي . إلا أن استمرار التفوق العلمي، سوف يحسم هذا التناقض لمصلحة الشعب الفلسطيني كله، في طريقه الطويل نحو الدولة المستقلة، ونحو المزيد من المشاركة الحضارية عربياً وعالمياً .
ولعل في ثنايا تاريخ النشوء والتطور لهذه الجامعة، ولمعظم الجامعات الفلسطينية، ما يوفر لنا معاني هذا الحسم المحتوم لشعب بأكمله، وبقضيته المصيرية، في حركة مراحل هذا التاريخ المتدرجة، عبر بضعة عقود فقط، من مجرد مبان قديمة وبسيطة لمدارس عادية، إلى ما هي عليه الآن، من صروح جامعية ضخمة تضم داخل حمى العشرات من المباني الفخمة والمختبرات والقاعات، عشرات الآلاف من الطلبة، ومئات الأكاديميين والإداريين الحائزين أعلى الدرجات العلمية في مختلف التخصصات الحديثة . وتملك وهو الأهم، إرادة التفوق الحضاري والتحدي العلمي، رغم التفوق العسكري الكاسح ل “إسرائيل” من حول، وفي كل شبر من أرض فلسطين، وهي تحاول مرحلة إثر أخرى، بأنياب ومخالب ترسانتها العسكرية الضخمة، أن تصادر هذه الإرادة، وأن تفرض عليها الموت والخراب . ولكنها فاشلة بالضرورة، ذلك بأن العلم هو السبيل إلى استحقاق الحياة . وهي في جبروتها وغطرستها، لا تفهم معنى هذا الاستحقاق .
تعليق