[align=center]"يالله تنام يالله تنام"![/align]
[align=justify]بين يدينا قصيدة بابلية مؤلفة من عنوان وأحد عشر بيتا. القصيدة بمثابة تهليلة لتهدئة طفل صغير كثير البكاء والصراخ والقروشة.
وهذا النوع من أدب "يالله تنام يالله تنام" إن صحَّت التسمية، قديم قدم الانسان، إلا أن قصائد التهليلة الرافيدينية التي تناهت إلينا هي أقدمُ ما حفظه التاريخ المدون من هذا النوع الأدبي، فقد عُثِرَ في العراق على قرابة عشرين قصيدة بابلية (1) كلها نصوص كانت تقرأ على الأطفال الذين كانوا يكثرون من البكاء والصراخ والقروشة في الليل، مما ألجأ والديهم إلى الكهنة لكتابة تعويذات لهم تخوف أطفالهم المزعجين وبالتالي تنوّمهم! وهذا تقليد لا يزال قائما حتى اليوم، ويكفي أن نستحضر في هذا المجال "الحجاب" و"التميمية" وما إليهما مما يُلجَأ إليه "لإنزال السكينة" في قلوب الأطفال "الحِرْكين"، وكذا تخويفهم بالبعبع وذبح طير الحمام الخ. وهذا تقليد موجود في كل مكان وفي الغرب أيضا ومنذ سنتين تقريبا حكمت محمكة بلجيكية بالسجن مدى الحياة على والدين أعياهما أمر طفلهما فخدراه بالحشيش وكمَّما فمه بلاصقة صمغية فاختنق الطفل المسكين ومات!
ولكن حديثنا اليوم في هذه القصيدة البابلية الذي يعود تاريخ تأليفها إلى حوالي ألفين قبل الميلاد. ونقتصر في هذا الحديث الآن على نشر القصيدة بنصها البابلي مع ترجمة حرفية لها فقط. وسنعود لاحقا لشرح اللغة وإيراد الأشباه والقرائن اللغوية إن شاء الله. وقد نشرنا النص البابلي للتهليلة بهدف تمكين القارئ العربي من استشفاف القرابة اللغوية الواضحة بين العربية والبابلية. في هذا السياق يرجى أخذ الملاحظتين التاليتين بعين الاعتبار:
الملاحظة الأولى: إن الميم الموضوعة بين قوسين هكذا (م) هي للدلالة على الإعراب في البابلية وهو مثل الإعراب في العربية بالضبط لكنه يلفظ بالميم (من ثمة: تَمِّيم) وليس بالنون (من ثمة: تنوين). مثال: نُورْ شَمْشِ(م) (= nūr šamš-im) أي "نُورُ الشمسِ". فالميم مثل نون التنوين في العربية. (يلاحظ أن "نُورْ شَمْشِ(م)" إضافة مثل الإضافة العربية بالضبط والفرق الوحيد بين الإضافتين هو اختفاء الحركة من آخر المضاف في البابلية بعد فسادها بسبب الاختلاط مع السومريين، بينما احتفظت العربية الفصيحة بها حتى يومنا هذا.
الملاحظة الثانية: يقصد من الترجمة الحرفية مساعدة القارئ العربي في استجلاء القرابة اللغوية الواضحة بين العربية والبابلية أيضا. ولتسهيل ذلك وفهم النص، أضفنا كلمات وضعناها بين [].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حواش
(1) كلها منشورة في أعداد مختلفة من مجلة الآشوريات. وقد جمعها الألماني والتر فاربر في كتاب عنوانه:Walter Farber (1989). Schlaf, Kindchen, Schlaf! Mesopotamische Baby-Beschwörungen und –Rituale. Eisenbrauns, Winona Lake.. النص البابلي منسوخ من الصفحة 34 من الكتاب المذكور وكذا من مجلة الآشوريات، العدد 71، الصفحة 62.
(2) "بيت الظلام" هنا كناية عن بيت الرَّحم.
(3) كناية عن الولادة.
(4) ثمة: تشير هنا إلى بيت الرحم.
