تحقيق حول الشعب اليهودي ترجمة : فؤاد بوعلي

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Fouad_Bouali
    عضو منتسب
    • Jun 2007
    • 26

    تحقيق حول الشعب اليهودي ترجمة : فؤاد بوعلي

    تحقيق حول الشعب اليهودي<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-comfficeffice" /><o></o>
    مقدمة المترجم :<o></o>
    هل شكل ويشكل اليهود شعبا ؟ لهذه الإشكالية القديمة والحديثة يطرح المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند في كتابة “كيف تم اختراع الشعب اليهودي ؟“، إجابة جديدة تشكل زلزالا في نمط التفكير الصهيوني لقضية الدولة اليهودية . فالشتات لم يكن نتيجة لطرد اليهود من فلسطين كما تدعي الرواية الصهيونية الرسمية ولكن نتيجة التحول إلى أديان أخرى خاصة المسيحية والإسلام. وهذا ما يزلزل الأطروحة الصهيونية القائلة بأن اليهود قد حافظوا على انتمائهم إلى سلالة داوود ولم يتحولوا دينيا . كما يذهب شلومو ساند المؤرخ الإسرائيلي إلى أن الأطروحة الصهيونية قد بنيت على أساطير تاريخية أهمها أسطورة الشعب الصهيوني . <o></o>
    <o> </o>
    كيف تم اختراع الشعب اليهودي ؟ عنوان الكتاب الجديد لشلومو ساند الذي أثار نقاشا كبيرا في إسرائيل . فاليهود ، يؤكد المؤرخ ، لم يجبروا على المنفى بعد هدم هيكل القدس في 70 ميلادية . فالعديد منهم تحولوا إلى المسيحية ثم الإسلام، كما أن اليهودية كانت ديانة تبشيرية . والنتيجة أنه لا يمكننا الحديث عن (شعب يهودي) . شلومو ساند ، مناضل يساري يرغب في أن يعرف باعتباره إسرائيلي من أصل يهودي ، مؤيد للتقارب مع الفلسطينيين ، ولا يخشى النقاش . استقبل مؤلفه المنشور في ربيع2008 ، في نهاية الأمر بشكل جيد . في فرنسا، عرف الكتاب النور في شهر سبتمبر 2008 وكوفئ بجائزةaujourd’hui . ويعتبر من بين المبيعات الثلاثين الأفضل في التاريخ خلال سنة 2008 . (التاريخl’histoire ) نظمت لقاء بين شلومو ساند وثلاثة مؤرخين آخرين يختلفون في رؤاهم .<o></o>
    كيف كتبنا تاريخ اليهود في القرن 19؟ <o></o>
    ميشيل وينوك : في القرن التاسع عشر ، كل الأمم كتبت تاريخها وبحثت عن ربطه بالأصول الأكثر تبجيلا ، كما أحالت على ذلك كتابات إرنست جيلنر وبيندكت أندرسون، وفي فرنسا كتابات آن ماري تييس . اليهود ، ولو أن حالتهم كانت خاصة جدا لأنهم لم يبحثوا عن تقدير خاص للعلاقة بأرض قومية، فإنهم لم يشكلوا استثناء . الاستثناء هو أن التاريخ الذي يدرس اليوم في الديمقراطيات (الحديثة) قد عرض تدريجيا على غربال النقد العلمي : لكن لا يبدو أنه نفس الوضع في إسرائيل .<o></o>
    شلومو ساند : في إسرائيل ، ما زلنا نفكر في التاريخ كما كنا نفعل في فرنسا منذ قرن ، زمن (تاريخ الغاليين l’histoire des gaulois) لأميدي تييري أولأرنست لافيس . ما زلنا لم نخرج عندنا بعد مرحلة انبثاق الوعي الوطني المرتكز على الأساطير المؤسسة .<o></o>
    يعني هذا أننا في المدرسة الابتدائية نلقن التوراة باعتبارها تاريخا . فهي أول تاريخ يتلقاه الطفل . وفي مسار التمدرس، يخصص الثلثان من تعليم تاريخ اليهود لعهد الهيكل الأول ثم الثاني ، أي لملك سليمان(القرن العاشر ق.م) ، وملك هيرود (القرن الأول ق.م).أما التاريخ المعاصر للشعب اليهودي ، المتعلق بالقرنين 19 و20 فيلقن في المستوى الثانوي.<o></o>
    ماذا نتعلم إذن؟ نتعلم أن (الشعب اليهودي) قد بدأ يعيش كجماعة وطنية ، نظامية وإقليمية، في العهد التوراتي ، إلى حدود70 ميلادية ، تاريخ نفيه خارج وطنه القومي من طرف الرومان وتشتت في كل أنحاء العالم : إنه الشتات . وقد تخطى كل العصور قبل أن يستيقظ في القرن التاسع عشر ليعود إلى أرضه الأصلية . تاريخ يمكن إيجازه في المعادلة (من التاناح إلى البالماح )، يعني من التوراة إلى نهضة الأمة). إذ ظلت التوراة هي إطار الوعي القومي .<o></o>
    بنوع من التقريب يمكن القول أن هذا التاريخ يمتح مباشرة من قصة ظهرت في القرن التاسع عشر في سياق عام يتعلق بتثبيت الهويات الوطنية .<o></o>
    مفكرون اخترعوا(الشعب اليهودي)<o></o>
    شلومو ساند : تقدم العديد من المؤلفات المؤسسة واقعا وتاريخا لمفهوم الشعب اليهودي . أولى هذه المؤلفات كتبت في بداية القرن التاسع عشر من طرف علماء يهود مثل : إسحاق ماركوس جوست وليوبورد زونز اللذان كانا يعيشان في ألمانيا. . مصطلح(يهودي) ليس له معنى حديث عندهما . كما أن محاولتهما لا تنتمي إلى تكوين تاريخ قومي ، ومؤلفاتهما هي كتب في التاريخ الديني . وبالمناسبة، فجوست يبدأ التاريخ اليهودي بعد المرحلة التوراتية ، مما يفاجئنا اليوم .إنه يندرج في تقليد تاريخاني قبل قومي .<o></o>
