أحمد عصيد باحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية
المفارقة التي تعيشها الأمازيغية هي الاعتراف الشعاراتي بها مع مقاومتها عمليا
يؤكد أحمد عصيد أن الانتقاد الذي وجهته ، في الفترة الأخيرة، لجنة الدفاع عن الأمازيغية في التلفزيون للحكومة والذي تؤاخذ فيه الحكومة بعدم الوفاء بالتزاماتها في مجال تعزيز الأمازيغية في الإعلام السمعي البصري الوطني
جاء بعد توفر معطيات تؤشر على وجود مماطلة في تنفيذ التزامات الحكومة في هذا الشأن
ويقول الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إن العديد من البرامج والمشاريع التلفزية بالأمازيغية لم تر النور رغم أنها جاهزة وقُدمت أمام المسؤولين عن القنوات التلفزية الوطنية
ويذهب إلى أن هناك نقصا في إرادة المسؤولين في التلفزيون في مجال دعم البرامج الأمازيغية ، وأن هناك نوعا من التهاون في تنفيذ ما اتفق عليه، وأن هناك نوعا من الاستخفاف البين والواضح بمطلب تعزيز الأمازيغية في الإعلام
ويؤكد الباحث أن المطلوب من الحكومة هو أن توفرالإمكانيات الضرورية لتشجيع الإنتاج الأمازيغي
٭ انتقدت لجنة الدفاع عن الأمازيغية في التلفزيون، في الآونة الأخيرة، الحكومة من خلال وزارة الاتصال، كونها لم تلتزم بتعهداتها في مجال تعزيز مكانة الأمازيغية في الإعلام ،هل تعتبرون هذا الانتقاد معقولا،خاصة وأن الاتفاق بين المعهد والوزارة في هذا الشأن لم يمرعليه سوى عشرة شهور، والعديد من المهتمين يقولون بوجوب منح وقت أكثر لهذه المسألة؟
ـ التحرك الذي قمنا به مؤخرا من أجل الدفاع عن الأمازيغية في المشهد الإعلامي السمعي البصري كان بسبب توفر معطيات دقيقة لدينا عن وجود مماطلة في تنفيذ ما وقع الاتفاق عليه مع المسؤولين عن القنوات التلفزية، وبطبيعة الحال فإن هذه المعطيات تتجلى أساسا في وجود مشاريع مُهيأة منذ شهور، بمعنى أنه كانت هناك حلقات نموذجية من هذه المشاريع لكن دون أن تلقى الموافقة لكي تعطى الانطلاقة لتصوير بقية الحلقات ولكي يُشرع في البث، كما أن هناك العديد من الأفكاروالتصورات لا تقتضي وقتا طويلا لإنجازها بل وقتا أقل بكثير مما يقال، ورغم ذلك لم تُنجز، وتبين لنا، بالمقابل أن هناك العديد من المشاريع بالعربية عُرضت في ما بعد وجرى إنتاجها بسرعة صاروخية وبميزانيات خيالية، هذه المعطيات المتوفرة تؤكد بأن تنفيذ دفتر التحملات لا يحتاج لأكثر من ستة أشهر
ومدير الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة السيد فيصل العرايشي، أقر بذلك بنفسه في اجتماع يوم الجمعة 13 أكتوبر الذي انعقد بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وبين الوزارة الوصية ومسؤولي التلفزة، حيث قال إن تنفيذ دفتر التحملات يحتاج إلى ستة أشهر، ونحن انتظرنا عشرة أشهر لكي نُعلن عن احتجاجنا، وأعتقد أنه لولا هذا الاحتجاج لما كان هناك عدد من البرامج التي شُرع في بثها بعد الحملة المذكورة، وهذا يعني أنها كانت مهيأة من قبل، على سبيل المثال برنامج »أرحال« الذي انطلق بثه قبل عشرة أيام فقط،رغم أنه كان في الواقع جاهزا منذ شهر يونيو
النشرة بالأمازيغية من سبع دقائق في القناة الثانية، لاتحتاج إلى عشرة أشهرلكي تنطلق، بل لا تحتاج حتى إلى خمسة أو ثلاثة أشهر
التبريرات التي تقول إن تنفيذ دفتر التحملات يحتاج إلى وقت هي تبريرات واهية، لأننا لم نحتج على القنوات التلفزية بعد مرور شهر أو شهرين بل انتظرنا عشرة أشهر، وعندما لاحظنا أن السنة قريبة من أن تنصرم دون أن يتحقق شيء، عبرنا عن موقفنا بوضوح، وأعتقد أن هذه الحملة أعطت نتيجة مهمة،لأن التلفزة شرعت الآن، فعلا، في تنفيذ عدد من عناصر دفتر التحملات
٭ مباشرة بعد الندوة الصحفية التي عقدتها لجنة الدفاع عن التلفزيون في الإعلام، أعلن محمد نبيل بن عبدلله، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، عن قرب انطلاق القناة التلفزية الأمازيغية،هل تعتبرون هذا رد فعل جاء نتيجة الضغط الممارس من طرف لجنة الدفاع عن الأمازيغية في التلفزيون؟
ـ الاتفاق على إنشاء قناة أمازيغية حصل يوم 19 يوليوز 2006 ، في اجتماع اللجنة المشتركة بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والوزارة ، حيث جرى الاتفاق على إحداث هذه القناة
المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كان له موقف خاص قبل هذا التاريخ يتمثل في ضرورة تخصيص ثلاثين في المائة من البرامج الوطنية للأمازيغية في القنوات التلفزية الأخرى،على اعتبار أنها تُعتبر إرثا وطنيا ومسؤولية لجميع المغاربة ، وبالتالي ينبغي أن تأخذ حقها كاملا في مختلف القنوات وليس أن نُفرد لها قناة خاصة، وهذا معناه أننا لم نكن نرفض القناة الخاصة،كنا نعتبرها مكسبا ولكننا نرفض أن تكون هذه القناة بديلا لبرامج الأمازيغية في القنوات الأخرى
وبطبيعة الحال بعد الاتفاق على نسبة مهمة من البرامج الأمازيغية في القنوات ألأخرى، اتفقنا مع الوزارة على إحداث القناة، لكن مؤخرا استمعنا إلى وزير الاتصال وهو يقول إن نسبة 30 في المائة غير ممكنة وأنها لم تكن موضوع اتفاق
وهذا غير صحيح، لأن محاضر الاجتماع بين الوزارة والمعهد يتضمن هذا الاتفاق
نحن لا نطلب تحقيق نسبة 30 في المائة من البرامج الأمازيغية خلال 2006 ولا حتى 2007، نحن نعتبر أن دفتر التحملات الحالي لسنة 2006 يشكل بداية من أجل الوصول إلى النسبة المذكورة، ولكن لا نطالب بالمعجزات، وإنما نعتبر أن تحقيق هذه النسبة ممكن في حدود 2008 مثلا، يمكن أن تحظى الأمازيغية بهذه النسبة التي وإن كانت مهمة، فهي لا شيء مقارنة مع النسب المخصصة للبرامج بالفرنسية والعربية، فثلاثون في المائة هي لا شيء مقارنة مع ما ستحظى به اللغات الأخرى، على اعتبار أن المغرب يستورد برامج بالعربية والفرنسية من الخارج، وهذه البرامج تحتل كل مساحة المشهد ، فهناك نسبة من الإنتاج الوطني بالعربية والفرنسية زائد نسبة كبيرة من الإنتاج الأجنبي بالعربية والفرنسية، أما البرامج الأمازيغية فهي فقط إنتاج وطني، بمعنى أنه لا يمكن أن نستوردها من أي مكان آخر
٭ وهل هناك ما يكفي من الإنتاج الوطني الأمازيغي؟
ـ هذا هو السبب بالذات الذي يجعلنا لا ندعو إلى تحقيق نسبة ثلاثين في المائة من البرامج الأمازيغية خلال السنة الحالية وحتى خلال السنةالمقبلة، ندعو فقط إلى أن تُفتح الأبواب، وألا يقال أن دفتر التحملات هو السقف النهائي للأمازيغية في التلفزة، فهذا غير مقبول، فهذه نسبة ضئيلة جدا،لكن نطالب بالعمل في اتجاه تحفيز المنتجين والعاملين في مجال الأمازيغية بدفتر التحملات وأن يُحفز الفنانون والكتاب وكل العاملين والفاعلين في الحقل الثقافي الأمازيغي، وهذا ما سيمكن كل هؤلاء من توفير المادة الضرورية لسد حاجة 30 في المائة المذكورة
٭ ألا ترون أن التوفر على الإنتاج الوطني الأمازيغي يعتبر شأن المبدعين الأمازيغيين أنفسهم، وأن الحكومة ليست لديها المسؤولية في ذلك؟
ـ فعلا، الحكومة ليست هي التي ستسهر على إنتاج البرامج الأمازيغية، ولكن نود أن نثير الانتباه إلى وجود عدد كبير من المبدعين والمنتجين في مجال الأمازيغية كانت الأبواب موصدة في وجوههم
ما نطلبه من الحكومة هو أن توفر الإمكانيات وتتوفر الإرادة السياسية لتشجع الإنتاج الأمازيغي، وبطبيعة الحال فإن الإنتاج الأمازيغي سيتطور بالتدريج على اعتبار أن التراكم الكمي هو الذي يُحدث النقلة النوعية
الآن عندما يُقال لنا إن ما يُنتج بالأمازيغية يعتبر هزيلا، في الواقع السبب في ذلك هو التهميش لسنوات طويلة،لأنه عندما لا تكون هناك مأسسة لثقافة ما ، فإنها تظل في الهامش ، وعندما تبقى هذه الثقافة في الهامش، فإن ما يُنتج فيها ضئيل ولا يصلح للتطور الكيفي والنوعي، وهذه هي مشكلة الأمازيغية
على سبيل المثال، بالنسبة إلى البرامج العربية، في السنوات الخمس الأخيرة وفي مجال إنتاج الأفلام التلفزيونية، حدث تطور نوعي ملحوظ
الفيلم التلفزيوني المغربي تطور بشكل لافت بالعربية في هذه الفترة، بسبب أنه أصبحت هناك ميزانيات تُوفر للأفلام التلفزيونية، وأصبحت هناك قنوات تُنتج 15 فيلما في السنة وأكثر، هذا هو التراكم الذي يسمح بالانتقال الكيفي وأعتقد أنه لا خيار للأمازيغية إن أرادت أن تطور أدواتها الإبداعية من هذا الدعم
٭ إلام يرجع التردد الملحوظ على مستوى تعزيز مكانة الأمازيغية في الإعلام،هل إلى غياب الإرادة أوغياب الحماس لدى الحكومة في رد الاعتبار للأمازيغية في الإعلام، أم هناك أسباب أخرى؟
