كل من عليها فان

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرحمن السليمان
    عضو مؤسس، أستاذ جامعي
    • May 2006
    • 5732

    كل من عليها فان

    [align=justify]اتصلت بي الشرطة هذا المساء بخصوص وفاة شخص كتب في بطاقته الحمراء (وهي بطاقة توضع في المحفظة تحتوي على أسماء أشخاص وبيانات الاتصال بهم عند الضرورة القصوى) اسمي ورقم هاتفي، فأنكرته. ثم اتصلت الشرطة بي ثانية فأنكرت معرفتي بالشخص وبعنوانه. ثم اتصل بي شخص من معارفي يقول لي: "إن فلانا توفي وقد أوصى بأن نعلمك بذلك".

    تذكرت المرحوم وانطلقت على الفور إلى مكان سكنه حيث الطبيب الشرعي بصحبة الشرطة ينظر في الجثة المتفسخة. لم يسمحوا لنا بالدخول. وبعد ساعة أثبت الطبيب أن الموت طبيعي، وقالت لنا الشرطة إنه بمقدورنا أن ندفنه ابتداء من عصر يوم الغد الأربعاء 19 تموز/يوليو.

    بلغ المرحوم ــ وهو سوري مقيم في هذه البلاد منذ نصف قرن تقريبا ــ الثامنة والسبعين من العمر. وكان ميسور الحال، وكان مشهورا بالبخل وتجنب الناس وسوء الظن بهم .. وقد حال بخله دون زواجه وإنجابه .. ومعرفتي به قديمة لكن سطحية، ولم أره منذ عشر سنوات، إلا أن مجلسا في شهر شباط فبراير من هذه السنة ضمني به لساعة من الزمان، وكان يبدو مرهقا، فعرضت عليه المساعدة، وشكرني بلسان معسول.

    توفي المرحوم منذ حوالي أسبوعين ونصف حسب التقدير، ولم يدر به أحد. إلا أن سوريا يطمئن إليه كان يطل عليه مرة أومرتين في الشهر، لاحظ عدم رده على الهاتف وعدم فتحه باب المنزل للطارق، فقرر الاتصال بالشرطة بعد انتظار طال. وصدق حدسه.

    نصحت المرحوم مرارا وتكرارا بالزواج والإنجاب لكنه لم يفعل. وليس له أقارب معروفون. وقد قضينا وقتا في البحث عن أقارب له كي نستشيرهم في مكان الدفن: في بلجيكا أم في سوريا، ولم نجد. والأمل الوحيد هو سماح المحكمة لنا بدخول منزله كي نطلع على دفتر أرقام الهاتف علنا نجد رقم هاتف قريب له نتصل به ونستشيره في مكان الدفن.

    ترك المرحوم أملاكا كثيرة قاطع كل الناس "خشية من طمعهم" فيه وفي أملاكه، وتعهدها بالرعاية التامة ومات دون أن يتمتع بها لأنه كان مقترا على نفسه أيضا .. وهكذا جمع طوال حياته مالا سيصير بأكمله إلى خزينة الدولة البلجيكية لعدم وجود ورثة شرعيين له.

    عدت الآن إلى داري وأنا أتأمل في حال هذه الدنيا، وصدى صوت المؤذن الحموي الذي لا تزال ذاكرتي تختزنه منذ أكثر من ثلاثين سنة، لا يزال يردد وهو ينعي المتوفين من على المئذنة: (كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام).

    [/align]
  • ahmed_allaithy
    رئيس الجمعية
    • May 2006
    • 4026

    #2
    سبحان الله يا دكتور. من يكنز ولا ينفق في سبيل الله يعيش عيشة الفقير ويحاسب حساب الأغنياء. والفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بثلاثمئة سنة.
    أسأل الله أن يحفظنا وإياكم من هول يوم تبيض فيه وجوه وتسود وجوه.
    د. أحـمـد اللَّيثـي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

    تعليق

    • alshamali
      عضو منتسب
      • May 2006
      • 192

      #3
      رحمه الله وتجاوز عن سيئاته ، الغربة كربة يادكتور ..
      ربما هناك أناس يبكون عليه الآن لأنه لايقرب لهم !!
      تحيتي واشتقنا لك ..
      أحمد الغنام
      http://www.dhifaaf.com/vb
      شبكة ضفاف لعلوم اللغة العربية

      تعليق

      • عبدالرحمن السليمان
        عضو مؤسس، أستاذ جامعي
        • May 2006
        • 5732

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة ahmed_allaithy
        سبحان الله يا دكتور. من يكنز ولا ينفق في سبيل الله يعيش عيشة الفقير ويحاسب حساب الأغنياء. والفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بثلاثمئة سنة.
        أسأل الله أن يحفظنا وإياكم من هول يوم تبيض فيه وجوه وتسود وجوه.

