كتاب تاريخ يسوع
من الأدب الشعبى الساخر فى العصور الوسطى حول حياة يسوع
إلى جانب الانشغال بشخص يسوع فى أعمال مفكرين من أمثال رامبام (موسى بن ميمون) أو الأعمال التى ظهرت منذ البداية كأداة مساعدة فى الجدل لكل من يناهض المسيحية – ككتاب "مجادلة الأسقف نسطور" أو كتاب "النصر القديم"- انتشرت بين اليهود فى العصور الوسطى نصوص كثيرة وحكايات صيغت بأساليب شعبية فى طابعها تروى من جديد حياة يسوع، مولده وشبابه وأعماله ومحاكمته وموته، بلهجة ساخرة فظة. والحديث هنا عن مجموعة من النصوص ربما كان أساسها كتابًا واحدًا؛ نصوص اكتسبت عناوين مثل "تاريخ يسوع" و"أعمال يسوع الناصرى" و"أعمال المصلوب" وغيرها. واتخذت هذه النصوص مع الوقت أشكالاً مختلفة ولم تتضح بعد بشكل قاطع هوية مؤلف هذه النصوص وزمن تأليفها. ويعود بها الباحثون إلى الفترة بين القرن الرابع والقرن الثانى عشر فى منطقة فلسطين وأوروبا.
إن مؤلفات "تاريخ يسوع" لم يتم طبعها حتى العصر الحديث خشية الرقابة لكنها باقية فى العشرات من المخطوطات (معظمها باللغة العبرية وقليل منها بالآرامية). وتستخدم روايات العهد الجديد لكن تعرضها بصورة سلبية علاوة على استخدام تعبيرات لاذعة. ويقوم أساس هذه المؤلفات على الاعتراف بالصدقية التاريخية لهذه الروايات عن يسوع ولكنها فى الأساس محاولة لتغيير قصة الأناجيل وعرضها بصورة سلبية لكل ما تقدمه على أنه عجائب ومعجزات. وتحكى معظم الروايات أن يسوع كان ابن زنا وابن إمرأة نجسة، وأنه كان وقحًا أمام الحكماء ويتجرأ على تفسير آيات تحدثت عن المسيح كما لو أنها تتحدث عنه شخصيًا، وأنه كان ساحرًا أضل الناس؛ وأنه هو من قتله الأحبار لسوء سلوكه وصلب واختفى جثمانه بعد موته لأنه أُلْقى كأى شىء لا قيمة له فى حفرة ماء ... إلخ.
فى المؤلفات التى تتناول "تاريخ يسوع" نجد مزجًا للروايات القليلة عن المسيح فى أدب الأحبار بالمعرفة الجيدة بقصص المسيحية ولكن دون اهتمام بشريعة هذا الدين ومواعظ يسوع أو الشرائع الدينية المختلفة التى تطورت بعده. والقصة هى الأساس والشعب العريض هو المستقبل لها. وأدى الانتشار الكبير لهذه القصص إلى اضطرار المسيحية إلى التعامل معها بطرق مختلفة؛ بداية من التجاهل المتعمد، وذلك استمرارًا لمحاولة إثبات أنها قصص غير دقيقة لا يمكن الاعتماد عليها؛ وانتهاءً بالادعاء المثير بأنها تؤكد فى نهاية الأمر على العقيدة المسيحية ولا تزعزعها. كانت هناك فى الأوساط اليهودية بعض التحفظات على هذا المؤلف، كالقول بأنه "تفاهات وترهات عار على العاقل أن يرددها". ومع ذلك فلا يجب أن ننكر الشعبية الكبيرة التى حظيت بها تلك المؤلفات وذلك دليل على الرغبة التى أشبعتها لدى طبقات عريضة وعلى الإشباع الذى قدمته هذه القصص من خلال قراءتها والإحساس بها.
سنعرض مقتطفات من ثلاثة من هذه المؤلفات. ولا شك أنه يمكن اعتبارها أكبر تعبير عن العداوة والكراهية لشخص المسيح؛ عداوة تعبر بسخرية شديدة عن نظرة الطبقات العريضة من يهود العصور الوسطى فى البلدان المسيحية إلى الدين الحاكم. ويبدو أنه تم استخدام اسم يسوع اختصارًا فى هذه المؤلفات حيث من الممكن تفسيرها بمعنى "ليمُحى اسمه وذكره". وكتاب "تاريخ يسوع" من أكثر هذه المؤلفات تطرفًا. ويحظى قارئ هذه القصص بالمتعة من القصة الساخرة من المسيحية وإلهها، وتقدم الردود التى يمكن أن يقدمونها إلى جيرانهم المسيحيين فيما يخص شخص مسيحهم وحياته.
كتاب تاريخ يسوع
12)فى عام ستين وسبعمائة وثلاثة آلاف للخلق (العام الأول الميلادى) فى أيام الملك هيرودس الثانى والملكة هيلانا وفى عصر طبريوس قيصر روما، ظهر رجل من نسل داود اسمه يوسف بنديرا وكانت له امرأة اسمها مريم وكان الرجل يخشى الرب. وكان تلميذًا فى «بيت هامدراش». كان جار يوسف المذكور رجلاً شريرًا اسمه يوحنا، وكان مجرمًا وزانيًا. وكانت مريم فتاة جميلة. رفع الوغد يوحنا عينيه إلى الفتاة وكان يتبعها كثيرًا دون أن تشعر هى بذلك، وظل يتربص بجوار بيتها حتى جاءت اللحظة المناسبة. وفى شهر نيسان، بعد انتهاء عيد الفصح فى مساء يوم السبت وفى منتصف الليل، بعد أن قام يوسف وذهب إلى بيت هامدراش، جاء بعده الوغد ووجد مريم وضاجعها. واعتقدت هى أنه إمرأة، وحملت منه. ذهب يوحنا إلى حال سبيله وعندما عاد زوجها يوسف من بيت هامدراش أخبرته مريم بالأمر وعلم أن ذلك من فعل يوحنا جاره. فقلق فى نفسه وفكر فى هجر مريم. وتشاور مع معلمه فى بيت هامدراش وأخبره بكل ما حدث. وتركها يوسف ورحل إلى بابل. وفى نهاية أيام الحمل ولدت مريم ولدًا أسمته يسوع على اسم إله وخُتِّن بعد ثمانية أيام. وانكشفت فعلة يوحنا وتحدث الشعب كله عنها. وعندما كبر الفتى دخل بيت هامدراش؛ وكان ذكيًا يدرس فى اليوم الواحد ما يدرسه فتى مثله فى أيام كثيرة. وقال الأحبار عنه إنه من "أذكياء أبناء الزنا".
13)بعد مرور ثلاثين عامًا كان معلم يسوع يمشى فى السوق ومعه اثنان من الأحبار. وكانت عادة تلاميذ الأحبار عندما يمر تلاميذهم أمامهم أن يركعوا لهم ويغطوا رؤوسهم إحترامًا لمعلميهم. وهاهو يسوع يمر أمام معلمه والأحبار منتصبًا حاسر الرأس. فيقول أحد الأحبار: "جرأته تدل على أنه ابن زنا". وفى اليوم التالى كان معلم يسوع فى بيت هامدراش يعلم تلاميذه فصل الأضرار (من فصول المشنا). وجاء يسوع وبدأ يلقن التلاميذ أصول الشريعة. فقال له أحد الأحبار : "ألم تتعلم أن كل تلميذ يعلم الشريعة أمام معلمه يجب أن يموت؟" فأجاب يسوع بجرأة قائلاً: "أى معلم وأى تلميذ؟ من كان أكثر حكمة من الآخر؟ موسى أم يثرون؟! إن قلتم موسى أبو الأنبياء ورأس الحكماء وشهدت له التوراة "10وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ" فكيف كان يثرون الأجنبى معلمًا ومرشدًا لموسى بقوله "18إِنَّكَ تَكِلُّ أَنْتَ وَهذَا الشَّعْبُ الَّذِي مَعَكَ جَمِيعًا، لأَنَّ الأَمْرَ أَعْظَمُ مِنْكَ. لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَهُ وَحْدَكَ. 19اَلآنَ اسْمَعْ لِصَوْتِي فَأَنْصَحَكَ. فَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ. كُنْ أَنْتَ لِلشَّعْبِ أَمَامَ اللهِ، وَقَدِّمْ أَنْتَ الدَّعَاوِيَ إلى اللهِ، 20وَعَلِّمْهُمُ الْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ، وَعَرِّفْهُمُ الطَّرِيقَ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ، وَالْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُونَهُ. 21وَأَنْتَ تَنْظُرُ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْبِ ذَوِي قُدْرَةٍ خَائِفِينَ اللهَ، أُمَنَاءَ مُبْغِضِينَ الرَّشْوَةَ، وَتُقِيمُهُمْ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ، وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ، وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ، وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ" ؟ وإن قلتم إن يثرون أكثر حكمة من موسى بطلت عظمة موسى. عندما سمع الأحبار ذلك قالوا: "بما أنه جرىء إلى هذه الدرجة فلنفتش فى نسبه ومن هم أبويه ومن هى عائلته؟ فأرسلوا إلى أمه وسألوها فقالت إنه ابنها يسوع وإن زوجها يوسف تركها ولا تعرف مكانه. عندما سمع معلم يسوع اسم زوجها وأن امرأته هى أم يسوع تذكر القصة التى حكاها له يوسف قبل سفره إلى بابل؛ وانكشف الأمر بأن يسوع ابن زنا. وعندما سمع يسوع بأن أمره انكشف فر إلى أورشليم.
14)فى تلك الأيام كانت تحكم إسرائيل إمرأة تدعى هيلانا. فماذا كان من أمر يسوع؟ دخل أورشليم وكان هناك حجر للسقاية (وهو حجر فى أساس قدس الأقداس تقول الروايات إن العالم خلق منه)، وكان منحوتًا عليه لفظ الجلالة، وكل من يعرف سره (أى لفظ الجلالة) يستطيع أن يأتى بما يشاء من المعجزات. وكان يسوع يعرف سره. وخاف الأحبار كثيرًا من أن يعرفه شباب إسرائيل فيأتون بفعال شريرة؛ فقاموا بصنع آلة على شكل أسدين من النحاس معلقين على أعمدة حديدية فى مواجهة بوابة أورشليم الرئيسة؛ فإذا دخل أحد ليعرف الاسم زأر الأسدان عند خروجه فينسى الاسم من فوره. ولو كتب الاسم على ورقة فلن يتركاه يخرج. فماذا فعل يسوع؟ كتب الاسم على ورق وقطع جلد فخذه ووضع الورقة تحت الجلد وذكر الاسم فعاد الجلد إلى مكانه وأخفى الورقة، وعند خروجه زأر الأسدان فنسى الاسم لكن بقيت الورقة فى مكانها. ثم قطع جلد فخذه مرة أخرى وأخرج الورقة وعرف الاسم وأعاد جلده إلى ما كان عليه بعد ذكره الاسم الذى فعل به المعجزات.
15)عندما رأى يسوع أن القوة أصبحت بين يديه ذهب وجمع ثلاثمئة وعشرة من الفتية المثقفين وخطب فيهم قائلاً: "لقد عرفتم القول بأن "كل إسرائيل لها نصيب فى الحياة الآخرة" والمقصود بكلمة "إسرائيل" الرجل الذى رأى الله وأنا هو. وهذا هو اسمى يسوع (يشوع ישוע بالعبرية) من الكلمة "يش יש" بمعنى الوجود وأنتم عددكم ثلاثمئة وعشرة؛ وهو عدد يرادف فى حساب الجمل كلمة "يش יש" وكما ذكر "فَأُوَرِّثُ مُحِبِّيَّ" فأنتم سوف ترثون الحياة الآخرة إن آمنتم بى. ولو اتبعتمونى فستؤمنون بأنى ابن الله جئت إلى العالم بوصية أبى الذى فى السماء وكل ما تنبأ به الأنبياء عن المسيح فقد تنبأوا بى. ورؤيا النبى إشعياء عنى وعن أمى "14وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»" فها هى أمى قد حبلت من روح القدس وولدتنى. كما تنبأ بى نبى آخر قبل مجيئى إلى العالم وقال "«تَرَنَّمِي وَافْرَحِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ، لأَنِّي هأَنَذَا آتِي وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِكِ" وهناك رؤيا أخرى بأن الله أرسلنى وأنجبنى؛ ففى سفر المزامير الذى كتبه جدى داود عليه السلام يقول: "قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ" وعلمت أن أحبار إسرائيل سيجتمعون وسيقولون بأنى ابن زنا ويحكمون علىَّ بالموت وأنا لا أخشاهم ولا يدهشنى ذلك؛ فكان من المفترض أن يحدث ذلك كما قال جدى داود "1لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ، وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ فِي الْبَاطِلِ؟ 2قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ، وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: 3«لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا».4اَلسَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. الرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. 5حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ بِغَضَبِهِ، وَيَرْجُفُهُمْ بِغَيْظِهِ. 6«أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي»." وقال يسوع للفتية "إن اتبعتمونى وحفظتم وصاياى فستصاحبونى فى جنة عدن." قال له الفتية "إن كنت كما تقول فأرنا معجزة أو آية". قال لهم يسوع: "أية معجزة ترغبون؟" قالوا: اشف بيساح واجعله يقف على قدميه. فقال سأفعل. فذهبوا على الفور وأحضروا بيساح أمامه، وكان لم يمش قط. فذكر يسوع لفظ الجلالة ووضع يده عليه فشفى. فأحضروا له رجلاً أبرص فشفاه ولما رأى الفتية المعجزات سجدوا له وانضمت إليهم جماعة كبيرة من مجرمى إسرائيل وآمنوا بأنه المسيح.
16)عندما رأى أحبار إسرائيل أن العامة يؤمنون بيسوع تشاوروا فيما بينهم ليقبضوا عليه ويعرضوه على الملكة هيلينا التى كانت تحكم فى ذلك الوقت؛ وكان ذلك قبل خراب الهيكل الثانى بسبعين سنة. وقالوا لها: هذا الرجل اسمه يسوع وهو ابن زنا وساحر كبير ومُضِل للخلق زاعمًا أنه المسيح وأنه ابن الله. لذا قبضنا عليه وأحضرناه إليكِ لمحاكمته لأنه فى عداد الأموات. حينئذ تحدث يسوع قائلاً: «مولاتى الملكة؛ تنبأ بى الأنبياء "1وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ" وأنا هو من نسله». فرد الأحبار قائلين: مولاتى الملكة حاشاكِ أن تصدقيه وقد قيل عنه فى التوراة "15مَلْعُونٌ الإنسان الَّذِي يَصْنَعُ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا أَوْ مَسْبُوكًا، رِجْسًا لَدَى الرَّبِّ عَمَلَ يَدَيْ نَحَّاتٍ" وهى فى حساب الجمل مرادفة ليسوع كما قيل عن نبى الكذب " وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيُّ" وكذلك "19فَافْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ. فَتَنْزِعُونَ الشَّرَّ مِنْ وَسْطِكُمْ" قالت لهم الملكة: أفى توراتكم ما قال؟ قالوا : أجل، لكنه ليس هو لأنه ليس ابن الله وليس المسيح ويجب أن يحكم عليه بالموت، والمسيح الذى ننتظر له علامات مذكورة "4بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. 5وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ" وكذلك "6فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا، وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِنًا، وَهذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا" وليس فى يسوع أى من هذه العلامات. قال يسوع للملكة: مولاتى أنا المسيح ابن الله وأنا أحيى الموتى ولو أرسلت الناس معى فسيرون المعجزات. فأرسلت الملكة معه رجالاٌ مخلصين فأحيا رجلاً واحدًا باستخدام لفظ الجلالة وأحضروا الرجل حيًا أمام الملكة. حينئذ دهشت الملكة وقالت "هذه معجزة حقيقية" وانصرف الأحبار بعد توبيخها إياهم وهم فى ضيق شديد. وازداد أتباع يسوع يومًا بعد يوم وساد جدل كبير فى إسرائيل.
