«نانوبيديا» واسب..واندال..ويرد

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    «نانوبيديا» واسب..واندال..ويرد

    «نانوبيديا»
    واسب .. واندال .. ويرْد
    بقلم :محمد الخولي



    دائرة معارف مصغرة في 30 حلقة عن مصطلحات ومسميات عاشت في زماننا، من هنا نقدم سبيكة معرفية نحكي فيها عن أصول الكلمات والمصطلحات والمفاهيم التي يستخدمونها في حياتنا الراهنة.. من الانجليزية الى العربية. ومن خلال هذا الجهد الذي استغرق مراحل زمنية مطولة وعمد الى استشارة مراجع متخصصة شتى.. آثرنا أن نعرضه على شكل موسوعة عربية مصغرة نانو موسوعة رتبناها على حروف الأبجدية العربية من الألف الى الياء بحيث نخّص كل حرف منها بثلاثة مصطلحات يطالعها القارئ الكريم على امتداد أيام رمضان المعظم.


    واسب


    تأمل تركيب عبارة انجليزية تصف كلماتها الفرد في فئة من السكان على أنه «وضّاح البشرة» ( أنجلوسكسوني ) بروتستانتي، بمعنى أنه أولا شخص أبيض البشرة، وينحدر ثانيا من أصل أنجلوسكسوني أي من أقوام وشعوب غرب أوروبا ثم أنه ثالثا يدين بالمذهب البروتستانتي من الديانة المسيحية.


    وإذا تناولت الحروف الأولى من كلمات هذه العبارة الانجليزية وهي الواو والألف والسين ثم الباء لحصلت على مصطلح واسب الذي لا يعني في ذاته شيئا من حيث كونه كلمة خرافية تجسد اختصارا من أربعة حروف لكنها على الطريقة الأميركاني المتبعة في اختصار كل ظاهرة واختزال كل مفهوم بما يواكب الإيقاع اللاهث للحياة الأميركية هذه الكلمة - واسب - تدل على المهاجرين الرواد الذين كانوا أول من وفدوا على أميركا أرض العالم الجديد هربا من اضطهاد الكاثوليك ورغبة في أن يمارسوا ديانتهم البروتستانتية المذهب في ظل حرية أفسح وأبعد عن طائلة الملاحقة وصنوف المعاناة.


    ومن مصادفات التاريخ العجيبة، وهو تاريخ استعماري بالدرجة الأولى، أن القوى الأوروبية الكبرى التي تدافعت إلى استيطان أرض القارة الأميركية بعد أن وصل كولومبوس إلى سواحلها عام 1492 - هذه المصادفات حملت كلا من تلك القوى الأوروبية على النفاذ إلى أقاليم أميركا من مناطق ومنافذ وسواحل شتى:


    فرنسا جاءت من شمالها في كندا ثم انحدرت قواتها إلى منطقة متشغين والبحيرات العظمى في وسطها ومنها إلى مناطق الجنوب حيث أسسوا ولايات مازالت تتسم بالطابع الفرنسي في المسميات والمعمار والمطبخ وأهمها لويزيانا.. أما اسبانيا فاختارت أن تنفذ إلى أميركا عن مناطق الجنوب في فلوريدا ومنها إلى تكساس (معقل آل بوش) ومن ثم انداحت قوات اسبانيا غربا ومعها تأثير ثقافتها (المعروفة باسم الهسبانية) حتى ولاية كاليفورنيا في أقصى غرب أميركا.


    أما سكان الجزر البريطانية الناطقون بالانجليزية، وفي طليعتهم مهاجرون من أيرلندا، فقد كان جّل همهّم عبور الأطلسي فكان أن نزلوا على الساحل الشرقي لقارة أميركا الشمالية وأسسوا مستوطنات مازالت تحتفظ باسمها حتى اليوم باسم انجلترا الجديدة (نيو إنجلاند) وهم الذين أضفوا على أميركا لغتها وثقافتها وفي غمار هذا كله احتاج الأمر إلى تمييزهم عن الفرنسيين والأسبان..


    مما دعاهم إلى صياغة كلمة الواسب التي ألمحنا إليها، فضلا عن تمييزهم بالطبع عن مواطنيهم ذوي البشرة الداكنة والأصل الأفريقي وهم سلالة البشر الذين عانت أجيالهم السابقة محنة الاسترقاق والاستغلال فيما درج البيض على وصفهم بكلمة نجرو - زنجي. وبعد حركة الحقوق المدنية التي قادها مارتن لوثر كنج ورفاقه في الستينات وخوفا من عقابيل ثورة يشعل السود نارها عمدت ماكينة الشعارات الأميركاني إلى تسمية أرق وقعا وألطف جرسا هي الأفرو ـ أميركيين..


    ورغم أن الواسب، بالصفات التي عرضناها، ظلوا يعدون أنفسهم أقرب إلى ارستقراطية أميركية مخصوصة من ناحية التراث الثقافي والأعراف المنقولة عن انجلترا وأيرلندا.. إلا أن هناك من ظل يغمز من قناتهم ويلمز من كيانهم بالنقد وأحيانا بالتعريض والتجريح. هكذا اخترعوا لوصفهم كلمة «يوبي» التي راجت منذ الثمانينات لتصدق أحيانا على الفرد الأميركي الناجح المتعلم وأحيانا على نفس هذا الفرد الطمّاع والراغب في الربح السريع بأي طريق وبعدها اصطنعوا كلمة «دِنك» وهي بدورها اختصار خبيث أحيانا، لعبارة العائلة ذات الدخلين من الزوج والزوجة وبدون أطفال وأحيانا يستخدمونها للنيل من الشخص ولوصف غرابة أطواره ومن ثم لا يستخدمونها إلا عند الضرورة القصوى. في حالة الشديد القوي كما قد يقال.


    واندال


    قبائل عاشت حياة بدائية في مناطق وسط أوروبا منذ القرن الخامس قبل الميلاد.. ثم انحدرت جموعهم تجتاح الأخضر واليابس إلى مناطق شاسعة في آسيا مع القرون الأولى للميلاد.. وفي بداية القرن الخامس الميلادي.. دفعت بهم موجة للهجرة حيث عبروا السهول إلى غرب أوروبا وغزوا بلاد غالة (فرنسا اليوم) وكانت تحكمها جموع الفرنجة التي لم تطق وجودهم فعملت على طردهم إلى حيث توجهوا إلى غزو اسبانيا عبر الحدود فكان أن تقبلهم الإمبراطور هونوريوس بعد أن وضعهم تحت حمايته.


    وأثمر الاستقرار حالة من الازدهار الذي أفضى بدوره إلى إذكاء أطماع إقليمية دفعت بالواندال إلى عبور مضيق جبل طارق حيث غزوا شمال أفريقيا (المغاربي حاليا) ومنها إلى صقلية وجنوب ايطاليا فأصبحوا سادة البحر المتوسط ثم عادت جحافلهم إلى اسبانيا التي شهدت دولتهم المنيعة عسكريا ولكن الفقيرة حضاريا فما كان لمثل هذه القبائل شبه المتوحشة أن تبدع فنا أو تؤسس فكرا. ولم يكد القرن السادس الميلادي ينتصف إلا وقد تداعت ثم زالت دولة الوندال من اسبانيا ولم تترك أثرا اللهم إلا أمرين يتصلان بالمسميات والمصطلحات.


    أولهما اسم واندالوسيا - التي اشتق منها المسلمون العرب اسم الدولة الزاهرة التي فتحوها منذ أيام طارق بن زياد وكان الاسم هو الأندلس. ؟ الثاني كلمة مازالت باقية في معاجم اللغات الانجليزية والاسبانية والفرنسية التي لا نفتأ نرجع عليها في مثل هذه السطور. والكلمة هي «؟اندال» في الانجليزية و«فانديل» في الفرنسية و«فاندالو» في الاسبانية وكلها كما ترى تحيل إلى اسم قبائل الواندال وكلها للأسف تنصرف إلى معنى واحد يرتبط بالسلوك المنافي للحضارة، فالمعنى هو التخريب والتدمير وأن يعيث المرء فسادا في الأرض..


    ولقد بلغ من أمر هذه المعاني الخطيرة الحد الذي جعل بعض القواميس العربية (المورد - منير البعلبكي مثلا) ينحت كلمات من نفس الاشتقاق الجرماني القديم أو الروماني - اللاتيني الحديث فيقال «يوندل» بمعنى يدمر دع عنك اسم الوندلة بمعنى التخريب الواسع والتدمير الرهيب.. والعياذ بالله.


    وِيرْد


    في المشهد الرابع بالفصل الأول من مسرحية ماكبث يدير الشاعر الانجليزي شكسبير الحوار: يسأل بطل التراجيديا ماكبث صاحبه لينوكس عما إذا كان قد رأى العجيبات الثلاث يقصد الساحرات الثلاث اللائي يظهرن في فصول العمل الدرامي وسط ظلال من القتامة المنذرة بسوء المصير، ويصفهن ماكبث قائلا بأن الهواء الذي يحيط بوجودهن فاسد يخنق الأنفاس وأن الإنسان الذي يثق فيهن يورد نفسه موارد الهلاك.


    إن شكسبير يستخدم لفظة العجيبة لوصف الساحرة (وغالبا ما تكون هي العجوز الشريرة في ثقافة أهل الغرب وأوهامهم) ويرادفها في الانجليزية كلمة «ويرد» وهي لا تقتصر على معنى الغرابة التي تستخدمها الانجليزية - الاميركية المعاصرة لوصف أي شخص لا يعجبك من ذكر أو أنثى.. ومن ذلك مثلا الطالب الجاد المنكب على دفاتره ومراجعه يصفه رفاق المدرسة أو الجامعة بأنه «ويرد»..


    الفتاة التي تراعي الحشمة في الملابس وقد تبالغ قليلا في المراعاة توصف بأنها «ويرد» وهكذا.. وربما كان أحدث استخدام لهذا الوصف هو الفرد الملازم لجهاز الحاسوب.. عيناه لا تفارقان الشاشة ولا تكاد أنامله تفارق لوحة المفاتيح (الكي بورد).. فإما أنه «ويرد» وإما أنه «نيرد» وهي مرادفة لها في عامية الأميركان.


    في كل حال فأمر الغرابة يهون.. حيث كانت «ويرد» عند شعوب غابرة قديمة تشير إلى ما هو أخطر وأفدح من ذلك.. وحين تكلم شكسبير عن الساحرات العجيبات الثلاث لم تكن المسألة مقصورة على حكاية الغرابة أو شذوذ الشخصية.. استخدام «ويرد» يشير إلى ربات القضاء والقَدَر الثلاث عند الاغريق والرومان وكانت شعوبهم تتصور أن هؤلاء المعبودات.. ال.. ويرد يملكن بيدهن دفاتر القتر المكتوب ومفاتيح المصير المسطور وكان القدماء يطلقون عليهن اسم «نورنس»


    وقد ترجمتها الانجليزية القروسطية بكلمة ويرد لتعني «القدر» وهي كلمة تعود في اللغات الهندو ـ أوروبية إلى الجذر «ويرت» ومعناه التحول والتغيير من حال إلى حال.. وكانوا بهذا يصورون قدر الإنسان على أنه خيط طويل تتولى غزله ربات القدر ثم ينقطع فجأة عند وفاة الإنسان.


    وبعد عصور النهضة والتنوير جاء القرن التاسع عشر ليشهد الناس وقد تخلوا عن فكر الخرافة وتفسير الأساطير.. فكان أن تحولوا بالكلمة عن حكاية الساحرات وربات القضاء والقدر وخيوط الغزل والنسيج المحيطة بحياة الإنسان.. ولكن بقيت ظلال المعنى القديم المستخدم في مسرحية ماكبث فكان أن أبطلوا تفسير «ويرد» على أنها ربات القسمة والنصيب..


    وإن أضافوا إلى معانيها ظلالا أخرى معاصرة تشير إلى سوء العواقب أو الأقدار المعاكسة أو الحظ الذي لايواتي وكلها معان تنطوي على أن في الأمر شيئا غامضا.. مسحورا كما قد نقول. ولكنهم في كل حال ظلوا يحافظون على المعنى الظاهري الذي أفادت به كلمات ماكبث - معنى الغرابة والتفرد والخروج عن المعتاد أو المألوف - وربما حافظوا على ذلك من باب الاحترام ليس إلا لذكرى شاعرهم الأكبر ويليام شكسبير.
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    #2
    أشهر الإشارات المتعارف عليها في ثقافتنا هي علامة النصر

    «نانوبيديا» الحلقة الثانيه
    أشهر الإشارات المتعارف عليها في ثقافتنا هي علامة النصر




    أوكي: في استطلاع تم مؤخرا بشأن أوسع الألفاظ أو المسميات أو الإشارات شيوعا في ثقافات ومجتمعات العالم المعاصر.. أفضت الدراسة الى ما يلي:أوسع الألفاظ شيوعا في العالم هو اسم مشروب الكولا - المرطبات الشهيرة.