    وبعد 1848، أي بعد نكسة ربيع الشعوب واستيقاظ الطموحات القومية في أوربا، سينبعث التاريخ القومي الوطني الكبير . وأول من حمل فكرة أمة يهودية تخطت العصور هو عالم ألماني ذو أصول يهودية ، هنريش غرايس ، الذي كتب في منتصف القرن 19 (تاريخ اليهود من الأزمنة القديمة إلى يومنا ). وضع غرايس أسس الوعي القومي اليهودي : فكرة وجود مجموعة بشرية موحدة ، ( الشعب اليهودي )الذي بدأ بالعيش كجماعة قومية في العصر التوراتي ، وتجاوز كل العصور ، ووصل إلى الحداثة باعتباره شعبا وأمة . انتزع غرايس وخلفاؤه، سيمون ديبونوف وسالو بارون، التوراة من أشعة اللاهوت ليجعلوا منها كتاب تاريخ.<o></o>
    التسلسل الكنسي<o></o>
    شلومو ساند: فيما يخص هذا التقليد الذي مازال مسيطرا اليوم في إسرائيل ، تاريخ الشعب اليهودي هو شيء قريب مما روي في التوراة ، مع بعض الاختلافات .يبدأ أحيانا مع إبراهيم ، وأحيانا أخرى مع موسى وغزو كنعان في القرن 13 ق.م.الشعب اليهودي هو ذاك المقسم إلى اثني عشر قبيلة ، والذي عاش إلى أن نفى نبوخذ نصر الثاني بعض الوجهاء إلى بابل، في بداية القرن السادس ق.م. وعند عودتهم من المنفى ، أقام اليهود الهيكل الثاني . في القرن الثاني ق.م، أسس الماكابيون دولة يهودية (وطنية) قوية استمرت إلى 70 بعد الميلاد حين تدمير الهيكل من طرف تيتوس أثناء ثورة (وطنية) . لا يتردد المؤرخون في الحديث عن الثورات(الوطنية)، حتى إن كنا في هذه الحقبة لا نتكلم نفس اللهجة من قرية إلى أخرى . الشعب اليهودي ـ حسب هؤلاء الكتاب ـ مفهوم موحد ونظامي وإقليمي إلى غاية 70 ميلادي.<o></o>
    يتأسس هذا التاريخ للشعب اليهودي على مجموعة من الأساطير التي عارضتها الاكتشافات الأركيولوجية في العقود الأخيرة. انتقال إبراهيم إلى يهودا ، النفي إلى مصر ، تاريخية سليمان وأيضا وجود مملكة موحدة ، هي مواضيع مشبوهة. كما أننا نغالي كثيرة في قوة داوود .<o></o>
    موريس سارتر: لندقق بأن الدولة الحاسمونية ، المنحدرة من الماكابيين ،عرفت نهايتها واقعيا في 63 ق.م.بسيطرة بومبي على القدس ، وقانونيا بتعيين هيرود ملكا مواليا لروما في 40 ق.م. لا يمكن وصف مملكة هيرود وخلفائه بأنها دولة يهودية قومية .بل الأكثر ، أنه في 66، أثناء الثورة لم يتبق إلا بقايا منهم في الجليل وجنوب سوريا(مملكة أغريبا الثاني):فكل يهودا وسامراء والجزء الأكبر من الجليل مدارة مباشرة من روما .<o></o>
    شلومو ساند : انطلاقا من 70 ، طرد اليهود من أرضهم وتوزعوا على العالم ليشكلوا الشتات .وقد عرفوا نفيا ثانيا في 135 بعد القضاء على ثورة باركوخبا وتحويل القدس إلى مستعمرة رومانية من قبل هادريين . إذن فيهود العالم بأكمله لهم نفس الأصل الإثني .لقد مارسوا حياة طويلة من التشرد والتشتت في كل أنحاء العالم قبل أن يستيقظوا في القرن 19 ويرغبوا في العودة إلى أرضهم الأصلية .<o></o>
    الدولة اليهودية والمعاناة المشتركة :<o></o>
    شلومو ساند : لقد كان هنريش غرايتس مؤسس تاريخ ، هو قبل كل شيء تاريخ المعاناة المشتركة . فليس مصادفة أن يكون أصله من بوتسدام ، على الحدود بين بولونيا وألمانيا .فلم يكن لا ألمانيا حقيقيا ولا بولونيا حقيقيا.لغته الأصلية هي اليديشية ولو أنه أخفاها طيلة حياته ولا يريد ترجمة مؤلفاته إلى هذه اللغة التي يعتبرها لهجة ألمانية سيئة .أولا ، غرايتس ترجم التاريخ الطويل للحضارة الدينية إلى تاريخ طويل لدولة يهودية .لندقق بأن اليهود الألمان لم يقرأوا كثيرا غرايتس . فهم بورجوازيون أكثر ، وأكثر تمدنا ، وربما كانوا من أوائل اليهود الألمان الحقيقيين ، وسيظلون كذلك إلى وصول هتلر إلى السلطة .<o></o>
    عند هنريش غرايتس لم توجد بعد فكرة الدولة اليهودية : يمكن وصفه بأنه صهيوني مؤسس proto-sioniste .وقد كان تأثيره كبيرا على أول حلقة صهيونية في أوربا الشرقية.أما صديقه موسى هيس الذي نشر (روما والقدس ) في 1862 ، فقد ذهب بعيدا.إذ كانت رؤيته عنصرية ، هذا يعني أنه مثل الكثير من منظري القرن 19 ، يحاول تحديد المعايير العلمية للتمييز بين الأعراق، بالرغم من أنه ليس مطروحا لديه أن يخلص إلى ترتيبها.إنه العصر الذي كان الفرنسيون يبحثون فيه عن تحديد علمي يبرز أصولهم الغالية ، وأعطى هنريش فان تريشك تعريفا عرقيا للأمة والثقافة الألمانيتين . ولم تكن التاريخانية اليهودية استثناء في هذا الإطار.بالنسبة لهيس ، الذي لم يكن مؤرخا ، ينبغي أن تصبحالقدس معادلة لروما أو باريس أو برلين .يمكننا القول أنه أول صهيوني لائكي، وأول من وضع تصورا للدولة اليهودية. وقد ظل كتاب موسى هيس قليل الذيوع أثناء حياة صاحبه. ولم يكن له تأثير فيما بعد .<o></o>