17)رحل يسوع عن أورشليم متجهًا إلى الجليل الأعلى، ومثل اليهود بين يدى الملكة وقالوا: مولاتى الملكة؛ لتعلمى أن ذلك الرجل يسوع على دراية كبيرة بالسحر وقام بأعمال سحر وضلال للخلق فى الجليل الأعلى ويزعم أنه ابن الله. فأرسلت الملكة الفرسان للقبض عليه وإحضاره أمامها ثانية. وعندما جاء الفرسان إليه ليقبضوا عليه لم يسمح لهم أهل الجليل بذلك وحاربوهم. حينئذ قال لهم يسوع: لا تحاربوهم وأراهم ما أتى به معجزات وكل شىء بأمر أبيه الذى فى السماء وهو ابنه. وقال أحضروا لى طيورًا من طين ففعلوا فذكر اسم الله عليها فأحياها فنهضت على قوائمها وحلقت. رغم كل ذلك لم يصدقه الفرسان ولاختباره رسم كل واحد فى بيته صورة ثور وحمار وطيور من طين واحضروها إليه فأحياها لهم يسوع بعد ذكر اسم الله عليها. ولمَّا رأى العامة هذه الأفعال ركعوا له وخروا له ساجدين وآمنوا به. وأمر يسوع أن يأخذوا حجرًا كبيرًا ويلقوا به فى الماء ففعلوا وذكر اسم الله فطفا على وجه الماء كقشر البيضة أو الجوز فوقف عليه وسار به على الماء. وعندما رأى الفرسان ذلك اندهشوا كثيرًا فقال لهم يسوع: اذهبوا برًا وسأذهب بحرًا وقصوا على الملكة ما رأيتم بأعينكم. وحملت الريح يسوع فى البحر وعاد الفرسان إلى الملكة برًا وقالوا لها: فعلنا كل ما أمرتِ به وشاهدنا بأعيننا ما أتى به يسوع من آيات . وقصوا عليها ما شاهدوا.
18)تشاور الأحبار حول كيفية إحباط أعمال يسوع التى يقوم بها مستخدمًا اسم الله الذى حصل عليه عن طريق الخداع. فاختاروا رجلاً حكيمًا من بينهم اسمه يهوذا الإسخريوطى وقالوا له "ستفعل أنت كذا وكذا. وأدخلوه أورشليم عند حجر السقاية وعرف اسم الله وكتبه على ورقة وقطع لحمه ووضع الورقة تحت جلده وأعاده كما كان باستخدام اسم الله. وبعد أن خرج أخرجوا الاسم من لحمه وحفظوه جيدًا فأتى هو أيضًا بالمعجزات. بعدها جاء الأحبار أمام الملكة وقالوا: "مولاتى الملكةّ لا تصدقى يسوع لما أتى به من معجزات لأنها أعمال سحر وردت فى التوراة "2وَلَوْ حَدَثَتِ الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ الَّتِي كَلَّمَكَ عَنْهَا قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا وَنَعْبُدْهَا، 3فَلاَ تَسْمَعْ لِكَلاَمِ ذلِكَ النَّبِيِّ أَوِ الْحَالِمِ ذلِكَ الْحُلْمَ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ لِكَيْ يَعْلَمَ هَلْ تُحِبُّونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ. 4وَرَاءَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ تَسِيرُونَ، وَإِيَّاهُ تَتَّقُونَ، وَوَصَايَاهُ تَحْفَظُونَ، وَصَوْتَهُ تَسْمَعُونَ، وَإِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، وَبِهِ تَلْتَصِقُونَ." وإن كان يسوع ابن الله كما يزعم فلينضم إلينا وسنكشف كذبه. فأرسلت الملكة على الفور فى طلب يسوع فجاءها مع جميع أتباعه. فأجلسته الملكة أمامها وبجَّلته هو ومن معه. وحضر كذلك أحبار إسرائيل أمام الملكة ومعهم يهوذا الإسخريوطى وعندما رأى يسوع الشيوخ قال للملكة: "لتعلمى أن جدى داود عليه السلام أخبر عن ذلك بقوله "7كُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي" والنبى يقول لى: "8لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ" تحدث الأحبار والشيوخ وعندما وجد يسوع نفسه فى ورطة قال: لقد تنبأ جدى داود قائلاً "5إِنَّمَا اللهُ يَفْدِي نَفْسِي مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ لأَنَّهُ يَأْخُذُنِي. سِلاَهْ." والآن أبى ينادينى وأريد أن أصعد إلى السماء". وعندما انتهى يسوع من كلامه رفع ذراعيه كأجنحة الطير وحلق بين السماء والأرض واندهش الخلق من ذلك. ولما رأى الأحبار ذلك طلبوا من يهوذا الإسخريوطى أن يفعل مثله وأن يتبعه باسم الله وأن يهبط به إلى الأرض؛ وإن لم يستطع فلينجسه بأن يبول عليه. ولم يستطع أن يتغلب عليه لأن كليهما استخدما اسم الله. حينئذ بال يهوذا على يسوع ونجسه بالبول فتنجس كلاهما وسقطا على الأرض ، لأن آيات الله تركتهما ونسيا اسم الله ولم يستطيعا استخدامه بعد ذلك. وهذا الحدث يعرفه كافة حكماء المسيحية ويلعنون يهوذا الإسخريوطى ... ولما رأى اليهود أن قوة يسوع زالت عنه انقضوا عليه وقبضوا عليه. حينئذ رأت الملكة أن الحق مع الأحبار فسألت الملكة يسوع: "أين آياتك ومعجزاتك التى كنت تأتى بها؟ ولم لا تستطيع أن تأتى بها الآن؟ فأجابها يسوع قائلاً: "مولاتى الملكة! لقد تنبأ بذلك النبى هوشع "2قَدْ قَسَمُوا قُلُوبَهُمْ. اَلآنَ يُعَاقَبُونَ. هُوَ يُحَطِّمُ مَذَابِحَهُمْ، يُخْرِبُ أَنْصَابَهُمْ. 3إِنَّهُمُ الآنَ يَقُولُونَ: «لاَ مَلِكَ لَنَا لأَنَّنَا لاَ نَخَافُ الرَّبَّ، فَالْمَلِكُ مَاذَا يَصْنَعُ بِنَا؟»." وأنا أعلم أن قدرى أن أعذب وأموت بين البشر كى أخلص المؤمنين من جهنم، كما قال النبى "12لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ." وأنا أقول عنهم "9أَمَا أُعَاقِبُ عَلَى هذَا، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَوَ مَا تَنْتَقِمُ نَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهذِهِ؟" . ويجيب الأحبار قائلين للملكة: ورد فى توراتنا "9بَلْ قَتْلاً تَقْتُلُهُ. يَدُكَ تَكُونُ عَلَيْهِ أَوَّلاً لِقَتْلِهِ، ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ الشَّعْبِ أَخِيرًا." وكذلك "7اِبْتَعِدْ عَنْ كَلاَمِ الْكَذِبِ، وَلاَ تَقْتُلِ الْبَرِيءَ وَالْبَارَّ، لأَنِّي لاَ أُبَرِّرُ الْمُذْنِبَ" ولو أردتِ تسليمنا إياه سنعصب عينيه ونضربه ونرى إن كان سيعلم من ضربه وبم ضربه. وحينئذ يكون لكِ الحق فى إطلاق سراحه وان لم يعرف يكون لنا الحق فى أن نفعل به ما نشاء. فتجيب الملكة قائلة: "ليكن هذا وهذا ما تصنعون." ويأخذ أحبار إسرائيل قطعة من الصوف ويغطون بها رأسه ويحكمونها حول عنقه كى لا يرى. وأخذوا معهم بعضًا من كبار وزراء الملكة وصنعوا دائرة من سبعة شيوخ ووضعوا يسوع فى وسطها؛ وأمسك كل شيخ عصا بيده. واقترب أحدهم ويدعى شمعون وضربه بالعصا ثم كشف آخر وجهه وسألوه من ضربه. فأجاب أن رجلاً يدعى نفتالى هو الذى ضربه. واقترب آخر اسمه لاوى وضربه ولم يعرف يسوع من ضربه فقال له الوزراء: "قد تحدثت بالكذب وكل أعمالك كذب" وعندما رأى يسوع نفسه فى مأزق وأنه يتألم من الضرب أدرك أنه سقط الآن فى يد اليهود وأنهم سيفعلون به ما يشاءون وأنه كان ليختار الموت. فبصق اليهود فى وجهه وضربته النساء بنعالهن. فرفع يسوع عينيه إلى السماء قائلاً: "21خَلِّصْنِي مِنْ فَمِ الأَسَدِ، وَمِنْ قُرُونِ بَقَرِ الْوَحْشِ اسْتَجِبْ لِي" و "16مَنْ يَقُومُ لِي عَلَى الْمُسِيئِينَ؟ مَنْ يَقِفُ لِي ضِدَّ فَعَلَةِ الإِثْمِ؟" لأن النبى قال عنهم "3يَا رَبُّ، أَلَيْسَتْ عَيْنَاكَ عَلَى الْحَقِّ؟ ضَرَبْتَهُمْ فَلَمْ يَتَوَجَّعُوا. أَفْنَيْتَهُمْ وَأَبَوْا قُبُولَ التَّأْدِيبِ. صَلَّبُوا وُجُوهَهُمْ أَكْثَرَ مِنَ الصَّخْرِ. أَبَوْا الرُّجُوعَ" عندما سمعه أتباعه من المؤمنين به حزنوا وبكوا كثيرًا وشدوا شعر رءوسهم ولحاهم. وحكمت الملكة بتسليم يسوع لليهود ليقتلوه لأنه أضَلَّ الشعب والعالم بكذبه بزعمه أنه المسيح وأنه ابن الله فاتبعه المجرمون والأشرار وقالت: "إن كانت لديه قوة إلهية فلينقذ نفسه من القتل". حينئذ عمَّ الفرح فى إسرائيل بدلا من الحزن.
19)أخذ اليهود يسوع إلى طبرية أمام مدخل المعبد وأوثقوا قدميه ويديه وطرحوه أرضًا وأوسعوه ضربًا. وعندما رأى يسوع أنه لا يستطيع أن ينقذ نفسه قال للأحبار: "أليس مكتوبًا فى التوراة ". 5إِذَا رَأَيْتَ حِمَارَ مُبْغِضِكَ وَاقِعًا تَحْتَ حِمْلِهِ وَعَدَلْتَ عَنْ حَلِّهِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ تَحُلَّ مَعَهُ" والآن أعطونى شيئاَ آكله وأشربه. فأعطوه كأسًا مملوءًا بالخل ليشرب. فيقول يسوع لتلاميذه: "الآن تحققت من الآية التى تقول"21وَيَجْعَلُونَ فِي طَعَامِي عَلْقَمًا، وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلاُ" بعدها وضع العامة على رأسه إكليلاً من الشوك ليسخروا منه. فقال لتلاميذه: الآن تيقنت من الآية "22لِتَصِرْ مَائِدَتُهُمْ قُدَّامَهُمْ فَخًّا، وَلِلآمِنِينَ شَرَكًا" فيقوم الفجار ومن آمن به وينضموا إلى التلاميذ الثلاثمئة وعشرة ويحملون السلاح استعدادًا لقتال اليهود. ودارت معركة حامية بينهم. فكان الأب يقتل ابنه والابن يقتل أباه وكانت الغلبة فى النهاية لبنى إسرائيل. فقال يسوع لتلاميذه: "لا تستفزوا الكافرين بى لأن أبى الذى فى السماء قد قضى بذلك وأنا يجب أن أحقق ما قاله النبى " 6بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ." مع هذا فإنى أسامحهم وأعفو عنهم برحمتى لأن النبى قد تنبأ بكل ذلك وأنا أتقبل الآلام بحب. وأريد أن أحدثهم وأقول لهم إننى المقصود بالآية التى تقول: "13هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ، يَتَعَإلى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدًّا" حتى نهاية النبوءة "1رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ" وإن كل ما تريدون فعله بى عرفته من أبى الذى فى السماء قبل مجيئى إلى العالم. كما قال لى أبى الذى فى السماء أن كل ما يفعلونه به من عذاب الموت لا تحاسبهم عليه، وأن كل ما ستفعلون بى كالذى تفعلون بحجر لا يشعر، كما أخبر النبى عنى " لاَ تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي، إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ. إِذَا جَلَسْتُ فِي الظُّلْمَةِ فَالرَّبُّ نُورٌ لِي. فيقبض اليهود على يسوع ويضعونه فى السجن. وعندما يسمع الفجار ذلك يتجمعون ويجهشون بالبكاء حتى سمع صوتهم من بعيد. ثم قاموا بعدها ورجموا اليهود بالحجارة وضربوهم بالسيوف والسهام وحدث اضطراب كبير بين اليهود وفروا من أمامهم وذهب الفجار إلى السجن وكسروا الأقفال وأطلقوا سراح يسوع وأخذوه مع تلاميذه إلى مدينة أنطاكية.
20)فماذا فعل يسوع؟ قال لتلاميذه: "انتظروا هنا لأن أبى ينادينى وسوف أعود إليكم". فخدعهم لأنه رأى أنه لا يستطيع أن يأتى بالمعجزات مستعينًا باسم الرب لأنه تنجس. فذهب إلى مصر ليتعلم السحر، ومكث فيها أيامًا طويلة تعلم فيها السحر ثم عاد إلى أنطاكية على ظهر حماره فاستقبله تلاميذه بفرح شديد وركعوا وسجدوا له، وقال لهم :"هكذا أمرنى أبى الذى فى السماء وهكذا تنبأ بى النبى "9اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ." واستعد للذهاب إلى أورشليم فى وقت ذهاب إسرائيل إلى الحج وتجمع كثير من بنى إسرائيل للذهاب إلى أورشليم واختلط بهم كى لا يعرفوه. وأمر يسوع تلاميذه بأن يرتدوا جميعًا لونًا واحدًا وأن يسيروا جماعة إلى أورشليم كالحجيج. وحلف كل منهم له ألا يكشفوا أمره. ووعدهم بأن يأتى هناك بمعجزات وآيات كبرى. وكان من بين تلاميذه رجل يدعى بابا بن رصيصتا، وكان يعتبر كل أعمال يسوع هراء وخداعًا وكذبًا. ورافقه إلى أورشليم ليلة الفصح وعند وصوله ذهب بابا هذا إلى الأحبار وكشف لهم أعمال يسوع وخدعه. فطلب الأحبار منه أن يسلمهم يسوع ووعدوه بأن يرفعوا مكانته بينهم. فقال لهم: "هو الآن فى أورشليم وقد استحلف تلاميذه ألاَّ يكشفوا أمره لأى إنسان. فقال بابا للأحبار إنه سيسجد ليسوع إشارة له كى يعرفوه. وهذا ما فعل. تجمع الأحبار فى أورشليم كما يتجمع الحجبج القادمون للاحتفال بعيد الفصح فى هدوء شديد، ونظروا فوجدوا الفجار جميعًا يرتدون لونًا واحدًا ولا يتميزون عن بعضهم البعض لكنهم، فجأة، رأوا بابا يأتى ويسجد أمام يسوع. حينئذ انقض الأحبار عليه وقالوا: "أنت يسوع المحرض المخادع بقولك إنك المسيح ابن الله. فأين آياتك ومعجزاتك؟ فارتجف ووقف كالأصم الذى لا يسمع والأخرس الذى لا يتكلم. وعندما رأى الفجار ذلك سارعوا إلى قتال الأحبار وإنقاذه كما فعلوا أول مرة. لكنهم لم يستطيعوا لأن اليهود فى هذه المرة كانوا أكثر عددًا كما هى العادة فى أيام الحج. وعندما رأى يسوع أنه لا يستطيع الفرار قال لتلاميذه: "قد قلت لكم إن ذلك سوف يحدث، والآن لماذا تقاتلوهم وقد كُِتب عنى " لأننا من أجلك نُمات اليوم كله. قد حُسِبْنا مثل غنم للذبح" والتوراة تصرخ أمام الرب الذى فى السماء "... وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ،..." . وبكى التلاميذ بكاءً شديدًا وقاموا بأعمال سحر لكنهم لم يستطيعوا تخليصه من أيدى اليهود. علم يسوع أنه سيموت رجمًا بالحجارة. وكان ذلك مساء السبت. قال الأحبار لنصلبه ونحقق ما قيل " فَتَنْزِعُونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ" فأخذوه وشدوا وثاقه وأحضروه أولاً إلى بيت الرجم ورجموه بالحجارة فمات. وفى المساء صلبوه على شجرة، لكن الشجرة لم تقبله (لأنها حلفت ألا تقبل جثمان يسوع). وهكذا كان مع بقية الشجر حيث تحطم تحته. وعندما رأى التلاميذ هذه الآية، أى عجز الشجر عن حمله، اشتد إيمانهم بيسوع وقالوا إن هذا دليل على مكانته وعلى أنه ابن الله. وكان من الأحبار رجل يدعى يهوذا بن برتوتا ويكنى بيهوذا البستانى وكان له بيت وحديقة؛ وفى الحديقة لوح خشبى كبير لكنه ليس شجرة. قطع يهوذا اللوح وصلبوا يسوع عليه وظل على الصليب حتى صلاة العصر. وكان الفتية والفتيات يلقون عليه التراب ويرمونه بالحجارة. وفى المساء أرسل اليهود من ينزله عن اللوح الخشبى عملاً بالوصية " فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلاَ تُنَجِّسْ أَرْضَكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا." ودفنوه خارج المدينة. وبكى الفجار وتلاميذه على قبره.
