[align=justify]إتجار كيريت *
ترجمة: عمرو زكريا خليل- مصر
[align=center]ليـــلاند[/align]
كذبته الأولى كذبها روبى عندما كان ابن السابعة.أعطته أمه ورقة نقدية قديمة ومجعدة وطلبت منه أن يذهب ليشترى لها من البقالة علبة كِنت طويل. إشترى روبى بالمال أيس كريم والباقى الذى حصل عليه أخفاه أسفل حجر أبيض كبير فى الفناء الخلفى للمبنى الذى سكنوا فيه، وعندما عاد الى البيت حكى لأمه أن طفل أحمر الشعر مخيف مع سن أمامية ناقصة أوقفه فى الشارع، ولطمه وأخذ الورقى المالية.صدَّقته. ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف روبى عن الكذب.
فى الثانوى سافر الى إيلات وهناك ركض على شاطى البحر أسبوع تقريبا، ليس قبل أن يبيع لمنسق الفصل قصة عن العمة من بئر سبع التى مرضت بالسرطان. فى الجيش تحولت هذه العمة الوهمية الى عمياء وساعدت روبى على الخروج من مشكلة الغياب، بدون حبس أو حتى حجز. فى العمل برر ذات مرة تأخير ساعتين بكذبة عن كلب رعاة وجده مدهوس بجوار الطريق وأخذه الى الطبيب البيطرى.
فى الكذبة، بقى الكلب مشلولا فى اثنين من أقدامه، ومرت علملية التأخير تماماً. أكاذيب كثيرة استطاع روبى الجربلى كذبها فى حياته، أكاذيب كسيحة ومريضة، عنيفة وسيئة، أكاذيب برجلين وعلى عجل، أكاذيب بمعطف وأكاذيب بشارب. أكاذيب اختلقها فى ثانية، بدون التفكير فى أنه سيحتاج ذات مرة الى العودة ومقابلتها.
كل شىء بدأ بحلم. حلم قصير وليس واضحاً تماما عن أمه الميتة. فى الحلم جلس الاثنان على حصيرة فى منتصف مسطح أبيض ليس له تفاصيل، حيث يبدو كما لو كان لم يبدأ أو انتهى فى أى مكان. الى جانبهم، على المسطح الأبيض اللامتناهى، وقفت ماكينة لبان من النوع القديم، مع جزء علوى شفاف وفتحة يضعون فى داخلها العملة، يديرونها ويحصلون على لبان مستدير.
وفى الحلم قالت أم روبى له أن هذا العالم الآخر قد بدأ يخبلها، الناس هنا طيبون لكن لا توجد سجائر. ليس فقط لا توجد سجائر، لا توجد قهوة، ولا ريشت ب (محطة إذاعية إسرائيلية)، لا شىء. يجب عليك أن تساعدنى يا روبى،" قالت، "يجب عليك أن تشترى لى لبان، أنا ربيتك يا ولد. طوال هذه السنوات أعطيتك كل شىء ولم أطلب منك أى شىء. لكن حان الوقت الان أن تعيد شيئاً ما إلى أمك العجوز. إشتر لى لبان مستدير. أحمر، لو أمكن.لكن لا مشكلة لو كان أزرقاً." وفى الحلم بحث روبى فى جيوبه مراراً وتكراراً، بحث عن عملة ولم يجد.
"ليس لدى يا أماه"، قال باكياً، "ليس لدى عملات، بحثت فى كل الجيوب." بصفته واحد لم يبك ولا مرة عندما يكون مستيقظاً كان من الغريب أن يبكى فى الحلم.
"بحثت أيضاً أسفل الحجر؟!!" سألت أمه وغطت كف يده بيدها، ربما مازالوا هناك"؟
وحينئذ استيقظ.
كان هذا يوم السبت، الخامسة صباحاً، مازال ظلام فى الخارج. وجد روبى نفسه يدخل السيارة ويقود الى المكان الذى نشأ فيه كطفل. فى السبت صباحاً، بدون حركة مرور على الطرق، إستغرق أقل من عشرين دقيقة للوصول. فى الطابق الأرضى من المبنى، حيث كانت ذات مرة بقالة فليسكين، فتحوا دكان كل شىء بدولار، وبجواره بدلا من دكان الأحذية، أصبح الان فرعاً لشركة محمول عرضت فى نافذة العرض تطوير للأجهزة كما لو كان ليس هناك غد.
لكن المبنى بقى نفس المبنى. أكثر من عشرين سنة مرت منذ أن تركوا وحتى لم يدهنوه. حتى الفناء بقى نفس الفناء، مع بعض الزهور، صنبور، عداد مياه صدأ، أعشاب كثيرة. وفى طرف الفناء بجوار منشر الغسيل الذين كانوا يحولوه فى كل عام الى مظلة، يوجد الحجر الأبيض.