(5) يقصد بشارب الخَمْر: السكران.
[/align]
[align=justify]بين يدينا قصيدة بابلية مؤلفة من عنوان وأحد عشر بيتا. القصيدة بمثابة تهليلة لتهدئة طفل صغير كثير البكاء والصراخ والقروشة.
وهذا النوع من أدب "يالله تنام يالله تنام" إن صحَّت التسمية، قديم قدم الانسان، إلا أن قصائد التهليلة الرافيدينية التي تناهت إلينا هي أقدمُ ما حفظه التاريخ المدون من هذا النوع الأدبي، فقد عُثِرَ في العراق على قرابة عشرين قصيدة بابلية (1) كلها نصوص كانت تقرأ على الأطفال الذين كانوا يكثرون من البكاء والصراخ والقروشة في الليل، مما ألجأ والديهم إلى الكهنة لكتابة تعويذات لهم تخوف أطفالهم المزعجين وبالتالي تنوّمهم! وهذا تقليد لا يزال قائما حتى اليوم، ويكفي أن نستحضر في هذا المجال "الحجاب" و"التميمية" وما إليهما مما يُلجَأ إليه "لإنزال السكينة" في قلوب الأطفال "الحِرْكين"، وكذا تخويفهم بالبعبع وذبح طير الحمام الخ. وهذا تقليد موجود في كل مكان وفي الغرب أيضا ومنذ سنتين تقريبا حكمت محمكة بلجيكية بالسجن مدى الحياة على والدين أعياهما أمر طفلهما فخدراه بالحشيش وكمَّما فمه بلاصقة صمغية فاختنق الطفل المسكين ومات!
ولكن حديثنا اليوم في هذه القصيدة البابلية الذي يعود تاريخ تأليفها إلى حوالي ألفين قبل الميلاد. ونقتصر في هذا الحديث الآن على نشر القصيدة بنصها البابلي مع ترجمة حرفية لها فقط. وسنعود لاحقا لشرح اللغة وإيراد الأشباه والقرائن اللغوية إن شاء الله. وقد نشرنا النص البابلي للتهليلة بهدف تمكين القارئ العربي من استشفاف القرابة اللغوية الواضحة بين العربية والبابلية. في هذا السياق يرجى أخذ الملاحظتين التاليتين بعين الاعتبار:
الملاحظة الأولى: إن الميم الموضوعة بين قوسين هكذا (م) هي للدلالة على الإعراب في البابلية وهو مثل الإعراب في العربية بالضبط لكنه يلفظ بالميم (من ثمة: تَمِّيم) وليس بالنون (من ثمة: تنوين). مثال: نُورْ شَمْشِ(م) (= nūr šamš-im) أي "نُورُ الشمسِ". فالميم مثل نون التنوين في العربية. (يلاحظ أن "نُورْ شَمْشِ(م)" إضافة مثل الإضافة العربية بالضبط والفرق الوحيد بين الإضافتين هو اختفاء الحركة من آخر المضاف في البابلية بعد فسادها بسبب الاختلاط مع السومريين، بينما احتفظت العربية الفصيحة بها حتى يومنا هذا.
الملاحظة الثانية: يقصد من الترجمة الحرفية مساعدة القارئ العربي في استجلاء القرابة اللغوية الواضحة بين العربية والبابلية أيضا. ولتسهيل ذلك وفهم النص، أضفنا كلمات وضعناها بين [].
النص البابلي
شِpتُ(م) شَ صِخْرِ(م) [إقرأ: صِغْرِ(م)] نُوخِْ(م).