21)تشاور الفجار فى أمر رفع جثمان يسوع ودفنه فى مكان آخر ثم القول بأنه صعد إلى السماء كما وعدهم فى حياته. فإذا بيهوذا البستانى يمر من هناك ويسمع حديثهم. ولكى يحبط مخططهم حفر قبرًا فى حديقته وخرج ليلاً وأخرج جثمان يسوع من قبره ووضعه فى القبر الذى فى حديقته ورشَّ الماء فوق القبر كى لا يعرفوا مكانه. وذهب الفجار لأخذ جثمانه وفتحوا القبر فلم يجدوه إذ نقله يهوذا البستانى منه. فقال الفجار: "الآن أيقنَّا أن يسوع ابن الله وأنه المسيح وأنه صعد إلى أبيه فى السماء. والآن سننتقم من الأحبار". وذهبوا من فورهم إلى الملكة وقالوا: "مولاتى الملكة؛ هاهو ابن الله الذى جاء بالآيات والمعجزات وأحيا الموتى فى حياته، يثبت أيضًا بموته أنه قام من قبره وصعد إلى السماء وحقت عليه الآية التى تقول "15إِنَّمَا اللهُ يَفْدِي نَفْسِي مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ لأَنَّهُ يَأْخُذُنِي. سِلاَهْ" وقتله اليهود اعتقادًا منهم بأنه نبى كذب. والآن لتتفضل الملكة بطلبه من اليهود وإن لم يأتوا به أمامك حيًا أو ميتًا يعاقبون بالموت أو الغرامة وأن يقدم كل واحد منهم وزنه فضة". فأرسلت الملكة فى طلب الأحبار وقالت لهم: "ماذا صنعتم فى من ادعيتم أنه نبى كذب؟ فأجابوا بأنهم قتلوه رجمًا بالحجارة وصلبوه تنفيذًا لأحكام الشريعة. فقالت لهم: "ماذا فعلتم به بعد أن صلبتموه؟ قالوا: دفناه. فقالت: إذهبوا إلى قبره وانظروا إن كان جثمانه به، فأتباعه يقولون إنه صعد إلى السماء وإن جثمانه ليس فى قبره". وأرسلت الملكة رجالاً مخلصين مع الأحبار فى طلبه وجاءوا إلى قبره فلم يجدوه فعادوا إلى الملكة وقالوا "لم نجده". حينئذ صدَّقت الملكة كلام الفجار بأن يسوع ابن الله وأنه قام من قبره وصعد إلى السماء. وقالت الملكة للأحبار لكنكم أذنبتم بقتل ابن الله. فقالوا لها: أمهلينا خمسة أيام للبحث عنه، فأمهلتهم.
22)ساد فى ذلك الوقت الحزن الشديد فى بنى إسرائيل وفرح الفجار كثيرًا. وعندما اقترب اليوم الخامس ولم يجدوا يسوع فرَّ كثير منم تاركين المدينة خشية العقاب ومطاردة الفجار. كما ترك الحبر تنحوما المدينة وظل يتنقل من فوق أسطح البيوت باكيًا قلقًا على حياته. فإذا به يجد يهوذا البستانى يأكل من حديقته ويشرب فى جذل وفرح. فسأله الحبر تنحوما: "ألست يهوديًا؟! لم لم تهرب وقد عم الحزن الجميع؟ فأجابه رابى يهوذا: "أنا لم أسمع بذلك. وما السبب؟ فقص عليه الحبر تنحوما ما حدث. وعندما سمع ذلك قال له إن جثمان يسوع مدفون فى حديقته وإنه أخرجه من قبره لأنه خشى أن يسرقه الفجار ويدفنوه فى مكان آخر ويقولون إنه صعد إلى السماء. فأسرع تنحوما إلى الشيوخ والأحبار وقال لهم: "أبشروا فقد وجدنا جثمان يسوع فى حديقة يهوذا". فهرع الجميع إلى بستان يهوذا البستانى وقالوا له: اعطنا جثمان يسوع. فقال لهم: "لن أعطيكم إياه لأننى سأبيعه بثلاثين قطعة فضة". فأعطوه الفضة وذهبوا إلى قبره وفتحوه وأخرجوه وربطوا قدميه بالحبال وجروه فى أسواق أورشليم حتى وصلوا إلى الملكة هيلانا وقال لها شيوخ إسرائيل: "هاهو ذا يسوع الذى زعم الفجار إنه صعد إلى السماء" وحكوا لها ما كان من أمره. ورأت الملكة أن الأحبار صدقوا عندما قالوا إنه نبى كذب ومحرض ومضل؛ فوبخت الفجار وأثنت على الأحبار. فطلب الأحبار بأن تسمح لهم الملكة بمحاكمة الفجار كما فعلوا بيسوع. فأذنت لهم الملكة بأن يفعلوا بهم ما يشاءون. فقتلوا منهم الكثيرين وفر البقية إلى الممالك الأخرى حيث شرعوا فى الدعوة لعقيدتهم.
القصة الثانية
5)عاش بنو إسرائيل أيامًا عانوا فيها تحت وطأة الحكام الطغاة، كما أذاقهم الأمراء مرارة العيش، وذلك فى عصر حكم مملكة روما (المملكة الظالمة وكل أمرائها والعاملون فيها ظالمون) ليهوذا. وفى ذلك الصيف استغاث بنو إسرائيل بربهم ليخلصهم من هذه النوائب وقضوا كثيرًا من أيامهم صائمين مصلين زاهدين فى كل مباهج الحياة وانصب اهتمامهم على الله أملاً فى أن يخلصهم وأن يأتى المسيح وتمنوا كل يوم مجىء الملك الذى يخلصهم من كل شر إذ تمت فى ذلك الوقت السبعين سنة التى قال بها دانيال: «24سَبْعُونَ أُسْبُوعًا قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِالْبِرِّ الأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ. 25فَاعْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبِنَائِهَا إلى الْمَسِيحِ الرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعًا، يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ الأَزْمِنَةِ." لذا كان من السهل على أى امرء أن يدعى أنه نبى وأنه المسيح. وظهر فى هذه الأيام رجل من إحدى بلدات الأردن يدعى يوحنا ويكنى بالمعمدان. كان يوحنا من الزاهدين فى مباهج الحياة؛ وكان يلبس وبر الجمال، وكان طعامه الجراد وعسل الغابات. كان يدعو إلى التوبة وتوجه إليه الناس من أورشليم ويهوذا فكان يعمدهم فى نهر الأردن ويعترفون له بذنوبهم. كان هناك فى ذلك الوقت فى الناصرة فى أرض الجليل رجل اسمه يوسف بنديرا وامرأته مريم. وكان القيصر أغسطس أمر بإحصاء سكان الأرض. فذهب سكان يهوذا والجليل إلى أورشليم ليتم إحصائهم فيها. سار يوسف وزوجته الحبلى من الناصرة وبلغا بيت لحم فى يهوذا. وهناك اكتملت شهور حملها فوضعت ابنها الأول فى مذود الإبل إذ لم يكن هناك مكان يسكنونه. سمى يوسف ابنه يسوع. وحدث بعد أيام عدة أن قام وأخذ زوجته وابنه وتركوا مدينة أبائه حتى بلغوا الإسكندرية فى مصر ومكثوا فيها فترة طويلة.
6)ويأتى يوم يرحل فيه يسوع عن الإسكندرية إلى أورشليم حيث المقدس وحجر الأنبياء الأوائل والذى كان يعرف باسم "السقاء". وعلى هذا الحجر نقش اسم الله الذى ان اطلع عليه أحد الناس وأدرك سره يستطيع أن يحيى الموتى وأن يفعل كل ما يحلو له. وعندما كان يسوع فى أورشليم نسخ الكلمات على ورقة وأتى بالكثير من المعجزات أمام الناظرين حتى جمع حوله كثيرًا من عامة الشعب فى إسرائيل. وتكلم قائلاً: "كيف يقول من يعرفنى إنى ابن يوسف بنديرا؟! الله أبى وأنا ابنه؛ وأمى لم تلدنى من علاقة مع رجل. وقال داود عنى: "7إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ" . فأجابه المؤمنون: "أرنا آية على أنك ابن الله وسنسجد ونشكر لك". فأمر بأن يأتوه برجل كسيح لم تطأ قدماه الأرض من قبل. ويقول: "ها أنتم ترون بأعينكم أن هذا الرجل كسيح وسأشفيه أمامكم". وأخذ يتمتم بكلمات بصوت خافت فإذا بالكسيح ينهض قائمًا على قدميه كسائر الناس. ثم أتوا إليه برجل أبرص من قدميه إلى رأسه ففعل له كما فعل بسابقه؛ فيبرئه من برصه. حينئذ قال له من تجمعوا حوله: "حقًا أنت ابن الله" وخروا له ساجدين. ويطوف يسوع الجليل ويعظ فى دور العبادة ويشفى المرضى. فذاع صيته فى بلاد الشام وتوافد عليه المرضى والمعاقون فيشفيهم، فيتبعه الناس من الجليل ومن أورشليم ويهوذا وعبر الأردن وكان يتبعه كل يوم كثير من الناس (ممن يحبون حياة عدم الالتزام). سمع بنو إسرائيل بهذا فخافوا وأرسلوا إليه رجالاً يتعقبونه ويعرفون مكنونه. وجاءه الرجال وسألوه قائلين: "بأمر من تفعل هذا كله؟ فيجيبهم: "بأمر أبى الذى فى السماء الذى أرسلنى". فيعود الرجال ليحكوا ما أخبر به. حينئذ خاف كبار أحبار إسرائيل وأخذتهم الرجفة لما سمعوا؛ إذ كان أتباعه يزدادون يومًا بعد يوم واشتعلت نار الفتنة ولا تجد من يخمدها.
7)سار ذلك الرجل وأتباعه فى الجليل الأعلى وازدادوا قوة. فأرسل أحبار إسرائيل يدعون أتباعه قائلين: "أسرعوا إلى يسوع وقولوا له: "سمعنا عنك من الرجال الذين أرسلنا إليك فى الجليل الأعلى. والآن تعال إلينا كى نبجلك". وعندما سمع يسوع هذا الكلام مثل أمام أحبار إسرائيل. وقبل أن يأتوا إليه طلب الأحبار من ربهم أن يكشف لهم أمر ذلك الرجل. فاستجاب لهم ربهم فعرفوا أن ذلك الرجل (يسوع) اطلع على الاسم (اسم الله) وبه يفعل ما يفعل. فاتفقوا على أن يسمحوا لأحد الأحبار أن يطلع على الاسم وأن يحارب ذلك الرجل وأتباعه. فاختاروا رجلاً يدعى يهوذا وأمروه بأن يفعل ما يقولون له. وعلى الفور دخل يهوذا قدس الأقداس واطلع على اسم الله. وجاء يسوع فى أتباعه وجاء الأحبار وأتباعهم. جلس الأحبار أمام يسوع وأتباعه. حينئذ بدأ ذلك الرجل حديثه قائلاً للأحبار: لقد قال عنى موسى: "15«يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ" فيجيب الأحبار قائلين: "ليست هناك آيات ولا أى شىء لأننا سبق أن حُذِّرنا من ذلك: "3فَلاَ تَسْمَعْ لِكَلاَمِ ذلِكَ النَّبِيِّ أَوِ الْحَالِمِ ذلِكَ الْحُلْمَ" فيبسط ذلك الرجل ذراعيه فيرتفع عن الأرض كالنسر وترى الناس ذلك فتعمهم الدهشة ويقول كل واحد لأخيه: "أليس هذا ابن يوسف الأصم من الناصرة الذى عرفناه؟! أليست أمه مريم وأخوته يعقوب وشمعون ويهوذا وكل أخوته معنا؟! من أين له بكل هذا؟ فأشار الأحبار على الفور إلى يهوذا فانطلق خلفه وارتفع عنه وأمسكه وأسقطه أرضًا فوقف ذلك الرجل (يسوع) ليردد الاسم ليحلق مرة أخرى ويُسقِط يهوذا على الأرض. وعاودا ذلك مرات ومرات ولم يتغلب أى منهما على الآخر. ثم يحلق يهوذا كما فعل أول مرة؛ فيتبعه ذلك الرجل فيبول يهوذا عليه ويسقط كلاهما على الأرض. فيمسك الأحبار بذلك الرجل من رأسه ويصيحون قائلين: "إن كنت ابن الله حقًا فأرنا آياتك" ويحاول ذلك الرجل أن يأتى لهم بآيات فلا يستطيع.