    أشهر الإشارات المعروفة أو المتعارف عليها في ثقافات دنيانا المعاصرة هي علامة النصر بانفراج إصبعي السبابّة والوسطى وينسبونها - كما هو معروف - الى الزعيم البريطاني ونستون تشرشل الذي استخدمها للدلالة على أول حروف لفظة «نصر» الذي يرسمونه في اللغة الإنجليزية على شكل مثلث مفتوح له زاوية حادة الى أسفل ومنفرج الذراعين الى أعلى والشكل أقرب الى رقم السبعة في العربية .


    ويضاهي رقم الخمسة في العدد الروماني وهو الحرف رقم 22 في الأبجدية الانجليزية، ويدل في الوقت نفسه على كمية الجهد الكهربائي (ولت) وعلى اختصار كلمة مجلد في عالم الكتب وكلمة المقطع الشعري (يرس) فضلا عن معنى التناقض أو التعارض - التعاكس يرسوس.


    أما ثاني أكثر الألفاظ شيوعا في زماننا فتقول الدراسة انها لفظة «أوكي» التي تدور حولها ما تقرأه سيادتك في هذه السطور. وربما تكون «أوكي» كما يلمح معجم اكسفورد الكبير هي اختصار للفظة «أوكاي» التي تفيد - كما يضيف أوكسفورد - التعبير عن الموافقة.. الرضا.. الاتفاق.. الأمور على ما يرام..


    وفي هذا يقال عن إعطاء الأوكيه بمعنى الموافقة أو أن الأجهزة اشتغلت.. الترتيبات مضبوطة.. ومن ثم حان موعد التشغيل.. التنفيذ.. الانطلاق يستوي في ذلك استخدام الحاسوب بقدر ما تستوي إشارة انطلاقة مكوك الفضاء الى أجواز الكون الخارجة عن مدار كوكب الأرض.


    ببساطة شديدة يرجع أصل الكلمة الى عبارة بسيطة بدورها كان يستخدمها الأميركان للدلالة على كل المعاني السابقة.. والعبارة هي:


    أُول كورّكْت.. ومعناها بداهة أن كل شيء صحيح.. مضبوط.. وعلى ما يرام.. اربع وعشرين قيراطا كما يقول المصريون.


    ولأن الأميركان قوم مسرعون.. أو متسرعون وهم قوم مستعجلون.. بل متعجلون أحيانا بغير مناسبة معقولة.. فقد سارعوا بدورهم الى اختصار المسألة فكان أن اعتمدوا الحرفين الأولين من العبارة السابقة وهما حرف الألف وحرف الكاف. ولتسهيل النطق وضعوا الواو حرفا للعلة كما يقول اللغويون فكانت النتيجة هي حكاية «أوكيه».


    يقول معجم وبستر لأصول الكلمات:


    - أوكيه هي أنجح وأوسع لوازم الأمْركة في العالم على نحو ما يشهد به المراقبون.. ورغم أن أصل استخدامها محفوف بالتكهنات وإن كان الأصل يرجع زمنيا الى قرب منتصف القرن 19 حيث طالعها القراء الأميركيون لأول مرة في موضوع نشرته جريدة «مورننغ بوست» في مدينة بوسطن يوم 23 مارس 1839 وهناك من يشكك في صحة هذه البداية..


    ولكن هناك أيضا من يؤكد أن «أوكي» عاشت وفاقت مثيلات لها من المختصرات التي حاولت منافستها وربما مزاحمتها.. دون جدوى.. على طريقتهم اصطنع الأميركان في ظل موضة المختصرات تعابير من قبيل أو دبليو بمعنى تمام أو مضبوط (من عبارة أول رايت) وعكسها «إن جو» من عبارة (نو جو) واخترعوا تعبير (كي. كي. كي) إشارة الى عدم المضايقة أو منع تعكير الصفو أو عدم اقلاق راحة البال.. الخ.


    وكل هذه التعبيرات ذبلت ثم انقرضت لتبقى أوكيه التي قيض لها من أنشأ باسمها ناديا في نيويورك يجتمع فيه أهل السياسة المؤيدون لمرشحي الحزب الديمقراطي.


    من ناحيته يعود معجم تاريخ وأسرار الكلمات بأصل الكلمة الى نزعة الفكاهة ومحاولة الترويح عن عامة القراء في صحافة القرن التاسع عشر.. حيث درج أوائل الصحافيين أيامها إما على اختصار الكلام أو نشر الكلمات بتهجئة خاطئة متعمدة لزوم الاستظراف في جرائد تلك الأيام..


    وربما لم تكن هذه الممارسة البدائية لمهنة الصحافة لتحلم بأن تعيش اللفظة وتنتشر في أنحاء الدنيا لا لمجرد أن أميركا - حاضنتها الأولى - أصبحت أقوى دولة في العالم. ولكن لأن الكلمة تؤدي وظيفة مهمة وتريح باختصارها ودلالتها المتكلم والسامع على السواء.


    أومبودزمان: هذا مصطلح قانوني يصدق على الموظف الكبير المسؤول الذي حارت قواميس العربية في وصف مسمّاه الوظيفي.. بل ان بعض المعاجم القانونية في بلادنا اليعربية السعيدة آثرت السلامة فكان أن تجنبت التوصيف فوزا من الغنيمة بالاياب.


    في كل حال فقد نطمئن مؤقتا الى تسمية أمين المظالم، أو رئيس ديوان المظالم الأقرب في تصورنا الى محامي الشعب أو الناطق باسم مصالح الناس المحكومين، ينتصف لهم إزاء ما قد يلحقهم من حيف وما قد يصيبهم من ظلم من جراء تصرفات هيئات الإدارة أو إجراءات دوائر الحكومة.


    الكلمة لها تاريخ طويل وإن جاء ميلادها في بلاد الشمال الاسكندينافية القارسة البرودة. أصل حكايتها يرجع الى زمن الفايكنج وهم البحارة المحاربون في شمال أوروبا القطبي وشبه القطبي.. كانوا سادة سواحل أوروبا والجزر البريطانية على مدار الفترة الواقعة بين القرنين الثامن والعاشر للميلاد.. كانوا يومها أعظم بحارة عالم الشمال وأمهرهم في صناعة السفن.. ديانتهم الأصلية كانت وثنية وأصلهم العرقي يرجع الى أرومة الجرمان ولهم أساطير مازالت ذائعة في دفاتر الفولكلور، المأثورات الشعبية، ثم اعتنقوا المسيحية في نهاية القرن العاشر للميلاد..


    كانت لغتهم هي لسان أهل شمال أوروبا النوردي أو لغة النُورس التي اشتهرت بصعوبة نطقها وجلافة مقاطعها.. أرادوا أن ينشئوا منصب المسؤول الذي يستدعونه للتحكيم فيما يشتجر من منازعات بين مستوى أولي أمر ومستوى عامة الناس.. أطلقوا على المنصب عبارة من مقطعين أولهما «أومبوث» ومعناها لجنة - دائرة..


    مفوضية والثاني هو «مآثر» ومعناها الرجل أو الفرد أو المسؤول ومن ثم جاءت تسمية أومبوث ماثر بمعنى المدير المسئول وهي التسمية التي انحدرت في اللغة السويدية المعاصرة الى أمبودزمان ورافقتها ظلال المعنى التي تومئ الى حكاية المندوب أو النائب أو المفوض (الساهر ضمنا على مصالح الناس).


    في عام 1809 قررت حكومة السويد إنشاء مكتب مفوض الشعب أو أمين المظالم ومنحته سلطة النظر والبت في شكاوى المواطنين العاديين فيما يتعلق بسوء الإدارة أو ظلم الدوائر الحاكمة وتعسف استعمال السلطة من جانب أهل البيروقراطية الحكومية.


    نجحت التجربة وشعر المواطنون البسطاء بأن أمامهم ملاذا يلجأون إليه عندما يضيق بهم أمر الحكومة ومسؤوليها. سرعان ما انتقلت التجربة الى فنلندا - دولة البلطيق المجاورة وكان ذلك عام 1919 وبعدها الى الدانمارك عام 1954 ثم النرويج عام 1962.


    ورغم أن الكلمة بكل صعوبة نطقها ظلت حبيسة لغات أهل الشمال إلا أنها شقت طريقها الى معجم الإنجليزية بشكلها الأساسي.. عندما قررت دولة ناطقة بالانجليزية وعضو في رابطة الكومنولث الكلية الاحترام وهي نيوزيلندا في جنوبي الباسيفيكي بدء العمل بنظام محامي الشعب.. أو مفوض شؤون المواطنين أو أمين المظالم كما تقول الترجمة البليغة في لغتنا العربية.. في عام 1966 لم تكذب بريطانيا خبرا بل قررت تعيين أول مكتب من هذا القبيل في أراضيها وإن أضفت عليه تسمية مغايرة هي:


    المفوض البرلماني لشؤون الإدارة


    فعلت بعض ولايات أمريكا نفس الشيء، وبعدها توسعت مناصب الأمين.. أو المفوض المذكور لتشمل مرافق من قبيل المستشفيات.. ودوائر التحكيم التجاري والبورصات وما إليها ولتصدق التسمية - من باب التعميم - على كل مسؤول عن مكتب للشكوى أو عن الفصل في المنازعات.


    من ناحيتهم اخترع الأميركان منصبا مضاهيا وإن خلعوا عليه تسمية نراها سخيفة في ضوء قيم ثقافتنا العربية. وما ظنك برجل محترم يشغل منصبا محترما وتسأله عن وظيفة سيادته فإذا به يجيبك في وقار شديد:


    -أنا.. كلب حراسة (ووتش دوج).


    وكان طبيعيا أن تدخل الحركة النسائية المعمعة فتعترض على تسمية أومبودزمان التي تشير الى الرجل في آخر مقاطعها ولهذا اخترعوا تعبير «أومبودزليدي» ومن ثم اتفقوا حقنا لدماء الجنسين على مصطلح أومبوذبيرسون وهي تسمية محايدة تشير الى الشخص (من ذكر أو أنثى) الذي يتولى منصب أمين المظالم.


    أميرال: يسلّم معجم تواريخ وأسرار الكلمات (طبعة 2004) بسبق العرب وسبق المسلمين الى فرض سيادتهم على البحار وعلى مدى زمن طويل قبل أن تملك معظم أقطار أوروبا أساطيل وعمارات بحرية..


    وبرغم أن كثيرا من أميرالات البحرية في بريطانيا أو أمريكا قد لا يتصورون أن ألقابهم العسكرية الفخيمة تتصل بأكثر من سبب ووشيجة مع التراث العربي، فالحقيقة كما يضيف المعجم الأمريكي هي أن لقب أميرال الغربي ولقب «أمير» العربي ينبثقان عن مصدر واحد هي الكلمة العربية أمير التي لا تعني فقط عضو العائلة المالكة أو الأسرة الحاكمة ولكنها تتوسع لتعني قائد الجماعة ورأسها وآمرها.


    في جزيرة صقلية المتوسطية - كان القوم خلال القرن الثاني عشر حين يرومون إضفاء ألقاب القيادة على كبار رؤسائهم، يتجهون الى مصادر اللغة العربية وخاصة فيما يتعلق بـ «أمير البحار» كما تقول دائرة المعارف البريطانية أو «أمير الماء» كما تقول مصادر أخرى موثوقة بدورها. ومن أي من هذين المصدرين تطورت لفظة ولقب «أميرال». وينطقونها في اللغات الغربية بوصفها «أدميرال». من أين جاء حرف الدال المضاف الى الكلمة؟


    يقول فقهاء تلك اللغات أنه أضيف الى الانجليزية خلال القرن السادس عشر عن طريق اللغة اللاتينية التي اصطنعت فعل «أدميراري» بمعنى العجب والإعجاب ومنها جاء الفعل المعبر عن الاعجاب في الانجليزية إشارة الى أن الأدميرال أو أمير البحر - أمير الماء هو الشخصية التي يتطلع إليها الناس بكل تقدير واحترام.


    أما لفظة «أمير» فقد وفدت على الانجليزية عن طريق جارتها اللغة الفرنسية التي كانت قد عرفتها من خلال علاقاتها الحميمة مع تجار مدينتي جنوة والبندقية (فينيسيا) وأيضا خلال الحملة الصليبية السابعة (1248 - 4521(.


    وفي غمار هذا كله دخلت ألفاظ البحرية العربية من زمن ممالك الأندلس العربية المسلمة ومعها ممالك المغرب العربي المسلم في الشمال الأفريقي الى قواميس البحرية الأوروبية. وتسمية أمير الماء أو أمير البحر تشير بدورها الى أن هذا المنصب (الأميرال) لا يعني بالضرورة ضابطا بحريا أو مجرد قائد عامل على متن الأسطول.


