في سبيل الجبن - رواية مترجمة

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ahmed_allaithy
    رئيس الجمعية
    • May 2006
    • 4026

    في سبيل الجبن - رواية مترجمة

    صدر لي هذا الشهر (مايو 2018) ترجمتي لرواية Kaas (الجبن) للروائي البلجيكي ويلم إلشخوت، تحت عنوان (في سبيل الجبن). يطلب الكتاب من وكالة سفنكس للترجمة والنشر

    يطلب الكتاب من

    كالة سفنكس للترجمة والنشر والتوزيع
    7 شارع معروف - الدور السابع
    وسط البلد - القاهرة
    ت: 5682-975-02-002
    موبايل: 01068801545

    الشخصيـات
    فرانس لارمانس: موظف في شركة البحرية العامة وبناء السفن، ثم رجل أعمال، ثم موظف مرة أخرى.
    أم لارمانس: (سيدة طاعنة في السن، تعاني من الخرف، وتموت).
    الدكتور لارمانس: أخو فرانس.
    السيد ڤان شخونبيكه: صديق الدكتور لارمانس، وسبب جميع المشاكل.
    هورنسترا: تاجر أجبان من أمستردام
    فاين: زوجة فرانس لارمانس
    جان وإيدا: ابن لارمانس وفاين وابنتهما
    السيدة پيترز: جارة مصابة بمرض الصفراء
    هامِر: رئيس المحاسبين في شركة البحرية العامة
    آنا ڤان دِر تاك، تال، إرفورت، بارتِروته: موظفون في شركة البحرية العامة
    بورمان: استشاري في الأعمال التجارية
    پايت العجوز: سائق مركبة في شركة البحرية العامة
    ڤان دِر زيجپِن: يريد أن يصبح شريكًا لفرانس لارمانس
    أصدقاء ڤان شخونبيكه