وقف هناك، فى الفناء الخلفى للبيت الذى نشأ فيه، مرتدٍ معطف واق من المطر، مع مصباح بلاستيكى كبير فى اليد، وشعر بشى غريب. الخامسة والنصف صباحاً، يوم السبت. لو، فرض، خرج أى جار، ماذا سيقول له؟ الأم الميتة جاءت لى فى الحلم وطلبت أن أشترى لها لبان مستدير، لذا جئت الى هنا للبحث عن عملات؟ كان من الغريب أن الحجر مازال هناك بعد سنوات كثيرة جداً. على الرغم من أنه عندما يفكرون فى ذلك، ليس هذا أن الاحجار تذهب من تلقاء نفسها الى مكان ما. رفع الحجر بنصف خوف، كما لو كان من الممكن أن يكون مختبئاً تحته عقرب ما. لكن لم يكن تحته أى عقرب أو ثعبان، أو عملات لليرة، فقط حفره بقطر بوميله (نوع من الموالح هجين من اليوسفى والجريب فروت) انبعث منها نور. حاول روبى النظر الى داخل الحفرة لكن النور زغلل عينين. تردد ثانية وبعدها أرسل يده الى الداخل، كل الذراع، حتى الكتف. تمددد على الارض واجتهد للوصول الى شىء ما. فى أرضية الحفرة. لكن الحفرة لم يكن لها أرضية، والشىء الوحيد الذى نجح فى لمسه أحس مثل المعدن البارد، مثل اليد، يد ماكينة لبان. الآن جاءت اللحظة التى كان من المقرر أن يتدحرج اللبان المستدير الى الخارج؛ أن يقطع كل الطريق من الأحشاء المعدنية للماكينة الى داخل كف يد طفل متحمس ينتظره بدون صبر. الان كانت اللحظة فى أن كل هذا كان يجب أن يحدث. لكن هذا لم يحدث. وفى الثانية التى أنهى فيها روبى إدارة يد الماكينة ظهر هنا. المكان من الحلم عن أمه. أبيض تماماً، بلا جدران، بلا أرضية، بلا سقف، بلا شمس. أبيض فقط وماكينة لبان. ماكينة لبان، وطفل ذو شعر أحمر قصير وبشع نجح روبى فى تفنيده بشكل ما من النظرة الأولى. وقبل أن استطاع روبى الابتسامة الى الطفل أو قول شىء، ضربه ذو الشعر الأحمر فى قدمه بكل قوة وأسقطه على ركبتيه. الان، عندما ركع على ركبيتيه تأوه من الالام، كان روبى والولد فى نفس الطول بالضبط. نظر ذو الشعر الأحمر الى روبى فى عينيه، وعلى الرغم من أن روبى عرف أنهما لم يتقابلا أبدا، كان فى هذا الولد شيئاً معروفا. "من أنت؟" سأل الولد ذو الشعر الأحمر الذى وقف أمامه ولهث. "أنا؟" ابتسم ذو الشعر الاحمر ابتسامة شريرة كشفت عن سن أمامية ناقصة، "أنا كذبتك الأولى." حاول روبى النهوض. القدم الذى ضربها ذو الشعر الاحمر آلمت بشدة. ذو الشعر الأحمر نفسه قد فر منذ وقت. تفحص روبى ماكينة اللبان من قريب. واختبأت وراء اللبان المستدير كرات بلاستيكية نصف شفافة وفى داخلها مفاجئات. بدأ روبى فى العرج فى اتجاه غير واضح. ونظراً لأنه على المسطح الأبيض لم يكن هناك أى نقطة إشارة باستثناء ماكينة اللبان، الشىء الوحيد الذى كان يستطيع أن يفعله هو محاولة الابتعاد عنها. كل بضع خطوات أدار رأسه كى يتأكد أن الماكينة أصبحت بالفعل أصغر، وفى إحدى المرات عندما أعاد رأسه، رأى كلب رعاة والى جانبه رجل عجوز ونحيف بعين زجاجية ويدين مقطوعتين. الكلب ميزه على الفور وفقاً للشكل الذى تقدم به بنصف زحف، حيث تجر رجلاه الأماميتان وراءهما بمجهود كبير حوضه المشلول.كان هذا الكلب المدهوس من الكذبة. الكلب، الذى لهث من المجهود ومن التأثر، سعيد برؤيته. لعق كف يد روبى وغرس فيها زوج عينين لامعتين.الشخصي الضئيل لم ينجح روبى فى تمييزه. العجوز مد الخطاف الذى وضع على جدعة يده اليمنى لمصافحة ارتجالية. "روبى"، قال روبى وأومأ. "إيجور"، قدم العجوز نفسه وربت بأحد الخطافات على ظهر روبى. "هل نعرف بعضنا؟" سأل روبى بعد بضع ثوانى من الصمت المتردد. "كلا"، قال إيجور ورفع حزام الكلب بمساعدة أحد الخطافات، "أنا هنا بسببه. لقد شمك من كيلومترات وتأثر جداً. أراد أن نأتى." "إذاً أنا وأنت غير مرتبطين تماماً." قال روبى بإحساس تخفيفى. "أنا وأنت؟" قال إيجور، "بالطبع لا. أنا كذبة شخص ما آخر." روبى يريد جداً أن يسأل إيجور كذبة من هو، لكن لم يكن متأكداً أن هذا سؤال من الأدب سؤاله هنا.