8)فأخذوه على الفور ووضعوه فى سجن طبرية ويجتمع أتباعه أمام السجن ويحاولون بالخداع أن يطلقوا سراحه فلا يستطيعون. فخضعوا للأحبار وكذلك خضع ذلك الرجل قائلاً: "ها أنا بين أيديكم، فافعلوا بى ما شئتم". ووقف هناك مقيدًا يومًا وليلة حتى منتصف الليل. وحدث هرج كبير بين تلاميذه وبدأوا يصيحون ضد الأحبار. وفى تلك الأثناء يفلح ذلك الرجل فى الهرب من السجن. وجاء أتباعه قبل عيد الفصح وكان عيد الفصح فى ذلك العام فى يوم السبت فيقول لتلاميذه: "تعالوا نصعد إلى أورشليم!" ويقومون جميعًا للذهاب إلى أورشليم ويركب الحمار وعند وصولهم أمام بوابة المدينة تجمع حوله كثير من أتباعه وسجدوا له وقالوا: "مرحبًا بك باسم الرب" فيقول لهم: "لقد تنبأ بى النبى "9اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" . ويأمر يسوع أتباعه بأن يرتدوا جميعًا ثيابًا بيضاء متشابهة حتى لا يميزون بعضهم من بعضهم واستحلفهم جميعًا بالوصايا العشر بألا يكشفوا أمره. ففعلوا ما أمرهم به وارتدوا ثايبًا بيضاء من أقدامهم حتى رءوسهم. لبسوا هذه الملابس فوق ملابسهم وجاءوا إلى المدينة وسار يسوع إلى بيت شمعون الأبرص فى بيت هينى خارج المدينة ليبيت عنده. وفى اليوم التالى دخل مع أتباعه وسط القادمين إلى أورشليم للاحتفال بعيد الفصح. وعندما رآهم الأحبار أدركوا أنهم أتباع يسوع وأنه لابد أن يكون فيهم. فخرجوا إلى أبواب الهيكل كى لا يهرب منهم وحتى يتعرفوا عليه ويقبضون عليه حيًا. وبحثوا عنه لكنهم لم يعرفوه. وكان من بين رجال يسوع رجل اسمه يهوذا الإسخريوطى، لم تكن عقيدته راسخة وكان يرغب فى أن يسلمه إلى الحراس ليقبضوا عليه ليرى كيف تكون نهايته. جاء الرجل سرًا إلى أحد الحراس وقال له: "أنا من أتباع يسوع وهو بيننا وأريد أن أسلمه لكم لكن كى لا أخون العهد الذى عاهدته به سأفعل الأتى: عندما أمُرُّ أمام يسوع سوف أطأطئ رأسى أمامه كما لو كان احترامًا له؛ فيكون ذلك الرجل هو يسوع فافعلوا به ما شئتم، وأكون أنا بريئًا أمام الله وأمام إسرائيل"!. وفعل يهوذا ما قال. فمر أمام ذلك الرجل وطأطأ رأسه فلاحظ الحارس ذلك وأعطى الإشارة للأحبار فأتوا فجأة وأمسكوا به قائلين: "أأنت مفسد بنى إسرائيل؟ أرنا آياتك ومعجزاتك وكيف ستنجو من أيدينا؟" فخاف ذلك الرجل من الأحبار وأراد تلاميذه أن يخلصوه ولكنهم لم يستطيعوا. علم ذلك الرجل أن الأحبار ينوون قتله فقال: قال عنى داود: "22لأَنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ." وقيل عنكم "10فَقَالَ: «قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا»" لكنهم لم يريدوا قتله وأمروا بتقديمه للمحاكمة وفكروا فى الحكم عليه بالرجم لما ورد فى التوراة: "10تَرْجُمُهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ، لأَنَّهُ الْتَمَسَ أَنْ يُطَوِّحَكَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ." وأن يعلقوه بعدها على شجرة وفقًا لما ورد فى المشنا "كل مرجوم يعلق" ونادى المنادى فى أورشليم وخارجها بأن "يسوع بن يوسف بنديرا الناصرى سيرجم لتضليله إسرائيل وسيعلق بعدها على شجرة". ولم يكن الموت بالنسبة لذلك الرجل أمرًا مهمًا مثلما كان لدى تلاميذه الذين يشاهدون مسيحهم يُرجَم. فيقول بصوت مسموع: "سأسعد لأنى سأجد قبرًا؛ حينئذ سيظهر ملكوتى للعالم كله. وهذه آية لكم؛ فبعد ثلاثين يومًا من دفنى تأتون إلى قبرى ولن تجدونى لأنى سأصعد لأجلس على يمين أبى الذى فى السماء". ويأمر الأحبار بربطه إلى عامود ويظل كذلك حتى اليوم التالى لإنهاء محاكمته. ويجتمع كثير من أتباعه وينقضون على حاكم السجن ويطلقون سراحه ويهربون به ولا يطاردهم أحد. فيسرع ذلك الرجل قائلاً: "أنزلونى إلى البئر لأطهِّر نفسى مما حدث بالأمس. فينزل ويغطس ويأمرهم جميعًا بالنزول والغطس مع توخى الحذر من أن يكون الأحبار فى أثره. فيفعلون ما أمرهم. وعندما غطس بدأ "اسم الرب" فى العمل كما كان فى السابق. فقال لأتباعه: "أنظروا الآية التى سآتى بها أمامكم ولينظر مبغضىَّ وليخجلوا لأن الرب مدَّ لى يدًا". وأمر بأن يأتوه بحجر وألقاه إلى جوار نهر الأردن. وكان هذا الحجر ثقيلاً يحمله ثلاثة رجال. وجلسوا جميعًا على الحجر، وكانوا حوالى خمسة آلاف بالإضافة إلى النساء والأطفال. فيسير الحجر على سطح الماء. ويأخذ خمسة أرغفة من الخبز ويعطيها لتلاميذه فيقدمها التلاميذ إلى الشعب ويأكلون جميعًا ويشبعون ويملأون من الفتات المتبقى اثنتا عشرة سلَة. كما همس إلى البحر فإذا بثياب جميلة تخرج منه . فعندما خرج من الماء كان يستطيع أن يفعل ما يريد مستعينًا بـ "اسم الرب". ودعا تلاميذه وأعطاهم السلطة على الأرواح النجسة لطردها ومداواة المرضى. وعندما سمع الأحبار أن قوته عادت إليه ندموا على تلكؤهم فى محاكمته وتشاوروا فيما بينهم فى وسيلة يقبضون بها عليه ثانيةً. وأرسل الأحبار إلى يهوذا الإسخريوطى قائلين: "لك ما شئت إن سلمته لنا" فيقول يهوذا: "سأفعل ما تريدون". ويعطيه الأحبار ثلاثين قطعة فضة. ثم ذهب الأحبار إلى المكان الذى يسكن فيه يسوع وأتباعه عبر نهر قدرون. وعند وصولهم يمسك به يهوذا من عنقه ويصيح قائلاً هاهو مسيح الله إياه نعبد لأنه أبونا وملكنا، ويحتضنه ويقبله. وعندما سمع خادمو الكهنة والأحبار الذين وقفوا هناك بالمشاعل والسلاح صاح يهوذا قائلاً إنه هو فانقضوا عليه بكامل قوتهم وقيدوا يديه وساقيه وأتوا به إلى أورشليم هو وأتباعه جميعًا. وسأله الكاهن الأكبر: "هل أنت المسيح؟" فأجاب "أنا هو. وستجدونى أجلس إلى يمين الله القهار قادمًا مع سحاب المجد!" فيحبسوه ويرسلوه إلى الحاكم بيلاطس. وسأله الحاكم: "أأنت ملك اليهود؟" وكان ذلك بعد أن أخبر الأحبار بيلاطس بكل أعماله، ولم يحر يسوع جوابًا. وعندما علم بيلاطس أنه من الجليل التابعة لحكم هيرودس أرسله إلى هيرودوس الذى كان فى أورشليم فى ذلك اليوم. فيوبخه هيرودوس ويحقره ويلبسه ثوبًا كلباس الملك ويعيده إلى بيلاطس. ويأخذه جنود بيلاطس إلى المحكمة ويجردونه من ثيابه ويلبسونه لباسًا أرجوانيًا ويصنعون إكليلاً من الشوك ويضعونه على رأسه ويخرُّون له ساجدين قائلين: "سلام لك يا ملك اليهود". ثم يبصقون عليه ويأخذون عصًا ويضربونه بها على رأسه. ويسخرون منه ويجردونه من ثيابه الأولى ويجرونه كى يصلب ويكتبون تهمته ويضعونها فوق رأسه باللغات اليونانية والرومية والعبرية: "هذا يسوع ملك اليهود". وظلَّوا أربعين يومًا يرددون "يسوع الناصرى سيرجم لأنه أضل إسرائيل. وكل من عرف له فضيلة فليأت ليعرف حقيقته". ... وكان ذلك عشية عيد الفصح. ثم أخذوه إلى بيت الرجم ورجموه بالحجارة فمات. وفى الساعة الثالثة بعد الظهر صلبوه على شجرة؛ وعند الغروب أنزلوه ودفنوه خارج المدينة. حين تذكر الأحبار كل ما قاله ذلك الرجل فى حياته، من أنه سيقوم من قبره بعد ثلاثة أيام ويصعد إلى السماء ويجلس عن يمين أبيه، قالوا: ربما أخرجه تلاميذه من قبره كى تصدق أقواله التى قالها فى حياته". فأسرع أحدهم وذهب مع الذاهبين إلى قبره وتصنع البكاء والنحيب طوال الليل. وفى الصباح، وبعد انصراف أتباعه، يتظاهر بأنه ذاهب معهم ثم يعود إلى القبر ويخرج جثمانه ويأخذه إلى بستانه ويدفنه فيه. ولم يكشف ذلك لأحد حتى لزوجته وأولاده. وذهب تلاميذ ذلك الرجل إلى القبر فوجدوه مفتوحًا والميت غير موجود فيه ففرحوا فرحًا كبيرًا وقالوا: "ها هى أقوال مسيحنا واضحة وحقيقية لأنه صعد إلى السماء ليجلس عن يمين أبيه كما قال. وسيكون الخزى من نصيب الأحبار الآن وستشحب وجوههم وتأكدنا الآن أنه مسيح الله". ويجتمعون ويذهبون إلى بيلاطس قائلين: "اتضح الآن أن الأحبار كذبوا فى شأن مسيح الله، فأرسل معنا، فقد قال أنه سيصعد إلى السماء فى اليوم الثالث للجلوس إلى يمين أبيه، وهذا ما حدث، فقد صعد وقبره مفتوح". أرسل بيلاطس إلى الأحبار والسنهدرين فحضروا أمامه وقال لهم: "أجيبونى، إن نبيكم الذى قتلت بناء على طلبكم قال إنه سيصعد إلى السماء، وهكذا فعل". فأجابه أحد الأحبار: "كذب لأن جثمانه فى بستانى". فقال له بيلاطس: «ائتنى به». فدخل الأحبار على الفور إلى بستانه وأخرجوا جثمان يسوع وعادوا به إلى بيلاطس. فقال لأتباع يسوع: "ها هو قد عاد مسيحكم من السماء وهو ملقى أمامكم فانظروا إليه ربما كان نائمًا وسيستيقظ". ففر أتباعه عندما رأوه واختبأوا فى الكهوف وأخذوا يتنقلون من مدينة إلى أخرى وواجهوا كثير من المتاعب فى كل مكان حلوا به.
القصة الثالثة
(...وعاشت فى أورشليم) فتاة عذراء غير متزوجة اسمها مريم. وكان للعذراء مريم أموال وثروة كبيرة. وكان جارها شابًا اسمه يوسف بندراى؛ وكان بيته أمام بيت مريم. كان ليوسف ثروة كبيرة وعمل كثير؛ وكان من عائلة وضيعة. يتعلق الفتى يوسف بمريم ويهيم بها حبًا. وكان يمر يوميًا ببيت العذراء ليشغل قلب الفتاة كى يتزوجها ولم تكن الفتاة تعيره انتباهًا لأن قلبها لم يكن مشغولاً به وكانت راغبة عن الزواج منه ... وكان فى ذلك الوقت فى أورشليم فتى من أثرياء اليهود اسمه يوحنا ... وكان من نسل بيت داود. فزوجت الملكة هيلانا قريبتها مريم من الفتى يوحنا. فخطب الفتى يوحنا العذراء مريم وتزوجها وفقًا لشريعة موسى وبنى إسرائيل. وعندما رأى يوسف الشرير أنه لم يتزوج مريم وأنها تزوجت من شخص آخر اشتعلت نار الشوق فى صدره ومَرِض من فرط حبه مريم العذراء. وترى أم يوسف المرض يشتد بابنها وأنه شارف على الموت. فتدعو أقرباءه ومحبيه لينصحوه وينقذوه من مُر هذا الموت. ويتشاورون جميعًا ويجمعون على أمر واحد: "سيعيش إبنك إن فعلتِ ما نشير به عليك. أقيمى حفلاً للشراب فى بيتك وادعِ كافة أفراد عائلتك إلى شراب تعدينه كما تدعين العذراء مريم ونقول أمام الحاضرين إنها جارتك. وبعد أن تأكل وتشرب يمسك بها ابنك ويفعل بها ما يشاء. أليس ذلك بالأمر الهين! وبه تحيا نفسه من جديد".
يستحسن يوسف وأمه الأمر ويفعلون ما أشير عليهم به ... فينهضون للضحك والرقص مع مريم ويأتى إليها الشيطان يوسف ليرقص معها والناس كلهم وقوف رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، ويغادرون جميعًا البيت ولا يبق من أحدٍ سوى الشرير يوسف ومريم العذراء كى ينجسها. وتتلفت مريم حولها فلا تجد أحدًا ينقذها من بين يديه. فأمسكها من ثيابها وهم بأن يأخذها إلى الغرفة ليعتدى عليها ويشبع شهوته. فتصرخ وتترك ثيابها عنده وتلوذ بالفرار ... وعندما أدرك أن ما قام به وما فكر فيه محتقر فى إسرائيل مرض مرضًا شديدًا ... وقالت له أمه: "لماذا شحب وجهك هكذا؟ والآن اصنع يا بنى وستشفى من مرارة الموت. خذ هذا المال فى يدك واذهب إلى يوحنا واجلس معه شهرًا أو بضعة أيام وادرس معه كل ما يدرس. عهدى بك أن قلبك كبير. ويتعلم يوحنا ويصادقك وتصادقه دون أن تلتفت يمينًا أو يسارًا. وفى كل شهر وفى كل سبت يزور يوحنا بيت خطيبته ليقبل يديها ويباركها بتحية السبت. اذهب معه إلى بيت مريم حتى تسنح لك الفرصة يوما فتشبع رغبتك منها، ويستحسن يوسف الشرير ذلك ....
(بعد أيام طويلة) يأتى يوسف إلى بيت يوحنا ليدعوه إليه إلى داره لعشاء أعده لأصدقائه فى ذلك السبت. وذهب يوحنا مع صديقه يوسف للعشاء الذى أعده يوسف ... فيأكلان ويشربان حتى منتصف الليل وأمامهم خمر كثير. ويشرب يوحنا كثيرًا من الخمر فيسكر وينام فى بيت يوسف ولا يدرى بنفسه. وكانت ليلة ممطرة وأخذت أصوات الرعد والريح تدوى فيها طوال الليل.
دخل يوسف من نافذة بيت مريم إلى الغرفة التى تنام فيها وحدها وتظاهر بأنه يوحنا خطيبها وطرق الباب قائلاً: ... "افتحى لى يا زوجتى؛ فقد ابتل رأسى بالمطر وأخشى أن أصاب بالرعد والبرق فأموت. أنا من بيت يوسف وكنت ذاهبًا إلى دارى فأعاقنى المطر فأتيت إلى دارك لأستريح حتى يطلع الصبح. ربما توقف المطر فأعود إلى دارى". فنزلت مريم إليه وفتحت له نافذة الغرفة وقالت له: "فلتبت هنا الليلة". وبهذه الخدعة دخل يوسف إلى بيت مريم وهى لا تدرى بخديعته واعتقدت أنه يوحنا خطيبها. وفى ظلمة الليل يسرق يوسف قلب مريم دون أن يخبرها أنه يوسف ويقف فى زاوية الغرفة ووجهه إلى الحائط كما لو كان يصلى ولا يتوقف عن الكلام معها. وفى أثناء ذلك ينقض على مضجعها فجأة ويحتضنها ويقبلها. وتخاف مريم وتقول: "أنظر ما فعلت أمام الله وتوراته . باشرت إمرأة حائضًا كما لو كان ذلك أمرًا هينًا". فيقول: "زوجتى حبيبتى؛ هل تعتقدين أنى قصدت أن أستهزئ بوصايا الرب كبيرة كانت أم صغيرة! لتعلمى أنه اليوم قد سنت شريعة جديدة فى بيت هامدراش تقول بأن "الخطيب مسموح له خطيبته حتى فى أيام الحيض". فتصدقه ... لأنها تثق فى خطيبها يوحنا وأنه لن يخطئ ولن يغضب الرب. ويأتيها وينام معها فى فراشها طول الليل .... وعند الفجر قال لها "سأعود إلى بيتى" فتقول "إذهب فى سلام كى لا يعلم أحد أنه جاء إلى أحد ليلاً. يعود يوسف إلى بيته سعيدًا بعد أن أشبع رغبته منها ونفذ مكيدته. ويوقظ يوحنا من نومه ويذهب يوحنا إلى بيته ولا يعلم من صديقه يوسف شيئًا مما فعل بخطيبته....
اتضح بعد ثلاثة أشهر أن مريم حملت وكبرت بطنها ويتحدث الشعب عن يوحنا ومريم قائلين: "لقد غش يوحنا خطيبته وها هى حبلى». وأصبح يوحنا ومريم حديث الناس. وعندما سمع يوحنا أن الناس تتحدث عنه بسوء جاء إلى معلمه الحبر شمعون بن شطاح باكيًا متوسلاً (والمعلم الذى علم بفعلة يوسف ينصح يوحنا بترك البلاد). وهرب يوحنا وذهب إلى بابل.... ولمَّا رأى يوسف الآثم أن مؤامرته نجحت وأن يوحنا هرب رغمًا عنه من البلاد قال فى نفسه: "حان وقت الغناء؛ فيوحنا غير موجود والآن وقت إشباع الرغبات والاستمتاع بمحبوبتى مريم". فجاءها وفتحت له قائلة: "يوحنا غير موجود فى البيت فتعالى إلى وأشبع كل رغباتك" ومنذ ذلك الوقت سلَّمت له نفسها ولكل من رغب فيها مثلها مثل الزوانى فى كل زمان ومكان.
وأتمت شهور حملها التسعة فذهبت إلى بيت لحم وجلست فى المذود وولدت ولدًا. وجاءت بهذه الحشرة بعد ثمانية أيام أمام الأحبار كى يختنوه وقالت إنها ولدت ولدًا دون أن تضاجع رجلاً لكنهم لم يصدقوها ولم يستمعوا إلى أكاذيبها. وختنوه وسمَّوه يسوع كى يكون اسمه غريبًا بين الناس ويتتبعوا أعماله ويعرفوا من أين جاء ويعلم الجميع أنه ابن زنا وأن اسم "يسوع" اختصار الكلمة العبرية "ليمحى اسمه وذكره יימח שמו וזכרו"، وكبرت هذه الحشرة.
وحدث أن كبر الفتى يسوع وأخذته أمه مريم (ليمحى اسمها יימח שמה) إلى بيت مدراش الحبر يهوشواع بن براحيا وقالت له: "هذا ابنى الذى ولدته من يوحنا الذى كان خطيبى وضاجعنى ونحن ما زلنا مخطوبين". فيصدقها الحبر يهوشواع ويجلسه أمامه. وكان الصبى يفوق سائر التلاميذ فى حكمته حتى أصبح مع الأيام تلميذًا نجيبًا فى كثير من أمور الشريعة؛ وأحبه الجميع وكذلك معلمه ...
وحدث ذات يوم أن كان معلم يسوع واقفًا يصلى من أجل شعبه فجاء الشرير (يسوع) ووقف وراء معلمه وصاح كالحمار قائلاً: "ليتهم يتخذوننى إلهًا". وينظر معلمه وراءه فيجد الشرير (يسوع) واقفًا فيقول له: "أيها الشرير كيف ترفع عينيك وقلبك كالإله؟ لن تموت إذن كسائر البشر؛ بل ستسقط كما يسقط الأشرار ولن تقوم لك قائمة ولك سوء الخاتمة وبئس المصير".