    إن الأمير - الأميرال شخصية أكبر من مجرد النشاط البحري العسكري إنه وزير البحرية أو قائد عام الأسطول أو أكبر مسؤول عن شؤون البحر في الدولة، يستوي في هذا اللورد الأول للأميرالية في انجلترا، أو رفيقه الجراند أميرال في فرنسا أو زميلهما أدميرانتي مايور في اسبانيا.


    أما في أميركا فرتبة الأميرال البحري تعادل رتبة الجنرال العسكري وهو قائد سفينة العَلَم التي يمارس من فوقها قيادة الأسطول ربما دون أن يدري بالضرورة بأن رتبته السامقة مشتقة من تسمية قبطان عربي مسلم كان سيدا للبحار في يوم من الأيام.


    يكتبها : محمد الخولي

    تعليق

    • محمد زعل السلوم
      عضو منتسب
      • Oct 2009
      • 746

      #3
      الدعاية اكتسبت سمعتها السيئة بوصفها قرينة الكذب والتضليل والتعتيم والخداع

      «نانوبيديا»الحلقة 3
      الدعاية اكتسبت سمعتها السيئة بوصفها قرينة الكذب والتضليل والتعتيم والخداع




      في اللغة اللاتينية ينصرف الفعل «روباجاندي» إلى معنى الانتشار والتوسع، وربما يعني تناسل البشر وتوالد الدعوات واتساع رقعة انتشار الأفكار ومن ثم تأثيرها على أكبر قاعدة من الناس..


      ومثل كل الظواهر والابتكارات البشرية نبعت البروباجاندا من احتياجات ماسّة لدى الكنيسة الكاثوليكية وعلى رأسها باباوات روما إلى محاولة توسيع قاعدة المؤمنين بعقيدتها باستخدام أدوات التبشير ومواصلة جهود الدعوة والتأثير والإقناع.. زادت هذه الحاجة الملحّة في خلال القرن السادس عشر للميلاد. لماذا في القرن 16 بالذات؟..


      لأنه ألزم الذي شهد اكتشاف أميركا ـ العالم الجديد بعد رحلة كولومبوس الشهيرة (1429) وبعدها دخلت أوروبا عصر الكشوف الجغرافية فكان أن ارتادت انجلترا تخوم أميركا وتحولت بعد ذلك إلى أصقاع شاسعة في افريقيا والشرق الأقصى.. واكب هذه الكشوف وحركات الاستيطان ازدهار مذاهب الكنيسة البروتستانتية ـ الانجيليكانية المناوئة للعقيدة الكاثوليكية..


      هنالك استشعر البابا جريجوري الخامس عشر أهمية مضاعفة جهود الدعوة - التبشير انتصاراً لكنيسة روما التي يتربع على عرشها في الفاتيكان.. صحيح أن تلك الكنيسة كانت تخدمها عناصر كاثوليكية أيضاً من أسبانيا والبرتغال، لكن البابا قرر أن يجمع كل هذه الجهود في إطار إدارة مركزية موحدة بحيث ينجم عن جهودها المكثفة أبلغ أنواع التأثير.


      هكذا صدر قراره يوم 22 يونيو 1622 بالمرسوم المقدس الذي يقضي بتأسيس «كونجراتيو دي بروباجاندو فيديه» وترجمتها عن اللاتينية هي «مجمع الدعاية العقيدية (أو الدينية) ونظراً لطول الاسم ـ كما ترى ـ وتعقيده رسماً ونطقاً، فقد درجت العادة على أن يعرفه الناس باسم «بروباجاندا». وكانوا يقصرونه كما ألمحنا على قضايا الدعوة الدينية.


      لكن الإنجليز ما لبثوا مع فاتح القرن التاسع عشر أن فارقوا المعاني الدينية إلى حيث شرعوا في استخدام مصطلح بروباجاندا ليصدق على كل أمور التواصل والتفاعل ومحاولات الإقناع واستهداف التأثير في جموع المخاطبين..


      هكذا انتقلت بروباجاندا من أيادي الكهان إلى أصابع السياسيين والإعلاميين. ثم تحولت من مجرد جهود متناثرة إلى أن تبلورت لتصبح مهنة احترافية مع بدايات القرن العشرين ودخول العالم إلى عصور الراديو ومن بعده التلفزيون.. ولأن المسألة لم تعد مجرد دعوات ولا مؤثرات بل أضيفت إليها مهام غريبة وربما غير مستحبة من قبيل نشر الشائعات وهي أمور تدخل بغير مواربة في باب بث الأكاذيب وترويج الافتراءات..


      فقد تحولت البروباجاندا إلى أن أضحت مؤسسة رهيبة التأثير بعد أن استخدمتها الدول والنظم سواء للتأثير على شعوبها في الداخل أو لخوض حروب الكلمة ـ حروب الدهاء كما كانوا يسمونها في صراعات الدول عبر الحدود.


      في القرن العشرين


      ومع سنوات العقد الثالث من القرن الماضي بدأت البروباجاندا تكتسب ترجمتها العربية باسم «الدعاية» وبدأت تتبلور كمفهوم في علوم الاتصال الجماهيري البازغة في ذلك الحين حيث ورد تعريفها عند رواد علوم الاتصال مثل والتر لبمان على أنها محاولات استمالة الجماهير بل وإغرائها (وربما خداعها وإغوائها) والتغرير بوعيها لصالح فكرة أو زعم أو لمعاداة فكرة أخرى (خارجية بالذات).


      في هذا الإطار توسعت البروباجاندا ـ الدعاية في استخدام أدوات متنوعة.. لم تعد الكلمة المكتوبة أو المذاعة هي الأداة الوحيدة.. بدأت تستخدم أنغام الموسيقى والتشكيلات الرياضية وفنون المسرح ثم السينما..


      لكن الأهم كانت لعبة استخدام الرموز والشعارات. والأشهر في هذا المجال كان استخدام شعار الصليب المعقوف(سواستيكا) الذي اكتشفه زعيم ألمانيا النازية هتلر ـ كما يقول مؤرخه الأشهر «ويليام شيرر» (ت 1993). كان ذلك في صيف عام 1920 وكان يعيش بداخل هتلر نفسه فنان محبط لم يشق طريقه إلى شهرة في عالم الرسم والتصوير..


      في تلك الفترة توصل هتلر إلى رسم السواستيكا شعاراً للحزب النازي الذي كان في حالة صعود في ألمانيا ولم يكن الشعار جديداً تماماً بل شهدته بصور شتى حضارات قديمة وعريقة في طروادة وفي مصر وفي الهند والصين.


      ثم توسع النظام النازي في جهود الدعاية إلى أن عينوا لها وزيراً ذاع اسمه في كل أنحاء الدنيا هو جوزيف جوبلز (ت1945) الذي نقلوا عنه خلال وقائع الحرب العالمية الثانية مقولته الشهيرة:


      ـ كتمان الحق أكثر فاعلية من نشر الباطل ظلت الدعاية.


      ومازالت العبارة أداة طيعة في أيدي النظم السياسية وخاصة نظم الاستبداد والقهر السياسي. لهذا اكتسبت سمعتها السيئة بوصفها قرينة الكذب والتضليل والتعتيم والخداع مقارنة بالإعلام الذي يتولى - نظرياً على الأقل توعية الناس بما يدور من حولهم، الطريف أن حكومات عربية كثيرة استغرقت وقتاً طويلاً إلى أن تنبهت إلى أهمية هذا التمييز..


      في فاتح الخمسينات تشكلت وزارات نهاية عصر الباشوات في مصر وكان من مواقعها منصب فلان باشا وزيراً للدعاية!. بعدها تحولت ثورة 1952 بالتسمية إلى منصب وزير الإرشاد ولم تكن التسمية موفقة بدورها إذ كانت تومئ إلى نوع من الوصاية على الجماهير..


      وبعدها استقر الأمر على مصطلح وزارة الإعلام.. ومازالت الدعوات تتوالى في الوطن العربي.. لا إلى رفض البروباجاندا ولا إلى تكريس مصطلح الإعلام.. بل حتى إلى إلغاء وزارات الإعلام من الأساس وبحيث يصبح أمر الدعوة والتوعية شأناً قومياً وأهلياً ومدنياً بعيداً عن السيطرة الحكومية والتوجيهات الرسمية.


      بونابارتية:


      المصطلح منسوب بداهة إلى رأس أسرة بونابرت وهو نابوليون (الأول) الذي بدأ ضابطاً صغيراً من أهالي جزيرة كورسيكا (كان أبوه كارلو محامياً يدعو إلى ضم الجزيرة المتوسطية إلى فرنسا ـ الأم) ثم تحولت حظوظ الضابط الصغير إلى حيث أصبح قنصلاً وفاتحاً مغواراً وقائداً للحملة الشهيرة علة الشرق (الحملة الفرنسية على مصر والشام) وبعدها أصبح نابوليون امبراطوراً.. إلى أن مات مهزوماً ومنفياً في جزيرة سانت هيلانة عام 1821.


      نجمت عن أسرة بونابرت فروع كثيرة من رجال ونساء منهم أخوه «لوسيا» بونابرت الذي عارض إعلان امبراطورية فرنسا واعتزل الحياة العامة مقيماً في مدينة روما. ومنهم أخته كارولين التي جعلها أخوها ملكة على نابولي ولكنها تآمرت عليه وهربت بجلدها إلى النمسا.


      ومن جيل الأسرة الثاني شارل ابن أخيه الذي عاش في أميركا وتفرغ للدراسات العلمية وترك كتابه الشهير من 4 مجلدات عن «الطيور الأميركية». ومنهم ابن أخ آخر هو نابليون الثالث الذي أصبح إمبراطوراً على فرنسا في الفترة (1852 - 1781) وكان يتطلع إلى إمبراطورية فرنسية في أميركا اللاتينية..


      واشتهرت معه زوجته أويني التي شهدت احتفال افتتاح قناة السويس عام 1869 الذي هيأ له حاكم مصر وقتها الخديوي إسماعيل جواً شبه أسطوري. وآخر من أتت المراجع على سيرته كان شارل نابوليون وهو من أحفاد الأسرة وتولى منصب وكيل وزارة الحربية الفرنسية في أوائل القرن العشرين ثم منصب النائب العام في الفترة 1906 ـ 1909.


      البونابرتية.. ما هي


      البونابرتية اتجاه سياسي بدأ يتبلور من أجل المطالبة بولاية عرش فرنسا، وبالطبع انتهى هذا الاتجاه إلى التبدد والانقراض. وما لبث أن تبلورت معالم أخرى اكتسبها ليصبح مذهباً في مجال العمل العام في أي بلد ومصطلحاً في معاجم العلوم السياسية ليصدق على أي نظام يستند إلى نوع من الشمولية أو القوة العسكرية أو إلى حكم شعبوي يستند إلى زعامة فرد قائد ويمارس سلطاته وسط تأييد جماهيري عام.


      يقول معجم المصطلحات التاريخية: البونابرتية نظام يقوم على غير مبادئ الحكم الملكي المتعارف عليه.. إنه نظام يقوم على أساس شبه ديمقراطي .


      حيث السيادة نظرياً للشعب، وحيث لا ينفك النظام الحاكم عن استمالة الجماهير والتمسك بالإرادة الشعبية والعمل عند اللزوم على تنظيم استفتاءات عامة يمكن التلاعب بنتائجها.. ومن أساتذة علم السياسة من يذهب إلى أن هذه النوعية من البونابرتية نظام يقوم ويحكم في أعقاب أي ثورة تحدث في هذا البلد أو ذاك.. أما أصحاب الفكر الماركسي فهم يذهبون إلى أن البونابرتية نظام يقوم.


      ويشتد ساعده عندما يكون هناك فراغ طبقي بمعنى أن لا يكون هناك طبقة اجتماعية ناضجة وقادرة ومن ثم مؤهلة لكي تحكم المجتمع وتقيم نظامها السياسي المعبر بداهة عن مصالحها الاقتصادية وتوجهاتها الفكرية أو الأيديولوجية.. وبهذا ـ يضيف الماركسيون ـ فالنظام البونابرتي ينشأ لكي يحافظ على علاقات وامتيازات أصحاب الممتلكات في مواجهة مصالح العمال الذين ينتجون كل شيء ولا يكادون يملكون شيئاً.


      وعندنا، فلأن التاريخ يكتبه المنتصرون وبالتالي تطل طروحاته ومصطلحاته لغير صالح المهزومين، فقد عمد الانجليز بالذات، وهم أعداء نابوليون بونابرت والمنتصرون في صراعهم معه ـ إلى إطلاق اسمه على هذا الاتجاه السياسي لكي ينددوا بأي نظام يستند إلى تأييد جماهير الشعب ويحاول قادته التعبير عن آمال هذه الجماهير والدفاع عن مصالحها دون أن يتبع هذا النظام أو ذاك القائد أو الزعيم الأصول الحرْفية للعبة الديمقراطية كما وضع الغرب نصوصها ورسم أعرافها وتقاليدها.