بشكل عام، أراد أن يسأله ما بالضبط هذا المكان، وإن كان يوجد هنا أناس آخرين كثيرين، أو أكاذيب، أو كما لا يسمون أنفسهم، غيرى أنا، لكن هناك خوف من أن هذا أيضاً سؤال حساس جداً. إذاً بدلاً من الحديث لاطف كلب إيجور المعوق. كان الكلب لطيفاً. يبدو أنه سعيد جداً بلقاء روبى، وروبى عطف على الكلب المعوق وشعر بالذنب على أنه لم يختلق كذبة أقل معاناة وألما عوضاً عن ذلك. "ماكينة اللبان"، سأل إيجور بعد بضع دقائق، "على أى عملة تعمل؟" "ليرات"، قال العجوز. "كان هنا من قبل ولد ما"، قال روبى، أخذ لى المحفظة. لكن حتى لو كان تركها لى لم يكن هناك ليرات." "ولد بدون سن؟" سأل إيجور، " هذا الدنىء يسرق من الجميع. حتى أنه يأكل البونزو (طعام الكلاب) للكلب. عندنا فى روسيا ولد كهذا كانوا يخرجوه مع فانلة ولباس الى الثلج ويدخلوه ثانية الى البيت فقط عندما يصبح كل جسمه أزرقا." أشار إيجور بالخطاف الى جيبه الخلفى. خذ، هدية منى." "هنا فى الداخل يوجد بضع ليرات. أخرج روبى المحرج عملة ليرة من جيب إيجور، وبعد أن قال شكرا حاول أن يعرض عليه ساعته السواتش "شكراً"، ابتسم إيجور، "لكن لماذا أحتاج ساعة من البلاستيك؟ غير هذا، فأنا لست مستعجلا أبداً لأى مكان. وعندما رأى أن روبى يبحث عن شىء ما آخر لاعطائه بدلا، أسرع للتهدئة، "أنا من تلقاء ذاتى مدين لك. إن لم تكن كذبتك عن الكلب، لكنت هنا وحيداً تماماً. إذاً الان نحن متساويان." عرج روبى سريعاًعائداً الى اتجاه ماكينة اللبان. ضربة الولد ذو الشعر الأحمر ما ذالت تؤلم، لكن بشكل أقل. أدخل الليرة الى داخل الماكينة، أخذ نفساً عميقاً، أغمض عينيه وأدار اليد بسرعة. وجد نفسه ممداً على الأرض فى فناء المبنى القديم. ضوء أول قد بدأ فى تلوين السماء بألوان غامقة من الازرق. جذب روبى كف يده المقبوض من داخل الحفرة العميقة، وعندما فتحها اكتشف فى داخلها لبان مستدير أحمر. قبل أن يذهب أعاد الحجر الى مكانه. لم يسأل نفسه ماذا حدث بالضبط هناك فى الحفرة، فقط دخل السيارة، عشق للخلف وذهب من هناك. اللبان الأحمر وضعه أسفل المخدة، من أجل أمه، لو عادت فى الحلم. فى الأيام الاولى فكر روبى أيضا فى هذا كثيرا، فى هذا المكان، فى الكلب، فى إيجور، فى أكاذيبه الأخرى التى للحظ لم يلتقها. كانت تلك الكذبة الغريبة التى حكاها ذات مرة لروتى، صديقته السابقة، عندما لم يحضر الى وجبة الجمعة عند والديها، كذبة عن ابنة أخيه التى سكنت فى نتانيا ومتزوجة من زوج عنيف، وعلى كيف أنه هدد أنه سيقتلها وكان على روبى أن يصل الى هناك لتهدئة النفوس. حتى اليوم لا يعرف لماذا اختلق هذه القصة الملتوية. ربما فكر وقتها أنه كلما اختلق شيئا ما أكثر تعقيدا ومعوجا، هكذا ستصدقه اكثر. الان ليس بعيدا عن هنا، فى داخل حفرة ما فى الارض، زوج مهووس وزوجة مضروبة. هناك أناس عندما لا يأتون الى وجبة الجمعة يقولون فقط أن رأسهم تؤلمهم، لكن هو، بسبب قصصه تلك عاشت، وهو لم يعد الى الحفرة، لكن شىء ما من هذا المكان بقى فيه. فى البداية، استمر كذلك فى الكذب، لكن أكاذيب إيجابية مثل تلك، التى لا تضرب أو تعرج أو تحتضر من السرطان. لقد تأخر عن العمل لأنه كان يجب عليه أن يسقى المزهريات فى شقة العمة التى سافرت لزيارة ابنها الناجح فى اليابان؛ هو لم يأت لأن قطة ولدت له بجوار الباب وكان يجب عليه أن يهتم بالصغار. أمور كهذه. لكن المشكلة مع كل هذه الأكاذيب الايجابية كانت أنه كان من المعقد أكثر اختلاقها. على الاقل كتلك التى تبدو صادقة. بشكل عام، عندما تحكى للناس شىء ما سىء فهم يتقبلون ذلك مباشرة، فهذا يبدو لهم طبيعيا. لكن عندما تختلق أمورا طيبة يميلون الى الشك. وهكذا بالتدريج وجد روبى نفسه يكذب أقل. بسبب الكسل على وجه الخصوص. ومع الوقت فكر أقل فى هذا المكان. فى الحفرة. حتى الصباح الذى سمع فيه فى الطرقة نتاشا من الماليات تتحدث مع مدير القسم. طلبت أن يسمح لها بأجازة عاجلة، لبضعة أيام، لأن عمها إيجور أصيب بأزمة قلبية. شخص مسكين، أرمل بدون حظ فقد كلتا يديه فى حادث طريق فى روسيا، والان ذلك، وهو وحيد جدا لاحول له ولا قوة. صدق مدير القسم على الاجازة، وذهبت نتاشا الى مكتبها، أخذت الحقيبة وخرجت من المبنى. تبعها روبين حتى سيارتها. عندما توقفت لتخرج المفاتيح من الحقيبة توقف هو أيضا. استدارت اليه. "أنت تعمل فى المشتروات"، قالت له، "مساعد زجورى، أليس كذلك؟" "نعم"، أومأ روبى، "يدعوننى روبى." "والله، روبى"، قالت نتاشا وابتسمت ابتسامة روسية متعصبة، "إذا ما قصتك؟ أتحتاج شيئا ما؟" "هذا بخصوص كذبتك، من قبل، لمدير القسم"، تمتم روبى، "أنا أعرفه." "تبعتنى طوال الطريق الى السيارة فقط من أجل أن تتهمنى بأنى كاذبة؟" همست ناتاشا."كلا، دافع روبى، "أنا لا أتهم، حقا. هذا أنك كاذبة فهذا بمزاجك. أنا أيضاً كاذب. لكن هذا الايجور من كذبتك، أنا قابلته. هو شخص من ذهب. وأنتِ، متأسف أنى أقول لك هذا، لكن أنت قد اختلقت له حزن كاف. إذاً أردت فقط أن أقول لك أن..." "أنت على استعداد للتحرك؟" قاطعته نتاشا ببرود، "أنت تزعجنى فى فتح باب السيارة." "اعرف أن هذا يبدو باطلا لكنى أستطيع أن أثبت لك هذا"، توتر روبى. "ليس له عين، لإيجور.هذا يعنى، لديه، لكن فقط واحدة.
