فوائد لغوية من فاتحة الكتاب

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ahmed_allaithy
    رئيس الجمعية
    • May 2006
    • 4026

    فوائد لغوية من فاتحة الكتاب

    مقتطفات متفرقات من كتابي الجديد
    مـقــدمـــة

    قال اللهُ تعالى ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ (الفرقان:30)
    قال ابنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: "هَجْرُ القرآنِ أنواعٌ: أحدُها: هجرُ سماعِه والإيمانِ به والإصغاءِ إليه. والثاني: هجرُ العملِ به، والوقوفِ عند حلالِه وحرامِه، وَإِنْ قَرَأَهُ وَآمَنَ به. والثالثُ: هجرُ تحكيمِه والتحاكمِ إليه في أصولِ الدينِ وفروعِه، واعتقادِ أنه لا يفيدُ اليقينَ، وَأَنَّ أَدِلَّتَهُ لَفْظِيَّةٌ لا تحصل العلمَ. والرابعُ: هجرُ تَدَبُّرِهِ وَتَفَهُّمِهِ وَمَعْرِفَةِ ما أرادَ المتكلمُ بِهِ مِنْهُ. والخامسُ: هجرُ الاستشفاءِ والتداوي به في جميعِ أمراضِ القلوبِ وَأَدْوَائِهَا، فَيَطْلُبُ شِفَاءَ دَائِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَيَهْجُرُ التَّدَاوِي بِهِ."
    وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ: "مَنْ هَجَرَ القرآنَ فهو من أعداءِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم." انتهى.
    وقيل إِنَّ "مَنْ فَرَّطَ في تلاوتِه، أو تَدَبُّرِهِ، أو العملِ به فقد وَقَعَ في شُعْبَةٍ مِنْ شُعَبِ الْهَجْرِ، بِحَسَبِ ما تَرَكَ وفَرَّطَ، وَيُـخْشَى عَلَيْهِ، إِنْ تَـمَادَى في ذلك، أَنْ تُنْزَعَ حلاوةُ القرآنِ من قلبِه، فلا يستريحُ له، ولا يَتَغَنَّى به، ولا يَنْشَرِحُ صدرُه به"[1] .. "ويكونُ منه العدولُ عنه إلى غيره من شِعْرٍ أو قولٍ أو غِنَاءٍ أو لَـهْوٍ أو كلامٍ أو طريقةٍ مأخوذةٍ من غيرِه، وهذه كلُّها مِنْ وَسَائِلِ هَجْرِ الْقُرْآنِ."[2]


    نسأل الله تعالى ألا يجعلنا ممن يهجر القرآن.
    د. أحـمـد اللَّيثـي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

  • ahmed_allaithy
    رئيس الجمعية
    • May 2006
    • 4026

    #2
    فوائد من سورة الفاتحة
    ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿1﴾ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿2﴾ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿3﴾ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ ﴿4﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿5﴾ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴿6﴾ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ﴿7﴾﴾

    * يقولُ الله تعالى في سورة الحِجْرِ ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثانيَ والقرآنَ العظيمَ﴾ (الحجر:87).
    جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه: "لأعلمنَّك سورةً هي أعظمِ السُّوَرِ في القرآن: ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ، هي السبعُ المثاني والقُرآن العظيم الذي أوتيتُه."
    فيثبت من هذا أن السورة المقصودة هي الفاتحة.
    وروى الإمامُ أحمدُ في الْمُسْنَدِ أن أُبَيَّ بنَ كعبٍ رضي الله عنه قرأ على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّ القرآنِ، فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده ما أُنْزِلَ في التوراةِ ولا في الإنجيلِ ولا في الزَّبُورِ ولا في الفرقانِ مثلُها، وهي السبعُ المثاني والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيتُهُ."
    د. أحـمـد اللَّيثـي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

    تعليق

    • ahmed_allaithy
      رئيس الجمعية
      • May 2006
      • 4026

      #3
      بـســم

      يقول تعالى: ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
      * قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "كُلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبْدَأُ فيه بِـبِـسْـمِ اللهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيـمِ أَقْطَعُ."
      أَقْطَعُ أي مقطوع الذنب أو الذيل، أي عملٌ ناقصٌ فيه شيء ضائع.
      * "ندب الشرع إلى ذكر البسملة في أول كل فعل؛ كالأكل والشرب والنحر؛ والجماع والطهارة وركوب البحر، إلى غير ذلك من الأفعال؛ قال الله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ(الأنعام:118). ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا(هود:41). وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وخمر إناءك واذكر اسم الله، وأوك سقاءك واذكر اسم الله" . وقال
      صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر بن أبي سلمة: "يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" ... قال علماؤنا: وفيها رد على القدرية وغيرهم ممن يقول: إن أفعالهم مقدورة لهم. وموضع الاحتجاج عليهم من ذلك أن الله سبحانه أمرنا عند الابتداء بكل فعل أن نفتتح بذلك."[1]
      * "مَعْنَى الْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُقَرَّرُ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْآيَاتِ وَغَيْرِهَا هُوَ لِلَّهِ وَمِنْهُ، لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ اللهِ فِيهِ شَيْءٌ ... فَمَعْنَى الْبَسْمَلَةِ الَّذِي كَانَ يَفْهَمُهُ النَّبِيُّ
      صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رُوحِ الْوَحْيِ: اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ السُّورَةَ ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ عَلَى عِبَادِهِ، أَيِ اقْرَأْهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ تَعَالَى لَا مِنْكَ، فَإِنَّهُ بِرَحْمَتِهِ بِهِمْ أَنْزَلَهَا عَلَيْكَ لِتَهْدِيَهُمْ بِهَا إِلَى مَا فِيهِ الْخَيْرُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَعَلَى هَذَا كَانَ يَقْصِدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْبَسْمَلَةِ أَنَّنِي أَقْرَأُ السُّورَةَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِاسْمِ اللهِ لَا بَاسِمِي، وَعَلَى أَنَّهَا مِنْهُ لَا مِنِّي، فَإِنَّمَا أَنَا مُبَلِّغٌ عَنْهُ - عَزَّ وَجَلَّ-"[2]
      * "قال العلماء: ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ قَسَمٌ من ربنا أنزله عند رأس كل سورة، يُقْسِمُ لعبادِه إن هذا الذي وضعتُ لكم يا عبادي في هذه السورة حَقٌّ، وإنِّي أَفِي لكم بجميع ما ضمنتُ في هذه السورة من وعدي ولطفي وبري."[3] " فمعنى ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ أي بالله. ومعنى (بالله) أي بخلقه وتقديره يوصل إلى ما يوصل إليه."[4]
      * وقيل قوله تعالى ﴿بِسْمِ ٱللَّهِأي بدأتُ بعون الله وتوفيقه وبركته؛ فكأن الله تعالى يُعَلِّمُ عبادَه أن يذكروا اسمه عند افتتاح القراءة وغيرها، التماسًا للبركة منه عَزَّ وَجَلَّ.
      * "اخْتلفتِ الأقوالُ في وجود لفظة (اسم) في البسملة،؛ قال قطرب: زيدت لإجلال ذكره تعالى وتعظيمه. وقال الأخفش: زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرك؛ لأن أصل الكلام: بالله."[5]
      * لماذا دخلت (الباء) على (اسم) في قوله ﴿بِسْمِ﴾؟
      - قال الفرَّاء: إنها على معنى الأمر، والتقدير: اِبْدَأْ بسم الله، وقال الزَّجَّاج: إنها على معنى الخبر، والتقدير: ابْتَدَأْتُ بسم الله.[6]
      * ﴿بِسْمِ﴾ الجار والمجرور متعلقان بمحذوف تقديرُه فعلٌ متأخرٌ يناسب السياق، كأن يقول المرءُ (بسم الله أبدأُ)، وسبب وجوب التعلق بمحذوف أن الجار والمجرور معمولان؛ ولا بد لكل معمول من عامل. أما سبب تقدير المحذوف فعلاً أنَّ الأصلَ في العملِ الأفعالُ، وسبب القول بتأخير الفعل التبركُ بتقديم اسم الله عزَّ وجلَّ، وكذلك فإن تأخير العامل يفيد الحصر، كأنك تقول: لا أبدأ عملي باسمِ أحدٍ متبركاً أو مستعيناً به، إلا باسم الله
      عزَّ وجلَّ. أما التقدير بفعل "يناسب" السياق فلأنه أدلُّ على المقصود.[7]
      --------------------------------------------------------------------
      د. أحـمـد اللَّيثـي
      رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
      تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

      فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

      تعليق

      • ahmed_allaithy
        رئيس الجمعية
        • May 2006
        • 4026

        #4
        ﴿ٱللَّهِ
        * اسمُ علمٍ للذاتِ المقدسةِ، والألف واللام فيه أصلية، "وَهُوَ اِسْم لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْره تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلِهَذَا لَا يُعْرَف فِي كَلَام الْعَرَب لَهُ اِشْتِقَاق مِنْ فَعَلَ يَفْعَل؛ فَذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ النُّحَاة إِلَى أَنَّهُ اِسْم جَامِد لَا اِشْتِقَاق لَهُ، وَقَدْ نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيّ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ الشَّافِعِيّ وَالْخَطَّابِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيّ وَغَيْرهمْ. وَرُوِيَ عَنْ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ الْأَلِف وَاللَّامَ فِيهِ لَازِمَة. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول (يَا اللَّه) وَلَا تَقُول (يَا الرَّحْمَن)؟ فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ أَصْل الْكَلِمَة لَمَا جَازَ إِدْخَال حَرْف النِّدَاء عَلَى الْأَلِف وَاللَّام."[1]
        * قال القرطبيُّ: ﴿ٱللَّهِ﴾ هذا الاسمُ أكبرُ أسمائِه سبحانَه وأجمعُها، حتى قال بعضُ العلماءِ: إنه اسمُ اللهِ الأعظمِ ولم يتسمَّ به غيرُه؛ ولذلك لم يُـثَـنَّ ولم يُـجْمَعْ؛ وهو أحدُ تأويليّ قوله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً(مريم:65) أي تسمَّى باسمه الذي هو "الله" ... فاللهُ اسمٌ للموجودِ الحقِّ، الجامعِ لصفاتِ الإلهية، المنعوتِ بنعوتِ الربوبيةِ، المنفردِ بالوجودِ الحقيقيِّ لا إلهَ إلا هو سبحانَه.[2]
        د. أحـمـد اللَّيثـي
        رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
        تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

        فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

        تعليق

        • ahmed_allaithy
          رئيس الجمعية
          • May 2006
          • 4026

          #5
          ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ

          ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
          * اختلف أهل العلم في اشتقاق اسمه ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ، فقال بعضهم: "لا اشتقاق له لأنه من الأسماء المختصة به سبحانه، ولأنه لو كان مشتقاً من الرحمة لاتَّصل بذكر المرحوم، فجاز أن يقال: الله رحمن بعباده، كما يقال: رحيم بعباده. وأيضاً لو كان مشتقاً من الرحمة لم تنكره العرب حين سمعوه، إذ كانوا لا ينكرون رحمة ربهم، وقد قال الله عز وجل: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ(الفرقان: 60) .. قال ابن العربي: إنما جهلوا الصفة دون الموصوف، واستدل على ذلك بقولهم: ﴿وَمَا الرَّحْمَنُ؟ ولم يقولوا: ومن الرحمن؟ قال ابن الحصَّار: وكأنه رحمه الله لم يقرأ الآية الأخرى: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ(الرعد:30) وذهب الجمهور من الناس إلى أن ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِمشتق من الرحمة مبني على المبالغة؛ ومعناه ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها، فلذلك لا يثنى ولا يجمع كما يثنى "الرحيم" ويجمع.
          قال ابن الحصَّار: ومما يدل على الاشتقاق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: (قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ أَنَا اللَّهُ وَأَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ).[1] وهذا نص من الاشتقاق، فلا معنى للمخالفة والشقاق، وإنكار العرب له لجهلهم بالله وبما وجب له."[2]
          * الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ﴿الرَّحْمَنِ﴾ الْمُنْعِمُ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ، وَمَعْنَى ﴿الرَّحِيمِ﴾ الْمُنْعِمُ بِدَقَائِقِهَا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّ ﴿الرَّحْمَنِ﴾ هُوَ الْمُنْعِمُ بِنِعَمٍ عَامَّةٍ تَشْمَلُ الْكَافِرِينَ مَعَ غَيْرِهِمْ، وَ﴿الرَّحِيمِ﴾ هُوَ الْمُنْعِمُ بِالنِّعَمِ الْخَاصَّةِ بِالْمُؤْمِنِينَ. وَكُلُّ هَذَا تَحَكُّمٌ فِي اللُّغَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْمَبْنَى تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى. وَلَكِنَّ الزِّيَادَةَ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْوَصْفِ مُطْلَقًا، فَصِفَةُ الرَّحْمَنِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْإِحْسَانِ الَّذِي يُعْطِيهِ سَوَاءٌ كَانَ جَلِيلًا أَوْ دَقِيقًا.[3]
          * وقالوا اسم الله ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ﴾ على وزن "فَعْلان [وهي] صيغةُ مبالغةٍ في كثرةِ الشيءِ وعَظَمِه وسِعَتِه ولا يلزم منه الدوام لذلك كغضبان وسكران ونومان"[4]، فكأن المعنى أنه سبحانه ذو الرحمة الواسعة. و﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ بمعنى دائم الرحمة لأن صيغةَ فعيل تدُلُّ على وقوع الفعل، وتستعمل في الصفات الدائمة ككريم وبخيل. "فكأنه قيل: العظيم الرحمة، الدائم الإِحسان".[5] "قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَالرَّحْمَنُ ذُو الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ الَّتِي وَسِعَتِ الْخَلْقَ فِي أَرْزَاقِهِمْ وَأَسْبَابِ مَعَايِشِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ، وَعَمَّتِ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ،وَالصَّالِحَ وَالطَّالِحَ، وَأَمَّا ﴿ٱلرَّحِيم﴾ فَخَاصٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ كَقَوْلِهِ ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ (الأحزاب:43)."[6]
          * ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ فيهما دلالة على أن الرحمة صفةٌ لله عز وجل في قوله ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ﴾، وصفةٌ لفعله في قوله ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ الذي فيه دلالة على إيصال الرحمة إلى المرحوم. "وهما اسمان من أسماء الله يدلان على الذات، وعلى صفة الرحمة، وعلى الأثر: أي الحكم الذي تقتضيه هذه الصفة"؛[7] فلا يستقيم أن يكون من أسماء الله ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ ولا يكون متصفًا بالرحمة.

