المدونــــة الثالـثـة والثلاثون
البديل من العبريــــة
البديل من العبريــــة
[align=justify]عن المِـخرز و (المخراز)
من أغرب ما قرأت - في سياق ما تطمح إليه هذه المدونات- ما هاجم به "واحد على باب الله" شخصًا يذود عن ضرورة الاحتراز من العبرية في تضاعيف الجملة العربية، فاقرأوا "درره" في أحد المواقع حيث يكتب:
" ثم من قال لك إن الناس تعارض العبرية وتحاربها؟ هذا من أوهامك، أنا أحب التحدث بالعبرية، بل والكتابة بها، فما المانع؟ هناك أدباء عرب أجادوا الكتابة بلغة أبناء عمومتنا، مثل: أنطون شماس، وسيد قشوع، وهناك جزائريون ومغاربة أبدعوا باللغة الفرنسية، فكل واحد يكتب باللغة التي تروق له."
لا أعرف إن كان صاحبنا هذا يستحق النقاش، فهو يخلط بين أهمية أن نتقن العبرية ونتحدث بها أمام اليهود ببراعة، وأهمية أن يبدع بعض أبناء العربية بها في نتاج أدبي- من جهة، وبين أن نتحدث أمام أهلينا بلغة هجينة مكسرة، لا يفهمها الأخوة في دنيا العرب، ولا يدركها اليهود الذين نعيش بين ظهرانيهم، أو يعيشون بيننا. هي لغة في خلط عجيب وغريب من العربية والعبرية.
ثم من قال بأن العربية تحارب العبرية وتعارضها؟ لقد قرأت الملاحظات كلها فما وجدت مثل هذا الادعاء؟
المرجو هو أن تحافظ أيها الرجل على لغتك، وحبذا أن تتقن العبرية أو أية لغة أخرى، بشرط ألا تخترع لغة جديدة دون أدنى ضرورة، وإلا فإن تباهيك باللفظة العبرية -"لغة أبناء عمومتك" في نسيج الجملة العربية يظل من قبيل العجز والقصور عن إيجاد البديل. إنها الفوضى اللغوية، والضبابية والعشوائية بين المرسل والمتلقي في عالم الاتصال.
لاحظ الصديق ب. حسيب شحاده إثر زيارته إلى مسقط رأسه، هذه اللغة الهجينة المختلطة، التي عكّرت صفو مزاجه، رغم كتاباته السابقة حول هذا الأمر (العبرنة تتفاقم دون مسوغات لغوية)، فتألم "لانتشار بل غزو اللغة العبرية للعربية المحكية في البلاد". وذكر أن الاقتراض اللغوي ظاهرة طبيعية وصحية في شتى اللغات البشرية، ولكن ما يحدث في عربية البلاد أمر آخر بالمرة، قد يؤدّي في آخر الأمر إلى نتائج وخيمة. يقول ب. حسيب:
"في هذه الزيارة رافقتنا بنتنا الصغرى التي لم تعش في البلاد إلا عامين من الزمن، إلا أنها تجيد الحديث بالعربية، ولكن كثرة الألفاظ والعبارات العبرية المقحمة في الكلام العربي العادي حال في الكثير من الأحيان دون فهم كامل ودقيق. إثر الاستفسار عن تلك الأعشاب البرية حرص المتحدثون على تجنّب هذا الدخيل غير الضروري، ووجدوا كلماتٍ عربية سلسة وجميلة بدل المفردات العبرية. في هذا السياق تجدر الإشارة إلى سلسلة المقالات التي ينشرها الزميل فاروق مواسي تحت عنوان (البديل من العبرية) وأهميتها في هذا المجال.
اللغة- أية لغة آدمية طبيعية، ليست مجموعة من الأصوات فكلمات فجمل ففقرات فحسب، بل هي أداة الفكر والوجدان الأولى، وعنوان الهوية الثقافية والقومية لمتكلميها. تنمو اللغة وتزدهر بنمو ناطقيها وتطورهم. ماذا سيقال عن شخص لا يحترم لغته لا بل يزدريها؟
تمكّنُ الفنلندي من لغته واحترامه لها معروفان للمهتمين، ونظام التربية والتعليم في فنلندا يُحتذى به- كما لا يخفى على كل مثقف مطلع".
أرجو من "الواحد" هذا، وقد جعل نفسه منكّرًا أن يعيَ خطورة الأمر وجديته.
انظر مقالة ب. حسيب في موقع الموقد:
* * *
ها أنا أستمع ساعة الكتابة إلى شخص يخاطب زميله، وأنقل لكم قوله حرفيًا:
قدمت (مُوعَمَدوت)- מוּעֲמָדוּת للوظيفة. كان (مِخْراز)- מִכְרָז تقدم له ثلاثة، لكن بيني وبينك كان كل شيء (تَـفور)- תָפוּר.