مرة كذبتِ وقلتِ أنه فقد عين، صحيح؟" ونتاشا، التى قد بدأت فى الدخول الى السيارة، توقفت.
"من أين أتيت بهذا؟" قالت فى ريبة، "أنت صديق سلافا؟" "لا أعرف أى سلافا"، حقاً، لو ترغبين أنا أستطيع أن آخذك إليه."
وقفا فى الفناء الخلفى للمبنى. حرك روبى الحجر، تمدد على الارض الرطبة ودفع ذراعه الى داخل الحفرة. وقفت نتاشا من فوقه. مد له يده الخالية وقال، "تمسكى جيدا." نظرت نتاشا الى الرجل الممدد تحت قدميها. ابن نيف وثلاثين، لطيف، يرتدى قميص أبيض نظيف ومكوى، والذى أصبح الان أقل نظافة وأقل كيا، ذراع واحد محشور فى داخل حفرة وخده ملتصق بالأرض. "تمسكى بقوة"، كرر، وهى لم تستطع ألا تسأل نفسها، فى الوقت الذى مدت له يدها، كيف تجد دائما كل هؤلاء المخبولين. عندما بدأ مع كل حمقاته بجوار السيارة اعتقدت أنه ربما ذلك نوع من الدعابة، شىء ما صابرى (اليهود المولودين فى إسرائيل) أحمق، مثل "فسفوسيم"، لكن الان أدركت أن الشاب صاحب العينين الضعيفتين والابتسمامة المحرجة بالفعل مخبول. اصابعه ضمت أصابعها بقوة. وقفا هكذا جامدين لحظة ما، هو ممدد على الارض وهى فوقه، منحنية قليلاً، مع نظرة مترددة فى العينين. "أوكى"، همست نتاشا بصوت رقيق، شبه علاجى، "هاهو نحن متشابكى الايادى. ماذا الان؟" "الان"، قال روبى، "أنا سأدير اليد." استغرقا وقتا طويلا للعثور على إيجور. فى البداية التقيا كذبة ما مشعرة وأحدبة على ما يبدو لأرجنتينى واحد، لم يتحدث كلمة عبرية، وبعدها كذبة أخرى لنتاشا، شرطى ما متدين مزعج أصر على إعاقتهما وفحص وثائقهما لكنه لم يسمع نهائيا عن إيجور. من ساعدتهما فى النهاية كانت ابنة أخ روبى المضروبة من نتانيا. وجدوها تطعم صغار القطة من كذبته الأخيرة. إبنة الأخ هذه لم تلتق إيجور منذ بضعة أيام، لكن عرفت كيف يمكن العثور على كلبه. والكلب، بعد أن انتهى من لعق يدى ووجه روبى، سعد أن يأخذهما الى سرير سيده. كان إيجور فى حالة غير طيبة، كان جلده أصفراً جداً وتعرق طوال الوقت. لكن عندما رأى نتاشا ابتسم ابتسامة عريضة. هو سعيد جدا أنها جاءت لزيارته وأصر على القيام ومعانقتها على الرغم من أنه كان قادرا على الوقوف بصعوبة. وعندما عانقها بدأت ناتاشا فى البكاء وطلبت العفو، لأن هذا الإيجور، علاوة على أنه كان كذبة، كان عمها. عم اختلقته، صحيح، ومع هذا عم. وقال إيجور انه لا يوجد لديها ما تعتذر عنه، وأن الحياة التى اختلقتها له ربما لم تكن دائما بسيطة، لكنه استمتع بكل لحظة، وأن ليس لديها ما يقلق، لأنه مقارنة بحادث القطار فى مينسك، وضربة البرق فى فولديستوك وعضة جماعة الذئاب المصابة بالكلب فى سبير، هذه الأزمة القلبية كانت شيئاً بسيطاً. وعندما عادوا الى ماكينة اللبان أدخل روبى الى الفتحة عملة ليرة، أخذ يد نتاشا بيده وطلب منها أن تدير. عندما أصبحوا فى الفناء ثانية وجدت ناتاشا فى كف يدها كرة بلاستيك وفى داخلها مفاجئة - قلادة بلاستيك ذهبية وبشعة فى صورة قلب. "أتعلم"، قالت لروبى، "كان على أن أسافر هذا المساء الى سيناء لعدة أيام مع صديقة، لكنى أفكر فى أنه ربما ألغى السفر وأعود الى هنا غدا لأراعى إيجور. أتريد أن تأتى أيضا؟" أومأ روبى. علم أنه من أجل الحضور معها غدا سيضطر أن يختلق كذبة من أجل المكتب، وعلى الرغم من أنه لم يخطط بعد أى بالضبط، فقد عرف أنها ستكون كذبة سعيدة وأنه سيكون فيها الكثير من النور، الزهور، الشمس، من يعلم، ربما حتى بعض الأطفال المبتسمة.
