عيسى عليه السلام فى أدب الحاخامات

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • amrzakarya
    عضو منتسب
    • Oct 2007
    • 39

    عيسى عليه السلام فى أدب الحاخامات

    تأليف: أفيجدور شنئان
    ترجمة: عمرو زكريا خليل
    جمهورية مصر العربية

    عيسى عليه السلام فى أدب الحاخامات
    المشناه ، التوسفتا ، التلمودان والمدراشيم
    فلسطين وبابل فى القرون الخمسة الأولى للميلاد
    التنائيم والأمورائيم .
    تزعم الحاخامات "حكماء التوراة ومعلموها" جماعة بني إسرائيل، بداية من القرن الأخير من عصر الهيكل الثانى تقريباً وحتى عام 500م، وعبر عنهم بكتب التراث بكلمة ""حازل". اختصارا لجملة "الحاخامات يرحمهم الله" وهم من قاموا بوضع الشريعة التي وجهت حياة الجماعة وفقههاً آنذاك، بل ورسموا سياستها وأرسوا نمطها الثقافي والروحاني. كما وضعوا من خلال مؤلفاتهم الغزير – المشنا والتوسفتا والتلمودين (البابلى والأورشليمى) وعشرات المدراشيم – أسس الديانة اليهودية إلى أن وصلت إلينا بشكلها الحالي .
    ومن أجل موضوعنا الذى نناقشه يجب ان نشير الى العالم الفكرى المتنوع وبعض الاعتقادات والآراء التى طورها الحاخامات أثناء تعاملهم المستمر مع العالم الخارجى المحيط بهم (الوثنيين والسامريين ومؤخراً المسيحيين) وكذلك تعاطيهم مع مشكلات الحياة اليومية التى ظهرت فى المجتمع اليهودى. إن آراء الحاخامات حول كينونة الاله وماهيته وطريقة تسييره للكون وفكرة الثواب والعقاب والغرض من الوصايا الدينية والعالم العلوى أو أيام المسيح، تعتبر جميعها ركناً أساسياً فى رؤية اليهودية وتيـاراتها ومراحلها.

    يتكون عالم الحاخامات من الآلاف وينقسمون الى قسمين:
    1-أجيال الحاخامات الى نهاية القرن الثانى، حتى الانتهاء من وضع المشناه، وهم التنائيم الذين عملوا فى أرض فلسطين ومن بينهم على سبيل المثال: هليل الأول ويوحنان بن زكاى ورابى عقيبا ورابى يهوذا الناسى .
    2-أجيال ما بعد وضع المشناه وحتى عام 500 تقريباً. وهم الأمورائيين واضعى التلمودين الذين عملوا فى فلسطين وبابل فى العراق ومن أشهرهم رابى يوحنان وريش لاكيش (فى فلسطين) وأباى ورابا (فى بابل) وآخرين.