    الفصـل الأوَّل
    أخيرًا سنحتْ ليَ الفرصةُ لأنْ أكتبَ إليك ثانيةً، وأَوَدُّ أنْ أخبرَك عن تلك الأشياءِ الكبرى التي تُوشِك أن تحدثَ، وكلُّها بسببِ ما فعله السيدُ ڤان شخونبيكه.
    ولكن ينبغي أن أخبرَك أوَّلًا أن أُمِّـي قد ماتَتْ.
    كان هذا أمرًا بغيضًا بكل تأكيدٍ -ليس لها فقط- بل ولأَخَوَاتي أيضًا؛ ذلك أنَّ سهرَهُنَّ عليها كادَ أن يفتكَ بهنَّ.
    كانت أُمُّنَا عجوزًا، طاعنةً في السن، وإنْ كنتُ لا أذكرُ عمرَها بدقةٍ. ولكنها لم تكن مريضةً بالمعنى الحقيقيِّ للمرضِ، وإنما عمَّ الضعفُ والوهنُ جسدَها كلَّه.
    أما أختي الكبرى -التي كانت تعيشُ معها- فكانت تعامِلُها معاملةً كريمةً؛ فتغمسُ لها الخبزَ في اللبن، وتتأكدُ من ذهابها للحمَّام، وتعطيها البطاطسَ لتقشيرها لتُشْغِلَها بعمل شيءٍ ما يدفعُ عنها المللَ. وكانت أُمُّنَا تقشِّرُ وتقشِّرُ كما لو كان عليها أن تُطعمَ جيشًا بأكمله. وكنا جميعًا نأخذُ البطاطسَ إلى بيتِ أختي كي تقشرَها لنا، بل وكانت تقشر بطاطسَ جارتنا التي تسكنُ في الدورِ العُلْوِيِّ، ومعها بطاطسُ جاراتٍ أخرياتٍ. والسببُ في هذا أنهن حاولن -ذاتَ مرةٍ- أن يعطوها دَلوًا من البطاطسِ المقشرةِ لتُعيدَ تقشيرَها من جديدٍ حين كان مخزونُ البطاطسِ قليلًا، ولكنها انتبهتْ إلى هذا وقالتْ: "هذه البطاطسُ مُقَشَّرَةٌ بالفعلِ".
    وَلَمَّا لم تستطعْ أنْ تقشِّرَ أكثرَ من هذا -بعدَ فقدِها القدرةَ على التحكمِ في تناسقِ عملِ يديْها، وضعفِ بصرِها- أعطتْها أختي كُتَلًا من الصوفِ والأليافِ المضغوطةِ من كثرةِ النومِ عليها لتفصلَها نتفًا عن بعضِها بعضًا. ونتجَ عن هذا غبارٌ كثيرٌ حتى أنَّ الزَّغَبَ كان يغطي أُمَّنَا من رأسِها إلى أخمصِ قدميْها.
    واستمرت هذه الحالُ فترةً طويلةً، ليلًا ونهارًا: ما بين نعاسٍ ونتفٍ، ثم نعاسٍ ونتفٍ، وهكذا. ومن وقتٍ إلى آخرَ كان يفصلُ بين النتفِ والنُّعاسِ ابتسامةٌ، لا يعلمُ إلا الله لمن كانت.
    ولم تستطعْ أن تتذكرَ شيئًا عن أبي، الذي لم تمر على وفاتِه سوى خمسُ سنواتٍ، رغم أنهما أنجبا تسعةَ أطفالٍ معًا.
    وحين كنتُ أذهبُ لزيارتها كنتُ أتحدثُ عنه بين الفينةِ والأخرى محاولًا أن أضيفَ إلى حياتِها ومضةً من الذكريات.
    وكنتُ أسألُها إذا كانت بالفعلِ لم تعدْ تذكر ُكريس (فقد كان هذا هو اسمُه).
    كانت تبذلُ جهدًا كبيرًا في متابعةِ ما أقولُه لها. وبدا منها أنها مدركةٌ لحاجتِها أن تفهمَ ما كنتُ أخبرُها به، فكانت تميلُ إلى الأمامِ وهي جالسةٌ على كرسيِّها، وتحدِّقُ فيَّ، وعلى وجهِها علاماتُ التركيزِ الشديد، وتبرُزُ من عارضتيْها العروقُ، كما لو كانت مصباحًا يوشكُ على الانفجارِ.
    ثم لا تلبثُ أن تنطفئَ تلك الومضةُ من جديدٍ لتبتسمَ لك ابتسامةً تنفذُ من خلالِك. وإذا ما ضَغَطْتُ عليها كي تقدحَ زنادَ فكرِها بعضَ الشيءِ كانت تُصابُ بالفزعِ.
    ولم يعدْ للماضي وجودٌ بالنسبةِ لها. لم يكنْ هناك كريس ولا الأولادُ. كل ما بقيَ هو نتفُ الأليافِ.
    ولكن ظلَّ شيءٌ واحدٌ باقيًا في ذهنِها، وهو أنها لم تدفعْ بعدُ القسطَ الأخيرَ من الرهنِ العقاريِّ على واحدٍ من بيوتها! فهل كانت تحاولُ جاهدةً أن تجمعَ ذاك القدر القليل المتبقي من المال قبل رحيلِها؟
    وكانت أختي -عافاها اللهُ- تتحدثُ عنها في وجودِها بضميرِ الغائبِ؛ فتقول "لقد أصابتني بالضجرِ اليومَ".
    وبعد أن فقدتْ أمُّنا قدرتَها على النتف، كانت تجلُس واضعةً يديْها الزرقاوين الملتويتين متوازيتين على ركبتيها، أو تضطجعُ على كرسيِّها لساعاتٍ طويلةٍ كمن فقدَ القدرةَ على التوقف عن النتف. وأضحت لا تعرفُ الأمسَ من الغدِ؛ إذ أصبح كلاهما بالنسبة لها يعني وقتًا "غير الآن". فهل كان هذا بسببِ ضعفِ بصرِها، أم لأنَّ الأرواحَ الشريرةَ كانت تعذبُها طيلة الوقت؟ لا ندري. وعلى أية حالٍ فلم تعدْ تميزُ الليلَ من النهار، وكانت تستيقظ حين ينبغي أن تكونَ نائمةً، وتنامُ حين يُفْتَرَضُ أن تتبادلَ معها الحديثَ.
    وكانت تستطيع المشي قليلًا إذا ما استندت إلى الجدار أو الأثاث. وفي الليل -حين ينامُ الجميعُ- كانت تترنحُ بخطًى ثقيلةٍ وتسير إلى كرسيِّها، حيث تجلسُ وتبدأُ في نتف أليافٍ لا وجودَ لها، أو تشرعُ في رحلةِ بحثٍ حتى تعثرَ على مطحنةِ بذورِ القهوةِ كما لو كانت ستعدُّ قهوةً لصديقٍ تعرفُه أو لشخصٍ آخر!
    وكانت دائمًا ما تضعُ تلك القبعةَ السوداءَ فوق رأسِها الأشيبِ، حتى في اللَّيل. فقلْ لي: هل تؤمنُ بالسحرِ والشعوذةِ؟
    وأخيرًا رقدتْ دون حراكٍ. وحين سمحتْ أن ننزعَ عنها تلك القبعةَ بهدوءٍ ودون مقاومةٍ عَرَفْتُ ساعتَها أنها لن تقومَ من رُقَادِها ذاك ثانيةً.
    د. أحـمـد اللَّيثـي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