      ببلاك:


      هي بالطبع أسود في الانجليزية.. ومن عجب أنها تنفرد عن سائر اللغات بهذه التسمية - أسود في الفرنسية هي نوار وفي الاسبانية نجرو وفي الألمانية شوارز وفي السويدية أ؟ارت وفي الهنغارية فيكيتي وفي التركية كارا وفي اليابانية كوروي.. الخ، مع هذا كله فالذي اشتهر في مصطلحات العالم هي بلاك - الانجليزية التي يسجل لها التاريخ القريب والبعيد العديد من المداخل والتسميات.


      هناك بالطبع بلاد أفريكا ـ إفريقيا السوداء وهي ليست كما يردد البعض امتداد قارة إفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى في محاولة لتمييزها عن الشمال الإفريقي الممتد شرقاً في مصر حتى شبه جزيرة سيناء ومفاتيح البحر الأحمر ويمتد غرباً عبر المنطقة المغاربية العربية إلى سواحل المحيط الأطلسي:


      إفريقيا السوداء ـ كمصطلح سياسي ـ ينصرف إلى حكم الأغلبية من الأفارقة، سكان وأصحاب البلاد الأصليين في مواجهة السيطرة الامبريالية التي طالما خضعت لها القارة السمراء على امتداد عصور الاستعمار بكل صنوفه من برتغالي إلى اسباني إلى هولندي إلى ايطالي إلى بريطاني وفرنسي..


      وقد أحرزت القارة استقلالها على مدار عقود طويلة من النضال والمعاناة كان آخرها حكم إفريقيا السوداء - بلاك إفريقيا الذي انتزعه نيلسون مانديلا من براثن سيطرة البوير ـ المستوطنين البيض في جنوب إفريقيا في سنوات العقد الأخير من القرن العشرين.


      هناك أيضاً مصطلح «بلاك تانس» ويصدق على فرقة الحرس الأيرلندي التابع للتاج البريطاني وقد استمدت اسمها هذا من اسم فصيلة من كلاب أيرلندا وخلعوا عليها زياً خاصاً من لون شديد الاخضرار إلى حد السواد.


      وعهدوا إليها مع مطالع عشرينات القرن الماضي بملاحقة المعارضة الوطنية الأيرلندية للحكم البريطاني فكان أن تعاملت مع أفراد هذه المعارضة بقسوة وحشية بدعوى أنهم «إرهابيون» (ما أشبه الليلة بالبارحة!). ويقال ان هذه الفرقة كانوا يجندون أفرادها من خريجي السجون.. أي من مجرمي أيرلندا شخصياً.


      د. أبوبكر علي الصديق

      تعليق

      • محمد زعل السلوم
        عضو منتسب
        • Oct 2009
        • 746

        #4
        الفرنسية أضفت طلاوة على الألفاظ الإنجليزية

        «نانوبيديا» الحلقة الخامسة
        الفرنسية أضفت طلاوة على الألفاظ الإنجليزية




        ثرسداي: يوم الخميس في الانجليزية وهو حرفياً يوم «ثًور» كناية عن الإله الوثني عند الجرمان سكان الأراضي الألمانية الأقدمين وكان اسمهم ثونور.. ومعناها حرفياَ الرعد..


        وبديهي أن يكون هناك في إطار تعدد أرباب الوثنية رموز للرعد الذي كانت تخشاه الشعوب البدائية أو للسحاب والمطر وهو ما كانت تطلبه وتتضرع في طلبه جموع الناس من أجل الري والسقايا.. فضلاً عن رموز يضفون عليها من واقع أوهامهم صفة الربوببة..


        وخاصة عند قدماء المصريين والإغريق والرومان.. ما بين أوزيريس كبير الأرباب في طيبة المصرية وهو أيضاً رئيس محكمة الحساب في العالم الآخر.. وما بين زيوس كبير أرباب اليونان وابنته أثينا التي ولدت من عقل (!) أبيها لتصبح ربة الحكمة والتفلسف.. ثم منير؟ا ربة الجمال الرائع والسحر الأخاذ..


        ولقد كانت الشعوب البدائية تعبد الظاهرة التي تخشاها وتعبد الحيوان الوحشي الذي ترتعد من مرآه.. وهكذا عبد المصريون القدماء حيوان التمساح وعبد الألمان الأقدمون ظاهرة الرعد التي كانوا يرتعدون من قصفها وهزيمها ومن اسم إله الرعد الجرماني ثونور.. جاء اسم الرعد «ثندر» في لغات غرب أوروبا واسم «ثور» للرعد أيضاً في لغات النورس بالشمال الاسكندينافي..


        وعندما اعتمدت قدامى شعوب الألمان روزنامة الأسبوع الروماني بأيامها السبعة التي نعرفها اليوم.. خلعت على أحد أيامها اسم يوم الرعد أو يوم الإله ثور المسؤول عن قصف الرعد وعصف الرياح الذي تدوي جلجلته في أجواز الفضاء السموات وتصيب البشر البسطاء بالهلع إزاء غضبة يخشونها من السماء..


        هكذا مزجوا بين اسم الإله ثور وبين كلمة يوم وهي داي في لاتينية الرومان فكان اسم «ثورسداي» وقد خففها النطق الانجليزي بعد العصور الوسطى لتصدق على يوم الخميس.. ومن عجب أن اسم المعبود «ثور» بل واسم ظاهرة الرعد «ثندر» يعود أصلها إلى السنسكريتية - لغة الهند القديمة في كلمة ستينا ومعناها قصف الرعد الذي يبعث الخوف في النفوس.


        ومثلما اشتق من لفظة الرعد العربية معنى الرعدة أو الارتعاد أو الجبان الرعديد.. فقد اشتقوا من لفظة ستينا الهندية معاني الدهشة الصاعقة في الانجليزية التي تدل عليها كلمة سَتَن. ومن نفس الأصل الهندي جاءت كلمة أخرى هي تورنادو وهي الإعصار العاصف الصاعق وكلمة تورنادو بدورها مطروحة بنكهة اللغة الإسبانية التي تصف الرعد بأنه تورنيدو.


        ويذكر الاختصاصيون أن استعارة أيام الأسبوع من التقويم اللاتيني تمت في سنة 1000 الميلادية أو نحوها وهي الفترة التي شهدت الغزو النورماندي على يد القائد الشهير ويليام الغازي الذي جاء نزوله على سواحل الجزر البريطانية سنة 1100 للميلاد إيذاناً بالتفاعلات التي تمت بين اللغتين الفرنسية الوافدة والانجليزية - لغة أهل الجزر المفتوحة حيث أضفت الفرنسية وهي ربيبة اللاتينية لمسات من الرقة والطلاوة على الألفاظ الانجليزية التي كانت أصولها الجرمانية السكسونية شديدة الوعورة من حيث التهجئة والنطق والاستخدام.


        من ناحية أخرى يلاحظ أن الشعوب الجرمانية القديمة حينما اعتمدت تقويم الرومان.. فإنها لم تأخذه حرفياً كما هو بل عمدت - يا للغرابة - إلى ترجمة معانيه إلى لغاتها المنطوقة.. هكذا قال الرومان بيوم الشمس «سولس دايس» فترجمه الجرمان والإنجليز إلى «صنداي» ليصدق على يوم الأحر وقال الرومان بيوم القمر لونا داي - لنداي في الفرنسية فترجمه الألمان والإنجليز إلى مون داي - منداي ليشير إلى يوم الاثنين.. وهكذا..


        ثج: لأن الشر والرذيلة لهما آلاف الأسماء.. فإن كلمة «ثج» في المعاجم تنصرف إلى ألف معنى ومعنى من حيث الخطورة وسوء الخلق وانحراف السلوك. ها هو المجمعي المصري الراحل البروفيسور مجدي وهبة يطلق على هذه الكلمة أوصافاً من قبيل:


        قاطع الطريق.. السفاك.. السفاح.. الصعلوك.. العيّار.. الفاتك.. القبضاي.. البلطجي.. إلى آخر نعوت الشر وأوصاف الإجرام.. مع ذلك فلم تنشأ مثل هذه الكلمة من فراغ.. إن لها أصلاً يعود إلى الهند.. بالتحديد إلى شمال شبه القارة الهندية.


        حيث عاشت فرقة دينية لم يتورع أعضاؤها عن عبادة (كالي) أو (قالي) وهي ربة الموت التي لم يكن من سبيل لنيل رضاها سوى بتقديم قرابين - لا من لحوم الحيوان أو الطيور .


        كما شاعت في ديانات قديمة منقرضة - ولكن من جثث الضحايا من البشر الذين لم يتورع أعضاء هذا المذهب الملعون عن خنقهم - الأمر الذي دخل معهم أعضاء هذه النِحلة.. دفتر أحوال التاريخ على أنهم جمعوا بين سفك الدماء من ناحية والتعيش على ممتلكات ضحاياهم التعساء من ناحية أخرى.. بمعنى أنهم صعاليك.. منحرفون..


        وقتلة سفاكون وأيضاً سراق نهابون.. أما اللقب الذي عرفوا به في بلادهم فهو فانسيغار ومعناها الخنّاقون.. ولكن الانجليز الذين كانوا يحكمون الهند منذ القرن الثامن عشر أطلقوا عليهم وصف الغشاشين (ثج) وكان ذلك - كما تقول موسوعة كولومبيا الأميركية في عام 1810..


        وبعدها عمد حكام الإنجليز إلى مطاردة هؤلاء الأشرار السفاحين وإبطال ممارساتهم الوحشية إلى أن أمكن استئصال شأفتهم بحلول عام 1840 بعد أن ظلت هذه الطغمة من القتلة تجوب أراضي الهند وتعيث في أطنابها فساداً وإزهاقاً للأرواح واستحلالاً للممتلكات على مدار 300 سنة أو أكثر.. تقول الموسوعة البريطانية أنهم كانوا يخادعون المارة والمسافرين عبر الطرق والمسالك.. يصادقونهم ويتقربون إليهم..


        وحين تسنح الفرصة، والقوم آمنون أو غافلون.. يسارع هذا الثج - الغشاش حرفياً -إلى إلقاء منديل يحيط به رقبة وفم الضحية.. تمهيداً لخنقه أو خنقها.. وتبرئ الموسوعة الرصينة تراث الإسلام وجماعات مسلمي الهند من شبهات الارتباط بأصل هذه الفرقة الشريرة التي كان لأفرادها طقوسهم البربرية البعيدة عن كل ملة ودين..


        وكانوا يستخدمون حلوى السكر في تلك الطقوس ويستخدمون مصطلحات وألفاظاً وإشارات يتعارفون بواسطتها وفي سرية كاملة. ويقال ان عددهم حين واجههم لورد بنتنك حاكم الهند العام في ثلاثينات القرن 19 وصل إلى 3266 شقياً سفاحاً تم القبض عليهم وشنق منهم 412 بينما تحّول 483 إلى شاهد ملك عميلا للدولة فيما سيق الباقون إما للسجن أو إلى النفي خارج البلاد.


        ثيوقراطي: وصف لأي نظام للحكم يعود بالسلطة السياسية، لا إلى جماعة المحكومين (الديمقراطية) ولا حتى إلى شوكة الانفراد بمقاليد الحكم (الشمولية) ولا إلى تقاليد الحكم الموروث (الملكية الوراثية) بل يردّ السلطة إلى أساس ديني أو غيبي يصل إلى درجة إضفاء قدر يزيد أو يقل من القداسة على الحاكم وبحيث تصبح أوامره ونواهيه.. إرادته ومشيئته أموراً لا سبيل إلى مخالفتها وإلا كان في الأمر مخالفة لعقيدة دينية أو تحد لما قضت به السماء..


        يحتفظ التراث الشعري العربي بقولة شاعر أراد أن يوغل في نفاق الحاكم فكان أن أرسل قصيدة رائية غاية في السخف والمداهنة وجّهها إلى الخليفة الفاطمي في مصر المعز لدين الله (931 - 579 ميلادية) قائلاً:


        ما شئت، لا ما شاءت الأقدار


        فاحكم فأنت الواحد القهار


        وسبحان الله عزت صفاته وتباركت آلاؤه(!) ولم يكن الشاعر وحده في مثل هذا المضمار أن نظام الحكم الثيوقراطي كان يقول حتى أواخر عصر الاستعمار التركي ان السلطان العثماني هو ظل الله في الأرض ولم يكن الشرق المسلم بدعاً في هذا.. بل جاوبته إدعاءات الباباوات في روما بأن رؤوس الكنيسة الكاثوليكية في ال؟اتيكان يحكمون.. ويحكم معهم ملوك أوروبا منذ العصر الوسيط إلى مطالع العصر الحديث بمقتضى الحق الإلهي «المقدس» للملوك.


