الأفاضل الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سألني أحد الزملاء الأفاضل رأيي المتواضع في المقال الوارد أسفله، والذي أحزنني حزنا شديدا جدا، فلم أجد (في الوقت الراهن) أفضل من أن أنشره في مختلِف المنتديات لمناقشته حتى تعمّ الفائدة، راجيا أن يقرأه بعض أولي الأمر وأهل الحل والعقد فيتخذوا ما يلزم من إجراءات، ونحن إن شاء الله وراءهم لخدمة لغتنا الحبيبة والذود عن حماها. واسمحوا لي في هذا الصدد بأن أردد ما قاله صاحب المقال:
"ما دفعنا للكتابة هنا إلا الحمية لهذه الأمة وهذا الدين ولا نحمل ضغناً ولا حقداً لأحد، ولا تنقصنا وظيفة أو راتب".
والآن، إليكم نص المقال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سألني أحد الزملاء الأفاضل رأيي المتواضع في المقال الوارد أسفله، والذي أحزنني حزنا شديدا جدا، فلم أجد (في الوقت الراهن) أفضل من أن أنشره في مختلِف المنتديات لمناقشته حتى تعمّ الفائدة، راجيا أن يقرأه بعض أولي الأمر وأهل الحل والعقد فيتخذوا ما يلزم من إجراءات، ونحن إن شاء الله وراءهم لخدمة لغتنا الحبيبة والذود عن حماها. واسمحوا لي في هذا الصدد بأن أردد ما قاله صاحب المقال:
"ما دفعنا للكتابة هنا إلا الحمية لهذه الأمة وهذا الدين ولا نحمل ضغناً ولا حقداً لأحد، ولا تنقصنا وظيفة أو راتب".
والآن، إليكم نص المقال:
مصيبة مشاريع الترجمة الحديثة
و الله ما دفعنا للكتابة هنا إلا الحمية لهذه الأمة وهذا الدين و لا نحمل ضغناً ولا حقداً لأحد، ولا تنقصنا وظيفة أو راتب هنا أو هناك. كل ما يحز فى نفسى أن أجد أموالاً ضخمة، بجد ضخمة، أوقفها أناس أغنياء لنهضة الأمة علمياً ولترجمة ما تحتاجه الأمة، و تولاها آخرون ووضعوها فى أيدي مستشارين أغراب لا يحملون لهذه الأمة إلا كل حقد و تعصب، أو سلموها لمديرين عرب فارغي الرؤوس قاصري النظر، لا يعلمون ما هي مصيبة الأمة العربية المسلمة التي أوشك نجمها على الأفول. ألا وهي انتشار الجهل بالعلوم الحديثة وعدم توطنها فى أرض المسلمين والعرب، ولهذا أسباب كثيرة أهمها التنكر والازدراء للغة العلم العربية ومحاربة تعريب العلوم، يقوم بذلك الصديق الجاهل ويساعده العدو الماكر ويلفقون الأقوال بقصوراللغة العربية عن مجاراة العلوم الحديثة: الحمقى يريدون إقناعنا أن اللغة التي وعت كلام الله عز و جل وسنة رسوله قاصرة عن استيعاب اسم ماكينة أوظاهرة علمية.