          د. أحـمـد اللَّيثـي
          رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
          تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

          فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

          تعليق

          • ahmed_allaithy
            رئيس الجمعية
            • May 2006
            • 4026

            #6
            * إذا كان اسم الله ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِيفيد أنه " ذُو الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ الَّتِي وَسِعَتِ الْخَلْقَ" أجمعين، مؤمنَهم وكافرَهم، فكيف تصل رحمتُه عزَّ وجلَّ للكافرِ في الآخرة ﴿يَوْمِ ٱلدِّينِ﴾، وهو سبحانه لا يقبلُ من الكافرِ به كُفرَه؟
            - يقول الطبري في تفسيره "فربُّنا جل ثناؤه رحمنُ جميع خلقه في الدنيا والآخرة .. فأما الذي عمّ جميعَهم به في الدنيا من رحمته فكان رَحمانًا لهم به، فما ذكرنا مع نظائره التي لا سبيل إلى إحصائها لأحد من خلقه، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوهَا(إبراهيم:34) و(النحل:18). وأما في الآخرة، فالذي عمّ جميعهم به فيها من رحمته، فكان لهم رحمانًا، تسويته بين جميعهم جل ذكرُه في عَدله وقضائه، فلا يظلم أحدًا منهم مِثْقال ذَرّة ... وتُوفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ."[1]
            د. أحـمـد اللَّيثـي
            رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
            تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

            فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

            تعليق

            • ahmed_allaithy
              رئيس الجمعية
              • May 2006
              • 4026

              #7
              * لا تصح الصلاةُ إذا لم يقرأ المصلِّي البسملةَ في سورة الفاتحة، فقد أخرج الطبرانيُّ وابن مردويهِ والبيهقيُّ من حديثِ أبي هريرةَ بلفظِ: "الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ سبعُ آياتٍ، ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ إحداهن وهي السبع المثاني والقرآن العظيم وهي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب."[1] وصحح الألبانيُّ حديثَ أبي هريرةَ بلفظ: "إِذَا قَرَأْتُمُ ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ فَاقْرَؤُوا ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ إِنَّها أمُّ القرآنِ، وأمُّ الكتابِ، والسَّبْعُ المَثَانِي و﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ إِحْدَى آياتِها."[2]
              وعن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "صلى معاويةُ بالمدينةِ صلاةَ فجهرَ فيها بالقراءةِ، فلم يقرَأ ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ لأُمّ القرآنِ، ولم يقرأها للسورةِ التي بعدَها، ولم يكبّر حين يهوِي حتى قَضَى تلكَ الصلاةَ، فلما سَلّم ناداهُ من سمعَ ذلكَ من المهاجرينَ والأنصارِ من كلِّ مكانٍ: يا معاويةُ أسرقتَ الصلاةَ أم نسيتَ؟ قال فلمْ يُصَلِّ بعد ذلكَ إلا قرأَ ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ لأّم القرآن وللسورَةِ التي بعدها وكبّرَ حين يهوي ساجدًا."[3]
              د. أحـمـد اللَّيثـي
              رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
              تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

              فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

              تعليق

              • ahmed_allaithy
                رئيس الجمعية
                • May 2006
                • 4026

