عدم جواز الاستشهاد بعبرية التوراة على عربية القرآن الكريم.
[align=justify]لماذا لا يجوز علميا الاستشهاد بعبرية التوراة على عربية القرآن الكريم؟
كانت العبرية التوراتية مستعملة حتى حوالي القرن الخامس قبل الميلاد. بادت العبرية التوراتية لغة محكية وأصبحت لغة دينية فقط لا يفهمها إلا الأحبار، وحلّت الآرامية محلها بالتدريج. وهذا ما يفسر تدوين النصوص الأخيرة في العهد القديم (سفري دانييل وعزرا) باللغة الآرامية القديمة وليس بالعبرية التوراتية لأنها أصبحت وقتها (بعد العودة من السبي البابلي/القرن الخامس قبل الميلاد) غير مفهومة بسبب موتها لغة محكية.
إذن بادت العربية التوراتية أثناء السبي البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد، وحلت محلها الآرامية (بلهجاتها المختلفة) والتي بها دونت سنن اليهود كشروح التلمود وغير ذلك.
إن الكتابة العبرية (وهي الكتابة الآرامية لأنه ليس لليهود أبجدية مخصوصة بهم) مثل الكتابة العربية أي هي أبجدية تتكون من حروف صامتة فقط. والتوراة مكتوبة بالأبجدية الآرامية الأصل (التي هي أبجديتهم الحالية أيضا). وقد تناقل اليهود نص العهد القديم (بنسخه المختلفة الكثيرة) منذ القرن الخامس قبل الميلاد، حتى القرن التاسع بعد الميلاد، بلغة ميتة 1) لا إعجام فيها للتمييز ما بين الأحرف و2) بلا حركات لضبط النطق و3) لا رواية متواترة عن الأحبار الأوليين لا فيما يتعلق بالنطق ولا بالمعنى.
استعار الأحبار اليهود المسمون بالمسوريين نظامي الإعجام والشكل اللذين وضعهما أبو الأسود الدؤلي عن العرب ــ إبان استعرابهم في الحواضر الإسلامية ــ و أدخلوهما في العبرية لضبط النطق تمهيدا لوضع نحو شامل لها ومعجم شامل لها يضبط معانيها. فقام (ابن آشر الطبري/القرن التاسع الميلادي) بتنقيط التوراة وتشكيلها. ولما كان ابن آشر لا يعرف كيف كانت التوراة تنطق قبل انقطاع الرواية، فقد اعتمد في ضبطه نطق التوراة على نطق اليهود للآرامية الكتابية (التي دونت شروح التلمود بها). فعبرية التوراة اليوم تنطق وفقا لنطق اليهود للآرامية الكتابية التي دونت شروح التلمود بها، وليس وفقا لنطق اليهود للتوراة في القرن الخامس قبل الميلاد. وهذا ما يفسر مشاكلها اللغوية الكثيرة وكثرة الشاذ في قواعدها.
ثم جاء بعد ابن آشر ابن جناح القرطبي واستعار منهج سيبويه والخليل ووضع كتابا ضخما في العبرية سماه كتاب (التنقيح). يتكون كتاب التنقيح من جزئين الجزء الأول نحو وصفي للعبرية (كتاب اللمع) والآخر معجم عبري عربي (كتاب الأصول) يشرح فيه العبرية من العربية. وجميع نحاة اليهود والمستشرقين يقتفون أثر بن جناح (الذي يحتل عند اليهود مكانة مثل مكانة الخليل وسيبويه عند العرب) في نحوه وتفسيره العبرية والتوراة معها من العربية، حتى يومنا هذا، لأن التوراة مروية بلغة ميتة، ولأن العربية هي اللغة السامية الوحيدة الحية التي تحتوي على ذخيرة لغوية ضخمة. ومما قوى من هذا التيار في العصر الحديث ذهاب أكثرية المتخصصين في الساميات إلى أن العربية أقدم الساميات نحو وصرفا وأصواتا ومعجما.
