[align=justify]اتصلت بي الشرطة هذا المساء بخصوص وفاة شخص كتب في بطاقته الحمراء (وهي بطاقة توضع في المحفظة تحتوي على أسماء أشخاص وبيانات الاتصال بهم عند الضرورة القصوى) اسمي ورقم هاتفي، فأنكرته. ثم اتصلت الشرطة بي ثانية فأنكرت معرفتي بالشخص وبعنوانه. ثم اتصل بي شخص من معارفي يقول لي: "إن فلانا توفي وقد أوصى بأن نعلمك بذلك".
تذكرت المرحوم وانطلقت على الفور إلى مكان سكنه حيث الطبيب الشرعي بصحبة الشرطة ينظر في الجثة المتفسخة. لم يسمحوا لنا بالدخول. وبعد ساعة أثبت الطبيب أن الموت طبيعي، وقالت لنا الشرطة إنه بمقدورنا أن ندفنه ابتداء من عصر يوم الغد الأربعاء 19 تموز/يوليو.
بلغ المرحوم ــ وهو سوري مقيم في هذه البلاد منذ نصف قرن تقريبا ــ الثامنة والسبعين من العمر. وكان ميسور الحال، وكان مشهورا بالبخل وتجنب الناس وسوء الظن بهم .. وقد حال بخله دون زواجه وإنجابه .. ومعرفتي به قديمة لكن سطحية، ولم أره منذ عشر سنوات، إلا أن مجلسا في شهر شباط فبراير من هذه السنة ضمني به لساعة من الزمان، وكان يبدو مرهقا، فعرضت عليه المساعدة، وشكرني بلسان معسول.
توفي المرحوم منذ حوالي أسبوعين ونصف حسب التقدير، ولم يدر به أحد. إلا أن سوريا يطمئن إليه كان يطل عليه مرة أومرتين في الشهر، لاحظ عدم رده على الهاتف وعدم فتحه باب المنزل للطارق، فقرر الاتصال بالشرطة بعد انتظار طال. وصدق حدسه.
نصحت المرحوم مرارا وتكرارا بالزواج والإنجاب لكنه لم يفعل. وليس له أقارب معروفون. وقد قضينا وقتا في البحث عن أقارب له كي نستشيرهم في مكان الدفن: في بلجيكا أم في سوريا، ولم نجد. والأمل الوحيد هو سماح المحكمة لنا بدخول منزله كي نطلع على دفتر أرقام الهاتف علنا نجد رقم هاتف قريب له نتصل به ونستشيره في مكان الدفن.
ترك المرحوم أملاكا كثيرة قاطع كل الناس "خشية من طمعهم" فيه وفي أملاكه، وتعهدها بالرعاية التامة ومات دون أن يتمتع بها لأنه كان مقترا على نفسه أيضا .. وهكذا جمع طوال حياته مالا سيصير بأكمله إلى خزينة الدولة البلجيكية لعدم وجود ورثة شرعيين له.
عدت الآن إلى داري وأنا أتأمل في حال هذه الدنيا، وصدى صوت المؤذن الحموي الذي لا تزال ذاكرتي تختزنه منذ أكثر من ثلاثين سنة، لا يزال يردد وهو ينعي المتوفين من على المئذنة: (كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام).
[/align]
تذكرت المرحوم وانطلقت على الفور إلى مكان سكنه حيث الطبيب الشرعي بصحبة الشرطة ينظر في الجثة المتفسخة. لم يسمحوا لنا بالدخول. وبعد ساعة أثبت الطبيب أن الموت طبيعي، وقالت لنا الشرطة إنه بمقدورنا أن ندفنه ابتداء من عصر يوم الغد الأربعاء 19 تموز/يوليو.
بلغ المرحوم ــ وهو سوري مقيم في هذه البلاد منذ نصف قرن تقريبا ــ الثامنة والسبعين من العمر. وكان ميسور الحال، وكان مشهورا بالبخل وتجنب الناس وسوء الظن بهم .. وقد حال بخله دون زواجه وإنجابه .. ومعرفتي به قديمة لكن سطحية، ولم أره منذ عشر سنوات، إلا أن مجلسا في شهر شباط فبراير من هذه السنة ضمني به لساعة من الزمان، وكان يبدو مرهقا، فعرضت عليه المساعدة، وشكرني بلسان معسول.
توفي المرحوم منذ حوالي أسبوعين ونصف حسب التقدير، ولم يدر به أحد. إلا أن سوريا يطمئن إليه كان يطل عليه مرة أومرتين في الشهر، لاحظ عدم رده على الهاتف وعدم فتحه باب المنزل للطارق، فقرر الاتصال بالشرطة بعد انتظار طال. وصدق حدسه.
نصحت المرحوم مرارا وتكرارا بالزواج والإنجاب لكنه لم يفعل. وليس له أقارب معروفون. وقد قضينا وقتا في البحث عن أقارب له كي نستشيرهم في مكان الدفن: في بلجيكا أم في سوريا، ولم نجد. والأمل الوحيد هو سماح المحكمة لنا بدخول منزله كي نطلع على دفتر أرقام الهاتف علنا نجد رقم هاتف قريب له نتصل به ونستشيره في مكان الدفن.
ترك المرحوم أملاكا كثيرة قاطع كل الناس "خشية من طمعهم" فيه وفي أملاكه، وتعهدها بالرعاية التامة ومات دون أن يتمتع بها لأنه كان مقترا على نفسه أيضا .. وهكذا جمع طوال حياته مالا سيصير بأكمله إلى خزينة الدولة البلجيكية لعدم وجود ورثة شرعيين له.
عدت الآن إلى داري وأنا أتأمل في حال هذه الدنيا، وصدى صوت المؤذن الحموي الذي لا تزال ذاكرتي تختزنه منذ أكثر من ثلاثين سنة، لا يزال يردد وهو ينعي المتوفين من على المئذنة: (كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام).
[/align]
تعليق