    وقد أخذ سيمون دوبنوف المشعل في أوربا الشرقية، حيث ألف في بداية القرن العشرين كتابه الطويل (تاريخ الشعب اليهودي) الذي سيترجم جزئيا إلى الفرنسية في نسخة موجزة(موجز التاريخ اليهودي : من الأصول إلى اليوم ). دوبنوف ، الذي لم يكن بالرغم من ذلك صهيونيا ، قد ساهم بشكل كبير في بلورة استمرارية شعب يهودي سيجد أصله في الحقبة التوراتية .<o></o>
    إن استمرار هذا التاريخ ببعده الجوهري قد شجعته بنية التاريخ الجامعي في إسرائيل . في 1936 ، عندما وضعنا في الجامعة العبرية بالقدس الشعب الأولى للتاريخ قررنا استحداث اثنتين :واحدة مختصة في التاريخ العام وأخرى في تاريخ اليهود. وظل هذا التقسيم معمولا به حتى 2009 ، مما يعني أن أستاذا في شعبة التاريخ العام لا يمكنه الإشراف على أطروحة في تاريخ إسرائيل.<o></o>
    أما المعجم المتداول فهو متأثر بشكل مطلق بهذه الأساطير .إذ لا نقول اليوم (هجرة نحو إسرائيل) ، ولكن (صعود) /(عليا) ، وهو مصطلح ذو أصول دينية.فنحن نتكلم عن ( أرض إسرائيل ) لنشير في نفس الوقت إلى يهودا القديمة وفلسطين الرومانية ، وبالتأكيد، إسرائيل وكل الأراضي المحتلة.<o></o>
    أسطورة المنفى محور الوعي القومي <o></o>
    ميشيل وينوك :يحتل موضوع النفي مكانة محورية في هذا التاريخ الوطني الاستثنائي. فالنفي هو أولا تشتيت اليهود خارج فلسطين الرومانية في70 و135 ميلادية . وفي الشتات ، حافظت الجماعات اليهودية على تقليد تجاوز كل القرون. تاريخ يستثني إمكانية اعتناق اليهودية من قبل الآخرين بشكل كبير. وربما هذا ما يعتبر نقطة قوة في كتابكم : البرهنة على أن الأمر يتعلق بأسطورة. لكن هذه الأسطورة فرضت على الكل ولم يتم مراجعتها بشكل منفتح .<o></o>
    أسطورة مشتركة مع الكتاب المسيحيين<o></o>
    شلومو ساند : فكرة المنفى هي محور الوعي القومي الإسرائيلي ، ولكن أيضا هي موجودة في وعي العديد من الأوربيين.حتى الفرنسيون الصغار يتعلمون بأن الشعب اليهودي تم نفيه . لكن المنفى هو أسطورة وكل المختصين يعرفون الأمر منذ زمن بعيد . في 1919 أقر كبار الصهاينة أمثال دافيد بن غوريون ، المؤسس المستقبلي وأول وزير لدولة إسرئيل ، وإسحاق بن زفي ، ثاني رئيس لإسرائيل ، في كتاب مشترك( أرض إسرائيل ماضيا وحاضرا) بأنه لم يكن هناك نفي لا في عام 70 ولا في عام135. فاليهود ، حسب قولهما ، لم يذهبوا إلى المنفى ، بل تحولوا إلى المسيحية ثم إلى الإسلام . فالفلاحون العرب هم الأحفاد الحقيقيون لقدماء الفلاحين اليهود .<o></o>
    وتجد أسطورة المنفى هذه أصلها في أسطورة الشعب المشرد :الله طرد هذا الشعب، قاتل الإلاه، من أرضه وأدانه بالتشرد في كل أرجاء العالم حتى يعاقبه لرفضه المسيح. ونجد الأثر الأول للأسطورة عند جوستين دونابلوز الملقب جوستين الشهيد( ولد حوالي 110ـ114، وتوفي حوالي 162ـ168) . هذا الموضوع المعادي لليهودية قد استعيد بشكل كبير من قبل الكتاب المسيحيين . كما يقع دوما ، فللأسطورة أسسا واقعية . فبعد 135 منع الرومان اليهود مؤقتا من دخول القدس .وقد ترجم جوستان هذا المنع بأنه نفي لشعب بأكمله.<o></o>
    في التقليد اليهودي ، ظلت فكرة النفي مركزية منذ ترحيل جزء من النخبة اليهودية إلى بابل في القرن السادس ق.م. لكن الأمر اتخذ دلالة رمزية .فالنفي في الديانة اليهودية ليس مفهوما ماديا بل هو مفهوم ميتافزيقي. فنحن في المنفى لأن المخلص لم يصل بعد . فالمقابل المفهومي للمنفى هو الخلاص وليس الوطن. حيث جواب الصهاينة عن مآسي يهود أوربا الشرقية هو تعويض ثنائية المنفى ـ الخلاص بالمنفى ـ الوطن. حيث أخذت التاريخانية الوطنية الصهيونية فكرة أن الجماعات اليهودية التي طردت من وطنها في العهد الروماني وتشردت حتى نهاية القرن 19 قد حافظت على وحدتها الوطنية.<o></o>
    ما الذي وقع حقيقة في 70و 135 :<o></o>
    شلومو ساند : ليس هناك أدنى شك بأن الاضطهاد الديني كان قويا في 70 و135 . لكن الرومان لم يطبقوا أبدا سياسة ترحيل جماعي للسكان بشكل شامل . فبعض اليهود غادروا يهودا ، وبعضهم غدوا عبيدا، مما حولهم إلى سفراء لديانة التوحيد . لكن غالبية يهود فلسطين ظلوا في مكانهم . ولا ينبغي أن تنسوا أن الأمر يتعلق بمجتمع حيث 90 إلى 95 في المائة من السكان يعملون في زراعة الأرض. فيهود الماضي هم شعب من القرويين المرتبطين بشكل كبير بالأرض . فلا يجب النظر إليهم كإغريق أوكفينيقيين ، حيث ظلوا يعيشون وظهورهم موجهة نحو البحر. ونفس الأمر خارج يهودا . ففي مصر ، وإلى حدود الثورة الكبرى لسنة 115 ، كان كثير من اليهود يعيشون بالزراعة في وسط البلاد والفيوم وهضبة النيل .<o></o>