                #8
                لماذا جمع بين ﴿الرَّحْمَنِ وَ﴿الرَّحِيمِ﴾؟
                - "روى مطرف عن قتادة في قول الله عز وجل: ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾، قال: مدح نفسه."[1]
                - "قال قطرب: يجوز أن يكون جمع بينهما للتوكيد. قال أبو إسحاق: وهذا قول حسن. وفي التوكيد أعظم الفائدة، وهو كثير في كلام العرب، ويستغني عن الاستشهاد، والفائدة في ذلك ما قاله محمد بن يزيد: إنه تفضُّلٌ بعد تفضلٍ، وإنعامٌ بعد إنعامٍ، وتقويةٌ لمطامع الراغبين، ووعدٌ لا يخيب آملُه."[2]
                - قَالَ الإمامُ ابنُ القَيِّمِ: "وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ ﴿الرَّحْمَنِ﴾ وَ﴿الرَّحِيمِ﴾ فَفِيهِ مَعْنًى بَدِيعٌ، وَهُوَ أَنَّ ﴿الرَّحْمَنِ﴾ دَالٌّ عَلَى الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَ﴿الرَّحِيمِ﴾ دَالٌّ عَلَى تَعَلُّقِهَا بِالْمَرْحُومِ، وَكَأَنَّ الْأَوَّلَ الْوَصْفُ وَالثَّانِيَ الْفِعْلُ، فَالْأَوَّلُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَتُهُ أَيْ صِفَةُ ذَاتٍ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَالثَّانِي دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ يَرْحَمُ خَلْقَهُ بِرَحْمَتِهِ، أَيْ صِفَةُ فِعْلٍ لَهُ سُبْحَانَهُ، فَإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ هَذَا فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ وقوله ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ وَلِمَ يَجِيءْ قَطُّ رَحْمَنُ بِهِمْ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَحْمَنَ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالرَّحْمَةِ، وَرَحِيمٌ هُوَ الرَّاحِمُ بِرَحْمَتِهِ."
                - الجمع بينهما لزيادة فائدة، "قال ابن المبارك:[3] ﴿الرَّحْمَنِإذا سُئِلَ أَعْطَى، وَ﴿الرَّحِيمِإذا لم يُسْئَلْ غَضِب. وروى ابن ماجة في سننه والترمذي في جامعه عن أبي صالح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ."[4]. وقال ابن ماجة: "مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ غَضِبَ عَلَيْهِ"[5]
                - أخبر الله جلّ ثناؤه أن اسمه (الرحمنُ الرحيمُ) ليفصِل بذلك لعباده اسمَهُ من اسم من قد تسمَّى بأسمائه، إذ كان لا يسمَّى أحد (الرحمن الرحيم)، فيُجمَع له هذان الاسمان، غيره جلَّ ذكرُه. وإنما يتسمَّى بعضُ خَلْقه إما رحيما، أو يتسمَّى رَحمانًا. فأما "رحمن رحيم"، فلم يجتمعا قطّ لأحد سواهُ، ولا يجمعان لأحد غيره.[6] والثابت أنه لا يتسمى باسم الله﴿الرَّحْمَنِ﴾ بالألف واللام إلا الله عزَّ وجلَّ.
                * لماذا قدم اسم ﴿ٱللَّهِ﴾ على﴿الرَّحْمَنِ﴾؟
                - لأنه قد يجوز وصْف كثيرٍ مِمَّن هو دون الله من خلقِه، ببعضِ صفاتِ الرحمة. وغير جائز أن يستحقَّ بعضَ الألوهية أحدٌ دونه. فالألوهية ليست لغيره جلّ ثناؤه من وجهٍ من الوجوه، لا من جهة التسمِّي به، ولا من جهة المعنى؛ فلذلك جاء (الرحمن) ثانيًا لاسمه الذي هو (الله).
                د. أحـمـد اللَّيثـي
                رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                تعليق

                • ahmed_allaithy
                  رئيس الجمعية
                  • May 2006
                  • 4026

                  #9
                  * لماذا قدم ﴿الرَّحْمَنِ على ﴿الرَّحِيمِ﴾؟
                  - لأن من شأن العرب، إذا أرادوا الخبرَ عن مُخبَرٍ عنه، أن يقدِّموا اسمه، ثم يتبعوه صفاتِه ونعوتَه. وهذا هو الواجب في الحُكم ... فإذا كان .. لله جلَّ ذكره أسماءٌ قد حرَّم على خلقِه أن يتسمَّوا بها، خَصَّ بها نفسَه دونهم، وذلك مثلُ "الله" و "الرحمن" و "الخالق"؛ وأسماءٌ أباحَ لهم أن يُسمِّيَ بعضهم بعضًا بها، وذلك: كالرحيم والسميع والبصير والكريم، وما أشبه ذلك من الأسماء - كان الواجب أن تقدَّم أسماؤه التي هي له خاصة دون جميع خلقه.[1] فالاسم (الله) أخصُّ من (الرحمن) الذي هو أخصُّ من (الرحيم).
                  - لما كانت رحمته في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين قدم ﴿الرَّحْمَنِ﴾، وفى الآخرة رحمته دائمة لأهل الجنة لا تنقطع قيل: ﴿الرَّحِيمِ﴾ ثانيا. ولذلك يقال: رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة.[2]
                  د. أحـمـد اللَّيثـي
                  رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                  تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                  فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                  تعليق

                  • ahmed_allaithy
                    رئيس الجمعية
                    • May 2006
                    • 4026

                    #10

                    * ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِتضمنت جميعَ الشرع، لأنها تدل على الذات في قوله تعالى ﴿ٱللَّهِ وعلى الصفات في قوله تعالى ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
                    * اجتمع في هذه الآية ﴿بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ ما لم يجتمع في آية غيرها، وتفصيل ذلك أنها آية مستقلة في الفاتحة عند من قال به. وهي بعض آية في سورة النمل:30 ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ﴾. وربعها الأول بعض آية في ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ (العلق:1) ونصفها الأول بعض آية في هود:41 ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا﴾ وربعها الثاني آية فى سورة الرحمن:1-2 ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ ونصفها الثانى آية فى الفاتحة ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾، وبعض آية فى سورة البقرة:163 ﴿وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾.[1]



                    د. أحـمـد اللَّيثـي
                    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                    تعليق

                    • ahmed_allaithy
                      رئيس الجمعية
                      • May 2006
                      • 4026

                      #11
                      قال تعالى: ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ
                      * ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ قيل معناه الشكرُ لله خالصاً دون سائر ما يُعبَد من دونه، و ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ هو الثناءُ على الله بصفاتِ الكمالِ له، وعظيمِ الأفعالِ الصادرةِ منه سبحانَه، و﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ هو الثناء على الله بالوصف الجميل على وجه التعظيم والتبجيل والمحبة.[1]
                      * ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ أفضلُ ما ينبغي أن يُحمدَ به اللهُ، وليس لفظٌ يوازيه في المعنى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ." فقد بلغت هذه الكلمةُ الغايةَ في الأجرِ والثوابِ حتى ملأتِ الميزانَ.[2]
                      * الحمدُ هو المدحُ والوصف بالجميل، فالحمدُ والمدحُ أَخَوَان،[3] أي أنهما مترادفان في المعنى، وقيل بين الحمد والمدح فروق وهي من وجوهٍ:
                      الأولُ
                      حصول المدح للحيِّ وغيرِ الحيِّ، ويكون على الوصفِ الاختياريِّ والاضطراريِّ، فالمرءُ يمتدِحُ البستانَ الجميلَ، فيقول: مدحتُه. ولا يقول: حمدتُه ألبتة، كما يُمدَحُ الإنسانُ على جمالِ وجهِهِ، أو القمرُ على صفاءِ لونِه، وهما ليسَا من أفعالِهما، ويُمْدَحُ المرءُ على إحسانِه وكَرَمِه وحُسْنِ خُلِقِه ومعاملتِه وتَدَيُّنِهِ وإغاثتِه للملهوف، وشجاعتِه، وهذا كلُّه وأمثالُه من عملِه الاختياري. والمدحُ ثناءٌ وتكرارُه مَرَّةً بعد مَرَّةٍ مثلُ ذلك.