    تكونت آراء التنائيم والأموارئيين فى الشريعة اليهودية (أى الأحكام والوصايا والفروض والحلال والحرام) وفى الأجاداه (تفسير التوراة والمعتقدات والآراء والأخلاق وقصص اخرى مختلفة) فى عالم بيت هامدراش وفى دور العبادة وفى المواعظ الدينية ومجالس الحكماء وفى مناسبات أخرى مثل التأبين. انتقلت هذه الآراء من شخص الى آخر على مدى فترة طويلة وعرفت باسم "التوراة الشفهية" دُوِنت فى النهاية فى عدة مؤلفات أولها المشناه التى قام رابى يهوذا الناسى بإعدادها فى بداية القرن الثالث وتشمل مجموعة من أقوال التنائيم فى موضوعات مختلفة خاصة فى مجال الشريعة مثل أحكام البركة والإيمان وأحكام الزواج. وبعد المشناه تم وضع التوسفتا التى تشمل أقوال التنائيم التى لم تجد مكاناً لها فى المشناه. أصبحت المشناه الكتاب التعليمى الأول فى المدارس الدينية وكل ما قيل عنها أو بعدها أو حولها وضع فى التلمودين وهما من أعمال الأموارئيين: التلمود البابلى فى بابل والتلمود الأورشليمى فى فلسطين (الجليل). ظهر التلمود الأورشليمى حتى الربع الأول من القرن الخامس أما التلمود البابلى فقد تم الانتهاء منه بعد فترة، حوالى نهاية القرن الخامس. والى جانب المشناه والتلمودين تم جمع أقوال الحكماء فى المدراشيم، وهى عبارة عن مؤلفات مرتبة وفقاً لترتيب فقرات العهد القديم أو وفقاً لموضوعات مختلفة.
    أما فيما يخص موضوعنا فلأدب الحاخامات أهمية مزدوجة، فهو من ناحية سجلا لأقوال خامات عاشوا فى القرون التى نشأت فيها المسيحية حيث أن أوائل التنائيم عاصروا يسوع وتلاميذه وبولس. لذلك يمكن البحث عن شهادة أدب الحاخامات على المسيحية وشريعتها بالاضافة الى أن كثير من الحاخامات كانوا من سكان فلسطين المسيحية. من ناحية أخرى يجب أن نتذكر المكانة الكبيرة التى حظى بها أدب الحاخامات فى الشريعة والأجاداه وفى التراث اليهودى على مر الأجيال، من هذه الناحية أيضاً فإن شهادة أدب الحاخامات على ما حدث فى فلسطين القديمة تعتبر مهمة جداً. وكل الحاخامات منذ عصرهم وحتى الوقت الحالى يتعلمون من أدب الحاخامات القدامى ورأيهم فى أى موضوع، بما فيه المسيحية الأولى، ينبع من آراء الحاخامات الأوائل.
    يبدو أن الحاخامات كانوا فى مواجهة دائمة مع الدين الجديد، المسيحية، وتفند أجزاء كبيرة من أقوالهم آرائه وشريعته. فمسألة هوية الشعب المختار وأهمية الوصية التطبيقية مثل الختان أو تقديس السبت وموعد ظهور المسيح وهيئته ومسائل أخرى من هذا القبيل ناقشتها أقوال الحاخامات من منطلق المعرفة المستمرة للأقوال المغرية للمسيحيين عن أخوانهم فى الماضى، اليهود، الذين سيتبعوهم. لذلك لا نندهش من الانطباع الجيد الذى تركته المسيحية وشريعتها على أقوال جدل الحاخامات. مع هذا يبدو أن يسوع نفسه ورد ذكره فى أدب الحاخامات قليلاً. ولا نعلم إن كان هذا الذكر القليل ينم عن عدم الاهتمام الذي أبداه الحاخامات بصاحب الدين المسيحى أم ان اسمه تم حذفه على مر الأجيال من أعمال الحاخامات بأيدى رقابة داخلية أو خارجية. بين هذا وذاك هناك وجهان محيران لمسألة ذكر يسوع فى أدب الحاخامات فمن ناحية، نتساءل هل ورد ذكر يسوع بشكل صريح؟ وبأى طريقة؟ ومن ناحية أخرى يجب أن نرى إن كان الحاخامات قد ذكروه بطريقة أخرى، مثل لقب ما أو إشارة اليه مثل "ذلك الرجل" "فلان" أو بأسماء غريبة مثل "بن سطادا"، "بن بنديرا" وغيرها من الأسماء.