    فمن المحتمل أن الغالبية الكبرى من يهود فلسطين قد ظلوا مستقرين في أماكنهم . إذ عرفت المنطقة في نهاية القرن الثاني وبداية الثالث عصرا ثقافيا ذهبيا . في 220 تم في فلسطين الانتهاء من تحرير الميشناه (منتخب من القوانين الشفوية) . في الوقت الذي نفي ما يسمى بالشعب اليهودي خارج يهودا ، انتقلت الحياة اليهودية من يهودا إلى الجليل : ففي الجليل إذن استقر نازي (البطريرك) والمدارس الرهبانية والأساتذة كتاب الميشناه .<o></o>
    يهود تحولوا إلى المسيحية ثم إلى الإسلام<o></o>
    شلومو ساند : إذا كان عدد اليهود قد بدأ في التقلص تدريجيا ابتداء من القرن الثالث ، وإذا كانوا قد غدوا في القرن الرابع أقلية في فلسطين ، فليس نتيجة النفي وإنما لأنهم أصبحوا مسيحيين أو ، ابتداء من القرن السابع ومع الغزو<SUP>1</SUP> العربي ، مسلمين . بالرغم من أن بن غوريون قد غالى حين قوله بأن عرب فلسطين المعاصرة هم أحفاد يهود العصور القديمة.<o></o>
    ويظل من العسير على المؤرخين الوطنيين الحديث عن تنصير اليهود . ومع ذلك نعرف جيدا بأن العديد من اليهود قد تنصروا .هكذا ، أصبحت قيسارية<SUP>2</SUP> مركزا مسيحيا هاما ، وقائمة المشاركين في المجمع الديني الأول في نيسي<SUP>3</SUP>، في 325، يحيل إلى أن جماعات أنصار المسيح ازدهرت أيضا في غزة ويبنة <SUP>4</SUP>وعسقلان وإسدود<SUP>5</SUP> وليدا وستوبوليس<SUP>6</SUP>....فأن تكون مسيحيا أو يهوديا بالنسبة للقرويين لا يشكل فرقا كبيرا .<o></o>
    إشكال التحول إلى الإسلام ليس أكثر سهولة في المعالجة. المؤرخ الصهيوني بن زيون دينور لافيس الإسرائيلي ، والذي كان أيضا وزيرا للثقافة ، يؤكد كذلك بأنه لم يحدث نفي في 70 وفي 135 ، لكنه وقع حين وصول العرب في القرن السابع . فقد ذهب اليهود ، كما يزعم ، حين كان الغزاة العرب يخلفون أحفادا ! فكرة عبثية : كانت القوات العربية على الأكثر لا تتجاوز 40000 رجل تابعوا طريقهم نحو سوريا . وفي الواقع ، من الممكن أن يكون القرويون قد تأسلموا. وبلا شك فإن الجموع لا تعرف بأنها تمت أسلمتها . فمحمد هو رسول ، وليس ابن الله: بالنسبة ليهودي ، أسهل في القبول من المسيحية . وفي المرحلة الأولى من الغزو ، الذين أصبحوا مسلمين كانوا قد تحرروا من ضريبة الجزية وهذا ما شكل وسيلة رائعة للتحول .<o></o>
    جزء من الاعتراف أن نتصور بأن اليهود قد حافظوا على كونهم شعبا لأنهم لم يرغبوا في تغيير دينهم . تأتي هذه الفكرة لتقوية عدد من الروايات التاريخية : واقعة ماسادا<SUP>7</SUP> حيث فضل اليهود ، حين محاصرتهم من قبل الرومان ، الانتحار الجماعي على الاستسلام . وتلك المتعلقة بالحملات الصليبية حيث اختاروا الموت على التنصر. لكن نعرف جيدا بأن الأمر يتعلق هنا بأساطير!<o></o>
    لقد كان هناك تبشير يهودي<o></o>
    شلومو ساند : في المقابل ، إذا لم يكن هناك نفي ينبغي تفسير التطور العددي الغريب لليهود في محيط المتوسط بين القرن الثاني ق.م والثاني بعده . منذ الحقبة الهيللينية (قرن3و2ق.م) نجد جماعات يهودية خارج يهودا. ويمكننا أن نقدر عدد اليهود الذين يعيشون خارج فلسطين في القرن الأول ميلادي في 4 ملايين. وكان عددهم في مصر ، في هذه الحقبة، أكثر منه في يهودا. منذ القرن الخامس والرابع ق.م إلى حدود القرن 2 بعده، استقطبت اليهودية الكثير من الخارج . هذا ما يقوله على أية حال مؤرخو وفلاسفة العالم القديم ، من فيلون الإسكندري إلى فورفيوس جوزيف . في غضون أكثر من ثلاثمائة سنة ، أي ابتداء من القرن الثاني ق.م، كان التوحيد اليهودي دينا ديناميا ومبشرا. فاللقاء بين دين موسى والهللينية مكن حركة الاهتداء من البدء مبكرا في العصور القديمة .<o></o>
    بقيت فكرة انفصال الدين اليهودي عن التبشير راسخة بعمق في الوعي. إنها ليست أقل خطأ. فدلائل ممارسة اليهود للتبشير كثيرة . فالكتاب الرومان يصفون دعاية الماكابيين . ويتحدث جوفينال وهوراس وطاسيط عن تبشير اليهود . وقد كتب في العهد الجديد أن الفارسيين مهيئون لكل شيء من أجل الارتداد :" ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا .ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنم أكثر منكم مضاعفا . " (متى 23 ).<o></o>
    فصحيح أنه ابتداء من القرن الرابع ، في العالم المسيحي ، ثم في العالم الإسلامي بعد الغزو العربي الإسلامي ، فعل اليهود كل شيء من أجل محو آثار هذا التبشير : فحياتهم معلقة به . لكن في القرن 19 ظهرت فكرة التبشير اليهودي من جديد . بالنسبة لتيودور مومسان ، المؤرخ الألماني الكبير في روما ، وكذا بالنسبة لأرنست رينان ، من الواضح أن القوة لعبت دورا أساسيا في سرعة تطور اليهودية خلال مدة لا تتجاوز قرنين . وابتداء من منتصف القرن العشرين سيطرت فكرة عدم وجود تبشير يهودي . لأنها أتت بالطبع لتقوية الاستدلال على الأصل الإثني الوحيد للشعب اليهودي .وهذا لم يمنع المؤرخين من القيام بأعمالهم النقدية . بالنسبة لي ، كانت قراءة حاسمة هي أطروحة الدكتوراه التي ناقشها أرييل رابابور في 1966 . لقد أثبت فيها أن يهود المنفى كانوا منتوجا للتحول العقدي . أرييل رابابور أصبح في إسرائيل مؤرخا مهما ، لكن أطروحته لم تنشر .<o></o>
