هنا الردود التي تجاوزت المائة: http://hespress.com/writers/48466.html
إلى السيد سعد الدين العثماني: هل قدرنا أن يخرج الهوان دوما من بيتنا
د.فؤاد بوعلي
الاثنين 27 فبراير 2012 - 00:59
يبدو أن أزمة المغاربة مع ديبلوماسيتهم غدت أزلية. فقد تعودنا تكرار الأخطاء التي دفع المغرب ثمنها من وجوده وحضوره الدوليين، حتى غدا صوته لا يتعدى الحدود وانتصرت عليه منظمات صغيرة من حيث النفوذ. فالكل يتذكر الأخطاء الديبلوماسية لبعض وزراء الخارجية المغاربة التي كلفتنا غاليا حتى غدا تصحيحها من باب المستحيلات. والجميع يعرف مسار القضايا الوطنية عندما تدبر في البيوتات الخاصة فضيعنا علاقات ودول كانت من أقرب الأمم لنا وفقدنا مناصب ومقاعد نشرف من خلالها على مصائر الفضاءات المختلفة.
وعندما تسيد الدكتور العثماني على ملف الخارجية حلمنا بعودة الحركة والقوة والانتماء الوطني لأروقة وزارة ظلت علبة مغلقة لا يعلم بأسرارها غير مالكي المفاتيح السحرية وظل المواطن المغربي يوظف حين الحاجة لصوته ليعلو في المظاهرات ضد المؤامرات دون المعرفة الدقيقة بمسار الأحداث. وبالرغم من إحاطة السيد العثماني ببعض مالكي المفاتيح الحقيقية للوزارة ، الذين انتبهوا بعد مدة بأنهم متحزبون، كنا نأمل أن تثبت الأيام قوته التدبيرية ليغدو مرجعا في الديبلوماسية ويهتم بالوطن بدل الآراء الشخصية والنزوات الخاصة.
لكن للأسف يبدو أن عقلية التنزيل السياسي لأمزجة الوزراء وأفكارهم الخاصة وعلاقاتهم الذاتية دون اعتبار لمصلحة الوطن والبلاد وعمقها الاستراتيجي هي التي ستظل سائدة.
قبل مدة كتب أحدهم عن "سذاجة ديبلوماسية" واصفا زيارة الدكتور العثماني للجزائر ومشككا في قدرته على اختراق جليد العسكر. قلنا يومها بأن الأمر يتعلق بقطب هوياتي تسيد المشهد السياسي ونصب أعينه الوحدة بين الشعوب قبل الأنظمة. ولم نكن نتصور أن أول خطوة للسيد الوزير وهو في بداياته الجنينية داخل أروقة الديبلوماسية المغربية والأعين تترقب مدى كفاءته في إدارة الملفات الكبرى أن تكون أول خرجاته هدم المشترك الذي يجمع المغرب بجيرانه وعمقه الإسلامي العربي. والأفظع في الأمر أن يغدو شاذا في مجلس من المفروض أن يكون هو حبل اللقاء فيه. ليس عيبا ان يكون للإنسان موقفه الخاص، وليس من المجحف القول بأن لكل منا رأيه المخالف، وقد قلنا غير ما مرة إننا نحترم رأي الدكتور لما نعرف فيه من صدق وإيمان مكنه من تسيد المشهد داخل الحركة الإسلامية دون مزايدات إيديولوجية أو ارتباطات خارجية، لكن أن يحاول فرض قناعاته المتطرفة التي يرفضها حتى غالبية حزبه، ويمررها باسم المغرب شعبا ودولة، فهذا مرفوض وينبغي مواجهته بل محاسبته عليه.