    يتضح أن مختلف الباحثين والمفسرين وجدوا بعض الألقاب التى ذكرناها سلفاً والمقصود بها "يسوع". إليكم أربعة نماذج وهى قليل من كثير نبدأها بما ورد فى المشناه: "قال رابى شمعون بن عزاى: وجدت نسب فى أورشليم مكتوب فيها الشخص الفلانى ابن زنى من امرأة متزوجة" (يباموت 4: 13). إذاً نحن الان أمام حاخام من القرن الثانى يذكر "الشخص الفلانى" ويزعم أنه ابن زنى لأن أمه صاحبت رجلاً أجنبياً. مع هذا يبدو أن الجزم بأن المقصود هو يسوع ليس له أساس. ومثلها القصة الواردة فى التوسفتا حول الطريقة المُثلى التى يمكن بها اثبات أقوال التحريض على عبادة الأوثان: "كيف يصنعون له ذلك (= المحرِض)؟ يرسلون اليه اثنين من تلاميذ الحاخامات فى الغرفة الداخلية ويجلس هو فى الغرفة الخارجية ويضيئون له الشموع حتى يكونا شهيدين عليه يرونه ويسمعانه (وبذلك يشهدان أنه حرًّضَ). وهكذا صنعوا لابن سطادا فى اللُد. أرسلوا اليه اثنين من تلاميذ الحاخامات ورجموه. (توسفتا سنهدرين، 10 :11) ولم يفسر لقب "بن سطادا" (هل من الممكن أن يكون مرتبطاً بمسألة المرأة المنحرفة؟) لكن لم يمنع ذلك أحد الباحثين من الافتراض بأن الحديث عن يسوع، ولم يوافقه جميع الباحثين فى هذا الافتراض ويبدو أنهم محقون.
    هناك قصة أخرى فى التوسفتا تقول: "صنيع لرابى إليعازر بن دما الذى لدغه ثعبان وجاء يعقوب من كفر سما لمعالجته باسم يسوع بن بنتـرا فرفض رابى يشماعئيل وقال له أنه غير مسموح له يا بن دما" (حولين 2: 22). تحكى القصة أن أحد أبناء عائلة الحاخامات أراد التداوى بمساعدة طبيب كان يستخدم اسم "يسوع بن بنتـرا" لكن حاخاماً منعه من ذلك صراحة حتى إن كلفه ذلك حياته. وحول مسألة إن كان "بن بنترا" هو يسوع فقد اختلفت الآراء حول ذلك ولا يمكن حسمها. وأخيراً تلك الرواية من المدراش والتى تبدو أنها تتحدث فعلاً عن يسوع: "لأن "الله" يرى وراى الأمم الساجدة للشمس والقمر والكواكب والشجر والحجر ورأى أن هناك رجلاً بن إمرأة يريد ان يصنع نفسه إلهاً ويضلل العالم كله، وهكذا يقول: انتبهوا لئلا تضلوا وراء ذلك الرجل (...) وإن قال انه الله فهو كاذب. وسوف يقول أنه ابن الله وهو ليس إلا بشر". (مجموعة شمعونى لسفر العدد). هذه المقتطفات وغيرها هى دليل الباحثين والمفسرين على ورود ذكر يسوع فى أدب الحاخامات. ونظراً لوجود مجال للشك فى بعض القصص التى أوردناها سابقاً سأعرض ثلاثة مواضع ورد فيها ذكر يسوع صراحةً والمواضع الثلاثة من التلمود البابلى. مع هذا فإن حاول القراء البحث عنها فى طبعات التلمود الحالية فلن يجدوها لأنها حذفت على مر الأجيال كى تسمح الرقابة المسيحية بنشر نسخ التلمود، والتى لم تكن لتسمح بنشر مثل هذه الأقوال عن مسيحهم. ونحن نعرضها هنا بعد أن أشارت مؤلفات كثيرة الى وجود حذف فى التلمود وهذه الأجزاء تعرض ليسوع بصورة سلبية بل أنها لا تدقق فى مسألة توقيت ظهوره وليس لديها معلومات أكيدة عن أعماله.
    يعترف الموضع الأول بأن يسوع كان من المترددين على المدارس الدينية لكن تفوقه كان كتلميذ حاد عن الطريق المستقيم. والموضع الثانى يحكى عن رجمه وقتله وهذا حكم من يقوم بأعمال السحر ويحرض على العبادة الوثنية. أما الموضع الثالث فيختلف عن سابقيه حيث تجد فيه إحساس بتفويت فرصة عدم الوصول الى تفاهم مع يسوع لمنع ازدهار المسيحية. تحكى هذه المقطوعة قصة مبهمة عن حياة يسوع مرتبطة بحاخام عاش فى عصر الملك يناى (الذى جلس على العرش عام 103-67ق.م)، وعلى الرغم من تلك الفجوة الزمنية فيبدو أن المقصود هو يسوع وأن هذه الرواية لم تُدقِق فى زمنه. يُتَهم يسوع فى هذه الرواية بالسلوك الغير أخلاقى من الناحية الجنسية (قارن القصة المشابهة فى التلمود الأورشليمى التى لم يذكر فيها يسوع نهائياً)، ثم بالوثنية ورفضه العودة الى الصراط المستقيم.
    تشمل الأجزاء الثلاثة على شهادة لا تقدر بمال حول الروايات عن يسوع لدى الحاخامات أو على الأقل الروايات التى دمجت فى فترة قديمة جداً فى كتاباتهم. أما اختفاء هذه الروايات كلها أو بعضها من نصوص التلمود أمر مثير فى حد ذاته، فى تاريخ التطرق الى يسوع وشخصيته فى العصور الوسطى.