                      والثاني أنَّ الحمدَ يتعلقُ بالإشارةِ إلى إحسانِ المحمودِ عندَك فيكونُ على الجميلِ الاختياريِّ كما يُـحْمَدُ اللهُ تعالى على لطفِه ورحمتِه وإحسانِه، وهذا ما لا يتضمنه لفظ المدح.[4]
                      والثالث: أن المدح قد يكون بحق أو بغير حق ولهذا نهي عن كثير منه، بخلاف الحمد فإنه لم يأتِ في الشرع إلا وله معنى لائق ودلالة صحيحة.
                      *قال الجوهري رحمه الله: الحمد نظير الذم، والحمدُ أعمُّ من الشكر.
                      وأما الفرقُ بين الحمدِ والشكرِ، فإن معنى الشكرِ فيه قصورٌ عن معنى الحمد؛ لأن الشكرَ لا يكونُ إلا لأجلِ إحسانٍ وصل إليكَ أنتَ بشخصِك، بخلاف الحمدِ الذي هو ثناءٌ على الممدوحِ بصفاتِه من غير سبقِ إحسانٍ، فهو شكرٌ عامٌّ وَصَلَ إليكَ أو وَصَلَ إِلَى غَيْرِك. فالشكرُ "الثناءُ باللسانِ على الْمُنْعِمِ بما أَوْلَى من النِّعَمِ والإِحْسَانِ، فهو أخصُّ من الحمدِ موردًا؛ إذ موردُه النعمةُ فقط، وَأَعَمُّ مُتَعَلَّقاً إذ متعلقُه القلبُ واللسانُ والجوارحُ، لقول القائل:
                      أَفَادَتْكَ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثلاثةً ... يَدِي وَلِسَانِي والضميرَ الْمُحَجَّبَا"[5]
                      وقيل إن الحمدَ يعمُّ المدحَ والشكرَ لحديث " الحَمدُ رأسُ الشُّكرِ."[6]
                      * جاءت ﴿ٱلْحَمْدُ﴾ مُعَرَّفَـةً بِالْأَلِفِ وَاللَّام لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، فَـتَدُلُّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ جَمِيع أَجْنَاسِ الْحَمْد وَصُنُوفه لِلَّهِ تَعَالَى، إذ معناها (كُل)، أو (جميع)، أي: جميع المحامد، وكل المحامد.[7]
                      *وقيل قولُه تعالى ﴿ٱلْحَمْدُ﴾ بالتعريفُ بالألف واللام هو "تعريف الجنس؛ لأنَّ المصدرَ هنا في الأصل عِوَضٌ عن الفعل، فلا جرم أن يكون الدالُّ على الفعلِ والسَّادُ مَسَدَّهُ دَالًّا على الجنسِ، فإذا دخل عليه اللام فهو لتعريف مدلوله؛ لأن اللام تدل على التعريف للمُسَمَّى، فإذا كان المسمى جنسًا فاللام تدل على تعريفه ... وليست لامُ التعريف هنا للاستغراق لَمَّا عَلِمْتَ أنها لامُ الجنس؛ ولذلك قال صاحب الكشاف: "والاستغراقُ الذي تَوَهَّـمَـهُ كثيرٌ من الناس وَهْمٌ منهم، غير أن معنى الاستغراقِ حاصلٌ هنا بالمثال، لأنَّ الحكمَ باختصاصِ جنسِ الحمدِ به تعالى لوجود لام تعريف الجنس في قوله ﴿ٱلْحَمْدُ﴾، ولام الاختصاص في قوله ﴿لِلَّهِ﴾ يستلزم انحصار أفراد الحمد في التعلق باسم الله تعالى لأنه إذا اختصَّ الجنسُ اختصتِ الأفرادُ؛ إذ لو تحققَّ فردٌ من أفرادِ الحمدِ لغيرِ اللهِ تعالى لتحققَّ الجنسُ في ضمنِه فلا يتمُّ معنى اختصاصِ الجنسِ المستفادِ من لامِ الاختصاصِ الداخلةِ على اسمِ الجلالةِ، ثم هذا الاختصاصُ اختصاصٌ ادعائيٌّ فهو بمنزلة القصرِ الادعائيِّ للمبالغةِ."[8]
                      * ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ جملةٌ اسميةٌ تفيدٌ الأمرَ؛ يقول الشنقيطي: "وهو ثناءٌ أثنى به تعالى على نفسِه وفي ضمنِه أَمَرَ عبادَه أن يثنوا عليه به."[9] أي أن اللفظَ خبرٌ، ومعناه الإنشاءُ، فهذا لونٌ بديعٌ من ألوانِ الفصاحةِ والبلاغة، هو تلوينُ الخطاب صيغته الخبر ومعناه الأمر، فكأنه قال: "قولوا: الحمدُ للهِ."
                      * ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ جملة اسمية، تدل على الاستمرار والدوام، أي استمرار الحمد لله في كل آن، وهذا هو عين الصواب والحكمة؛ فإن مقتضى الحكمة أن يظل الخالقُ سبحانه محموداً، وأن يظل العبدُ حامداً شاكراً.
                      * ﴿ٱلْحَمْدُ﴾ بالرفع، ولم يقل: الحمدَ بالنصب، وفرَّق سيبويهُ بين الاثنين، فقال: "إن الذي يرفعُ الحمدَ؛ يُخبرُ أن الحمدَ منه ومن جميع الخلق، وأن الذي ينصبُ يُخبر أن الحمدَ منه وحده لله تعالى." [10] فكأنه قال (أَحْمَدُ الحمدَ).
                      قال صاحب التحوير والتنوير: "ومن شأن بلغاء العرب أنهم لا يعدلون عن الأصل إلا وهم يرمون إلى غرض عدلوا لأجله ، والعدول عن النصب هنا إلى الرفع ليتأتى لهم الدلالة على الدوام والثبات بمصير الجملة اسمية؛ والدلالة على العموم المستفاد في المقام من (أل) الجنسية، والدلالة على الاهتمام المستفاد من التقديم. وليس واحد من هذه الثلاثة بممكن الاستفادة لو بقي المصدر منصوبا؛ إذ النصب يدل على الفعل المقدَّرِ، والمقدَّرُ كالملفوظِ فلا تكون الجملةُ اسميةً إذ الاسم فيها نائب عن الفعل، فهو ينادي على تقدير الفعل فلا يحصل الدوام. ولأنه لا يصح معه اعتبار التقديم فلا يحصل الاهتمام، ولأنه وإن صح اجتماع الألف واللام مع النصب -كما قرئ بذلك وهي لغة تميم- كما قال سيبويه فالتعريف حينئذ لا يكون دالا على عموم المحامد؛ لأنه إن قَدَّرَ الفعلَ (أَحْمَدُ) بهمزة المتكلم، فلا يعم إلا تحميدات المتكلم دون تحميدات جميع الناسِ، وإن قَدَّرَ الفعلَ (نَـحْمَدُ) وأُرِيدَ بالنون جميع المؤمنين بقرينة ﴿ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ﴾ وبقرينة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ فإنما يَعُمُّ محامدَ المؤمنين أو محامدَ الموحدين كلهم. كيف، وقد حمد أهلُ الكتاب اللهَ تعالى وحمده العربُ في الجاهلية؟! قال ابن أبي الصلت: الحمدُ للهِ حمداً لا انقطاعَ له *** فليس إحسانُه عنا بمقطوعِ
                      أما إذا صار الحمدُ غيرَ جَارٍ على فعلٍ، فإنه يصيرُ الإخبارُ عن جنس الحمدِ بأنه ثابتٌ للهِ، فَيَعُمُّ كلَّ حَمْدٍ."[11]
                      * ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ بالرفع أبلغ من أن يقالَ (الحمدَ) بالنصب؛ لأن الرفع دالٌّ على الدوام والثبات. وكذلك فإن (الحمدَ) بالنصب والتعريف أبلغُ من قولنا (حمدًا لله) بالتنكير. قال الزمخشري: "إن العدولَ عن النصبِ إلى الرفعِ [إنما هو] للدلالة على ثبات المعنى واستقراره."[12] أي أن المعنى الحمدُ لله حمدًا دائمًا ثابتًا مستقرًّا لا زوالَ له أبداً؛ فللرفع مزية على النصب لأنه إخبارٌ عن ثابتٍ، وفيه تناسي معنى الفعلِ، والنصبُ تجديدُ ما لم يكن لأنه تذكيرٌ بالجملة الفعلية، الدالة على التجدد. ومنه قوله تعالى ﴿قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ (هود:69) رفع (السلامَ) الثاني للدلالة على أن خليلَ الله إبراهيم عليه السلام حيَّا زائريه من الملائكة بتحيةٍ أحسنَ من تحيتهم،[13] إذِ استعملوا هم النصبَ، واستعمل هو الرفعَ فكان أقوى وأبلغ وأفضل وأدوم وأثبت.
                      * يقول ابن عاشور في قوله تعالى ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ "وقع الاهتمامُ بالحمدِ مع أنَّ ذكرَ اسمِ الله تعالى أهمُّ فكان الشأن تقديمَ اسم الله تعالى وإبقاء الحمدِ غير مُهْتَمٍّ به حتى لا يلجأ إلى تغييره عن النصب إلى الرفع لأجل هذا الاهتمام. قلتُ: قَدَّمِ الحمدَ لأن المقامَ هنا مقامُ الحمدِ؛ إذ هو ابتداءُ أُولَى النعمِ بالحمدِ وهي نعمةُ تنزيلِ القرآنِ الذي فيه نجاحُ الداريْن، فتلك المنةُ من أكبرِ ما يُـحْمَدُ اللهُ عليه من جلائل صفات الكمال لا سيما وقد اشتمل القرآن على كمال المعنى واللفظ والغاية فكان خطوره عند ابتداء سماع إنزاله وابتداء تلاوته مُذكِّرًا بما لمنزله تعالى من الصفات الجميلة، وذلك يُذَكِّرُ بوجوب حمده وأن لا يُغْفَلَ عنه، فكان المقام مقام الحمد لا محالة، فلذلك قُدِّمَ وأزيل عنه ما يؤذِن بتأخره لمنافاته الاهتمام. ثم إنَّ ذلك الاهتمام تَأَتَّى به اعتبارُ الاهتمام بتقديمه أيضا على ذكر الله تعالى اعتدادًا بأهمية الحمدِ العارضةِ في المقام وإنْ كان ذكرُ الله أهمُّ في نفسِه؛ لأنَّ الأهميةَ العارضةَ تُقَدَّمُ على الأهميةِ الأصليةِ؛ لأنها أمرٌ يقتضيه المقامُ والحالُ، والآخرُ يقتضيه الواقعُ، والبلاغةُ هي المطابقةُ لمقتضى الحال والمقام، ولأن ما كان الاهتمامُ به لِعَارِضٍ هو المحتاجُ للتنبيهِ على عَارِضِهِ إذ قد يَـخْفَى، بخلاف الأمرِ المعروفِ الْمُقَرَّرِ فلا فائدة في التنبيه عليه بل ولا يفيته التنبيه على غيره."[14]
                      * دل لفظ ﴿ٱلْحَمْدُ﴾ على ثلاثة أشياء:
                      الأول
                      : أن كلَّ حمدٍ هو لله وليس حمداً دون حمد.
                      الثاني
                      : أن هذا الحمدَ مستمرٌ لا ينقطع ألبتة.
                      الثالث
                      : أن هذا الحمد يجب أن يكون من كل مخلوق.