-----------
أفيجدور شنئان
ترجمة/ عمرو زكريا
من الأدب الشعبى الساخر فى العصور الوسطى حول حياة يسوع
إلى جانب الانشغال بشخص يسوع فى أعمال مفكرين من أمثال رامبام (موسى بن ميمون) أو الأعمال التى ظهرت منذ البداية كأداة مساعدة فى الجدل لكل من يناهض المسيحية – ككتاب "مجادلة الأسقف نسطور" أو كتاب "النصر القديم"- انتشرت بين اليهود فى العصور الوسطى نصوص كثيرة وحكايات صيغت بأساليب شعبية فى طابعها تروى من جديد حياة يسوع، مولده وشبابه وأعماله ومحاكمته وموته، بلهجة ساخرة فظة. والحديث هنا عن مجموعة من النصوص ربما كان أساسها كتابًا واحدًا؛ نصوص اكتسبت عناوين مثل "تاريخ يسوع" و"أعمال يسوع الناصرى" و"أعمال المصلوب" وغيرها. واتخذت هذه النصوص مع الوقت أشكالاً مختلفة ولم تتضح بعد بشكل قاطع هوية مؤلف هذه النصوص وزمن تأليفها. ويعود بها الباحثون إلى الفترة بين القرن الرابع والقرن الثانى عشر فى منطقة فلسطين وأوروبا.
إن مؤلفات "تاريخ يسوع" لم يتم طبعها حتى العصر الحديث خشية الرقابة لكنها باقية فى العشرات من المخطوطات (معظمها باللغة العبرية وقليل منها بالآرامية). وتستخدم روايات العهد الجديد لكن تعرضها بصورة سلبية علاوة على استخدام تعبيرات لاذعة. ويقوم أساس هذه المؤلفات على الاعتراف بالصدقية التاريخية لهذه الروايات عن يسوع ولكنها فى الأساس محاولة لتغيير قصة الأناجيل وعرضها بصورة سلبية لكل ما تقدمه على أنه عجائب ومعجزات. وتحكى معظم الروايات أن يسوع كان ابن زنا وابن إمرأة نجسة، وأنه كان وقحًا أمام الحكماء ويتجرأ على تفسير آيات تحدثت عن المسيح كما لو أنها تتحدث عنه شخصيًا، وأنه كان ساحرًا أضل الناس؛ وأنه هو من قتله الأحبار لسوء سلوكه وصلب واختفى جثمانه بعد موته لأنه أُلْقى كأى شىء لا قيمة له فى حفرة ماء ... إلخ.
فى المؤلفات التى تتناول "تاريخ يسوع" نجد مزجًا للروايات القليلة عن المسيح فى أدب الأحبار بالمعرفة الجيدة بقصص المسيحية ولكن دون اهتمام بشريعة هذا الدين ومواعظ يسوع أو الشرائع الدينية المختلفة التى تطورت بعده. والقصة هى الأساس والشعب العريض هو المستقبل لها. وأدى الانتشار الكبير لهذه القصص إلى اضطرار المسيحية إلى التعامل معها بطرق مختلفة؛ بداية من التجاهل المتعمد، وذلك استمرارًا لمحاولة إثبات أنها قصص غير دقيقة لا يمكن الاعتماد عليها؛ وانتهاءً بالادعاء المثير بأنها تؤكد فى نهاية الأمر على العقيدة المسيحية ولا تزعزعها. كانت هناك فى الأوساط اليهودية بعض التحفظات على هذا المؤلف، كالقول بأنه "تفاهات وترهات عار على العاقل أن يرددها". ومع ذلك فلا يجب أن ننكر الشعبية الكبيرة التى حظيت بها تلك المؤلفات وذلك دليل على الرغبة التى أشبعتها لدى طبقات عريضة وعلى الإشباع الذى قدمته هذه القصص من خلال قراءتها والإحساس بها.
سنعرض مقتطفات من ثلاثة من هذه المؤلفات. ولا شك أنه يمكن اعتبارها أكبر تعبير عن العداوة والكراهية لشخص المسيح؛ عداوة تعبر بسخرية شديدة عن نظرة الطبقات العريضة من يهود العصور الوسطى فى البلدان المسيحية إلى الدين الحاكم. ويبدو أنه تم استخدام اسم يسوع اختصارًا فى هذه المؤلفات حيث من الممكن تفسيرها بمعنى "ليمُحى اسمه وذكره". وكتاب "تاريخ يسوع" من أكثر هذه المؤلفات تطرفًا. ويحظى قارئ هذه القصص بالمتعة من القصة الساخرة من المسيحية وإلهها، وتقدم الردود التى يمكن أن يقدمونها إلى جيرانهم المسيحيين فيما يخص شخص مسيحهم وحياته.
كتاب تاريخ يسوع
12)فى عام ستين وسبعمائة وثلاثة آلاف للخلق (العام الأول الميلادى) فى أيام الملك هيرودس الثانى والملكة هيلانا وفى عصر طبريوس قيصر روما، ظهر رجل من نسل داود اسمه يوسف بنديرا وكانت له امرأة اسمها مريم وكان الرجل يخشى الرب. وكان تلميذًا فى «بيت هامدراش». كان جار يوسف المذكور رجلاً شريرًا اسمه يوحنا، وكان مجرمًا وزانيًا. وكانت مريم فتاة جميلة. رفع الوغد يوحنا عينيه إلى الفتاة وكان يتبعها كثيرًا دون أن تشعر هى بذلك، وظل يتربص بجوار بيتها حتى جاءت اللحظة المناسبة. وفى شهر نيسان، بعد انتهاء عيد الفصح فى مساء يوم السبت وفى منتصف الليل، بعد أن قام يوسف وذهب إلى بيت هامدراش، جاء بعده الوغد ووجد مريم وضاجعها. واعتقدت هى أنه إمرأة، وحملت منه. ذهب يوحنا إلى حال سبيله وعندما عاد زوجها يوسف من بيت هامدراش أخبرته مريم بالأمر وعلم أن ذلك من فعل يوحنا جاره. فقلق فى نفسه وفكر فى هجر مريم. وتشاور مع معلمه فى بيت هامدراش وأخبره بكل ما حدث. وتركها يوسف ورحل إلى بابل. وفى نهاية أيام الحمل ولدت مريم ولدًا أسمته يسوع على اسم إله وخُتِّن بعد ثمانية أيام. وانكشفت فعلة يوحنا وتحدث الشعب كله عنها. وعندما كبر الفتى دخل بيت هامدراش؛ وكان ذكيًا يدرس فى اليوم الواحد ما يدرسه فتى مثله فى أيام كثيرة. وقال الأحبار عنه إنه من "أذكياء أبناء الزنا".
13)بعد مرور ثلاثين عامًا كان معلم يسوع يمشى فى السوق ومعه اثنان من الأحبار. وكانت عادة تلاميذ الأحبار عندما يمر تلاميذهم أمامهم أن يركعوا لهم ويغطوا رؤوسهم إحترامًا لمعلميهم. وهاهو يسوع يمر أمام معلمه والأحبار منتصبًا حاسر الرأس. فيقول أحد الأحبار: "جرأته تدل على أنه ابن زنا". وفى اليوم التالى كان معلم يسوع فى بيت هامدراش يعلم تلاميذه فصل الأضرار (من فصول المشنا). وجاء يسوع وبدأ يلقن التلاميذ أصول الشريعة. فقال له أحد الأحبار : "ألم تتعلم أن كل تلميذ يعلم الشريعة أمام معلمه يجب أن يموت؟" فأجاب يسوع بجرأة قائلاً: "أى معلم وأى تلميذ؟ من كان أكثر حكمة من الآخر؟ موسى أم يثرون؟! إن قلتم موسى أبو الأنبياء ورأس الحكماء وشهدت له التوراة "10وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ" فكيف كان يثرون الأجنبى معلمًا ومرشدًا لموسى بقوله "18إِنَّكَ تَكِلُّ أَنْتَ وَهذَا الشَّعْبُ الَّذِي مَعَكَ جَمِيعًا، لأَنَّ الأَمْرَ أَعْظَمُ مِنْكَ. لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَهُ وَحْدَكَ. 19اَلآنَ اسْمَعْ لِصَوْتِي فَأَنْصَحَكَ. فَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ. كُنْ أَنْتَ لِلشَّعْبِ أَمَامَ اللهِ، وَقَدِّمْ أَنْتَ الدَّعَاوِيَ إلى اللهِ، 20وَعَلِّمْهُمُ الْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ، وَعَرِّفْهُمُ الطَّرِيقَ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ، وَالْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُونَهُ. 21وَأَنْتَ تَنْظُرُ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْبِ ذَوِي قُدْرَةٍ خَائِفِينَ اللهَ، أُمَنَاءَ مُبْغِضِينَ الرَّشْوَةَ، وَتُقِيمُهُمْ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ، وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ، وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ، وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ" ؟ وإن قلتم إن يثرون أكثر حكمة من موسى بطلت عظمة موسى. عندما سمع الأحبار ذلك قالوا: "بما أنه جرىء إلى هذه الدرجة فلنفتش فى نسبه ومن هم أبويه ومن هى عائلته؟ فأرسلوا إلى أمه وسألوها فقالت إنه ابنها يسوع وإن زوجها يوسف تركها ولا تعرف مكانه. عندما سمع معلم يسوع اسم زوجها وأن امرأته هى أم يسوع تذكر القصة التى حكاها له يوسف قبل سفره إلى بابل؛ وانكشف الأمر بأن يسوع ابن زنا. وعندما سمع يسوع بأن أمره انكشف فر إلى أورشليم.
14)فى تلك الأيام كانت تحكم إسرائيل إمرأة تدعى هيلانا. فماذا كان من أمر يسوع؟ دخل أورشليم وكان هناك حجر للسقاية (وهو حجر فى أساس قدس الأقداس تقول الروايات إن العالم خلق منه)، وكان منحوتًا عليه لفظ الجلالة، وكل من يعرف سره (أى لفظ الجلالة) يستطيع أن يأتى بما يشاء من المعجزات. وكان يسوع يعرف سره. وخاف الأحبار كثيرًا من أن يعرفه شباب إسرائيل فيأتون بفعال شريرة؛ فقاموا بصنع آلة على شكل أسدين من النحاس معلقين على أعمدة حديدية فى مواجهة بوابة أورشليم الرئيسة؛ فإذا دخل أحد ليعرف الاسم زأر الأسدان عند خروجه فينسى الاسم من فوره. ولو كتب الاسم على ورقة فلن يتركاه يخرج. فماذا فعل يسوع؟ كتب الاسم على ورق وقطع جلد فخذه ووضع الورقة تحت الجلد وذكر الاسم فعاد الجلد إلى مكانه وأخفى الورقة، وعند خروجه زأر الأسدان فنسى الاسم لكن بقيت الورقة فى مكانها. ثم قطع جلد فخذه مرة أخرى وأخرج الورقة وعرف الاسم وأعاد جلده إلى ما كان عليه بعد ذكره الاسم الذى فعل به المعجزات.
15)عندما رأى يسوع أن القوة أصبحت بين يديه ذهب وجمع ثلاثمئة وعشرة من الفتية المثقفين وخطب فيهم قائلاً: "لقد عرفتم القول بأن "كل إسرائيل لها نصيب فى الحياة الآخرة" والمقصود بكلمة "إسرائيل" الرجل الذى رأى الله وأنا هو. وهذا هو اسمى يسوع (يشوع ישוע بالعبرية) من الكلمة "يش יש" بمعنى الوجود وأنتم عددكم ثلاثمئة وعشرة؛ وهو عدد يرادف فى حساب الجمل كلمة "يش יש" وكما ذكر "فَأُوَرِّثُ مُحِبِّيَّ" فأنتم سوف ترثون الحياة الآخرة إن آمنتم بى. ولو اتبعتمونى فستؤمنون بأنى ابن الله جئت إلى العالم بوصية أبى الذى فى السماء وكل ما تنبأ به الأنبياء عن المسيح فقد تنبأوا بى. ورؤيا النبى إشعياء عنى وعن أمى "14وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»" فها هى أمى قد حبلت من روح القدس وولدتنى. كما تنبأ بى نبى آخر قبل مجيئى إلى العالم وقال "«تَرَنَّمِي وَافْرَحِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ، لأَنِّي هأَنَذَا آتِي وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِكِ" وهناك رؤيا أخرى بأن الله أرسلنى وأنجبنى؛ ففى سفر المزامير الذى كتبه جدى داود عليه السلام يقول: "قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ" وعلمت أن أحبار إسرائيل سيجتمعون وسيقولون بأنى ابن زنا ويحكمون علىَّ بالموت وأنا لا أخشاهم ولا يدهشنى ذلك؛ فكان من المفترض أن يحدث ذلك كما قال جدى داود "1لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ، وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ فِي الْبَاطِلِ؟ 2قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ، وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: 3«لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا».4اَلسَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. الرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. 5حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ بِغَضَبِهِ، وَيَرْجُفُهُمْ بِغَيْظِهِ. 6«أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي»." وقال يسوع للفتية "إن اتبعتمونى وحفظتم وصاياى فستصاحبونى فى جنة عدن." قال له الفتية "إن كنت كما تقول فأرنا معجزة أو آية". قال لهم يسوع: "أية معجزة ترغبون؟" قالوا: اشف بيساح واجعله يقف على قدميه. فقال سأفعل. فذهبوا على الفور وأحضروا بيساح أمامه، وكان لم يمش قط. فذكر يسوع لفظ الجلالة ووضع يده عليه فشفى. فأحضروا له رجلاً أبرص فشفاه ولما رأى الفتية المعجزات سجدوا له وانضمت إليهم جماعة كبيرة من مجرمى إسرائيل وآمنوا بأنه المسيح.
16)عندما رأى أحبار إسرائيل أن العامة يؤمنون بيسوع تشاوروا فيما بينهم ليقبضوا عليه ويعرضوه على الملكة هيلينا التى كانت تحكم فى ذلك الوقت؛ وكان ذلك قبل خراب الهيكل الثانى بسبعين سنة. وقالوا لها: هذا الرجل اسمه يسوع وهو ابن زنا وساحر كبير ومُضِل للخلق زاعمًا أنه المسيح وأنه ابن الله. لذا قبضنا عليه وأحضرناه إليكِ لمحاكمته لأنه فى عداد الأموات. حينئذ تحدث يسوع قائلاً: «مولاتى الملكة؛ تنبأ بى الأنبياء "1وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ" وأنا هو من نسله». فرد الأحبار قائلين: مولاتى الملكة حاشاكِ أن تصدقيه وقد قيل عنه فى التوراة "15مَلْعُونٌ الإنسان الَّذِي يَصْنَعُ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا أَوْ مَسْبُوكًا، رِجْسًا لَدَى الرَّبِّ عَمَلَ يَدَيْ نَحَّاتٍ" وهى فى حساب الجمل مرادفة ليسوع كما قيل عن نبى الكذب " وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيُّ" وكذلك "19فَافْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ. فَتَنْزِعُونَ الشَّرَّ مِنْ وَسْطِكُمْ" قالت لهم الملكة: أفى توراتكم ما قال؟ قالوا : أجل، لكنه ليس هو لأنه ليس ابن الله وليس المسيح ويجب أن يحكم عليه بالموت، والمسيح الذى ننتظر له علامات مذكورة "4بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. 5وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ" وكذلك "6فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا، وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِنًا، وَهذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا" وليس فى يسوع أى من هذه العلامات. قال يسوع للملكة: مولاتى أنا المسيح ابن الله وأنا أحيى الموتى ولو أرسلت الناس معى فسيرون المعجزات. فأرسلت الملكة معه رجالاٌ مخلصين فأحيا رجلاً واحدًا باستخدام لفظ الجلالة وأحضروا الرجل حيًا أمام الملكة. حينئذ دهشت الملكة وقالت "هذه معجزة حقيقية" وانصرف الأحبار بعد توبيخها إياهم وهم فى ضيق شديد. وازداد أتباع يسوع يومًا بعد يوم وساد جدل كبير فى إسرائيل.