ـ السبب، في واقع الأمر، لا يرجع فقط إلى الحكومة، نحن نتحدث بصفة خاصة، عندما نطرح مشكل تنفيذ دفاتر التحملات، عن مسؤولي التلفزيون
هناك مسؤولون ومدراء لا يُعطون أي أهمية للموضوع، ولا يحضر عندهم الهاجس السياسي الذي يكمن وراء هذا الموضوع
هناك في التلفزيون من يعتقد أن الأمازيغية ليس لها جمهور وأن الناس كلهم يتكلمون بالعربية الدارجة، ولهذا هناك داخل التلفزيون من يرى أن إنتاج برنامج بالأمازيغية لا طائل من ورائه، وهذا خطأ، لأنه حتى إذا أخذنا بعين الاعتبار الإحصاء الرسمي المتوفر لدينا وهو إحصاء خاطئ، فهو يقول إن 28 في المائة من المغاربة يتكلمون بالأمازيغية وهذا معناه عشرة ملايين شخص ، فحينما نقول إن برنامجا بالأمازيغية ليس له جمهور فهذا خطأ، بالنظر إلى الإحصاء الرسمي الذي نعتبره إحصاء خاطئا، فنحن نعرف أن عدد الناطقين بالأمازيغية يتجاوز 45 في المائة، ولكن الطريقة التي أُنجز بها الإحصاء لم تتقيد بأمور كثيرة فتولد عن ذلك إحصائيات لا تناسب الواقع
فهذه العقلية هي التي نقاومها في التلفزيون
هناك نقص في إرادة المسؤولين، وهناك نوع من التهاون في تنفيذ ما اتفق عليه وهناك نوع من الاستخفاف البين والواضح بمطالبنا
وسوف أعطي مثالا بالسيد مصطفى بنعلي، مدير القناة الثانية، الذي قُدمت له برامج أمازيغية منذ سنة وظلت في مكتبه دون أن يُعطي أي جواب عنها على الإطلاق طيلة هذه المدة
كان عليه، على الأقل، أن يُعطي جوابا بالرفض
مدير القناة أعطى أجوبة على برامج كثيرة عُرضت عليه في ما بعد ،خاصة المهازل التي أنتجت خصيصا لشهر رمضان وبسرعة فائقة، وبدعم من المدير نفسه، وبميزانيات كبيرة
فهناك نوع من الميز في التعامل مع مطالبنا، سببه استخفاف هؤلاء المسؤولين وعدم استيعابهم للأبعاد السياسية والأبعاد الهوياتية والثقافية لموضوع الأمازيغية، وعدم تمثلهم لما يمكن أن يكون للأمازيغية من دور كبير في الإعلام المغربي وتأثير ذلك على وعي المواطنين
٭ يبدو الأمر وكأنكم وحيدون في الساحة، فالدفاع عن الأمازيغية بشكل عام وعن مكانتها في الإعلام بشكل خاص، يكاد يكون شأن جمعيات ثقافية أمازيغية ونشطاء أمازيغ، رغم أن الجميع أضحى يتحدث في الفترة الأخيرة عن الأمازيغية وعن الدفاع عن الثقافة واللغة الأمازيغية، بما في ذلك الأحزاب السياسية، فأين دور هذه الأخيرة؟ وهل الدفاع عن الأمازيغية أضحى مجرد شعار ترفعه الأحزاب السياسية؟
ـ يمكن القول إن الأمازيغية تعيش حاليا مفارقة، وهذه المفارقة هي مفارقة الاعتراف مع المقاومة
هناك اعتراف على مستوى الشعار مع وجود مقاومة على مستوى السلوك، والسبب في ذلك هو تخلف العقليات والتصلب أو التحجر الإيديولوجي للأحزاب السياسية
كان هناك قرار ملكي عام 2001 يقضي بإنصاف الأمازيغية، وهو طبيعي إذ أخذ جلالة الملك المبادرة في عدد من الملفات الساخنة والمتوترة ،مثل ملف الصحراء والمرأة والأمازيغية وماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان
وبطبيعة الحال ، فإن إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، هو مثل إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة والمجلس الاستشاري الملكي لشؤون الصحراء، لكن ما يلاحظ هو أن هذه الخطوة كانت مفاجأة للأحزاب وللنخبة الثقافية في البلاد ،لأنها لم تكن تنتظر أن تأتي بهذه السرعة، في الوقت الذي لم ينضج فيه بعد السجال العمومي حول الأمازيغية وفي الوقت الذي لم تنفتح الأحزاب بما يكفي على النقاش الدائر في المجتمع المدني، وظلت متخلفة عن هذا النقاش، فالمعضلة هي أن هناك قرارا سياسيا ملكيا مضى إلى الأمام وترك وراءه أحزابا ما زالت تعاني من تصلب إيديولوجي ومن إرث ثقيل موروث عن العقود السابقة، وبالطبع تمظهرات هذه المفارقة، مفارقة الاعتراف الشعاري مع المقاومة العملية، يتجلى في الهوة التي تفصل بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمؤسسات الحكومية، فالمعهد وضع تصوراته لإنقاذ الأمازيغية وإنصافها داخل المؤسسات في إطار تصور جديد تتبناه الحركة الأمازيغية، ولكن الأحزاب السياسية لم تصل في تطورها الإيديولوجي إلى القبول بهذه التصورات،وقمنا بترسيم هذه الاختيارات داخل المعهد، لكن بالنسبة إلى الأحزاب لا يبدو أنها ترتاح لهذا النهج الذي اخترناه، ولهذا السبب نجد أن هناك نوعا من العرقلة في موضوع التعاون والتنسيق بين المعهد وعدد من القطاعات : وزارة التربية الوطنية، وزارة الاتصال، وزارة الثقافة،بحيث يوجد نوع من التوتر ومن عدم التفاهم