        أين هذا من قولة الصديق أول خلفاء المسلمين أيها الناس - لقد وليت عليكم ولست بخيركم.. فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فلا طاعة لي عليكم.


        من هنا تمّيز المراجع الثقات - الموسوعة العربية مثلا - بين هذا الإدعاء بقداسة الحاكم.. فرعوناً كان أو إمبراطوراً في روما أو ملكاً لفرنسا أو قيصراً في ألمانيا أو عاهلاً دينياً في الفاتيكان أو حتى سلطاناً تركياً في اسطنبول، وبين صحيح الخلافة الإسلامية التي تختلف عن هذه الألوان من الحكم الثيوقراطي حيث ان الخليفة ما هو إلا عبدالله الذي يتولى مسؤولية السهر على مصالح الرعية وقضاء حوائج المسلمين وإقامة الشرع بأوامره ونواهيه على هدى من القرآن والسنة.


        في كل حال.. فالمصطلح يستمد أصوله بداهة من مقطعين.. ثيو وهو اسم زعيم الأرباب المعبودة عند اليونان - زيوس (هو أيضاً جوبتر عند الرومان) وكراسي ومعناها أصول الحكم ومناط الدولة والسياسة. والمعنى هو الحكم على أساس دولة دينية ومن أمثلتها الفاتيكان.. بل يكاد يكون من أمثلتها الكيان الصهيوني في إسرائيل الذي لا يلبث يعلن قادته أنهم يريدون دولة خالصة لليهود بمعنى أن يقيموا كياناً سياسياً ونظاماً للحكم على أساس ديانة المحكومين وهو أمر يتنافى مع شرعة حقوق الإنسان.


        ومن عجب أن كان المفكرون السياسيون يتصورون أن الزمان لم يعد يسمح بحكاية ثيوقراطية الدولة الدينية بهذا المعنى ولا بإضفاء أي قداسة على أي بشر أيا كان موقعه في مصفوفة الحكم - إلا أن فصيل المحافظين الجدد الذي وثب مع مطالع القرن الجديد الحالي إلى حكم أمريكا - أعاد إلى الأذهان شعارات الثيوقراطية، سواء المستمدة من التراث الديني.


        أو التي عمدوا إلى مزج أصولها المسيحية بأصول يهودية - صهيونية أو بإعلان أركان البيت الأبيض أن الرئيس بوش يتصرف أحيانا بإلهام خاص من لدن السماء(!).. لهذا عمد كاتب أميركي كبير هو كي؟ين فيلبس إلى إصدار كتاب يحذر فيه من الإمعان في هذا المجال.. الذي يتنافى مع حرية الاختيار الديمقراطي ومع حرية الاجتهاد الإنساني واختار لكتابه الصادر في ربيع عام 2006 الحالي العنوان المباشر التالي:

        تعليق

        • محمد زعل السلوم
          عضو منتسب
          • Oct 2009
          • 746

          #5
          جيتو.. جمبو.. جيلوتين حارت فيها أفئدة اللغويين

          «نانوبيديا» -الحلقة السادسة
          جيتو.. جمبو.. جيلوتين حارت فيها أفئدة اللغويين
          بقلم :محمد الخولي



          حارت في أصلها أفئدة اللغويين، منهم من أرجعها إلى لفظة «جت» العبرية التي تفيد معنى الطلاق أو هو الفصل أو الانفصال بين الأطراف، ومنهم من استقر على أن الكلمة أصلا في اللغة الإيطالية مستقى من لفظة جيدشيا التي تشير الى حي اليهود في أي مدينة.. ومنهم من توقف أيضا عند الأصول الإيطالية لنفس الكلمة ليرجع بها إلى لفظة كانت تستخدم قديما في مدينة البندقية لتشير إلى صهر المعادن أو مسابك تشكيل الحديد وهي لفظة «جيتو»®.


          وفي هذا السياق كان البنادقة يشيرون إلى مصنع «الجيتو» الذي كان ينتج المدافع.. ويضيف المؤرخون أن يهود البندقية كان يطلب إليهم منذ عام 1516 أن يقيموا كجالية في جوار مصانع المدافع.. الجيتو وكان القوم يطبقون في ذلك تعاليم البابوات ـ البابا بولس السادس بالذات الذي أصدر مرسوما في عام 1555 بالفصل بين أتباعه المسيحيين وبين سائر أهل الملل والعقائد ومنهم اليهود بطبيعة الحال.


          دخلت كلمة «جيتو» إلى اللغة الانجليزية منذ عام 1611 لتصدق أيضا على الأحياء التي اختارها اليهود ـ أو اختيرت لهم كي يقيموا فيها بمعزل عن الآخرين، وفي إطار نوع من الإدارة الخاصة أو التسيير الذاتي من حيث ممارسة الطقوس الدينية أو التعليم أو المهن والحِرف أو تنظيم العلاقات والفعاليات الاجتماعية.


          وتراوحت هذه الأماكن بين شارع محدود يطلق عليه في المشرق مثلا اسم «حارة اليهود» وبين أحياء بأكملها تضم تجمعات حضرية حيث درج اليهود على الإقامة في المدن واحتراف مهن دقيقة ومريحة بدنيا ولكنها تدر أرباحا طائلة ومنها مثلا حرفة الجواهرجي وفي هذه الحالة كانت الحواضر الألمانية ـ فرانكفورت مثلا تضم «جودنستاد» ومعناها مدينة اليهود.


          حالة عقلية ونفسية


          وهناك من المحللين من يربط بين هذه الأوضاع وبين نزوع اليهود على مدى مراحل تاريخية شتى إلى الانعزال والتقوقع والانكفاء على الذات.. تأمل مثلا أحياء قاع اليهود في مدن اليمن القديمة.. تأمل أيضا ما ارتكبه يهود خيبر وبنو قينقاع إذ كانوا يحتمون بحصونهم وقلاعهم المعزولة ومنها كانوا يحيكون المؤامرات التي سجلها التاريخ ضد الإسلام والمسلمين..


          تأمل في زماننا المعاصر ما يعلنه قادة المشروع الاستعماري الصهيوني من رغبة في تنقية إسرائيل بأسلوب التطهير العرقي لتصبح كيانا يهوديا خالصا ومتخلصا من سائر الأعراق والأديان..


          ولا يهم بعد ذلك أن يتم طرد أو تشريد أو اغتيال الفلسطينيين وهم سكان البلاد الأصلاء.. وأما الخطط البديلة لتكريس المعزل ـ الجيتو اليهودي في إسرائيل فتحمل عنوان الترانسفير بمعنى الإزاحة الديموغرافية لعرب فلسطين إلى مواقع مجاورة..


          إلى الشرق أو إلى الجنوب ما أمكن وهو ما يرادف خلق جيتو عربي ـ فلسطيني بديل.. تأمل أخيرا بناء سور عازل يكرس الجيتو الاستيطاني الاستعماري ليهود إسرائيل أو هو الجدار الحديدي الذي سبق ونادى به الإرهابي القديم، جابوتنسلي الذي كان من قادة حركة الاستيطان للمشروع الاستعماري في فلسطين.


          يشير المحللون أيضا الى أن الجيتو لم تعد مجرد حي لليهود.. يضم أبنية وشوارع ومرافق وحارات.. لقد أصبحت الجيتو «حالة» أو «عقلية» أو أسلوبا للتفكير يقوم بالأحرى على أساس ابتزاز الشعوب وإرهابها فكريا وتحميل بعضها (الألمان بالذات) عقدة ذنب مزمنة ومطلوب إدامتها إزاء اليهود بدعوى أن أجيالا سبقت في تلك الشعوب مارست الاضطهاد بحق اليهود.


          ويرتفع في هذا السياق شعار «معاداة السامية» الذي مابرح سيفا مشهرا في وجه أي منصف من الساسة أو الأدباء أو الفنانين.. وقد بلغ هذا الإمعان في الترهيب والتشهير الحد الذي دفع أكاديميا أميركيا ويهوديا أيضا الى نشر كتاب أصدره عام 2005 بعنوان «هذا الاستغلال لمعاداة السامية وهذا التشويه للتاريخ» .


          وهو من تأليف البروفيسور نورمان فنكلشتاين الذي سبق وأصدر مع مطلع القرن الحالي كتابا ذاع صيته بعنوان لا تخفى دلالته وهو «صناعة الهولوكوست» ويقصد به بداهة الارتزاق والتربح من مقولة اضطهاد اليهود. من جانب آخر ـ كان من الطبيعي أن يتوسع استخدام لفظة «جيتو» بعيدا عن الاقتصار على السياق اليهودي..


          وهكذا أصبح كل حي معزول جيتو.. وكل تفكير انعزالي جيتو.. ومن هنا يشير المحللون الأميركان مثلا إلى حي هارلم في مدينة نيويورك بأنه جيتو السود أو جيتو الزنوج الذين يسمونهم أحيانا بالأفرو ـ أميركيين من باب اللباقة والتخفيف.


          جمبو:


          بديهي أنها تنصرف الى كل ما هو كبير بل فائق الحجم.. سواء في مجال الطائرات العملاقة التي تتبارى في تصميمها وبناء صروحها مصانع الطائرات.. العملاقة أيضا في العالم.. أو سواء في أحجام بعض المأكولات التي يرد تصنيفها تحت هذا المسمى في قوائم الطعام ولاسيما «روبيان الجمبو» الذي مازال طبقا مفضلا ومرتفع الثمن كذلك لدى بعض الذواقة للأطعمة البحرية..


          يعود أصل الكلمة إلى لغة البانتو في وسط وجنوب أفريقيا.. ومن المصادفات أنه ناشئ بدوره عن قوائم الطعام.. الشعبية طبعا فليس في غابات شعوب البانتو مطاعم فاخرة ولا قوائم مذهبة الحروف لصنوف الطعام..


          قصاراهم أن يقدموا لزائريهم حساء سميكا مؤلفا من قرون البامية ممزوجة بأنواع الخضراوات ولا بأس من إضافة أي لحوم متوافرة أو أي أسماك تسمح بها الظروف، وهم يطلقون على هذا الخليط اسم «جمبو» وربما من واقع كل هذه المزيج من مواد الحيوان والنبات بدأت الكلمة تكتسب معنى الكثرة أو التعدد.. لكنها دخلت اللغات الأوروبية لتدل على معنى الضخامة أو حتى العملقة..


          من خلال حادثة كان مكانها بالذات منطقة غرب أفريقيا وكان زمانها تحديدا هو أواخر عام 1869 وكانت مناسبتها الخاصة هي نجاح فريق من قناصي الحيوانات في اصطياد أضخم فيل شهده أهل المنطقة من الوطنيين وعاينه محترفو صيد الغابات من الوافدين من الأصقاع الشمالية في أوروبا أو أميركا: السكان الأفارقة لمحوا الفيل العملاق.. فكان أن حرك بين جوانحهم خوفا بل رعبا إزاء جرمه الهائل لدرجة أن صاح كبيرهم هاتفا وخائفا أيضا.


          لقد تقمصته الجمبو.


          وكان يقصد في لغتهم المحلية أن حلت في جسده الهائل الروح الشريرة التي يخشاها أهل الغابات. من ناحيتهم، الصيادون وتجار الحيوانات المأسورة سمعوا كلمة «جمبو» ولم يفهموا معناها الذي ينصرف إلى شياطين الغابة الأفريقية.. فتصوروا أنها اسم أطلقه المواطنون على الصيد الثمين.. السمين، هنالك حثهم كبيرهم على أن يبادروا بشحن زجمبوس إلى لندن .


          حيث أودعوه نزيلا في حدائق حيوان جلالة الملكة ؟كتوريا وتوافد على مشاهدته آلاف الزائرين دون أن يتعرفوا على أصل تسميته التي أشرنا إليها، وهي التسمية التي لم تكن لتدخل قواميسنا المعاصرة لولا ذكاء متعهد أميركي شاطر اسمه تايلور بارنوم أراد أن يؤسس سيركا لألعاب الحيوان ورياضات البشر فكان أن اشترى الفيل الأفريقي العملاق في عام 1882 ونقله إلى سيرك فلادلفيا بأميركا.


          وعلى طريقة الأميركان نظم حملة بروباجاندا للترويج لنجم نجوم السيرك.. الفيل.. جمبو.. الذي أصبح اسمه ذائعا وتداولته العائلات والأمثال الشعبية الأميركية عَلَما على كل ما هو ضخم وعملاق. ومازال الناس يتداولون اسم الروح الأفريقي الشريرة ـ جمبو بعد أن نسوا الفيل الأصلي فكان أن توسعوا في استخدام الاسم في أغراض شتى.. ابتداء من الطائرة العملاقة.. وليس انتهاء بأحجام الروبيان المشوية أو المقلية التي يسيل إزاءها اللعاب.