    موريس سارتر : مما لا جدال فيه أنه لم يكن هناك نفي عام لليهودية بعد ثورات66ـ70 و132ـ135، وأيضا أقل منها ترحيل. إذا وجدنا يهودا موزعين في محيط المتوسط ،فإن الأمر يتعلق في الغالب بوثنيين تحولوا عن دينهم. لكنني أميل إلى تقديرهم أقل عددا مما أقره شلوم ساند. جوفينال ، مثل العديد من الكتاب الإغريق واللاتينيين، لا يقيم اختلافا بين المسيحيين واليهود ، وبرؤية عدوانية لهؤلاء يتوجه إلى المغالاة في عددهم . بمعنى مخالف ، في رسالته المشهورة إلى الإمبراطور غاليكولا أغريبا الأول حاول الإشارة إلى انتشار اليهود في كل مكان للاستدلال على قوتهم وتحذير الإمبراطور من سياسة قمعية اتجاه يهود الإسكندرية .فمن المعقول التصور أن اليهود في القرن الأول ميلادي لم يكن عددهم يتجاوز 100.000أو150.000 في الإسكندرية.<o></o>
    فإذا كانت الأرقام قابلة للمناقشة، فإن الارتفاع الهام لعدد اليهود في الإمبراطورية الرومانية يفسر أساسا بالتحولات العقدية . والذي سمح لهذه الظاهرة الضخمة هو إصدار سادراس ما يسمى القانون الكهنوتي (يعني القواعد المنظمة لحياة اليهود) ،الذي كان تقريبا في بداية القرن الرابع ق.م. حتى ذلك الحين ، نعتبر يهودا لأننا ولدنا من آباء يهود. بعد ذلك ، سنعتبر يهودا حين نحترم إرشادات القانون . وهذا ما سنح بإمكانية التحول إلى اليهودية . وقد سرع الظاهرة غزو الإسكندرية في سنوات 334ـ323ق.م الذي سهل مرور السكان في مجموع شرق البحر المتوسط .<o></o>
    نشير أيضا إلى التحولات بحد السلاح في الدولة الحسمونية والتي ظهرت في سنوات150 ق.م واندثرت واقعيا بحصار القدس من طرف بومبي في 63 ق.م. وقبل أن تتقوى سلطة هذا النظام قاد سياسة غزو الأراضي المجاورة (إدوم10 ، الأردن)، حيث فرض تحولات عقدية إجبارية . إيدوميو نيجيو، أسلاف الملك هيرود، قد تحولوا بالقوة إلى اليهودية . وحين يتم غزو مدينة مثل جدارا11 يفضل اليونان الفرار بدل التحول إلى اليهودية.<o></o>
    وما أثار النقاش بين المؤرخين هو المدى الذي اتخذته حركة التحول العقدي هذه وإذا كان الأمر يتعلق بسياسة تبشيرية مقصودة أم بتحولات عفوية . استنتج إدوارد وايل وكلود أوريو بأنه لم تكن هناك سياسة تبشير باليهودية. ومن المحتمل أن هذه النتيجة مبالغ فيها . لكن وجود مبشرين لا ينفي وجود تحولات عقدية عفوية عند الاتصال بين الجماعات الموجودة .<o></o>
    عندما يذهب بول إلى آسيا الصغرى ويتنقل واعظا من كنيس إلى آخر ، فإنه يوجه خطابه إلى اليهود أساسا ، لكننا نعرف بأن جماعة من غير اليهود، خاصة نساء المجتمع الراقي المحلي ، يتسارعن إلى الكنيس للاستماع إليه . في أفروديسا ، نتوفر على قائمة من المحسنين الذين يجمعون اليهود والمتقين الذين نعتبرهم أناسا أقرب إلى اليهودية . إذ يمارسون عددا من الشعائر لكنهم لا يمارسونها كلها (فهم يرفضون الختان على سبيل المثال). فالتحولات العديدة إلى اليهودية في الإمبراطورية الرومانية لا تفسر فقط بالتبشير اليهودي ، ولكن كما سيكون الحال عليه بالنسبة للمسيحية ، بالإغراء الأخلاقي الذي تقترحه .<o></o>
    حركات سكانية كبيرة <o></o>
    موريس سارتر : سأوضح مقترح شلومو ساند بشكل آخر. إذا كان ارتفاع عدد اليهود في الإمبراطورية يفسر قبل كل شيء بالتحولات العقدية ، فينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار حركات السكان . فقد تنقل السوريون ، والمصريون كذلك، ومن المحتمل أن يقوم اليهود بنفس الأمر .لكن يتعلق الأمر بالخصوص بحركات قصيرة المسافة . في الجليل ، في زمن الماكابيين، كان اليهود لا يزالون قلة . بالمقابل أصبحوا أغلبية في القرن الثاني ميلادي خاصة في الجولان وجنوب سوريا(نوا) . وهذا دليل على أن اليهود ، ولو كانوا قرويين ، كان بإمكانهم الحركة . كما نعرف بأنه كانت هناك مشكلة التضخم السكاني مما سيؤدي حتما إلى الهجرة ، وهذا بالتأكيد لا علاقة له بالنفي.<o></o>
    وقد غادر اليهود يهودا باستمرار باعتبارهم جنودا . وكانت هذه المجموعات العسكرية الأقدم خارج يهودا ، باستثناء من كان في بابل والوجهاء الذين أبعدوا في القرن السادس ق.م. كما وجدت أيضا حاميات للمرتزقة في أعالي مصر ونيبور وبابل . كما نعرف أيضا مجموعة أسوان<SUP>8</SUP> بالإسكندرية في القرن الخامس ق.م ، التي من المحتمل أن يكون ، كما يؤكد المؤرخ اليهودي فلافيوس جوزيف واليهود الأسكندريين ، قد عملوا على شكل مرتزقة منذ بتوليمايوس الأول وريث الإسكندر. وهذا كان أصل ما نطلق عليه (بوليتوما) ، وهي وحدة من المساعدين في خدمة الملك الهيلليني. وقد وجدنا قبل عشرات السنين وثائق تشير إلى وحدة أخرى يهودية من نفس النوع في الفيوم . بالطبع ، عندما أصبحت الإسكندرية رومانية لم تعد هناك أية حامية يهودية ، لكن بقي خلفهم بجانب اليهود المهاجرين والمحولين عقديا .<o></o>
