ثر الدراسات اللغوية السامية المقارنة في النظر إلى قضيتي الإعراب والمعرّب
عند الرئيس الشرفي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المغربي.
تمهيد:
بين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والدكتور محمد تقي الدين الهلالي:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله،
أمّا بعد؛
خدم المغاربة اللغة العربية منذ دخولهم في الإسلام، وكانت معظم دراساتهم اللغوية مرتبطة بالقرآن الكريم والسنة النبوية وطرق استنباط دلالاتهما وأحكامهما.
وأحيت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين اللغة العربية، في خطبها ودروسها وصحفها، وكانت لها علاقات مع كبار العلماء في دول المغرب العربي وغيرها.
ومن العلماء الكبار الذين ربطتهم بجمعية العلماء مبادئ الإسلام والعروبة العلامة المغربي الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله تعالى، فقد «كان الاجتماع العام لجمعية العلماء الذي عقد بالجزائر العاصمة يومي 30 سبتمبر [و] 01 أكتوبر 1951 اجتماعا متميزا، حيث جددت فيه مبايعة الإمام الإبراهيمي لقيادة الجمعية...، ومن أهم ما اتخذه المجلس الإداري الجديد هو منح لقب رئيس شرفي لجمعية العلماء لبعض العلماء غير الجزائريين ممن عرف بحمل الفكرة السلفية الإصلاحية والدفاع عنها، ولا نعلم جمعية غير جمعية العلماء في العالم العربي والإسلامي اتخذت مثل هذه الخطوة...
أما العلماء الذين تقرر منحهم هذه الرئاسة الشرفية فهم:...تقي الدين الهلالي(بغداد)...»[1]
وفي هذه الورقات بيان لقضيتين تخصان اللغة العربية والقرآن الكريم، جمعتها من بعض مدونات الهلالي رغبة مني في التعريف بإسهامات عالم من علماء المغرب في الدراسات اللغوية وأثرها في قراءة الخطاب الديني.
والدكتور محمد تقي الدين الهلالي -رحمه الله- فقيه في الدين وفي اللغة، يتقن العربية، ويجيد العبرية والسّريانية والبربرية، ومن اللغات الأوربية:الانجليزية، والألمانية، والإسبانية، وتعلم لغة بريل لما أضر، وهو ملم بعلوم الإسلام ونصيب وافر من علوم الغرب حيث حصل على الدكتوراه من جامعة برلين بألمانيا.
يقول د. محمد تقي الدين الهلالي «...وقد نقلت كلام هارتمان بنصه الإنكليزي، وكلام بروكلمان بنصه الألماني، ورددت عليه في رسالتي التي قدمتها في جامعة برلين، وأحرزت بها لقب دكتور في الفلسفة على حد تعبير الأوربيين وفي الأدب على حد اصطلاح العرب، وقد ناقش هذه الرسالة عشرة من علماء جامعة برلين أحدهم أستاذي المرشد رشارد هارتمان فوافقوا بالإجماع على ردي لتلك الترهات التي اخترعها مارتين هارتمان واستحسنها بروكلمان وسود بها صحائف كتابه(تاريخ الأدب العربي).»(1).
وقد أرسل لي الباحث الكندي Lauziere Henri الذي يعد أطروحة دكتوراه في (Georgetown University) بعنوان:
The Evolution of the Salafiyya in the Twentieth Century Through the Life and Thought of Taqi al-Din al-Hilali
أسماء بعض الأساتذة المستشرقين الذين تتلمذ عليهم الدكتور محمد تقي الدين الهلالي. فقال:
‹‹on connait le nom des professeurs sous qui al-Hilali a étudié:
- Paul Kahle (qui lui a proposé de travailler sur la traduction de l'introduction du كتاب الجماهر de al-Biruni, ce qui devint la thèse de doctorat du Dr. al-Hilali).
- Martin Hartmann
- Wilhelm Heffening (le premier superviseur de al-Hilali à Bonn; il ne s'est pas bien entendu avec lui et a quitté pour Berlin)
- Karl Brockelmann (qui était membre du comité de professeurs qui ont évalué la thèse de al-Hilali et lui ont conféré le titre de "docteur")››.
وهؤلاء المستشرقون متخصصون في حضارات الشرق الأوسط وأديانه ولغاته.
1/اللّغات السّاميّة:
أولا: فصائل اللغات:
للهلالي اطّلاع كبير على اللّغات وفصائلها وخاصّة اللّغات السّاميّة ففي معرض تقريره لأصالة الكلمات المُشتركة بين اللّغات المُنتمية إلى فصيلة واحدة في كلّ لغة من هذه الفصيلة الواحدة قال: «.. وهذا هو الشّأن في كلّ مجموعة من اللّغات ترجع إلى أصل واحد، كاللّغات اللاتينيّة كالإيطاليّة والإسبانيّة والفرنسيّة والرّومانيّة والبرتغاليّة. ومجموعة اللّغات الجرمانيّة كالألمانيّة والهولنديّة والفلمنكيّة والسّويديّة والنّرويجيّة والدّانماركيّة.»[2]
ثانيًا: اللغات السامية:
أ- لغات التّوراة والأناجيل؛ لغاتٌ ساميّة درسها الهلالي:
أمّا فيما يخصّ اللّغات السّاميّة فله مؤلّف بهذا العنوان لم أظفر به لكنّي جمعت بعض ما يتعلّق بالموضوع من كتبه المنشورة.
قال محمّد تقيّ الدّين: « قول ابن كثير:« إنَّ إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة »قرأتُ هذا في "التّوراة" باللّغة العبرانيّة، فللّه درّ هذا الإمام ما أعظم تحقيقه وأوسع اطّلاعه.» [3]
وقال: «...والعجب من المُفسّرين الأوّلين فإنهم اختلفوا في معنى البِيَع والصّلوات، وكلّ من يعرِفُ شيئًا من السّريانيّة والعبرانيّة يعلم يقينا أنَّ البِيَع معابد النّصارى العامّة، وأصل البيعة بيضة بالسّريانيّة؛ لأنّ السّريانيّين كثيرا ما يقلبون الضّاد عينًا، فيقولون للأرض: أرعى، وللبيضة: بيعى، وإنّما سُمِّيت كنيسة النّصارى بيعة عندهم، لأنّهم كانوا يجعلون لها قُبَّةً على شكل بيضة ثُمَّ عمَّ استعمالُها في كلِّ كنيسة لهم.»[4]
ففي هذين النصين إشارة إلى دراسة الهلالي للغات السامية التي كتبت بها الكتب المقدسة.
ب- الموطن الأصليّ للّغات السّاميّة:
البربريّة والقبطيّة وحرفي العين والحاء:
يستدل الهلالي على أن «... البربرَ من الشُّعوب التي خرجت من جزيرة العرب قبل زمان سحيقٍ في القِدَم.» [5] بأن « حرف العين خاص بالشعوب السامية التي خرجت من جزيرة العرب ولا يوجد عند غيرهم، فالشعوب التي ليس في لغتها عين كالأوروبيين مثلا لا يستطيع الشخص الذي لم يسمع العين ولم يتدرب عليها مدة طويلة لا يستطيع أن ينطق بها أبدا إلاّ إذا خالط شعبا ساميا كالعرب والسريانيين والآشوريين والعبرانيين والقبط والبربر مدة طويلة وقد يخالطهم زمانا طويلا ولا يستطيع أن ينطق بها.» [6]
فـ« من المعلوم عند علماء اللغات أن العين والحاء لا توجدان إلا في اللغات السامية، فإن وجدت إحداهما في كلمة من لغة غير سامية فتلك الكلمة طارئة واردة على تلك اللغة وبهذا يستدل الفيولوجيون على أن البربر من جزيرة العرب قبل خروج البابليين والآشوريين والكنعانيين والفينيقيين كما هو مبين في موضعه.»[7]
فإذا كان الموطن الأصلي لكل الساميين هو شبه الجزيرة العربية فهذا يدل على أنهم كانت لهم لغة واحدة، وبتفرقهم في المنطقة التي تسمى حاليا الشرق الأوسط اختلفت لغاتهم، لكن من المؤكد أنه بقي تقارب بين هذه اللغات، ففيما يتمثل؟
ج- الخصائص المُشتركة للّغات السّاميّة:
يقول الهلالي: «... وأساليبُ هذِه اللُّغات- يعني الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة- ونثرها ونَظْمها مُتَقارِب في الغَالِب؛ كما أنَّ نظم العربيّة وأخواتها كالعِبْرانيّة والسّريانيّة متقارب.»[8]
ويكمن هذا التقارب في:
الصوت:
«وهكذا الأسماء الثلاثية في اللغة العبرانية كثير منها يكون بكسر أوله وثانيه وإذا أضيف إليه ياء المتكلم تقول (سفري) بكسر فسكون كما في العربية.»[9]
الصّرف:
«...التَّبْسيط هو التّوسيع فهو بمعنى البَسْط، إلاّ أنَّ التّبسيط فيه مُبالغة كالتَّقْتيل بمعنى القتل؛ أي كثرته. و فعّل المُضاعف إذا اشترك مع الثّلاثيّ في معنًى واحد دلَّ الرَباعيّ على الكثرة والمُبَالغة في اللُّغة العربيّة، وفي أُخْتَيها العبرانيّة والآراميّة.»[10]
النحو:
«العربيّة والعِبرانيّة كلتاهما تبدأُ الجملة الفِعليّة فيهما بالفعل ولا يلْزمُ أنْ نذكُرَ اسمًا قبْلَ الفِعل لا ضميرا ولا ظاهرًا، فتقول طلعت الشّمسُ وظهر الحقُّ، ولو ذكرنا ضمير "أنا" قبلَ الفِعل الماضي لمْ يصحّ إسناد الفِعل إليه بل تتّصِلُ به وُجوبًا تاء متكلّم فنقولُ في العربيّة: أنا تعلّمْتُ. وفي العبرانيّة: أني لامذْتِ.»[11]
الأسلوب:
قال محمّد تقيّ الدّين في معرض حديثه عن التّكرار في سورة الكافرون:« التّكرار الواقع في هذه السّورة بليغ، والغرض منه التّوكيد كقوله تعالى:﴿ فإنّ مع العُسرِ يُسْرًا إنّ مع العُسر يُسْرا﴾ [الشّرح:5-6] وكقوله تعالى: ﴿ لتروُنَّ الجحيم ثُمَّ لتروُنَّها عين اليقين ﴾ [التّكاثر:6-7]...وهذه طريقة معروفة في اللّغة العربيّة وفي سائر اللّغات السّاميّة.»[12]
- أمثلة على تقارب اللّغات السّاميّة:
قال محمد تقي الدين:« كلمة (سفر) بكسر السين وسكون الفاء من الكلمات المشتركة بين اللغات السامية التي نعرفها ففي السريانية (سفرا) سواء أكان نكرة أم معرفة لأن كل اسم في السريانية ينتهي بالألف وليس فيها أداة تعريف، وبالعبرانية إذا لم تضف هذه الكلمة تلفظ (سفر) بكسر السين والفاء، وهكذا الأسماء الثلاثية في اللغة العبرانية كثير منها يكون بكسر أوله وثانيه وإذا أضيف إليه ياء المتكلم تقول (سفري) بكسر فسكون كما في العربية.»[13]
«...فإن اسم الله بالسريانية (الاها) هذا عند السريانيين الغربيين وعند السريانيين الشرقيين (ألاهو). والسبب في ذلك أن جميع الأسماء عند السريانيين الغربيين تختم بألف مثل (بيتا) بيت، (ماي) ماء، (شمايا) سماء، (عليما) غلام. وهكذا.. أما السريانيون الشرقيون فإن الأسماء تختم عندهم بواو قبلها ضمة واسمه تعالى باللغة العبرانية (إلوهيم) ولا تختلف الشعوب السامية فيما نعلم في اسم الله تعالى إلا فيما رأيت من تغيير الحركات...»[14]
جاء في ترجمة "يوسف روفلين" للقُرْآن الكريم بالعبرانيّة في أوّل سورة الصّفّ ما نصّه- مع استبدال الحروف العبرانيّة بحروف عربيّة-:
"بارششت همعراخا: سورة المعركة"
"بشم إلوهيم هارحمان هارحوم يشبح اث إلوهيم كل اشر بشاميم وغل اشربا ارص وهو هكبور وهحاخام، همأمنيم لا ماتوا مروات اثر لو تعسوا: ﴿بسم الله الرّحمن الرّحيم سَبَّحَ لله ما في السّموات وما في الارض وهو العزيز الحكيم يا أيُّها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون﴾"
فأنت ترى أنّ الألفاظ كلّها مُشتركة من أوّل البسملة إلى قوله تعالى: «لِمَ» إلاّ أنَّ:
لفظ "سَبّحَ" أُبْدلت سينُه شينًا، وحلّ المُضارع محلّ الماضي، وهذا الفِعلُ في العبرانيّة مُتعدّ بنفسه وكذلك في العربيّة؛ قال تعالى في سورة ق(40):« وَمِنَ اللّيلِ فَسَبِّحْه وإدْبَارَ السُّجُود». وإلاَّ:
ترجمة "مَا" الموصولة ب "اشر".
وزيادة "كل" لأنَّ التّرجمة إنّما هي تفسير.
وإبدال سين السّماوات شينًا وجمعُها بالياء والميم.
واستعمال "باء الجرّ" في موضع "في"، وهو جائز في العربيّة؛ قال تعالى في سورة الصّافّات(138-137): «وإنّكم لتمرّون عليهم مُصبِحين وباللّيل أفلا تعقلون ».
وإ بدال ضاد الأرض صادًا.
وإبدال العزيز بالجبَّار: "هكبور" وهما مُتَقَاربان في المعنى.
وإبدال الحكيم " هحاخام " وهما شَيْءٌ واحدٌ إلاَّ أنَّ الكاف اُبْدِلت خاءًا.»[15]
"...و آل اسم الله تعالى بالسّريانيّة والعبرانيّة ومنه جبريل ولفظه بالسّريانيّة كبرائيل ف"كبرا"معناه بالسّريانيّة رجل، وآل اسم الله. وهو رجل الله الذي يرسله إلى أنبيائه."[16]
وهذا الجدول يجمع الكلمات التي وقفت عليها ومقابلاتها في اللغات السامية من كلام الهلالي ويبين مدى التقارب بين معاجمها لأنها منحدرة من أصل واحد:
العربية
العبرانية
السريانية الغربية
الله
آل
آل
الله
إلوهيم
ألاها
اسم
شِم
شِمَا
أرض
أرص
أرعى
بيت
بيتا
بيضة
بيعى
جبّار
كبور
حكيم
حاخام
طيبة
طوبة
ماء
مايا
سماء
شمايا
تلميذ
لومذ
مؤمنون
مأمنيم
سِبْط
شِفِط
سماوات
شماييم
سِفْر
سِفْر
رحمان
رحمان
رحيم
رحوم
غلام
عليما
فإذا كان التقارب بين هذه اللغات واضح إلى هذه الدرجة، فما أصل هذه اللغات خاصة إذا علمنا أن موطنها الأصلي هو شبه الجزيرة العربية كما تقدم؟
د- العربيّة أصلُ السّاميّات:
يذهب الهلالي إلى أن: «... الرَّأْي الصّحيح الذي عليه المُحقِّقُون من علماء هذا الشّأن أنَّ اللُّغة العربيّة هي الأصل وسائر اللّغات السّاميّة تفرّعت عنها كما العامّيّة عن الفصحى... »[17]
ويقول: «ومُشتقّات مادّة "ل م د" في اللّغة العبرانيّة كثيرة،
وأمّا في اللُّغة العربيّة التي هيَ أصْلُها على الصّحيح وقيل هي أُختُها الكُبْرى والأصلُ ضائِع؛ فلم يُستعْمل مِنْ هذه المادّة إلاّ تِلميذ.»[18]
ولا شك أن الانتشار في الدائرة الحضارية للشرق الأوسط القديم أدى إلى الاختلاف بين هذه اللغات، ومن أمثلته:
ﻫ- الاختلافات بين العربيّة واللّغات السّاميّة:
- اختلافات صوتيّة:
في حروف المباني:«وذكرْتُ أنَّ الذّال المُعجمة لا وجود لها في اللُّغة العبرانيّة أصالةً وإنّما تُوجدُ الدّال المُهملة ويَعْرِضُ لها الإعجام إذا جاءتْ بعدَ حركَةٍ ممدودة أو غير ممدودة أو سُكون ناقص.»[19]
وفي الحركات: «أني لامذْتِ. بكسر التّاء لأنّ تاء المُتكلّم في العبرانيّة مكسورة.»[20]
- اختلافات صرفية:
«كلمة تلموذ بالذّال المعجمة في اللّغة العبرانيّة مشتقّة مِن المصدر "لاموذ" وهو مصدَرُ الفِعل الثُّلاثِي المعروف عند علماء هذا الشّأن باسم" قال".