سيدي الوزير،
لعلك تعرف أن وجودك في منصب الوزارة مكنه لك وصول القطب الهوياتي بفروعه الإسلامية والعلمانية المتنورة، وتعرف أن جلوسك في لقاء وتمثيلك للمغرب مكنته لك صناديق الاقتراع التي لم تصوت على شخصك بقدر ما صوتت على حركة وحزب ورسالة، ولعلك تعي أن المغاربة، مثلهم مثل باقي شعوب الربيع العربي صوتوا على الانتماء الهوياتي والتيار الذي يضمن لهم قاعدة من الارتباط بجوهرهم الإسلامي والعربي، وإذا كان التونسيون قد نجحوا في اختيار ممثليهم والليبيون يترنحون نحو الطريق فإن المغاربة قد اختاروا التغيير في إطار الاستقرار مما أعطاهم فرصة من التجريب للنموذج الماثل حاليا. فهل يكون التمثيل هو ضرب اختيارهم عرض الحائط من أجل قناعة إثنية وإرضاء لتيارات معادية؟ وهل تمثيلهم هو فرض رأي عليهم دون استشارة ولا رجوع حتى إلى قواعد حزبك؟ هل هذا هو فهمك للديمقراطية؟ أم تصيد للفرص لفرض قناعات ذاتية؟
ولكي تستوعب بعض ملامح هذا القطب فلتعلم أن وجود المغرب العربي بانتمائه وتراكماته الحضارية هو قطب الرحى في المشروع الهوياتي. ويمكنك الرجوع إلى كتابات الدكتور منصف المرزوقي والدكتور رفيق عبد السلام التي ترسم معالم التغيير الديمقراطي وفي صلبها العمق العربي ولكنت أغنيت نفسك عن الحرج في طرح رأي مرفوض منذ البدء. ويمكنك أيضا الرجوع إلى كتابات المقاومة الوطنية التي أسست للاستقلال الأول مثل لجنة الخطابي وكتابات السوسي وعلال الفاسي، ونحن الآن في إطار بناء الاستقلال الثاني نستعيد المبادئ المؤسسة. وحتى لا تنسى فالذين يشيدون بك الآن هم من عبأ ضدك وضد حزبك وساند حزب السلطة الذي خلق عنوة من أجل محاربة مشروعك ومشروع حزبك. وعندما أعطاهم المغاربة درسا في الاختيار واختاروا حزبك مع حلفائه بدءوا المعركة الأخرى من الشارع وتعبئة الناس البسطاء والجمعيات والطلبة والنقابات وكل الهيئات المرتبطة بهم من أجل حلم واحد: إفشال التجربة. والأيام القادمة برهان. ولولا ربيع العروبة الذي انطلق تونسيا وتقوى مصريا لكنت الآن تصدح بالرفض في دهاليز البرلمان إن سمح لك.
سيدي الوزير،
تذكر وأنت تمارس الديبلوماسية التي أتيتها من عالم النفوس أن اللغة العربية التي ترفضها الآن هي من أعطى للمغرب وجوده في عالم المدافعة السياسية، وبها استطاع النفاذ إلى عمق إفريقيا، وبها يتواصل أهل الصوفية بمريدهم المنتشرين عبر العالم، وإن شككت فاسأل زميلك في الأوقاف يعطيك البيان واليقين. والعربية التي أنت تتبرأ منها الآن باسم قوميتك هي التي نافح عنها أجدادك وآباؤك من أهل سوس وكتبوا بها وعنها المنظومات وقاتلوا من أجلها، فهل ترمي بكل ذلك وراء ظهرك من أجل قناعتك العرضية؟. فمن المعلوم أن اللغة ليست آلية تواصل وتبليغ فحسب بل هي سلطة، وعلاقتها بالدولة علاقة سيادية، وكل دولة وإن قننت التعدد وشرعنته تدفع بلغتهاالأساسية نحو الارتباط السياسي والهيمنة في العلاقات الدولية. لذا فما قدمه المغرب من خدمات للفرنكفونية من خلال تصدر الفرنسية للمشهد التعليمي وكونه وسيطا غير مفيد بين إفريقيا وباريس يجعل دوره التبعي كارثيا على وجوده الدولي قبل الداخلي.
سيدي الوزير،
إن التاريخ دول، والمقاعد لا تدوم، وإن كنت تتحمل لوحدك نتائج قناعاتك فإنك تتحمل وزر أكثر من ثلاثين مليون مغربي تريد أن تعزلهم عن عمقهم الحضاري وفضائهم الجيوستراتيجي، ووزر أمة اختارت التغيير بواسطة إطار اسمه القطب الهوياتي. وأتمنى ألا يأتي يوم يندم المغاربة على اختيارهم، ويظل الهوان عنواننا الأبدي، وألا يغدو أملنا أن تلد نساؤنا يوما رجلا مثل المرزوقي أو رفيق عبد السلام.