    في القرن الرابع ميلادي بفضل لوائح يوسابيوس في كتابه (أوتوماتيكون) ، لاحظنا قلة القرى ، اليهودية والمسيحية ، في مجموع فلسطين . لأن السكان في غالبيتهم مختلطون . حيث تشير الآثار الأركيولوجية إلى أن اليهود أصبحوا قلة في يهودا ، حتى بعد 70 ربما نتيجة دمار الحرب وإقامة مستوطنات من قبل فسبازيان .البعض منهم تمكن من الرحيل، في حين تحول الآخرون عن اليهودية .<o></o>

    هل يمكن مع ذلك الحديث عن شعب يهودي؟<o></o>
    إيستر بنباسا : ليس الشعب وحدة إثنو ـ بيولوجية فحسب، وليس أيضا مجرد دين. عندما ننظر إلى المجموعات اليهودية في القرون الوسطى ،وهي مرحلة لم تدرس كثيرا في كتاب شلومو ساند ، نلاحظ إلى أي حد كان اليهود ، بغض النظر عن حقبة اهتدائهم ، أو أصلهم ، يتقاسمون مرجعيات ثقافية مشتركة . حيث ينظر اليهود إلى أنفسهم بخصوص تجربة النفي ، نظرة أسطورية معلقة بالقدس ، مع وعي دفين بالاختلافات الموجودة بين المجموعات المتنوعة. لقد خلقوا ( أقداسا ) في كل مكان . فيلنيوس هي قدس الشرق .تلمسان قدس الجنوب.أمستردام للشمال. في القرن 16 بدأ مبشرون يجوبون أوربا لجمع الأموال الموجهة إلى مجموعات فلسطين ، وفي نفس الوقت يعطون أخبار هؤلاء إلى يهود أوربا.<o></o>
    ثقافة ومتخيل مشتركين<o></o>
    إيستر بنباسا: زرع اليهود تمثيلا لأنفسهم مستمد من دينهم ، لكن أيضا من الأساطير, وأتاح هذا المتخيل ، حتى للمهتدين، أن يعرفوا باعتبارهم منتمين إلى نفس الكيان الثقافي والديني ، وهذين البعدين غير منفصلين , فالصهيونية مثلا لا يمكن أن تتحقق إذا لم يحلم يهود اليمن وبعض الأقطار بالعودة إلى القدس. <o></o>
    فإذا كان الصهاينة قد استطاعوا علمنة الطقوس الدينية وجعلها أكثر فاعلية ،فبسبب الصورة التي أعطوها عن أنفسهم وغذاها اليهود طيلة وجودهم كجماعة توحد بينها العديد من الروابط، ربما وضعية لكنها حقيقية ، والتي مكنتهم من الاستمرار في الأراضي المسلمة ، كما في الأرض المسيحية. كل الشعوب هي اختراعات .لا يمكننا القول بأن الشعب اليهودي ، كما عرف قبل ولادة الصهيونية والقبول الحديث بهذا المفهوم ، وكما تصور سلفا ، بأنه لم يكن له وجود .<o></o>
    انتشرت في العالم اليهودي مخطوطات و، مع اكتشاف الطباعة، كتب عديدة . فقد قرئ ساديا غاون ، وهو من أوائل الفلاسفة اليهود القرن العاشر ، من بابل إلى صقلية. كذلك التلمود ومؤلفات أخرى في الأدب الديني والدنيوي . ودرس راشي 1040ـ1105 ، مفسر شامبنوا في كل أرجاء العالم اليهودي، وبالطبع في أرض السفارديم <SUP>9</SUP>كذلك. بالعكس أكبر مصنفات السفارديم مثل تلك المنسوبة إلى مايمونيد 1138ـ1204 ، المنتجة في مصر أو أيضا الزهر ، تحفة القبال <SUP>10</SUP>الأسبان ، قد وصلت إلى أكبر مراكز شمال أوروبا وغيروا الفهوم .هذا ما ساهم في تشكيل الفكرة التي كونها يهود إسبانيا عن أنفسهم والمطرودون فيما بعد . هؤلاء لا يطلق عليهم السفارديم لأنهم يصلون وفق طقس يحمل نفس الاسم ، لكن لأنهم يعرفون انطلاقا من الثقافة التي أنشأوها في الأرض الإيبرية ، والتي يستمرون في تخصيبها في المنفى ، والتي لم تكن دينية فحسب . فمنذ العصور الوسطى في إسبانيا ، كتب جوداها ليفي في إسبانيا بالعبرية الشعر الدنيوي وفق القوالب العربية الرائجة آنئذ ، والشعر الطقوسي ، مما أتاح له الانتشار الواسع .<o></o>
    في عالم السفارديم ، كما في عالم الأشكناز <SUP>11</SUP>، وجدت لغات يهودية عديدة مثل : اليهودية العربية ، واليهودية الفارسية، واليهودية الإسبانية ، وانحرافات عديدة للبدية<SUP>12</SUP> التي كانت خليطا من اللغة المحلية وتحمل آثارا من الآرامية والعبرية . وتكتب هذه اللغات بحروف عبرية . فالمجموعات اليهودية عبر العالم لها وعي بما يميزها ويزايل بينها . لكن إذا كانت بعض الحركات مثل حركة الأنوار اليهودية في القرن 18 ، التي انطلقت من ألمانيا ، قد انتشرت في أوربا الشرقية والبلقان ثم إفريقيا الشمالية ، فلوجود علاقات تبادل كبيرة بين هذه المجموعات .<o></o>
    أعطى ميلاد الصحف ، مع بروز الأفكار القومية في القرن 19 ، دفعة قوية لهذا التداول . فقد كتبت هذه الدوريات في اغلبها في اللغات العبرية بحروف عبرانية أو بالعبرية. في عالم الأشكناز ، خلال القرن التاسع عشر ، ظهرت تحت تأثير الحداثة الرواية العلمانية وكتابة السيرة الذاتية . وقد كتبت بالعبرية ، اللغة التي انتقلت من وضع اللغة المقدسة إلى وضع اللغة الدنيوية . من هنا برزت العبرية الحديثة التي لم تتحول أبدا إلى لغة لكل اليهود ، لكنها لغة كل الإسرائيليين.<o></o>