*كاتب إسرائيلى ولد فى 20 أغسطس 1967، إنتاجه الأساسى القصص القصيرة، كتب كذلك بعض المسرحيات والسيناريوهات
[/align]
ترجمة: عمرو زكريا خليل- مصر
[align=center]ليـــلاند[/align]
كذبته الأولى كذبها روبى عندما كان ابن السابعة.أعطته أمه ورقة نقدية قديمة ومجعدة وطلبت منه أن يذهب ليشترى لها من البقالة علبة كِنت طويل. إشترى روبى بالمال أيس كريم والباقى الذى حصل عليه أخفاه أسفل حجر أبيض كبير فى الفناء الخلفى للمبنى الذى سكنوا فيه، وعندما عاد الى البيت حكى لأمه أن طفل أحمر الشعر مخيف مع سن أمامية ناقصة أوقفه فى الشارع، ولطمه وأخذ الورقى المالية.صدَّقته. ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف روبى عن الكذب.
فى الثانوى سافر الى إيلات وهناك ركض على شاطى البحر أسبوع تقريبا، ليس قبل أن يبيع لمنسق الفصل قصة عن العمة من بئر سبع التى مرضت بالسرطان. فى الجيش تحولت هذه العمة الوهمية الى عمياء وساعدت روبى على الخروج من مشكلة الغياب، بدون حبس أو حتى حجز. فى العمل برر ذات مرة تأخير ساعتين بكذبة عن كلب رعاة وجده مدهوس بجوار الطريق وأخذه الى الطبيب البيطرى.
فى الكذبة، بقى الكلب مشلولا فى اثنين من أقدامه، ومرت علملية التأخير تماماً. أكاذيب كثيرة استطاع روبى الجربلى كذبها فى حياته، أكاذيب كسيحة ومريضة، عنيفة وسيئة، أكاذيب برجلين وعلى عجل، أكاذيب بمعطف وأكاذيب بشارب. أكاذيب اختلقها فى ثانية، بدون التفكير فى أنه سيحتاج ذات مرة الى العودة ومقابلتها.
كل شىء بدأ بحلم. حلم قصير وليس واضحاً تماما عن أمه الميتة. فى الحلم جلس الاثنان على حصيرة فى منتصف مسطح أبيض ليس له تفاصيل، حيث يبدو كما لو كان لم يبدأ أو انتهى فى أى مكان. الى جانبهم، على المسطح الأبيض اللامتناهى، وقفت ماكينة لبان من النوع القديم، مع جزء علوى شفاف وفتحة يضعون فى داخلها العملة، يديرونها ويحصلون على لبان مستدير.
وفى الحلم قالت أم روبى له أن هذا العالم الآخر قد بدأ يخبلها، الناس هنا طيبون لكن لا توجد سجائر. ليس فقط لا توجد سجائر، لا توجد قهوة، ولا ريشت ب (محطة إذاعية إسرائيلية)، لا شىء. يجب عليك أن تساعدنى يا روبى،" قالت، "يجب عليك أن تشترى لى لبان، أنا ربيتك يا ولد. طوال هذه السنوات أعطيتك كل شىء ولم أطلب منك أى شىء. لكن حان الوقت الان أن تعيد شيئاً ما إلى أمك العجوز. إشتر لى لبان مستدير. أحمر، لو أمكن.لكن لا مشكلة لو كان أزرقاً." وفى الحلم بحث روبى فى جيوبه مراراً وتكراراً، بحث عن عملة ولم يجد.
"ليس لدى يا أماه"، قال باكياً، "ليس لدى عملات، بحثت فى كل الجيوب." بصفته واحد لم يبك ولا مرة عندما يكون مستيقظاً كان من الغريب أن يبكى فى الحلم.
"بحثت أيضاً أسفل الحجر؟!!" سألت أمه وغطت كف يده بيدها، ربما مازالوا هناك"؟
وحينئذ استيقظ.
كان هذا يوم السبت، الخامسة صباحاً، مازال ظلام فى الخارج. وجد روبى نفسه يدخل السيارة ويقود الى المكان الذى نشأ فيه كطفل. فى السبت صباحاً، بدون حركة مرور على الطرق، إستغرق أقل من عشرين دقيقة للوصول. فى الطابق الأرضى من المبنى، حيث كانت ذات مرة بقالة فليسكين، فتحوا دكان كل شىء بدولار، وبجواره بدلا من دكان الأحذية، أصبح الان فرعاً لشركة محمول عرضت فى نافذة العرض تطوير للأجهزة كما لو كان ليس هناك غد.
لكن المبنى بقى نفس المبنى. أكثر من عشرين سنة مرت منذ أن تركوا وحتى لم يدهنوه. حتى الفناء بقى نفس الفناء، مع بعض الزهور، صنبور، عداد مياه صدأ، أعشاب كثيرة. وفى طرف الفناء بجوار منشر الغسيل الذين كانوا يحولوه فى كل عام الى مظلة، يوجد الحجر الأبيض.