        [align=justify]اللهم آمين.

        وناهيك بذلك سوء تصرف أخي الدكتور أحمد. وشخصيا بت أقتنع أن الإقتار والبخل مرض مثله مثل السل والسرطان، لا حيلة للمبتلى به عليه .. وإلا فما تفسير أن أجمع طوال حياتي - على سبيل المثال - عشرة ملايين دولار، لا أنفق منها ألفا على ملبسي ومأكلي، ولا أتزوج ولا أنجب خشية من الإنفاق، ولا أخالط مخلوقا خشية من أن أضطر إلى دعوته إلى تناول فنجان قهوة يكلفني دولارين، ثم تصير هذه الملايين كلها إلى خزينة الدولة بعد مماتي لأنه لا وارث لي؟ ومن حسن الحظ أن دولا مثل بلجيكا ليس فيها فساد مالي أو إداري يعني أن المال الذي يصير إلى خزينتها تنفقه في النفع العام اي على المستشفيات والمدارس والطرقات والحدائق والفقراء والعجزة والعاطلين عن العمل، وهذا أفضل من حبسه في المصارف.

        نسأل الله لنا ولك العافية وحسن الخاتمة. [/align]

        تعليق

        • عبدالرحمن السليمان
          عضو مؤسس، أستاذ جامعي
          • May 2006
          • 5732

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة alshamali
          رحمه الله وتجاوز عن سيئاته ، الغربة كربة يادكتور ..
          ربما هناك أناس يبكون عليه الآن لأنه لايقرب لهم !!
          تحيتي واشتقنا لك ..
          [align=justify]
          أخي الحبيب أبا تسنيم،

          كيف حالك؟ والله أنا مشتاق إليك، وعسى أن نتحدث هذا المساء إن شاء الله.

          نعم والله بكينا عليه وعلى مصابه. حزنت حزنا شديدا عليه. ولا يزال المرحوم في ثلاجة المستشفى ولن نتمكن من دفنه إلا منتصف الأسبوع المقبل. ومشاكل الدفن الإدارية لغير المؤمنين على ذلك، أي لمن ليس له عقد تأمين الدفن، كثيرة جدا. وقد أوصى المرحوم أن يدفن في بلجيكا. ويبدو أنه لم يتعاقد مع شركة تأمين على ذلك، ولم يحضر الأمر، وهذا يعني إجراء إداريا مكلفا (من أربعة إلى خمسة آلاف دولار).

          وللمسلمين مقابر مخصوصة بهم في مدائن بلجيكا لكنها ليست مجانية وأجرة القبر فيها حوالي ألف دولار لمدة خمس وعشرين سنة. أما الدفن مع عامة الناس (أي مع غير المسلمين) فبالمجان! وتفسير ذلك أن الأستاذ نابلبون بونابرت عندما غزا بلجيكا وغيرها أصدر فرمانا بتوحيد المقابر ودفن الكاثوليكي والبروتستانتي واليهودي والملحد فيها دونما تمييز .. أما من يريد أن يدفن لوحده (مثل أغنياء الكاثوليك والبروتستانت واليهود)، فعيلهم أن يدفعوا أجرا للدولة! ولا يزال هذا القانون قائما حتى الساعة، وقد انضم المسلمون إلى قائمة الذين يدفعون لأن الدفن مع عامة الناس غير جائز في الدين. ومن الجدير بالذكر أن المقبرة الإسلامية الأولى في مدينة أنتورب ــ حيث أسكن ــ قد امتلأت، وقد تم تخصيص مقبرة ثانية كي تتسع لموتى المسلمين في هذه البلاد. والمسلمون الذين يدفنون في بلجيكا هم المسلمون البلجيكيون الذين دخلوا في الإسلام، والمغاربة والأتراك المتزوجون من بلجيكيات ذلك لأن أبناءهم يفضلون دفنهم في بلجيكا، و"المقطوعون من شجرة" كما يقال أي الذين لا يعرف لهم أصل ولا فصل وليس لهم أولاد أو ورثة يقررون أين يدفنون وكيف يدفنون، ثم المشنططون في أرض الله الواسعة ــ شرواكم وشروانا

          نسأل الله لنا ولكم العافية وحسن الختام.
          [/align]

          تعليق

          يعمل...