                      * ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ساوى الله عز وجل بهاتين الكلمتين "بين البشر جميعا، فلو أنه ترك الحمد بلا تحديد، لتفاوتت درجات الحمد بين الناس بتفاوت قدراتهم على التعبير. فهذا أمي لا يقرأ ولا يكتب لا يستطيع أن يجد الكلمات التي يحمد بها الله. وهذا عالِـم له قدرة على التعبير يستطيع ان يأتي بصيغة الحمد بما أوتي من علم وبلاغة. وهكذا تتفاوت درجات البشر في الحمد طبقا لقدرتهم في منازل الدنيا. ولكن الحق تبارك وتعالى شاء عدله أن يسوي بين عباده جميعا في صيغة الحمد له. فيعلمنا في أول كلماته في القرآن الكريم أن نقول ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ليعطي الفرصة المتساوية لكل عبيده بحيث يستوي المتعلم وغير المتعلم في عطاء الحمد ومن أوتي البلاغة ومن لا يحسن الكلام. ولذلك فإننا نحمد الله سبحانه وتعالى على أنه علمنا كيف نحمده وليظل العبد دائما حامدا. ويظل الله دائما محمودا."[15]
                      * وقيل ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ثناءٌ من الله عَزَّ وَجَلَّ على نفسِه، فإنه سبحانه يحبُّ الثناء، ولذلك أثنى على نفسه، كما أخبر بذلك نبيُّه صلى الله عليه وسلم ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ."[16]
                      فمعنى ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ﴾ أي: سبق الحمدُ مِنِّي لنفسي قبل أن يحمدَني أحدٌ من العالمين، وحمدي لنفسي في الأزل لم يكن بِعِلَّةٍ، وحمدي الخلق مشوب بالعلل، قال علماؤنا: فَيُسْتَقْبَحُ من المخلوقِ الذي لم يُعْطَ الكمالَ أن يحمدَ نفسَه ليستجلبَ لها المنافعَ ويدفعَ عنها الْمَضَارَّ. وقيل: لَمَّا عَلِمَ سبحانه عَجْزَ عبادِه عن حمدِه، حَمِدَ نفسَه لِنَفْسِهِ في الْأَزَلِ... ألا ترى سيدَ الْمُرْسَلِينَ كيف أظهرَ الْعَجْزَ بقوله: "لا أُحْصِي ثَنَاءً عليك". وقيل: حمد نفسه في الأزل لما علم من كثرةِ نعمه على عبادِه وعجزِهم عن القيام بواجب حمدِه فحمد نفسَه عنهم لتكون النعمةُ أهنأَ لديهم حيث أسقطَ عنهم به ثِقَلَ الْمِنَّةِ. [17]
                      د. أحـمـد اللَّيثـي
                      رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                      تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                      فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                      تعليق