          جيلوتين:


          في متن العربية الشريفة، يقال «قصل» الشئ أي قطعة.. ويقال سيف قاصل بمعنى قاطع بتّار.. ومن هنا استقوا اسم المقصلة أي آلة القطع ـ شفرة السكين الحادة المرهفة التي تهوي على عنق المذنب فتفصل عنه الرأس في لحظة الإعدام والعياذ بالله..


          ويشاء السميع العليم أن يكون الإعدام وأساليب تنفيذه موضع مداولة وحوار سياسي وقانوني في أروقة الجمعية الوطنية الفرنسية غداة ثورة الباستيل - ثورة فرنسا الكبرى في 14 يوليه عام 1789.. يومها حار القوم في كيفية إعدام من اتهموهم أيامها ـ حقا كان أو باطلا ـ بأنهم خصوم الثورة.. أعداء الشعب..


          قال قائلهم: إن الإعدام يتم للمدنيين بواسطة المشنقة.. وقال آخرون انه يتم بالنسبة للعسكريين بإطلاق الرصاص بواسطة طابور من الجنود.. ولكن نائبا في البرلمان الفرنسي دفع بأن حكاية المشنقة تفتقر في رأيه إلى الرحمة بالمذنب المسكين وأن الأمر بحاجة إلى آلة رحيمة!


          بمعنى شديدة الإرهاف تجهز على «الضحية» وتنهي المسألة في ثوان معدودات. هنالك برز اسم جوزيف أجناز جيولتين استمع إليه النواب الثائرون يوم 10 أكتوبر عام 1789 حين وقف خطيبا يروج للآلة «الرحيمة» التي اخترعها سيادته من أجل تنفيذ أحكام الإعدام التي كانت محاكم الثورة تصدرها بالجملة تحت طائلة اتهام أو شبه اتهام.


          السيد جيلوتين لم يكن ضابطا فظا ولا كان ثورجيا محترفا.. ولا حتى قانونيا غليظ القلب.. كان طبيبا ينشد مزيدا من السرعة وقليلا من الألم في لحظة التنفيذ وهكذا استعاضوا عن الحبل والأنشوطة بالسكين القاطع يهوي لحظة الشد على الرقبة فيفصل الرأس الذي يسقط بدوره في سلة وسط تهليل(!) المتفرجين الذين كانوا وقتها يقبلون على مشاهدة تشغيل المقصلة بشغف شديد لزوم التسلية تارة ولزوم التشفي في ظالميهم من الكونتات والكهان والمركيزات وسائر أهل الارستقراطية تارة أخرى..


          ولقد أبدع في وصف هذه المشاهد من أحداث الثورة الفرنسية الأديب الانجليزي الأشهر تشارلس ديكنز (ت 1870) في روايته التي حملت عنوان «قصة مدينتين» وقد دارت أحداثها بين لندن وباريس.


          ويقال ان المشاهد الدموية التي أسفرت عنها حوادث الثورة الفرنسية كان قد استوعبها ضابط عربي شاب قاد ثورة في بلده ورفع رواية ديكنز في وجه زملائه رافضا أي عنف دموي بحق أركان النظام البائد قائلا لرفاقه: إن الدم لا يولد سوى الدم.. وهذا الثائر اسمه جمال عبدالناصر وكان من قراء ديكنز ومعجبيه.


          المهم أن المقصلة الفرنسية الرهيبة ارتبطت دائما باسم مخترعها الدكتور جيلوتين.. والأهم أن لم تنافسها آلة مماثلة اسمها اللوازيت اخترعها أيضا الدكتور أنطوان لويز سكرتير كلية الجراحين الفرنسية..


          بقيت جيلوتين مرتبطة باسم مخترعها الطبيب الثائر الذي توفي عام 1814.. عبثا حاول أبناؤه أن يفصلوا اسم أبيهم الراحل عن تسمية المقصلة الرهيبة.. لم يسمح لهم المسؤولون بهذا التغيير ولكن سمحوا لهم بشئ آخر هو:


          أن يغيروا اسم عائلتهم ويتخذوا لأنفسهم لقبا جديدا وبعيدا عن حكاية سكين رهيب اسمها:«الجيلوتين».

          تعليق

          • محمد زعل السلوم
            عضو منتسب
            • Oct 2009
            • 746

            #6
            حكمة.. حرس.. حضارة

            نانوبيديا» - الحلقة السابعة
            حكمة.. حرس.. حضارة




            دائرة معارف مصغرة في 30 حلقة عن مصطلحات ومسميات عاشت في زماننا، الحكمة هي موافقة الحق وضالة المؤمن وذكرها القرآن في 20 موضعاً، من هنا نقدم سبيكة معرفية نحكي فيها عن أصول الكلمات والمصطلحات والمفاهيم التي يستخدمونها في حياتنا الراهنة..


            من الانجليزية الى العربية. ومن خلال هذا الجهد الذي استغرق مراحل زمنية مطولة وعمد الى استشارة مراجع متخصصة شتى.. آثرنا أن نعرضه على شكل موسوعة عربية مصغرة نانو موسوعة رتبناها على حروف الأبجدية العربية من الألف الى الياء بحيث نخّص كل حرف منها بثلاثة مصطلحات يطالعها القارئ الكريم على امتداد أيام رمضان المعظم.


            حكمة: هي ضالة المؤمن - بمعنى هدفه الذي يسعى إليه وغايته التي ينشدها على نحو ما جاء في الأثر الشريف. والحكمة في معجم اللغة هي موافقة الحق.. ولكنها في معناها الأشمل ترادف الفلسفة. وقد احتفل بها القرآن الكريم فأوردها في 20 موضعا ولكن حسب معان وأغراض شتى ويعرفها مولانا القرطبي (في الجامع لأحكام القرآن) بأنها المعرفة بالدين والفقه في التأويل والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى..


            ولكنه ينقل عن مالك وقتادة وإضرابهما من رواد التفسير أن الحكمة هي: بيان الشرائع.. أو هي الحُكم والقضاء. ومن حيث أسلوب الدعوة إلى «سبيل ربك» يفسر شيخنا المفسّر الجليل الحكمة والموعظة الحسنة بأنها «الدعوة إلى دين الله وشريعته بتلطف ومن دون مخاشنة أو تعنيف»، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة (وهذه إشارة لطيفة، وحكيمة بدورها تومئ إلى تجنب المخاشنة التي قد نصادفها في زماننا الراهن في خطاب الوعظ أو التنّطع في مجال التوجيه والإرشاد).


            وربما ارتأى رواد الحضارة العربية الإسلامية - خاصة في العصرين العباسي الأول والثاني - أن يترجموا مصطلح «فيلوسوفي» عن اليونانية إلى مصطلح الحكمة في اللغة العربية.. كانوا يدركون عن علم بأن فيلوسوفي تعني عن اليونانية محبة (فيلو) والحكمة (سوفي) أو بالأدق (صوفي) حيث أن الكلمة منسوبة إلى صوفيا وهي آلهة الحكمة في حضارات الأقدمين -،


            وحيث تعرفّها المعاجم المحدثة بأنها الاشتغال ببحث الحقيقة الكبرى وبتدارس العلل والأسباب والمبادئ والقواعد التي تحرك نواميس هذا الكون الذي نعيش فيه والتعمق في ظواهرها وأنماط حركتها وتأمّل العلاقات التي تربط فيما بينها.. ويرجع الفضل إلى الفلسفة بمعنى محبة الحكمة والشغف بها إلى سنة 600 للميلاد تقريبا (على نحو ما تقول الموسوعة الأمريكية).


            أما الموسوعات والبحوث العربية فتضفي على هذه المباحث جميعا عنوان «الاشتغال بالعلوم العقلية، في حين يرى البروفيسور الانجليزي نيكلسون (في التاريخ الأدبي للعرب) أن العرب، من مسلمين وغير مسلمين، عمدوا إلى التواصل مع ثقافة اليونان واللاتينية منذ فجر الفتوحات الإسلامية وكان لتشجيع الحكام أثر بالغ في تعزيز الاشتغال بالدراسات الفلسفية والعلوم العقلية ومن ثم البحوث المختبرية والتطبيقية مما أثمر نهضة شاملة في مجال التنظير والتطبيق على السواء.


            ومثل كل أمة تنهض.. بدأ المسلمون بالترجمة تمهيدا لاستيعاب وهضم ما كانوا يترجمون. ويحدثنا العلامة الراحل حسن إبراهيم (في موسوعته عن تاريخ الإسلام بأجزائها الخمسة) عن خالد بن يزيد بن معاوية وهو من فروع الأسرة الأموية الحاكمة، وقد شغف بالعلوم فكان «أول من عني بنقل علوم الطب والكيمياء إلى العربية ودعا جماعات من اليونانيين المقيمين في مصر وطلب إليهم ترجمة أمهات الكتب اليونانية التي عنيت بصناعة الكيمياء العملية».


            يحفظ التاريخ أيضا سفرا من الأسفار القديمة الذي يحمل اسم «حكمة سليمان» وهو من كتب العهد التوراتي القديم ويضم عظات ونصوصا تتصل بخلود النفس وعبرة الخلق في الحياة الدنيا وما بعدها، وهو أقرب شبها إلى أسفار أيوب المفعمة بألم المعاناة البشرية، أو إلى الأسفار الأخرى التي تحفل بالأمثال التي تقّرب الحقيقة ودروسها المستفادة إلى أفهام عامة الناس.


            وكل مشتغل بهذا اللون من الصناعة العقلية يندرج في سلك الحكماء.. وقد اصطلح التراث اليوناني على قوائم بأسمائهم لعل أشهرها قائمة الحكماء السبعة الذين يوليهم اليونان والعالم كل توقير، وأشهرهم اثنان هما الفيلسوف طاليس (ت 546 قبل الميلاد) الذي يرجع إليه الفضل في ترشيد أو تعقيل العلم بمعنى تخليص الفكر العلمي من أوشاب الخرافة.. فضلا عن تكريسه لعنصر الماء في الكون وفي حياة البشر حيث كان يرد الأشياء كافة إلى الماء، وكأنه بفطرة سليمة أدرك ما جاء به الكتاب الكريم حين قال: «وجعلنا من الماء كل شيء حي».!


            أما الحكيم الثاني فهو سولون (ت عام 559 قبل الميلاد) الذي يرجع إليه الفضل في وضع الأسس والمبادئ التي قامت عليها القوانين والتشريعات التي تنظم العلاقات الاجتماعية على أساس من العدل والنُصفة بين فئات المجتمع، وهو ما أرسى ركائز ما أصبح يعرف بالممارسة الديمقراطية وأهمها توضيح وتوزيع الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع.


            حرس: عندما أوفدوا رفاعة الطهطاوي خريج الأزهر الشريف في مصر إلى باريس، وكان ذلك عام 1826 استرعى اهتمامه ظاهرة كانت تموج بها العاصمة الفرنسية خلال إقامته التي امتدت نحوا من 4 سنوات.. لم يتورع الصعيدي الأزهري القادم من قاهرة - محمد علي عن إطلاق عبارة يصف بها تلك الظاهرة.. والعبارة تقول:


            وكم كانت حيرة قراء ودارسي الكتاب الذي وضعه الطهطاوي عن رحلته تلك بعنوانه الشهير «تخليص الإبريز..» فالعبارة تبدو للقارئ المتعجل أنها تتصل بالحياء وتشير إلى علاقات حميمة بين رجل وامرأة، ولم يكن هذا الأمر ليخطر ببال رفاعة من قريب أو بعيد.. لقد عاش في باريس وهي على أبواب حركة تمرد أهلية، وقومية تبلورت فيما أصبح يسمى بثورة لويس فيليب عام 1830..


            وكان طبيعيا أن تتشكل وقتها تنظيمات شبه عسكرية - ميليشيات شبه مسلحة رآها الطهطاوي وظل يرصد تحركاتها وتدريباتها ومدى تأثيرها في مجتمع فرنسا في ذلك الزمان. ولما سأل عن اسم هذه التشكيلات أجابوه بأن اسمها هو «جندارم ناسيونال» ولما حاول ترجمة المصطلح إلى العربية لم يجد سوى كلمة «خفير» للكلمة الأولى وكلمة «جنسي» أي حامل للجنسية بمعنى من رعايا فرنسا ولا ينتمي إلى أرومة أخرى أو إلى وطن أو جنسية أجنبية. وما كان الطهطاوي يدرك وقتها أنه يتكلم عن «الحرس.. الوطني» الذي اختار له - كما أسلفنا وصف الخَفَر.. الجنسي!