نحتاج إلى حركة ترجمة ضخمة لا تتناول إلا كتب العلوم التجريبية والطبيعية كالطب والهندسة والصيدلة والعلوم والزراعة، وتقتصر على هذه العلوم و لا تتجاوزها أبداً، فالنقص والعجز فى هذه العلوم دون غيرها. ولكن انظر ماذا تترجم مشاريع الترجمة الحديثة لنا؟ لا هم لهذه المشاريع إلا الكتب الثقافية وإدارة الأعمال والأدب والروايات وعلم النفس وكتب تبسيط العلوم الغير مفيدة على الإطلاق. الجزء الخاص بالترجمة فى مبادرة الشيخ محمد بن راشد لدعم البحث العلمي والترجمة والمشروع القومي للترجمة فى مصر وكذلك كتب المنظمة العربية للترجمة لا يتناول إلا الكتب الفارغة المضمون، فما هذه البرامج إلا استنزاف مدروس ومبرمج لأموال العرب والأموال الموقوفة لنهضة الأمة. فى باب العلوم والتكنولوجيا تجد معظم الكتب المترجمة تتحدث عن تاريخ الرياضيات والعلوم والطب عند العرب!!! ولا يوجد كتاب واحد يتناول العلوم الحديثة الحقيقية. وأفضل من كل هذه المشاريع جميعا المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق فهو بحق منارة للعلوم الحقيقية باللغة العربية إلا أنه قليل الموارد، شحيح التمويل، فلماذا لا تدعمه مبادرة الشيخ محمد بن راشد مثلاً وموقوف لها 10مليارات دولار؟ لا أظنها ولا مستشاريها تدعم أبداً مثل هذا الجهد المخلص لتعريب العلوم، لأنه جهد حقيقى لنهضة الأمة.
لا أشك أبداً أن كل هذه المشاريع الدعائية يقودها بشكل أو بآخر أهل الغرب ويتحكمون فى كل مجالاتها. كما ظهر منذ فترة مشروع كلمة للترجمة فى أبو ظبي وقالوا إنه أضخم مشروع ترجمة عربي فى العصر الحديث، و عندما تصفحت موقع المشروع وجدت كل المستشارين والمديرين للمشروع أمريكان و إنجليز وعناوينهم وبريدهم ما زال فى أمريكا و أوروبا، فهل يسعى هؤلاء إلى ترجمة ما ينفع العرب و المسلمين؟ كلا والله كلا، والعكس هو الصحيح والدليل هو الكتب التى ترجموها، فكلها كتب فاضية لا قيمة لها ولا مردود.
وهنا أجزم أن النكبة التي يعانيها العرب المسلمون في هذا العصر- وهم لا يعلمون- هي اسبعاد اللغة العربية من العلوم الحديثة: الطب والهندسة والعلوم والزراعة، واستبدالها بالانجليزية والفرنسية. فبَعُد العلم عن الناس و شح، ففشا فينا الجهل وأصبحنا في ذيل الأمم. ولو تدبرنا كل نكباتنا في هذا العصر لوجدنا مصدرها هو نفس هذه العلة. ولكي أدلل على هذاالقول أذكر قصة قصيرة حدثت منذ عامين (1427هـ).
كنت جالسا في مكتبي في أحد الجامعات المصرية، فدخل علي رجل مسن وسألني عن الأستاذ فلان – أستاذي الذي أشاركه في الحجرة – وألح فى السؤال، فسألته عن حاجته لعلي أستطيع مساعدته. فقال إنه يُدرس مقرراً في أحد المعاهد التكنولوجية العليا أو الفوق-متوسطة، لا أذكر بالتحديد، والمقرر الذي يدرسه للطلبة يتناول المعالجات الحرارية للصلب (الفولاذ) والسبائك الفلزية الأخرى، وهو يريد نسخة من كتاب قد ترجمه أستاذي فى السبعينيات من اللغة الروسية إلى اللغة العربية ليستعين به فى التدريس. فسألته ولكن هذا كتاب قديم مر عليه أكثر من ثلاثين عام، و المعلومات المذكورة فيه لا بد قديمة أو على الأقل يوجد ما هو أفضل وأحدث منها الآن، فلماذا هذا الكتاب؟ فقال المهندس العجوز إنه لا يوجد كتب باللغة العربية في هذا المجال التكنولوجي الهام إلا هذا الكتاب القديم. فأحسست بصدمة شديدة ورحت أراجع ذاكرتي عن هذا الموضوع وتذكرت أن كل المهندسين الذين رأيتهم فى المصانع والشركات المهتمة بهذا المجال لا يستخدمون إلا نفس الكتاب كمصدر رئيسي للمعلومات حتى الآن. و أخذت أفكر أن في مصر وحدها عشرات الأساتذة ومئات المهندسين المتخصصين فى هذا المجال تحديداً وفي بقية العرب مئات أخرى من المتخصصين عاشوا على مر هذه الثلاثين سنة الماضية، و لم يفكر واحد منهم على تأليف أوترجمة كتاب في هذا المجال الصناعي الهام، من منعهم؟ وكيف؟ و رحت أتقصى الحال في بقية المجالات الهندسية والعلوم والطب ووجدت نفس الحال. كيف يرتقي المجتمع والحال كذلك بدون العلم الحديث؟ ورحت أدقق لماذا لا يقرأ هؤلاء الناس و المهندسون كتباً باللغة الإنجليزية مثلاً، فأتاني الجواب الأكيد أن هذا أمر صعب أو مستحيل فهناك عائق هام اسمه اللغة، من من المهندسين أو المتحصصين أو الفنيين البسطاء يجيد اللغة الإنجليزية حتى يقرأ بها كتب العلم؟ و إن وجد من يستطيع أن يقرأ بالإنجليزية، فأين الكتب الحديثة و المتخصصة، هذه الكتب لا تتوفر حتى في مكتبات أكبر الجامعات العربية، فكيف يكون الحال في مصنع أو ورشة أو معمل صغير. فمثلا لا يوجد فى موضوع "المعالجات الحرارية للصلب (الفولاذ)" السابق ذكره إلا كتاب إنجليزي واحد حديث (2000م) في مكتبة كلية الهندسة جامعة القاهرة، وهذا الكتاب ممنوع استعارته خارج المكتبة، لأنه النسخة الوحيدة هناك!!! ولهذا شح العلم ولم يتوطن في أرضنا وفشا الجهل في مجتمعاتنا العربية.
لقد أقمنا نحن العرب وعلى رأسهم مصر نظاماً حرم العلم على الناس وحصره فى قلة من المتخصصين والأساتذة، ضنت هي بدورها وبخلت على الأمة بعلمها ولم تقم بواجبها في نشر العلم وتعريبه كما ينبغي. يحمل أساتذتنا في كل التخصصات العلمية، هم ومن حملهم على هذا الجرم سواءً بسواء هذه المسئولية أمام الله عز وجل وسنحمل نحن نفس الأمانة ونحاسب عليها. فهل نقوم بواجنا الآن فىيتعريب العلوم؟
و سألت دكاترة مهندسين مسلمين من دول كبيرة أخرى مثل أندونسيا وتركيا فوصفوا لي نفس الأحوال والظروف، فأيقنت أن الكارثة الحقيقية والنكبة الكبرى للعرب المسلمين الآن هي تعريب العلوم وكذلك لباقي شعوب المسلمين الذين تكاسلوا في نقل العلوم إلى لغاتهم، فأصبحت أمة الإسلام كالبؤساء والشحاذين على موائد اللئام في مجالات العلم والتكنولوجيا.
تعريب العلوم وتوطينها أمر يحتاج إلى جهود ضخمة -و لكنها ليست بالمستحيلة- وأموال ضخمة يعز الحصول عليها في أمة فقدت بوصلتها وأولوياتها. وعند توفر الأموال، كما في مشاريع الترجمة السابق ذكرها، توضع تحت أيدي الجهال من العرب والخبثاء من الغربيين أعداء الأمة، فيبددونها ويبعثرونها في ما لا ينفع ولا يجدي. لهذا كتبنا تعليقاتنا هنا حتى يفيق العرب ويسندوا الأمر إلى أهله. لا بد أن يدير هذه الأموال الموقوفة لنهضة الأمة وأن يقتصر إنفاقها على رأي ومشورة الأساتذة العرب الشرفاء المخلصين المهتمين بالتعريب، في مجالات الهندسة والطب والعلوم والزراعة. والله من وراء القصد. اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
فما رأيكم العملي دام فضلكم؟
المصدر:
http://blog.marefa.org/node/73
تعليق