المرأة السوسية ودورها في التنمية

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ladmed
    عضو منتسب
    • Jun 2006
    • 275

    المرأة السوسية ودورها في التنمية

    اعداد:مليكة إنفلاس
     فاطمة زبير
     بوشرى لملوخية


    مقدمة :

    المرأة السوسية كباقي النساء المغرب، لعبت دورا بارزا داخل مجتمعها وساهمت في تنميته، رغم العراقيل التي صادفتها ووضعية التهميش التي عانت منها واستطاعت تحطيم قيود العادات والتقاليد التي حدت من حريتها، ففرضت بذلك ذاتها على مجموعة من الميادين وبرهنت على كفاءتها.
    ولمعرفة تاريخ المرأة السوسية لا يمكن فهمه إلى بالرجوع إلى عدة كتابات تاريخية أرخت لها، التي احتفظت لنا بأسماء نساء كان لها حضور في عدة مجالات.
    وإذا كان بحثنا قد انصب على دراسة المرأة السوسية، فذلك نابع من إيماننا أنها قامت بعدة أدوار لا يمكن إغفالها أو تجاهلها، ومن هنا تأتي فكرة هذا البحث لإظهار أهميتها داخل مجتمعها السوسي، وإلقاء الضوء على بعض الجوانب من تاريخها، كما أن اختيارنا لهذا الموضوع جاء رغبة في محاولات إبراز دورها التنموي داخل مجتمعها الذي احتلت فيه ومازالت تحتل مكانة بارزة في جميع الميادين، الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية... وسنحاول قدر الإمكان دراسة بعض أدوارها في عهدين متباينين عهد الاستعمار وعهد الاستقلال.
    إن المجال الذي اخترناه لهذا البحث هو سوس، الذي يمتد من الناحية الجغرافية من جنوب الأطلس الكبير ويحده من الجنوب جبال الأطلس الصغير.
    وقد عالجنا هذا الموضوع في فصلين وهما مصنفين على الشكل التالي:
    الفصل الأول سنتطرق إلى دور المرأة السوسية في عهد الاستعمار عبر عدة محاور دورها في المقاومة- الاجتماعي- الديني- الاقتصادي- .
    أما الفصل الثاني سنتحدث فيه عن دور المرأة السوسية في عهد الاستقلال عبر ثلاث مباحث: مبحث تعاوني- فني- سياسي-.


    مدخل:

    قبل أن ندخل إلى موضوع: "المرأة السوسية ودورها في التنمية" نريد أن نتعرض لنقطة تهم هذا الموضوع، باعتباره ورقة تعريف للمنطقة وهي تحديد منطقة سوس.
    لقد وصف المؤرخون في العصور الإسلامية موقع سوس ببلاد جزولة فأعطوا بذلك للرقعة الجغرافية بعدا بشريا، بمعنى أن سوس هو موطن جزولة . ولكن جل الجغرافيين والمؤرخين الذين كتبوا عن جهة سوس تقاربت كتابتهم حول تحديد المنطقة فهذا عبد الواحد المراكشي يحدد بلاد سوس بعد الحديث عن مراكش فيقول:«فمراكش هذه آخر المدن الكبار بالمغرب المشهورة به، وليس وراءها مدينة لها ذكر وفيها حضارة ، إلا بليدات صغار بسوس الأقصى فمنها مدينة صغيرة تسمى تارودانت وهي حاضرة سوس وإليها يجتمع أهله، ومدينة أيضا صغيرة تدعى زجندر وهي على معدن الفضة يسكنها الذين يستخرجون ما في ذلك المعدن وفي بلاد جزولة مدينة هي حاضرتهم أيضا تسمى الكست. وفي بلاد لمطة مدينة أخرى هي أيضا لمطة فهده المدن وراء مراكش، فأما تارودانت وزنجدر فدخلتهما وعرفتها، ولم أزل أعرف السفار من التجار وغيرهم وخاصة إلى مدينة المعدن المعروفة بزجندر، وأما مدينة جزولة ومدينة لمطة فلا يسافر إليهما إلا أهلهما خاصة» .
    فالمدن الصغار التي ذكرها المراكشي من تارودانت إلى لمطة هي المعروفة حتى اليوم بسوس لأنه قال" بليدات صغار بسوس الأقصى فاليعقوبي في القرن التاسع الميلادي يجعل السوس الأقصى مدينة إلى جانب مدينتي تمدولت وماسة وهو يحدد سوس:"سوس مدينة إلى جانب مدينتي تمدولت وماسة: مما يفيد أن هاتين المدينتين كانتا من أهم المدن السوسية.قلت: أما تامدولت فلم يبقى لها وجود اليوم وأما ماسة فما زالت تتسع. وسرعان ما يوسع اليعقوبي رؤيته فقال:«وسوس هو ما وراء جبال درن أي ما وراء الأطلس الكبير، وينتهي عند نول لمطة حيث تبتدئ المنطقة الصحراوية» .
    وهذا يشبه نظرة البكري في القرن11م الذي يحدد سوس بما وراء درن لينتهي عند نول لمطة حيث تبتدئ الصحراء» . ونجد أن ابن خلدون يحدد السوس الأقصى بما وراء مراكش، وفيه تارودانت وافران(الغيران) وينتهي إلى القبلة عند مصب نهر درعة ويخترقه نهر سوس إلى البحر. وهذا التحديد هو الشائع في العهد المريني كمنطقة لجباية الضرائب حيث قسم المرينيون المغرب إلى خمسة أقاليم لجمع الضرائب. وهذا التحديد هو الذي ساد في العهد السعدي فهناك مصدران يؤكدان هذا المعنى "الأول" وصف إفريقيا حيث قال:«سأتعرض الآن لناحية سوس الواقعة وراء الأطلس إلى جهة الجنوب المقابلة لبلاد حاحة، يبتدئ غربا من المحيط، وينتهي جنوبا في رمال الصحراء، وشمالا في الأطلس، وشرقا عند منابع نهر سوس الذي سميت به هذه الناحية». أما المصدر الثاني: سجل جمع الضرائب لأحمد المنصور الذهبي المعروف بـ"ديوان قبائل سوس"، وفيه أسماء قبائل سوس المعروفة لهذا العهد. اسم "سوس" ظل يطلق على المنطقة التي حددتها هذه المصادر التي أوردناها منذ بداية العهد العلوي حتى الآن، وهو ما خلف الأطلس الكبير جنوبا إلى الصحراء ومن المحيط الأطلسي إلى وادي درعة شرقا.
    وفي سوس العالمة لصاحبه محمد المختار السوسي يعرف سوس:«نعني بسوس في كل أعمالنا التاريخية في هذا الكتاب وغيره ما يقع من سفوح درن الجنوبية إلى حدود الصحراء من وادي نول وقبائله من تكنة والركائبات وما إليهما إلى حدود طاطة وسكتانة».
    ونتساءل هل لفظة "سوس" و"جزولة" و"المصامدة" يقصد بها المنطقة نفسها؟ فنجد المختار السوسي يأخذ بهذا التحديد وسماه "بلاد جزولة" وسمى كتابه "خلال جزولة" فجاءت جزولة في كتابه مطابقة لحدود "سوس".
    وعندما نبحث عن حدود هذا الموطن في التاريخ القديم، فنجد المؤرخين الرومان الذين تحدثوا عن القبائل الأمازيغية القديمة، يذكرون أن موقع جيتولة: (جزولة) يمتد في شمال إفريقيا من المحيط الأطلسي إلى أواسط الجزائر الحالية، منحصرا بين المواقع التي يحتلها الرومان شمالا إلى أقاليم إثيوبيا جنوبا.
    أما عند الأوروبيين فإن منطقة سوس تعتبر أرضا غامضة. ولا يكاد يعرف عنها سوى مدنها الساحلية ولا تحتوي الخرائط التي وضعها الأوروبيين حتى بداية القرن 19 إلا على خطوط تشير إلى بعض الطرق والمسالك وقد استمر هذا الغموض إلى بداية الحماية. وما يمكن استنتاجه من هذه التحديدات المختلفة أن اسم سوس استعمل في أول الأمر للدلالة على رقعة جغرافية واسعة تمتد من تلمسان إلى المحيط الأطلانتكي ثم أصبح مجال هذه الرقعة يتقلص شيئا فشيئا فانقسم إلى قسمين أدنى وأقصى، ثم اختفت تدريجيا عبارة أدنى وأقصى، وبقي سوس دالا على الرقعة التي يطل عليها القادم من الشمال عندما ينحدر من السفوح الجنوبية للأطلس الكبير. والذي يمكن أن نستخلصه أن منطقة سوس يكتنفه الغموض، لأن الدول المتعاقبة على الحكم تغير استراتيجيتها التي تخضع دائما للتقسيمات الإدارية والعسكرية والاقتصادية من حين لآخر حسب الظروف والأحوال.
    جغرافيا:
    يقع سوس جنوب الأطلس الكبير، ويحده من الجنوب جبال الأطلس الصغير، تضاريسيا عبارة عن سهل أو حوض رسوبي يرجع إلى توضعات الزمن الثالث والرابع، كما تتخلله بعض الطبقات القديمة جدا التي تم تأريخها إلى ما قبل الكمبري خاصة الأدودني. وسهل سوس سهل متهذل، تعرض للتهذل مرات متعددة خاصة خلال الدورة الكلدونية الهرسينية وخلال الدورة الإنتهاضية الألبية على اعتباره منطقة اتصال بين الأطلسين الكبير والصغير.
    ويحد سهل سوس من الشمال جبال الأطلس الكبير، وجنوبا يحده الأطلس الصغير بجباله الغابرة في القدم ويطل على الواجهة الأطلسية بسهل منفتح.
    كما يعرف سهل سوس تدرجا في الإرتفاع من الشرق نحو المحيط، كما يعبر السهل محور مائي مهم استمد اسمه من المنطقة وهو واد سوس الذي يستمد مياهه من السفوح الجنوبية والشمالية للأطلسين الكبير والصغير وحسب مارمول كربخال في كتابه إفريقيا: «واد سوس اتخذ إقليم سوس اسمه من نهر وهو أكبر أنهار بلاد البربر في جهة الغرب، ويدعي بعضهم أنه هو الجزيرة التي كان بها قصر آنطي وحدائق الهسبيرند، ويبدو مع ذلك أنه هو أونة بطليموس التي يجعلها في الدرجة الثامنة طولا، والثامنة والعشرين وثلاثين دقيقة عرضا، يخرج هذا النهر من الأطلس الكبير، بين هذا الإقليم وإقليم حاحا، ثم يخترق سهول سوس متجها نحو الجنوب إلى أن يصب في المحيط قرب كرسطن، ويسقي أكثر البلاد خصبا وسكانا في تلك المنطقة، ويتخذ منه السكان جداول يسقون بها حقول قصب السكر، ويفيض في الشتاء حتى لا يعبر من أي مكان، إلا أنه في الصيف يمكن عبوره من كل جهة» .
    كما عرف سوس بتشكيلة نباتية قل وجودها في المغرب وهي تشكيلة أركان والتي تمتد على مساحة كبيرة في المنطقة، ووردت في كتابات الرحالة،ولكنها أصبحت اليوم تتعرض للإجتثات بفعل التدخل البشري.
    وصنف مناخ سهل سوس ضمن المناخ المتوسطي حيث يعرف تساقطات مهمة وحرارة معتدلة، نظرا لانفتاحه على البحر حيث يتلقى المؤثرات المحيطية الرطبة، كما أن سلسلة الأطلس الصغير تحول دون وصول المؤثرات الصحراوية الحارة والجافة، مما جعله إقليما غنيا من حيث الموارد المائية، حيث تعتبر فرشة سوس من أهم خزان مائي بالمغرب،لكن بفعل الاستغلال المفرط لها، أصبحت اليوم تعرف تراجعا مستمرا مما يحتم التعجيل بالحفاظ عليها.
    اقتصاديا:
    عرفت المنطقة بمؤهلاتها الفلاحية مما جعلها قطبا فلاحيا مهما على الصعيد الوطني من حيث إنتاج البواكر، والفواكه، نظرا للتربة الغرينية الخصبة وللموارد المائية الكثيرة، هذا والمنطقة عرفت تاريخيا بإنتاج السكر، وخير دليل على ذلك وجود بقايا منابع السكر بمنطقة تازمورت، كما أن انفتاح على المحيط جعل السواحل تعرف نشاطا بحريا، ارتبط بالصيد وبالتجارة الخارجية.
    كما تجلى البعد البشري في أقدمية الاستقرار السكاني بالمنطقة، يعتبر الأمازيغ سكان المنطقة الأوائل،«ويعتبر سكان سوس ضمن الشعوب التي كانت تقطن شمال إفريقيا مند القديم» .
    «والمؤكد تاريخيا أن غالبية سكان سوس من المصامدة وفيهم أقلية زناتية وصنهاجية، وقد خالط هؤلاء كثير من العناصر النازحة وبالخصوص الأفارقة والعرب واليهود والاندلسيون، وقد اندمجت كل هذه العناصر ضمن القبائل المستقرة في سوس في نهاية القرن التاسع عشر.» .
    «فالزنوج الأفارقة تواردوا على سوس من السودان" إفريقيا الغربية" عبر حركات كان أغلبها عن طريق الاتجار وقد كان بيع العبيد مألوفا في مواسم سوس وأسواقها ولا تزال شجرة الأركان التي يباع تحتها العبيد بموسم الصالح سيدي احمد أموسى بتازروالت، معروفة حتى اليوم باسم "تركانت إسمكان، أي هرجانة العبيد».
    «أما اليهود وهي أقدم جالية استقرت بالمغرب كان استقرارها بسوس بعد مغادرتهم لفلسطين في عهد نوبوخد نامر، وقد انضاف إلى هؤلاء بعض اليهود الذين طردتهم البلاد الأوربية في مختلف العهود ونذكر بالخصوص الواردين من اسبانيا سنة 1492 ومن البرتغال 1496.» .
    «أما العنصر الأندلسي، فلا يمكن تتبعه إلا في الحواضر وبعض القرى مثل مدينة تارودانت التي لا تزال بعض أحيائها تحمل أسماء أندلسية مثل درب الأندلسيين"إيندلاس" ودرب"أولاد بونونة " كما عرفت بها بعض الأسر مثل أسر"أيت الناصر" التي ترتفع بنسبها إلى السراج وزراء غرناطة» .
    وهذا الاحتكاك ساهم في تنويع التشكيلة الثقافية للمجتمع السوسي وقد حقق العناصر المتساكنة في هذه المنطقة اندماجا قويا يتجلى فيما يربط بينها من علاقات وثيقة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