وذكرتُ بعض مشتقّاته من الثّلاثي:
إسم الفاعل: لومذ أيْ مُتَعلِّم
يِلْمَذ ( بكسر أوّله وسُكون ثانيه و فتح ثالثه) ومعناه يَتَعلّم
والفعل الرُّباعي "لِمِّذ"(بكسر اللاّم و الميم المُشدَّدة) ومعناه علّم من التّعليم .
ومُضارِعُه "يلمّذ" واسم الفاعل "مِلَمّذ".
فهو[أيْ: التّلموذ] تَفْعُول بزيادة التّاء والواو ومعناه في اللُّغة التّعليم .»[21]
- اختلافات نحوية:
«لأنَّ الفعل المُضارع المبدوء بحرف من حروف "أنيْتُ" عِندهم في الأزمِنة المُتأخّرة يختصُّ بالمُستقبل.....»[22]
- اختلافات مفرداتية:
«بعضُ الكلماتِ تُهمَلُ في إحداهما وتوجدُ في الأُخرى وبَعْضُها تقِلُّ فروعها ومُشْتقَّاتها في إحدى اللُّغتين وتكثُرُ في الأُخرى.»[23]
2/المعرّب في القرآن الكريم:
أ- المُعرّب لغة: إسم مفعول من الفعل عرّب، يعرّب، والمصدر تعريبا. والمُعرّب: هو الذي جُعِل عربيّا.
ب- المُعرّب اصطلاحا: عرّفه السّيوطيّ بقوله: « هو ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعان في غير لغتها » وقال الجوهريّ: « تعريب الاسم الأعجميّ أن تتفوّه به العرب على منهاجها.»[24].
وينتمي المُعرّب إلى حقل من المفاهيم الاصطلاحية بينها عموم وخصوص. يقول د.علي عبد الواحد وافي في "الدّخيل الأجنبي،المعرّب والمولّد": « يُراد بالدّخيل الأجنبيّ ما دخل العربيّة من مفردات أجنبيّة سواءً في ذلك ما استعمله العرب الفصحاء في جاهليّتهم وإسلامهم، وما استعمله من جاء بعدهم من المولّدين.
وقد اصطلح المحدثون من الباحثين على أنّ العرب الفصحاء هم عرب البدو من جزيرة العرب إلى أواسط القرن الرّابع الهجري، وعرب الأمصار إلى نهاية القرن الثّاني الهجري- ويسمُّون هذه العصور بعصور الاحتجاج-...وأنّ المولّدين هم من عدا هؤلاء ولو كانوا من أصول عربيّة.
ويُطلق على القسم الأوّل من الدّخيل الأجنبيّ وهو ما استعمله فصحاء العرب اسم المُعرّب. وعلى القسم الثّاني منه وهو ما استعمله المولّدون من ألفاظ أعجميّة لم يعرّبها فصحاء العرب اسم الأعجميّ المولّد.»[25] (علي عبد الواحد وافي: فقه اللّغة.153).
وقد يقصد الهلالي بالدّخيل اللّفظ العربي الذي يستعمله جهلة المُترجمين والصّحافيّين ليُؤدّي معنى لم تستعمله العرب فيه، ومصدره التّرجمة الحرفيّة الفاسدة.
قال الهلالي: «أمّا تسميّتُها دخيلة فلا إشكال فيه، لأنّها لا توجد في الإنشاء العربي الذي قبل هذا الزّمان.»[26](تقويم اللّسانين:10).
وقال:«ولم يزل علماء اللّغة مُعتنين بهذا الموضوع[يقصد:تقويم اللّسانين]، باذلين جهدهم في تنظيف الإنشاء العربيّ من الألفاظ الدّخيلة...»[27](تقويم اللّسانين:9).
ج- دوافع التّعريب:
ركّز الهلاليّ في مقاله:"ما وقع في القرآن بغير لغة العرب" على سبب رئيس للتعريب هو ضرورة التّواصل مع الأُمَمِ الأُخرى في المُعاملات التّجاريّة ففي تفسير قول الله عزّ و جلّ: « رَبَّنَا إِنِّي أَََسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَتِي ...» قال الهلالي: « ذكر إبراهيم في دعائه أنّه أسكن ذُرّيته يعني إسماعيل وآله بواد غير ذي زرع وهو وادي مكّة وإذا لمْ يكن فيه زرع لم تكن فيه ثَمَرَات، وذكر في أثناء دُعائِِه ومناجاته لربِّه أنّه أسكن ذُرّيته بذلك الوادي المُقفِر ليُقيموا الصّلاة أيْ يُؤَدُّوها قائِمةً كاملةً عند بيتِ الله، ويعبُدوه، فسأل الله أنْ يجعل قُلوب النّاس تهوي إلى ذُرِّيته، أيْ تُسرع إليهم شوقا ومحبّةً، وتمدّهم بما يحتاجون إليه وأن يرزقهم من الثَّمَرَات التي تُجلب إليهم من الآفاق والأقطار المختلفة ليشكُروا الله على ذلك فيزيدهم، وقد استجاب الله دعوَته فصارت أنواع الحبوب والثَّمَرَات والتّوابل والأدوات والثِّياب والتُّحف والطّرائف تُجْلبُ إلى مكّة من جميع أنحاء المعمورة. وهذه الأمور التي تُجْلبُ إليها كثيرٌ منها وُضِعت أسماؤُها في البلدان التي تصدُرُ منها فإذا جاءت إلى أهلِ مكّة يّسمّونها بالاسم الذي جاءت به فتندمج في لغتهم وتصير جزءًا منها.»[28] إلى أن قال: « ...وقد اخبرنا القرآن أنّ قريشاً كانت لهم رحلتان: رِحلة في الشّتاء إلى جنوب الجزيرة العربيّة، ورحلة في الصّيف إلى الشّام وكانوا تُجّارا ينقلون البضائع من بلد إلى بلد، وكانت مكّة شرّفها الله تعالى مركزا عظيما للتّجارة قبل الإسلام فكانت تنقل إليها البضائع من الشّرق والغرب والجنوب والشّمال، فكيف يُتصوّر أنّ لغة العرب تبقى مُغلقةً مختومًا عليها لا تخرج منها كلمة ولا تدخلها كلمة ؟!» فالحاجة والضّرورة هي التي دفعت العرب إلى تعريب الأسماء التي تفرّد بها غيرهم.
دافعا آخر للتّعريب هو: الإعجاب ؛ وذلك بأن يُعجب العرب بلفظة أعجميّة، ثمّ يعمدون إلى تعريبها رغم وجود مُقابلها العربيّ، وربّما تناسوا اللّفظة العربيّة أو أهملوها، مثل: الباذنجان كان يُسمّى الحدج، ومع ذلك غلب للإعجاب بما هو غريب، وكذلك الإبريق في لغة العرب يُسمّى التّأمورة.
فلا خلاف بين علماءِ اللُّغة في وجود كلمات أعجميّة عرّبتها العرب و نطقت بها على سنن كلامها، إنّما الخلاف في المُعرّب: هل هو موجودٌ في القرآن أو لا ؟
د- منشأ الخلاف في وقوع المُعرّب في القرآن الكريم:
ذكر الهلاليّ أنّ "الأئمّة الذين أنكروا وجود كلمات غير عربيّة في القرآن تمسّكوا بظاهر قوله تعالى في سورة يوسف:« إنّا أنزلناه قرآنا عربيّا لعلّكم تعقلون»، وقوله تعالى في سورة النّحل:« لسان الذين يُلحدون إليه أعجميّ وهذا لسانٌ عربيٌّ مبينٌ»، وما أشبه ذلك. " فمنشأ الخلاف هو تفسير هذه الآيات؛ ف" قرآنا عربيّا " هل معناه أنَّ: كلّ كلماته أصولها عربيّة خالصة، أو المعنى هو: كل ما في القرآن من الكلمات كانت تنطق به العرب وتفهمه وهو جار على سنن كلامها وإن كانت بعض الكلمات أصولها أعجميّة غير عربيّة؟.
ﻫ- الخلاف في وجود المُعرّب في القرآن الكريم:
نقل الهلاليّ عن السّيوطي مذاهب العلماء في وجود المُعرّب في القرآن الكريم ونقله عنه الهلالي في مقاله: "ما وقع في القرآن بغير لغة العرب" وهذا تلخيصها من المقال المذكور.[29]
المَذْهب الأوّل: الإنكار:
" فالأكثرون؛ ومنهم الإمام الشّافعيّ وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر وابن فارس على عدم وقوعه فيه لقوله تعالى: « قرآناً عربيًّا »، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ﴾، وقد شدّد الشّافعيُّ النَّكيرَ على القائل بذلك .
وقال أبو عبيدة: «إنَّما أُنزِل القرآن بلسان عربِيّ مبين فمن زعم أنَّ فيه غير العربيّة فقد أعظم القول ومن زعم أنّ ﴿ لُدًّا﴾ بالنبطيّة فقد أكبر القول »
وزاد ابن فارس سببًا ثانيًا لإنكار المُعرّب في القُرآن فقال: « لو كان فيه من غير لغة العرب شيءٌ لتوهم مُتَوَهمٌ أنَّ العرب إنّما عجزت عن الإتيان بمثله لأنّه أتى بلغات لا يعرِفونها »
قال محمّد تقيّ الدّين متعقّبًا:« إنّما يمكن أن يُقال ذلك إذا كان في القرآن تراكيب أعجميّة، أو كلمات باقية على عُجمتها، أمّا وجود كلمات قد صقلتها العرب بألسنتها ونحت بها مناحي كلماتها ودخلت في أوزانها فلا يمَكِّن أحدًا أن يدّعي ذلك فيها...، ولمْ يَقُل أحدٌ من العرب المُعادين للإسلام إنَّ الذي منعهم من معارضة القُرآن هو وُجود كلمات فيه غير عربيّة بل سلّموا أنّه كلّه عربيٌّ.»
ثمّ نقل السّيوطِيّ ردّ ابن جرير على حُجّة المُثبتين فقال:« قال ابن جرير: ما ورد عن ابن عبّاس وغيره من تفسير ألفاظ القرآن أنّها بالفارسيّة أو الحبشيّة أو النّبطيّة أو نحو ذلك إنّما اتّفق فيها توارد اللّغات فتكلّمت بها العرب والفُرس والحبشة بلفظ واحد.»
وتعقّبه محمّد تقيّ الدّين الهلاليّ بقولِه: «ابن جرير إمام المُفسِّرِين في زمانه وما بعده وقد أخطأ في هذا الرّأْي إذْ لا يُمكن أن تتكلّم هذه الشُّعوب المتبايِنة في أنسابها ولغاتها المُتباعدة في أوطانها على سبيل المُصادفة والإتّفاق وتوارُد الخواطر بتلك الكلمات الكثيرة العدد.»
المَذْهب الثّاني: الإثبات:
قال الهلالي:« ...ثُمَّ ذكر السّيوطيّ آراء أخرى يظهر زيفها عند الإمتحان فأعرضت عن نقلها» وأغفل قول القائلين بوقوعه وحجّة هؤلاء أنَّ الكلمات اليسيرة بغير العربيّة لا تُخْرجه عن كونه عربيًّا، وأنَّ القصيدة بالفارسيّة لا تخرُج عنها بلفظة عربيّةٍ تكون فيها.
قال السّيوطيّ: «وأقوى ما رأيته للوقوع، وهو اختياري، ما أخرجه ابن جرير بسندٍ صحيح عن أبي ميسرة التّابعي الجليل؛ قال:« في القُرآن من كُلّ لسان.» ، وعلّل سبب اختياره بقوله: «...حكمة وقوع هذه الألفاظ في القُرآن أنَّه حوى علوم الأوّلين والآخِرين، ونبأ كلّ شيْء، فلا بدّ أنْ تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللّغات والألسُن؛ ليتمّ إحاطته بكلّ شيْء، فاختير له من كلّ لغة أعذبها وأخفّها وأكثرها استعمالا للعرب.»
إلاّ أنّ ابن جرير شرح الأثر الذي رواه عن أبي ميسرة بقوله: «معنى قول من قال:« في القُرآن من كُلّ لسان.» عندنا والله أعلم أنّ فيه من كلّ لسان اتّفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به، نظير ما وصفناه من القول فيما مضى...وإذا كان ذلك كذلك؛ فبيِّنٌ إذا خطأ من زعم أنَّ القائل من السّلف:« في القُرآن من كُلّ لسان» إنّما عنى بقيله ذلك: أنّ فيه من البيان ما ليس بعربيّ، ولا جائز نسبته إلى لسان العرب.»[30]
أيْ هذه الكلمات أصولها عربيّة مع وجودها في لغات أخرى.فما تفسير ذلك؟
المَذْهب الثّالث: التّوفيق:
نقل الهلاليّ عن السّيُوطِي مذهبًا ثالثًا فقال: «...بل كان للعرب العاربة التي نزل القُرآن بلُغتهم بعض مُخالطة لسائر الألسنة في أسفارِهم فعلِقَت من لغاتهم ألفاظٌ غَيَّرَتْ بعضها بالنَّقص مِن حُرُوفِها واستعملتها في أشعارها ومُحاوراتِها حتّى جرت مجرَى العَرَبِيِّ الفصيح ووقع بها البيان وعلى هذا الحدّ نزل بها القُرآن.» ثُمَّ قال: هذا هو الحقُّ الذي لا ريبَ فيه.
وهو مذهب أبو عُبيد القاسم بن سلام إذ يقول: «والصّواب عندي مذهبٌ فيه تصديق القولين جميعًا وذلك أنَّ هذه الأحْرُف أصولها أعجميَّة كما قال الفُقهاء لكنَّها وقعت للعرب فعرّبتها بألسنتها وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربيّة ثُمَّ نزل القُرآن بها وقد اختلطت هذه الحُروف بكلام العرب فمن قال إنَّها عربيّة فهو صادق، ومَنْ قال أعجميّة فصادق. ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجوزي وآخرون.»