            وما كان الطهطاوي يعرف أيضا أن تشكيلات وتنظيمات هذا الحرس الوطني لها تاريخ يرجع قبل وفوده إلى باريس بنحو جيل من الزمن.. وهي تشكيلات لها تاريخ غريب في حياة فرنسا بدأت باقتراح من مير أبو خطيب الثورة البليغ الشهير عام 1789 وكان هدفها جمع صفوف المتطوعين من أجل حماية الثورة الفرنسية وأوكلوا قيادته إلى المركيز لافاييت الذي كان له دور في حركة استقلال أمريكا وكانوا يعدونه من أهل الارستقراطية المؤيدين لنظام الثورة الجديد في باريس.


            مع ذلك فقد سرحوا قوات الحرس الوطني تحت طائلة اتهامها بأنها يمكن أن تناصر أركان نظام البوربون الملكي القديم. مع ذلك أعاد نابليون تلك التشكيلات التي ظلت تؤدي دورا مؤثرا في كل الانتفاضات التي شهدتها فرنسا على مدار القرن التاسع عشر. أمريكا لديها قوات الحرس الوطني ويقال أنها كانت الملجأ.. الجراج.. أو الملاذ الذي كان كبار الساسة وأركان المجتمع الأمريكي يلجأون إليها لإلحاق أبنائهم بصفوفها بدلا من تجنيدهم إجباريا للخدمة في مسرح العمليات في ؟يتنام.


            إذن كان هناك الواسطة والمحسوبية واستغلال النفوذ.. وهذا بالضبط ما يشير إليه خصوم الرئيس الحالي بوش بأصابع الاتهام.. حيث تهيأت لبوش - الشاب سبل خدمة عسكرية مريحة في سلك الحرس الوطني إلى جوار أسرته وفي إطار من الدعة والأمان.. وبهذا أنقذوه - يقول الخصوم - من خطر التجنيد في مجال الحرب الحقيقية والقتال الشرس الذي خاضه أبناء جيله في حقول الموت بالشرق الآسيوي البعيد.. وكان الفصل بالطبع لمؤسسة الحرس الوطني أو.. الأهلي.. الخَفَر الجنسي كما وصفه رفاعة الطهطاوي منذ 175 سنة أو نحوها من عمر الزمان.


            حضارة: حارت الأفهام في إيجاد تعريف جامع مانع لمصطلح «حضارة» اللهم إلا إذا أوردت المعاجم الرصينة عدة مرادفات لها من قبيل: ثقافة.. نماء فكري.. صقل ودقة وتهذيب لأساليب الحياة.. بناء وتطور ونضوج.. خبرة متعمقة ودراسة منسقة واعية بأحوال العالم.. صعود في أكثر من مضمار.. حالة تدفع إلى التجديد وتشجع على الابتكار وتعزز روح الإبداع.. نهوض عام في شتى نواحي الحياة.. إمكانية السيطرة على موارد الطبيعة وتدجين أو ترويض عناصرها الصعبة أو العصّية أو المتمردة الجامحة..


            شيوع الروح الإنسانية بكل شمائلها الايجابية من رقة الحاشية ومشاعر التعاطف والتراحم والتفاهم واحتمال كل طرف لسواه (قبول الآخر بتعبيرات عصرنا).. التحول من حال الهمجية إلى حال النظام الاجتماعي المستقر والقابل للتحسن.. انتشار التعليم والحث على التعلم وإتاحة سبل نقل أو انتقال المعارف النظرية والتطبيقية..


            الفكرية والامبريقية (الميدانية - العملية) من جيل من البشر إلى أجيال تأتي من بعده وتتواصل معه.. فضلا عن ممارسة هذا الانتقال أو هذه الوصايا المعرفية أو هذا الإرث من الخبرات والتجارب التاريخية لا من خلال جهود لأفراد أو حتى لتجمعات بشرية.. بل من خلال جهود مؤسسية وبأساليب منهجية تتم من خلال عملية متسقة ومنتظمة وتقوم على أمرها مؤسسات متخصصة يأتي في مقدمتها مؤسسات التعليم والبحث العلمي والتطبيق التكنولوجي والاتصال الاعلامي وما في حكمها.


            وفي عربيتنا تترادف كلمة «حضارة» مع كلمة «مدنية» وتشير كلتاهما إلى التحول من أوضاع البداوة بمعنى الترحل وعدم الاستقرار إلى أوضاع التحضر بمعنى الانتقال من مجتمع البادية غير المستقر إلى مجتمع الحضارة - المدنية الذي يتيح بفضل استقراره إمكانية التطور والنضوج والترقّي وسبل التواصل والاستمرار أما في لغات الغرب فيشنقون لفظة الحضارة من الجذر اللاتيني سيفيكوس ويشير إلى حال المواطنة ويفيد بوضعية الفرد الذي يتمتع بمركز المواطن في إمبراطورية روما القديمة وهو الإنسان الحر (ضد العبد الرقيق) ويشتقون من نفس المادة مصطلح سيفيك الذي يفيد بدوره بمعنى وعي الفرد والجماعة بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.


            وسواء أخذنا بمصطلح حضارة أو مصطلح مدنية فكلاهما يفيد بمعنى التقدم والنهوض.. ولعل هذا هو الذي دفع الرائد الصحفي جورجي زيدان (مؤسس دار الهلال بالقاهرة) أن يؤرخ للحضارة العربية الإسلامية في 5 مجلدات اختار لها عنوان «تاريخ التمدن الإسلامي».


            من ناحية أخرى تزدان الثقافة الانجليزية الحديثة بعمل فكري جامع وشامل عمل على دراسة الحضارات الإنسانية وأنصف من بينها حضارة وثقافة المسلمين.. وقد بدأ مؤلفه البروفيسور «أرنولد توينبي» في تصنيفه في عام 1922 بعنوانه الشهير «دراسة في التاريخ» وأودعه دراسته العميقة والمنصفة إلى حد كبير لما يقرب من 27 من حضارات الإنسانية وهي دراسة راصدة وثاقبة لمسار تلك الحضارات ما بين صعودها إلى اضمحلالها وزوالها وتلك سّنة الله في خلقه على مر العصور.


            تقول الموسوعة البريطانية: كان الأستاذ توينبي يرى أن الحضارات تتحرك وتنمو وتكتهل بمنطق التحدي الذي يواجهها والاستجابة التي تختارها لمواجهة ذلك التحدي. وعلى خلاف المفكر الألماني شبنجلر (صاحب كتاب سقوط الغرب) لم يكن توينبي يرى أن سقوط الحضارات أمر حتمي.. وفيما كان كارل ماركس يرى أن تاريخ الحضارات تحركه أساسا العوامل المادية كان توينبي يرى أن الحضارات تحركها عوامل روحية تتمثل في أشواق الإنسان نحو الأفضل والأجمل والأرقى.. والله أعلم.


            يكتبها : محمد الخولي

            تعليق

            • محمد زعل السلوم
              عضو منتسب
              • Oct 2009
              • 746

              #7
              خيار .خاكي .خضر

              «نانوبيديا»
              خيار .خاكي .خضر




              من هنا نقدم سبيكة معرفية نحكي فيها عن أصول الكلمات والمصطلحات والمفاهيم التي يستخدمونها في حياتنا الراهنة.. من الانجليزية الى العربية. ومن خلال هذا الجهد الذي استغرق مراحل زمنية مطولة وعمد الى استشارة مراجع متخصصة شتى.. آثرنا أن نعرضه على شكل موسوعة عربية مصغرة نانو موسوعة رتبناها على حروف الأبجدية العربية من الألف الى الياء بحيث نخّص كل حرف منها بثلاثة مصطلحات يطالعها القارئ الكريم على امتداد أيام رمضان المعظم.


              خيار هوبسون: زمان، قبل أيام القطار والسيارة، كانت الطرق تستقبل عربات الخيول أو حتى البغال لنقل الركاب والبضائع.. في انجلترا أواخر القرن 16 وبواكير القرن 17.. كان طريق لندن العاصمة وكامبرد، المدينة والجامعة، يشهد زحاما شديدا من كثرة عربات نقل المسافرين والسلع وما إليها.. وكان السيد توماس هوبسون من متعهدي نقل الركاب وحصل على ترخيص يسمح له بتسيير خط من عربات الخيول التي كان يحتفظ بإسطبل يضم 40 جواداً منها ويستخدمها - بشطارة مرموقة - إما لجر عربات الخط البري المنتظم التي يملكها، أو لتأجير بعض الجياد لطلاب جامعة كامبرد من هواة الفروسية..


              وكان المتعهد يؤجر لهم الجياد التي لم يكن عليها الدور في تسيير العربات.. لكن أحيانا كانت تثور مشكلة أن الطالب الجامعي المحترم كان يطلب جوادا بعينه.. في حين يكون هذا هو الحصان المطلوب في نوبة تشغيل لعربات النقل بين الجامعة والعاصمة الانجليزية..


              من هنا - وبعقلية تنظيمية معروفة عن قومه - اصطنع السيد هوبسون نظاما جديدا يشمل جدولا دقيقا لتناوب التشغيل والاستخدام بالنسبة لكتيبة الخيول العاملة في مشروعه، وكان القصد الأساسي من النظام هو عدم التفرقة بين الزبائن المحترمين وعدم التمييز أو الإجحاف في معاملة الجياد.. المحترمة كذلك في ذلك الزمان.. يأتي الزبون ليطلب جوادا يمتطيه.. يشير المتعهد إلى الجواد الخالي من الشغل.. والذي أصبح عليه الدور.. بوصفه الحصان الذي يمكن استئجاره وإلا فلا جواد ولا استئجار من الأساس.


              هكذا كان المعنى هو: إما أن تختار ما أمامك وإلا فلا خيار متاح على الإطلاق.. تلك كانت قاعدة متعهد النقل بالعربات.. وقد اشتهرت وذاعت بعد ذلك مقرونة باسمه. وتلخصها العبارة البسيطة التي تقول: «خيار هوبسون». والحاصل إن لم يطل الأمر بالسيد توماس هوبسون.. فقد جاء عام 1600 للميلاد واجتاحت انجلترا موجة الطاعون اللعين..


              وأوقفت الحكومة تسيير خط العربات وبعدها توفي هوبسون شخصيا ولكن سيرته ظلت مذكورة ومنشورة بفضل قصيدتين كتبهما في رثائه شاعر الانجليز الكبير ون ملتون (1608 - 4761( صاحب قصيدة الفردوس المفقود.. وفي إحدى القصيدتين جاءت أبيات الشاعر لتنحو باللائمة على الحكومة التي أوقفت نشاط صديقه الراحل وقالت الأبيات أنه لو كانت الدولة قد سمحت لصديقنا.. الناقل الجامعي الأديب أن يواصل نشاطه..


              لأتاح له بذلك أن يهرب من حتفه الذي لاقاه وهو يجلس وحيدا بلا عمل.. كانت بالطبع شطحة من ون ملتون الذي كان صديقا مقربا.. بل كان شريكا في بعض الأحيان في نشاط البيزنس مع توماس هوبسون الذي مازال اسمه، في الثقافة الانجليزية، معروفا بأزمة الاختيار الصعب بين أمرين كلاهما مرير وكلاهما غير مرغوب.. إما أن تختار ما أمامك.. وإما أن يضيع عليك أي فرصة لأي اختيار.


              خاكي: لفظ يعود به معجم ميريام وبستر الأميركي الى مادة تراب أو غبار في الفارسية ومن ثم فهو يصدق على كل شيء له لون التراب أو الغبار.. وعليه فقد أطلقوه على نوع من القماش المنسوج الذي اصطنعوا له لون التراب.. وصنعوا منه أزياء يرتديها الجنود والضباط في السلك العسكري باعتبار أن هذا اللون يصلح لبيئات الحرب في الصحاري وفي البوادي والقفار.


              مع ذلك فقد عمدوا في الاستخدام العملي الى تعميم لفظة خاكي - أو كاكي لكي تصدق على أي ملبوسات أو منسوجات أو أزياء، عسكرية أو غير عسكرية المهم أن تكون اقرب الى لون التراب المغبّر بقدر ما أنهم يصنفون منسوجات رمادية كالحة اللون بوصفها من اللون الفيراني أو يطلقون على منسوجات ذات لون مائل الى الحمرة صفة اللون الطوبي يعني أقرب الى لون قرميد البناء.


              من الناحية التاريخية كان الخاكي هو ذلك النسيج الصلب الأميل الى الخشونة بعد أن يكتسب لونه المائل الى صفرة غامقة. وأول من ارتداه كان أفراد القوات البريطانية التي كانت تحتل الهند إبان وقوعها تحت السيطرة الكولونيالية للانجليز.. وكان الضباط يحرصون على ارتداء الخاكي وخاصة حين يخرجون الى ساحات المواجهة القتالية التي ما لبثت أن تصاعدت في سخونتها الدموية خلال الثورة الهندية الشهيرة التي حملت اسم حركة التمرد أو العصيان في الفترة 1857 - 8581. وبعد إخماد التمرد تقرر تعميم الخاكي ليكون زيا لجميع ضباط وجنود الاحتلال الانجليزي للهند ومن ثم لجميع قوات الامبراطورية البريطانية فيما وراء البحار.