إلى السيد سعد الدين العثماني: هل قدرنا أن يخرج الهوان دوما من بيتنا
د.فؤاد بوعلي
الاثنين 27 فبراير 2012 - 00:59
يبدو أن أزمة المغاربة مع ديبلوماسيتهم غدت أزلية. فقد تعودنا تكرار الأخطاء التي دفع المغرب ثمنها من وجوده وحضوره الدوليين، حتى غدا صوته لا يتعدى الحدود وانتصرت عليه منظمات صغيرة من حيث النفوذ. فالكل يتذكر الأخطاء الديبلوماسية لبعض وزراء الخارجية المغاربة التي كلفتنا غاليا حتى غدا تصحيحها من باب المستحيلات. والجميع يعرف مسار القضايا الوطنية عندما تدبر في البيوتات الخاصة فضيعنا علاقات ودول كانت من أقرب الأمم لنا وفقدنا مناصب ومقاعد نشرف من خلالها على مصائر الفضاءات المختلفة.
وعندما تسيد الدكتور العثماني على ملف الخارجية حلمنا بعودة الحركة والقوة والانتماء الوطني لأروقة وزارة ظلت علبة مغلقة لا يعلم بأسرارها غير مالكي المفاتيح السحرية وظل المواطن المغربي يوظف حين الحاجة لصوته ليعلو في المظاهرات ضد المؤامرات دون المعرفة الدقيقة بمسار الأحداث. وبالرغم من إحاطة السيد العثماني ببعض مالكي المفاتيح الحقيقية للوزارة ، الذين انتبهوا بعد مدة بأنهم متحزبون، كنا نأمل أن تثبت الأيام قوته التدبيرية ليغدو مرجعا في الديبلوماسية ويهتم بالوطن بدل الآراء الشخصية والنزوات الخاصة.
لكن للأسف يبدو أن عقلية التنزيل السياسي لأمزجة الوزراء وأفكارهم الخاصة وعلاقاتهم الذاتية دون اعتبار لمصلحة الوطن والبلاد وعمقها الاستراتيجي هي التي ستظل سائدة.
قبل مدة كتب أحدهم عن "سذاجة ديبلوماسية" واصفا زيارة الدكتور العثماني للجزائر ومشككا في قدرته على اختراق جليد العسكر. قلنا يومها بأن الأمر يتعلق بقطب هوياتي تسيد المشهد السياسي ونصب أعينه الوحدة بين الشعوب قبل الأنظمة. ولم نكن نتصور أن أول خطوة للسيد الوزير وهو في بداياته الجنينية داخل أروقة الديبلوماسية المغربية والأعين تترقب مدى كفاءته في إدارة الملفات الكبرى أن تكون أول خرجاته هدم المشترك الذي يجمع المغرب بجيرانه وعمقه الإسلامي العربي. والأفظع في الأمر أن يغدو شاذا في مجلس من المفروض أن يكون هو حبل اللقاء فيه. ليس عيبا ان يكون للإنسان موقفه الخاص، وليس من المجحف القول بأن لكل منا رأيه المخالف، وقد قلنا غير ما مرة إننا نحترم رأي الدكتور لما نعرف فيه من صدق وإيمان مكنه من تسيد المشهد داخل الحركة الإسلامية دون مزايدات إيديولوجية أو ارتباطات خارجية، لكن أن يحاول فرض قناعاته المتطرفة التي يرفضها حتى غالبية حزبه، ويمررها باسم المغرب شعبا ودولة، فهذا مرفوض وينبغي مواجهته بل محاسبته عليه.