    المرأة الأمازيغية:
    شهدت جميع الحضارات التي عرفت ازدهارا اجتماعيا وثقافيا، حضور المرأة الوازن داخل الأسرة، والقبيلة والمجتمع ومن بينها الحضارة الأمازيغية، حيث مند الأزل والمرأة الأمازيغية تحاول إثبات ذاتها في مختلف الميادين، فقد احتلت مكانة في مجتمعها عبر العصور التاريخية وتبوأت مراكز السلطة والقرار، حيث عرفت المرأة الأمازيغية عبر تاريخ شمال إفريقيا شموخا يليق بمكانتها وسجلت اسمها في سجل التاريخ، وتركت بصماتها فيه.
    فالأسرة الأمازيغية هي أسرة أميسية فكلمة"تمغارت" تعني الزعيمة ومذكرها "أمغار" الذي يعنى الزعيم وإلى المرأة ينتسب الأبناء فكلمة"كما" بمعنى الأخ تعنى ينتسب إلى أمي ونفس الشيء بالنسبة لكلمة"أولت ما"-"آيت ما" .
    والملاحظ أن المجتمع الوحيد الذي يحمل أبناؤه أسماء أمهاتهم هو المجتمع الأمازيغي، وقد أقر جل الأثنولوجيين على أميسية المجتمع الأمازيغي ويستندون إلى ذلك إلى كون أغلب الآلهة والمعبودات الأمازيغية تحمل أسماء مؤنثة كالآلهة الشهيرة Tannit. وهنا تبرز لنا المكانة التي تقلدتها المرأة الأمازيغية في مجتمعها وقد شغلت منصب Tagellit أي الملكة، وكانت فاعلة سياسية بل شغلت منصب القائدة عسكرية وأثبتت حنكتها ومهارتها في التخطيط العسكري، وألحقت هزائم بأعداء البلاد الأمازيغية، ولنا في التاريخ الأمازيغي نماذج عديدة وسنسوقها أمثلث احتفظت بها المصادر التاريخية للمرأة الأمازيغية المثابرة.
    ففي العصر القديم:
    شهد هذا العصر بسالة ملكة أمازيغية البطلة دهيا الأوراسية الملقبة بالمصادر العربية بالكاهنة الأوراسية وهي:«أول امرأة سياسية حكمة المغرب قبل الفتح الإسلامي، وكانت هي الملكة الداهية الملقبة بالكاهنة،فقد قاومت الفاتح العربي حسان بن نعمان وانتصرت عليه، وبقيت تحكم المغرب مدة عشر سنوات حتى هاجمها حسان مرة ثانية سنة 82هـ وقضي عليها بجبال الأوراس في موضع يعرف ببئر الكاهنة» . «وقتلت قرب بئر تسمى منذ ذلك بئر الكاهنة وحمل رأسها مشهرا إلى الخليفة. وبموتها انتهت فترة الدفاع البطولي» .ولقد عرفت بشدة بأسها وقوتها وعرفت في حربها مع العرب بسياسة الأرض المحروقة ولقد أعجب الكتاب الغربيون ببطولاتها فكتبوا عنها روايات تخلد شجاعتها وبسالتها، وأصدرت Magli biosnard سنة 1925. رواية عنها بعنوان le roman de la kahena, d’après las anciens textes arabes وأصدر paul serge kakon رواية بعنوان: kahena la magnifique وجعل بطلتها الكاهنة البطلة البربرية،وهذا ما يؤكد لنا أن الملكة الداهية تركت بصماتها الراسخة في القوة والشجاعة، والتاريخ يشهد لها بذلك.
    أما في العصر الوسيط:
    عرف العصر الوسيط بروز كنزة الأوربية وهي«زوجة ادريس الأول، لعبت دورا هاما في إرساء قواعد الدولة الإدريسية» خاصة بعد وفاة زوجها إدريس الأول«وأظهرت تفوقا كبيرا في حسن الإعداد لولدها إدريس الثاني ليتحمل عبء الدولة الإسلامية الأولى في المغرب» بل سيمتد نصحها وحكمتها إلى التدخل في الحالات الحرجة.
    وقد عرف هذا العصر كذلك الأميرة زينب تانفزاويت الهوارية، أي من قبيلة هوارة الأمازيغية وكانت«أرملة أمير أغمات، وزوجة الأمير أبي بكر بن عمر اللمتوني». وقد لعبت دورا بارزا وحاسما على مسرح الأحداث السياسية للدولة المرابطية وكان لها تأثير في توجيه تلك الأحداث، فقد كانت صاحبة نقل الإمارة والسلطة من أبي بكر ولقد تزوجت أربعة ملوك أمازيغيين وكان آخرهم يوسف بن تاشفين ولعبت دورا هاما في حياة زوجها الأمير الذي من أجلها بنى حاضرة مراكش. وكتب عنها الناصري في الاستقصاء:«وكان للقوط هذا امرأة اسمها زينب بن إسحاق النفزاوية، قال ابن خلدون: وكانت من إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة وكانت قبل لقوط عند يوسف بن عبد الرحمن بن شيخ وريكة، فلما قتل المرابطون لقوط بن يوسف المغراوي خلفه أبو بكر بن عمر على امرأته زينب بنت إسحاق المذكورة إلى أن كان أمرها ما نذكره»
    وفي المرجع نفسه يقول الناصري:«كان الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني قد تزوج زينب بنت إسحاق النفزاوية، وكانت بارعة الجمال والحسن كما قلنا وكانت مع ذلك حازمة لبيبة، ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها الساحرة، فأقام الأمير أبو بكر عندها بأغمات نحو ثلاثة أشهر، ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة فأخبره باحتلال أمر الصحراء، ووقوع الخلاف بين أهلها. وكان الأمير أبو بكر رجلا متورعا فعظم عليه أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، وهو قادر على كفهم، ولم ير أنه في سعة من ذلك وهو متولي أمرهم ومسؤول عنهم فعزم على الخروج إلى بلاد الصحراء ليصلح أمرها، ويقيم رسم الجهاد بها. ولما عزم على السفر طلق امرأته زينب وقال لها عند فراقه إياها "يا زينب إني ذاهب إلى الصحراء وأنت امرأة جميلة بضة لا طاقة لك على حرارتها وأني مطلقك فإذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين فهو خليفتي على بلاد المغرب" فطلقها» .
    وبهذا تكون هذه المرأة ذات رأي في السياسة وصاحبة النهي والأمر.-البطلة فانو بنت الوزير عمر بن بانتان المرابطية الصنهاجية من قبيلة لمتونة:«قامت بدور هام في الدفاع عن اللمتونيين وحالت دون استسلام الأمير إسحاق بن علي المرابطي للموحدين حتى لا يدخلوا مدينة مراكش» وهي المرأة المحاربة إلى آخر رمق ضد الموحدين لكنها غلبت على أمرها ودخل الموحدون إلى مراكش واقتحم قصرها بعد مقتلها سنة 545هـ.
    الأديبة زينب ابنة الخليفة يوسف بن عبد المومن بن علي الموحدي«عالمة بعلم الكلام، وأصول الدين، صائبة الرأي، فاضلة الصفات». وقد أحب أن يصورها الشاعر الأديب علي الصقلي في مسرحية الشعرية"الأميرة زينب" بصورة المرأة الموحدية النموذج فكرا وسيرة ومذهبا ونزوعا.
    تميمة بنت يوسف بن تاشفين «وأخت الملك علي المكناة بأم طلحة من الأديبات المشهورات بالأدب والكرم والرقة»
    في العصر الحديث:
    ظهرت السيدة الحرة حاكمة تطوان،«زوج أبي الحسن المنظري حاكم تطوان، وقيل أنها تزوجت زواجا سياسيا السلطان أحمد الوطاسي ثالث ملوك الوطاسيين، وقائدة الجهاد كأبرز شخصية في أسرة بني راشد شمال المغرب في القرن السادس عشر الميلادي، وقد اعتنى بها المؤرخين وبأيام حكمها لتطوان ونواحيها ثلاثون سنة، ووصفوها بأنها كانت امرأة شديدة الاندفاع، ميالة إلى الحروب» وهذه السيدة هي عائشة بنت الأمير علي بن راشد الحسني.
    السيدة يطو زوجة الشيخ رحو بن شحموط، وقد عرف اسمها في المصادر البرتغالية لكونها السبب في مقتل الضابط البرتغالي المتجبر نونوفر نانديش الذي اتصف بكثرة غاراته على دواوير قبيلة دكالة وفي إحدى غاراته على دوار من أولاد عمران تمكن من الظفر بغنائم كثيرة وأسرى من بينهم يطو زوجة الشيخ. ولما عاد الشيخ وجد البرتغاليين المغيرين فبادر إلى مطاردتهم ونصب لهم كمينا فتمكن من قتل قائد الحملة وفتك بأغلب القوات البرتغالية فرجع الشيخ منتصرا مستردا زوجته والغنيمة كلها .
    -السيدة للا خناثة بنت بكار زوج المولى إسماعيل،«كانت مستشارة لزوجها أزيد من ربع قرن وكانت أيضا فقيهة وعالمة وأديبة كتبت على هامش الإصابة لابن حجر، وأشرفت على تربية حفيدها سيدي محمد بن عبد الله، وكانت لها مراسلات مع ملوك فرنسا وهولندا إسبانيا، وقد عثر الأستاذ عبد الهادي التازي على أزيد من عشرين مراسلة، وقد كتب عنها في كتابه "جولة في تاريخ المغرب الدبلوماسي» .
    -وقد لعبت للا الضاوية زوجة السلطان سيدي محمد بن عبد الله:«ذات الأصل التركي دورا كبيرا في ربط علاقات المغرب مع بعض الدول الأوروبية» خاصة أن عهد هذا السلطان عرف انفتاحا كبيرا على الغرب، وكانت الصويرة مركزا لتلاقح الثقافات ولتعايش والأديان والأعراف. وكتب عنها المؤرخ Euloge Biossonade في مجلته Historia الفرنسية.
    السيدة رحمة بنت الإمام محمد بن سعيد المرغيتي الأخصاصي السوسي دفين مراكش وقد كانت فقيهة وعالمة ألفت مختصرا فقهيا»
    السيدة للا تعزى تاسملالت الصوفية الصالحة العابدة ذات الشهرة الفائقة وتوصف بربيعة زمانها لها مشهد يقام عليه موسم نسائي..
    الفترة المعاصرة:
    ظهرت في نهاية القرن العشرين نساء أمازيغيات على مستوى الأحداث وخاصة أولئك المقاومات للقوات الاستعمارية، واللواتي تصدين لها بكل بسالة وشجاعة ومن أمثلثهن:
    -يطو زوجة موحى أوحمو الزياني. فقد غيرت هذه السيدة زوجها من خاضع للقوات الفرنسية إلى بطل هزم الفرنسيين وانتصر عليهم في معركة الهري.
    عدجو موح نموذج المرأة العطاوية التي شاركت بفعالة في معركة بوكافر بجبال صاغرو. فقاومت الجيوش الفرنسية سنة 1933 وقاتلت ببسالة حتى استشهدت. وبهذا نستنتج أن المجتمع الأمازيغي قديما نصف المرأة، وجعلها تحتل مكانة رفيعة داخل النظام الاجتماعي القبلي.