وقف هناك، فى الفناء الخلفى للبيت الذى نشأ فيه، مرتدٍ معطف واق من المطر، مع مصباح بلاستيكى كبير فى اليد، وشعر بشى غريب. الخامسة والنصف صباحاً، يوم السبت. لو، فرض، خرج أى جار، ماذا سيقول له؟ الأم الميتة جاءت لى فى الحلم وطلبت أن أشترى لها لبان مستدير، لذا جئت الى هنا للبحث عن عملات؟ كان من الغريب أن الحجر مازال هناك بعد سنوات كثيرة جداً. على الرغم من أنه عندما يفكرون فى ذلك، ليس هذا أن الاحجار تذهب من تلقاء نفسها الى مكان ما. رفع الحجر بنصف خوف، كما لو كان من الممكن أن يكون مختبئاً تحته عقرب ما. لكن لم يكن تحته أى عقرب أو ثعبان، أو عملات لليرة، فقط حفره بقطر بوميله (نوع من الموالح هجين من اليوسفى والجريب فروت) انبعث منها نور. حاول روبى النظر الى داخل الحفرة لكن النور زغلل عينين. تردد ثانية وبعدها أرسل يده الى الداخل، كل الذراع، حتى الكتف. تمددد على الارض واجتهد للوصول الى شىء ما. فى أرضية الحفرة. لكن الحفرة لم يكن لها أرضية، والشىء الوحيد الذى نجح فى لمسه أحس مثل المعدن البارد، مثل اليد، يد ماكينة لبان. الآن جاءت اللحظة التى كان من المقرر أن يتدحرج اللبان المستدير الى الخارج؛ أن يقطع كل الطريق من الأحشاء المعدنية للماكينة الى داخل كف يد طفل متحمس ينتظره بدون صبر. الان كانت اللحظة فى أن كل هذا كان يجب أن يحدث. لكن هذا لم يحدث. وفى الثانية التى أنهى فيها روبى إدارة يد الماكينة ظهر هنا. المكان من الحلم عن أمه. أبيض تماماً، بلا جدران، بلا أرضية، بلا سقف، بلا شمس. أبيض فقط وماكينة لبان. ماكينة لبان، وطفل ذو شعر أحمر قصير وبشع نجح روبى فى تفنيده بشكل ما من النظرة الأولى. وقبل أن استطاع روبى الابتسامة الى الطفل أو قول شىء، ضربه ذو الشعر الأحمر فى قدمه بكل قوة وأسقطه على ركبتيه. الان، عندما ركع على ركبيتيه تأوه من الالام، كان روبى والولد فى نفس الطول بالضبط. نظر ذو الشعر الأحمر الى روبى فى عينيه، وعلى الرغم من أن روبى عرف أنهما لم يتقابلا أبدا، كان فى هذا الولد شيئاً معروفا. "من أنت؟" سأل الولد ذو الشعر الأحمر الذى وقف أمامه ولهث. "أنا؟" ابتسم ذو الشعر الاحمر ابتسامة شريرة كشفت عن سن أمامية ناقصة، "أنا كذبتك الأولى." حاول روبى النهوض. القدم الذى ضربها ذو الشعر الاحمر آلمت بشدة. ذو الشعر الأحمر نفسه قد فر منذ وقت. تفحص روبى ماكينة اللبان من قريب. واختبأت وراء اللبان المستدير كرات بلاستيكية نصف شفافة وفى داخلها مفاجئات. بدأ روبى فى العرج فى اتجاه غير واضح. ونظراً لأنه على المسطح الأبيض لم يكن هناك أى نقطة إشارة باستثناء ماكينة اللبان، الشىء الوحيد الذى كان يستطيع أن يفعله هو محاولة الابتعاد عنها. كل بضع خطوات أدار رأسه كى يتأكد أن الماكينة أصبحت بالفعل أصغر، وفى إحدى المرات عندما أعاد رأسه، رأى كلب رعاة والى جانبه رجل عجوز ونحيف بعين زجاجية ويدين مقطوعتين. الكلب ميزه على الفور وفقاً للشكل الذى تقدم به بنصف زحف، حيث تجر رجلاه الأماميتان وراءهما بمجهود كبير حوضه المشلول.كان هذا الكلب المدهوس من الكذبة. الكلب، الذى لهث من المجهود ومن التأثر، سعيد برؤيته. لعق كف يد روبى وغرس فيها زوج عينين لامعتين.الشخصي الضئيل لم ينجح روبى فى تمييزه. العجوز مد الخطاف الذى وضع على جدعة يده اليمنى لمصافحة ارتجالية. "روبى"، قال روبى وأومأ. "إيجور"، قدم العجوز نفسه وربت بأحد الخطافات على ظهر روبى. "هل نعرف بعضنا؟" سأل روبى بعد بضع ثوانى من الصمت المتردد. "كلا"، قال إيجور ورفع حزام الكلب بمساعدة أحد الخطافات، "أنا هنا بسببه. لقد شمك من كيلومترات وتأثر جداً. أراد أن نأتى." "إذاً أنا وأنت غير مرتبطين تماماً." قال روبى بإحساس تخفيفى. "أنا وأنت؟" قال إيجور، "بالطبع لا. أنا كذبة شخص ما آخر." روبى يريد جداً أن يسأل إيجور كذبة من هو، لكن لم يكن متأكداً أن هذا سؤال من الأدب سؤاله هنا.