و- الألفاظ المُعرّبة في القُرآن:
قال السّيوطيّ: «وقد نظم القاضي تاج الدّين بن السّبكي منها سبعةً وعشرين لفظًا في أبيات، وذيّل عليها الحافظ أبو الفضل بن حجر بأبيات فيها أربعة وعشرين لفظًا، وذيّلْتُ عليها بالباقي، وهو بضع وستّون فتمّت أكثر من مائة لفظة، فقال ابن السّبكي:
السّلسبيل وطه كوِّرت بِيَعٌ رومٌ وطوبى وسِجِّيل وكافورُ
والزّنجبيل ومشكاةُ سرادقُ مَعْ إستبرقٍ صلوات سندس طور
كذا قراطيسُ ربَّانِيهمُ وغسا قٌ ودينارُ والقِسطاسُ مشهور
كذاك قَسْورَةٌ واليمُّ ناشئة ويُؤت كفلين مذكور ومسطور
له مقاليدُ فردوسٌ يُعَدُّ كذا فيما حكى ابن دريد منه تَنّور
وقال ابن حجر:
وزدت حِرمٌ ومُهل والسِّجلُّ كذا السّريُّ والأبُّ ثُمَّ الجِبْت مذكور
وقِطَّنا وإناه ثُمَّ مُتَّكئًا دارست يصهر منه فهو مصهور
وهيت والسَّكَرُ الأوّاه مع حَصَبٍ وأُوبي معْه والطّاغوت مسطور
صُرْهنَّ إصْري وغِيضَ الماءُ مع وزرٍ ثُمَّ الرّقيم مناصٌ والسّنا النُّورُ
وقلت:
وزدت يس والرّحمن مع ملكو تٍ ثُمَّ سينينَ شطر البيت مشهور
ثُمَّ الصِّراط ودرّيٌّ يحور ومَرْ جانٌ ويمٌّ مع القِنطار مذكور
وراعنا طفقا هدْنا ابلعي وورا ءٌ والأرائِك والأكواب مأثور
هود وقسطٌ وكَفِّرْ رَمزَه سَقَرٌ هوْنٌ يصُدُّون والمِنساةُ مسطور
شهر مجوس وإقفال يهود حوا ريُّون كَنْزٌ وسِجّينٌ وتتبير
بعيرٌ آزرُ حُوبٌ وَرْدَةٌ عَرِمٌ إلٌّ ومن تحتها عَبَّدت والصُّور
ولينةٌ فُومُها رَهوٌ وأَخْلَدَ من جاةٌ وسَيِّدَها القيّوم موقور
وقُمَّلٌ ثُمَّ أسْفار عنى كتبا وسُجَّدًا ثُمَّ رِبِّيُون تكثير
وحِطَّةٌ وطُوًى والرَّسُّ نونُ كذا عدنٌ ومنفطرُ الأسباطِ مذكور
مسكٌ أباريقُ ياقوتٌ روَوا فهنا ما فات مِن عدد الألفاظ محصور
وبعضهم عدَّ الأولى مع بطائنها والآخره لمعاني الضِّدِّ مقصور[31]
ز- التَّأصيل اللُّغويّ للمُعرّب في ضوء اللّغات السّاميّة:
يقول الهلالي: «..والمؤلّف في هذا الموضوع- يعني: المعرّب- يحتاج إلى إلمام باللّغات التي قيل أنّ بعض مفرداتها قد عرّب ودخل في القرآن، فإن لم يعلم بها كلّها فلا أقلّ من الإلمام ببعضها، وأكثر علماء العرب مقصّرون في علم اللّغات، والذين يعرفون شيئا من اللّغات الأخرى منهم قليل...»[32]
لأن:«...هذه الكلمات الكثيرة المشتركة بين اللّغات السّاميّة هي أصليّة في كلّ واحدة منها؛ لا يقال إنّ إحداهنّ أخذتها من الأخرى، وهذا هو الشّأن في كلّ مجموعة من اللّغات ترجع إلى أصل واحد، كاللّغات اللاتينيّة كالإيطاليّة والإسبانيّة والفرنسيّة والرّومانيّة والبرتغاليّة. ومجموعة اللّغات الجرمانيّة كالألمانيّة والهولنديّة والفلمنكيّة والسّويديّة والنّرويجيّة والدّانماركيّة.»[33]
يقول الأب أنستاس ماري الكرملي: «ولا تكون الكلمة العربية من العبرية أو الآرامية إلا إذا كانت تلك الكلمة خاصة بشؤون بني إرم أو بني إسرائيل، أما الألفاظ العامة المشتركة بين الساميين جميعا، فليس ثَمَّ فضلُ لغةٍ على لغة»[34].
ويقول طه باقر: «...تلك الكلمات التي دخلت إلى لغتنا العربيّة من تراثنا اللّغوي القديم؛ من البابليّة والآشوريّة والسّومرية، وقد انتقلت إلى العربيّة إمّا عن طريق اللّغات القديمة الأخرى كالفارسيّة القديمة والآراميّة والعبرانيّة التي اقتبستها بدورها من تراثنا اللّغوي القديم فوسمتها معجماتنا العربيّة بأنّها فارسيّة أو أعجميّة ودخيلة لأنّ لغات العراق القديم التي ينبغي تأصيلها إليها قد ماتت من الاستعمال ولم يهتد الباحثون إلى حلّ رموزها ومعرفة نصوصها إلا منذ منتصف القرن التّاسع عشر الماضي، فانكشفت آفاق بعيدة في الدّراسات اللّغويّة والمعجميّة ممّا يحتّم على باحثينا اللّغويّين أن يعيدوا النّظر في تلك التّسمية الغامضة التي أطلقتها معجماتنا على طائفة كبيرة من المفردات، أي: الدّخيل والأعجميّ في حين أنّها في واقع الأمر من قبيل « هذه بضاعتنا ردّت إلينا »»[35]
وينوه بأهمية دراسة اللغات السامية فيقول: «...على أنّ هذا النّقص الذي أشرت إليه في معجماتنا العربيّة لا يضيرها ويقلّل من شأنها، ذلك لأنّ معرفة لغويّينا بما يسمّى اللّغات السّاميّة أو الأصحّ اللّغات أو اللهجات العربيّة القديمة كانت ناقصة محدودة إلى درجة كبيرة لأنّ ما كان معروفا من هذه اللّغات اقتصر على العبرانيّة والآرامية والحبشيّة ولم تكن اللّغات السّاميّة الأقدم منها مثل البابليّة والآشوريّة )الأكديّة( والكنعانيّة قد كشف عنها النّقاب...ذلك الكشف الذي يعدّ من أروع ما حقّقته التّحريّات والبحوث الآثاريّة الحديثة والدّراسات اللّغويّة المقارنة بين تلك اللّغات وتأكيد كونها من أصل واحد...وإنّ عدم معرفة اللّغويّين العرب القدماء بهذه الحقيقة قد أوقعهم في أخطاء ومزالق في تأصيلهم لكثير من الألفاظ العربيّة. وقد ذهب ببعضهم الوهم أنه أرجع كثيرا من المفردات التي لا غبار على أصلها العربيّ إلى السّريانيّة مثلا بمجرّد وجودها في السّريانيّة. وقد فاتهم للأسباب التّاريخيّة التي نوّهنا بها أنّ مردّ التّشابه في اللّفظ والمعنى ليس إلى اقتباس العربيّة من السّريانيّة أو غيرها من اللّغات السّاميّة، بل إنّ هذا التّشابه ناشئ من حقيقة كون السّريانيّة والعربيّة تنتميان إلى عائلة لغويّة واحدة..."[36]
بل أيضا اللغات القديمة التي كانت مجاورة ومصارعة للغات السامية حيث أنه «...صارت الفارسيّة القديمة وسيطا لغويّا جاءت إلينا عن طريقها طائفة من المفردات البابليّة، وهو ممّا نجده ينعت في معجماتنا العربيّة بالأعجميّ أو الدّخيل.» [37]
ح- كلماتٌ أصيلة في اللّغات السّاميّة عُدَّت معرّبة:
ابلعي:
قال السيوطي في الإتقان: «أخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه في قوله تعالى 11-44:﴿ابْلَعِي مَاءَكِ﴾، قال بالحبشية ازدرديه، وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال اشربي بلغة الهند».
وإن تعجب فعجب قولهم إن (ابلعي) بلغة أهل الهند وهذا القول إلى الهزل أقرب منه إلى الجد وقائله ليس أهلا أن يؤخذ عنه العلم و إنما هو يهرف بما لا يعرف وأهل الهند أجناس كثيرة لهم مئات من اللغات ولا تكاد تسير مسافة يوم إلا وجدت جنسا آخر له لغة أخرى. وفي زماننا هذا نرى الدماء تسفك بينهم بسبب اللغات فلا يرضى جنس أن تكون لغة الدولة لغة أخرى غير لغته، وفي زمان الاستعمار لم تكن في الهند لغة يستطيع المسافر أن يتكلم بها ويجد من يفهم كلامه في جميع أنحاء الهند إلا لغتين إحداهما الإنكليزية وهي لغة الدولة الحاكمة، والثانية لغة المسلمين وهي لغة أوردو، على أن (بلع) كلمة عربية سامية أصيلة عريقة في عروبتها وساميتها وترفع راية اللغات السامية وهي حرف العين.
ومن المعلوم عند علماء اللغات أن العين والحاء لا توجدان إلا في اللغات السامية، فإن وجدت إحداهما في كلمة من لغة غير سامية فتلك الكلمة طارئة واردة على تلك اللغة وبهذا يستدل الفيلولوجيون على أن البربر من جزيرة العرب قبل خروج البابليين والآشوريين والكنعانيين والفينيقيين كما هو مبين في موضعه.
ونحن نرى إخواننا عامة المسلمين من أهل الهند يبذلون جهودهم في النطق بقوله تعالى: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعَينَ﴾ فلا يتمون النطق بالعينين حتى تغفر ذنوبهم من مشقة النطق بهما. ولذلك نرى السيوطي في كتاب الإتقان كحاطب ليل وليس عنده تحقيق ولا إتقان وهذا شأنه في علوم المنقول، أما في علوم المعقول كعلوم العربية فهو فارس لا يشق له غبار. وقد تحامل عليه الحافظ السخاوي في كتابه (الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع) فا لله يغفر لهما جميعا.
أخلد:
قال السيوطي في الإتقان: «قال الواسطي في الإرشاد أخلد إلى الأرض ركن بالعبرية.»
أقول: هذا القول لا يقوله إلا جاهل باللغات السامية فإن أخلد وخلد موجودتان في اللغتين كلتيهما ومتفقتان في معانيهما في الجملة فمن قال أنهما عبريتان وليستا عربيتين لقد قفا ما لا علم له به، ومن قال العكس فهو مثله، غير أن(أخلد)في العبرانية بالحاء المهملة، وكذلك(خلد) وقد تقدم أن الخاء المعجمة لا توجد بالأصالة في العبرانية وإنما توجد بالعرض في حرف الكاف إذا جاءت بعد حركة، ولم نر أحدا من علماء اللغة العربية أشار إلى أن (أخلد)عبرانية كما ادعى هذا المدعي .قال في لسان العرب وخلد إلى الأرض وأخلد أقام فيها وفي التنزيل العزيز: ﴿وَلَكِنَّه أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هوَاه﴾ أن ركن إليها وسكن وأخلد إلى الأرض وإلى فلان أي ركن إليه ومال إليه ورضي به، ويقال خلد إلى الأرض بغير ألف وهى قليلة.
وقال البيضاوي في تفسيره ﴿وَلَكِنَّه أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ﴾ مال إلى الدنيا أو إلى السفالة ﴿وَاتَّبَعَ هوَاه﴾ في إيثار الدنيا واسترضاء قومه وأعرض عن مقتضى الآيات.
الأرائك:
قال السيوطي في الإتقان:«حكى ابن الجوزي في فنون الأفنان أنها السرر بالحبشية» .قال الراغب:«الأريكة حجلة على سرير جمعها (أرائك وتسميتها لذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجرة أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم أرك بالمكان أروكا وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات» . وقال في لسان العرب: «والأريكة سرير في حجلة والجمع أريك وأرائك، وفي التنزيل ﴿عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ قال المفسرون:الأرائك السرر في الحجال، وقال الزجاج:الأرائك الفرش في الحجال، وقيل: هي الأسرة وهي في الحقيقة الفرش كانت في الحجال أو في غير الحجال، وقيل الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة. وفي الحديث: «ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله»، الأريكة السرير في الحجلة من دونه ستر، ولا يسمى منفردا أريكة.».
قال في اللسان: «والحجلة مثل القبة وحجلة العروس معروفة وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور»، فقد رأيت أن الأرائك كلمة عربية خالصة، وبطل ما ادعاه السيوطي ومن نقل عنه.
أسباط:
قال محمّد تقيّ الدّين: «السّبط، يُلفظ به في اللّغة العبرانيّة "شفيط" وهو غصن الشّجرة، وسُمِّي أبناء يعقوب الاثنا عشر أسباطًا؛ لأنهم أبناء أبٍ واحدٍ كأغصان الشّجرة.»[38] ( سبيل الرّشاد1/203)
قال السيوطي في الإتقان: «حكى أبو الليث في تفسيره أنها بلغتهم كالقبائل بلغة العرب» .
وفي هذا الكلام شيء ساقط لأن الضمير في لغتهم لم يذكروا ما يعود عليه وهذا الساقط يحتمل أن يكون يدل على بني إسرائيل وكلام جفري يؤيد هذا الاحتمال وهذا نص ترجمته بالعربية: اضطر أبو الليث أن يعترف أنه أي السبط لفظ عبراني مستعار، قاله السيوطي في الإتقان. وقد أطال جفري البحث في هذا اللفظ وادعى أنه لم يستعمل في كلام العرب قبل استعماله في القرآن وربما يكون أول من استعمله محمد ونحن نقول لجفري وأمثاله من الذين أعمى التعصب بصائرهم وأفقدهم صوابهم: إن الله الذي أنزل التوراة و الإنجيل اللذين تؤمن بهما أنت هو الذي أنزل القرآن على عبده ورسوله محمد بن عبد الله خاتم النبيين على رغم أنفك ولا ضير على القرآن أن يوجد فيه لفظ شاع استعماله في العبرانية لأن هاتين اللغتين نشأتا من أصل واحد وإذا جاز أن يكون في القرآن ألفاظ هي في الأصل فارسية مع أن لغة الفرس بعيدة من لغة العرب فما المانع أن توجد فيه ألفاظ عبرانية أو سريانية؟ وإذا اعتبرنا السبط اسما لقبيلة من قبائل بتي إسرائيل فالتعبير به طبيعي وهو أولى من التعبير عنه بالقبيلة لأنه صار شبيها بالأعلام التي يجب ذكرها بلفظها.
قال في لسان العرب: «والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب وهم الذين يرجعون إلى أب واحد، سمي سبطا ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق وجمعه أسباط. وقوله عز وجل: ﴿وَقَطَّعْنَاهمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً﴾ ليس أسباطا بتمييز لأن المميز إنما يكون واحدا لكنه بدل من قوله ﴿اثْنَتَيْ عَشْرَةَ﴾ كأنه قال:جعلناهم أسباطا والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب».
وأصله بالعبرانية (شبط)على وزن إبل ومعناه القضيب والعصا والقبيلة.
أسفار:
قال محمد تقي الدين:« كلمة (سفر) بكسر السين وسكون الفاء من الكلمات المشتركة بين اللغات السامية التي نعرفها ففي السريانية (سفرا) سواء أكان نكرة أم معرفة لأن كل اسم في السريانية ينتهي بالألف، وليس فيها أداة تعريف، وبالعبرانية إذا لم تضف هذه الكلمة تلفظ (سفر) بكسر السين والفاء، وهكذا الأسماء الثلاثية في اللغة العبرانية كثير منها يكون بكسر أوله وثانيه وإذا أضيف إليه ياء المتكلم تقول (سفري) بكسر فسكون كما في العربية. أما الجمع فيختلف ففي العربية وحدها لا في أختيها يجمع على أسفار...»[39]
الرّحمن:
وهذا يدل على ما قلته سابقا من جهل علماء العرب باللغات حتى أخوات لغتهم كالعبرانية والسريانية، فالرحمن كلمة عربية خالصة من الرحمة بزيادة الألف والنون كظمآن وعطشان، وكانت العرب تعرفه وتفهم معناه وقد سموا به مسيلمة الكذاب فكانوا يدعونه (رحمان اليمامة) ولكنهم لجهلهم لم يكونوا يعلمون أنه من أسماء الله.