صِخْرُ(م) [إقرأ: صِغْرُ(م)] واشِبْ بِيتْ إِكْلِتِ(م)
لُ تَتَصَ(م) تَتَمَرْ نُورْ شَمْشِ(م)
أَمِنْ تَبَكِي أَمِنْ تُجَجْ
أُلِْكِي أَمِنْ لا تَبْكِي
إِلِّ بِيتِ(م) تِدْكِ كُسَرِكُ(م) إِجِل (TIM)
مَنُ(م) يِدْكِيَنِ
مَنُ(م) وْجَلِتَنِ
صِخْرُ(م) [إقرأ: صِغْرُ(م)] يِدْكِكَ صِخْرُ(م) [إقرأ: صِغْرُ(م)] أُجَلِتْكَ
كِما شَتُو كَرَنِ(م)
كِما مَرْ سَبِتِ(م)
لِمْ قوتَشُ(م) شِتُ(م)
**********
تهليلة لتهدئة طفل يبكي
[أيها الطفل] الصغير الذي سكنتَ بيتَ الظلام (2)
لقد خرجتَ وشاهدتَ نورَ الشمسِ (3)
لماذا تَبكِي؟ لماذا تَصرَخ؟
لماذا لم تَبْكِ [عندما كنتَ] ثمة؟ (4)
أزعجتَ إلهَ البيت، أيقظتَ آلهةَ الظلام
[فهذا إلهُ البيت يسأل:] "مَن أزعَجَنِي؟
مَن أقْلَقَنِي؟"
[الطفلُ] الصغيرُ أزْعَجَكَ .. [الطفلُ] الصغيرُ أقلقكَ!
كما [يأخُذُ النومُ] شاربَ الخَمْرِ (5)
والمستريحَ [من عناء التعب الشديد] ..
لِيَأْخُذْكَ النومُ يا صغير!
شِpتُ(م) شَ صِخْرِ(م) [إقرأ: صِغْرِ(م)] نُوخِْ(م).
صِخْرُ(م) [إقرأ: صِغْرُ(م)] واشِبْ بِيتْ إِكْلِتِ(م)
لُ تَتَصَ(م) تَتَمَرْ نُورْ شَمْشِ(م)
أَمِنْ تَبَكِي أَمِنْ تُجَجْ
أُلِْكِي أَمِنْ لا تَبْكِي
إِلِّ بِيتِ(م) تِدْكِ كُسَرِكُ(م) إِجِل (TIM)
مَنُ(م) يِدْكِيَنِ
مَنُ(م) وْجَلِتَنِ
صِخْرُ(م) [إقرأ: صِغْرُ(م)] يِدْكِكَ صِخْرُ(م) [إقرأ: صِغْرُ(م)] أُجَلِتْكَ
كِما شَتُو كَرَنِ(م)
كِما مَرْ سَبِتِ(م)
لِمْ قوتَشُ(م) شِتُ(م)
**********
تهليلة لتهدئة طفل يبكي
[أيها الطفل] الصغير الذي سكنتَ بيتَ الظلام (2)
لقد خرجتَ وشاهدتَ نورَ الشمسِ (3)
لماذا تَبكِي؟ لماذا تَصرَخ؟
لماذا لم تَبْكِ [عندما كنتَ] ثمة؟ (4)
أزعجتَ إلهَ البيت، أيقظتَ آلهةَ الظلام
[فهذا إلهُ البيت يسأل:] "مَن أزعَجَنِي؟
مَن أقْلَقَنِي؟"
[الطفلُ] الصغيرُ أزْعَجَكَ .. [الطفلُ] الصغيرُ أقلقكَ!
كما [يأخُذُ النومُ] شاربَ الخَمْرِ (5)
والمستريحَ [من عناء التعب الشديد] ..
لِيَأْخُذْكَ النومُ يا صغير!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حواش
(1) كلها منشورة في أعداد مختلفة من مجلة الآشوريات. وقد جمعها الألماني والتر فاربر في كتاب عنوانه:Walter Farber (1989). Schlaf, Kindchen, Schlaf! Mesopotamische Baby-Beschwörungen und –Rituale. Eisenbrauns, Winona Lake.. النص البابلي منسوخ من الصفحة 34 من الكتاب المذكور وكذا من مجلة الآشوريات، العدد 71، الصفحة 62.
(2) "بيت الظلام" هنا كناية عن بيت الرَّحم.
(3) كناية عن الولادة.
(4) ثمة: تشير هنا إلى بيت الرحم.
(5) يقصد بشارب الخَمْر: السكران.
[/align]
تعليق