    من الواضح فضلا عن ذلك أنه ابتداء من القرن 19 طور اليهود أنفسهم كتابة جديدة لتاريخهم الخاص المتمحور حول إرث المعاناة المشتركة التي لعبت دورا هاما في بلورة فكرة شعب يهودي . ودعم الهولوكوست<SUP>13</SUP>هذا التوجه . اليهودي المعلمن ، إن لم يستطع التقرب عقديا بواسطة المعتقد أو السلوك ، فإنه يعيش باعتباره جزءا من شعب حمل تاريخ المعاناة والاضطهاد . وقد غدت الشواه وإسرائيل علامات مميزة لهذا الشعب ، وسواء وجد هذا الشعب منذ زمن طويل أم لا فإن هذا لا يغير في الإدراك الذاتي.<o></o>
    ينطلق شلومو ساند في إعادة بنائه للفكرة من مشروع ملائم ، حيث لا يتصور تقسيم شعبين لأرض باسم الجينالوجيا ، المتخيلة ربما ، لكنها راسخة بالتأكيد في العقليات . لكن الإشكال يطرح بنفس الشكل بالنسبة للفلسطينيين : هل هم شعب أكثر من اليهود ؟<o></o>
    معاداة السامية محرك الصهيونية :<o></o>
    مشيل وينوك : ما يجعل الإشكال مضببا في الحقبة المعاصرة هو حركة التحرر الكبرى التي أطلقتها الثورة الفرنسية بجعلها اليهود في سنة 1791 مواطنين مثل الآخرين . وقد تُليت هذه الحركة بمثيلة لها ، وبشكل أكثر أو أقل سرعة ، في باقي دول أوربا الغربية . منذ ذلك الحين رعب اليهود في أن يكونوا مواطنين ووطنيين في الدولة التي يعيشون فيها . في فرنسا ، أصبح بعضهم أساتذة في الجامعة أو ضباطا أو نواب أو وزراء .وقد سرعت الجمهورية مسار الاندماج والاستيعاب .فقد عرفت الحرب العالمية مواجهة بين يهود فرنسيين ضد يهود ألمان ، ليس فقط لأنهم مجبرين على ذلك :فقد رأينا في فرنسا يهودا أجانب ينخرطون طواعية تحت الألوان الوطنية الثلاثة .فالوعي الفرنسي والوعي الألماني سيتغلب في النهاية على الوعي اليهودي الذي ينكره البعض .<o></o>
    في رأيي لخاص ، إذا كان هناك تشكيل لوعي يهودي غير ديني ، أي وعي يهودي وطني ، فإن معاداة السامية هي المحرك الأساس .فقد ظهرت الصهيونية في القرن التاسع عشر ، في خضم شيوع معاداة السامية الذي أصاب مجموع القترة الأوربية ، منذ مذابح روسيا(كيشنيف في 1881) ، إلى قضية دايفوس ، مرورا بتشكيل الأحزاب المعادية للسامية كما في النمسا. حتى هذه اللحظة مازالت الصهيونية قليلة الذيوع . لكنها كانت علامة فارقة في الوعي السياسي اليهودي. وقد تعززت الظاهرة في مجرى المد المعادي للسامية حيث تطور الخطاب المعادي للسامية في كل مكان من هيئات وحملات سابقة للموجة الهتليرية وآثارها .<o></o>
    كان الوعي الوطني للشعوب يتشكل ضد عدو معين ، في حرب ، تحت ضربات الاجتياح ، ضد الاستبداد الإمبريالي الذي يحتقر الأقليات .إذا تشكل شعب يهودي فليس لأسباب دينية ، ولكن أيضا لأن معاداة السامية ترفض منح اليهودي، ومعه غير المتدين ، حق المواطنة مثل الآخرين .<o></o>
    الصهيونية خلقت شعبا يهوديا ـ إسرائيليا<o></o>
    شلومو ساند : لا يسمح المتخصصون في الوطنيات إلا في أضيق الحدود باستعمال كلمة شعب لأنه مصطلح منسل (متفلت) . في التوراة ، تشير الكلمة إلى سكان مدينة أو قربة . وسيعتبر المسيحيون أنفسهم فيما بعد شعبا (شعب الله).وفي المشترك اليومي ، تشير الكلمة إلى جماعة إنسانية لها أسلوب حياة مشترك وثقافة مشتركة ولغة مشتركة .وهذا يجعل منه لفظا أكثر مطاوعة .<o></o>
    إن ما أجعله محور النقاش ، هو أننا عندما نتحدث عن شعب يهودي نحيل بإصرار إلى مجموعة لها أصل مشترك أو تشترك في أسلوب عيشها . في هذه الحالة ، إذا كان يهود العالم ليس لهم أصل مشترك ، فليس لهم كذلك في القرون الوسطى ولا في القرن 19 لغة ولا ثقافة ولا أسلوب حياة دنيوي مشترك . فيهودي من مراكش لا يتكلم نفس لغة يهودي من لندن ، ولا يأكل نفس الطعام ، ولا يغني نفس الأنغام . فالنخب التي تعرف العبرية تشكل قلة من الناس والأكثر أنهم لم يمارسوا اللغة .فالعلاقة مع القدس وأسطورة النفي مركزيان في فهم الدين اليهودي .فالقدس هي المكان الأكثر قداسة في الديانة اليهودية . لكن عندما كان اليهود في بابل لم يرجعوا بالرغم من أنهم كانوا على بعد ثلاثة أيام على متن الجمال . وعندما أراد سيروس إعادتهم إلى أرضهم في نهاية القرن السادس ق. م رفض العديد منهم ، ونحن نعرف أنه كانت هناك الكثير من الصعوبة في تنظيم القوافل ، ربما لأنهم لم يعلقوا نفس الأهمية على المدينة مثل صهاينة اليوم .ثم إنه من الصعب العيش في مكان مقدس .<o></o>