ومن أعجب العجب قولهم أنه عبراني وأن أصله بالخاء المعجمة، والخاء المعجمة لا وجود لها في العبرانية استقلالا وإنما تنطق الكاف بها إذا جاءت قبلها حركة مثل (هبراخا) البركة ومثل باروخ، أي مبارك ومعناه بالعبرانية هو معناه بالعربية، إلا أنه في اللغة العبرانية صفة عامة لكل من في قلبه رحمة ليس خاصا بالله تعالى، إذن فهو من الكلمات المشتركة بين العبرانية والعربية وهي كثيرة تعد بالآلاف، وهذه الكلمات الأربع التي في البسملة كلها مشتركة بين اللغتين، فالاسم(شم) بإبدال السين شينا وذلك كثير في العبرانية، والله (إلوهيم) والرّحمن لفظه بالعبرانية كلفظه بالعربية إلا أداة التعريف فإنها بالعبرانية هارحمان والرحيم بالعبرانية هارحوم.. وهذه الكلمات الكثيرة المشتركة بين اللغات السامية هي أصلية في كل واحدة منها، لا يقال إن إحداهن أخذتها من الأخرى وهذا هو الشأن في كل مجموعة من اللغات ترجع إلى أصل واحد.»[40]
لكن هل الهلالي يذهب إلى أن كل ما وصف بالمعرب في القرآن هو عربي مشترك بين اللغات السامية؟ هذا ما يبينه هذا النص:
قال محمّد تقيّ الدّين الهلالي:«...كلّ ما جاء في القُرْآن فهو عربيّ، سواء أكان عربيّا غير مشترك؛ أيْ خاصّا باللّغة العربيّة، أم كان لفظا مشتركا بين العربيّة وأخواتها السّاميّات، أم كان لفظا غير عربيّ في الأصل، ولكنّ العرب تكلّمت به فصار عربيا بالاستعمال ككلمتي جبريل وميكائيل، فكلّ ما بين دفّتي المصحف فهو عربيّ» [41]
وهذا المخطط يلخص رأيه في قضية المعرب في القرآن الكريم:
مثل: جبريل وميكائيل.
3/ظاهرة الإعراب:
أولا: معنى الإعراب:
أ /الإعراب في اللغة:
قال ابن فارس: ‹‹أعرب الرجل عن نفسه إذا بين وأوضح.››[42]
وقال: ‹‹إعراب الكلام من هذا القياس لأن بالإعراب يفرق بين المعاني في الفاعل والمفعول والنفي والتعجب والاستفهام وسائر أبواب هذا النحو من العلم.››[43]
ب/الإعراب في الاصطلاح:
عرفه ابن هشام بقوله: ‹‹أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة.››[44]
والمراد بالأثر: ما يحدثه العامل من الحركات الثلاث أو السكون وما ينوب عنها.
ثانيا: أهمية الإعراب:
قال أبو القاسم الزجاجي[ت337ﻫ]: ‹‹فإن قال قائل: قد ذكرت أن الإعراب داخل في الكلام فما الذي دعا إليه واحتيج إليه من أجله؟
فالجواب أن يقال: إن الأسماء لما كانت تعتورها المعاني و تكون فاعلة ومفعولة ومضافة ومضافا إليها، ولم يكن في صورها و أبنيتها أدلة على هذه المعاني، بل كانت مشتركة جعلت حركات الإعراب فيها تنبئ عن هذه المعاني.››[45]
ثالثا: إنكار الإعراب:
جميع النحاة يرون أن حركات الإعراب تدل على المعاني المختلفة التي تعتور الأسماء من فاعلية أو مفعولية أو إضافة أو غير ذلك.
وخالف في القديم أبو علي محمد بن المستنير المعروف ب قطرب إذ يقول: ‹‹وإنما أعربت العرب كلامها لأن الاسم في حالة الوقف يلزمه السكون للوقف، فلو جعلوا وصله بالسكون أيضا لكان يلزمه الإسكان في الوقف والوصل، وكانوا يبطؤون عند الإدراج فلما وصاوا أمكنهم التحريك، جعلوا التحريك معاقبا للإسكان ليعتدل الكلام.››
قال السيوطي: ‹‹لو كان كما ذكر لجاز جر الفاعل مرة ورفعه أخرى ونصبه وجاز نصب المضاف إليه، لأن القصد في هذا إنما هو الحركة تعاقب سكونا يعتدل بها الكلام، فأي حركة أتى بها المتكلم أجزأته فهو مخير في ذلك.››[46]
يقول الدكتور إبراهيم السامرائي عن رأي قطرب: «وهذا الرأي غريب في جملته، وقد انفرد فيه صاحبه، ولم يؤيده فيه إلا الدكتور إبراهيم أنيس بعد أحد عشر قرنا، ووجه الخطل في هذا الرأي أن العربية كانت معربة منذ أقدم العصور والنصوص شاهدة على ذلك.»[47]
ومن المتحمسين لإلغاء الإعراب لأنه صعب ومعقد بزعمهم بعض دعاة تيسير اللغة العربية.
رابعا: الإعراب في اللغات السامية:
قال محمّد تقيّ الدّين في معرض حديثه عن خطإ في النّطق وهو حذف تاء التّأنيث المُتَحَرِّكة والاقتصار على حركة ما قبلها وهي الفتحة فبعضهم يمدّها فينشأ عنها ألِف وأكثرهم لا يمدّها مثل: الأجهزَ الإِعلاميّة والأسمدَ الكيماويّة والطّاقَ البشريّة:«...والعجب كلّ العجب أنَّ هذا الفساد نفسه قد سبق إليه العبرانيّون والسّريانيّون منذ آلاف السّنين، فإنَّ الرَّأْي الصّحيح الذي عليه المُحقِّقُون من علماء هذا الشّأن أنَّ اللُّغة العربيّة هي الأصل وسائر اللّغات السّاميّة تفرّعت عنها كما العامّيّة عن الفصحى ومن العجب أنَّ التّطوُّر الذي وقع في اللّغة العبرانيّة واللّغة السّرْيانيّة هو بعينه الذي وقع في اللّغة العاميّة، فإنَّ العبرانيّة والسّريانيّة كان فيهما إعراب في الأصل ولا تزالُ بقاياه في اللُّغة العبرانيّة ولمّا كثر الجهلُ بالقواعد فيهما أخذ الإعرابُ يزولُ شيئًا فشيئًا، حتّى صار معدوما بالمَرَّة، ولنضرب لذلك مثلا: المرأة في اللّغة العبرانيّة اسمها "اشه" وأصلُها "اشة" فتقولُ مثلاً "ها اشه طوبه" فمعناه: المرأة الطّيِّبة.و"ها" هي أداة التّعريف بمنزلة الألف واللاّم في العربيّة، فالأصل "هااشة طوبة" فلمَّا وقع الفسادُ وتغيّرت اللُّغة عن أصلها وانحرفت عنه حُذِفت هاء التّأنيث في الكلمتين وأُبْدِلت بألف مدّ كما يُقالُ في العامّيّة:"الغُرفا العاليا"،وعربِيَّتُها في الأصل: "الغُرفة العالية". والدّليلُ على ذلك أنَّك إذا أضفتَ كلمة "اشه" يظهرُ الأَصلُ فتقول "اشة خا طوبة" معناه امرأتُك طيِّبة، ولذلك اشتدّ ألمي وعظمت حسْرتي لأنّنا إذا سرنا في هذا الطّريق يزولُ الإعرابُ مِنْ لُغَة القُرْآن وتبْعُدُ عن أصْلِها كُلَّ البُعْدِ كما بعدتْ أُخْتاها.»[48] (تقويم اللّسانين.141-140).
وفي هذا رد على منكري الإعراب ومنهم صديق الهلالي باول كاله(Paul Kahle) الذي عقد في كتابه (الذخائر القاهرية) فصلاً عنوانه: نص القرآن العربي، يقول فيه:
«جُمِعَ نص القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمدة وجيزة في عام 632م، وأخذ شكله النهائي في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان655-644م، وهنا قامت مشكلة كيف يُقرأ هذا النص ويرتل؟
فقد ولد محمد صلى الله عليه وسلم بمكة، وانحدر _كمعظم مواطنيه_ من القبيلة العربية: قريش.
وكانت اللغة العربية التي يتكلمها هي لغة المواطن المثقف في مكة.
والنص القرآني الخالي من الضبط بالشكل يعكس بوضوح اللغة العربية التي كانت تتكلم في مكة، غير أنّ العرب كانوا قد تعودوا أن يعدوا اللغة البَدَوية نموذجًا للنطق الصحيح، فبهذه اللغة نظم الشعر العربي الجاهلي، وكان كل عربي مزهوا بذلك.
وإذا كانت كلمة الله لا يصح أن ترتل بلغة أقل مستوى من أي [في الأصل: أية] لغة أخرى، فقد بدأت العواصم الإسلامية في ذلك العصر المبكر _في الكوفة، و البصرة، و المدينة، و مكة_ دراسة نشيطة للشعر البدوي، فكان الرجال المهتمون بهذا النمط في اللغة العربية يذهبون إلى جيرانهم من البدو، ويجمعون ما أمكنهم من أشعارهم، وما يتصل بها من الحكايات، وهي في الغالب أخبار عن الحروب الصغيرة التي جمعت تحت عنوان: أيام العرب.
وقد اتُّخِذت المادة التي جمعت بهذه الطريقة أساسًا للعربية النموذجية التي ابتدعها النحويون، ثم حذيت لغة القرآن على نمطها، ومع ذلك لم تتغير كتابة المصحف، بل ابتدعت طريقة تُضاف فيها علامات مختلفة إلى النص، لضمان صحة القراءة.»[49]
قال د. رمضان عبد التواب: «...وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "إنّ إعراب القرآن لأحب إليّ من حفظ بعض حروفه." وقال ابن مسعود: "جودوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات، وأعربوه؛ فإنه عربي، والله يحب أن يُعرب".
وقد علق كاله على كلمة: "إعراب" في نص أبي بكر الصديق، بقوله: الإعراب يعني الحركات في أواخر الكلمات العربية طبقًا لقواعد العربية الفصحى.
وقد استنتج كاله من ذلك أنّ الإلحاح على طلب قراءة القرآن بالإعراب لا يبدو معقولا إلاّ إذا كان يُقرَأ في الواقع بدون إعراب، وأُرِيدَ له أن يُقرأ بالإعراب الذي عُدَّ في وقت متأخر من مظاهر القُحَّة اللغويّة.
وهو مخطئ في استنتاجه ذلك، لأنّ الإعراب بمعناه الاصطلاحي لم يكن معروفًا في أيام أبي بكر وابن مسعود.
ومعنى كلمة إعراب القرآن في هذه الأحاديث _إن لم تكن مزيفة_ هو الوضوح والبيان في قراءة القرآن الكريم. »[50]
الخاتمة:
نتائج:
- جهود علماء المغرب العربي كبيرة ومباركة في خدمة اللغة العربية لسان الوحي الإسلامي.
- تقصير علماء العربيّة في معرفة اللّغات السّاميّة، وأثر ذلك في نعت كثير من المفردات العربية ب"الدخيل".
- دور الدراسة المُقارِنة للّغات السّاميّة في التّأصيل اللّغوي.
- خلاصة رأي د.محمّد تقيّ الدّين الهلالي في المُعرّب:
- وقوع المُعرّب في اللّغة العربيّة منذ عصور الفصاحة.
- بعض كلمات القُرآن الكريم عُدّت مُعرّبة وليست عربيّة، وهي نوعان:
* كلماتٌ مشتركةٌ بين اللُّغات السّاميّة(العربيّة القديمة): فهي عربيّةٌ أصيلة وليست مُعرّبة لانحدارها إلى اللّغة العربيّة من نفس الأصل السّامي المشترك، فليست إحدى اللّغات السّاميّة أولى بها من الأُخرى.
* كلمات أصولها غير ساميّة: فهي مُعرّبة عرّبتها العرب قبل الإسلام ووقع بها البيان ثُمّ نزل بها القرآن الكريم.
- الإعراب ظاهرة أصيلة في اللغة العربية وأخواتها الساميات فلا مجال لإلغائه كله أو بعضه.
توصيات:
- ضرورة الاهتمام بالإنتاج اللغوي المغربي.
- ضرورة إدراج مقياس اللغات السامية في أقسام اللغة العربية وآدابها.
- أهمية البعثات العلمية إلى الدول المتقدمة التي تدرس التراث العربي جنبا إلى جنب مع تراث حضارات الشرق الأوسط.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] محمد الهادي الحسني: آثار الإبراهيمي 2/25.
(1) دواء الشاكين وقامع المشككين:8.
[2] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب الجامعة الإسلامية.المدينة المنورة.السنة الثالثة.العدد الثالث،1390هـ/1970م.ص:27.
[3] سبيل الرّشاد.1/580
[4] سبيل الرّشاد. 84-83/2
[5] الدّعوة إلى الله182
[6] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:24.
[7] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب الجامعة الإسلامية.المدينة المنورة.السنة الثالثة.العدد الثالث،1390هـ/1970م.ص:31.
[8] الدّعوة إلى الله.93
[9] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:27.
[10] تقويم اللّسانين.34
[11] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:20.
[12] سبيل الرّشاد2 / 376
[13] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:27
[14] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:23.
[15] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب الجامعة الإسلامية.المدينة المنورة.السنة الثالثة.العدد الثالث،1390هـ/1970م.ص:.29.28
[16] سبيل الرّشاد.5/47
[17] تقويم اللّسانين.140
[18] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:20.
[19] حديث مع زائر كريم.ص:19.
[20] حديث مع زائر كريم.ص:21.
[21] حديث مع زائر كريم.ص:19.
[22] حديث مع زائر كريم.ص:21.
[23] حديث مع زائر كريم.ص:20.
[24] محمّد بن إبراهيم الحمد: فقه اللّغة.157
[25] علي عبد الواحد وافي: فقه اللّغة.153
[26] تقويم اللّسانين:10
[27] تقويم اللّسانين:9
[28] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب الجامعة الإسلامية.المدينة المنورة.السنة الثالثة.العدد الثالث،1390هـ/1970م.ص:20.
[29] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب الجامعة الإسلامية.المدينة المنورة.السنة الثالثة.العدد الثالث،1390هـ/1970م
[30] جامع البيان1/19-17
[31] محمّد بن إبراهيم الحمد: فقه اللّغة.168-167 و:الإتقان.2/120-119
[32] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب.ص:23.
[33] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب.ص:27.
[34] نشوء اللغة العربية ونموها واكتمالها:67
[35] طه باقر: من تراثنا اللّغويّ القديم ما يسمّى في العربيّة بالدّخيل.المقدّمة ﻫ
[36] طه باقر: من تراثنا اللّغويّ القديم ما يسمّى في العربيّة بالدّخيل.المقدّمة ح
[37] طه باقر: من تراثنا اللّغويّ القديم ما يسمّى في العربيّة بالدّخيل.المقدّمة ط
[38] سبيل الرّشاد1/203
[39] حديث مع زائر كريم.ص:27.
[40] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب.ص:27.
[41] تقويم اللّسانين.60
[42] معجم مقاييس اللغة 4/ 299
[43] معجم مقاييس اللغة 4/ 300
[44] ضياء السالك إلى أوضح المسالك 1/49.
[45] الإيضاح على علل النحو.ص:69.
[46] الأشباه والنظائر. 1/79.
[47] د. إبراهيم السامرائي: فقه اللغة المقارن.ص: 121.
[48] تقويم اللّسانين.141-140
[49] فقه اللغة:417-416 و فصول في فقه العربية335-334
[50] فقه اللغة:419-418 و فصول في فقه العربية:336-335
عند الرئيس الشرفي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المغربي.