وما يمكن تسجيله هو أنه على مستوى الخطاب والوثائق المكتوبة ليس هناك أي خلاف، فبما أن هناك قرارا ملكيا، فالكل يكرر نفس الشعارات الإيجابية البراقة، لكن على مستوى العمل، فالكل يبذل جهده من أجل العرقلة والحيلولة دون تنفيذ هذه التصورات كما جرى التخطيط لها
فمشكلة الأمازيغية في اعتقادي، هي الحاجة إلى حوار وطني يسمح للرؤى والتصورات أن تتقدم إلى الأمام لكي لا يبقى هناك تصور مستقبلي في صراع مع تصور ماضوي
ترسبات خطابات القومية العربية والإسلاموية والسلفية ما زالت موجودة إلى الآن تعرقل عملنا لأنه لا يمكن أن نُخفي أن هناك مسؤولين في الدولة مازالوا يفكرون بطريقة قديمة ولا يرون للأمازيغية أي مكانة داخل المؤسسات
من جهة أخرى، يمكن القول إن من إيجابيات هذه المرحلة، رغم كل هذه المفارقات الموجودة، أن الأمازيغية انتقلت من الصراع في الشارع بين الحركة الأمازيغية والأحزاب، إلى صراع داخل دواليب الدولة وداخل المؤسسات وهذا الصراع هو الذي سيسمح للأمازيغية بأن تأخذ مكانتها مستقبلا
٭ تحدثتم عن المفارقة،هل يتجسد أحد تجليات هذه المفارقة في قطاع التربية والتكوين،حيث كان هناك حديث عن صعوبات في إدماج الأمازيغية في التعليم؟
ـ إدراج الأمازيغية في التعليم عرف الكثير من المشاكل التي ترتبت عن هذه المفارقة، حيث هناك خطاب لدى وزير التربية الوطنية يعتبر أنه لا حق لنا في أن نفشل في هذا المشروع ويعتبر أن الأمازيغية هي مكون جوهري لهويتنا ويعتبر أنه ليس من حقنا العودة إلى الوراء
كل هذا الخطاب الإيجابي جرى الإعلان عنه من طرف وزير التربية الوطنية، لكن عندما ننتقل إلى الميدان، إلى المدارس ومديري المدارس ، إلى رؤساء الأكاديميات والمندوبين، نجد واقعا مخالفا تماما، نجد هناك جميع أنواع المقاومة التي أفشلت، عمليا، عملية إدماج الأمازيغية في التعليم، كما يدل على ذلك عدم توزيع الكتاب المدرسي للسنة الرابعة أساسي، وليست هذه هي المرة الأولى التي يقع فيها ذلك ،كان احتجاجنا على الكتاب في السنة الأولى سنة 2003، ثم في السنة الثانية 2004، وفي السنة الثالثة 2005، والآن لازال احتجاجنا مستمرا لأن كتاب السنة الرابعة لم يُوزع بعد
والسبب في ذلك أنه لم يُدخل في لائحة الكتب المدرسية لدى الوزارة، أعتبر كتابا مغضوبا عليه وخارج اللائحة إلى الآن
اكتشفنا في 16 شتنبر الأخير أن اللائحة لا تتضمن كتاب الأمازيغية ولهذا لم يشتره أرباب المكتبات، فهؤلاء يشترون الكتب المدرسية حسب لائحة الوزارة، والغريب هو أن الوزارة هي التي طبعت ومولت كتاب الأمازيغية الذي ألفه المعهد ولم تُدخله في لائحتها
فالأمرواضح، هناك رغبة أكيدة في جعل السنة الدراسية الأمازيغية بيضاء، بدون كتاب مدرسي، وهذا ما وقع طيلة أربع سنوات متتالية
أخيرا، في يوم 7 نونبر، قام وزير التربية الوطنية بتنظيم اجتماع مهم ضم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ورؤساء الأكاديميات ومندوبي الوزارة، وكان اللقاء مهما لأنه أبرز أمام هؤلاء المسؤولين المشاكل المطروحة، وأهم ما كان في الاجتماع هو تصريح الوزير بأنه يُحمل المسؤولية لعدد من المسؤولين في الأكاديميات الذين لم يقوموا بواجبهم في هذا الإطار، وعبر عن قلقه بسبب تهاون هؤلاء في القيام بتنفيذ المذكرات التي توزعها عليهم الوزارة، وبإمكاننا، هنا، أن نفهم الأسباب التي جعلت، مثلا، أكاديمية وجدة لم تنظم أي لقاء تكويني لمدرسي الأمازيغية رغم أن المذكرات تنص على تنظيم هذه اللقاءات التكوينية، وجرى بالمقابل التنويه بأكاديمية مراكش وأكادير التي نظمت جميع الدورات التكوينية المطلوبة منها، لكن أكاديمية وجدة وبني ملال على سبيل المثال لم تنظم دورات من هذا النوع، والسبب هو أن ذلك كله يقع تبعا لمزاج رؤساء الأكاديميات الذين لا يبدو أن الموضوع يهمهم
فهؤلاء يتصرفون وكأنهم في دولة أخرى،ويبدو الأمر، بالتالي، وكأن الوزارة ليس لها أي وصاية على مؤسسات تابعة لها، ولكن هذا يظهر فقط عندما يتعلق الأمر بالأمازيغية