    بالتأكيد ، إن يهود العالم بأسره يشتركون في ثقافة دينية غنية وهامة ، لكن هل هذا كاف ليشكل شعبا؟ ويمكننا أن نسرد ممارسات غير دينية مشتركة بين يهود العالم . فالتطهير الديني خلق تضامنا بين اليهود اللاييكيين . لكن قبل ذلك ؟ اليهودية هي قبل كل شيء ممارسة دينية يومية. إنها تمثل : قبل بروز الحداثة مركز الحياة ، لكن هذا لا يشكل شعبا أو أمة .<o></o>
    يقول الصهاينة بوجود شعب يهودي منذ الأزل ، مما يعطيه حقوقا تاريخية في أرض إسرائيل. كل شعب له حق في أرض . وهم يشيرون بالشعب اليهودي إلى كل يهود العالم حتى إذا كان هؤلاء لا يرغبون في ذلك .أنا أعتبر نفسي إسرائيليا من أصل يهودي وهذا ما ليس معتادا في الدولة . لا تريد الصهيونية الاعتراف بوجود شعب يهودي إسرائيلي خلقته ويتوفر على لغة وأدب ومسرح وسينما خاصين . هذه الإيديولوجيا ، مثل تلك المتعلقة بالوطنية العربية والفلسطينية بالخصوص ، ترفض الاعتراف بوجود مجتمع إسرائيلي . بالنسبة للقوميين العرب ولادة إسرائيل هي بداية الاحتلال ، وبالنسبة للصهاينة هي بداية العودة : والموقفان يعودان إلى نفس الأمر ويضعان حياة إسرائيل في خطر .<o></o>
    أعتقد أن الصهيونية خلقت مجتمعا له حق الوجود وحق التوفر على دولة حتى لو كان نتاجا للاحتلال . لا أقبل بالطبع هذه الحدود المعاصرة . ونشير إلى أن الصهيونية هي من خلق شعبا فلسطينيا . ما أريده هو دمقرطة هذه الدولة والمساهمة في أن تغدو جمهورية لكل المواطنين ، وأدافع عن شرعية هذا النظام الذي لا يتأسس على أسطورة الشعب اليهودي ، لكن على شرعية القانون الدولي . ينبغي من أجل هذا القبول بالعدول عن الأساطير . <o></o>
    الحوار من تنسيق : سيفين نيكيل Séverine nickel<o></o>
    مجلة التاريخ l’histoireالعدد 343 يونيو 2009<o></o>
    ترجمة : فؤاد بوعلي<o></o>

    1. نستعمل المصطلح كما ورد في النص الفرنسي<o></o>
    2. قيسارية : سمييت بهذا الإسم تمجيداً للقيصر الروماني أغسطس، ويوجد عدة بلاد بأسم قيصرية او قيسرية واحدة في الجولانبسوريةوواحدة في انطاكيةوثالثة في فلسطينوكانت تسمى إعتباراً من عام 133 ميلادي "قيصرية فلسطين"، و كذلك قيصرية فيليبي في سورياالتي كانت واقعة في الجولانالحالية وذكرت في إنجيل لوقاوتدعى اليوم بانياس الحولة .<o></o>
    3. نيسي : (إيزنيك حاليا)<o></o>
    4. يبنة : مدينة في وسط فلسطين المحتلة <o></o>
    5. إسدود :مدينة قرب حيفا ، حوالي 70 كلم عن القدس<o></o>
    6. ستوبوليس تأسس في 525 ميلادي وتحمل الآن اسم : بيسان<o></o>
    7. ماسادا :تقع في ساحل البحر الميت وقد اشتهرت في التراث العبري بأنها كانت مسرحا لأشهر الأحداث الدرامية في تاريخ اليهود ضد الأمبراطورية الرومانية<o></o>
    8. مجموعة أسوان<o></o>
    9. السفارديم : المصطلح تاريخياً على نسل اليهود الذين عاشوا أصلاً في أسبانيا والبرتغال (شبهالجزيرة الايبيرية)، والتي طردت من اسبانيا والبرتغال على أثر محاكم التفتيش سنة 1492، وقد كان ليهود أسبانيا طريقتهم الخاصة في الصلاة والطقوس الدينية نتيجة لتأثرالسفارد في عبادتهم وتلاوتهم وترتيلهم وإنشادهم بالذوق العربي في الأذكار والأناشيدوالموسيقى، كما انفردوا بنصوص شعرية ونثرية في أدعيتهم وصلواتهم قريبة الشبه بمايماثلها عند المسلمين. ولكل هذا اكتسب اصطلاح “سفارد” دلالة دينية إلى جانب دلالتهالعرقية الأصلية.<o></o>
    10. القبال وهي تطلق على مجموعة من المعتقدات التراثية اليهودية المعقدة التي كانت تقتصر دراستها الصعبة على دارسي التلمود من المتزوجين.وهي تعتبر مرجعا لليهود الأرثودكس, وهي تعتبر بالنسبة لكثير منهم جزء من دراسة التوراة وخاصة دراسة المعاني الدفينة لها. <o></o>
    11. الأشكناز : اليهود الأشكناز هم اليهود الذين ترجع أصولهم إلى أوروبا الشرقية<o></o>
    12. للبدية أو اليديشية (ייִדיש، يديش/אידיש، ایدیش) لغة جرمانية يتحدثها ما يقارب 3 ملايين شخص حول العالم، وأغلبيتهم يهود اشكنازية. الاسم يديش هو يديشية لكلمة "يهودية" وقد تكون تقصير لـ"يديش-تايتش" (דיש־טײַטש) أو ألمانية-يهودية.<o></o>
    13. الشواه أو الهولوكوست عبارة عن مصطلح تم استخدامه لوصف الحملات الحكومية المنظمة من قبل حكومة ألمانيا النازية وبعض من حلفائها لغرض الاضطهاد والتصفية العرقية لليهود في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية.<o></o>
    <o></o>
    <o> </o>
    <o> </o>
    <o> </o>
    الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية
    وحدة الترجمة المغرب
  • عبدالرحمن السليمان
    عضو مؤسس، أستاذ جامعي
    • May 2006
    • 5732

    #2
    [align=justify]شكرا جزيلا يا دكتور فؤاد على هذه المقالة التي لم أستطع قراءتها بعد.

    وعسى أن أعود إليها قريبا إن شاء الله.[/align]

    تعليق

    يعمل...