تمهيد:
بين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والدكتور محمد تقي الدين الهلالي:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله،
أمّا بعد؛
خدم المغاربة اللغة العربية منذ دخولهم في الإسلام، وكانت معظم دراساتهم اللغوية مرتبطة بالقرآن الكريم والسنة النبوية وطرق استنباط دلالاتهما وأحكامهما.
وأحيت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين اللغة العربية، في خطبها ودروسها وصحفها، وكانت لها علاقات مع كبار العلماء في دول المغرب العربي وغيرها.
ومن العلماء الكبار الذين ربطتهم بجمعية العلماء مبادئ الإسلام والعروبة العلامة المغربي الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله تعالى، فقد «كان الاجتماع العام لجمعية العلماء الذي عقد بالجزائر العاصمة يومي 30 سبتمبر [و] 01 أكتوبر 1951 اجتماعا متميزا، حيث جددت فيه مبايعة الإمام الإبراهيمي لقيادة الجمعية...، ومن أهم ما اتخذه المجلس الإداري الجديد هو منح لقب رئيس شرفي لجمعية العلماء لبعض العلماء غير الجزائريين ممن عرف بحمل الفكرة السلفية الإصلاحية والدفاع عنها، ولا نعلم جمعية غير جمعية العلماء في العالم العربي والإسلامي اتخذت مثل هذه الخطوة...
أما العلماء الذين تقرر منحهم هذه الرئاسة الشرفية فهم:...تقي الدين الهلالي(بغداد)...»[1]
وفي هذه الورقات بيان لقضيتين تخصان اللغة العربية والقرآن الكريم، جمعتها من بعض مدونات الهلالي رغبة مني في التعريف بإسهامات عالم من علماء المغرب في الدراسات اللغوية وأثرها في قراءة الخطاب الديني.
والدكتور محمد تقي الدين الهلالي -رحمه الله- فقيه في الدين وفي اللغة، يتقن العربية، ويجيد العبرية والسّريانية والبربرية، ومن اللغات الأوربية:الانجليزية، والألمانية، والإسبانية، وتعلم لغة بريل لما أضر، وهو ملم بعلوم الإسلام ونصيب وافر من علوم الغرب حيث حصل على الدكتوراه من جامعة برلين بألمانيا.
يقول د. محمد تقي الدين الهلالي «...وقد نقلت كلام هارتمان بنصه الإنكليزي، وكلام بروكلمان بنصه الألماني، ورددت عليه في رسالتي التي قدمتها في جامعة برلين، وأحرزت بها لقب دكتور في الفلسفة على حد تعبير الأوربيين وفي الأدب على حد اصطلاح العرب، وقد ناقش هذه الرسالة عشرة من علماء جامعة برلين أحدهم أستاذي المرشد رشارد هارتمان فوافقوا بالإجماع على ردي لتلك الترهات التي اخترعها مارتين هارتمان واستحسنها بروكلمان وسود بها صحائف كتابه(تاريخ الأدب العربي).»(1).
وقد أرسل لي الباحث الكندي Lauziere Henri الذي يعد أطروحة دكتوراه في (Georgetown University) بعنوان:
The Evolution of the Salafiyya in the Twentieth Century Through the Life and Thought of Taqi al-Din al-Hilali
أسماء بعض الأساتذة المستشرقين الذين تتلمذ عليهم الدكتور محمد تقي الدين الهلالي. فقال:
‹‹on connait le nom des professeurs sous qui al-Hilali a étudié:
- Paul Kahle (qui lui a proposé de travailler sur la traduction de l'introduction du كتاب الجماهر de al-Biruni, ce qui devint la thèse de doctorat du Dr. al-Hilali).
- Martin Hartmann
- Wilhelm Heffening (le premier superviseur de al-Hilali à Bonn; il ne s'est pas bien entendu avec lui et a quitté pour Berlin)
- Karl Brockelmann (qui était membre du comité de professeurs qui ont évalué la thèse de al-Hilali et lui ont conféré le titre de "docteur")››.
وهؤلاء المستشرقون متخصصون في حضارات الشرق الأوسط وأديانه ولغاته.
1/اللّغات السّاميّة:
أولا: فصائل اللغات:
للهلالي اطّلاع كبير على اللّغات وفصائلها وخاصّة اللّغات السّاميّة ففي معرض تقريره لأصالة الكلمات المُشتركة بين اللّغات المُنتمية إلى فصيلة واحدة في كلّ لغة من هذه الفصيلة الواحدة قال: «.. وهذا هو الشّأن في كلّ مجموعة من اللّغات ترجع إلى أصل واحد، كاللّغات اللاتينيّة كالإيطاليّة والإسبانيّة والفرنسيّة والرّومانيّة والبرتغاليّة. ومجموعة اللّغات الجرمانيّة كالألمانيّة والهولنديّة والفلمنكيّة والسّويديّة والنّرويجيّة والدّانماركيّة.»[2]
ثانيًا: اللغات السامية:
أ- لغات التّوراة والأناجيل؛ لغاتٌ ساميّة درسها الهلالي:
أمّا فيما يخصّ اللّغات السّاميّة فله مؤلّف بهذا العنوان لم أظفر به لكنّي جمعت بعض ما يتعلّق بالموضوع من كتبه المنشورة.
قال محمّد تقيّ الدّين: « قول ابن كثير:« إنَّ إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة »قرأتُ هذا في "التّوراة" باللّغة العبرانيّة، فللّه درّ هذا الإمام ما أعظم تحقيقه وأوسع اطّلاعه.» [3]
وقال: «...والعجب من المُفسّرين الأوّلين فإنهم اختلفوا في معنى البِيَع والصّلوات، وكلّ من يعرِفُ شيئًا من السّريانيّة والعبرانيّة يعلم يقينا أنَّ البِيَع معابد النّصارى العامّة، وأصل البيعة بيضة بالسّريانيّة؛ لأنّ السّريانيّين كثيرا ما يقلبون الضّاد عينًا، فيقولون للأرض: أرعى، وللبيضة: بيعى، وإنّما سُمِّيت كنيسة النّصارى بيعة عندهم، لأنّهم كانوا يجعلون لها قُبَّةً على شكل بيضة ثُمَّ عمَّ استعمالُها في كلِّ كنيسة لهم.»[4]
ففي هذين النصين إشارة إلى دراسة الهلالي للغات السامية التي كتبت بها الكتب المقدسة.
ب- الموطن الأصليّ للّغات السّاميّة:
البربريّة والقبطيّة وحرفي العين والحاء:
يستدل الهلالي على أن «... البربرَ من الشُّعوب التي خرجت من جزيرة العرب قبل زمان سحيقٍ في القِدَم.» [5] بأن « حرف العين خاص بالشعوب السامية التي خرجت من جزيرة العرب ولا يوجد عند غيرهم، فالشعوب التي ليس في لغتها عين كالأوروبيين مثلا لا يستطيع الشخص الذي لم يسمع العين ولم يتدرب عليها مدة طويلة لا يستطيع أن ينطق بها أبدا إلاّ إذا خالط شعبا ساميا كالعرب والسريانيين والآشوريين والعبرانيين والقبط والبربر مدة طويلة وقد يخالطهم زمانا طويلا ولا يستطيع أن ينطق بها.» [6]
فـ« من المعلوم عند علماء اللغات أن العين والحاء لا توجدان إلا في اللغات السامية، فإن وجدت إحداهما في كلمة من لغة غير سامية فتلك الكلمة طارئة واردة على تلك اللغة وبهذا يستدل الفيولوجيون على أن البربر من جزيرة العرب قبل خروج البابليين والآشوريين والكنعانيين والفينيقيين كما هو مبين في موضعه.»[7]
فإذا كان الموطن الأصلي لكل الساميين هو شبه الجزيرة العربية فهذا يدل على أنهم كانت لهم لغة واحدة، وبتفرقهم في المنطقة التي تسمى حاليا الشرق الأوسط اختلفت لغاتهم، لكن من المؤكد أنه بقي تقارب بين هذه اللغات، ففيما يتمثل؟
ج- الخصائص المُشتركة للّغات السّاميّة:
يقول الهلالي: «... وأساليبُ هذِه اللُّغات- يعني الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة- ونثرها ونَظْمها مُتَقارِب في الغَالِب؛ كما أنَّ نظم العربيّة وأخواتها كالعِبْرانيّة والسّريانيّة متقارب.»[8]
ويكمن هذا التقارب في:
الصوت:
«وهكذا الأسماء الثلاثية في اللغة العبرانية كثير منها يكون بكسر أوله وثانيه وإذا أضيف إليه ياء المتكلم تقول (سفري) بكسر فسكون كما في العربية.»[9]
الصّرف:
«...التَّبْسيط هو التّوسيع فهو بمعنى البَسْط، إلاّ أنَّ التّبسيط فيه مُبالغة كالتَّقْتيل بمعنى القتل؛ أي كثرته. و فعّل المُضاعف إذا اشترك مع الثّلاثيّ في معنًى واحد دلَّ الرَباعيّ على الكثرة والمُبَالغة في اللُّغة العربيّة، وفي أُخْتَيها العبرانيّة والآراميّة.»[10]
النحو:
«العربيّة والعِبرانيّة كلتاهما تبدأُ الجملة الفِعليّة فيهما بالفعل ولا يلْزمُ أنْ نذكُرَ اسمًا قبْلَ الفِعل لا ضميرا ولا ظاهرًا، فتقول طلعت الشّمسُ وظهر الحقُّ، ولو ذكرنا ضمير "أنا" قبلَ الفِعل الماضي لمْ يصحّ إسناد الفِعل إليه بل تتّصِلُ به وُجوبًا تاء متكلّم فنقولُ في العربيّة: أنا تعلّمْتُ. وفي العبرانيّة: أني لامذْتِ.»[11]
الأسلوب:
قال محمّد تقيّ الدّين في معرض حديثه عن التّكرار في سورة الكافرون:« التّكرار الواقع في هذه السّورة بليغ، والغرض منه التّوكيد كقوله تعالى:﴿ فإنّ مع العُسرِ يُسْرًا إنّ مع العُسر يُسْرا﴾ [الشّرح:5-6] وكقوله تعالى: ﴿ لتروُنَّ الجحيم ثُمَّ لتروُنَّها عين اليقين ﴾ [التّكاثر:6-7]...وهذه طريقة معروفة في اللّغة العربيّة وفي سائر اللّغات السّاميّة.»[12]
- أمثلة على تقارب اللّغات السّاميّة:
قال محمد تقي الدين:« كلمة (سفر) بكسر السين وسكون الفاء من الكلمات المشتركة بين اللغات السامية التي نعرفها ففي السريانية (سفرا) سواء أكان نكرة أم معرفة لأن كل اسم في السريانية ينتهي بالألف وليس فيها أداة تعريف، وبالعبرانية إذا لم تضف هذه الكلمة تلفظ (سفر) بكسر السين والفاء، وهكذا الأسماء الثلاثية في اللغة العبرانية كثير منها يكون بكسر أوله وثانيه وإذا أضيف إليه ياء المتكلم تقول (سفري) بكسر فسكون كما في العربية.»[13]
«...فإن اسم الله بالسريانية (الاها) هذا عند السريانيين الغربيين وعند السريانيين الشرقيين (ألاهو). والسبب في ذلك أن جميع الأسماء عند السريانيين الغربيين تختم بألف مثل (بيتا) بيت، (ماي) ماء، (شمايا) سماء، (عليما) غلام. وهكذا.. أما السريانيون الشرقيون فإن الأسماء تختم عندهم بواو قبلها ضمة واسمه تعالى باللغة العبرانية (إلوهيم) ولا تختلف الشعوب السامية فيما نعلم في اسم الله تعالى إلا فيما رأيت من تغيير الحركات...»[14]
جاء في ترجمة "يوسف روفلين" للقُرْآن الكريم بالعبرانيّة في أوّل سورة الصّفّ ما نصّه- مع استبدال الحروف العبرانيّة بحروف عربيّة-:
"بارششت همعراخا: سورة المعركة"
"بشم إلوهيم هارحمان هارحوم يشبح اث إلوهيم كل اشر بشاميم وغل اشربا ارص وهو هكبور وهحاخام، همأمنيم لا ماتوا مروات اثر لو تعسوا: ﴿بسم الله الرّحمن الرّحيم سَبَّحَ لله ما في السّموات وما في الارض وهو العزيز الحكيم يا أيُّها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون﴾"
فأنت ترى أنّ الألفاظ كلّها مُشتركة من أوّل البسملة إلى قوله تعالى: «لِمَ» إلاّ أنَّ:
لفظ "سَبّحَ" أُبْدلت سينُه شينًا، وحلّ المُضارع محلّ الماضي، وهذا الفِعلُ في العبرانيّة مُتعدّ بنفسه وكذلك في العربيّة؛ قال تعالى في سورة ق(40):« وَمِنَ اللّيلِ فَسَبِّحْه وإدْبَارَ السُّجُود». وإلاَّ:
ترجمة "مَا" الموصولة ب "اشر".
وزيادة "كل" لأنَّ التّرجمة إنّما هي تفسير.
وإبدال سين السّماوات شينًا وجمعُها بالياء والميم.
واستعمال "باء الجرّ" في موضع "في"، وهو جائز في العربيّة؛ قال تعالى في سورة الصّافّات(138-137): «وإنّكم لتمرّون عليهم مُصبِحين وباللّيل أفلا تعقلون ».
وإ بدال ضاد الأرض صادًا.
وإبدال العزيز بالجبَّار: "هكبور" وهما مُتَقَاربان في المعنى.
وإبدال الحكيم " هحاخام " وهما شَيْءٌ واحدٌ إلاَّ أنَّ الكاف اُبْدِلت خاءًا.»[15]
"...و آل اسم الله تعالى بالسّريانيّة والعبرانيّة ومنه جبريل ولفظه بالسّريانيّة كبرائيل ف"كبرا"معناه بالسّريانيّة رجل، وآل اسم الله. وهو رجل الله الذي يرسله إلى أنبيائه."[16]
وهذا الجدول يجمع الكلمات التي وقفت عليها ومقابلاتها في اللغات السامية من كلام الهلالي ويبين مدى التقارب بين معاجمها لأنها منحدرة من أصل واحد:
العربية
العبرانية
السريانية الغربية
الله
آل
آل
الله
إلوهيم
ألاها
اسم
شِم
شِمَا
أرض
أرص
أرعى
بيت
بيتا
بيضة
بيعى
جبّار
كبور
حكيم
حاخام
طيبة
طوبة
ماء
مايا
سماء
شمايا
تلميذ
لومذ
مؤمنون
مأمنيم
سِبْط
شِفِط
سماوات
شماييم
سِفْر
سِفْر
رحمان
رحمان
رحيم
رحوم
غلام
عليما
فإذا كان التقارب بين هذه اللغات واضح إلى هذه الدرجة، فما أصل هذه اللغات خاصة إذا علمنا أن موطنها الأصلي هو شبه الجزيرة العربية كما تقدم؟
د- العربيّة أصلُ السّاميّات:
يذهب الهلالي إلى أن: «... الرَّأْي الصّحيح الذي عليه المُحقِّقُون من علماء هذا الشّأن أنَّ اللُّغة العربيّة هي الأصل وسائر اللّغات السّاميّة تفرّعت عنها كما العامّيّة عن الفصحى... »[17]
ويقول: «ومُشتقّات مادّة "ل م د" في اللّغة العبرانيّة كثيرة،
وأمّا في اللُّغة العربيّة التي هيَ أصْلُها على الصّحيح وقيل هي أُختُها الكُبْرى والأصلُ ضائِع؛ فلم يُستعْمل مِنْ هذه المادّة إلاّ تِلميذ.»[18]
ولا شك أن الانتشار في الدائرة الحضارية للشرق الأوسط القديم أدى إلى الاختلاف بين هذه اللغات، ومن أمثلته:
ﻫ- الاختلافات بين العربيّة واللّغات السّاميّة:
- اختلافات صوتيّة:
في حروف المباني:«وذكرْتُ أنَّ الذّال المُعجمة لا وجود لها في اللُّغة العبرانيّة أصالةً وإنّما تُوجدُ الدّال المُهملة ويَعْرِضُ لها الإعجام إذا جاءتْ بعدَ حركَةٍ ممدودة أو غير ممدودة أو سُكون ناقص.»[19]
وفي الحركات: «أني لامذْتِ. بكسر التّاء لأنّ تاء المُتكلّم في العبرانيّة مكسورة.»[20]
- اختلافات صرفية:
«كلمة تلموذ بالذّال المعجمة في اللّغة العبرانيّة مشتقّة مِن المصدر "لاموذ" وهو مصدَرُ الفِعل الثُّلاثِي المعروف عند علماء هذا الشّأن باسم" قال".