أجرى الحوار : جمال بورفيسي |جريدة الصحراء المغربية
المفارقة التي تعيشها الأمازيغية هي الاعتراف الشعاراتي بها مع مقاومتها عمليا
يؤكد أحمد عصيد أن الانتقاد الذي وجهته ، في الفترة الأخيرة، لجنة الدفاع عن الأمازيغية في التلفزيون للحكومة والذي تؤاخذ فيه الحكومة بعدم الوفاء بالتزاماتها في مجال تعزيز الأمازيغية في الإعلام السمعي البصري الوطني
جاء بعد توفر معطيات تؤشر على وجود مماطلة في تنفيذ التزامات الحكومة في هذا الشأن
ويقول الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إن العديد من البرامج والمشاريع التلفزية بالأمازيغية لم تر النور رغم أنها جاهزة وقُدمت أمام المسؤولين عن القنوات التلفزية الوطنية
ويذهب إلى أن هناك نقصا في إرادة المسؤولين في التلفزيون في مجال دعم البرامج الأمازيغية ، وأن هناك نوعا من التهاون في تنفيذ ما اتفق عليه، وأن هناك نوعا من الاستخفاف البين والواضح بمطلب تعزيز الأمازيغية في الإعلام
ويؤكد الباحث أن المطلوب من الحكومة هو أن توفرالإمكانيات الضرورية لتشجيع الإنتاج الأمازيغي
٭ انتقدت لجنة الدفاع عن الأمازيغية في التلفزيون، في الآونة الأخيرة، الحكومة من خلال وزارة الاتصال، كونها لم تلتزم بتعهداتها في مجال تعزيز مكانة الأمازيغية في الإعلام ،هل تعتبرون هذا الانتقاد معقولا،خاصة وأن الاتفاق بين المعهد والوزارة في هذا الشأن لم يمرعليه سوى عشرة شهور، والعديد من المهتمين يقولون بوجوب منح وقت أكثر لهذه المسألة؟
ـ التحرك الذي قمنا به مؤخرا من أجل الدفاع عن الأمازيغية في المشهد الإعلامي السمعي البصري كان بسبب توفر معطيات دقيقة لدينا عن وجود مماطلة في تنفيذ ما وقع الاتفاق عليه مع المسؤولين عن القنوات التلفزية، وبطبيعة الحال فإن هذه المعطيات تتجلى أساسا في وجود مشاريع مُهيأة منذ شهور، بمعنى أنه كانت هناك حلقات نموذجية من هذه المشاريع لكن دون أن تلقى الموافقة لكي تعطى الانطلاقة لتصوير بقية الحلقات ولكي يُشرع في البث، كما أن هناك العديد من الأفكاروالتصورات لا تقتضي وقتا طويلا لإنجازها بل وقتا أقل بكثير مما يقال، ورغم ذلك لم تُنجز، وتبين لنا، بالمقابل أن هناك العديد من المشاريع بالعربية عُرضت في ما بعد وجرى إنتاجها بسرعة صاروخية وبميزانيات خيالية، هذه المعطيات المتوفرة تؤكد بأن تنفيذ دفتر التحملات لا يحتاج لأكثر من ستة أشهر
ومدير الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة السيد فيصل العرايشي، أقر بذلك بنفسه في اجتماع يوم الجمعة 13 أكتوبر الذي انعقد بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وبين الوزارة الوصية ومسؤولي التلفزة، حيث قال إن تنفيذ دفتر التحملات يحتاج إلى ستة أشهر، ونحن انتظرنا عشرة أشهر لكي نُعلن عن احتجاجنا، وأعتقد أنه لولا هذا الاحتجاج لما كان هناك عدد من البرامج التي شُرع في بثها بعد الحملة المذكورة، وهذا يعني أنها كانت مهيأة من قبل، على سبيل المثال برنامج »أرحال« الذي انطلق بثه قبل عشرة أيام فقط،رغم أنه كان في الواقع جاهزا منذ شهر يونيو
النشرة بالأمازيغية من سبع دقائق في القناة الثانية، لاتحتاج إلى عشرة أشهرلكي تنطلق، بل لا تحتاج حتى إلى خمسة أو ثلاثة أشهر
التبريرات التي تقول إن تنفيذ دفتر التحملات يحتاج إلى وقت هي تبريرات واهية، لأننا لم نحتج على القنوات التلفزية بعد مرور شهر أو شهرين بل انتظرنا عشرة أشهر، وعندما لاحظنا أن السنة قريبة من أن تنصرم دون أن يتحقق شيء، عبرنا عن موقفنا بوضوح، وأعتقد أن هذه الحملة أعطت نتيجة مهمة،لأن التلفزة شرعت الآن، فعلا، في تنفيذ عدد من عناصر دفتر التحملات
٭ مباشرة بعد الندوة الصحفية التي عقدتها لجنة الدفاع عن التلفزيون في الإعلام، أعلن محمد نبيل بن عبدلله، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، عن قرب انطلاق القناة التلفزية الأمازيغية،هل تعتبرون هذا رد فعل جاء نتيجة الضغط الممارس من طرف لجنة الدفاع عن الأمازيغية في التلفزيون؟
ـ الاتفاق على إنشاء قناة أمازيغية حصل يوم 19 يوليوز 2006 ، في اجتماع اللجنة المشتركة بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والوزارة ، حيث جرى الاتفاق على إحداث هذه القناة
المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كان له موقف خاص قبل هذا التاريخ يتمثل في ضرورة تخصيص ثلاثين في المائة من البرامج الوطنية للأمازيغية في القنوات التلفزية الأخرى،على اعتبار أنها تُعتبر إرثا وطنيا ومسؤولية لجميع المغاربة ، وبالتالي ينبغي أن تأخذ حقها كاملا في مختلف القنوات وليس أن نُفرد لها قناة خاصة، وهذا معناه أننا لم نكن نرفض القناة الخاصة،كنا نعتبرها مكسبا ولكننا نرفض أن تكون هذه القناة بديلا لبرامج الأمازيغية في القنوات الأخرى
وبطبيعة الحال بعد الاتفاق على نسبة مهمة من البرامج الأمازيغية في القنوات ألأخرى، اتفقنا مع الوزارة على إحداث القناة، لكن مؤخرا استمعنا إلى وزير الاتصال وهو يقول إن نسبة 30 في المائة غير ممكنة وأنها لم تكن موضوع اتفاق
وهذا غير صحيح، لأن محاضر الاجتماع بين الوزارة والمعهد يتضمن هذا الاتفاق
نحن لا نطلب تحقيق نسبة 30 في المائة من البرامج الأمازيغية خلال 2006 ولا حتى 2007، نحن نعتبر أن دفتر التحملات الحالي لسنة 2006 يشكل بداية من أجل الوصول إلى النسبة المذكورة، ولكن لا نطالب بالمعجزات، وإنما نعتبر أن تحقيق هذه النسبة ممكن في حدود 2008 مثلا، يمكن أن تحظى الأمازيغية بهذه النسبة التي وإن كانت مهمة، فهي لا شيء مقارنة مع النسب المخصصة للبرامج بالفرنسية والعربية، فثلاثون في المائة هي لا شيء مقارنة مع ما ستحظى به اللغات الأخرى، على اعتبار أن المغرب يستورد برامج بالعربية والفرنسية من الخارج، وهذه البرامج تحتل كل مساحة المشهد ، فهناك نسبة من الإنتاج الوطني بالعربية والفرنسية زائد نسبة كبيرة من الإنتاج الأجنبي بالعربية والفرنسية، أما البرامج الأمازيغية فهي فقط إنتاج وطني، بمعنى أنه لا يمكن أن نستوردها من أي مكان آخر
٭ وهل هناك ما يكفي من الإنتاج الوطني الأمازيغي؟
ـ هذا هو السبب بالذات الذي يجعلنا لا ندعو إلى تحقيق نسبة ثلاثين في المائة من البرامج الأمازيغية خلال السنة الحالية وحتى خلال السنةالمقبلة، ندعو فقط إلى أن تُفتح الأبواب، وألا يقال أن دفتر التحملات هو السقف النهائي للأمازيغية في التلفزة، فهذا غير مقبول، فهذه نسبة ضئيلة جدا،لكن نطالب بالعمل في اتجاه تحفيز المنتجين والعاملين في مجال الأمازيغية بدفتر التحملات وأن يُحفز الفنانون والكتاب وكل العاملين والفاعلين في الحقل الثقافي الأمازيغي، وهذا ما سيمكن كل هؤلاء من توفير المادة الضرورية لسد حاجة 30 في المائة المذكورة
٭ ألا ترون أن التوفر على الإنتاج الوطني الأمازيغي يعتبر شأن المبدعين الأمازيغيين أنفسهم، وأن الحكومة ليست لديها المسؤولية في ذلك؟
ـ فعلا، الحكومة ليست هي التي ستسهر على إنتاج البرامج الأمازيغية، ولكن نود أن نثير الانتباه إلى وجود عدد كبير من المبدعين والمنتجين في مجال الأمازيغية كانت الأبواب موصدة في وجوههم
ما نطلبه من الحكومة هو أن توفر الإمكانيات وتتوفر الإرادة السياسية لتشجع الإنتاج الأمازيغي، وبطبيعة الحال فإن الإنتاج الأمازيغي سيتطور بالتدريج على اعتبار أن التراكم الكمي هو الذي يُحدث النقلة النوعية
الآن عندما يُقال لنا إن ما يُنتج بالأمازيغية يعتبر هزيلا، في الواقع السبب في ذلك هو التهميش لسنوات طويلة،لأنه عندما لا تكون هناك مأسسة لثقافة ما ، فإنها تظل في الهامش ، وعندما تبقى هذه الثقافة في الهامش، فإن ما يُنتج فيها ضئيل ولا يصلح للتطور الكيفي والنوعي، وهذه هي مشكلة الأمازيغية
على سبيل المثال، بالنسبة إلى البرامج العربية، في السنوات الخمس الأخيرة وفي مجال إنتاج الأفلام التلفزيونية، حدث تطور نوعي ملحوظ
الفيلم التلفزيوني المغربي تطور بشكل لافت بالعربية في هذه الفترة، بسبب أنه أصبحت هناك ميزانيات تُوفر للأفلام التلفزيونية، وأصبحت هناك قنوات تُنتج 15 فيلما في السنة وأكثر، هذا هو التراكم الذي يسمح بالانتقال الكيفي وأعتقد أنه لا خيار للأمازيغية إن أرادت أن تطور أدواتها الإبداعية من هذا الدعم
٭ إلام يرجع التردد الملحوظ على مستوى تعزيز مكانة الأمازيغية في الإعلام،هل إلى غياب الإرادة أوغياب الحماس لدى الحكومة في رد الاعتبار للأمازيغية في الإعلام، أم هناك أسباب أخرى؟
ـ السبب، في واقع الأمر، لا يرجع فقط إلى الحكومة، نحن نتحدث بصفة خاصة، عندما نطرح مشكل تنفيذ دفاتر التحملات، عن مسؤولي التلفزيون