    المرأة المغربية:
    شهد لنا التاريخ أن المرأة من اضطهاد المجتمع لها وقيوده القاسية قبل وبعد الحماية، فكانت سجينة المنزل وسلطة الرجل، وكان يمنع ويحرم عليها مغادرة المنزل لأنه يعتبر من الممنوعات، وكانت محرومة من أبسط حقوقها في اتخاذ القرارات في أمور تخصها كالزواج، فكانت تتزوج الشخص دون معرفته لتنصاع في الأخير إلى أوامره، لتخرج من سلطة الأب إلى سلطة الزوج، وظلت وضعية المرأة المغربية هكذا حتى جاء أول محرر للمرأة محمد الخامس تلك الشخصية التي يرجع لها الفضل في تشجيع المرأة المغربية على الخوض في مجال الكفاح الوطني، وبالفعل برهنت فيه المرأة عن شجاعتها وبسالتها، فقد أشادت صاحبة السمو الملكي الأميرة للاعائشة في خطابها الذي ألقته في حفل تدشين مدرسة "الفتاة بالدار البيضاء سنة 1956 منوهة بدور المرأة المغربية في حركة المقاومة قائلة:«لقد سجلت المرأة المغربية خلال محنتنا أعمال بطولية كفيلة بأن تجعلها في صف ما سطره التاريخ» من جلائل الأعمال لأسلافنا وما سيحتفظ به الأجيال المقبلة كأجمل الملاحم. فالمرأة المغربية لعبت دورا بارزا في نقل الأسلحة والعتاد والمنشورات بين المقاومين والخلايا السرية للقيام بواجبها نحو وطنها وذلك لكون المرأة آنذاك كانت غير مشتبه بها بحيث أنها كانت لا تتعرض للتفتيش من طرف السلطة الفرنسية.
    وكان محمد الخامس أول داعية إلى تعليم المرأة المغربية من أجل تثقيفها وتنوير عقولهن«هناك أمر آخر نهتم به كل الاهتمام، وهو تعليم بناتنا وتثقيفهن ليشأن على سنن الهدى، ويهذبن بما ينبغي حتى يتصفن بما يتعين أن تتصف به المرأة المسلمة حتى تكون على بينة من الواجب عليها لله ولزوجها وبنيها وبيتها» .
    وهذا مقتطف من خطاب محمد الخامس رحمه الله يوما في جماعة من علماء وطلبة القرويين، فقد كان محمد الخامس طيب الله ثراه في كل مناسبة يدعو بضرورة دخول الفتاة المغربية معركة الحصول على العلم، ومعركة البناء، ومشجعا الآباء على توجيه فتياتهم للمدارس، والمعاهد من أجل تثقيفهن، وتنوير عقولهن، واصفا إياهن بنصف الأمة، وكان رحمه الله يضرب المثل ببناته، حيث كان يصطحبهن إلى المدرسة المولوية، ويتابع بنفسه تطور دراستهن وتعليمهن، وكانت مبادرة جلالته مبادرة رائدة اهتزت لها جنبات المغرب، كما خص جلالته الوفود التي جاءت لتهنئته بعيد الفطر سنة 1326هـ 1943م على توجيه فتياتهم للمدارس من أجل التثقيف في حدود الشريعة السمحة، وقد همس بعضهم:«أفعى ونسقيها سما» فكانت إجابة جلالته رحمه الله عليه:«إن البنت ليس أفعى، وأنتم ونحن وهم لا نقبل أن نكون أبناء أفاعي، من البنات أمهاتنا، وأخواتنا، وبناتنا، وعلى فرض أن الفتاة كذلك، فاعلم لم يكن أبدا سما بل هو دواء يحفظ من السموم».
    وكان محمد الخامس يشرف بنفسه على تأسيس المدارس الحرة، وفتح أبوابها أمام أبناء الشعب وبناته، حيث دشن مدرسة«الأميرة لالة عائشة» بتواركة في نونبر 1947م، وقد قام أثناء زيارته لمدينة فاس سنة 1949م بتدشين معهد للفتيات لنيل شهادة القرويين العليا وهو الأول من نوعه في تاريخ المغرب.
    وعن حركة تعليم الفتاة المغربية في عهد محمد الخامس إبان عهد الحماية يقول الأستاذ عبد الهادي بوطالب في مذكراته، بأن المرحوم محمد بن عبد الله أنشأ بمدرسة العدوة شعبة للبنات في الثلاثينيات في الوقت الذي لم تكن فيه تربية البنات موضع اهتمام، ولكن سلطة الحماية أغلقتها، وأقامت على فتح مدرسة للبنات عوضا عنها لتضمن مراقبتها لها.وكان من نتائج فتح باب التعليم في وجه المرأة المغربية سواء في إطار التعليم الرسمي أو التعليم الحر سنة 1942 انطلاقة التنظيمات النسائية في وسط الحركة الوطنية، فقد كان خطاب الأميرة للا عائشة بمدينة طنجة سنة 1947 منطلقا للحركة النسوية التي بوأت المرأة المغربية مكانتها اللائقة بها، كما قامت سموها بتدشين مدرسة تحمل اسمها في مارس سنة 1947م.
    ولقد صرح جلالة المغفور له محمد الخامس في خطاب العرش لسنة 1952 قائلا:«وقد وجهنا عناية خاصة لتعليم المرأة حيث كانت سجينة تقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، لأن النساء شقائق الرجال في الأحكام، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وقد نما بفضل الله غرس هذا التعليم، وستصبح المرأة المغربية بحول الله على بينة من أمرها، عالمة بحقوقها وما يجب عليها نحو دينها وبيتها وبلادها». .
    وتابع جلالة الحسن الثاني ما بدأه والده في ميدان رقي المرأة المغربية وجعلها تتساوى مع الرجل في كل الواجبات والحقوق، وسمح لها باقتحام مجالات كان الرجل وحده ينفرد بها.
    وقال جلالة الملك الحسن الثاني في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة ذكرى الأربعين لوفاة جلالة الملك المقدس محرر المرأة المغربية محمد الخامس رحمه الله:«ولقد آمنت يا أبتاه بأنه لا يمكن أن يصلح آخر هاته الأمة إلا بما صلح به أولها. فأخرجت المرأة من عهد الجهل حليا يشترى بل أصبحت تفاخر بالشهادات والتسابق إلى المعاهد والكليات، وتقوم بجانب الرجل بجمع المهام بالداخل. وتوج عصرك الزاهر بأن أحرزت المرأة على أعظم ما وصلت إليه في بلد متمدن، ألا وهو المشاركة في الانتخابات والظفر بحق التصويت ... لقد دعوت لتعليم الفتاة وكنت أول البادئين وناديت بتحريرها وكنت أول المحررين».
    وبهذا فمنذ عهد الاستعمار والمغفور له محمد الخامس يدعو إلى تعلم المرأة باعتبارها أساس لتوعيتها ولخروجها من دائرة التهميش الذي عانت منه قبل وبعد الاستعمار، فتابع ابنه الحسن الثاني مسيرته وذلك وعيا وإيمانا منه بضرورة إدماج المرأة المغربية في التنمية والدفع بها إلى تحمل مسؤوليتها الاجتماعية والتربوية داخل الأسرة المغربية ومسؤولياتها التسييرية في المرافق الإدارية والتجارية، وفي خطاب له قال:«...لم نكن نريد أن يقال أن المرأة المغربية كانت حية من سنة 1945 إلى 1955 ثم بعد ذلك نامت وانقرض ظلها وتقلص عملها وأثرها في المجتمع...»
    وهذا مقتطف من خطاب ألقاه بمناسبة إنشاء الإتحاد النسائي المغربي سنة 1969.
    وبذلك تتجلى لنا رعاية العرش المغربي بالمرأة المغربية وعنايته بتعليمها وتثقيفها وخطت بذلك المرأة المغربية خطوة كبيرة في مسارها التاريخي، حيث تحررت وحطمت البنية الذهنية التقليدية التي كانت تسود آنذاك، فنجدها بعدما كانت مجبرة على البقاء سجينة المنزل، برهنت عن كفاءتها وتفوقها في مجالات كان الرجل ينفرد بها، فلقد انخرطت في الحركة الوطنية والعمل السياسي، ولعل أحسن مثال على ذلك من النساء اللاتي كان لهن وزن سياسي على الساحة المغربية، من بداية الحرب العالمية الثانية 1934 إلى أن حصل المغرب على استقلاله، نجد السيدة مليكة الفاسي التي ابتدأت مشوارها السياسي بنشر مقالات وأبحاث باسم الفتاة المغربية، ثم انضمت إلى كتلة العمل الوطني حيث عملت بالخلايا السرية له، واهتمت بتوعية العنصر النسوي، وخلال سنة 1944 كانت من الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال بصفتها عضو في الحزب الوطني، والتي قدمت للسلطات الفرنسية، وبذلك تكون أول امرأة مغربية الموقعة على هذه الوثيقة. وكذلك انتظمت الفتيات والنساء المغربيات في فجر الاستقلال داخل جمعيات تابعة لتنظيمات سياسية، وجاءت سنة 1960 تمنحها حق المشاركة في الانتخابات الذي ساهم كعامل أساسي في وعي المرأة المغربية سياسيا، وقد«فازت 20 مرشحة تقريبا في انتخابات 1976 من بين 76 مرشحة للمجالس المحلية» وبهذا انخرطت المرأة في العمل الحزبي، وظهرت عدة حركات نسوية، واستمر هذا التفوق إلى عصرنا هذا، حيث تقلدت عدة مناصب عليا في البرلمان والوزارة وتحملت مسؤولياتها بكل استحقاق وجدارة، مبرهنة عن كفاءتها السياسية. ولم يقتصر دور المرأة المغربية في الميدان بل شمل عدة مجالات برهنت على وعيها ونضجها فيها.
    ففي ميدان البحث الاجتماعي والتربوي، برزت الباحثة الاجتماعية فاطمة المرنيسي في الميدان البحث والتأليف في مختلف المواضيع الثقافية والاجتماعية والتربوية، ولها عدة أبحاث تهتم بالنساء في المغرب، بالإضافة إلى ميدان البحث والتأليف تعمل فاطمة المرنيسي كمستشارة لمنظمة اليونسكو والمنظمة الدولية للشغل، وقد عينت في يوليوز 1989 عضوة مجلس جامعة الأمم المتحدة، التي أحدثت سنة 1969.
    في ميدان القانون تمكنت من ممارسته بكل كفاءة، وتعد خديجة الكتاني وبديعة ونيش من أولى القاضيات، والأستاذات عائشة بنت مسعود ولطيفة المنتوني وفتيحة أبو زيد ولطيفة المعروفي من أولى المحاميات في فجر عهد الاستقلال، وقد برزت القاضية السعدية بلمير الحاصلة على دكتوراة الدولة في القانون العام من جامعة باريس الثانية سنة 1987.وفي خطاب جلالة الملك الحسن الثاني عندما استقبل فوج القضاة من المتخرجين من المعهد الوطني للدراسات القضائية يوم 26 نونبر 1985،قال جلالته مخاطبا أعضاء الفوج رجالا ونساء:«وكم يسرني أن أرى بينكم المرأة المغربية التي أراها في جميع الميادين تقفزالقفزة اللازمة، وتثب الوثبة الواجبة حتى تكون تلك الزوج وتلك الكفيئة للرجل في القيام بما عليهم أن يقوموا به من واجبات... ومن هنا تعلمون المرتبة التي أضع فيها المرأة المغربية والمطامح التي أنيطها بها الآمال التي أعلقها عليها...» .
    وقد دخلت المرأة المغربية مجال المنافسة مع الرجل في ميادين كانت مقتصرة على الرجال، بحيث تعتبر أمينة الصنهاجي سندور أول امرأة مغربية دخلت إدارة الفضاء بأمريكا بla nasa، غادرت المغرب إلى أمريكا سنة 1951. بعد تفوقها في علم الرياضيات، وبعد إلمامها بعدة لغات دولية، أصبحت مترجمة رسمية بلانازا، وأحرزت سنة 1992 على ميدالية الامتياز.
    وتدخل شامة الأحمر، بدورها في عالم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية،حيث أتمت تداريبها في "مخيم الفضاء" وأكاديميته بمركز "الباسا الفضاء" في مارس من سنة 1988 مما سيؤهلها لمتابعة دراستها العليا كي تتخرج مهندسة في علم الفيزياء والعلوم النووية.
    أما في ميدان الطيران وتتخرجتا بتفوق من مدرسة الطيران المغربية سنة 1985، وتخصصتا في قيادة طائرة البوينك كل من بشرى البرنومي وأمينة السائح، ومن المعلوم أن أول طيارة مغربية كانت هي المرحومة ثريا الشاوي التي حصلت على شهادة الطيران سنة 1951.
    ومن خلال هذا العرض الموجز لأسماء نساء مغربيات حافظ التاريخ المغربي على انجازاتهم، واعتبرهن القدوة المثلى التي يجب الاقتداء بها، لأنهن استطعن تحطيم القيود التي مورست عليهن، وساهمن بذلك في صنع القرارات وبهذا فالمرأة المغربية مند انبثاق فجر الاستقلال والحرية، برهنت على وعيها ونضجها، وتمكنت من فرض وجودها في ميادين شتى ساعية للحصول على كافة حقوقها وعلى مساواتها مع الرجل عاملة جاهدة بإزائه لبناء وطنها وتنمية جميع الميادين الحيوية.