بشكل عام، أراد أن يسأله ما بالضبط هذا المكان، وإن كان يوجد هنا أناس آخرين كثيرين، أو أكاذيب، أو كما لا يسمون أنفسهم، غيرى أنا، لكن هناك خوف من أن هذا أيضاً سؤال حساس جداً. إذاً بدلاً من الحديث لاطف كلب إيجور المعوق. كان الكلب لطيفاً. يبدو أنه سعيد جداً بلقاء روبى، وروبى عطف على الكلب المعوق وشعر بالذنب على أنه لم يختلق كذبة أقل معاناة وألما عوضاً عن ذلك. "ماكينة اللبان"، سأل إيجور بعد بضع دقائق، "على أى عملة تعمل؟" "ليرات"، قال العجوز. "كان هنا من قبل ولد ما"، قال روبى، أخذ لى المحفظة. لكن حتى لو كان تركها لى لم يكن هناك ليرات." "ولد بدون سن؟" سأل إيجور، " هذا الدنىء يسرق من الجميع. حتى أنه يأكل البونزو (طعام الكلاب) للكلب. عندنا فى روسيا ولد كهذا كانوا يخرجوه مع فانلة ولباس الى الثلج ويدخلوه ثانية الى البيت فقط عندما يصبح كل جسمه أزرقا." أشار إيجور بالخطاف الى جيبه الخلفى. خذ، هدية منى." "هنا فى الداخل يوجد بضع ليرات. أخرج روبى المحرج عملة ليرة من جيب إيجور، وبعد أن قال شكرا حاول أن يعرض عليه ساعته السواتش "شكراً"، ابتسم إيجور، "لكن لماذا أحتاج ساعة من البلاستيك؟ غير هذا، فأنا لست مستعجلا أبداً لأى مكان. وعندما رأى أن روبى يبحث عن شىء ما آخر لاعطائه بدلا، أسرع للتهدئة، "أنا من تلقاء ذاتى مدين لك. إن لم تكن كذبتك عن الكلب، لكنت هنا وحيداً تماماً. إذاً الان نحن متساويان." عرج روبى سريعاًعائداً الى اتجاه ماكينة اللبان. ضربة الولد ذو الشعر الأحمر ما ذالت تؤلم، لكن بشكل أقل. أدخل الليرة الى داخل الماكينة، أخذ نفساً عميقاً، أغمض عينيه وأدار اليد بسرعة. وجد نفسه ممداً على الأرض فى فناء المبنى القديم. ضوء أول قد بدأ فى تلوين السماء بألوان غامقة من الازرق. جذب روبى كف يده المقبوض من داخل الحفرة العميقة، وعندما فتحها اكتشف فى داخلها لبان مستدير أحمر. قبل أن يذهب أعاد الحجر الى مكانه. لم يسأل نفسه ماذا حدث بالضبط هناك فى الحفرة، فقط دخل السيارة، عشق للخلف وذهب من هناك. اللبان الأحمر وضعه أسفل المخدة، من أجل أمه، لو عادت فى الحلم. فى الأيام الاولى فكر روبى أيضا فى هذا كثيرا، فى هذا المكان، فى الكلب، فى إيجور، فى أكاذيبه الأخرى التى للحظ لم يلتقها. كانت تلك الكذبة الغريبة التى حكاها ذات مرة لروتى، صديقته السابقة، عندما لم يحضر الى وجبة الجمعة عند والديها، كذبة عن ابنة أخيه التى سكنت فى نتانيا ومتزوجة من زوج عنيف، وعلى كيف أنه هدد أنه سيقتلها وكان على روبى أن يصل الى هناك لتهدئة النفوس. حتى اليوم لا يعرف لماذا اختلق هذه القصة الملتوية. ربما فكر وقتها أنه كلما اختلق شيئا ما أكثر تعقيدا ومعوجا، هكذا ستصدقه اكثر. الان ليس بعيدا عن هنا، فى داخل حفرة ما فى الارض، زوج مهووس وزوجة مضروبة. هناك أناس عندما لا يأتون الى وجبة الجمعة يقولون فقط أن رأسهم تؤلمهم، لكن هو، بسبب قصصه تلك عاشت، وهو لم يعد الى الحفرة، لكن شىء ما من هذا المكان بقى فيه. فى البداية، استمر كذلك فى الكذب، لكن أكاذيب إيجابية مثل تلك، التى لا تضرب أو تعرج أو تحتضر من السرطان. لقد تأخر عن العمل لأنه كان يجب عليه أن يسقى المزهريات فى شقة العمة التى سافرت لزيارة ابنها الناجح فى اليابان؛ هو لم يأت لأن قطة ولدت له بجوار الباب وكان يجب عليه أن يهتم بالصغار. أمور كهذه. لكن المشكلة مع كل هذه الأكاذيب الايجابية كانت أنه كان من المعقد أكثر اختلاقها. على الاقل كتلك التى تبدو صادقة. بشكل عام، عندما تحكى للناس شىء ما سىء فهم يتقبلون ذلك مباشرة، فهذا يبدو لهم طبيعيا. لكن عندما تختلق أمورا طيبة يميلون الى الشك. وهكذا بالتدريج وجد روبى نفسه يكذب أقل. بسبب الكسل على وجه الخصوص. ومع الوقت فكر أقل فى هذا المكان. فى الحفرة. حتى الصباح الذى سمع فيه فى الطرقة نتاشا من الماليات تتحدث مع مدير القسم. طلبت أن يسمح لها بأجازة عاجلة، لبضعة أيام، لأن عمها إيجور أصيب بأزمة قلبية. شخص مسكين، أرمل بدون حظ فقد كلتا يديه فى حادث طريق فى روسيا، والان ذلك، وهو وحيد جدا لاحول له ولا قوة. صدق مدير القسم على الاجازة، وذهبت نتاشا الى مكتبها، أخذت الحقيبة وخرجت من المبنى. تبعها روبين حتى سيارتها. عندما توقفت لتخرج المفاتيح من الحقيبة توقف هو أيضا. استدارت اليه. "أنت تعمل فى المشتروات"، قالت له، "مساعد زجورى، أليس كذلك؟" "نعم"، أومأ روبى، "يدعوننى روبى." "والله، روبى"، قالت نتاشا وابتسمت ابتسامة روسية متعصبة، "إذا ما قصتك؟ أتحتاج شيئا ما؟" "هذا بخصوص كذبتك، من قبل، لمدير القسم"، تمتم روبى، "أنا أعرفه." "تبعتنى طوال الطريق الى السيارة فقط من أجل أن تتهمنى بأنى كاذبة؟" همست ناتاشا."كلا، دافع روبى، "أنا لا أتهم، حقا. هذا أنك كاذبة فهذا بمزاجك. أنا أيضاً كاذب. لكن هذا الايجور من كذبتك، أنا قابلته. هو شخص من ذهب. وأنتِ، متأسف أنى أقول لك هذا، لكن أنت قد اختلقت له حزن كاف. إذاً أردت فقط أن أقول لك أن..." "أنت على استعداد للتحرك؟" قاطعته نتاشا ببرود، "أنت تزعجنى فى فتح باب السيارة." "اعرف أن هذا يبدو باطلا لكنى أستطيع أن أثبت لك هذا"، توتر روبى. "ليس له عين، لإيجور.هذا يعنى، لديه، لكن فقط واحدة.