وخلاصة القول إن عبرية التوراة لغة ميتة ولهذه يستهد عليها لا بها. وهذه قاعدة في الدراسات الكتابية سنها اليهود المستعربون إبان ازدهار الحضارة العربية وبقيت معموا بها حتى اليوم.
ونسنأنس بقول مروان بن جناح القرطبي أهم نحاة اليهود ولغوييهم في مطلع كتاب اللمع:
مروان بن جناح (كتاب اللمع، صفحة 7-8 Le Livre des Parterres Fleuris d’Aboul’l-Walid Merwan Ibn Djanah de Cordoue. Publiée par: Joseph Derenbourg. Paris, 1886):
"أفلا تراهم [الضمير عائد إلى علماء التلمود] يفسرون كتب الله [يقصد التوراة] من اللسان اليوناني والفارسي والعربي والإفريقي وغيره من الألسن؟ فلما رأينا ذلك منهم لم نتحرج [من الاستشهاد] على ما لا شاهد عليه من العبراني بما وجدناه موافقاً ومجانساً له من اللسان العربي إذ هو أكثر اللغات بعد السرياني شبهاً بلساننا. وأما اعتلاله وتصريفه ومجازاته واستعمالاته فهو في جميع ذلك أقرب إلى لساننا من غيره من الألسن، يعلم ذلك من العبرانيين الراسخون في علم لسان العرب، النافذون فيه وما أقلهم"!
ويقول كذلك (المصدر: كتاب اللمع صفحة 2-3)
"ورأيت القوم الذين نحن في ظهرانيهم [= العرب] يجتهدون في البلوغ إلى غاية علم لسانهم على حسب ما ذكرناه مما يوجبه النظر ويقضي به الحق. وأما أهل لساننا في زماننا هذا فقد نبذوا هذا العلم وراء أظهرهم وجعلوا هذا الفن دبر آذانهم واستخفوا به وحسبوه فضلاً لا يُحتاج إليه وشيئاً لا يُعرج عليه فتعروا من محاسنه وتعطلوا من فضائله وخلوا من زينه وحليه حتى جعل كل واحد منهم ينطق كيف يشاء ويتكلم بما أراد لا يتحرجون في ذلك ولا يشاحّون فيه كأنه ليس للغة قانون يُرجع إليه ولا حد يُوقف عنده قد رضوا من اللسان بما يَسُر أمره عندهم وقنعوا منه بما سَهُل مأخذه عليهم وقَرُب التماسه منهم لا يدققون أصله ولا ينقحون فرعه، فلهم في اللغة مناكير يُغرب عنها وأقاويل يُزهد فيها. وأكثر من استخف منهم بهذا العلم وازدرى هذا الفن فمن مال منهم إلى شيء من الفقه [= التلموديون] تيهاً منهم بيسير ما يحسنونه منه وعجباً بنزر ما يفهمونه من ذلك حتى لقد بلغني عن بعض مشاهيرهم أنه يقول عن علم اللغة إنه شيء لا معنى له وإن الاشتغال به غير مجدٍٍٍٍ ولا مفيد وإن صاحبه مُعنّى وطالبه متعب بغير ثمرة ينالها منه. وإنما استسهلوا ذلك لقراءتهم ما يقرؤون من الفقه [= شرائع التوراة] ملحوناً ودراستهم ما يدرسون منه مُصحّفاً وهم لا يشعرون وذلك لعدمهم الرواية وفقدهم الإسناد. وقد بعث ذلك أكثرهم على الاستخفاف بتقيد القرآن [يقصد التوراة] وتمييز الـ קמץ من الـ פתח والـ מלעל من الـ מלרע. وأما علم التصريف والتكلم فيه فهو مما يتشاءمون به ويكادون يجعلونه من جملة الزندقة"!
مواضيع ذات صلة:
يتبع ..
[/align]
تعليق