                      • ahmed_allaithy
                        رئيس الجمعية
                        • May 2006
                        • 4026

                        #12

                        * ﴿لِـلَّـهِ
                        اللَّامُ للاستحقاق والاختصاص أي أنَّ جميعَ المحامدِ مُسْتَحَقَّةٌ للهِ وحده، فلا يستحقُ الحمدَ حقيقةً غيرُ الله. ودليل ذلك أن (ال) في لفظ ﴿ٱلْحَمْدُ﴾ تدل على استغراق كل حمد، فيستلزم قوله تعالى ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ انحصار أفراد الحمد كلِّها في اسم الله تعالى؛ لأنه إذا اختص الجنسُ اختصت الأفرادُ، ولو فُرِضَ أن فرداً من أفراد الحمد استحقه غير الله لتحقق الجنسُ في ضمنه، وَلَمَا صَحَّ دخولُ لام الاختصاصِ على لفظ الجلالةِ (الله) كما سلف ذكره من قول الزمخشري.
                        - يجوز أن يكون اللامُ في ﴿لِـلَّـهِ﴾ لامَ التقوية؛ أي أنها قَوَّتْ تعلقَ العاملِ (أي اللام لكونها حرف جر) بالمفعولِ لضعفِ العاملِ بالفرعية، وزاده التعريفُ باللامِ في قوله ﴿ٱلْحَمْدُ﴾ ضعفًا لأنه أبعدَ شَبَهَه بالأفعالِ، ولا يفوتُ معنى الاختصاصِ؛ لأنَّه قد اسْتُفِيدَ من تعريفِ الجزأين.[1]
                        * قال بعض السلف "الحمدُ" على ثلاثة أوجه:
                        أولها: إذا أعطاكَ الله شيئاً، تعرف مَن أعطاك.
                        والثاني: أن ترضى بما أعطاك.
                        والثالث: ما دامت قوتُه في جسدك، ألا تعصيه. فهذه شرائطُ الحمد.

                        * في قوله تعالى ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ تقرير عقيدة الإسلام
                        فعقيدة الإسلام قائمة على التوحيد، وهو على ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات
                        فتوحيد الربوبية: هو إفراد الله تعالى بالخلق والرزق والإِحياء والإِماتة وسائر أنواع التصريف والتدبير لملكوت السماوات والأرض، وإفراده تعالى بالحكم والتشريع بإرسال الرسل وإنزال الكتب، قال الله تعالى ﴿إِنَّ رَ‌بَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْ‌شِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ‌ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ‌ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَ‌اتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ‌ تَبَارَ‌كَ اللهُ رَ‌بُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف: 54)
                        وتوحيد الألوهية: هو إفراد الله تعالى بالعبادة فلا يعبد غيره، ولا يدعى سواه، ولا يستغاث ولا يستعان إلاَّ به، ولا ينذر ولا يذبح ولا ينحر إلاَّ له، قال الله تعالى ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَ‌بِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِ‌يكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْ‌تُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين﴾ (الأنعام: 162- 163) وقال ﴿فَصَلِّ لِرَ‌بِّكَ وَانْحَرْ﴾ (الكوثر: 2)
                        وتوحيد الأسماء والصفات: هو وصف الله تعالى وتسميته بما وصف وسمى به نفسه وبما ورد من أسمائه وصفاته على لسان رسوله r في الأحاديث الصحيحة، وإثبات ذلك له من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل.
                        وقد اجتمعت أنواع التوحيد الثلاثة في قوله تعالى ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
                        فقوله جلَّ وعلا ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ دليل على توحيد العبادة وتوحيد الألوهية، وهذه الدلالة من طريقين: الأول: أنها أثبتت صفات الإله لله وحده بقوله تعالى: ﴿لِلَّهِ﴾، فهذا اللفظ يدل على إثبات الألوهية له سبحانه، وإبطال ألوهية ما سواه، وأول ما تتضمنه الألوهيةُ استحقاقُ العبادة له وحده دون سواه.
                        الطريق الآخر قوله تعالى ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، يفيد أن الحمد الخالص المطلق الذي هو عبادةٌ وقُربةٌ، لا يكون إلا لله تعالى، فلا يكون صَرْفُ العبادة إلا لله. وَلَمَّا كان معلومًا أن الفرد يدل على الجنس، فإذا كان الحمد لا يكون إلا لله، فكذلك الدعاء والعبادة والاستغاثة وما أشبه