    المرأة السوسية:
    لقد سجلت المرأة الأمازيغية في مجتمعات بلاد الأمازيغ حضورا بارزا، إذ طغت نساء أمازيغيات على المسرح السياسي منذ العهد القديم، وشغلن أرقى المناصب السياسية بل ومنهن من اعتلت عرش المملكة، ناهيك عن الدور العسكري والاجتماعي الذي مافتئت المرأة الأمازيغية تضطلع به.
    ترى هل مازالت نفس المكانة التي احتلتها المرأة الأمازيغية تحتلها نظيرتها السوسية؟ مع بزوغ الإسلام تغيرت ملامح المجتمع الأمازيغ، وقد شملت هذه التغييرات المرأة السوسية، فوضع الإسلام حدودا لحريتها: يتجلى في تمسكها بلباسها التقليدي وخمارها الشرعيين طبقا لما جاء في الكتاب والسنة، وفي «حفاظها على صلاتها في دارها بواسطة السمع من المسجد وقليل منهن من تخرج إلى المسجد في البوادي لما عليها من تبعات داخل المنزل وخارجه، ولما استقر في ذهنها من أن صلاتها في بيتها خير من صلاتها في غيره»
    وقد استغل الرجل تعاليم الشريعة الإسلامية في حصر دور المرأة داخل المنزل في حين أنهم في الحقيقة يدافعون عن سلطتهم الذكورية، ولا يريدون مساندة أو مساعدة المرأة منتقصين بذلك أهمية المرأة وفعاليتها في المجتمع، وبهذا جردت من حق السلطة وصنع القرار التي كانت تمتاز به المرأة الأمازيغية قديما. فانحصر دورها على الحياة العائلية « في السهر على شؤون منزلها الداخلية وتربية أولادها والزوج حاضر، وإذا غاب الزوج فإن الإشراف الفعلي يكون لها أيضا على سائر الشؤون الخارجية، فهي بهذا أو ذاك مثال التضحية في كل ما يعود على بيتها بالخير باذلة في سبيل ذلك أغلى راحتها فهي تقوم بنقل حاجيات المنزل، ورعي الماشية، وحرث الحقول، وجميع المنتوجات الفلاحية، وغلل الأشجار، ونسج الملابس بعد غزلها إلى غير ذلك من الأعمال التي لا تتم إلا لتبدأ من جديد»
    فالمرأة السوسية مثال للتضحية والكفاح في سبيل استقرار عائلتها خاصة في غياب الزوج، فهي تتحمل مسؤوليات المنزل وسائرها، ونفس الشيء في حالة وفاة الزوج، فالمرأة هي التي تقوم بكل المهام داخل أسرتها، فتجدها ترفض الزواج من جديد، غير مبالية بما تتعرض له من إهانة ونظرة احتقار وإذلال المجتمع لها، حيث إن الأرملة لا تحضى بلقبها واسمها الحقيقي إذ تقلبت ب "تادكلت" ويطلق على أبناءها "تروان تادكلت" إلا أنها تظل صامدة وقوية وخير مثال المرأة الإفرانية «الحاجة يامنة بنت إبراهيم أولحاج علي أوطالب التي تنتمي إلى أسرة آل الحاج علي والطالب ورباها أبواها تربية حسنة ودخلت في سنها المبكر في مشاركة نساء آل الفقيه الطاهر الإفرانية ونساء آل بناصر البشير المدني في ندواتهم التي تقام في زوايا الأسرتين أي ما يعرف بالحضرة وتساعدهم في أشغال الزوايا في أوقات فراغها التي حسبت لها آلاف حساب، خصصتها من الساعة أولى من الفجر إلى طلوع الشمس إلى مساعدة ابنها الوحيد الذي كانت ترافقه يوميا إلى المسجد ليتعلم فيه القرآن بالإضافة إلى الأشغال المنزلية إلى جانب الاعتناء بأبيها وأخيها القاصرين، دون استثناء أشغال الحرث والحصاد وجميع ما يقوم به الرجال نيابة عن زوجها المتوفى، وفضلت أن تبقى أرملة محترمة واهبة كل حياتها لإبنها اليتيم الذي تفرغت لتربيته ولم تفارقه في يوم من الأيام رافضة الزواج وكل ما سيحول بينها وبين تربية ابنها الوحيد، واستطاعت أن تواجه عدة مشاكل واجهتها بصبر وعزيمة قوية إذ كانت أول امرأة تتحدى كبرياء رجل في ذلك الوقت أمام المحاكم. ودافعت عن نفسها وعن والدها القاصر وأملاكه وربحت قضاياها ولم يسبق لها أن سلمت أي توكيل لأي كان أن لها عائلة تريد الوقوف بجانبها إلا أنها كانت عصامية، وفضلت التحدي وبدأت في مواجهة شيخ القبيلة آنذاك والذي كان له نفوذ قوي في المخزن، والذي طمح في أملاكها وأملاك ابنها بصفته عم ابنها فشله في مطالبه الأولى باعتباره رجل سلطة وكلامه يجب أن يحترم وهو الذي يأمر وينهى وصاحب الكلمة والقرار، إلا أنها انتصرت عليه كما انتصرت على غيره من اللئام الطامعين» .
    ورغم سلطة الرجل، فالمرأة السوسية استطاعت فرض ذاتها،وهذا ما يدل عليه مصطلح تامغارت الذي تلقب به المرأة في سوس نظرا للدور الطلائعي الذي تقوم به داخل الأسرة وخارجها في السراء والضراء، فجعلت المجتمع يمنحها مكانة عالية داخله، حيث تعتبر ندا للرجل، ودورها أعظم من دوره، وبذلك اعترف لها المجتمع السوسي بالسعاية والكد وهي مشاركة الرجل في المداخيل والأرباح، حيث تخدم المرأة يعطون لها نصيبا في كل ما يدخل إلى المنزل.
    وبهذا يكون المجتمع السوسي، المجتمع الوحيد الذي اعترف لها بهذا الحق، والسعاية مسألة مألوفة تناولتها كتب النوازل الفقهية عن البوادي، فالسعاية«مأخوذة من فعل سعى يسعى سعيا وسعاية، أي قصد عمل وكسب لعياله كما في القاموس ومنه قوله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى" وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل، الصائم النهار"»
    فعرفت "تامزالت" أي السعاية يعطي الحق للمرأة الأمازيغية قديما في أن تتمتع بنفس الحقوق المخولة للرجل في الإرث. إلا أنه مع دخول المد الأموي ووصول الإيديولوجية الثقافية إلى شبه الجزيرة العربية، شهد وضع المرأة في شمال إفريقيا انحطاط تجلت تداعياته في استعمال العقيدة وفقا للمصالح السياسية والاجتماعية للحكام للنيل من كرامة الإنسان الأمازيغي عامة والمرأة الأمازيغية خاصة والحد من حقوقها وحرياتها.
    ومما عرفه الأمازيغ قديما عدم تعدد الزوجات، وقد ورث عنهم المجتمع السوسي ذلك. «فإن الجزولي يقتصر على زوجة واحدة لأنه أدرك بفطرته أن السعادة والصفاء والوئام والاستقرار الدائم لا تكون إلا في الاقتصار على زوجة واحدة أما التعدد بدون ضرورة فإنما يوقد في البيت نار الغيرة والدس وسوء الظن ثم التشريد والطلاق قليل جدا أو منعدم»
    «فكان الطلاق لذلك قليل جدا أو منعدما، وإذا وقع شيء منه، فكثيرا ما يكون طلاق الخلع إذا رأت الزوجة من زوجها انحرافا في الأخلاق، أو تهاونا في الدين أو تنكرا لواجباته، كما يقل جدا أن ترى للرجل في جزولة أكثر من زوجة واحدة إلا في حالة اضطرار الشديد، وبعد موافقة الأولى، والأخذ بوجهة نظرها في ذلك فالمرأة لا تتعصب إذا كان الحق في جانب الرجل وهي تحنو عليه».
    وبهذا فتاريخ المرأة السوسية يشهد لها بدورها المتميز داخل الأسرة، وتحمل مسؤوليتها وناهيك عن الأدوار الطلائعية التي ستقوم بها، وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في بحثنا.

    مكانة المرأة السوسية من خلال الكتابات التاريخية:
    في المجتمع المغربي، وعبر حقبه وتطوراته التاريخية، كان للمرأة حضور في شتى المجالات الثقافية والدينية والسياسية، وقد احتفظ لنا التاريخ المغربي بأسماء نساء شهيرات عرفن كعالمات وفقيهات وأديبات، فالكتابات التاريخية تعد المرجع الوحيد للتعرف إلى أي حد اهتم التأريخ بالمرأة السوسية ولكن بعودتنا إليها نجدها تناولت المرأة السوسية بشكل عرضي، اللهم إذا استثنينا كتابات المعسول لصاحبه محمد المختار السوسي الذي كتب عنها بإسهاب في بعض من أجزائه، حيث تطرق في الجزء الأول إلى دورها الاجتماعي من خلال المرأة الإلغية بإيجاز، باعتبارها نموذج للمرأة السوسية.
    والملاحظ أنه حين تحدث محمد المختار السوسي في أجزاء من المعسول عن بعض النساء الشهيرات بسوس، يغلب عليه نموذج الولية الصالحة وذلك راجع إلى سيادة التصوف والطرقية في هذه المنطقة وكثرة الزوايا حيث كانت هناك كل من الطريقة الناصرية والتيجانية والدرقاوية وبالتالي فصاحب المعسول كتب عن المرأة السوسية في علاقتها بالحقل الديني.
    فالمرأة السوسية لم تحض بالحظ الأوفر في الكتابات التاريخية، وهذا راجع إلى التهميش والإقصاء الذي تعرضت له من طرف مجتمعها. رغم أنها حاولت إثبات ذاتها من خلال المسؤوليات المنوطة لها.
    فندرة الكتابات التاريخية عن المرأة السوسية منعتنا من معرفة تاريخها وكشف النقاب عن حقيقتها.





    الفصل الأول:

    دور المرأة السوسية
    في عهد الاستعمار

    مقدمة
    إن معرفة أدوار المرأة السوسية في عهد الاستعمار، لا يمكن اكتشافه إلا بالعودة إلى تاريخها، فهذا الأخير يشهد لها بهذا، ولا يغفل ذلك أو يجهله، فبعض الكتابات التاريخية ستأرخ لها وتتحدث عنها، فهي ساهمت في المقاومة وبرهنت على أنها قادرة على الوقوف إلى جانب الرجل في معاركه ضد الاحتلال الأجنبي، وهذا ما سنلمسه من خلال دراستنا لهذا الجانب، بالإضافة إلى أدوار أخرى أظهرت فيها المرأة السوسية كفاءتها: الاجتماعي، الاقتصادي، الديني وهذا كذلك ما سنحاول تفصيله في هذا الفصل.
    I- دور المرأة السوسية في عهد الاستعمار:
    1- الدور الاجتماعي
    المرأة السوسية عماد الأسرة وهي التي تقوم بكل شؤونه، وتتحمل مصاعبه ومشاقه، بحيث لها السلطة الكاملة داخل بيتها لتقوم بسائر شؤونه، وتقوم كذلك بمساعدة زوجها خارج المنزل، فالمرأة السوسية حاولت تنمية مجتمعها بمجهوداتها لتحقق له الاستقرار، فنهارها كله تقضيه في أعمال المنزل فكانت "مضطرة لقضاء بياض نهارها وجزء كبير من سواد ليلها في أعمال التنظيف والغسيل والعجن والطبخ والغزل والنسيج وصناعة الزرابي والألبسة الصوفية" وفي هذا الشأن تحدث محمد المختار السوسي في المعسول من نموذج للمرأة السوسية وهي المرأة الإلغية يقول:«فهذه المرأة الإلغية ككل نساء تلك النواحي، هي التي تقوم بكل شؤون بيتها، فتضل نهارها في الأعمال المرتبة على أوقات اليوم، تقوم سحرا لتطحن ثم تسخن ماء الوضوء مع الفجر، ثم تحلب البقرة، ثم تسقي من البير بالقلة على ظهرها تأخذ القلة بحبل يمر بكاهلها، ثم إن أرادت أن تحطب فإنها تبكر ولا تطلع عليها الشمس إلا وراء روابي إليغ، حيث لا يزال الشيح الذي هو الوقود الوحيد للإلغيين، فتجمع منه إبالة عظيمة تنظمها ثم ترجع بها على ظهرها، والعجب أن ذلك الحمل الثقيل لا يؤودهن، فإن النساء الحاطبات يرجعن بالأغاني يتداولنها بأصواتهن الرخيمة، ثم لا تكاد تدخل الدار حتى تهيئ الغداء إن لم تكن طبخته صباحا، ثم تمخض وطبها، ثم تنقي طحنها للغد، ثم تغربل طحين الصباح ثم تأتي بالخضر من الحقل، ثم تسقي البقر ثم إن كان عندها سقي من البير للحقول فهي التي تتولى ذلك.وزد على ذلك أن تتعهد مغزلها، وترضع ولدها، ثم إن كان حرث أو حصاد فهي التي تقوم بذلك بمعاونة زوجها أو وحدها إن غاب، بهذا تملأ نهارها ثم تطبخ العشاء، هذا كله والغالب أن تحافظ على صلاتها في دارها مع المسمع من المسجد، والمرأة الإلغية هي سيدة الدار حقا، فهي الخازنة وهي المتصرفة في الشعير والسمن والمراعية الأضياف ولو لم يحضر زوجها إن كانت الدار دار الأضياف »
    فهي لا تكل من العمل الشاق التي تقوم به أثناء الحصاد بجانب الرجل، وتنفرد لوحدها بنقل جميع ما يمكن حصده على ظهرها إلى البيادر، وتستغل في الحرث والزراعة وجمع والمحاصيل كالزيتون وأركان، ولقد لعبت دورا مهما وأساسيا بجانب الرجل، ولعل ما تقدر عليه المرأة من أعمال خارج البيت وداخله مساهمة منها في التنمية والتربية والاقتصاد يفوق ما يقوم به الرجل.
    يقول محمد العثماني في ألواح جزولة بهذا الخصوص:«والمرأة الجزولية ينحصر دورها في الحياة العائلية، في السهر على شؤون منزلها الداخلية وتربية أولادها والزوج حاضر، وإذا غاب الزوج فإن الإشراف الفعلي، يكون لها أيضا على سائر الشؤون الخارجية، فهي بهذا وذاك مثال التضحية في كل ما يعود على بيتها بالخير، باذلة في سبيل ذلك أغلى راحتها، فهي تقوم بنقل حاجيات المنزل، ورعي الماشية، وحرث الحقول وجمع المنتوجات الفلاحية، وغلل الأشجار ونسج الملابس بعد غزلها إلى غير ذلك من الأعمال التي لا يتم إلا لتبدأ من جديد ولا تتوقف عجلتها التي تسير في خط دائري متصل لا أول له ولا آخر كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفها»
    ولم يقتصر دورها على ما ذكرنا، ففي حياة القبيلة كانت تقوم بدورها في كل ما يلزم الجماعة من أداء شرط إمام المسجد أو أستاذ مدرسة القبيلة، من مؤونة طعامه ونقدية والمساهمة في الأعمال الخيرية المحلية.
    فالمرأة السوسية دورها فاعل في الحياة الاجتماعية، ولذلك اعترف لها بالسعاية والكد ومشاركة الرجل في المداخيل والأرباح.
    يقول محمد المختار السوسي في كتابه المعسول في هذا الشأن:«وقد كان يؤدي لكل ذي حق حقه بميزان الشريعة حتى أنه زوج بنتا من بناته، فلما ودعها دخل إلى داره فقدر ثمن كل ما فيها، من حبوب وتين وبهائم وأركان وكل ما يعلم أن للمرأة فيه السعاية، فحسب كل ذلك فقيد أن حظ فلانة من السعاية هو كذا وكذا، تأخذه من أهلها متى شاءت، ومعلوم أن الجزوليين حيث تخدم المرأة يعطون لها نصيبا في كل ما يدخل إلى الدار بقدر سعيها» وبهذا فالمجتمع السوسي هو الوحيد الذي منح المرأة هذا الحق اعترافا لها بمجهوداتها.
    فالمرأة السوسية لا تجد تحقيق ذاتها في غالب الأحيان إلا في أشغال بيتها وتتطلع إلى المشاركة في العمل الاجتماعي.
    ويقول محمد المختار السوسي في المعسول:«ومن الأمثال الإليغية إن المرأة تقول: (دعوا لنا المطبخ ندع لكم الرأي) أي اتركوا لنا إدارة المنزل، نترك لكم ما في خارج المنزل، ومجمل القول أن المرأة الإلغية تقوم إزاء زوجها الذي لا يعرف الراحة أيضا بدور عظيم في الحياة مع الصيانة وعدم الزلق إلا في النادر الذي لا يكاد يخرم القاعدة، مع الصبر العظيم والإخلاص لزوجها والرفق في المعيشة، مع حفظها للسر ومحافظتها على مظاهر التدين والتصدق على المقابر، خصوصا أيام الجمعة وعاشوراء، فتذهب النساء بالتمر، ومقلو الذرة أو القمح، فيفرقنه على الصبيان».

    2- دورها في المقاومة
    وعن كفاح المرأة المغربية يقول جلالة الملك الحسن الثاني في إحدى خطبه:«... إن نصف الأمة لم يبق بمعزل عن الكفاح، فقد خاضت أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا غماره، بإيمان صادق وعزم ثابت ولم تنل منه السيطرة والسطوة، ولم يثنه العنف والقسوة، فساهمن في العراك بالنصيب الموفور، وأبدين الشجاعة والشهامة والإقدام ما هو معروف ومأثور...» .
    فهذا الخطاب يؤكد على مشاركة المرأة المغربية في المقاومة، و المرأة السوسية لا يجب أن نستثنيها، فبالتأكيد هي النموذج في الكفاح والنضال، فالمرأة المغربية لعبت دورا بارزا وخطيرا في نقل الأسلحة والعتاد والمنشورات بين المقاومين والخلايا السرية للقيام بواجبها نحو وطنها،ذلك لكون المرأة آنذاك كانت غير مشتبه فيها، بحيث انها كانت لا تتعرض للتفتيش من طرف السلطات الاستعمارية، وبهذه السياسة الشجاعة استطاعت المرأة أن تمد الخلايا السرية والمقاومين، بما يحتاجون إليه، ولعل أحسن نموذج يضرب به المثل المرأة السوسية، فرغم نذرة المراجع التي تعالج هذا الموضوع، فقد عرف تاريخ المقاومة المسلحة من خلال مساهمات بعض المقاومات اللواتي تعرضن للإقصاء والتقصير في حقهن وتهميش أدوارهن ضد الاحتلال الفرنسي، فالمرأة السوسية التي ظلت على الدوام ملازمة للرجل في الحقل وكسب لقمة عيشها، لم تكن بمعزل عن تلك الأحداث التي انخرطت فيها، وقد عايشت تلك المعارك بكل جوارحها، وبهذا فإن حضور المرأة في تلك الحروب الضارية كان حضورا قويا، رغم تجاهل مكانة المرأة المنتمية إلى البادية المغربية بصفة عامة والمنتمية إلى بادية سوس بصفة خاصة.
    «فالمرأة في البادية المغربية لم ولن يتعرف عليها إلا مجتمعها الذي أطلق عليها اسم "تامغارت" أي الكبيرة والعظيمة، فكل امرأة يطلق عليها "تامغارت" إضافة إلى اسمها الشخصي، ولا يطلق اسم أمغار الكبير إلا على من تولى مشيخة القبيلة، ويفقد هذا الاسم عندما تتخلى عنه وظيفته، ويرجع هذا التمايز وهذا التقدير المستمر والمعنون بعنوان "تامغارت'' إلى الدور الطلائعي الذي تقوم به داخل الأسرة وخارجها في السراء والضراء»
    فالمرأة السوسية لم تبقى منحصرة في أدوارها التقليدية، بل فرضت وجودها في معارك المقاومة ضد الاحتلال الأجنبي بجانب الرجل، وكافحت خدمة لوطنها ولم تبقى منعزلة عن مجريات الأحداث.
    ترى ما هي نوعية الأدوار التي قامت بها المرأة السوسية لمساعدة الرجل لصد الاحتلال الفرنسي؟
    أ- دور المرأة السوسية في المقاومة ضد الاستعمار من خلال وقوفها إلى جانب الرجل في المعارك والحروب:
    المرأة في الجنوب لعبت دورا طلائعيا في مناهضة الاستعمار، فكما برهنت المرأة العطاوية في معركة بوكافر بصاغرو، وتركت بصمات كفاحها خالدة في سجل تاريخ المقاومة المسلحة ضد الاستعمار وأعوانه وحملت السلاح وجابهت المستعمر بالبارود والخناجر والحجارة وكيف أنها«كانت تتسلل بشجاعة خارقة لموارد المياه تحت نيران رشاشاتنا، وتسقط أغلبهن لكن الباقيات يواصلن مهامهن البطولية...وتحمسن المقاتلين بالزغاريد المدوية، كما يقمن بتوزيع الذخيرة والمؤونة ويأخذن مكان القتلى لتعويضهم، وفي غياب الأسلحة يدحرجن على المهاجمين من قواتنا أحجار ضخمة تنشر الموت حتى قعر الوادي» مما يبين لنا أن نساء آيت عطا قد استشهدن في معارك عسو أوبسلام عندما كن يخترقن الحصارات الفرنسية ليأتين بالماء من الآبار التي كانت تراقبها المدفعية الفرنسية، ولقد فقد عسو بسلام زوجته وهي تحمل الذخيرة إلى مقدمة المقاومين في جبل صاغرو بمعركة بوغافر بالأطس الكبير سنة 1933، فلقد تحدث الضباط الفرنسيون عن شجاعة المرأة الأمازيغية بصفة عامة و المرأة العطاوية بصفة خاصة، حيث كتب الطبيب ماجور فيال عن هذه الأخيرة ما يلي:«لقد عزموا أشد العزم عن الدفاع عن كل قمة من هذه القلعة المنيعة، وعزموا كذلك أشد العزم وخاصة نسائهم على الاستشهاد أو على إحباط أعمال جنودنا» .
    فالمرأة السوسية كمثيلتها العطاوية وخاصة في معركة أيت باعمران، برهنت أنها قادرة على الاستماتة والإصرار الشديد لمجابهة الاستعمار ومقاومته، والمندوبية السامية لقدماء المحاربين تحتفظ بأسماء عدة شاركن في معركة أيت باعمران وتم تزويدنا ببطائق تعرف بهن وبمنجزاتهن، وتسجل لنا الأعمال التي قامت بها هذه المرأة لمساندة الرجل ووقوفها إلى جانبه من خلال المعارك التي خاضها ضد السلطات الاستعمارية وتشجيعه على الصمود أمام العدو، معبرة عن رفضها للاستعمار، وذلك من خلال تقديم له يد المساعدة، كالطهي، وغسل الملابس والحطب، وعلاج الجرحى من أفراد جيش التحرير وتقديم العلاجات الأولية بالطرق التقليدية وتنفد جميع التعليمات المعطاة لها وتوزع كذلك المناشير، ومنهن من احتملن قساوة الإعتقال، لتبرز لنا انخراط المرأة السوسية في هذه الأحداث المؤلمة ومواجهتها لها بالصبر واستماتة وقوة لا تقل عن صبر وقوة الرجل.
    ب- دور المرأة السوسية في المقاومة ضد الاستعمار من خلال النصوص الشعرية:
    دور المرأة السوسية في المقاومة ضد الاستعمار، لم يقتصر على الأدوار التقليدية أثناء المعارك من مداواة وطهي الطعام وغيرها، بل تجدها نظمت قصائد ونصوص شعرية تثير حماس المقاومين فهو نوع من المقاومة، فالمرأة السوسية شاركت بالقول والفعل فهي لم تكن بعيدة عن مجريات الأحداث.
    وما يثير في هذه النصوص الشعرية كما عبرت عنه للا صفية العمراني:«نظم نابع عن إحساس عميق بالحرية وصادر عن نساء نشأن وكبرن في بيئة اجتماعية وسياسية توارثت فيها الذاكرة الجماعية صورة القيصر منذ أزيد من ألفي سنة، ف أرومي (الروماني= النصراني= الصليبي= الغازي =المحتل..). هو ذلك الطاغية الهدام، السالب للأرض والمستعبد للبشر، فالذاكرة المغربية الأمازيغية احتفظت بأوصاف ونعوت القهر والقساوة والجبروت على أنها سلوكات الغزاة، ولا تزال هذه الأوصاف متوارثة حيث يقال في أوصاف الطغاة وكل من لا يحرم ( زود أرومي= مثل الروماني) » كما نستشف أيضا من خلال هذه النصوص الشعرية أنها نصوص معبرة عن رفض المرأة السوسية للاستعمار.
    هكذا إذن، «عملت المرأة الأمازيغية من خلال أشعارها للدعوة للجهاد، وتمجيد المقاومين، وصب جم غضبها وحقدها على المتعاونين مع المستعمر وعملائه من الخونة، التي وصفتهم بكل الصفات القدحية، فقد تمكن شعرها من اختراق الحراسة المشددة التي فرضتها سلطات الحماية للحيلولة، دون تسرب أخبار المعارك البطولية التي شهدتها جميع مناطق المغرب، شمالا وجنوبا شرقا وغربا، ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار شعرها بمثابة الجريدة الرسمية التي لم تطلها رقابة المستعمر وأعوانه».
    وهذه بعض النصوص الشعرية التي أرخت للمشاركة الفعلية للمرأة السوسية في المقاومة ضد الاستعمار.
    النموذج الأول:
    خدوج بنت حماد نايت أوفقير زوجة أحد أبناء المقاوم الشاعر علي بن إبراهيم "إيغرم وامان" قبيلة ءيداوزدوت، التابعة لقبائل ءيغرم، فقد ألقي عليه القبض من طرف القائد ليوطي، بعد نظمه لقصائد حرض فيها سكان القبائل وأمرهم بعدم دفع تامزوخت أو ضريبة الأذن، ووضع في السجن لمدة ثلاثة أشهر، وفي صبيحة يوم عيد أمر من طرف القائد ليصنع له الشاي ويقول شعرا، فلما استمع القائد لهذه الأبيات الشعرية ذات المغزى العميق، أرسل إلى ابنيه الكبيرين وأمر بقتلهما أمامه، ثم قتله بعدهما، بعد هذه الواقعة التي وصفها الأستاذ مستاوي بأكبر جريمة إنسانية، غادرت زوجات القتيلين قبيلتهن تحت جنح الظلام، وفي منفاها الإجباري، نظمت الشاعرة خدوج بنت حماد نايت أوفقير، هذه القصيدة الشعرية التي تحمل أكثر من معنى، تؤرخ لأحداث مؤلمة عاشتها وقاست منها قبائل سوس تقول خديجة بن حماد نايت أوفقير بعد تعريب قصيدتها:
    بربك يا عين قلبي، إن نضبت مياهك
    كي لا نزرع فتبذل الغلل،
    ما كنا نتوقع أن يصبح مصيرنا هكذا.
    يا ويحي أصبت بثلاثة مصائب متتابعة:
    أولها نفي ولم أغتل أحدا
    وثانيها أرضي التي بقيت بوارا
    وأخيرا بلدتي التي غادرت
    إلهي عضدتي في بلدان ليست فيها أمي
    وليس بها صديق، ولا من أروي له همومي
    جبانة ليس فيها قبور العشيرة
    فزائرها يقتصر بالترحم على ساكنيها وينصرف أماه ما أشبه حال كبدي بحال السمك
    جميل وسط المياه
    لكن خارجها تجف زعانفه كقش يابس
    أماه كبدي كالقش اليابس
    ودون حام، وأشقائي قد انقرضوا
    النموذج الثاني:
    شاعرة من أيت باعمران بسوس نظمت أبيات شعرية، وصفت فيها هزيمة ومقتل حيدا أومايس عندما قام بالزحف على قبائل أيت باعمران، حيث اصطدم بالمقاومين الباعمرانيين الذين أبانوا عن شجاعة ومقاومة وصفتها الشاعرة في قصيدها بمعاني وألفاظ غنية عن كل تعليق، فقد قتل حيدا أومايس وحمل رأسه إلى "كردوس".
    وانتقاما لعميلها جهزت القوات الاستعمارية الحملة المعروفة بالجنيرالية بقيادة الجنرال دولموط Delamant الذي كان حاكما عاما بمراكش وذلك في أبريل سنة 1917 تقول:
    آه من حيدا أقبل إلينا طامعا
    في أموالنا وزرعنا
    لكنه أصيب بهزيمة نكراء
    وترك جنده في ساحة الوغى جثثا
    كأكوام الزرع في موسم حصاد غني
    أكل الذئب، أكل الغراب وكل حيوان لاحم
    بل أكل منها حتى القنفذ الذي لم يذق قط لحم
    وبهذا فالمرأة السوسية كان لها حضور بارز في المقاومة وهذا ما استخلصناه من هذه الدراسات رغم نذرة المراجع التي تناولت هذا الموضوع.