هناك مسؤولون ومدراء لا يُعطون أي أهمية للموضوع، ولا يحضر عندهم الهاجس السياسي الذي يكمن وراء هذا الموضوع
هناك في التلفزيون من يعتقد أن الأمازيغية ليس لها جمهور وأن الناس كلهم يتكلمون بالعربية الدارجة، ولهذا هناك داخل التلفزيون من يرى أن إنتاج برنامج بالأمازيغية لا طائل من ورائه، وهذا خطأ، لأنه حتى إذا أخذنا بعين الاعتبار الإحصاء الرسمي المتوفر لدينا وهو إحصاء خاطئ، فهو يقول إن 28 في المائة من المغاربة يتكلمون بالأمازيغية وهذا معناه عشرة ملايين شخص ، فحينما نقول إن برنامجا بالأمازيغية ليس له جمهور فهذا خطأ، بالنظر إلى الإحصاء الرسمي الذي نعتبره إحصاء خاطئا، فنحن نعرف أن عدد الناطقين بالأمازيغية يتجاوز 45 في المائة، ولكن الطريقة التي أُنجز بها الإحصاء لم تتقيد بأمور كثيرة فتولد عن ذلك إحصائيات لا تناسب الواقع
فهذه العقلية هي التي نقاومها في التلفزيون
هناك نقص في إرادة المسؤولين، وهناك نوع من التهاون في تنفيذ ما اتفق عليه وهناك نوع من الاستخفاف البين والواضح بمطالبنا
وسوف أعطي مثالا بالسيد مصطفى بنعلي، مدير القناة الثانية، الذي قُدمت له برامج أمازيغية منذ سنة وظلت في مكتبه دون أن يُعطي أي جواب عنها على الإطلاق طيلة هذه المدة
كان عليه، على الأقل، أن يُعطي جوابا بالرفض
مدير القناة أعطى أجوبة على برامج كثيرة عُرضت عليه في ما بعد ،خاصة المهازل التي أنتجت خصيصا لشهر رمضان وبسرعة فائقة، وبدعم من المدير نفسه، وبميزانيات كبيرة
فهناك نوع من الميز في التعامل مع مطالبنا، سببه استخفاف هؤلاء المسؤولين وعدم استيعابهم للأبعاد السياسية والأبعاد الهوياتية والثقافية لموضوع الأمازيغية، وعدم تمثلهم لما يمكن أن يكون للأمازيغية من دور كبير في الإعلام المغربي وتأثير ذلك على وعي المواطنين
٭ يبدو الأمر وكأنكم وحيدون في الساحة، فالدفاع عن الأمازيغية بشكل عام وعن مكانتها في الإعلام بشكل خاص، يكاد يكون شأن جمعيات ثقافية أمازيغية ونشطاء أمازيغ، رغم أن الجميع أضحى يتحدث في الفترة الأخيرة عن الأمازيغية وعن الدفاع عن الثقافة واللغة الأمازيغية، بما في ذلك الأحزاب السياسية، فأين دور هذه الأخيرة؟ وهل الدفاع عن الأمازيغية أضحى مجرد شعار ترفعه الأحزاب السياسية؟
ـ يمكن القول إن الأمازيغية تعيش حاليا مفارقة، وهذه المفارقة هي مفارقة الاعتراف مع المقاومة
هناك اعتراف على مستوى الشعار مع وجود مقاومة على مستوى السلوك، والسبب في ذلك هو تخلف العقليات والتصلب أو التحجر الإيديولوجي للأحزاب السياسية
كان هناك قرار ملكي عام 2001 يقضي بإنصاف الأمازيغية، وهو طبيعي إذ أخذ جلالة الملك المبادرة في عدد من الملفات الساخنة والمتوترة ،مثل ملف الصحراء والمرأة والأمازيغية وماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان
وبطبيعة الحال ، فإن إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، هو مثل إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة والمجلس الاستشاري الملكي لشؤون الصحراء، لكن ما يلاحظ هو أن هذه الخطوة كانت مفاجأة للأحزاب وللنخبة الثقافية في البلاد ،لأنها لم تكن تنتظر أن تأتي بهذه السرعة، في الوقت الذي لم ينضج فيه بعد السجال العمومي حول الأمازيغية وفي الوقت الذي لم تنفتح الأحزاب بما يكفي على النقاش الدائر في المجتمع المدني، وظلت متخلفة عن هذا النقاش، فالمعضلة هي أن هناك قرارا سياسيا ملكيا مضى إلى الأمام وترك وراءه أحزابا ما زالت تعاني من تصلب إيديولوجي ومن إرث ثقيل موروث عن العقود السابقة، وبالطبع تمظهرات هذه المفارقة، مفارقة الاعتراف الشعاري مع المقاومة العملية، يتجلى في الهوة التي تفصل بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمؤسسات الحكومية، فالمعهد وضع تصوراته لإنقاذ الأمازيغية وإنصافها داخل المؤسسات في إطار تصور جديد تتبناه الحركة الأمازيغية، ولكن الأحزاب السياسية لم تصل في تطورها الإيديولوجي إلى القبول بهذه التصورات،وقمنا بترسيم هذه الاختيارات داخل المعهد، لكن بالنسبة إلى الأحزاب لا يبدو أنها ترتاح لهذا النهج الذي اخترناه، ولهذا السبب نجد أن هناك نوعا من العرقلة في موضوع التعاون والتنسيق بين المعهد وعدد من القطاعات : وزارة التربية الوطنية، وزارة الاتصال، وزارة الثقافة،بحيث يوجد نوع من التوتر ومن عدم التفاهم