سيدي الوزير،
لعلك تعرف أن وجودك في منصب الوزارة مكنه لك وصول القطب الهوياتي بفروعه الإسلامية والعلمانية المتنورة، وتعرف أن جلوسك في لقاء وتمثيلك للمغرب مكنته لك صناديق الاقتراع التي لم تصوت على شخصك بقدر ما صوتت على حركة وحزب ورسالة، ولعلك تعي أن المغاربة، مثلهم مثل باقي شعوب الربيع العربي صوتوا على الانتماء الهوياتي والتيار الذي يضمن لهم قاعدة من الارتباط بجوهرهم الإسلامي والعربي، وإذا كان التونسيون قد نجحوا في اختيار ممثليهم والليبيون يترنحون نحو الطريق فإن المغاربة قد اختاروا التغيير في إطار الاستقرار مما أعطاهم فرصة من التجريب للنموذج الماثل حاليا. فهل يكون التمثيل هو ضرب اختيارهم عرض الحائط من أجل قناعة إثنية وإرضاء لتيارات معادية؟ وهل تمثيلهم هو فرض رأي عليهم دون استشارة ولا رجوع حتى إلى قواعد حزبك؟ هل هذا هو فهمك للديمقراطية؟ أم تصيد للفرص لفرض قناعات ذاتية؟
ولكي تستوعب بعض ملامح هذا القطب فلتعلم أن وجود المغرب العربي بانتمائه وتراكماته الحضارية هو قطب الرحى في المشروع الهوياتي. ويمكنك الرجوع إلى كتابات الدكتور منصف المرزوقي والدكتور رفيق عبد السلام التي ترسم معالم التغيير الديمقراطي وفي صلبها العمق العربي ولكنت أغنيت نفسك عن الحرج في طرح رأي مرفوض منذ البدء. ويمكنك أيضا الرجوع إلى كتابات المقاومة الوطنية التي أسست للاستقلال الأول مثل لجنة الخطابي وكتابات السوسي وعلال الفاسي، ونحن الآن في إطار بناء الاستقلال الثاني نستعيد المبادئ المؤسسة. وحتى لا تنسى فالذين يشيدون بك الآن هم من عبأ ضدك وضد حزبك وساند حزب السلطة الذي خلق عنوة من أجل محاربة مشروعك ومشروع حزبك. وعندما أعطاهم المغاربة درسا في الاختيار واختاروا حزبك مع حلفائه بدءوا المعركة الأخرى من الشارع وتعبئة الناس البسطاء والجمعيات والطلبة والنقابات وكل الهيئات المرتبطة بهم من أجل حلم واحد: إفشال التجربة. والأيام القادمة برهان. ولولا ربيع العروبة الذي انطلق تونسيا وتقوى مصريا لكنت الآن تصدح بالرفض في دهاليز البرلمان إن سمح لك.
سيدي الوزير،
تذكر وأنت تمارس الديبلوماسية التي أتيتها من عالم النفوس أن اللغة العربية التي ترفضها الآن هي من أعطى للمغرب وجوده في عالم المدافعة السياسية، وبها استطاع النفاذ إلى عمق إفريقيا، وبها يتواصل أهل الصوفية بمريدهم المنتشرين عبر العالم، وإن شككت فاسأل زميلك في الأوقاف يعطيك البيان واليقين. والعربية التي أنت تتبرأ منها الآن باسم قوميتك هي التي نافح عنها أجدادك وآباؤك من أهل سوس وكتبوا بها وعنها المنظومات وقاتلوا من أجلها، فهل ترمي بكل ذلك وراء ظهرك من أجل قناعتك العرضية؟. فمن المعلوم أن اللغة ليست آلية تواصل وتبليغ فحسب بل هي سلطة، وعلاقتها بالدولة علاقة سيادية، وكل دولة وإن قننت التعدد وشرعنته تدفع بلغتهاالأساسية نحو الارتباط السياسي والهيمنة في العلاقات الدولية. لذا فما قدمه المغرب من خدمات للفرنكفونية من خلال تصدر الفرنسية للمشهد التعليمي وكونه وسيطا غير مفيد بين إفريقيا وباريس يجعل دوره التبعي كارثيا على وجوده الدولي قبل الداخلي.
سيدي الوزير،
إن التاريخ دول، والمقاعد لا تدوم، وإن كنت تتحمل لوحدك نتائج قناعاتك فإنك تتحمل وزر أكثر من ثلاثين مليون مغربي تريد أن تعزلهم عن عمقهم الحضاري وفضائهم الجيوستراتيجي، ووزر أمة اختارت التغيير بواسطة إطار اسمه القطب الهوياتي. وأتمنى ألا يأتي يوم يندم المغاربة على اختيارهم، ويظل الهوان عنواننا الأبدي، وألا يغدو أملنا أن تلد نساؤنا يوما رجلا مثل المرزوقي أو رفيق عبد السلام.
تعليق