17)رحل يسوع عن أورشليم متجهًا إلى الجليل الأعلى، ومثل اليهود بين يدى الملكة وقالوا: مولاتى الملكة؛ لتعلمى أن ذلك الرجل يسوع على دراية كبيرة بالسحر وقام بأعمال سحر وضلال للخلق فى الجليل الأعلى ويزعم أنه ابن الله. فأرسلت الملكة الفرسان للقبض عليه وإحضاره أمامها ثانية. وعندما جاء الفرسان إليه ليقبضوا عليه لم يسمح لهم أهل الجليل بذلك وحاربوهم. حينئذ قال لهم يسوع: لا تحاربوهم وأراهم ما أتى به معجزات وكل شىء بأمر أبيه الذى فى السماء وهو ابنه. وقال أحضروا لى طيورًا من طين ففعلوا فذكر اسم الله عليها فأحياها فنهضت على قوائمها وحلقت. رغم كل ذلك لم يصدقه الفرسان ولاختباره رسم كل واحد فى بيته صورة ثور وحمار وطيور من طين واحضروها إليه فأحياها لهم يسوع بعد ذكر اسم الله عليها. ولمَّا رأى العامة هذه الأفعال ركعوا له وخروا له ساجدين وآمنوا به. وأمر يسوع أن يأخذوا حجرًا كبيرًا ويلقوا به فى الماء ففعلوا وذكر اسم الله فطفا على وجه الماء كقشر البيضة أو الجوز فوقف عليه وسار به على الماء. وعندما رأى الفرسان ذلك اندهشوا كثيرًا فقال لهم يسوع: اذهبوا برًا وسأذهب بحرًا وقصوا على الملكة ما رأيتم بأعينكم. وحملت الريح يسوع فى البحر وعاد الفرسان إلى الملكة برًا وقالوا لها: فعلنا كل ما أمرتِ به وشاهدنا بأعيننا ما أتى به يسوع من آيات . وقصوا عليها ما شاهدوا.
18)تشاور الأحبار حول كيفية إحباط أعمال يسوع التى يقوم بها مستخدمًا اسم الله الذى حصل عليه عن طريق الخداع. فاختاروا رجلاً حكيمًا من بينهم اسمه يهوذا الإسخريوطى وقالوا له "ستفعل أنت كذا وكذا. وأدخلوه أورشليم عند حجر السقاية وعرف اسم الله وكتبه على ورقة وقطع لحمه ووضع الورقة تحت جلده وأعاده كما كان باستخدام اسم الله. وبعد أن خرج أخرجوا الاسم من لحمه وحفظوه جيدًا فأتى هو أيضًا بالمعجزات. بعدها جاء الأحبار أمام الملكة وقالوا: "مولاتى الملكةّ لا تصدقى يسوع لما أتى به من معجزات لأنها أعمال سحر وردت فى التوراة "2وَلَوْ حَدَثَتِ الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ الَّتِي كَلَّمَكَ عَنْهَا قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا وَنَعْبُدْهَا، 3فَلاَ تَسْمَعْ لِكَلاَمِ ذلِكَ النَّبِيِّ أَوِ الْحَالِمِ ذلِكَ الْحُلْمَ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ لِكَيْ يَعْلَمَ هَلْ تُحِبُّونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ. 4وَرَاءَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ تَسِيرُونَ، وَإِيَّاهُ تَتَّقُونَ، وَوَصَايَاهُ تَحْفَظُونَ، وَصَوْتَهُ تَسْمَعُونَ، وَإِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، وَبِهِ تَلْتَصِقُونَ." وإن كان يسوع ابن الله كما يزعم فلينضم إلينا وسنكشف كذبه. فأرسلت الملكة على الفور فى طلب يسوع فجاءها مع جميع أتباعه. فأجلسته الملكة أمامها وبجَّلته هو ومن معه. وحضر كذلك أحبار إسرائيل أمام الملكة ومعهم يهوذا الإسخريوطى وعندما رأى يسوع الشيوخ قال للملكة: "لتعلمى أن جدى داود عليه السلام أخبر عن ذلك بقوله "7كُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي" والنبى يقول لى: "8لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ" تحدث الأحبار والشيوخ وعندما وجد يسوع نفسه فى ورطة قال: لقد تنبأ جدى داود قائلاً "5إِنَّمَا اللهُ يَفْدِي نَفْسِي مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ لأَنَّهُ يَأْخُذُنِي. سِلاَهْ." والآن أبى ينادينى وأريد أن أصعد إلى السماء". وعندما انتهى يسوع من كلامه رفع ذراعيه كأجنحة الطير وحلق بين السماء والأرض واندهش الخلق من ذلك. ولما رأى الأحبار ذلك طلبوا من يهوذا الإسخريوطى أن يفعل مثله وأن يتبعه باسم الله وأن يهبط به إلى الأرض؛ وإن لم يستطع فلينجسه بأن يبول عليه. ولم يستطع أن يتغلب عليه لأن كليهما استخدما اسم الله. حينئذ بال يهوذا على يسوع ونجسه بالبول فتنجس كلاهما وسقطا على الأرض ، لأن آيات الله تركتهما ونسيا اسم الله ولم يستطيعا استخدامه بعد ذلك. وهذا الحدث يعرفه كافة حكماء المسيحية ويلعنون يهوذا الإسخريوطى ... ولما رأى اليهود أن قوة يسوع زالت عنه انقضوا عليه وقبضوا عليه. حينئذ رأت الملكة أن الحق مع الأحبار فسألت الملكة يسوع: "أين آياتك ومعجزاتك التى كنت تأتى بها؟ ولم لا تستطيع أن تأتى بها الآن؟ فأجابها يسوع قائلاً: "مولاتى الملكة! لقد تنبأ بذلك النبى هوشع "2قَدْ قَسَمُوا قُلُوبَهُمْ. اَلآنَ يُعَاقَبُونَ. هُوَ يُحَطِّمُ مَذَابِحَهُمْ، يُخْرِبُ أَنْصَابَهُمْ. 3إِنَّهُمُ الآنَ يَقُولُونَ: «لاَ مَلِكَ لَنَا لأَنَّنَا لاَ نَخَافُ الرَّبَّ، فَالْمَلِكُ مَاذَا يَصْنَعُ بِنَا؟»." وأنا أعلم أن قدرى أن أعذب وأموت بين البشر كى أخلص المؤمنين من جهنم، كما قال النبى "12لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ." وأنا أقول عنهم "9أَمَا أُعَاقِبُ عَلَى هذَا، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَوَ مَا تَنْتَقِمُ نَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهذِهِ؟" . ويجيب الأحبار قائلين للملكة: ورد فى توراتنا "9بَلْ قَتْلاً تَقْتُلُهُ. يَدُكَ تَكُونُ عَلَيْهِ أَوَّلاً لِقَتْلِهِ، ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ الشَّعْبِ أَخِيرًا." وكذلك "7اِبْتَعِدْ عَنْ كَلاَمِ الْكَذِبِ، وَلاَ تَقْتُلِ الْبَرِيءَ وَالْبَارَّ، لأَنِّي لاَ أُبَرِّرُ الْمُذْنِبَ" ولو أردتِ تسليمنا إياه سنعصب عينيه ونضربه ونرى إن كان سيعلم من ضربه وبم ضربه. وحينئذ يكون لكِ الحق فى إطلاق سراحه وان لم يعرف يكون لنا الحق فى أن نفعل به ما نشاء. فتجيب الملكة قائلة: "ليكن هذا وهذا ما تصنعون." ويأخذ أحبار إسرائيل قطعة من الصوف ويغطون بها رأسه ويحكمونها حول عنقه كى لا يرى. وأخذوا معهم بعضًا من كبار وزراء الملكة وصنعوا دائرة من سبعة شيوخ ووضعوا يسوع فى وسطها؛ وأمسك كل شيخ عصا بيده. واقترب أحدهم ويدعى شمعون وضربه بالعصا ثم كشف آخر وجهه وسألوه من ضربه. فأجاب أن رجلاً يدعى نفتالى هو الذى ضربه. واقترب آخر اسمه لاوى وضربه ولم يعرف يسوع من ضربه فقال له الوزراء: "قد تحدثت بالكذب وكل أعمالك كذب" وعندما رأى يسوع نفسه فى مأزق وأنه يتألم من الضرب أدرك أنه سقط الآن فى يد اليهود وأنهم سيفعلون به ما يشاءون وأنه كان ليختار الموت. فبصق اليهود فى وجهه وضربته النساء بنعالهن. فرفع يسوع عينيه إلى السماء قائلاً: "21خَلِّصْنِي مِنْ فَمِ الأَسَدِ، وَمِنْ قُرُونِ بَقَرِ الْوَحْشِ اسْتَجِبْ لِي" و "16مَنْ يَقُومُ لِي عَلَى الْمُسِيئِينَ؟ مَنْ يَقِفُ لِي ضِدَّ فَعَلَةِ الإِثْمِ؟" لأن النبى قال عنهم "3يَا رَبُّ، أَلَيْسَتْ عَيْنَاكَ عَلَى الْحَقِّ؟ ضَرَبْتَهُمْ فَلَمْ يَتَوَجَّعُوا. أَفْنَيْتَهُمْ وَأَبَوْا قُبُولَ التَّأْدِيبِ. صَلَّبُوا وُجُوهَهُمْ أَكْثَرَ مِنَ الصَّخْرِ. أَبَوْا الرُّجُوعَ" عندما سمعه أتباعه من المؤمنين به حزنوا وبكوا كثيرًا وشدوا شعر رءوسهم ولحاهم. وحكمت الملكة بتسليم يسوع لليهود ليقتلوه لأنه أضَلَّ الشعب والعالم بكذبه بزعمه أنه المسيح وأنه ابن الله فاتبعه المجرمون والأشرار وقالت: "إن كانت لديه قوة إلهية فلينقذ نفسه من القتل". حينئذ عمَّ الفرح فى إسرائيل بدلا من الحزن.
19)أخذ اليهود يسوع إلى طبرية أمام مدخل المعبد وأوثقوا قدميه ويديه وطرحوه أرضًا وأوسعوه ضربًا. وعندما رأى يسوع أنه لا يستطيع أن ينقذ نفسه قال للأحبار: "أليس مكتوبًا فى التوراة ". 5إِذَا رَأَيْتَ حِمَارَ مُبْغِضِكَ وَاقِعًا تَحْتَ حِمْلِهِ وَعَدَلْتَ عَنْ حَلِّهِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ تَحُلَّ مَعَهُ" والآن أعطونى شيئاَ آكله وأشربه. فأعطوه كأسًا مملوءًا بالخل ليشرب. فيقول يسوع لتلاميذه: "الآن تحققت من الآية التى تقول"21وَيَجْعَلُونَ فِي طَعَامِي عَلْقَمًا، وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلاُ" بعدها وضع العامة على رأسه إكليلاً من الشوك ليسخروا منه. فقال لتلاميذه: الآن تيقنت من الآية "22لِتَصِرْ مَائِدَتُهُمْ قُدَّامَهُمْ فَخًّا، وَلِلآمِنِينَ شَرَكًا" فيقوم الفجار ومن آمن به وينضموا إلى التلاميذ الثلاثمئة وعشرة ويحملون السلاح استعدادًا لقتال اليهود. ودارت معركة حامية بينهم. فكان الأب يقتل ابنه والابن يقتل أباه وكانت الغلبة فى النهاية لبنى إسرائيل. فقال يسوع لتلاميذه: "لا تستفزوا الكافرين بى لأن أبى الذى فى السماء قد قضى بذلك وأنا يجب أن أحقق ما قاله النبى " 6بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ." مع هذا فإنى أسامحهم وأعفو عنهم برحمتى لأن النبى قد تنبأ بكل ذلك وأنا أتقبل الآلام بحب. وأريد أن أحدثهم وأقول لهم إننى المقصود بالآية التى تقول: "13هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ، يَتَعَإلى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدًّا" حتى نهاية النبوءة "1رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ" وإن كل ما تريدون فعله بى عرفته من أبى الذى فى السماء قبل مجيئى إلى العالم. كما قال لى أبى الذى فى السماء أن كل ما يفعلونه به من عذاب الموت لا تحاسبهم عليه، وأن كل ما ستفعلون بى كالذى تفعلون بحجر لا يشعر، كما أخبر النبى عنى " لاَ تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي، إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ. إِذَا جَلَسْتُ فِي الظُّلْمَةِ فَالرَّبُّ نُورٌ لِي. فيقبض اليهود على يسوع ويضعونه فى السجن. وعندما يسمع الفجار ذلك يتجمعون ويجهشون بالبكاء حتى سمع صوتهم من بعيد. ثم قاموا بعدها ورجموا اليهود بالحجارة وضربوهم بالسيوف والسهام وحدث اضطراب كبير بين اليهود وفروا من أمامهم وذهب الفجار إلى السجن وكسروا الأقفال وأطلقوا سراح يسوع وأخذوه مع تلاميذه إلى مدينة أنطاكية.
20)فماذا فعل يسوع؟ قال لتلاميذه: "انتظروا هنا لأن أبى ينادينى وسوف أعود إليكم". فخدعهم لأنه رأى أنه لا يستطيع أن يأتى بالمعجزات مستعينًا باسم الرب لأنه تنجس. فذهب إلى مصر ليتعلم السحر، ومكث فيها أيامًا طويلة تعلم فيها السحر ثم عاد إلى أنطاكية على ظهر حماره فاستقبله تلاميذه بفرح شديد وركعوا وسجدوا له، وقال لهم :"هكذا أمرنى أبى الذى فى السماء وهكذا تنبأ بى النبى "9اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ." واستعد للذهاب إلى أورشليم فى وقت ذهاب إسرائيل إلى الحج وتجمع كثير من بنى إسرائيل للذهاب إلى أورشليم واختلط بهم كى لا يعرفوه. وأمر يسوع تلاميذه بأن يرتدوا جميعًا لونًا واحدًا وأن يسيروا جماعة إلى أورشليم كالحجيج. وحلف كل منهم له ألا يكشفوا أمره. ووعدهم بأن يأتى هناك بمعجزات وآيات كبرى. وكان من بين تلاميذه رجل يدعى بابا بن رصيصتا، وكان يعتبر كل أعمال يسوع هراء وخداعًا وكذبًا. ورافقه إلى أورشليم ليلة الفصح وعند وصوله ذهب بابا هذا إلى الأحبار وكشف لهم أعمال يسوع وخدعه. فطلب الأحبار منه أن يسلمهم يسوع ووعدوه بأن يرفعوا مكانته بينهم. فقال لهم: "هو الآن فى أورشليم وقد استحلف تلاميذه ألاَّ يكشفوا أمره لأى إنسان. فقال بابا للأحبار إنه سيسجد ليسوع إشارة له كى يعرفوه. وهذا ما فعل. تجمع الأحبار فى أورشليم كما يتجمع الحجبج القادمون للاحتفال بعيد الفصح فى هدوء شديد، ونظروا فوجدوا الفجار جميعًا يرتدون لونًا واحدًا ولا يتميزون عن بعضهم البعض لكنهم، فجأة، رأوا بابا يأتى ويسجد أمام يسوع. حينئذ انقض الأحبار عليه وقالوا: "أنت يسوع المحرض المخادع بقولك إنك المسيح ابن الله. فأين آياتك ومعجزاتك؟ فارتجف ووقف كالأصم الذى لا يسمع والأخرس الذى لا يتكلم. وعندما رأى الفجار ذلك سارعوا إلى قتال الأحبار وإنقاذه كما فعلوا أول مرة. لكنهم لم يستطيعوا لأن اليهود فى هذه المرة كانوا أكثر عددًا كما هى العادة فى أيام الحج. وعندما رأى يسوع أنه لا يستطيع الفرار قال لتلاميذه: "قد قلت لكم إن ذلك سوف يحدث، والآن لماذا تقاتلوهم وقد كُِتب عنى " لأننا من أجلك نُمات اليوم كله. قد حُسِبْنا مثل غنم للذبح" والتوراة تصرخ أمام الرب الذى فى السماء "... وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ،..." . وبكى التلاميذ بكاءً شديدًا وقاموا بأعمال سحر لكنهم لم يستطيعوا تخليصه من أيدى اليهود. علم يسوع أنه سيموت رجمًا بالحجارة. وكان ذلك مساء السبت. قال الأحبار لنصلبه ونحقق ما قيل " فَتَنْزِعُونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ" فأخذوه وشدوا وثاقه وأحضروه أولاً إلى بيت الرجم ورجموه بالحجارة فمات. وفى المساء صلبوه على شجرة، لكن الشجرة لم تقبله (لأنها حلفت ألا تقبل جثمان يسوع). وهكذا كان مع بقية الشجر حيث تحطم تحته. وعندما رأى التلاميذ هذه الآية، أى عجز الشجر عن حمله، اشتد إيمانهم بيسوع وقالوا إن هذا دليل على مكانته وعلى أنه ابن الله. وكان من الأحبار رجل يدعى يهوذا بن برتوتا ويكنى بيهوذا البستانى وكان له بيت وحديقة؛ وفى الحديقة لوح خشبى كبير لكنه ليس شجرة. قطع يهوذا اللوح وصلبوا يسوع عليه وظل على الصليب حتى صلاة العصر. وكان الفتية والفتيات يلقون عليه التراب ويرمونه بالحجارة. وفى المساء أرسل اليهود من ينزله عن اللوح الخشبى عملاً بالوصية " فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلاَ تُنَجِّسْ أَرْضَكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا." ودفنوه خارج المدينة. وبكى الفجار وتلاميذه على قبره.