  • ahmed_allaithy
    رئيس الجمعية
    • May 2006
    • 4026

    #2
    "وبعد لحظةٍ سألتْني لماذا وضعتُ في العقد شرطًا مفادُه إنه يمكن لهم أن "يطردوني" في أي وقتٍ يشاؤون؟
    هكذا زوجتي دائمًا. ولكن على الأقلِّ فهي تُسمِّي الجبنَ جبنًا.

    فسألتُها في ضيقٍ: "ماذا تقصدين بقولِك "يطردونني"؟
    فوضعتْ إصبعَها على البندِ التاسعِ -آخرِ بندٍ- وقرأتْ:

    "وفي حالةِ إنهاءِ نشاطِ السيدِ لارمانس لحسابِ السيدِ هورنسترا، سواءً كان ذلك بطلبٍ من السيدِ لارمانس نفسِه أو بمبادرةٍ من السيدِ هورنسترا، فلا يحقُّ للأولِ المطالبةَ بأي نوعٍ من أنواعِ التعويضِ، ولا بأيِّ دفعاتٍ شهريةٍ أخرى؛ ذلك أن تلك الدفعاتِ ليستْ مُرتبًا شهريًّا، بل هي مبالغُ مدفوعةٌ مقدمًا على سبيلِ العمولةِ المحتملةِ، وتُخْصَمُ من العمولةِ المستحقَّةِ".
    اللعنة! لم يكنِ الأمرُ بالسهولةِ التي ظننتُها!