وذكرتُ بعض مشتقّاته من الثّلاثي:
إسم الفاعل: لومذ أيْ مُتَعلِّم
يِلْمَذ ( بكسر أوّله وسُكون ثانيه و فتح ثالثه) ومعناه يَتَعلّم
والفعل الرُّباعي "لِمِّذ"(بكسر اللاّم و الميم المُشدَّدة) ومعناه علّم من التّعليم .
ومُضارِعُه "يلمّذ" واسم الفاعل "مِلَمّذ".
فهو[أيْ: التّلموذ] تَفْعُول بزيادة التّاء والواو ومعناه في اللُّغة التّعليم .»[21]
- اختلافات نحوية:
«لأنَّ الفعل المُضارع المبدوء بحرف من حروف "أنيْتُ" عِندهم في الأزمِنة المُتأخّرة يختصُّ بالمُستقبل.....»[22]
- اختلافات مفرداتية:
«بعضُ الكلماتِ تُهمَلُ في إحداهما وتوجدُ في الأُخرى وبَعْضُها تقِلُّ فروعها ومُشْتقَّاتها في إحدى اللُّغتين وتكثُرُ في الأُخرى.»[23]
2/المعرّب في القرآن الكريم:
أ- المُعرّب لغة: إسم مفعول من الفعل عرّب، يعرّب، والمصدر تعريبا. والمُعرّب: هو الذي جُعِل عربيّا.
ب- المُعرّب اصطلاحا: عرّفه السّيوطيّ بقوله: « هو ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعان في غير لغتها » وقال الجوهريّ: « تعريب الاسم الأعجميّ أن تتفوّه به العرب على منهاجها.»[24].
وينتمي المُعرّب إلى حقل من المفاهيم الاصطلاحية بينها عموم وخصوص. يقول د.علي عبد الواحد وافي في "الدّخيل الأجنبي،المعرّب والمولّد": « يُراد بالدّخيل الأجنبيّ ما دخل العربيّة من مفردات أجنبيّة سواءً في ذلك ما استعمله العرب الفصحاء في جاهليّتهم وإسلامهم، وما استعمله من جاء بعدهم من المولّدين.
وقد اصطلح المحدثون من الباحثين على أنّ العرب الفصحاء هم عرب البدو من جزيرة العرب إلى أواسط القرن الرّابع الهجري، وعرب الأمصار إلى نهاية القرن الثّاني الهجري- ويسمُّون هذه العصور بعصور الاحتجاج-...وأنّ المولّدين هم من عدا هؤلاء ولو كانوا من أصول عربيّة.
ويُطلق على القسم الأوّل من الدّخيل الأجنبيّ وهو ما استعمله فصحاء العرب اسم المُعرّب. وعلى القسم الثّاني منه وهو ما استعمله المولّدون من ألفاظ أعجميّة لم يعرّبها فصحاء العرب اسم الأعجميّ المولّد.»[25] (علي عبد الواحد وافي: فقه اللّغة.153).
وقد يقصد الهلالي بالدّخيل اللّفظ العربي الذي يستعمله جهلة المُترجمين والصّحافيّين ليُؤدّي معنى لم تستعمله العرب فيه، ومصدره التّرجمة الحرفيّة الفاسدة.
قال الهلالي: «أمّا تسميّتُها دخيلة فلا إشكال فيه، لأنّها لا توجد في الإنشاء العربي الذي قبل هذا الزّمان.»[26](تقويم اللّسانين:10).
وقال:«ولم يزل علماء اللّغة مُعتنين بهذا الموضوع[يقصد:تقويم اللّسانين]، باذلين جهدهم في تنظيف الإنشاء العربيّ من الألفاظ الدّخيلة...»[27](تقويم اللّسانين:9).
ج- دوافع التّعريب:
ركّز الهلاليّ في مقاله:"ما وقع في القرآن بغير لغة العرب" على سبب رئيس للتعريب هو ضرورة التّواصل مع الأُمَمِ الأُخرى في المُعاملات التّجاريّة ففي تفسير قول الله عزّ و جلّ: « رَبَّنَا إِنِّي أَََسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَتِي ...» قال الهلالي: « ذكر إبراهيم في دعائه أنّه أسكن ذُرّيته يعني إسماعيل وآله بواد غير ذي زرع وهو وادي مكّة وإذا لمْ يكن فيه زرع لم تكن فيه ثَمَرَات، وذكر في أثناء دُعائِِه ومناجاته لربِّه أنّه أسكن ذُرّيته بذلك الوادي المُقفِر ليُقيموا الصّلاة أيْ يُؤَدُّوها قائِمةً كاملةً عند بيتِ الله، ويعبُدوه، فسأل الله أنْ يجعل قُلوب النّاس تهوي إلى ذُرِّيته، أيْ تُسرع إليهم شوقا ومحبّةً، وتمدّهم بما يحتاجون إليه وأن يرزقهم من الثَّمَرَات التي تُجلب إليهم من الآفاق والأقطار المختلفة ليشكُروا الله على ذلك فيزيدهم، وقد استجاب الله دعوَته فصارت أنواع الحبوب والثَّمَرَات والتّوابل والأدوات والثِّياب والتُّحف والطّرائف تُجْلبُ إلى مكّة من جميع أنحاء المعمورة. وهذه الأمور التي تُجْلبُ إليها كثيرٌ منها وُضِعت أسماؤُها في البلدان التي تصدُرُ منها فإذا جاءت إلى أهلِ مكّة يّسمّونها بالاسم الذي جاءت به فتندمج في لغتهم وتصير جزءًا منها.»[28] إلى أن قال: « ...وقد اخبرنا القرآن أنّ قريشاً كانت لهم رحلتان: رِحلة في الشّتاء إلى جنوب الجزيرة العربيّة، ورحلة في الصّيف إلى الشّام وكانوا تُجّارا ينقلون البضائع من بلد إلى بلد، وكانت مكّة شرّفها الله تعالى مركزا عظيما للتّجارة قبل الإسلام فكانت تنقل إليها البضائع من الشّرق والغرب والجنوب والشّمال، فكيف يُتصوّر أنّ لغة العرب تبقى مُغلقةً مختومًا عليها لا تخرج منها كلمة ولا تدخلها كلمة ؟!» فالحاجة والضّرورة هي التي دفعت العرب إلى تعريب الأسماء التي تفرّد بها غيرهم.
دافعا آخر للتّعريب هو: الإعجاب ؛ وذلك بأن يُعجب العرب بلفظة أعجميّة، ثمّ يعمدون إلى تعريبها رغم وجود مُقابلها العربيّ، وربّما تناسوا اللّفظة العربيّة أو أهملوها، مثل: الباذنجان كان يُسمّى الحدج، ومع ذلك غلب للإعجاب بما هو غريب، وكذلك الإبريق في لغة العرب يُسمّى التّأمورة.
فلا خلاف بين علماءِ اللُّغة في وجود كلمات أعجميّة عرّبتها العرب و نطقت بها على سنن كلامها، إنّما الخلاف في المُعرّب: هل هو موجودٌ في القرآن أو لا ؟
د- منشأ الخلاف في وقوع المُعرّب في القرآن الكريم:
ذكر الهلاليّ أنّ "الأئمّة الذين أنكروا وجود كلمات غير عربيّة في القرآن تمسّكوا بظاهر قوله تعالى في سورة يوسف:« إنّا أنزلناه قرآنا عربيّا لعلّكم تعقلون»، وقوله تعالى في سورة النّحل:« لسان الذين يُلحدون إليه أعجميّ وهذا لسانٌ عربيٌّ مبينٌ»، وما أشبه ذلك. " فمنشأ الخلاف هو تفسير هذه الآيات؛ ف" قرآنا عربيّا " هل معناه أنَّ: كلّ كلماته أصولها عربيّة خالصة، أو المعنى هو: كل ما في القرآن من الكلمات كانت تنطق به العرب وتفهمه وهو جار على سنن كلامها وإن كانت بعض الكلمات أصولها أعجميّة غير عربيّة؟.
ﻫ- الخلاف في وجود المُعرّب في القرآن الكريم:
نقل الهلاليّ عن السّيوطي مذاهب العلماء في وجود المُعرّب في القرآن الكريم ونقله عنه الهلالي في مقاله: "ما وقع في القرآن بغير لغة العرب" وهذا تلخيصها من المقال المذكور.[29]
المَذْهب الأوّل: الإنكار:
" فالأكثرون؛ ومنهم الإمام الشّافعيّ وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر وابن فارس على عدم وقوعه فيه لقوله تعالى: « قرآناً عربيًّا »، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ﴾، وقد شدّد الشّافعيُّ النَّكيرَ على القائل بذلك .
وقال أبو عبيدة: «إنَّما أُنزِل القرآن بلسان عربِيّ مبين فمن زعم أنَّ فيه غير العربيّة فقد أعظم القول ومن زعم أنّ ﴿ لُدًّا﴾ بالنبطيّة فقد أكبر القول »
وزاد ابن فارس سببًا ثانيًا لإنكار المُعرّب في القُرآن فقال: « لو كان فيه من غير لغة العرب شيءٌ لتوهم مُتَوَهمٌ أنَّ العرب إنّما عجزت عن الإتيان بمثله لأنّه أتى بلغات لا يعرِفونها »
قال محمّد تقيّ الدّين متعقّبًا:« إنّما يمكن أن يُقال ذلك إذا كان في القرآن تراكيب أعجميّة، أو كلمات باقية على عُجمتها، أمّا وجود كلمات قد صقلتها العرب بألسنتها ونحت بها مناحي كلماتها ودخلت في أوزانها فلا يمَكِّن أحدًا أن يدّعي ذلك فيها...، ولمْ يَقُل أحدٌ من العرب المُعادين للإسلام إنَّ الذي منعهم من معارضة القُرآن هو وُجود كلمات فيه غير عربيّة بل سلّموا أنّه كلّه عربيٌّ.»
ثمّ نقل السّيوطِيّ ردّ ابن جرير على حُجّة المُثبتين فقال:« قال ابن جرير: ما ورد عن ابن عبّاس وغيره من تفسير ألفاظ القرآن أنّها بالفارسيّة أو الحبشيّة أو النّبطيّة أو نحو ذلك إنّما اتّفق فيها توارد اللّغات فتكلّمت بها العرب والفُرس والحبشة بلفظ واحد.»
وتعقّبه محمّد تقيّ الدّين الهلاليّ بقولِه: «ابن جرير إمام المُفسِّرِين في زمانه وما بعده وقد أخطأ في هذا الرّأْي إذْ لا يُمكن أن تتكلّم هذه الشُّعوب المتبايِنة في أنسابها ولغاتها المُتباعدة في أوطانها على سبيل المُصادفة والإتّفاق وتوارُد الخواطر بتلك الكلمات الكثيرة العدد.»
المَذْهب الثّاني: الإثبات:
قال الهلالي:« ...ثُمَّ ذكر السّيوطيّ آراء أخرى يظهر زيفها عند الإمتحان فأعرضت عن نقلها» وأغفل قول القائلين بوقوعه وحجّة هؤلاء أنَّ الكلمات اليسيرة بغير العربيّة لا تُخْرجه عن كونه عربيًّا، وأنَّ القصيدة بالفارسيّة لا تخرُج عنها بلفظة عربيّةٍ تكون فيها.
قال السّيوطيّ: «وأقوى ما رأيته للوقوع، وهو اختياري، ما أخرجه ابن جرير بسندٍ صحيح عن أبي ميسرة التّابعي الجليل؛ قال:« في القُرآن من كُلّ لسان.» ، وعلّل سبب اختياره بقوله: «...حكمة وقوع هذه الألفاظ في القُرآن أنَّه حوى علوم الأوّلين والآخِرين، ونبأ كلّ شيْء، فلا بدّ أنْ تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللّغات والألسُن؛ ليتمّ إحاطته بكلّ شيْء، فاختير له من كلّ لغة أعذبها وأخفّها وأكثرها استعمالا للعرب.»
إلاّ أنّ ابن جرير شرح الأثر الذي رواه عن أبي ميسرة بقوله: «معنى قول من قال:« في القُرآن من كُلّ لسان.» عندنا والله أعلم أنّ فيه من كلّ لسان اتّفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به، نظير ما وصفناه من القول فيما مضى...وإذا كان ذلك كذلك؛ فبيِّنٌ إذا خطأ من زعم أنَّ القائل من السّلف:« في القُرآن من كُلّ لسان» إنّما عنى بقيله ذلك: أنّ فيه من البيان ما ليس بعربيّ، ولا جائز نسبته إلى لسان العرب.»[30]
أيْ هذه الكلمات أصولها عربيّة مع وجودها في لغات أخرى.فما تفسير ذلك؟
المَذْهب الثّالث: التّوفيق:
نقل الهلاليّ عن السّيُوطِي مذهبًا ثالثًا فقال: «...بل كان للعرب العاربة التي نزل القُرآن بلُغتهم بعض مُخالطة لسائر الألسنة في أسفارِهم فعلِقَت من لغاتهم ألفاظٌ غَيَّرَتْ بعضها بالنَّقص مِن حُرُوفِها واستعملتها في أشعارها ومُحاوراتِها حتّى جرت مجرَى العَرَبِيِّ الفصيح ووقع بها البيان وعلى هذا الحدّ نزل بها القُرآن.» ثُمَّ قال: هذا هو الحقُّ الذي لا ريبَ فيه.
وهو مذهب أبو عُبيد القاسم بن سلام إذ يقول: «والصّواب عندي مذهبٌ فيه تصديق القولين جميعًا وذلك أنَّ هذه الأحْرُف أصولها أعجميَّة كما قال الفُقهاء لكنَّها وقعت للعرب فعرّبتها بألسنتها وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربيّة ثُمَّ نزل القُرآن بها وقد اختلطت هذه الحُروف بكلام العرب فمن قال إنَّها عربيّة فهو صادق، ومَنْ قال أعجميّة فصادق. ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجوزي وآخرون.»