                        د. أحـمـد اللَّيثـي
                        رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                        تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                        فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                        تعليق

                        • ahmed_allaithy
                          رئيس الجمعية
                          • May 2006
                          • 4026

                          #13
                          وأما قوله سبحانه: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، فالرب هو هُوَ الْمَالِك الْمُتَصَرِّف وَيُطْلَق فِي اللُّغَة عَلَى السَّيِّد وَعَلَى الْمُتَصَرِّف لِلْإِصْلَاحِ يُقال لمن أصلح شيئًا وأقامه: هو ربٌ له؛ والرب هو الْمُدبر والْـجـابرُ، والمعبودُ، وَكُلّ ذَلِكَ صَحِيح فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى، وَلَا يُسْتَعْمَل الرَّبّ لِغَيْرِ اللَّه بَلْ بِالْإِضَافَةِ تَقُول: رَبُّ الْبَيْتِ، وَرَبُّ الْإِبِلِ، وَرَبُّ الْأُسْرَةِ، وَهَكَذَا.[1]
                          و﴿الْعَالَمِينَ﴾: جَمْع عَالَم وَهُوَ كُلّ مَوْجُود سِوَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَالْعَالَم جَمْع لَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه، كَالْأَنَامِ وَالرَّهْطِ وَالْجَيْشِ، وَاللَّفْظَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْعَلَمِ أَوِ الْعَلَامَةِ، وَتَدُلُّ عَلَى كُلِّ ذِي رُوحٍ؛ وَالْعَوَالِم أَصْنَاف الْمَخْلُوقَات فِي السَّمَاوَات وَفِي الْبَرّ وَالْبَحْر وَكُلّ قَرْن مِنْهَا وَجِيل يُسَمَّى عَالَمًا أَيْضًا.[2] وقيل ﴿الْعَالَمِينَ﴾ الجنُّ والإنسُ[3] لأنهم المنوطون بالتكليف.
                          وفي قوله هذا إثبات للتوحيد الخبري، المبني على الاعتقاد، وفيه الوصف له سبحانه بالربوبية التي تشمل صفات الخلق والرزق والتدبير وغيرها.
                          وعند التفصيل فقوله ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ دلنا على توحيد الربوبية، ولفظ ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ دلنا على توحيد الأسماء والصفات، وفيه أيضًا بيان أن ربوبية الله للعباد ربوبية رحمة وربوبية عطف وإنعام وربوبية إحسان.

                          * في قوله تعالى ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ كذلك فوائد عدة منها:
                          - الإقرار لله بالغنى المطلق، فالله عز وجل لا يكون رباً بالوصف المذكور في توحيد الربويية إلا إذا كان غنياً، فدلَّت إضافة الربوبية للعالمين على أن غناه في غايته التي لا يصل إليها حد.
                          - العلم واليقين والإقرار بفقر المخلوقين إلى الله، وحاجتهم إليه، فلا يخرج أحد عن تصرف الله، أو عن ملكه وربوبيته، ولا غنى لأحد عنه، فإن المربوب لا قيام له إلا بالرب.
                          - إن العلاقة بين الخالق والمخلوق هي علاقة إحسان وتفضُّل منه عز وجل على جميع الخلق، فالإحسان من مقتضيات الربوبية. وقيل: سُمِّيَ الْعَالَـمُ عالَمًا؛ لأن "وجودَ العالَـمِ علامةٌ لا شك فيها على وجود خالقِه متصفًا بصفاتِ الكمالِ والجلالِ، قال تعالى : ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيات لِأُولِي الْأَلْبَابِ(آل عمران:190) والآية فى اللغة: العلامة."[4]
                          * ﴿الْعَالَمِينَ﴾ كما سَلَفَ جمعُ عالَـم، ولم يبيِّن الله عز وجل هنا ما العالمون، وجاء بيان ذلك في موضع آخر بقوله: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا(الشعراء:23-24).[5]
                          - إبطال لمذاهب أهل الشرك في نسبة الخلق والرزق والتصرف في الكون إلى غير الله من جن أو إنس أو مخلوقات لا سلطان لها؛ إذ أبطل قوله عز وجل ﴿الْعَالَمِينَ﴾ ادعاء كل مدَّعٍ كاذب ومفترٍ عليه؛ فهو ربهم جميعًا.

                          * قال تعالى ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ
                          ذَكَرَ في أول السورة خمسةَ أسماءَ له: الله، الرب، الرحمن، الرحيم، الملك أو المالك. فما الفائدة؟
                          قال صاحبُ التفسير الكبير: السبب فيه كأنه يقول: خلقتُك أولاً، فأنا إله. ثم ربيتُك بوجوه النعم، فأنا ربٌّ. ثم عصيتَ فسترتُ عليكَ، فأنا رحمنٌ. ثم تُبتَ فغفرتُ لك، فأنا رحيمٌ. ثم لابد من إيصال الجزاء إليكَ، فأنا مالكُ يوم الدين.

                          د. أحـمـد اللَّيثـي
                          رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                          تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                          فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                          تعليق

                          • Dr_Almazeny
                            كبار الشخصيات
                            • May 2006
                            • 151

                            #14
                            الحمد لله رب العالمين
                            ما شاء الله لا قوة إلا بالله
                            لا تنقضي الفوائد ولا يستغني القلب عن الزاد للقيام والتقويم

                            شكر الله لك وبارك عليك ووصلك بفضله وجعل لنا جميعا تقى وفرقانا
                            "طلب العلم فريضة"

                            د. إسلام المازني

                            تعليق

                            • ahmed_allaithy
                              رئيس الجمعية
                              • May 2006
                              • 4026

                              #15
                              وإياكم أستاذنا الحبيب الدكتور إسلام المازني، وشكر لكم إطلالتكم الطيبة.
                              أدام الله عليكم أمنه وحفظه.


                              المشاركة الأصلية بواسطة dr_almazeny
                              الحمد لله رب العالمين
                              ما شاء الله لا قوة إلا بالله
                              لا تنقضي الفوائد ولا يستغني القلب عن الزاد للقيام والتقويم

                              شكر الله لك وبارك عليك ووصلك بفضله وجعل لنا جميعا تقى وفرقانا
                              د. أحـمـد اللَّيثـي
                              رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                              تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                              فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                              تعليق

                              يعمل...