    والآن فهمتُ لماذا قضتْ كل هذا الوقتِ في قراءةِ العقدِ. ففي أمستردام، وبعد ذلك في القطارِ، كنتُ قد قرأتُ هذا الشرطَ، ولكن لفرطِ تَحَمُّسِي لم أُقلِقْ نفسي كثيرًا بالتفكيرِ في معناهُ الدقيقِ.
    ثم سألتْني زوجتي، وإصبعُها لا يزالُ على "نقطةِ الوجعِ" في العقدِ: "ما معنى (بمبادرةٍ من السيدِ هورنسترا)؟"
    وكلمةُ مبادرة من الكلماتِ التي لا تفهمُها زوجتي؛ فهي مثل "بنَّاء" و"موضوعيّ"، وكلُّها لا تعني عندها شيئًا. ولذا فشرحُ معاني هذه الكلماتِ لها كي تفهمَها أمرٌ مستحيلٌ. ولذلك قلتُ لها ببساطةٍ: "حسنًا، مبادرة تعني مبادرة". وفي أثناء ذلك كنت أقرأُ من جديد –بدقةٍ هذه المرة- النصَّ محلَّ السؤالِ. ويجب عليَّ أن أعترفَ أنها كانت على حقٍّ. وفي الوقتِ نفسِه فهورنسترا على حقٍّ أيضًا؛ فلا يمكنُ أنْ يُلزمَ نفسَه حتى نهايةِ سنةِ ألفيْن بأن يدفعَ لي أيَّ مبلغٍ في حالةِ لم أتمكن من التخلصِ مما لديَّ من جبنٍ. ومع هذا فقد انتابني شعورٌ بالخزيِ.
    وصاح جان: "أُمِّي، كلمةُ مبادرة مأخوذةٌ مِنْ يُبَادِر، أي يبدأ شيئًا". قال هذا دونَ أن يرفعَ عينيْهِ عن كتابِه المدرسيِّ. كان هذا أمرًا بغيضًا زائدًا عن الحد. ألا يُعَدُّ كذلك حين يجرؤُ "فَلْحُوسٌ" في الخامسةِ عشرَ من العمرِ على الإجابةِ عن سؤالٍ لم يُوَجِّهْهُ إليه أحدٌ، وخاصةً عند مناقشةِ أمورٍ خطيرةٍ كموضوعِنا هذا؟
    قلتُ بحزمٍ: "لا أشكُّ أنك تدركينَ إنَّهُ لا يمكنُ لي أن أستمرَّ في سحبِ مثل هذا المرتبِ الكبيرِ إلى ما لا نهايةَ، دون أن يكونَ هناك التزامٌ مني ببيعِ شُحناتِ البضاعةِ التي أتسلمُها، خلالَ فترةٍ زمنيةٍ معقولةٍ. فهذا عملٌ غيرُ أخلاقيٍّ على كل حال."
    أعلمُ علمَ اليقينِ أنها لن تفهمَ معنى "شُحنات" أو "غير أخلاقيّ". أو هذا هو ما أظنُّه. سَأُرْبِكُهَا بهذه المصطلحاتِ العلميةِ.
    ثم أردفتُ: "ليس هناك ما يُقلق؛ فإذا سارَ البيعُ كما ينبغي فلن يريدَ هورنسترا أي شيءٍ أكثرَ من استمراري في أداءِ هذا العملِ إلى أبدِ الآبدين، بل وإلقاءِ الأعمالِ في طريقي كنوعٍ من التجاوبِ التبادليِّ للمنفعةِ بما يحققُ فائدةً أكبرَ لي. ولا تعلمين فقد يأتي أحدُ منافسي هورنسترا ويقدمُ لي عرضًا أفضلَ حالما أصنعُ لنفسِي اسمًا في السوقِ.
    والآن فليحاولْ هذا القرد المتذاكي الفلحوس أنْ يشرحَ لها معنى شُحنات، وغيرَ أخلاقي، والتجاوبَ التبادليَّ."
    د. أحـمـد اللَّيثـي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

    تعليق

    • ahmed_allaithy
      رئيس الجمعية
      • May 2006
      • 4026

      #3
      "أما الحديثُ عن المطاعمِ، فلا يروقُ لي أيضًا البتة.
      قال أحدُهم: "الأسبوعُ الماضي تناولتُ لحمَ شَنْقَبٍ مع زوجتي في مطعمِ تُرْوا پِرْدري في دِيجون".
      أمَّا لماذا ينبغي عليه أن يقولَ إنَّ زوجتَه كانت هناك أيضًا، فلا علمَ لي.
      فردَّ آخرُ: "آه، إذَنْ فقد قضيتَ نهايةَ أسبوعٍ ساخنٍ مع زوجتِك الشرعيَّةِ، يا خلبوص".
      د. أحـمـد اللَّيثـي
      رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
      تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

      فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

      تعليق

      • ahmed_allaithy
        رئيس الجمعية
        • May 2006
        • 4026

        #4
        "ولكن هذه المرة كانوا يتحدثون عن سوليو، وديجون، وغرينوبل، وديغنى، وغراس. وبدا واضحًا أنهم متجهون بحديثِهم صوبَ نيس، ومونت كارلو. ولذا لم يكن ملائمًا أن آتِ على ذكرِ دُنكيرك. ولو فعلتُ لكنتُ كمن يذكر "مطعم كوارع" في "عزبة أبو جلمبو" بينما هم يتحدثون عن تناولِ الكاڤيار في أرقى مطاعم الريڤيرا."
        د. أحـمـد اللَّيثـي
        رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
        تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

        فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

        تعليق

        • ahmed_allaithy
          رئيس الجمعية
          • May 2006
          • 4026

          #5
          الفـصـل الـثـانـي عشـر
          قضيتُ الأسبوعَ بكاملِه أبحثُ حثيثًا في كل مكانٍ عن مكتبٍ، وآلةٍ كاتبةٍ تطبعُ نسختين. وأؤكدُ لكم أن السيرَ من محلٍ لبيعِ الأدواتِ المستعملةِ إلى آخَرَ -وخاصةً في الجزءِ القديمِ من المدينةِ- ليس مجلبةً للمتعةِ بالمرةِ.
          وعادةً ما تمتلئُ تلك المحلاتِ بكثيرٍ من الروبابيكيا حتى أنه لا يمكنُ لي أن أعرفَ مِن الشارعِ نفسِه ما إذا كان لديهم ما أبحثُ عنه دون الاضطرارِ لدخولِ المحلاتِ وسؤالِ الباعةِ فيها. وأنا لا أمانعُ في أداءِ هذا النوعِ من المهامِ، ولكنَّ مشكلتي أني لا أستطيعُ مغادرةَ محلٍّ دون أن اشتريَ منه شيئًا، أو الخروجِ من حانةٍ دون احتساءِ شرابٍ.
          وفي البدايةِ اشتريتُ إبريقًا، ثم مُدْيةً، وتمثالًا من الجصِّ للقديسِ جوزيف.[i] يمكنني استعمالُ المديةِ رغم أنها لا تعجبُني. أمَّا الإبريقُ فأخذتُه إلى البيتِ، وتسببَ في ردةِ فعلٍ كبيرةٍ. وتحيَّنْتُ فرصةَ عدمِ وجودِ أحدٍ في الشارعِ فتركتُ التمثالَ على عتبةِ إحدى النوافذِ على بُعْدِ بضعةِ شوارعَ من البيتِ، ثم فررتُ من مسرحِ الجريمةِ. وما دعاني لتركه هو أني أقسمتُ ألاَّ آخذَ معي شيئًا إلى البيتِ بعدَ أنِ اشتريتُ المديةَ، ولم أستطعِ التجولَ وأنا أحملُ ذلكَ التمثالِ.
          أما الآن فأقفُ على عتبةِ المحلِّ من الخارجِ، ولا أدخلُه، وأسألُ البائعَ عما إذا كان لديهم مكتبًا بقواعدَ جانبيةٍ وآلةً كاتبةً للبيعِ. وما دمتُ أمسكُ بمقبضِ البابِ فأنا لستُ داخلَ المحلِّ فعليًا، ومن ثم فليس عليَّ أيُّ التزامٍ أخلاقيٍّ بشراءِ شيءٍ، وخاصةً أني لم أعد أطيقُ كلَّ هذا الشراءِ. ولكن حين لا يكونُ البابُ مغلقًا لا ينقطعُ جرسُه عن الرنينِ، وإذا طالتْ مدةُ الوقوفِ هكذا يبدو الأمرُ كما لو كنتُ لصًا لم يقررْ بعد هل يسطو على المكانِ أم لا.
          وما زاد الطينَ بَلَّةَ أني في حقيقةِ الأمرِ لا أشعرُ بالراحةِ إطلاقًا وأنا أتجولُ في وسطِ المدينةِ، بعد أن ادَّعَيْتُ المرضَ كي أحصلَ على إجازةٍ من شركةِ البحريةِ. صحيحٌ أن هامر معه الشهادةُ الخاصةُ بي، ولكن الشخصَ المريضَ مرضًا خطيرًا يبقى في المنزلِ، ولا يغادره لِلَّفِّ على المحلاتِ. ومن ثم أشعرُ بالخوفِ الشديدِ من أن أصادفَ أحدًا من شركةِ البحريةِ العامةِ، وخاصةً أني لا أعرفُ كيف يتصرفُ المريضُ بمرضٍ عصبيٍّ. فإذا تظاهرتُ بالإغماءِ سيرشون وجهي بالماءِ، أو يقرِّبون من أنفي أملاحًا نفَّاذةَ الرائحةِ كي أشمَّها، أو يأخذونني إلى طبيبٍ أو صيدليٍّ، وساعتها سيَصدرُ الحكمُ أني مدَّعٍ، ولستُ مريضًا. كلا، لا أريدُ أن يحدثَ هذا، أشكرُكم جزيلَ الشكرِ. فمن الأفضلِ ألا يراني أحدٌ. ولذلك أُبْقِي عينيَّ مفتوحتين، وأستعدُّ دائمًا للعودةِ من حيثُ أتيتُ، أو التسللِ والاختباءِ في شارعٍ جانبيٍّ. وإذا أخذتُ كلَّ شيءٍ في الاعتبارِ فالأفضلُ أن يستمرَّ غيابي عن العملِ دون أن يكونَ هناك كثيرُ حديثٍ عني.
          ============================================
          [i] يعتقد بعض الناس أن القديس جوزيف هو حامي بلجيكا، وبدأ هذا الاعتقاد منذ سنة 1679. وله كنيسة مسمَّاة باسمه في قلب بروكسل، في ميدان فرير أوروبان، بحي ليوبولد.
          د. أحـمـد اللَّيثـي
          رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
          تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

          فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

          تعليق

          • ضيف

            #6
            سلمت أناملكم

            تعليق

            • ayed
              عضو منتسب
              • Apr 2014
              • 4

              #7
              جميل اتمنى ان تكثف العبارات الابداعية حتى نشعر بأن الرواية كلامها عذب وليس على شكل مقال في جريدة

              سلمت اناملك الى الامام

              تعليق

              • سنيه سلمان
                عضو منتسب
                • Feb 2015
                • 3

                #8
                جميله. سلمت يداك، وأتمنى أن أقرأها كاملة قريباً.

                تعليق

                • Rima_Alkhani
                  عضو منتسب
                  • Aug 2007
                  • 99

                  #9
                  جهد مشكوردكتور، وسؤال:
                  هل شهرة العمل خارجا، تجعلنا نتقبل كل مافيه؟
                  وهل سنجده مشوقا سلسا؟
                  فبعض من الأدب الغربي يصيبه النمش البيئي، بحيث يفقد عنصر التشويق الذي يشدنا حتى النهاية خاصة لو كان عملا طويلا جدا مسهبا.
                  لماذا لانبحث عن عمل عربي مميز فنترجمه للغربية؟ سؤال لم أجد جوابا شافيا له من سنوات.

                  تعليق

                  • الباسل
                    باسل
                    • May 2010
                    • 2

                    #10
                    جهد مشكور، ولي بعض الاقتراحات وهي لست بالتصويبات:

                    الروبابيكيا: اقترح استبدالها ب(الخردة)
                    الفلحوس: ليست جميع اللهجات تفهم معناها (المتذاكي)
                    مطعم كوارع ابو جلمبو: ليس الجميع عالماً بمعالم تلك المنطقة (مطعم مقادم في شارع شعبي)
                    ادعيت المرض: تمارضت

                    عموماً الترجمة أعجبتني وشكراً لك

                    تعليق

                    • ضيف

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة الباسل
                      جهد مشكور، ولي بعض الاقتراحات وهي لست بالتصويبات:

                      الروبابيكيا: اقترح استبدالها ب(الخردة)
                      الفلحوس: ليست جميع اللهجات تفهم معناها (المتذاكي)
                      مطعم كوارع ابو جلمبو: ليس الجميع عالماً بمعالم تلك المنطقة (مطعم مقادم في شارع شعبي)
                      ادعيت المرض: تمارضت

                      عموماً الترجمة أعجبتني وشكراً لك
                      أحسنت القول
                      الافراط في العامية من شأنه أن يضعف من سلاسة السرد
                      ورغم الصبغة الكوميدية التي يضفيها على النص
                      إلا أنه ليس الكل سيفهمون المعنى
                      ومع ذلك لك الشكر ..