و- الألفاظ المُعرّبة في القُرآن:
قال السّيوطيّ: «وقد نظم القاضي تاج الدّين بن السّبكي منها سبعةً وعشرين لفظًا في أبيات، وذيّل عليها الحافظ أبو الفضل بن حجر بأبيات فيها أربعة وعشرين لفظًا، وذيّلْتُ عليها بالباقي، وهو بضع وستّون فتمّت أكثر من مائة لفظة، فقال ابن السّبكي:
السّلسبيل وطه كوِّرت بِيَعٌ رومٌ وطوبى وسِجِّيل وكافورُ
والزّنجبيل ومشكاةُ سرادقُ مَعْ إستبرقٍ صلوات سندس طور
كذا قراطيسُ ربَّانِيهمُ وغسا قٌ ودينارُ والقِسطاسُ مشهور
كذاك قَسْورَةٌ واليمُّ ناشئة ويُؤت كفلين مذكور ومسطور
له مقاليدُ فردوسٌ يُعَدُّ كذا فيما حكى ابن دريد منه تَنّور
وقال ابن حجر:
وزدت حِرمٌ ومُهل والسِّجلُّ كذا السّريُّ والأبُّ ثُمَّ الجِبْت مذكور
وقِطَّنا وإناه ثُمَّ مُتَّكئًا دارست يصهر منه فهو مصهور
وهيت والسَّكَرُ الأوّاه مع حَصَبٍ وأُوبي معْه والطّاغوت مسطور
صُرْهنَّ إصْري وغِيضَ الماءُ مع وزرٍ ثُمَّ الرّقيم مناصٌ والسّنا النُّورُ
وقلت:
وزدت يس والرّحمن مع ملكو تٍ ثُمَّ سينينَ شطر البيت مشهور
ثُمَّ الصِّراط ودرّيٌّ يحور ومَرْ جانٌ ويمٌّ مع القِنطار مذكور
وراعنا طفقا هدْنا ابلعي وورا ءٌ والأرائِك والأكواب مأثور
هود وقسطٌ وكَفِّرْ رَمزَه سَقَرٌ هوْنٌ يصُدُّون والمِنساةُ مسطور
شهر مجوس وإقفال يهود حوا ريُّون كَنْزٌ وسِجّينٌ وتتبير
بعيرٌ آزرُ حُوبٌ وَرْدَةٌ عَرِمٌ إلٌّ ومن تحتها عَبَّدت والصُّور
ولينةٌ فُومُها رَهوٌ وأَخْلَدَ من جاةٌ وسَيِّدَها القيّوم موقور
وقُمَّلٌ ثُمَّ أسْفار عنى كتبا وسُجَّدًا ثُمَّ رِبِّيُون تكثير
وحِطَّةٌ وطُوًى والرَّسُّ نونُ كذا عدنٌ ومنفطرُ الأسباطِ مذكور
مسكٌ أباريقُ ياقوتٌ روَوا فهنا ما فات مِن عدد الألفاظ محصور
وبعضهم عدَّ الأولى مع بطائنها والآخره لمعاني الضِّدِّ مقصور[31]
ز- التَّأصيل اللُّغويّ للمُعرّب في ضوء اللّغات السّاميّة:
يقول الهلالي: «..والمؤلّف في هذا الموضوع- يعني: المعرّب- يحتاج إلى إلمام باللّغات التي قيل أنّ بعض مفرداتها قد عرّب ودخل في القرآن، فإن لم يعلم بها كلّها فلا أقلّ من الإلمام ببعضها، وأكثر علماء العرب مقصّرون في علم اللّغات، والذين يعرفون شيئا من اللّغات الأخرى منهم قليل...»[32]
لأن:«...هذه الكلمات الكثيرة المشتركة بين اللّغات السّاميّة هي أصليّة في كلّ واحدة منها؛ لا يقال إنّ إحداهنّ أخذتها من الأخرى، وهذا هو الشّأن في كلّ مجموعة من اللّغات ترجع إلى أصل واحد، كاللّغات اللاتينيّة كالإيطاليّة والإسبانيّة والفرنسيّة والرّومانيّة والبرتغاليّة. ومجموعة اللّغات الجرمانيّة كالألمانيّة والهولنديّة والفلمنكيّة والسّويديّة والنّرويجيّة والدّانماركيّة.»[33]
يقول الأب أنستاس ماري الكرملي: «ولا تكون الكلمة العربية من العبرية أو الآرامية إلا إذا كانت تلك الكلمة خاصة بشؤون بني إرم أو بني إسرائيل، أما الألفاظ العامة المشتركة بين الساميين جميعا، فليس ثَمَّ فضلُ لغةٍ على لغة»[34].
ويقول طه باقر: «...تلك الكلمات التي دخلت إلى لغتنا العربيّة من تراثنا اللّغوي القديم؛ من البابليّة والآشوريّة والسّومرية، وقد انتقلت إلى العربيّة إمّا عن طريق اللّغات القديمة الأخرى كالفارسيّة القديمة والآراميّة والعبرانيّة التي اقتبستها بدورها من تراثنا اللّغوي القديم فوسمتها معجماتنا العربيّة بأنّها فارسيّة أو أعجميّة ودخيلة لأنّ لغات العراق القديم التي ينبغي تأصيلها إليها قد ماتت من الاستعمال ولم يهتد الباحثون إلى حلّ رموزها ومعرفة نصوصها إلا منذ منتصف القرن التّاسع عشر الماضي، فانكشفت آفاق بعيدة في الدّراسات اللّغويّة والمعجميّة ممّا يحتّم على باحثينا اللّغويّين أن يعيدوا النّظر في تلك التّسمية الغامضة التي أطلقتها معجماتنا على طائفة كبيرة من المفردات، أي: الدّخيل والأعجميّ في حين أنّها في واقع الأمر من قبيل « هذه بضاعتنا ردّت إلينا »»[35]
وينوه بأهمية دراسة اللغات السامية فيقول: «...على أنّ هذا النّقص الذي أشرت إليه في معجماتنا العربيّة لا يضيرها ويقلّل من شأنها، ذلك لأنّ معرفة لغويّينا بما يسمّى اللّغات السّاميّة أو الأصحّ اللّغات أو اللهجات العربيّة القديمة كانت ناقصة محدودة إلى درجة كبيرة لأنّ ما كان معروفا من هذه اللّغات اقتصر على العبرانيّة والآرامية والحبشيّة ولم تكن اللّغات السّاميّة الأقدم منها مثل البابليّة والآشوريّة )الأكديّة( والكنعانيّة قد كشف عنها النّقاب...ذلك الكشف الذي يعدّ من أروع ما حقّقته التّحريّات والبحوث الآثاريّة الحديثة والدّراسات اللّغويّة المقارنة بين تلك اللّغات وتأكيد كونها من أصل واحد...وإنّ عدم معرفة اللّغويّين العرب القدماء بهذه الحقيقة قد أوقعهم في أخطاء ومزالق في تأصيلهم لكثير من الألفاظ العربيّة. وقد ذهب ببعضهم الوهم أنه أرجع كثيرا من المفردات التي لا غبار على أصلها العربيّ إلى السّريانيّة مثلا بمجرّد وجودها في السّريانيّة. وقد فاتهم للأسباب التّاريخيّة التي نوّهنا بها أنّ مردّ التّشابه في اللّفظ والمعنى ليس إلى اقتباس العربيّة من السّريانيّة أو غيرها من اللّغات السّاميّة، بل إنّ هذا التّشابه ناشئ من حقيقة كون السّريانيّة والعربيّة تنتميان إلى عائلة لغويّة واحدة..."[36]
بل أيضا اللغات القديمة التي كانت مجاورة ومصارعة للغات السامية حيث أنه «...صارت الفارسيّة القديمة وسيطا لغويّا جاءت إلينا عن طريقها طائفة من المفردات البابليّة، وهو ممّا نجده ينعت في معجماتنا العربيّة بالأعجميّ أو الدّخيل.» [37]
ح- كلماتٌ أصيلة في اللّغات السّاميّة عُدَّت معرّبة:
ابلعي:
قال السيوطي في الإتقان: «أخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه في قوله تعالى 11-44:﴿ابْلَعِي مَاءَكِ﴾، قال بالحبشية ازدرديه، وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال اشربي بلغة الهند».
وإن تعجب فعجب قولهم إن (ابلعي) بلغة أهل الهند وهذا القول إلى الهزل أقرب منه إلى الجد وقائله ليس أهلا أن يؤخذ عنه العلم و إنما هو يهرف بما لا يعرف وأهل الهند أجناس كثيرة لهم مئات من اللغات ولا تكاد تسير مسافة يوم إلا وجدت جنسا آخر له لغة أخرى. وفي زماننا هذا نرى الدماء تسفك بينهم بسبب اللغات فلا يرضى جنس أن تكون لغة الدولة لغة أخرى غير لغته، وفي زمان الاستعمار لم تكن في الهند لغة يستطيع المسافر أن يتكلم بها ويجد من يفهم كلامه في جميع أنحاء الهند إلا لغتين إحداهما الإنكليزية وهي لغة الدولة الحاكمة، والثانية لغة المسلمين وهي لغة أوردو، على أن (بلع) كلمة عربية سامية أصيلة عريقة في عروبتها وساميتها وترفع راية اللغات السامية وهي حرف العين.
ومن المعلوم عند علماء اللغات أن العين والحاء لا توجدان إلا في اللغات السامية، فإن وجدت إحداهما في كلمة من لغة غير سامية فتلك الكلمة طارئة واردة على تلك اللغة وبهذا يستدل الفيلولوجيون على أن البربر من جزيرة العرب قبل خروج البابليين والآشوريين والكنعانيين والفينيقيين كما هو مبين في موضعه.
ونحن نرى إخواننا عامة المسلمين من أهل الهند يبذلون جهودهم في النطق بقوله تعالى: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعَينَ﴾ فلا يتمون النطق بالعينين حتى تغفر ذنوبهم من مشقة النطق بهما. ولذلك نرى السيوطي في كتاب الإتقان كحاطب ليل وليس عنده تحقيق ولا إتقان وهذا شأنه في علوم المنقول، أما في علوم المعقول كعلوم العربية فهو فارس لا يشق له غبار. وقد تحامل عليه الحافظ السخاوي في كتابه (الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع) فا لله يغفر لهما جميعا.
أخلد:
قال السيوطي في الإتقان: «قال الواسطي في الإرشاد أخلد إلى الأرض ركن بالعبرية.»
أقول: هذا القول لا يقوله إلا جاهل باللغات السامية فإن أخلد وخلد موجودتان في اللغتين كلتيهما ومتفقتان في معانيهما في الجملة فمن قال أنهما عبريتان وليستا عربيتين لقد قفا ما لا علم له به، ومن قال العكس فهو مثله، غير أن(أخلد)في العبرانية بالحاء المهملة، وكذلك(خلد) وقد تقدم أن الخاء المعجمة لا توجد بالأصالة في العبرانية وإنما توجد بالعرض في حرف الكاف إذا جاءت بعد حركة، ولم نر أحدا من علماء اللغة العربية أشار إلى أن (أخلد)عبرانية كما ادعى هذا المدعي .قال في لسان العرب وخلد إلى الأرض وأخلد أقام فيها وفي التنزيل العزيز: ﴿وَلَكِنَّه أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هوَاه﴾ أن ركن إليها وسكن وأخلد إلى الأرض وإلى فلان أي ركن إليه ومال إليه ورضي به، ويقال خلد إلى الأرض بغير ألف وهى قليلة.
وقال البيضاوي في تفسيره ﴿وَلَكِنَّه أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ﴾ مال إلى الدنيا أو إلى السفالة ﴿وَاتَّبَعَ هوَاه﴾ في إيثار الدنيا واسترضاء قومه وأعرض عن مقتضى الآيات.
الأرائك:
قال السيوطي في الإتقان:«حكى ابن الجوزي في فنون الأفنان أنها السرر بالحبشية» .قال الراغب:«الأريكة حجلة على سرير جمعها (أرائك وتسميتها لذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجرة أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم أرك بالمكان أروكا وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات» . وقال في لسان العرب: «والأريكة سرير في حجلة والجمع أريك وأرائك، وفي التنزيل ﴿عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ قال المفسرون:الأرائك السرر في الحجال، وقال الزجاج:الأرائك الفرش في الحجال، وقيل: هي الأسرة وهي في الحقيقة الفرش كانت في الحجال أو في غير الحجال، وقيل الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة. وفي الحديث: «ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله»، الأريكة السرير في الحجلة من دونه ستر، ولا يسمى منفردا أريكة.».
قال في اللسان: «والحجلة مثل القبة وحجلة العروس معروفة وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور»، فقد رأيت أن الأرائك كلمة عربية خالصة، وبطل ما ادعاه السيوطي ومن نقل عنه.
أسباط:
قال محمّد تقيّ الدّين: «السّبط، يُلفظ به في اللّغة العبرانيّة "شفيط" وهو غصن الشّجرة، وسُمِّي أبناء يعقوب الاثنا عشر أسباطًا؛ لأنهم أبناء أبٍ واحدٍ كأغصان الشّجرة.»[38] ( سبيل الرّشاد1/203)
قال السيوطي في الإتقان: «حكى أبو الليث في تفسيره أنها بلغتهم كالقبائل بلغة العرب» .
وفي هذا الكلام شيء ساقط لأن الضمير في لغتهم لم يذكروا ما يعود عليه وهذا الساقط يحتمل أن يكون يدل على بني إسرائيل وكلام جفري يؤيد هذا الاحتمال وهذا نص ترجمته بالعربية: اضطر أبو الليث أن يعترف أنه أي السبط لفظ عبراني مستعار، قاله السيوطي في الإتقان. وقد أطال جفري البحث في هذا اللفظ وادعى أنه لم يستعمل في كلام العرب قبل استعماله في القرآن وربما يكون أول من استعمله محمد ونحن نقول لجفري وأمثاله من الذين أعمى التعصب بصائرهم وأفقدهم صوابهم: إن الله الذي أنزل التوراة و الإنجيل اللذين تؤمن بهما أنت هو الذي أنزل القرآن على عبده ورسوله محمد بن عبد الله خاتم النبيين على رغم أنفك ولا ضير على القرآن أن يوجد فيه لفظ شاع استعماله في العبرانية لأن هاتين اللغتين نشأتا من أصل واحد وإذا جاز أن يكون في القرآن ألفاظ هي في الأصل فارسية مع أن لغة الفرس بعيدة من لغة العرب فما المانع أن توجد فيه ألفاظ عبرانية أو سريانية؟ وإذا اعتبرنا السبط اسما لقبيلة من قبائل بتي إسرائيل فالتعبير به طبيعي وهو أولى من التعبير عنه بالقبيلة لأنه صار شبيها بالأعلام التي يجب ذكرها بلفظها.
قال في لسان العرب: «والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب وهم الذين يرجعون إلى أب واحد، سمي سبطا ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق وجمعه أسباط. وقوله عز وجل: ﴿وَقَطَّعْنَاهمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً﴾ ليس أسباطا بتمييز لأن المميز إنما يكون واحدا لكنه بدل من قوله ﴿اثْنَتَيْ عَشْرَةَ﴾ كأنه قال:جعلناهم أسباطا والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب».
وأصله بالعبرانية (شبط)على وزن إبل ومعناه القضيب والعصا والقبيلة.
أسفار:
قال محمد تقي الدين:« كلمة (سفر) بكسر السين وسكون الفاء من الكلمات المشتركة بين اللغات السامية التي نعرفها ففي السريانية (سفرا) سواء أكان نكرة أم معرفة لأن كل اسم في السريانية ينتهي بالألف، وليس فيها أداة تعريف، وبالعبرانية إذا لم تضف هذه الكلمة تلفظ (سفر) بكسر السين والفاء، وهكذا الأسماء الثلاثية في اللغة العبرانية كثير منها يكون بكسر أوله وثانيه وإذا أضيف إليه ياء المتكلم تقول (سفري) بكسر فسكون كما في العربية. أما الجمع فيختلف ففي العربية وحدها لا في أختيها يجمع على أسفار...»[39]
الرّحمن:
وهذا يدل على ما قلته سابقا من جهل علماء العرب باللغات حتى أخوات لغتهم كالعبرانية والسريانية، فالرحمن كلمة عربية خالصة من الرحمة بزيادة الألف والنون كظمآن وعطشان، وكانت العرب تعرفه وتفهم معناه وقد سموا به مسيلمة الكذاب فكانوا يدعونه (رحمان اليمامة) ولكنهم لجهلهم لم يكونوا يعلمون أنه من أسماء الله.