مرة كذبتِ وقلتِ أنه فقد عين، صحيح؟" ونتاشا، التى قد بدأت فى الدخول الى السيارة، توقفت.
"من أين أتيت بهذا؟" قالت فى ريبة، "أنت صديق سلافا؟" "لا أعرف أى سلافا"، حقاً، لو ترغبين أنا أستطيع أن آخذك إليه."
وقفا فى الفناء الخلفى للمبنى. حرك روبى الحجر، تمدد على الارض الرطبة ودفع ذراعه الى داخل الحفرة. وقفت نتاشا من فوقه. مد له يده الخالية وقال، "تمسكى جيدا." نظرت نتاشا الى الرجل الممدد تحت قدميها. ابن نيف وثلاثين، لطيف، يرتدى قميص أبيض نظيف ومكوى، والذى أصبح الان أقل نظافة وأقل كيا، ذراع واحد محشور فى داخل حفرة وخده ملتصق بالأرض. "تمسكى بقوة"، كرر، وهى لم تستطع ألا تسأل نفسها، فى الوقت الذى مدت له يدها، كيف تجد دائما كل هؤلاء المخبولين. عندما بدأ مع كل حمقاته بجوار السيارة اعتقدت أنه ربما ذلك نوع من الدعابة، شىء ما صابرى (اليهود المولودين فى إسرائيل) أحمق، مثل "فسفوسيم"، لكن الان أدركت أن الشاب صاحب العينين الضعيفتين والابتسمامة المحرجة بالفعل مخبول. اصابعه ضمت أصابعها بقوة. وقفا هكذا جامدين لحظة ما، هو ممدد على الارض وهى فوقه، منحنية قليلاً، مع نظرة مترددة فى العينين. "أوكى"، همست نتاشا بصوت رقيق، شبه علاجى، "هاهو نحن متشابكى الايادى. ماذا الان؟" "الان"، قال روبى، "أنا سأدير اليد." استغرقا وقتا طويلا للعثور على إيجور. فى البداية التقيا كذبة ما مشعرة وأحدبة على ما يبدو لأرجنتينى واحد، لم يتحدث كلمة عبرية، وبعدها كذبة أخرى لنتاشا، شرطى ما متدين مزعج أصر على إعاقتهما وفحص وثائقهما لكنه لم يسمع نهائيا عن إيجور. من ساعدتهما فى النهاية كانت ابنة أخ روبى المضروبة من نتانيا. وجدوها تطعم صغار القطة من كذبته الأخيرة. إبنة الأخ هذه لم تلتق إيجور منذ بضعة أيام، لكن عرفت كيف يمكن العثور على كلبه. والكلب، بعد أن انتهى من لعق يدى ووجه روبى، سعد أن يأخذهما الى سرير سيده. كان إيجور فى حالة غير طيبة، كان جلده أصفراً جداً وتعرق طوال الوقت. لكن عندما رأى نتاشا ابتسم ابتسامة عريضة. هو سعيد جدا أنها جاءت لزيارته وأصر على القيام ومعانقتها على الرغم من أنه كان قادرا على الوقوف بصعوبة. وعندما عانقها بدأت ناتاشا فى البكاء وطلبت العفو، لأن هذا الإيجور، علاوة على أنه كان كذبة، كان عمها. عم اختلقته، صحيح، ومع هذا عم. وقال إيجور انه لا يوجد لديها ما تعتذر عنه، وأن الحياة التى اختلقتها له ربما لم تكن دائما بسيطة، لكنه استمتع بكل لحظة، وأن ليس لديها ما يقلق، لأنه مقارنة بحادث القطار فى مينسك، وضربة البرق فى فولديستوك وعضة جماعة الذئاب المصابة بالكلب فى سبير، هذه الأزمة القلبية كانت شيئاً بسيطاً. وعندما عادوا الى ماكينة اللبان أدخل روبى الى الفتحة عملة ليرة، أخذ يد نتاشا بيده وطلب منها أن تدير. عندما أصبحوا فى الفناء ثانية وجدت ناتاشا فى كف يدها كرة بلاستيك وفى داخلها مفاجئة - قلادة بلاستيك ذهبية وبشعة فى صورة قلب. "أتعلم"، قالت لروبى، "كان على أن أسافر هذا المساء الى سيناء لعدة أيام مع صديقة، لكنى أفكر فى أنه ربما ألغى السفر وأعود الى هنا غدا لأراعى إيجور. أتريد أن تأتى أيضا؟" أومأ روبى. علم أنه من أجل الحضور معها غدا سيضطر أن يختلق كذبة من أجل المكتب، وعلى الرغم من أنه لم يخطط بعد أى بالضبط، فقد عرف أنها ستكون كذبة سعيدة وأنه سيكون فيها الكثير من النور، الزهور، الشمس، من يعلم، ربما حتى بعض الأطفال المبتسمة.
*كاتب إسرائيلى ولد فى 20 أغسطس 1967، إنتاجه الأساسى القصص القصيرة، كتب كذلك بعض المسرحيات والسيناريوهات
[/align]
تعليق