    3-الدور الديني
    كان لانتشار الإسلام بالمنطقة دور كبير في تمسك السوسيين بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ومحافظتهم على تقاليدهم الأصيلة، وعني السوسيون بتعاليم الدين الإسلامي وتمسكوا به، ويظهر ذلك في اعتنائهم بحفظ القرآن الكريم، وقد كانت القرى تحرص على تحفيظ القرآن لأولادها، إما بالرضى أو رغما عنهم، فقد أدى هذا إلى أننا لا نكاد نمر بقرية من تلك القرى دون أن نجد غالبية سكانها حافظين للقرآن، فقد حاولوا إغناء معارفهم بالانتماء إلى الزوايا الصوفية المتواجدة بالمنطقة كالتيجانية والناصرية والدرقاوية، فأهل سوس معروفون بمحافظتهم الصارمة على الدين وإرجاع شؤون حياتهم اليومية بتفاصيلها إليه.
    وبذلك عرفت سوس علماء وفقهاء ومتصوفة الذين يعتبرون رجالات العلم العربي بسوس، وقد خصهم المرحوم المختار السوسي تآليفه التي حاول من خلالها رصد هذه النخبة وأدوارها سواء في "المعسول" أو في كتاب "سوس العالمة" "ورجالات العلم العربي بسوس" "وخلال جزولة" وعمل كذلك على تتبع الأسر العلمية التي تسلسل فيها العلم، فهذه الجماعة على معرفة بتعاليم الدين الحنيف. ولها مكانة هامة داخل مجتمعها، وكانت تقوم بعدة وظائف كالقضاء والتعليم بالمدارس والمساجد والزوايا، والعلم في سوس أساسا العلم الديني، وهي التي يطلبها طالب العلم بالأساس.
    والآن ماذا عن تعليم المرأة السوسية؟ وهل نجد داخل هذه الثقافة الدينية نساء عالمات، فقيهات، متصوفات؟
    بالرجوع إلى المصادر التي أرخت لنساء سوس ككتب المناقب والمعسول نجد كوكبة كان لهن حضور بارز في الحقل الديني ومنهن عالمات وفقيهات ومتصوفات، ومنهن من بلغن درجة الولاية الصوفية ومارسن التعليم والوعظ، وكانت لهن تآليف باللسان المحلي في الفقه والتصوف إذ بالرغم من الصعوبات والعوائق التي تواجه طلب العلم في هذه الجهة عامة وما يعترض المرأة بصفة خاصة من مواقف ترفض تعليمها حين تصل إلى سن معين، فإن هذا لم يمنع من إلتحاقها بالتعليم، ونبوغ نخبة من النساء كانت لهن مكانة علمية مرموقة.
    ويتحدث المؤرخ المرحوم المختار السوسي في كتابه المعسول عن كثير من النساء قمن بأعمال الخير وأغلبهن من الصالحات الناسكات، كنا عارفات بأمور الدين، ويتبرك بهن، فثقافتهن يغلب عليها الطابع الديني، بحكم نشأتهن في وسط ديني محافظ، متمسك بتعاليم الدين، وملتزم بنقلها إلى أبنائه وبناته، فبعض الأسر العلمية في سوس خصصت أساتذة تعليم بناتها كل العلوم وحفظ القرآن. فقد ورد عن المختار السوسي في كتابه المعسول في شأن والدته رقية بنت محمد بنت العربي الأدوزية«كانت أول معلمة من النساء في إليغ، ومهذبة البنات في دار والدي»
    «أول ما أعلنه عن والدتي هاته: أنها هي التي سمعت منها بادئ ذي بدأ تمجيد العلم وأهله، وإكبار تلك الوجهة»
    «كانت درجت بين يدي والدها: علامة جزولة في عصره، فكان يهم أن يدفع بها إلى الدراسة الواسعة في ميدان العلوم بعد أن أتقنت حفظ كتاب الله»
    «فعول والدها أن يدخل بها في طور العلوم فإذا بتزويجها جاء بغتة، وذلك عند مراهقتها، قال: فحين أرادت أن تركب على البغلة جاءت حتى قبلت رأسي، فركبت ولوحتها معها»
    «فكانت هي معلمة الدار والمرشدة والواعظة للوافدات إلى الشيخ... وكان تعليمها للبنات مقصور على ما تيسر من القرآن وتعليم الكتاب والتهجي، والتمرين حتى تقرأ التلميذة من عند نفسها الكتب الشلحية الموجودة بكثرة، المشتملة على السير والأحاديث والقصص» .
    فنجد أيضا الفقيهة والمدرسة «عائشة الأكمارية التي يقول عنها المختار السوسي أنها: "فقيهة أتقنت مترجم المختصر للهوزالي فكانت تملي على زوجها الفقيه محمد بن عبد الله الوفي ما كان يتوقف عليه، وحفظت بعض القرآن، وتتصدر مجالس النساء وتملي عليهن وتعظهن"»
    ومن النساء السوسيات العالمات نجد: رحمة بنت الإمام محمد سعيد السوسي المرغيتي، ألفت مختصرا فقهيا وكانت على درجة عالية من العلم. وفاطمة بنت محمد الهيلالية من وعل (توعلان) لها ترجمة في فهرس تلميذها محمد بن عمر السوسي الييبوركي يصفها فيه بالفقيهة العالمة السالكة. ويذكر أخذها عن الشيخ أبي العباس بن ناصر لها شهرة ومنظومات شلحية.
    ونجد كذلك السيدة الفاضلة فاطمة بنت أحمد بن بلقاسم بن علي الإفراني من أسرة آل أبي القاسم بن علي بمسجد الجمعة، فقد ورد عن المؤرخ المرحوم المختار السوسي في كتابه "المعسول" و" إليغ قديما وحديثا" في شأن هذه المرأة الفاضلة:«حين عرفنا شأن هذه الأسرة وزاويتها التي لا تصاهر إلا الأسر التي تحتل قمة الشرف وذروة المجد، ومن هذه الأسرة فاطمة بنت أحمد التي أنجبت رجلا عظيما وهو حاكم إمارة جنوب المغرب التي يعترف لها بالجميل والإخلاص وكلاهما مقبول، وكانت رحمة الله عليها تناقش المواضيع المختلفة وكانت تعطي الدروس للنساء ومحبوبة عندهم والزاوية التي تتواجد بها عامرة دائما بالنساء من كل جهة، ولم تكتفي رحمة الله عليها بالدروس الدينية بل تعطي النصائح وتدافع عن حقوق المرأة وتحل جميع مشاكل النساء وتحث المرأة زوجها وطاعة الله سبحانه وتعالى حتى لقيت ربها» .
    إلى جانب هذه النماذج من النساء الفقيهات نجد نماذج للمرأة الولية الصالحة فاطمة بنت سيدي سليمان التي يقول عنها المختار السوسي في كتابه المعسول:«كانت من الصالحات العابدات الناسكات، ولها بركة عظيمة، ونور يتلألأ عليها من بركاتها أن كل مريض أتى إليها ووصفت له دواء فاستعمله فإنه يبرأ عاجلا...مطلقة اليد لا تمسك شيء، فما كان عندها أخرجته للزائرات والزائرين من عسل أو سمن، أو قمح أو شعير فلا يبيت أحد في فم دارها إلا أكل حتى شبع وبهيمته» .
    « ومن عجائبها أنها تسبح في الليل وتزور الصالحين، ولا يراها أحد وترجع وتصلي الصبح في دارها. لقي بعضهم بعض الصالحات فقال لها :لا أرى معك وليا، فقالت إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين » .
    ونجد كذلك محمد بن احمد الحضيكي يتحدث في مناقبه عن حواء بيت أحمد بنت محمد الحضيكي "من أعمامنا كانت رضي الله من العابدات القانتات الصابرات الخاشعات المتصدقات الصائمات الحافظات الذاكرات الله كثيرا الرقيبات المتيقظات لا تغفل عن الله وأهوال الآخرة في كل أوقاتها كثيرة البكاء خوفا من مكر الله وعقابه وكانت رضي الله عنها ثنيا في الدار وتصاحب والدتي رحمة الله عليها في الله وتلازمها المحبة في الله خاصة حتى ما مامت الوالدة» .
    ويحكي لنا المختار السوسي عن امرأة أخرى فاطمة موهادوز يقول عنها:«أنها عظيمة القدر كبيرة الشأن ممن أخد عن الشيخ، فحصلت لها مقامات وخوارق وعن كيفية دخولها في الطريقة يقول أنها كانت تسترق السمع للحديث الذي كان يدور بين الشيخ وزوجها في محاولة لضمه لصفوفه، فتأثرت بكلام الشيخ فما أصبح الصبح حتى إنقشع الضباب ورفع الغشاوة وزال الحجاب وتقول واصفة حالتها: فإذا أنا قد نسيت كل الأولاد وأهل والزواج والدنيا جميعا وأدركت معنى قول مادح الرسول من قصيدة:" تفتل المال، تراودة الوالدين النبي محمد لحرمننا إذن منغي" أي ما ترجمته أنت أغلى عندي من المال والأولاد والوالدين أيها النبي محمد، بحرمتك اقبلني أن أرافقك» .
    فقد غلب عليها الوجد الصوفي حتى حال بينها وبين إرضاع وليدها، واستولت عليها حالة من الصمت ومازالت تترقى حتى بلغت درجة الولاية ونسجت حولها كرامات وخوارق منها أن الأرض كانت تطوى لها طيا، وتجالس الشيوخ الكبار واكتسبت بذلك مشروعية الولاية.
    ونجد كذلك"حكا" أو حواء بنت سيدي يحيى بن سيدي محمد بن علي بن احمد بن محمد بن يوسف الرسموكي وهي«صالحة،عابدة، يعتقدها الناس، لها مشهد يقام عليه موسم نسائي» .
    بالإضافة إلى تعزى السملالية"«ربيعة زمانها، ذات الشهرة الفائقة ولها أخبار» .
    لذا نستخلص من خلال قراءتنا لبعض الكتابات التاريخية لمحمد المختار السوسي كالمعسول ومن أفواه الرجال وكذلك مناقب محمد بن أحمد الحضيكي حين تحدثهم عن بعض النساء الشهيرات سوس غلبة الطابع الوليات الصالحات عليهن.
    والملاحظ كذلك أن المرأة السوسية كان لها الحضور في الحقل الديني والصوفي، ومن الجرد السابق لبعض أسماء النساء السوسيات نجد غلبة الولية الصالحة ويعود بالأساس إلى سيادة التصوف والطرقية في منطقة سوس وكثرة الزوايا، وكان لكل طريقة أتباعها سواء الدرقاوية أو الناصرية، وفي هذه التنظيمات الطرقية كانت المرأة حاضرة في الولاية تعمل على استقطابهن في إطار المنافسة بين الطرق الصوفية وبهذا استطاعت المرأة السوسية تحصيل العلم الديني بالتغلب على كل العوائق لتبرهن أن العلم والولاية لا يقتصر عل الذكور فقط، وبهذا تكونت نخبة من النساء الشهيرات عالمات وفقيهات ومتصوفات.
    4- الدور الاقتصادي.
    تحت ظروف الاستعمار الأجنبي الذي عرفه المغرب، ظلت المرأة السوسية تحتفظ على دورها الاقتصادي التقليدي التي كانت تقوم بأعمال تنفق فيها الكثير من وقتها كالحطب والحرث، تربية الماشية، والغزل بالإضافة إلى الحصاد وما يتطلب ذلك من تنقية الحبوب من شوائبها، وطحنها بالرحى التقليدية وغربلة الدقيق، ونجد أن المستفيد الأول وأساسا هي أسرتها. فالمرأة السوسية كانت تساهم في اقتصاد منزلها غير دارية أنها تقوم بتنميته فهي تقوم بدور تنموي أسري.
    فالمرأة السوسية كانت تهتم بتربية الماشية والأبقار والعناية بها، وتوفير مأكلها وجمع الحليب، دون أن تستفيد أي شيء فالرجل له السلطة في أن يبيعها، ويستفيد من ثمنها، رغم أن العبء الثقيل تحملته المرأة فهي لا يسمح لها بالتجارة، ومن الذهاب إلى الأسواق.
    وتساعد زوجها في الحرث والحصاد في حالة غيابه فهي التي تتكلف بذلك وحدها.وكما يقول المختار السوسي في كتابه المعسول:«والعجب أن ذلك الحمل الثقيل لا يؤودهن» .
    وإلى جانب ذلك كانت تقوم في بعض الأوقات فراغها بأعمال النسيج وإعداد الملابس الصوفية كالسلهام والجلباب والغزل وصناعة الزرابي لمنزلها دون ذلك، والمقصود أنها لم تلجأ إلى تسويق منتوجاتها وبيعها نستخلص أن الدور الاقتصادي الذي ساهمت به المرأة السوسية، كان يقتصر على اقتصاد منزلها دون ذلك.وكخلاصة عامة هذه اذن مجموعة من الادوارالتي قامت بها المراة السوسية قصدنا من ورائها إبراز الأدوار الطلائعية التي قامت بها، مستهدفين بالأساس اكتشافها، وإلى أي حد نجحت في إبراز ذاتها وكذلك في تنمية مجتمعها «»«»