ومن أعجب العجب قولهم أنه عبراني وأن أصله بالخاء المعجمة، والخاء المعجمة لا وجود لها في العبرانية استقلالا وإنما تنطق الكاف بها إذا جاءت قبلها حركة مثل (هبراخا) البركة ومثل باروخ، أي مبارك ومعناه بالعبرانية هو معناه بالعربية، إلا أنه في اللغة العبرانية صفة عامة لكل من في قلبه رحمة ليس خاصا بالله تعالى، إذن فهو من الكلمات المشتركة بين العبرانية والعربية وهي كثيرة تعد بالآلاف، وهذه الكلمات الأربع التي في البسملة كلها مشتركة بين اللغتين، فالاسم(شم) بإبدال السين شينا وذلك كثير في العبرانية، والله (إلوهيم) والرّحمن لفظه بالعبرانية كلفظه بالعربية إلا أداة التعريف فإنها بالعبرانية هارحمان والرحيم بالعبرانية هارحوم.. وهذه الكلمات الكثيرة المشتركة بين اللغات السامية هي أصلية في كل واحدة منها، لا يقال إن إحداهن أخذتها من الأخرى وهذا هو الشأن في كل مجموعة من اللغات ترجع إلى أصل واحد.»[40]
لكن هل الهلالي يذهب إلى أن كل ما وصف بالمعرب في القرآن هو عربي مشترك بين اللغات السامية؟ هذا ما يبينه هذا النص:
قال محمّد تقيّ الدّين الهلالي:«...كلّ ما جاء في القُرْآن فهو عربيّ، سواء أكان عربيّا غير مشترك؛ أيْ خاصّا باللّغة العربيّة، أم كان لفظا مشتركا بين العربيّة وأخواتها السّاميّات، أم كان لفظا غير عربيّ في الأصل، ولكنّ العرب تكلّمت به فصار عربيا بالاستعمال ككلمتي جبريل وميكائيل، فكلّ ما بين دفّتي المصحف فهو عربيّ» [41]
وهذا المخطط يلخص رأيه في قضية المعرب في القرآن الكريم:
مثل: جبريل وميكائيل.
3/ظاهرة الإعراب:
أولا: معنى الإعراب:
أ /الإعراب في اللغة:
قال ابن فارس: ‹‹أعرب الرجل عن نفسه إذا بين وأوضح.››[42]
وقال: ‹‹إعراب الكلام من هذا القياس لأن بالإعراب يفرق بين المعاني في الفاعل والمفعول والنفي والتعجب والاستفهام وسائر أبواب هذا النحو من العلم.››[43]
ب/الإعراب في الاصطلاح:
عرفه ابن هشام بقوله: ‹‹أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة.››[44]
والمراد بالأثر: ما يحدثه العامل من الحركات الثلاث أو السكون وما ينوب عنها.
ثانيا: أهمية الإعراب:
قال أبو القاسم الزجاجي[ت337ﻫ]: ‹‹فإن قال قائل: قد ذكرت أن الإعراب داخل في الكلام فما الذي دعا إليه واحتيج إليه من أجله؟
فالجواب أن يقال: إن الأسماء لما كانت تعتورها المعاني و تكون فاعلة ومفعولة ومضافة ومضافا إليها، ولم يكن في صورها و أبنيتها أدلة على هذه المعاني، بل كانت مشتركة جعلت حركات الإعراب فيها تنبئ عن هذه المعاني.››[45]
ثالثا: إنكار الإعراب:
جميع النحاة يرون أن حركات الإعراب تدل على المعاني المختلفة التي تعتور الأسماء من فاعلية أو مفعولية أو إضافة أو غير ذلك.
وخالف في القديم أبو علي محمد بن المستنير المعروف ب قطرب إذ يقول: ‹‹وإنما أعربت العرب كلامها لأن الاسم في حالة الوقف يلزمه السكون للوقف، فلو جعلوا وصله بالسكون أيضا لكان يلزمه الإسكان في الوقف والوصل، وكانوا يبطؤون عند الإدراج فلما وصاوا أمكنهم التحريك، جعلوا التحريك معاقبا للإسكان ليعتدل الكلام.››
قال السيوطي: ‹‹لو كان كما ذكر لجاز جر الفاعل مرة ورفعه أخرى ونصبه وجاز نصب المضاف إليه، لأن القصد في هذا إنما هو الحركة تعاقب سكونا يعتدل بها الكلام، فأي حركة أتى بها المتكلم أجزأته فهو مخير في ذلك.››[46]
يقول الدكتور إبراهيم السامرائي عن رأي قطرب: «وهذا الرأي غريب في جملته، وقد انفرد فيه صاحبه، ولم يؤيده فيه إلا الدكتور إبراهيم أنيس بعد أحد عشر قرنا، ووجه الخطل في هذا الرأي أن العربية كانت معربة منذ أقدم العصور والنصوص شاهدة على ذلك.»[47]
ومن المتحمسين لإلغاء الإعراب لأنه صعب ومعقد بزعمهم بعض دعاة تيسير اللغة العربية.
رابعا: الإعراب في اللغات السامية:
قال محمّد تقيّ الدّين في معرض حديثه عن خطإ في النّطق وهو حذف تاء التّأنيث المُتَحَرِّكة والاقتصار على حركة ما قبلها وهي الفتحة فبعضهم يمدّها فينشأ عنها ألِف وأكثرهم لا يمدّها مثل: الأجهزَ الإِعلاميّة والأسمدَ الكيماويّة والطّاقَ البشريّة:«...والعجب كلّ العجب أنَّ هذا الفساد نفسه قد سبق إليه العبرانيّون والسّريانيّون منذ آلاف السّنين، فإنَّ الرَّأْي الصّحيح الذي عليه المُحقِّقُون من علماء هذا الشّأن أنَّ اللُّغة العربيّة هي الأصل وسائر اللّغات السّاميّة تفرّعت عنها كما العامّيّة عن الفصحى ومن العجب أنَّ التّطوُّر الذي وقع في اللّغة العبرانيّة واللّغة السّرْيانيّة هو بعينه الذي وقع في اللّغة العاميّة، فإنَّ العبرانيّة والسّريانيّة كان فيهما إعراب في الأصل ولا تزالُ بقاياه في اللُّغة العبرانيّة ولمّا كثر الجهلُ بالقواعد فيهما أخذ الإعرابُ يزولُ شيئًا فشيئًا، حتّى صار معدوما بالمَرَّة، ولنضرب لذلك مثلا: المرأة في اللّغة العبرانيّة اسمها "اشه" وأصلُها "اشة" فتقولُ مثلاً "ها اشه طوبه" فمعناه: المرأة الطّيِّبة.و"ها" هي أداة التّعريف بمنزلة الألف واللاّم في العربيّة، فالأصل "هااشة طوبة" فلمَّا وقع الفسادُ وتغيّرت اللُّغة عن أصلها وانحرفت عنه حُذِفت هاء التّأنيث في الكلمتين وأُبْدِلت بألف مدّ كما يُقالُ في العامّيّة:"الغُرفا العاليا"،وعربِيَّتُها في الأصل: "الغُرفة العالية". والدّليلُ على ذلك أنَّك إذا أضفتَ كلمة "اشه" يظهرُ الأَصلُ فتقول "اشة خا طوبة" معناه امرأتُك طيِّبة، ولذلك اشتدّ ألمي وعظمت حسْرتي لأنّنا إذا سرنا في هذا الطّريق يزولُ الإعرابُ مِنْ لُغَة القُرْآن وتبْعُدُ عن أصْلِها كُلَّ البُعْدِ كما بعدتْ أُخْتاها.»[48] (تقويم اللّسانين.141-140).
وفي هذا رد على منكري الإعراب ومنهم صديق الهلالي باول كاله(Paul Kahle) الذي عقد في كتابه (الذخائر القاهرية) فصلاً عنوانه: نص القرآن العربي، يقول فيه:
«جُمِعَ نص القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمدة وجيزة في عام 632م، وأخذ شكله النهائي في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان655-644م، وهنا قامت مشكلة كيف يُقرأ هذا النص ويرتل؟
فقد ولد محمد صلى الله عليه وسلم بمكة، وانحدر _كمعظم مواطنيه_ من القبيلة العربية: قريش.
وكانت اللغة العربية التي يتكلمها هي لغة المواطن المثقف في مكة.
والنص القرآني الخالي من الضبط بالشكل يعكس بوضوح اللغة العربية التي كانت تتكلم في مكة، غير أنّ العرب كانوا قد تعودوا أن يعدوا اللغة البَدَوية نموذجًا للنطق الصحيح، فبهذه اللغة نظم الشعر العربي الجاهلي، وكان كل عربي مزهوا بذلك.
وإذا كانت كلمة الله لا يصح أن ترتل بلغة أقل مستوى من أي [في الأصل: أية] لغة أخرى، فقد بدأت العواصم الإسلامية في ذلك العصر المبكر _في الكوفة، و البصرة، و المدينة، و مكة_ دراسة نشيطة للشعر البدوي، فكان الرجال المهتمون بهذا النمط في اللغة العربية يذهبون إلى جيرانهم من البدو، ويجمعون ما أمكنهم من أشعارهم، وما يتصل بها من الحكايات، وهي في الغالب أخبار عن الحروب الصغيرة التي جمعت تحت عنوان: أيام العرب.
وقد اتُّخِذت المادة التي جمعت بهذه الطريقة أساسًا للعربية النموذجية التي ابتدعها النحويون، ثم حذيت لغة القرآن على نمطها، ومع ذلك لم تتغير كتابة المصحف، بل ابتدعت طريقة تُضاف فيها علامات مختلفة إلى النص، لضمان صحة القراءة.»[49]
قال د. رمضان عبد التواب: «...وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "إنّ إعراب القرآن لأحب إليّ من حفظ بعض حروفه." وقال ابن مسعود: "جودوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات، وأعربوه؛ فإنه عربي، والله يحب أن يُعرب".
وقد علق كاله على كلمة: "إعراب" في نص أبي بكر الصديق، بقوله: الإعراب يعني الحركات في أواخر الكلمات العربية طبقًا لقواعد العربية الفصحى.
وقد استنتج كاله من ذلك أنّ الإلحاح على طلب قراءة القرآن بالإعراب لا يبدو معقولا إلاّ إذا كان يُقرَأ في الواقع بدون إعراب، وأُرِيدَ له أن يُقرأ بالإعراب الذي عُدَّ في وقت متأخر من مظاهر القُحَّة اللغويّة.
وهو مخطئ في استنتاجه ذلك، لأنّ الإعراب بمعناه الاصطلاحي لم يكن معروفًا في أيام أبي بكر وابن مسعود.
ومعنى كلمة إعراب القرآن في هذه الأحاديث _إن لم تكن مزيفة_ هو الوضوح والبيان في قراءة القرآن الكريم. »[50]
الخاتمة:
نتائج:
- جهود علماء المغرب العربي كبيرة ومباركة في خدمة اللغة العربية لسان الوحي الإسلامي.
- تقصير علماء العربيّة في معرفة اللّغات السّاميّة، وأثر ذلك في نعت كثير من المفردات العربية ب"الدخيل".
- دور الدراسة المُقارِنة للّغات السّاميّة في التّأصيل اللّغوي.
- خلاصة رأي د.محمّد تقيّ الدّين الهلالي في المُعرّب:
- وقوع المُعرّب في اللّغة العربيّة منذ عصور الفصاحة.
- بعض كلمات القُرآن الكريم عُدّت مُعرّبة وليست عربيّة، وهي نوعان:
* كلماتٌ مشتركةٌ بين اللُّغات السّاميّة(العربيّة القديمة): فهي عربيّةٌ أصيلة وليست مُعرّبة لانحدارها إلى اللّغة العربيّة من نفس الأصل السّامي المشترك، فليست إحدى اللّغات السّاميّة أولى بها من الأُخرى.
* كلمات أصولها غير ساميّة: فهي مُعرّبة عرّبتها العرب قبل الإسلام ووقع بها البيان ثُمّ نزل بها القرآن الكريم.
- الإعراب ظاهرة أصيلة في اللغة العربية وأخواتها الساميات فلا مجال لإلغائه كله أو بعضه.
توصيات:
- ضرورة الاهتمام بالإنتاج اللغوي المغربي.
- ضرورة إدراج مقياس اللغات السامية في أقسام اللغة العربية وآدابها.
- أهمية البعثات العلمية إلى الدول المتقدمة التي تدرس التراث العربي جنبا إلى جنب مع تراث حضارات الشرق الأوسط.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] محمد الهادي الحسني: آثار الإبراهيمي 2/25.
(1) دواء الشاكين وقامع المشككين:8.
[2] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب الجامعة الإسلامية.المدينة المنورة.السنة الثالثة.العدد الثالث،1390هـ/1970م.ص:27.
[3] سبيل الرّشاد.1/580
[4] سبيل الرّشاد. 84-83/2
[5] الدّعوة إلى الله182
[6] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:24.
[7] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب الجامعة الإسلامية.المدينة المنورة.السنة الثالثة.العدد الثالث،1390هـ/1970م.ص:31.
[8] الدّعوة إلى الله.93
[9] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:27.
[10] تقويم اللّسانين.34
[11] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:20.
[12] سبيل الرّشاد2 / 376
[13] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:27
[14] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:23.
[15] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب الجامعة الإسلامية.المدينة المنورة.السنة الثالثة.العدد الثالث،1390هـ/1970م.ص:.29.28
[16] سبيل الرّشاد.5/47
[17] تقويم اللّسانين.140
[18] حديث مع زائر كريم.مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.السنة السادسة. العدد الرابع .ربيع الثاني 1394ﻫ.أفريل 1974م.ص:20.
[19] حديث مع زائر كريم.ص:19.
[20] حديث مع زائر كريم.ص:21.
[21] حديث مع زائر كريم.ص:19.
[22] حديث مع زائر كريم.ص:21.
[23] حديث مع زائر كريم.ص:20.
[24] محمّد بن إبراهيم الحمد: فقه اللّغة.157
[25] علي عبد الواحد وافي: فقه اللّغة.153
[26] تقويم اللّسانين:10
[27] تقويم اللّسانين:9
[28] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب الجامعة الإسلامية.المدينة المنورة.السنة الثالثة.العدد الثالث،1390هـ/1970م.ص:20.
[29] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب الجامعة الإسلامية.المدينة المنورة.السنة الثالثة.العدد الثالث،1390هـ/1970م
[30] جامع البيان1/19-17
[31] محمّد بن إبراهيم الحمد: فقه اللّغة.168-167 و:الإتقان.2/120-119
[32] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب.ص:23.
[33] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب.ص:27.
[34] نشوء اللغة العربية ونموها واكتمالها:67
[35] طه باقر: من تراثنا اللّغويّ القديم ما يسمّى في العربيّة بالدّخيل.المقدّمة ﻫ
[36] طه باقر: من تراثنا اللّغويّ القديم ما يسمّى في العربيّة بالدّخيل.المقدّمة ح
[37] طه باقر: من تراثنا اللّغويّ القديم ما يسمّى في العربيّة بالدّخيل.المقدّمة ط
[38] سبيل الرّشاد1/203
[39] حديث مع زائر كريم.ص:27.
[40] ما وقع في القرآن بغير لغة العرب.ص:27.
[41] تقويم اللّسانين.60
[42] معجم مقاييس اللغة 4/ 299
[43] معجم مقاييس اللغة 4/ 300
[44] ضياء السالك إلى أوضح المسالك 1/49.
[45] الإيضاح على علل النحو.ص:69.
[46] الأشباه والنظائر. 1/79.
[47] د. إبراهيم السامرائي: فقه اللغة المقارن.ص: 121.
[48] تقويم اللّسانين.141-140
[49] فقه اللغة:417-416 و فصول في فقه العربية335-334
[50] فقه اللغة:419-418 و فصول في فقه العربية:336-335