    التلمود البابلى- براخوت 17: 72
    "هكذا كانت صلوات الحاخامات عند خروجهم بعد يوم من الدراسة فى بيت هامدراش: ألا يكون جمعنا (= نحن وتلاميذنا) كجمع داود، الذى خرج منه أحيتوفل (= الذى أراد قتل داود) (...) ألا يكون جمعنا كجمع شاول الذى خرج منه دوئيج الأدومى (=الذى قتل كهنة الرب) (...) ألا يكون جمعنا كجمع إليشع، الذى خرج منه جيحازى (الذى عوقب بالصرع لجشعه وكذبه) (...) ألا يكون لنا ولد أو تلميذ يفسد طعام الآخرين (=يقوم بثقافة سيئة ويتسبب فى أن يفسد الآخرون أعماله مثله) مثل يسوع الناصرى".
    حُذِفت الكلمات الثلاثة الأخيرة من نص التلمود لكنها موجودة فى طبعة الحاخام عادين شطاينزلتس – القدس 1968.


    التلمود البابلى – سنهدرين 43: 71
    "أُعدِم يسوع فى ليلة عيد الفصح وخرج الراعى قبله بأربعين يوم (معلناً) أنه سوف يرجم لأنه سحر وحرض وفتن إسرائيل. وكل من يعرف له تبرئة (=يمكن أن يدافع عنه) ولم يجدوا له تبرئة، وأعدموه (بعد أن رُجِم وذلك جزاء المحرضين) فى ليلة الفصح وقال عولا: هل كان هناك مجال لتبرئته؟ فقد كان محرضاً والله يقول "لا يشفق قلبك عليه ولا تترأف به" . لكن حالة يسوع مختلفة لأنه كان مقرباً من الملك وبحثوا له عن تبرئة."

    التلمود البابلى – سنهدرين 107: 72
    "لا تكن أبداً يساراً رافضاً ويميناً مضحياً (المقصود أنه من الواجب التضحية بأى شخص المخطئ والمجرم، لكن بتحفظ وحذر). ليس مثل إليشع الذى دفعوه الى جيحازى دفعاً _كما هو مذكور فى الملوك الأول 6) وليس كالحاخام يسوع بن براحياه (الذى عاش قبل يسوع بمائة عام) الذى دفعوه الى يسوع دفعاً (ولم يسع الى التضحية به وإن كان بدافع النقد والاعتدال) (...) (وابتداء من هنا النص باللغة الآرامية وترجمته: ما شأن الرابى يسوع بن براحيا؟ عندما قتل الملك يناى (عام92-82ق.م.) فرَّ يهوشواع بن براحيا ويسوع (تلميذه) الى الأسكندرية فى مصر. وعندما ساد السلام ثانية فى البلاد أرسل اليه شمعون بن شطاح (من أورشليم، رسالة الى رابى يهوشواع بن براحيا) قال فيها: "من أورشليم المدينة المقدسة اليك فى الأسكندرية بمصر: زوجى يسكن فى الداخل وأنا أسكن بمفردى؟" (وتلك دعوة الى رابى يهوشواع بالعودة الى أورشليم). قام (رابى يهوشواع) وذهب الى مكان للمبيت واستقبلوه استقبالا حافلا. قال رابى يهوشواع الى يسوع: "كم جميل هذا المكان!" قال له (يسوع): سيدى نظره ضعيف. فقال له: أيها اللئيم، أهذا ما يهمك؟"(= المقصود على ما يبدو، أنت تنظر الى جمال الناس، وهو أشار الى السلوك الجنسى السئ).
    نفخ رابى يهوشواع فى البوق أربعمائة مرة وقاطعه. وزاره (يسوع) عدة مرات لكنه لم يستقبله. فقال له يسوع: استقبلنى لكنه لم يلتفت إليه. وذات مرة، كان رابى يهوشواع يتلو صلاة "شماع" فأراد (رابى يهوشواع) استقباله لكنه أشار اليه بيده (بأن ينتظره حتى ينتهى من التلاوة). واعتقد يسوع أنه يشير اليه بالرفض فذهب ووضع حجراً وسجد له. قال (رابى يهوشواع) تراجع. قال له: "هذا ما عهدته بك كل خاطئ ومضل للآخرين لا تكفيه التوبة".
    التعديل الأخير تم بواسطة Moderator-5; الساعة 07-20-2009, 06:21 AM. سبب آخر: نقل مشاركة من الموقع القديم
    عمرو زكريا خليل
    مترجم لغة عبرية
    عضو جمعية المترجمين واللغويين المصريين
يعمل...