    الفصل الثاني:


    دور المرأة السوسية
    في عهد الاستقلال





    مقدمة
    إلى حدود الثلاثينات من القرن الماضي، وهو تاريخ اجتياحه من قبل الاستعمار الفرنسي، نلاحظ أن المجتمع السوسي كان مجتمعا تقليديا ينتمي بكل مؤسساته وبنياته الاقتصادية الاجتماعية والثقافية والسياسية إلى الماضي، كان مجتمعا تؤطره القبيلة والزاوية، لكن سرعان ما تم زرع بنيات وأجهزة الدولة الحديثة بالمغرب من طرف الدولة المستعمرة،مما أسفر على عدة تحولات اقتصادية، اجتماعية ثقافية في المجتمع السوسي، وداخل هذا الأخير نجد المرأة السوسية التي بدورها تغيرت أوضاعها، فإذا كانت من قبل تقضي كل وقتها في أعمال بيتها، فإن المرأة السوسية في السنوات الأخيرة برهنت على أنها قادرة على مزاولة عدة ميادين وهذا ما لمسناه في حواضر سوس، تقلدت مناصب عليا، في العدالة،التعليم،الصحة، في المقابل أن المرأة السوسية في القرى مازالت تتخبط في الأمية، ولكن أصبحنا نلحظ أن عوامل التمدن وصلت إليها عبر وسائل الاتصال وبفعل الهجرة الداخلية والخارجية التي تمرر إليها العديد من القيم الحضارية، وهي بالتالي تحاول الوصول إلى درجة من الوعي، ففي بعض القرى السوسية عندما نتحدث إلى إحداهن تلمس لديها رغبة وإرادة في تغير أوضاعها وأوضاع مجتمعها وفي ذات الوقت إلى تنميته.





    I/ دور المرأة السوسية في عهد الاستقلال
    1- المجال التعاوني:
    المرأة السوسية كباقي نساء المغرب حاولت المشاركة في الحياة الاجتماعية وتبرز أنها عنصر فعال داخله، وتعتبره كحق من حقوقها وواجب ملقى على عاتقها، واستعدادها دائما على مساعدة أسرتها ورغبتها في تنميته وتطويره، جعلها تنخرط في العمل التعاوني، بعد ما كان جزء كبير من وقتها تقضيه في أعمال المنزل الداخلية والخارجية، التي لا تعتبر أنشطة منتجة تدر دخلا على أفراد الأسرة، لذا فإن تثمين عملها في إطار تعاوني وفي أنشطة تزاولها يوميا لا يمكنه إلا أن يدعم انخراطها في مشاريع صغرى منتجة لذا فالنشاط التعاوني فتح لها المجال لإبراز مكتسباتها، ويساهم في توعية المرأة وتهيئتها وجعلها قادرة على تحمل المسؤوليات.
    فالتعاونيات هي«تكثل مجموعة من النساء لاستغلال مهارتهن المهنية بغية رفع مستوى الاقتصادي والاندماج في المجتمع كعناصر عاملة بناءة ويسلك العضوات في تعاونيتهن طريقة التسيير الجماعي فالتعاونيات تقوم بمساعدة المرأة، وهي كذلك إطار ملائم لإدماج المرأة وتجعلها واعية بأهمية العمل الجماعي.»
    «ولقد عرف المغرب بدوره حركة التعاون مند القديم، وقد اتخذ هذا التعاون أشكالا تقليدية وبسيطة كان يزاولها سكان البوادي خاصة هذه الأخيرة التي كانت عبارة عن تجمعات صغيرة تسودها أواصر القرابة الأخوة، حيث كانت أصول السكان في هذه البوادي غالبا ما ترجع إلى جد واحد، وهذا ما يفسر استعدادهم الدائم لمساعدة بعضهم البعض ومؤازة بعضهم البعض في السراء والضراء ومن أهم أشكال هذا التعاون نذكر: الشرط، التويزة، النوبة، أكدال» .


    المملكة المغربية 27 أكتوبر 2005
    مكتبة التنمية والتعاون
    جهة سوس ماسة درعة

    تقسيم التعاونيات النسائية حسب الأقاليم

    المجموع الصيد الصناعة التقليدي الفلاحة أركان
    التعاونيات





    الأقاليم
    راسمال عدد المنخرطات عدد التعاونيات راسمال عدد المنخرطات عدد التعاونيات راسمال عدد المنخرطات عدد التعاونيات راسمال عدد المنخرطات عدد التعاونيات راسمال عدد المنخرطات عدد التعاونيات
    68100 482 15 5400 18 1 0 0 0 0 0 0 62700 464 14 أكادير إداوتنان
    82100 85 2 0 0 0 0 0 0 0 0 0 2 85 2 إنزكان أيت ملول
    98100 425 12 0 0 0 7200 24 1 27200 202 4 63700 199 7 شتوكة أيت باها
    89500 558 30 2000 20 1 17700 46 3 19500 100 6 50300 392 20 تزنيت
    109000 770 23 0 0 0 2800 28 2 27800 133 5 78400 609 16 تارودانت
    199404 650 9 0 0 0 159404 568 6 40000 82 3 0 0 0 ورززات
    646204 2970 91 7400 38 2 187104 666 12 114500 517 18 337200 1749 59 المجموع



    وبما أن بحثنا يقتصر على سوس، فهذه الجهة عرفت تزايدا وإقبالا على خلق التعاونيات، وعرفت حيوية أكبر في إحداث التعاونيات حيث صارت التعاونيات النسائية وخاصة القروية منها تنشط في مجالات عديدة كتربية الماشية والمعز وإنتاج زيت أركان، وقد عرفت التعاونيات النسائية في المغرب بالعالم القروي تطورا ملحوظا مند بداية التسعينات من القرن الماضي.
    تعتبر تعاونيات أركان هي المعروفة أكثر في جهة سوس التي« تأسست يوم12 أكتوبر 2004 بأكادير، الجمعية الوطنية لتعاونيات الأركان مكونة من التعاونيات الخاصة باستخراج زيت أركان المتواجدة بجهتي سوس ماسة درعة ومراكش تانسيفت الحوز» .
    وقد انخرطت فيها المرأة السوسية بشكل واضح في السنوات الأخيرة خصوصا في العالم القروي، وشجعت هذه التعاونية المرأة على الخروج للعمل رغم رفضها لذلك في البداية بحكم التقاليد والأعراف التي كانت تحرم عمل المرأة خارج البيت، وتعتبر تعاونيات النساء لإنتاج وتسويق زيت أركان بمنطقة سوس ماسة درعة تجربة رائدة في مجال إدماج المرأة القروية حيث تعتبر النساء الفاعلات الاقتصاديات الرئيسيات في وقت يهاجر فيه الرجال خارج المنطقة للبحث عن العمل.
    وقد استطاعت هذه التعاونيات تحقيق العديد من المكتسبات للنساء في هذه المنطقة أهمها:
    - القضاء على شبه العزلة التي كان يعشنها وربط أواصر التواصل مع محيطهن الخارجي فالعمل الجماعي في إطار منظم سمح لهن بالحديث وإبداء الرأي وتبادل التجارب.
    - تحسين القدرات الإنتاجية والتقنية للنساء، انعكست إيجابيا على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للنساء.