21)تشاور الفجار فى أمر رفع جثمان يسوع ودفنه فى مكان آخر ثم القول بأنه صعد إلى السماء كما وعدهم فى حياته. فإذا بيهوذا البستانى يمر من هناك ويسمع حديثهم. ولكى يحبط مخططهم حفر قبرًا فى حديقته وخرج ليلاً وأخرج جثمان يسوع من قبره ووضعه فى القبر الذى فى حديقته ورشَّ الماء فوق القبر كى لا يعرفوا مكانه. وذهب الفجار لأخذ جثمانه وفتحوا القبر فلم يجدوه إذ نقله يهوذا البستانى منه. فقال الفجار: "الآن أيقنَّا أن يسوع ابن الله وأنه المسيح وأنه صعد إلى أبيه فى السماء. والآن سننتقم من الأحبار". وذهبوا من فورهم إلى الملكة وقالوا: "مولاتى الملكة؛ هاهو ابن الله الذى جاء بالآيات والمعجزات وأحيا الموتى فى حياته، يثبت أيضًا بموته أنه قام من قبره وصعد إلى السماء وحقت عليه الآية التى تقول "15إِنَّمَا اللهُ يَفْدِي نَفْسِي مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ لأَنَّهُ يَأْخُذُنِي. سِلاَهْ" وقتله اليهود اعتقادًا منهم بأنه نبى كذب. والآن لتتفضل الملكة بطلبه من اليهود وإن لم يأتوا به أمامك حيًا أو ميتًا يعاقبون بالموت أو الغرامة وأن يقدم كل واحد منهم وزنه فضة". فأرسلت الملكة فى طلب الأحبار وقالت لهم: "ماذا صنعتم فى من ادعيتم أنه نبى كذب؟ فأجابوا بأنهم قتلوه رجمًا بالحجارة وصلبوه تنفيذًا لأحكام الشريعة. فقالت لهم: "ماذا فعلتم به بعد أن صلبتموه؟ قالوا: دفناه. فقالت: إذهبوا إلى قبره وانظروا إن كان جثمانه به، فأتباعه يقولون إنه صعد إلى السماء وإن جثمانه ليس فى قبره". وأرسلت الملكة رجالاً مخلصين مع الأحبار فى طلبه وجاءوا إلى قبره فلم يجدوه فعادوا إلى الملكة وقالوا "لم نجده". حينئذ صدَّقت الملكة كلام الفجار بأن يسوع ابن الله وأنه قام من قبره وصعد إلى السماء. وقالت الملكة للأحبار لكنكم أذنبتم بقتل ابن الله. فقالوا لها: أمهلينا خمسة أيام للبحث عنه، فأمهلتهم.
22)ساد فى ذلك الوقت الحزن الشديد فى بنى إسرائيل وفرح الفجار كثيرًا. وعندما اقترب اليوم الخامس ولم يجدوا يسوع فرَّ كثير منم تاركين المدينة خشية العقاب ومطاردة الفجار. كما ترك الحبر تنحوما المدينة وظل يتنقل من فوق أسطح البيوت باكيًا قلقًا على حياته. فإذا به يجد يهوذا البستانى يأكل من حديقته ويشرب فى جذل وفرح. فسأله الحبر تنحوما: "ألست يهوديًا؟! لم لم تهرب وقد عم الحزن الجميع؟ فأجابه رابى يهوذا: "أنا لم أسمع بذلك. وما السبب؟ فقص عليه الحبر تنحوما ما حدث. وعندما سمع ذلك قال له إن جثمان يسوع مدفون فى حديقته وإنه أخرجه من قبره لأنه خشى أن يسرقه الفجار ويدفنوه فى مكان آخر ويقولون إنه صعد إلى السماء. فأسرع تنحوما إلى الشيوخ والأحبار وقال لهم: "أبشروا فقد وجدنا جثمان يسوع فى حديقة يهوذا". فهرع الجميع إلى بستان يهوذا البستانى وقالوا له: اعطنا جثمان يسوع. فقال لهم: "لن أعطيكم إياه لأننى سأبيعه بثلاثين قطعة فضة". فأعطوه الفضة وذهبوا إلى قبره وفتحوه وأخرجوه وربطوا قدميه بالحبال وجروه فى أسواق أورشليم حتى وصلوا إلى الملكة هيلانا وقال لها شيوخ إسرائيل: "هاهو ذا يسوع الذى زعم الفجار إنه صعد إلى السماء" وحكوا لها ما كان من أمره. ورأت الملكة أن الأحبار صدقوا عندما قالوا إنه نبى كذب ومحرض ومضل؛ فوبخت الفجار وأثنت على الأحبار. فطلب الأحبار بأن تسمح لهم الملكة بمحاكمة الفجار كما فعلوا بيسوع. فأذنت لهم الملكة بأن يفعلوا بهم ما يشاءون. فقتلوا منهم الكثيرين وفر البقية إلى الممالك الأخرى حيث شرعوا فى الدعوة لعقيدتهم.
القصة الثانية
5)عاش بنو إسرائيل أيامًا عانوا فيها تحت وطأة الحكام الطغاة، كما أذاقهم الأمراء مرارة العيش، وذلك فى عصر حكم مملكة روما (المملكة الظالمة وكل أمرائها والعاملون فيها ظالمون) ليهوذا. وفى ذلك الصيف استغاث بنو إسرائيل بربهم ليخلصهم من هذه النوائب وقضوا كثيرًا من أيامهم صائمين مصلين زاهدين فى كل مباهج الحياة وانصب اهتمامهم على الله أملاً فى أن يخلصهم وأن يأتى المسيح وتمنوا كل يوم مجىء الملك الذى يخلصهم من كل شر إذ تمت فى ذلك الوقت السبعين سنة التى قال بها دانيال: «24سَبْعُونَ أُسْبُوعًا قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِالْبِرِّ الأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ. 25فَاعْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبِنَائِهَا إلى الْمَسِيحِ الرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعًا، يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ الأَزْمِنَةِ." لذا كان من السهل على أى امرء أن يدعى أنه نبى وأنه المسيح. وظهر فى هذه الأيام رجل من إحدى بلدات الأردن يدعى يوحنا ويكنى بالمعمدان. كان يوحنا من الزاهدين فى مباهج الحياة؛ وكان يلبس وبر الجمال، وكان طعامه الجراد وعسل الغابات. كان يدعو إلى التوبة وتوجه إليه الناس من أورشليم ويهوذا فكان يعمدهم فى نهر الأردن ويعترفون له بذنوبهم. كان هناك فى ذلك الوقت فى الناصرة فى أرض الجليل رجل اسمه يوسف بنديرا وامرأته مريم. وكان القيصر أغسطس أمر بإحصاء سكان الأرض. فذهب سكان يهوذا والجليل إلى أورشليم ليتم إحصائهم فيها. سار يوسف وزوجته الحبلى من الناصرة وبلغا بيت لحم فى يهوذا. وهناك اكتملت شهور حملها فوضعت ابنها الأول فى مذود الإبل إذ لم يكن هناك مكان يسكنونه. سمى يوسف ابنه يسوع. وحدث بعد أيام عدة أن قام وأخذ زوجته وابنه وتركوا مدينة أبائه حتى بلغوا الإسكندرية فى مصر ومكثوا فيها فترة طويلة.
6)ويأتى يوم يرحل فيه يسوع عن الإسكندرية إلى أورشليم حيث المقدس وحجر الأنبياء الأوائل والذى كان يعرف باسم "السقاء". وعلى هذا الحجر نقش اسم الله الذى ان اطلع عليه أحد الناس وأدرك سره يستطيع أن يحيى الموتى وأن يفعل كل ما يحلو له. وعندما كان يسوع فى أورشليم نسخ الكلمات على ورقة وأتى بالكثير من المعجزات أمام الناظرين حتى جمع حوله كثيرًا من عامة الشعب فى إسرائيل. وتكلم قائلاً: "كيف يقول من يعرفنى إنى ابن يوسف بنديرا؟! الله أبى وأنا ابنه؛ وأمى لم تلدنى من علاقة مع رجل. وقال داود عنى: "7إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ" . فأجابه المؤمنون: "أرنا آية على أنك ابن الله وسنسجد ونشكر لك". فأمر بأن يأتوه برجل كسيح لم تطأ قدماه الأرض من قبل. ويقول: "ها أنتم ترون بأعينكم أن هذا الرجل كسيح وسأشفيه أمامكم". وأخذ يتمتم بكلمات بصوت خافت فإذا بالكسيح ينهض قائمًا على قدميه كسائر الناس. ثم أتوا إليه برجل أبرص من قدميه إلى رأسه ففعل له كما فعل بسابقه؛ فيبرئه من برصه. حينئذ قال له من تجمعوا حوله: "حقًا أنت ابن الله" وخروا له ساجدين. ويطوف يسوع الجليل ويعظ فى دور العبادة ويشفى المرضى. فذاع صيته فى بلاد الشام وتوافد عليه المرضى والمعاقون فيشفيهم، فيتبعه الناس من الجليل ومن أورشليم ويهوذا وعبر الأردن وكان يتبعه كل يوم كثير من الناس (ممن يحبون حياة عدم الالتزام). سمع بنو إسرائيل بهذا فخافوا وأرسلوا إليه رجالاً يتعقبونه ويعرفون مكنونه. وجاءه الرجال وسألوه قائلين: "بأمر من تفعل هذا كله؟ فيجيبهم: "بأمر أبى الذى فى السماء الذى أرسلنى". فيعود الرجال ليحكوا ما أخبر به. حينئذ خاف كبار أحبار إسرائيل وأخذتهم الرجفة لما سمعوا؛ إذ كان أتباعه يزدادون يومًا بعد يوم واشتعلت نار الفتنة ولا تجد من يخمدها.
7)سار ذلك الرجل وأتباعه فى الجليل الأعلى وازدادوا قوة. فأرسل أحبار إسرائيل يدعون أتباعه قائلين: "أسرعوا إلى يسوع وقولوا له: "سمعنا عنك من الرجال الذين أرسلنا إليك فى الجليل الأعلى. والآن تعال إلينا كى نبجلك". وعندما سمع يسوع هذا الكلام مثل أمام أحبار إسرائيل. وقبل أن يأتوا إليه طلب الأحبار من ربهم أن يكشف لهم أمر ذلك الرجل. فاستجاب لهم ربهم فعرفوا أن ذلك الرجل (يسوع) اطلع على الاسم (اسم الله) وبه يفعل ما يفعل. فاتفقوا على أن يسمحوا لأحد الأحبار أن يطلع على الاسم وأن يحارب ذلك الرجل وأتباعه. فاختاروا رجلاً يدعى يهوذا وأمروه بأن يفعل ما يقولون له. وعلى الفور دخل يهوذا قدس الأقداس واطلع على اسم الله. وجاء يسوع فى أتباعه وجاء الأحبار وأتباعهم. جلس الأحبار أمام يسوع وأتباعه. حينئذ بدأ ذلك الرجل حديثه قائلاً للأحبار: لقد قال عنى موسى: "15«يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ" فيجيب الأحبار قائلين: "ليست هناك آيات ولا أى شىء لأننا سبق أن حُذِّرنا من ذلك: "3فَلاَ تَسْمَعْ لِكَلاَمِ ذلِكَ النَّبِيِّ أَوِ الْحَالِمِ ذلِكَ الْحُلْمَ" فيبسط ذلك الرجل ذراعيه فيرتفع عن الأرض كالنسر وترى الناس ذلك فتعمهم الدهشة ويقول كل واحد لأخيه: "أليس هذا ابن يوسف الأصم من الناصرة الذى عرفناه؟! أليست أمه مريم وأخوته يعقوب وشمعون ويهوذا وكل أخوته معنا؟! من أين له بكل هذا؟ فأشار الأحبار على الفور إلى يهوذا فانطلق خلفه وارتفع عنه وأمسكه وأسقطه أرضًا فوقف ذلك الرجل (يسوع) ليردد الاسم ليحلق مرة أخرى ويُسقِط يهوذا على الأرض. وعاودا ذلك مرات ومرات ولم يتغلب أى منهما على الآخر. ثم يحلق يهوذا كما فعل أول مرة؛ فيتبعه ذلك الرجل فيبول يهوذا عليه ويسقط كلاهما على الأرض. فيمسك الأحبار بذلك الرجل من رأسه ويصيحون قائلين: "إن كنت ابن الله حقًا فأرنا آياتك" ويحاول ذلك الرجل أن يأتى لهم بآيات فلا يستطيع.