وما يمكن تسجيله هو أنه على مستوى الخطاب والوثائق المكتوبة ليس هناك أي خلاف، فبما أن هناك قرارا ملكيا، فالكل يكرر نفس الشعارات الإيجابية البراقة، لكن على مستوى العمل، فالكل يبذل جهده من أجل العرقلة والحيلولة دون تنفيذ هذه التصورات كما جرى التخطيط لها
فمشكلة الأمازيغية في اعتقادي، هي الحاجة إلى حوار وطني يسمح للرؤى والتصورات أن تتقدم إلى الأمام لكي لا يبقى هناك تصور مستقبلي في صراع مع تصور ماضوي
ترسبات خطابات القومية العربية والإسلاموية والسلفية ما زالت موجودة إلى الآن تعرقل عملنا لأنه لا يمكن أن نُخفي أن هناك مسؤولين في الدولة مازالوا يفكرون بطريقة قديمة ولا يرون للأمازيغية أي مكانة داخل المؤسسات
من جهة أخرى، يمكن القول إن من إيجابيات هذه المرحلة، رغم كل هذه المفارقات الموجودة، أن الأمازيغية انتقلت من الصراع في الشارع بين الحركة الأمازيغية والأحزاب، إلى صراع داخل دواليب الدولة وداخل المؤسسات وهذا الصراع هو الذي سيسمح للأمازيغية بأن تأخذ مكانتها مستقبلا
٭ تحدثتم عن المفارقة،هل يتجسد أحد تجليات هذه المفارقة في قطاع التربية والتكوين،حيث كان هناك حديث عن صعوبات في إدماج الأمازيغية في التعليم؟
ـ إدراج الأمازيغية في التعليم عرف الكثير من المشاكل التي ترتبت عن هذه المفارقة، حيث هناك خطاب لدى وزير التربية الوطنية يعتبر أنه لا حق لنا في أن نفشل في هذا المشروع ويعتبر أن الأمازيغية هي مكون جوهري لهويتنا ويعتبر أنه ليس من حقنا العودة إلى الوراء
كل هذا الخطاب الإيجابي جرى الإعلان عنه من طرف وزير التربية الوطنية، لكن عندما ننتقل إلى الميدان، إلى المدارس ومديري المدارس ، إلى رؤساء الأكاديميات والمندوبين، نجد واقعا مخالفا تماما، نجد هناك جميع أنواع المقاومة التي أفشلت، عمليا، عملية إدماج الأمازيغية في التعليم، كما يدل على ذلك عدم توزيع الكتاب المدرسي للسنة الرابعة أساسي، وليست هذه هي المرة الأولى التي يقع فيها ذلك ،كان احتجاجنا على الكتاب في السنة الأولى سنة 2003، ثم في السنة الثانية 2004، وفي السنة الثالثة 2005، والآن لازال احتجاجنا مستمرا لأن كتاب السنة الرابعة لم يُوزع بعد
والسبب في ذلك أنه لم يُدخل في لائحة الكتب المدرسية لدى الوزارة، أعتبر كتابا مغضوبا عليه وخارج اللائحة إلى الآن
اكتشفنا في 16 شتنبر الأخير أن اللائحة لا تتضمن كتاب الأمازيغية ولهذا لم يشتره أرباب المكتبات، فهؤلاء يشترون الكتب المدرسية حسب لائحة الوزارة، والغريب هو أن الوزارة هي التي طبعت ومولت كتاب الأمازيغية الذي ألفه المعهد ولم تُدخله في لائحتها
فالأمرواضح، هناك رغبة أكيدة في جعل السنة الدراسية الأمازيغية بيضاء، بدون كتاب مدرسي، وهذا ما وقع طيلة أربع سنوات متتالية
أخيرا، في يوم 7 نونبر، قام وزير التربية الوطنية بتنظيم اجتماع مهم ضم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ورؤساء الأكاديميات ومندوبي الوزارة، وكان اللقاء مهما لأنه أبرز أمام هؤلاء المسؤولين المشاكل المطروحة، وأهم ما كان في الاجتماع هو تصريح الوزير بأنه يُحمل المسؤولية لعدد من المسؤولين في الأكاديميات الذين لم يقوموا بواجبهم في هذا الإطار، وعبر عن قلقه بسبب تهاون هؤلاء في القيام بتنفيذ المذكرات التي توزعها عليهم الوزارة، وبإمكاننا، هنا، أن نفهم الأسباب التي جعلت، مثلا، أكاديمية وجدة لم تنظم أي لقاء تكويني لمدرسي الأمازيغية رغم أن المذكرات تنص على تنظيم هذه اللقاءات التكوينية، وجرى بالمقابل التنويه بأكاديمية مراكش وأكادير التي نظمت جميع الدورات التكوينية المطلوبة منها، لكن أكاديمية وجدة وبني ملال على سبيل المثال لم تنظم دورات من هذا النوع، والسبب هو أن ذلك كله يقع تبعا لمزاج رؤساء الأكاديميات الذين لا يبدو أن الموضوع يهمهم
فهؤلاء يتصرفون وكأنهم في دولة أخرى،ويبدو الأمر، بالتالي، وكأن الوزارة ليس لها أي وصاية على مؤسسات تابعة لها، ولكن هذا يظهر فقط عندما يتعلق الأمر بالأمازيغية
أجرى الحوار : جمال بورفيسي |جريدة الصحراء المغربية
تعليق