                      تعليق

                      • ahmed_allaithy
                        رئيس الجمعية
                        • May 2006
                        • 4026

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة الباسل
                        جهد مشكور، ولي بعض الاقتراحات وهي لست بالتصويبات:

                        الروبابيكيا: اقترح استبدالها ب(الخردة)
                        الفلحوس: ليست جميع اللهجات تفهم معناها (المتذاكي)
                        مطعم كوارع ابو جلمبو: ليس الجميع عالماً بمعالم تلك المنطقة (مطعم مقادم في شارع شعبي)
                        ادعيت المرض: تمارضت

                        عموماً الترجمة أعجبتني وشكراً لك

                        مشكورة ملاحظاتك أخي الكريم.
                        وهذه النقاط وغيرها وأشباهها مذكورة في مقدمة العمل وفي الهوامش وسبب هذه الاختيارات.
                        فالترجمة المطبوعة لا تشتمل على الرواية فحسب، بل على مقدمة بحثية طويلة وهوامش في نهاية العمل.
                        د. أحـمـد اللَّيثـي
                        رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                        تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                        فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                        تعليق

                        • ahmed_allaithy
                          رئيس الجمعية
                          • May 2006
                          • 4026

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة rima_alkhani
                          جهد مشكوردكتور، وسؤال:
                          هل شهرة العمل خارجا، تجعلنا نتقبل كل مافيه؟
                          وهل سنجده مشوقا سلسا؟
                          فبعض من الأدب الغربي يصيبه النمش البيئي، بحيث يفقد عنصر التشويق الذي يشدنا حتى النهاية خاصة لو كان عملا طويلا جدا مسهبا.
                          لماذا لانبحث عن عمل عربي مميز فنترجمه للغربية؟ سؤال لم أجد جوابا شافيا له من سنوات.


                          حياك الله يا أستاذتنا الفاضلة.
                          أسئلة مشروعة، ولكن حركة الترجمة في العالم عمومًا ضعيفة ولا تتسم بالمنهجية، بل هي في أغلبها انتقائية. والجهات الداعمة للترجمة قد يبدو في ظاهرها وجود منهجية ما، ولكن الحقيقة غير ذلك. ولذا يصبح العمل الترجمي مبني على حسابات أخرى غير موضوعية في أغلبها. فمنها ما يتخير الأعمال لشهرتها، ومنها ما تكون سوقه رائجة فأهم عنصر في الطباعة والنشر على الإطلاق هو الجانب المالي.

                          أما من ناحية الجذب للقارئ من عدمه فهذه مسألة فيها نظر بوجه عام لأن اختلاف الثقافات يعني عدم الاتفاق في جوانب متعددة، منها ما قد يراه بعض القراء من ثقافة ما جاذبا ويراه غيرهم طاردًا. فتعرُّف الآخر عمومًا غرض من أغراض الترجمة.
                          أما الأعمال العربية المتميزة بغرض ترجمتها للغات أعجمية فهذا معتمد في المقام الأول على الجانب المالي ومدى قبول الموضوع في الغرب خاصة. فمثلا رواية بنات الرياض من أتفه الأعمال التي شهدتها البشرية، ومع ذلك ترجمت ولقيت رواجا في الغرب لأن موضوعها فضائحي عن مجتمع مستهدف بذاته. وكذلك روايات أخرى أسباب ترجمتها أيديولوجية. ومن العناصر المهمة كذلك المترجم. فليس في العالم العربي من يترجم من العربية إلا قليل جدًا. والكثرة الكاثرة مدَّعون لا يجرؤ واحد منهم أن يقدم ترجمته لناشر أجنبي لأنه حتمًا سيرفض رفضًا قاطعًا، بما في ذلك من يسمون أنفسهم مترجمين محترفين، ومنهم أساتذة للترجمة في الجامعات.