8)فأخذوه على الفور ووضعوه فى سجن طبرية ويجتمع أتباعه أمام السجن ويحاولون بالخداع أن يطلقوا سراحه فلا يستطيعون. فخضعوا للأحبار وكذلك خضع ذلك الرجل قائلاً: "ها أنا بين أيديكم، فافعلوا بى ما شئتم". ووقف هناك مقيدًا يومًا وليلة حتى منتصف الليل. وحدث هرج كبير بين تلاميذه وبدأوا يصيحون ضد الأحبار. وفى تلك الأثناء يفلح ذلك الرجل فى الهرب من السجن. وجاء أتباعه قبل عيد الفصح وكان عيد الفصح فى ذلك العام فى يوم السبت فيقول لتلاميذه: "تعالوا نصعد إلى أورشليم!" ويقومون جميعًا للذهاب إلى أورشليم ويركب الحمار وعند وصولهم أمام بوابة المدينة تجمع حوله كثير من أتباعه وسجدوا له وقالوا: "مرحبًا بك باسم الرب" فيقول لهم: "لقد تنبأ بى النبى "9اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" . ويأمر يسوع أتباعه بأن يرتدوا جميعًا ثيابًا بيضاء متشابهة حتى لا يميزون بعضهم من بعضهم واستحلفهم جميعًا بالوصايا العشر بألا يكشفوا أمره. ففعلوا ما أمرهم به وارتدوا ثايبًا بيضاء من أقدامهم حتى رءوسهم. لبسوا هذه الملابس فوق ملابسهم وجاءوا إلى المدينة وسار يسوع إلى بيت شمعون الأبرص فى بيت هينى خارج المدينة ليبيت عنده. وفى اليوم التالى دخل مع أتباعه وسط القادمين إلى أورشليم للاحتفال بعيد الفصح. وعندما رآهم الأحبار أدركوا أنهم أتباع يسوع وأنه لابد أن يكون فيهم. فخرجوا إلى أبواب الهيكل كى لا يهرب منهم وحتى يتعرفوا عليه ويقبضون عليه حيًا. وبحثوا عنه لكنهم لم يعرفوه. وكان من بين رجال يسوع رجل اسمه يهوذا الإسخريوطى، لم تكن عقيدته راسخة وكان يرغب فى أن يسلمه إلى الحراس ليقبضوا عليه ليرى كيف تكون نهايته. جاء الرجل سرًا إلى أحد الحراس وقال له: "أنا من أتباع يسوع وهو بيننا وأريد أن أسلمه لكم لكن كى لا أخون العهد الذى عاهدته به سأفعل الأتى: عندما أمُرُّ أمام يسوع سوف أطأطئ رأسى أمامه كما لو كان احترامًا له؛ فيكون ذلك الرجل هو يسوع فافعلوا به ما شئتم، وأكون أنا بريئًا أمام الله وأمام إسرائيل"!. وفعل يهوذا ما قال. فمر أمام ذلك الرجل وطأطأ رأسه فلاحظ الحارس ذلك وأعطى الإشارة للأحبار فأتوا فجأة وأمسكوا به قائلين: "أأنت مفسد بنى إسرائيل؟ أرنا آياتك ومعجزاتك وكيف ستنجو من أيدينا؟" فخاف ذلك الرجل من الأحبار وأراد تلاميذه أن يخلصوه ولكنهم لم يستطيعوا. علم ذلك الرجل أن الأحبار ينوون قتله فقال: قال عنى داود: "22لأَنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ." وقيل عنكم "10فَقَالَ: «قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا»" لكنهم لم يريدوا قتله وأمروا بتقديمه للمحاكمة وفكروا فى الحكم عليه بالرجم لما ورد فى التوراة: "10تَرْجُمُهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ، لأَنَّهُ الْتَمَسَ أَنْ يُطَوِّحَكَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ." وأن يعلقوه بعدها على شجرة وفقًا لما ورد فى المشنا "كل مرجوم يعلق" ونادى المنادى فى أورشليم وخارجها بأن "يسوع بن يوسف بنديرا الناصرى سيرجم لتضليله إسرائيل وسيعلق بعدها على شجرة". ولم يكن الموت بالنسبة لذلك الرجل أمرًا مهمًا مثلما كان لدى تلاميذه الذين يشاهدون مسيحهم يُرجَم. فيقول بصوت مسموع: "سأسعد لأنى سأجد قبرًا؛ حينئذ سيظهر ملكوتى للعالم كله. وهذه آية لكم؛ فبعد ثلاثين يومًا من دفنى تأتون إلى قبرى ولن تجدونى لأنى سأصعد لأجلس على يمين أبى الذى فى السماء". ويأمر الأحبار بربطه إلى عامود ويظل كذلك حتى اليوم التالى لإنهاء محاكمته. ويجتمع كثير من أتباعه وينقضون على حاكم السجن ويطلقون سراحه ويهربون به ولا يطاردهم أحد. فيسرع ذلك الرجل قائلاً: "أنزلونى إلى البئر لأطهِّر نفسى مما حدث بالأمس. فينزل ويغطس ويأمرهم جميعًا بالنزول والغطس مع توخى الحذر من أن يكون الأحبار فى أثره. فيفعلون ما أمرهم. وعندما غطس بدأ "اسم الرب" فى العمل كما كان فى السابق. فقال لأتباعه: "أنظروا الآية التى سآتى بها أمامكم ولينظر مبغضىَّ وليخجلوا لأن الرب مدَّ لى يدًا". وأمر بأن يأتوه بحجر وألقاه إلى جوار نهر الأردن. وكان هذا الحجر ثقيلاً يحمله ثلاثة رجال. وجلسوا جميعًا على الحجر، وكانوا حوالى خمسة آلاف بالإضافة إلى النساء والأطفال. فيسير الحجر على سطح الماء. ويأخذ خمسة أرغفة من الخبز ويعطيها لتلاميذه فيقدمها التلاميذ إلى الشعب ويأكلون جميعًا ويشبعون ويملأون من الفتات المتبقى اثنتا عشرة سلَة. كما همس إلى البحر فإذا بثياب جميلة تخرج منه . فعندما خرج من الماء كان يستطيع أن يفعل ما يريد مستعينًا بـ "اسم الرب". ودعا تلاميذه وأعطاهم السلطة على الأرواح النجسة لطردها ومداواة المرضى. وعندما سمع الأحبار أن قوته عادت إليه ندموا على تلكؤهم فى محاكمته وتشاوروا فيما بينهم فى وسيلة يقبضون بها عليه ثانيةً. وأرسل الأحبار إلى يهوذا الإسخريوطى قائلين: "لك ما شئت إن سلمته لنا" فيقول يهوذا: "سأفعل ما تريدون". ويعطيه الأحبار ثلاثين قطعة فضة. ثم ذهب الأحبار إلى المكان الذى يسكن فيه يسوع وأتباعه عبر نهر قدرون. وعند وصولهم يمسك به يهوذا من عنقه ويصيح قائلاً هاهو مسيح الله إياه نعبد لأنه أبونا وملكنا، ويحتضنه ويقبله. وعندما سمع خادمو الكهنة والأحبار الذين وقفوا هناك بالمشاعل والسلاح صاح يهوذا قائلاً إنه هو فانقضوا عليه بكامل قوتهم وقيدوا يديه وساقيه وأتوا به إلى أورشليم هو وأتباعه جميعًا. وسأله الكاهن الأكبر: "هل أنت المسيح؟" فأجاب "أنا هو. وستجدونى أجلس إلى يمين الله القهار قادمًا مع سحاب المجد!" فيحبسوه ويرسلوه إلى الحاكم بيلاطس. وسأله الحاكم: "أأنت ملك اليهود؟" وكان ذلك بعد أن أخبر الأحبار بيلاطس بكل أعماله، ولم يحر يسوع جوابًا. وعندما علم بيلاطس أنه من الجليل التابعة لحكم هيرودس أرسله إلى هيرودوس الذى كان فى أورشليم فى ذلك اليوم. فيوبخه هيرودوس ويحقره ويلبسه ثوبًا كلباس الملك ويعيده إلى بيلاطس. ويأخذه جنود بيلاطس إلى المحكمة ويجردونه من ثيابه ويلبسونه لباسًا أرجوانيًا ويصنعون إكليلاً من الشوك ويضعونه على رأسه ويخرُّون له ساجدين قائلين: "سلام لك يا ملك اليهود". ثم يبصقون عليه ويأخذون عصًا ويضربونه بها على رأسه. ويسخرون منه ويجردونه من ثيابه الأولى ويجرونه كى يصلب ويكتبون تهمته ويضعونها فوق رأسه باللغات اليونانية والرومية والعبرية: "هذا يسوع ملك اليهود". وظلَّوا أربعين يومًا يرددون "يسوع الناصرى سيرجم لأنه أضل إسرائيل. وكل من عرف له فضيلة فليأت ليعرف حقيقته". ... وكان ذلك عشية عيد الفصح. ثم أخذوه إلى بيت الرجم ورجموه بالحجارة فمات. وفى الساعة الثالثة بعد الظهر صلبوه على شجرة؛ وعند الغروب أنزلوه ودفنوه خارج المدينة. حين تذكر الأحبار كل ما قاله ذلك الرجل فى حياته، من أنه سيقوم من قبره بعد ثلاثة أيام ويصعد إلى السماء ويجلس عن يمين أبيه، قالوا: ربما أخرجه تلاميذه من قبره كى تصدق أقواله التى قالها فى حياته". فأسرع أحدهم وذهب مع الذاهبين إلى قبره وتصنع البكاء والنحيب طوال الليل. وفى الصباح، وبعد انصراف أتباعه، يتظاهر بأنه ذاهب معهم ثم يعود إلى القبر ويخرج جثمانه ويأخذه إلى بستانه ويدفنه فيه. ولم يكشف ذلك لأحد حتى لزوجته وأولاده. وذهب تلاميذ ذلك الرجل إلى القبر فوجدوه مفتوحًا والميت غير موجود فيه ففرحوا فرحًا كبيرًا وقالوا: "ها هى أقوال مسيحنا واضحة وحقيقية لأنه صعد إلى السماء ليجلس عن يمين أبيه كما قال. وسيكون الخزى من نصيب الأحبار الآن وستشحب وجوههم وتأكدنا الآن أنه مسيح الله". ويجتمعون ويذهبون إلى بيلاطس قائلين: "اتضح الآن أن الأحبار كذبوا فى شأن مسيح الله، فأرسل معنا، فقد قال أنه سيصعد إلى السماء فى اليوم الثالث للجلوس إلى يمين أبيه، وهذا ما حدث، فقد صعد وقبره مفتوح". أرسل بيلاطس إلى الأحبار والسنهدرين فحضروا أمامه وقال لهم: "أجيبونى، إن نبيكم الذى قتلت بناء على طلبكم قال إنه سيصعد إلى السماء، وهكذا فعل". فأجابه أحد الأحبار: "كذب لأن جثمانه فى بستانى". فقال له بيلاطس: «ائتنى به». فدخل الأحبار على الفور إلى بستانه وأخرجوا جثمان يسوع وعادوا به إلى بيلاطس. فقال لأتباع يسوع: "ها هو قد عاد مسيحكم من السماء وهو ملقى أمامكم فانظروا إليه ربما كان نائمًا وسيستيقظ". ففر أتباعه عندما رأوه واختبأوا فى الكهوف وأخذوا يتنقلون من مدينة إلى أخرى وواجهوا كثير من المتاعب فى كل مكان حلوا به.
القصة الثالثة
(...وعاشت فى أورشليم) فتاة عذراء غير متزوجة اسمها مريم. وكان للعذراء مريم أموال وثروة كبيرة. وكان جارها شابًا اسمه يوسف بندراى؛ وكان بيته أمام بيت مريم. كان ليوسف ثروة كبيرة وعمل كثير؛ وكان من عائلة وضيعة. يتعلق الفتى يوسف بمريم ويهيم بها حبًا. وكان يمر يوميًا ببيت العذراء ليشغل قلب الفتاة كى يتزوجها ولم تكن الفتاة تعيره انتباهًا لأن قلبها لم يكن مشغولاً به وكانت راغبة عن الزواج منه ... وكان فى ذلك الوقت فى أورشليم فتى من أثرياء اليهود اسمه يوحنا ... وكان من نسل بيت داود. فزوجت الملكة هيلانا قريبتها مريم من الفتى يوحنا. فخطب الفتى يوحنا العذراء مريم وتزوجها وفقًا لشريعة موسى وبنى إسرائيل. وعندما رأى يوسف الشرير أنه لم يتزوج مريم وأنها تزوجت من شخص آخر اشتعلت نار الشوق فى صدره ومَرِض من فرط حبه مريم العذراء. وترى أم يوسف المرض يشتد بابنها وأنه شارف على الموت. فتدعو أقرباءه ومحبيه لينصحوه وينقذوه من مُر هذا الموت. ويتشاورون جميعًا ويجمعون على أمر واحد: "سيعيش إبنك إن فعلتِ ما نشير به عليك. أقيمى حفلاً للشراب فى بيتك وادعِ كافة أفراد عائلتك إلى شراب تعدينه كما تدعين العذراء مريم ونقول أمام الحاضرين إنها جارتك. وبعد أن تأكل وتشرب يمسك بها ابنك ويفعل بها ما يشاء. أليس ذلك بالأمر الهين! وبه تحيا نفسه من جديد".
يستحسن يوسف وأمه الأمر ويفعلون ما أشير عليهم به ... فينهضون للضحك والرقص مع مريم ويأتى إليها الشيطان يوسف ليرقص معها والناس كلهم وقوف رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، ويغادرون جميعًا البيت ولا يبق من أحدٍ سوى الشرير يوسف ومريم العذراء كى ينجسها. وتتلفت مريم حولها فلا تجد أحدًا ينقذها من بين يديه. فأمسكها من ثيابها وهم بأن يأخذها إلى الغرفة ليعتدى عليها ويشبع شهوته. فتصرخ وتترك ثيابها عنده وتلوذ بالفرار ... وعندما أدرك أن ما قام به وما فكر فيه محتقر فى إسرائيل مرض مرضًا شديدًا ... وقالت له أمه: "لماذا شحب وجهك هكذا؟ والآن اصنع يا بنى وستشفى من مرارة الموت. خذ هذا المال فى يدك واذهب إلى يوحنا واجلس معه شهرًا أو بضعة أيام وادرس معه كل ما يدرس. عهدى بك أن قلبك كبير. ويتعلم يوحنا ويصادقك وتصادقه دون أن تلتفت يمينًا أو يسارًا. وفى كل شهر وفى كل سبت يزور يوحنا بيت خطيبته ليقبل يديها ويباركها بتحية السبت. اذهب معه إلى بيت مريم حتى تسنح لك الفرصة يوما فتشبع رغبتك منها، ويستحسن يوسف الشرير ذلك ....
(بعد أيام طويلة) يأتى يوسف إلى بيت يوحنا ليدعوه إليه إلى داره لعشاء أعده لأصدقائه فى ذلك السبت. وذهب يوحنا مع صديقه يوسف للعشاء الذى أعده يوسف ... فيأكلان ويشربان حتى منتصف الليل وأمامهم خمر كثير. ويشرب يوحنا كثيرًا من الخمر فيسكر وينام فى بيت يوسف ولا يدرى بنفسه. وكانت ليلة ممطرة وأخذت أصوات الرعد والريح تدوى فيها طوال الليل.
دخل يوسف من نافذة بيت مريم إلى الغرفة التى تنام فيها وحدها وتظاهر بأنه يوحنا خطيبها وطرق الباب قائلاً: ... "افتحى لى يا زوجتى؛ فقد ابتل رأسى بالمطر وأخشى أن أصاب بالرعد والبرق فأموت. أنا من بيت يوسف وكنت ذاهبًا إلى دارى فأعاقنى المطر فأتيت إلى دارك لأستريح حتى يطلع الصبح. ربما توقف المطر فأعود إلى دارى". فنزلت مريم إليه وفتحت له نافذة الغرفة وقالت له: "فلتبت هنا الليلة". وبهذه الخدعة دخل يوسف إلى بيت مريم وهى لا تدرى بخديعته واعتقدت أنه يوحنا خطيبها. وفى ظلمة الليل يسرق يوسف قلب مريم دون أن يخبرها أنه يوسف ويقف فى زاوية الغرفة ووجهه إلى الحائط كما لو كان يصلى ولا يتوقف عن الكلام معها. وفى أثناء ذلك ينقض على مضجعها فجأة ويحتضنها ويقبلها. وتخاف مريم وتقول: "أنظر ما فعلت أمام الله وتوراته . باشرت إمرأة حائضًا كما لو كان ذلك أمرًا هينًا". فيقول: "زوجتى حبيبتى؛ هل تعتقدين أنى قصدت أن أستهزئ بوصايا الرب كبيرة كانت أم صغيرة! لتعلمى أنه اليوم قد سنت شريعة جديدة فى بيت هامدراش تقول بأن "الخطيب مسموح له خطيبته حتى فى أيام الحيض". فتصدقه ... لأنها تثق فى خطيبها يوحنا وأنه لن يخطئ ولن يغضب الرب. ويأتيها وينام معها فى فراشها طول الليل .... وعند الفجر قال لها "سأعود إلى بيتى" فتقول "إذهب فى سلام كى لا يعلم أحد أنه جاء إلى أحد ليلاً. يعود يوسف إلى بيته سعيدًا بعد أن أشبع رغبته منها ونفذ مكيدته. ويوقظ يوحنا من نومه ويذهب يوحنا إلى بيته ولا يعلم من صديقه يوسف شيئًا مما فعل بخطيبته....
اتضح بعد ثلاثة أشهر أن مريم حملت وكبرت بطنها ويتحدث الشعب عن يوحنا ومريم قائلين: "لقد غش يوحنا خطيبته وها هى حبلى». وأصبح يوحنا ومريم حديث الناس. وعندما سمع يوحنا أن الناس تتحدث عنه بسوء جاء إلى معلمه الحبر شمعون بن شطاح باكيًا متوسلاً (والمعلم الذى علم بفعلة يوسف ينصح يوحنا بترك البلاد). وهرب يوحنا وذهب إلى بابل.... ولمَّا رأى يوسف الآثم أن مؤامرته نجحت وأن يوحنا هرب رغمًا عنه من البلاد قال فى نفسه: "حان وقت الغناء؛ فيوحنا غير موجود والآن وقت إشباع الرغبات والاستمتاع بمحبوبتى مريم". فجاءها وفتحت له قائلة: "يوحنا غير موجود فى البيت فتعالى إلى وأشبع كل رغباتك" ومنذ ذلك الوقت سلَّمت له نفسها ولكل من رغب فيها مثلها مثل الزوانى فى كل زمان ومكان.
وأتمت شهور حملها التسعة فذهبت إلى بيت لحم وجلست فى المذود وولدت ولدًا. وجاءت بهذه الحشرة بعد ثمانية أيام أمام الأحبار كى يختنوه وقالت إنها ولدت ولدًا دون أن تضاجع رجلاً لكنهم لم يصدقوها ولم يستمعوا إلى أكاذيبها. وختنوه وسمَّوه يسوع كى يكون اسمه غريبًا بين الناس ويتتبعوا أعماله ويعرفوا من أين جاء ويعلم الجميع أنه ابن زنا وأن اسم "يسوع" اختصار الكلمة العبرية "ليمحى اسمه وذكره יימח שמו וזכרו"، وكبرت هذه الحشرة.
وحدث أن كبر الفتى يسوع وأخذته أمه مريم (ليمحى اسمها יימח שמה) إلى بيت مدراش الحبر يهوشواع بن براحيا وقالت له: "هذا ابنى الذى ولدته من يوحنا الذى كان خطيبى وضاجعنى ونحن ما زلنا مخطوبين". فيصدقها الحبر يهوشواع ويجلسه أمامه. وكان الصبى يفوق سائر التلاميذ فى حكمته حتى أصبح مع الأيام تلميذًا نجيبًا فى كثير من أمور الشريعة؛ وأحبه الجميع وكذلك معلمه ...
وحدث ذات يوم أن كان معلم يسوع واقفًا يصلى من أجل شعبه فجاء الشرير (يسوع) ووقف وراء معلمه وصاح كالحمار قائلاً: "ليتهم يتخذوننى إلهًا". وينظر معلمه وراءه فيجد الشرير (يسوع) واقفًا فيقول له: "أيها الشرير كيف ترفع عينيك وقلبك كالإله؟ لن تموت إذن كسائر البشر؛ بل ستسقط كما يسقط الأشرار ولن تقوم لك قائمة ولك سوء الخاتمة وبئس المصير".
-----------
أفيجدور شنئان
ترجمة/ عمرو زكريا
تعليق