الأفضل والأمثل لو فطن صاحبنا إلى كلمة (تَرْشيح) أو قال (رشحت نفسي) للوظيفة.
صاحبنا هو مرشَّــح= מוּעֲמָד.
وكانت مُناقَـصَـة بدلاً من قوله (مخراز)- מִכְרָז،
ثم الأفضل لو قال: كل شيء كان مُـفَـصّـلاً=תָפוּר، (بالدارجة: كان مخيّط، ومن الطريف أن التفصيل يكون قبل الخياطة كما نعلم، ففصَّل الخياط الثوب: قطّعه على قدِّ صاحبه، واللفظتان تؤديان المعنى نفسه)، فالاستعارة العبرية تعني بأن ظروف المناقصة أعدت مسبقًا لملاءمة شخص بعينه، حتى يكون هو الذي يقع عليه الاختيار، والتفصيل أو الخياطة يوصلان المرسلة.
أما מִכְרָז فهي تتعلق بالمباني أو بالوظائف عامة، والترجمة المعروفة: مُـناقَـصــة. لم يشر معجم الوسيط إلى هذه الكلمة، بينما ذكرها المنجد بما يلي:
"المناقصة في اصطلاح أصحاب الأعمال- أن يطرح للالتزام مشروع إنشائي، فيعرض الراغبون فيه المبالغ التي يرونها ضرورية لنفقات القيام به، فيلتزمه منهم من كان مبلغ ما عرضه أنقص مما عرضه سواه، وعكسه والمزايدة".
أما المزايدة = מְכירָה בְהַכְרָזָה / מְכירָה פּומְבִּית فهي البيع بالمزاد العلني، وبالدارجة: دِلالة، وعلى أونو على دوي على تري- كما كنت أسمعها).
وبدلاً من מִכְרָז (مخراز) كنت أود أن نخصص عَـطاء للوظائف، وأنا شخصيًا أفضلها لأنني لا أحب أن يرتبط أمر الترشيح لوظيفة بالجذر الثلاثي (نقص)، أفضلها رغم أنها - أي عَـطاء- لم ترد في المعاجم بهذا المعنى التي تدل عليه المناقصة، لكنها وردت في المورد ترجمة لـ tender فقد شرح أن من معانيها: عطاء، تقديم سعر (للفوز بمناقصة مطروحة)، وربما جاء صاحب المورد بهذه اللفظة بإيحاء معنى اللفظة الإنجليزية الأخرى المرادفة bid، والفعل منها يعني، يعطي، يقدم عرضًا، وبالتالي فإن معنى المورد -في رأيي- أنه في العطاء يعطي سعرًا (وفي الوظائف معلومات أو خبرات) تؤهله أكثر من غيره للفوز في المسابقة أو في المناقصة.
ويجدر بنا أن ننتبه إلى أن מִכְרָז قد تعني أيضًا (إعلان عن مناقصة)، وهذا الإعلان موجه لمن يرغب في ترشيح نفسه لوظيفة ما أو لشراء بضاعة، فالفعل הִכְרִיז أصلاً يعني: أعلن، دلل على سلعة، نشر.
ويجدر بنا كذلك ألا نقول: كان (المخراز بنيمي)= מִכְרָז פְּנִימִי، بل كانت المناقصة داخلية (هذا العطاء داخلي)، ونعرف أن هذا النوع مخصص فقط للمؤسسة، يرشح العاملون فيها أنفسهم، ولا يحق لمن هو خارجها أن يرشح نفسه. ومن جهة أخرى يحق للمؤسسة أن تجعل العطاء أو المناقصة خارجية= מִכְרָז חִיצוֹנִי.
لاحظنا أن محادثة قصيرة دعت إلى كتابة هذه البدائل، ولا أدعي أنني أجدد بقدر ما أذكّـر، فلنجعلها مركزة في ما يلي:
מוּעֲמָד= مُـرَشَّـح
מוּעֲמָדוּת= تَـرْشيح
מִכְרָז= مُـناقَـصَـة ( وحبذا تخصيص عَـطاء للوظائف)
מִכְרָז פְּנִימִי= مناقصة داخلية
מִכְרָז חִיצוֹנִי= مناقصة خارجية
מְכירָה בְהַכְרָזָה / מְכירָה פּומְבִּית= البيع بالمزاد العلني، دِلالــة
מִכְרָז תָפוּר(في اللغة الشعبية)= مُفَـصَّـل (مخـيّط)[/align]