                          والشاهد على ذلك وجود عدد من المواقع التي "تدَّعي" الاهتمام بالترجمة، ويشارك فيها عاملون في مجال الترجمة، وحين ينظر المرء في ترجماتهم من العربية تحدث له صدمة؛ فأخطاؤهم لا تحصى. والعجيب وجود جوقة، أو طابور ثانٍ، جاهز بالتصفيق والتطبيل لمجرد أن كلمات النص العربي تحولت إلى حروف غير عربية. والنظر في هذه الترجمات وتوجيه المترجمين مما تنقضي فيه الأعمار ولا ينتهي، ولا فائدة منه.

                          وأذكر على سبيل المثال أننا أردنا نشر كتاب يحتوي ترجمات لقصص قصيرة عربية، وطلبنا ممن لديهم أعمال أو من يرغب في المشاركة أن يراسلنا بترجمته. والحقيقة وصلنا عدد كبير من هذه الترجمات. وكانت الصدمة أنه لم يوجد عمل واحد مما تلقيناه كان يستحق النشر إما لسوء الترجمة، وإما لسوء اللغة، أو لغير ذلك من الأسباب. ولكن كان الغالب كثرة الأخطاء في اللغة والترجمة. وكان من ضمن من راسلونا أساتذة كبار من نوعية من تصفق لهم الجوقة المذكورة. وحين أرسلنا بعض النصوص لمراجع أجنبي لضبط اللغة جاءنا الرد بأنه لا يصلح أي منها للتعديل لكثرة الأخطاء.

                          مع الأخذ في الاعتبار أن عبء الترجمة من العربية يقع على غير العرب مثلما يقع عبء الترجمة إلى العربية على عاتق العرب.

                          ونسأل سؤالاً: ماذا أنتج العرب من أعمال في مختلف المجالات تستحق الترجمة لغير العربية عبر عقود وعقود؟
                          ربما ظهر عمل هنا أو هناك، ولكن هذا لا يكفي لأن يُنظر إليه على أنه نتاج ثقافي عاكس للثقافة العامة للعرب. والأغلب أن لدى الغرب ما يتفوق على هذه الأعمال بمراحل. مع العلم بأن الغرب أنتج أعمالا ساقطة كثيرة وترجمها العرب واعتبروها أعمالا عظيمة. لكن لهذا بحث آخر.
                          والخلاصة آليات العمل في مجال الترجمة تتحكم فيها عناصر متعددة، ومن جانب آخر لا ينبغي أن يعمل المترجم بالمجان أو التطوع طول حياته، وإن تكون النظرة للترجمة نظرة متدنية.
                          وحين ننتج أعمالاً ذات قيمة، ونوجه التمويل الترجمي لترجمة أعمال يستفاد منها، يمكننا ساعتها أن نقول إن لدينا حركة ترجمة، وأن ما نترجمه من العربية وإليه مؤثر ذو قيمة لغيرنا.
                          حياك الله.
                          د. أحـمـد اللَّيثـي
                          رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                          تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                          فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                          تعليق

                          • ahmed_allaithy
                            رئيس الجمعية
                            • May 2006
                            • 4026

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة همام عبدالباري
                            سلمت أناملكم

                            سلمك الله وشكر مرورك.
                            د. أحـمـد اللَّيثـي
                            رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                            تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                            فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                            تعليق

                            • ahmed_allaithy
                              رئيس الجمعية
                              • May 2006
                              • 4026

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة ayed
                              جميل اتمنى ان تكثف العبارات الابداعية حتى نشعر بأن الرواية كلامها عذب وليس على شكل مقال في جريدة

                              سلمت اناملك الى الامام

                              سلمك الله وشكرتعليقك ومرورك.
                              د. أحـمـد اللَّيثـي
                              رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                              تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                              فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                              تعليق

                              يعمل...