    مراحل استخراج زيت أركان










    إدماج المرأة في النسيج الإنتاجي والاقتصادي خصوصا إذا اندرجت في إطار برامج تنموية تشاركية لمحاربة الفقر لدى النساء والعمل على تأهيلهن سواء من خلال برامج محاربة الأمية أو على مستوى تأطيرهن في مشاريع صغرى مذرة للدخل وتعتبر التعاونية الإطار الأمثل لتحقيق ذلك والأكثر من هذا سمحت لها بتقوية قدراتها الذاتية واندماجها بسهولة في الحياة العملية،
    وقد سمحت هذه التعاونيات للمرأة من معرفة حقوقها وواجباتها، إذن فالتعاونيات تعتبر إطار ملائم لإدماج المرأة ودر الدخل على الأسرة، وهذا ما لمسناه لدى المرأة السوسية في دورها الريادي والمجهودات التي ما فتئت تتحملها وكذا مساهمتها في التنمية.
    2-المجال الفني:
    ولجت المرأة السوسية المجال الفني انطلاقا من أوائل الستينيات، فبرزت في ميدان الشعر والغناء، وقد نالت خطوة مهمة في ميدان الفن، توجته بميدان الإبداع في الشعر أسايس والمرقص وأحواش حيث أصبحت تكتب الشعر تانضامت وقد ولج صوت المرأة ميدان الأغنية الأمازيغية السوسية، واستطاع أن يصنع لنفسه مكانة متقدمة ومرموقة، بالساحة إلى حد يمكن القول فيه أن المطربة ترايست ساهمت بشكل فعال في ازدهار الأغنية السوسية، والساحة الفنية حافلة بمجموعة من الفنانات اللواتي أعطين للفن الأمازيغي نصيبه، واستطاعت كذلك أن تغزو الميدان الفني، والدفاع عن الثقافة العريقة السوسية، واستطاعت أن تنال جوائز مهمة والتعريف بالمنطقة وثقافتها وأن تحمل مشعل الأغنية الأمازيغية الممزوجة بالتقليد والمعاصرة.
    ولعل خير مثال نذكره هي «المرحومة فاطمة تكرمت الإفرانية، هذه الرايسة التي أعطت الكثير واشتهرت في غنائها بالكلمات المتوازنة واللحن والصوت، اشتهرت في جميع مناطق سوس والمغرب بالأغاني الدينية والوطنية والعاطفية والشعبية والراقصة ».
    فهي تنتمي لضواحي تزروالت وتعتبر من أولى الرايسات اللواتي ساهمن في ترسيخ دعائم موسيقى الروايس، انطلاقا من غيرتها على الفن والفنانين، يحكى أنها أسست مدرسة نموذجية من الرايسات بمدينة مراكش، وعددهن 12 فنانة، وكانت عازفة وشاعرة ومغنية رائعة، هذه الفنانة التي أعطت الكثير للفن الأمازيغي إنها المطربة التي حافظت على أصالة الأغنية الأمازيغية السوسية المغربية ومن ضمن الفنانات اللواتي برزن في المجال الفني «رقية تالبنسيرت ولدت في منطقة الدمسيرين التي لا تبعد عن إيمينتانوت إلا بحوالي 18 كيلومتر عرفت الفن منذ صغرها، حيث وجدت نفسها بشكل تلقائي إلى جانب والدها في رقصات أحواش إيمينتانوت، وعمرها لا يتجاوز أربع سنوات، والرابعة عشر من عمرها خرجت من بلدتها بحثا عن تحقيق شخصيتها وتعبيرا عن رفضها الزواج من شيخ كبير السن، وتعتبر من الفنانات القلائل اللواتي استطعن بموهبتهن أن يحافظن على تألقهن منذ ظهورهن، فلقد تمكنت رغم الظروف الصعبة التي عاشتها في البداية أن تصمد أمام أقوى العوامل، وتؤسس لنفسها اسما فنيا، مازال نوره يشع ويتألق في سماء الفن، وقد كونت فوقة خاصة بها في نهاية الستينات وبداية السبعينات، وتلقت عددا من العروض داخل المغرب وخارجه كما أحيت عدة سهرات فنية في مناسبات مختلفة»
    أما فاطمة تابعمرانت واسمها الحقيقي "شاهوم فاطمة بنت محمد الإفرانية من مواليد 1962، وأمها تنتمي إلى أيت بعمران منطقة بوكرفا وأبوها ينتمي إلى قبيلة إداوشقرا بإفران الأطلس الصغير وتربت داخل منزل أبيها بإفران وهي تقطن الآن بالدشيرة الجهادية بإنزكان أكادير." عاشت يتليمة الأم منذ صغرها، لاقت صعوبات في طفولتها، وتجلت معاناتها في الطفولة في تجديد موهبتها، وانعكست على عطائها، فكانت أولى أغانيها عن معاناة اليتامى، فهي ترى في الغناء تعبيرا عن معاناة دفينة، وقد أعادت للأغنية الأمازيغية هيبتها في فترة قصيرة عبر إنتاجها المستوحى من التراث القديم لحنا وإيقاعا، الممزوج أحيانا بالطرب المعاصر، إيمانا من فاطمة بضرورة مسايرة العصر وفق ما هو مناسب وملائم لروح الأغنية الأمازيغية.



    فاطمة تابعمرانت تكرم الرايسة صفييا ؤلت تلوات سنة 2002

    فهذه الفنانة دافعت عن أصالة الأغنية الأمازيغية، فهي شاعرة ومغنية سوس الملتزمة، غنت عن هموم الإنسان، ومآسي حرب الخليج ومعاناة حرب الهجرة.
    حصلت على عدة شواهد تقديرية وجوائز مهمة طوال مشوارها الفني.
    - جائزة الرباب الفضي «في 25 يوينو 1994.بنادي جهة الجنوبية للصحافة بتزنيت الملتقى الأول للإبداع الشعبي بالمنطقة الجنوبية»
    - جمعية أكادير للتراث والفنون. جائزة أكادير أومارك الأولى يوم 16 غشت 1998.
    - جائزة المرحوم جانطي من طرف جمعية مستقبل آزرو.
    - جائزة أكرو أمازيغ سنة 1955 عن أغنية "أيوزم اتامازيغت"
    - شهادة تقديرية من قبل منظمة عالمية أمازيغية .
    وقد شاركت في عدة ملتقيات من أهمها مشاركتها سنة 1995 في ملتقى بالرباط تحت عنوان المرأة المغربية ودورها في الحفاظ على البعد الأمازيغي للهوية الوطنية بوزارة الثقافة.
    وذاع صيتها داخل المغرب وخارجه، حيث غنت بمسرح البحر في مارسيليا، 1997 غنت بمعهد العالم العربي في باريس.
    فهذه الفنانة أعطت للفن الأمازيغي مكسبا مهما، وهذه الفنانة دائما متشبثة ومهتمة بالتراث الأمازيغي ونالت خطوة مهمة في ميدان الفن توجته بميدان الإبداع في الشعر، والرقص واحواش حيث أصبحت تكتب الشعر وتقوم بتلحينه دون أن ننسى مساهمتها في إحياء سهرات تخصص مداخيلها للأعمال الاجتماعية. كل هذا يدخل ضمن نضالات حركة النساء السوسيات وخاصة فيما يتعلق بإدماج المرأة في التنمية.
    وهذه إذن نماذج من نساء سوسيات برزن في المجال الفني، فكل واحدة أعطت فيه الكثير مساهمة منها لتعريف بالثقافة الأمازيغية السوسية وتراثه، وحققت للفن السوسي الكثير من المكاسب أهمها محافظتها على أصالة الفن الأمازيغي.

    3-المجال السياسي:
    المرأة الأمازيغية قديما كانت فاعلة سياسية، تبوأت مكانة هامة فيه، وتركت بصماتها في التاريخ، حيث شغلت أرقى المناصب السياسية كالملكة دهيا، زينب النفزاوية...
    وسارت على نهجها المرأة المغربية التي خطت خطوة هامة في هذا الميدان، فالتاريخ المغربي يحفظ لنا أسماء نساء انخرطن في العمل السياسي وفي الحركة الوطنية وتعتبر المناضلة السياسية مليكة الفاسي نموذجا.
    ومع انبثاق عهد الاستقلال طالبت المرأة المغربية بمساواتها مع الرجل في كل الحقوق، حتى يتسنى لها تأدية الواجبات على الوجه الأكمل في جميع الميادين، وضمن هذه الحقوق حق الممارسة السياسية.
    فقد انتظمت النساء المغربيات في فجر الاستقلال داخل جمعيات تابعة لتنظيمات سياسية، ومع مرور السنوات حققت المرأة المغربية ذاتها في الميدان السياسي من خلال المكانة التي أصبحت تحتلها داخل أجهزة الأحزاب السياسية وبرامجها، مبرهنة عن كفاءتها ومؤهلاتها السياسية. «وهكذا دخلت المرأة المغربية إلى ميدان النضال السياسي من بابه الواسع وعرفت محلها من الإعراب في هذا المجتمع» كما قال المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني وفي عهده منحت لها الحقيبة الوزارية حيث عين رحمه الله أربعة وزيرات في عهد الحكومة الانتقالية، وثلاث وزيرات في حكومة التناوب وأصبحت كذلك نائبة في البرلمان، حيث تم تخصيص نسبة 10% من مقاعد مجلس النواب للنساء اللواتي تم تبني تغيير إيجابي لصالحهن في القانون الانتخابي، وقد يصل كذلك نصيبها في الانتخابات المقبلة ثلاثين امرأة من مقاعد مجلس البرلمان، فهي إذن بلغت درجة من الوعي جعلها تساهم بفعالية في العمل السياسي وتمارس أهليتها السياسية، والمرأة السوسية كباقي نساء المغرب أضحت تتبوأ مركزا متقدما في الميدان السياسي، فسجلت حضورها داخل الساحة السياسية، من خلال انظمامها إلى الأحزاب السياسية ومشاركتها في الحملات الانتخابية فرغم العراقيل التي واجهتها خاصة وأنها تنتمي إلى منطقة محافظة التي لم تتقبل مشاركة المرأة للرجل في مختلف الميادين التي كانت منحصرة على الذكور فقط ومنها بالدرجة الأولى المجال السياسي، فواجهت المرأة السوسية السياسية نظرة المجتمع التي تنظر إلى المرأة المتحزبة نظرة ناقصة الذي أكدته خديجة فلكي الكاتبة الإقليمية للقطاع النسائي للاتحاديات في عرض ألقته تحت عنوان « المرأة والممارسة السياسية» يوم 20 مارس 2006 بالمركب الثقافي جمال الذرة انطلاقا من تجربتها السياسية، وتضيف أن المرأة استطاعت إثبات ذاتها داخل المجال لتأكيد مدى أحقيتها على المشاركة في القرارات السياسية، ففي حاضرة أكادير مثلا نجد في أوساط نسائها انخراط بعضهن في الأحزاب السياسية ومشاركتهن في الحملات الانتخابية ففي المجلس البلدي تم انتخاب كل من مليكة بيتي ـ فاطمة كرينة ـ جميلة اليحياوي عضوات مجلسه وامتدت عضويتهن من 1997-2003وفي سنة 2003 تم تحديد العضوات، وتم تحديد انتخاب مليكة بيتي وجميلة اليحياوي وتعيين عضوة جديدة وهي أمينة نديم.
    وتعتبر لطيفة اجبابدي أول المناضلات السياسيات التي دافعت عن الحركة النسوية السياسية، والتي كتبت عن «الحركة النسائية المغربية» وتحدثت اجبابدي في إحدى المجلات عن التنظيمات النسائية الأولى في المغرب. وحاليا تشتغل، هي وأمينة وشلح، منصب عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي. ويبقى ما ذكرناه نموذجا لنساء سوسيات برزن داخل المجال السياسي وأثبتن جدارتهن في هذا الميدان رغم الصعوبات.
    واستطاعت المرأة السوسية اقتحام مجالات أخرى، كانت من احتكار الرجل، وذلك نظرا للتغيرات التي عرفتها المنطقة السوسية، من وعي ونضج ثقافي، بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية التي تحتم على المرأة السوسية الخروج للعمل وتحمل عبء المسؤولية.
    فخلال معاينتنا لربورتاج "تحقيق" الذي بثته القناة الثانية في شهر مارس 2006 الذي سلط الضوء على بعض النماذج من نساء سوس، استطعن بفضل إرادتهن والرغبة الأكيدة في الدخول إلى معترك العمل وتحمل صعوباته، فكل واحدة تحكي عن الظروف التي دفعتها إلى ممارسة هذه المهنة.
    فالسيدة الحاجة بن جوان ولجت مهمة تسيير وإدارة شركة زوجها المختصة في تصدير واستيراد الأسماك بعد عجزه، فقد كانت ربة بيتها بعيدة عن أمور وشؤون العمل، ففي بداية مهمتها الجديدة كانت تجهل أمور الشركة،لكن بعزيمتها استطاعت تخطي الصعوبات التي واجهتها، وإنقاذ شركتها من الإفلاس.
    والنموذج الثاني نعيمة صاحبة وسائقة سيارات نقل الأموات التي ورثتها عن زوجها المرحوم،وهي مهنة تنفرد بها هذه السيدة داخل ولاية أكادير، وحسب ما تحكيه فجل وقتها تقضيه في العمل وطبعا دون نسيان شؤون بيتها.
    ونجد كذلك مساهمة المرأة السوسية في تنمية منطقتها فلاحيا من خلال مشاركتها في جمع المنتوجات الفلاحية داخل الضيعات وتعليبها داخل المصانع للقيام بتصديرها ويظهر جليا ذلك في منطقتي هوارة واشتوكة أيت باها باعتبارهما منطقتين فلاحيتين.ومن هنا يتضح لنا أن المرأة السوسية ساهمت بالفعل في تنمية مجتمعها من خلال مشاركتها الفعالة في عدة مجالات.
    محمد لعضمات :lol:
  • عبدالرحمن السليمان
    عضو مؤسس، أستاذ جامعي
    • May 2006
    • 5732

    #2
    _MD_RE: المرأة السوسية ودورها في التنمية

    <font size="5"><strong>شكرا للأخ محمد على هذا المقال الماتع الذي يلقي الضوء على جوانب مهمة من نساء بلادنا.<br />بارك الله فيك.</strong></font> 

    تعليق

    يعمل...