              في حرب البوير الأفريقية التي نشبت طيلة الفترة 1899 - 2091 كانت منسوجات الخاكي القطيفة هي الزي العسكري للانجليز المحتلين لتلك المنطقة من جنوب إفريقيا.. ولما كان مناخ الجنوب الإفريقي يتسم بالاعتدال الصيفي وبالبرودة الشتوية ويسمى جوازا باسم مناخ البحر المتوسط فقد رأى سدنة الامبراطورية الاستعمارية استخدام خامات الخاكي الصوفية بدلا من الأقطان وبعدها استخدموها في صناعة أقمشة الخيام ولكن أضفوا عليها لونا زيتونيا لستر الرؤية أو لمضاهاة ألوان النبات في الأحراش والغابات.


              ورغم أن معجم وبستر يعود بالكلمة - كما ألمحنا - إلى أصل فارسي، فإن معجم المصطلحات التاريخية، الأميركي أيضا، يؤكد أن الكلمة جاءت من أصل في اللغة الأوردية ولا بأس فهما جارتان.. وهو يشير أيضا الى اتساع استخدام الخاكي في الأزياء العسكرية لدول شتى في أنحاء العالم.. وخاصة خلال الحربين العالميتين الأولى (1914 - 8191( والثانية (1939 - 5491(.


              بل امتد استعمال الكلمة الى مجال السياسة حين جاءت الى الحكم في انجلترا حكومة للمحافظين بعد أن ركب قادتهم موجة التعصب الوطني التي أعقبت حرب البوير في جنوب أفريقيا بين مستوطني تلك البلاد وبين قوات الاحتلال البريطاني وقد شارك في تلك الحرب مراسل عسكري شاب وقتها سجل وقائعها ثم انغمس في بحار السياسة في لندن الى أن أصبح رئيسا للوزراء اسمه ونستون تشرشل. والمهم أن الانتخابات التي جاءت بتلك الحكومة المحافظة في انجلترا حملت اسمها المميز في التاريخ السياسي الانجليزي وهو انتخابات «الخاكي».


              الخُضْر: ارتبط اللون الأخضر - على مر تاريخ البشرية - بالزرع والنماء وبالحضارة والتقدم.. ألا يعد اكتشاف الإنسان للزراعة أكبر انجاز تاريخي للبشر فوق كوكب الأرض؟ ألا يربط الوجدان الإنساني - وخاصة في الثقافة الإسلامية - بين الخضرة وبين جنات عدن تجري من تحتها الأنهار.؟ وهي أيضا جنات من نخيل وأعناب.. ألا يلبس المؤمنون الفائزون بنعيم الفردوس ثيابا خُضْرا من سندس واستبرق؟..


              ألا تحتفل اللغة العربية بصورة الجنة فإذا بها تضفي عليها صيغة التصغير، فإذا بكل حديقة عند شعوب تنتمي الى العروبة والإسلام تفوز باسم «جُنينة» وهو تصغير يعبر عن الإعزاز والتدليل؟ ألا يحفل التراث الإسلامي.. الثقافي والشعبي بأسماء مستمدة من نفس المعنى.. ما بين سيدنا الخِضْر وما بين خضرة الشريفة التي يتردد اسمها في الملاحم الفولكلورية في المشرق وفي المغرب؟


              في دنيا السياسة


              إفتح قاموس معاصر في مجال الايكولوجيا ومعناها الحياة البيئية.. ستجد أكثر من مدخل ومادة تدور في الانجليزية حول لفظة أخضر «جرين» وعن دلالات واشتقاقات ومفاهيم تشعبت منها، سواء في مضمار العلم التطبيقي (الزراعة.. البيولويا.. تخطيط المدن.. الطب الوقائي.. الخ) أو في مجال الحياة السياسية والنشاط العام..


              قاموس لونغمان للعلوم البيئية يقول: إن لفظة «أخضر» لم تعد مجرد اسم لأحد ألوان الطيف بل أصبحت صفة أعّم وأسهل تنطبق على أي شيء يرتبط - أو مفروض أن يرتبط - بشأن من شئون البيئة. من ذلك مثلا الضرائب الخضراء (وتعني ما يدفعه أصحاب الأعمال في مجال الصناعة بالذات من أجل جهود المكافحة أو التعويض عن تلوث البيئة الناجم عن مخلفاتهم الصناعية). ومن ذلك أيضا أحزاب الخُضر التي تولت أو شاركت في مقاليد الحكم في أقطار شتى منها المانيا على وجه الخصوص.


              وبالمناسبة يطرحون صيغة الجمع من صفة جرين الانجليزية فإذا بنا أمام كلمة «جرينز» وهي مرادفة للمصطلح الذي أدرنا من حوله هذه المادة من مواد موسوعتنا.. ويعني الأحزاب السياسية التي أشرنا إليها وقد طرحت جداول أعمال (أجندات) تعني أساسا بشئون البيئة التي يعيش فيها الناس.. بما في ذلك التوافق مع الطبيعة والحفاظ على الانسجام (الهارموني) بين نواميس الطبيعة وبين الإنسان، إضافة الى حفظ الموارد التي يحفل بها كوكبنا الأرضي وصون هوائه ومياهه وأجوائه من آفات التلوث الناجم عن بعض أنشطة البشر غير المسئولة وغير المبالية أو المتسمة بآفة الهدر والسرف والتبذير وعدم تدبر العواقب بما قد يضر بمستقبل الأجيال القادمة.


              هذا الوعي الأيكولوي - البيئي ظل غائبا عن الفكر والعمل السياسي حتى بعد انتصاف القرن العشرين. لكن اعتبارا من عقد السبعينات بدأت خيوط هذا الوعي تلوح وتتشابك وتتفاعل لتبلغ ذروتها على الصعيد الدولي بعقد أول وأهم مؤتمر عالمي عن البيئة والتنمية في ربيع عام 1992 في ريودي جانيرو بالبرازيل (شارك فيه كاتب هذه السطور وأضاف الى المشاركة رحلة استطلاعية كما قد نسميها لمنطقة الغابات المطيرة في حوض نهر الأمازون).


              وربما يرجع الفضل في نشوء هذا الوعي البيئي على صعيد العالم الى كتاب تأسيسي نشرته في عام 1962 باحثة أميركية اسمها «راشيل كارسون» بعنوان أصبح اليوم من الكلاسيكيات الحديثة وهو «الربيع الصامت» ونبهت فيه الى ما أصاب البيئة الكوكبية من أضرار مطالبة بالمسارعة الى وعيها ومحاولة علاجها.


              جاء كتاب الأستاذة كارسون أقرب الى صرخة في واد أو الى صوت هاتف ومحذر في البرية.. جمع كما يقول المحللون بين حمية الوجدان.. وعمق الاختصاص ورصانة البحث العلمي ورشاقة الأسلوب الذي أتاح له الاقتراب من جماهير القارئين.. أعيدت طباعته عدة مرات الى أن صدرت أهم طبعاته المحدثة في عام 1994 في أعقاب انعقاد مؤتمر ريو الذي ألمحنا إليه..


              وترجع أهمية الطبعة المحدثة الى المقدمة الضافية التي كتبها السيد آل جور نائب الرئيس الأميركي الأسبق وهو في طليعة السياسيين في أميركا، بل وفي العالم، المهتمين بالشأن البيئي لدرجة أن الرجل لا يفتأ يحذر سكان كوكبنا من مغبة الارتفاع المتصاعد والملموس على كل صعيد في درجة حرارة الأرض بسبب تصاعد الأنشطة البشرية.. الصناعية والحركية بكل عوادمها وأكاسيدها ونفاياتها المدمرة للغلاف الجوي (أتموسفير) المحيط بكوكبنا.. وأخطر عقابيل هذا الأثر هو ظاهرة التساخن العولمي ما يتمثل في تهديد مصادر المياه العذبة اللازمة لاستمرار حياة الكائنات فوق الأرض من بشر وحيوان ونبات.


              ويلفت النظر في هذا السياق أن راشيل كارسون اختارت تصدير كتابها الرائد بكلمة جاءت أقرب الى الإضاءة الكاشفة وهي مأثورة عن المبشر الفيلسوف الألماني ألبرت شفايتنزر الذي أمضى زهرة العمر طبيبا يعالج أهل وسط أفريقيا (ت1965) ونال جائرة نوبل عام 1952.. ويقول محذرا:


              -لقد فقد الإنسان قدرته على استشراف المستقبل والتأهب من أجله.. ومثل هذا الإنسان سوف ينتهي إلى تدمير كوكب الأرض. وأخيرا وبقدر ما جاء كتاب «الربيع الصامت» عملا رائدا في الانجليزية فقد صدرت للكتاب ترجمة عربية بليغة ورصينة سبق إليها صديقنا العلامة أحمد مستجير أستاذ علم الوراثة الأشهر في مصر والوطن العربي الذي رحل عن عالمنا في شهر أغسطس الماضي.. عليه رحمة الله.


              يكتبها : محمد الخولي

              تعليق

              • محمد زعل السلوم
                عضو منتسب
                • Oct 2009
                • 746

                #8
                دولار.. ديربي.. دومينو

                «نانوبيديا» -الحلقة التاسعة
                دولار.. ديربي.. دومينو
                بقلم :محمد الخولي



                دولار: العملة الأميركية لها أصل بعيد كل البعد عن أميركا وسيرتها.. تبدأ القصة في جبال شمال غربي بوهيميا. بالتحديد في بلدة صغيرة تقع على الحدود بين ألمانيا وتشيكيا في وسط أوروبا واسمها جاكيموف.


                كان ذلك في القرن السادس عشر.. حين كانت البلدة تضم منجما يستخرجون منه معدن الفضة، ومنها أيضا يقومون بسبك وسك العملات الفضية ويخلعون على المكان كله اسما له إيقاع ألماني لا تخطئه الأسماع هو «جواكيمستالر».


                ومع تدفق العملات الفضية.. وجد الناس أن الاسم الألماني شديد الصعوبة لدى نطقه.. ناهيك بتداوله بين صفوف المتعاملين.. هكذا كان طبيعيا أن يعمد المعنيون إلى تبسيط الاسم، من حيث النطق ومن حيث التهجئة على السواء فكان أن اختصروه إلى كلمة أصغر وأبسط هي:


                «تيلر». وعندما عبرت الكلمة الجديدة الحدود إلى هولندا تحولت الكلمة مع ترداد نطقها إلى «ديلر» وبهذه الصفة دخلت الكلمة إلى متن اللغة الانجليزية وكان ذلك مع سنوات منتصف القرن الثامن عشر للميلاد..


                وبعدها عمد الانجليز إلى تحويل الكلمة الألمانية ـ الهولندية لتصبح «دولار» وبهذه العملة كانوا يتبادلون التجارة مع تلك الأقطار ولكنهم كانوا يستخدمون الكلمة - دولار - في معرض الإشارة بالذات إلى العملة الاسبانية البيسو التي كانت رائجة ومهابة الجانب وخاصة في مستعمرات الانجليز بأميركا ـ الدنيا الجديدة كما كانت تعرف في تلك الأيام.. أيامها كان البيسو يعرف تبسيطا باسم:


                الدولار.. الاسباني. ومع اشتداد ساعد حركة الاستقلال الأميركي عن المستعمر البريطاني، وكان ذلك مع سنوات الثلث الأخير من القرن الثامن عشر شرع زعماء هذه الحركة، ويعرفون في حوليات تاريخ الولايات المتحدة، باسم الآباء المؤسسين - شرعوا في طرح تصوراتهم بشأن الكيان الجديد المستقل في.. المستعمرات: دستورها.. شكل دولتها الفيدرالية.. علاقات مواطنيها سواء المهاجرين من أوروبا أو السُكان الأصليين (الهنود الحمر)، أساليب تعمير وبناء الدولة الفتية.


                والأهم طبعا كان نوع واسم وقيمة العملة النقدية التي سوف تشكل وحدة الاقتصاد والتداول المالي للكيان الأميركي المرتقب بعد الاستقلال. في هذا الصدد يشير المؤرخون إلى مذكرات توماس يفرسون وهو الرئيس الأميركي رقم ثلاثة (1743 - 6281) الذي يرتبط اسمه تحديدا بصياغة إعلان استقلال الولايات المتحدة وأسسها التشريعية..


                في سيرته الذاتية يقول يفرسون أنه «اقترح.. اعتماد الدولار ليكون وحدة الحسابات والمدفوعات لأميركا». وكان الرجل بهذا يعتمد الدولار الاسباني الذي كان بالفعل وحدة النقد للتبادل التجاري بين اسبانيا والمستعمرات وأقطار جزر الهند الغربية في البحر الكاريبي.


                بعدها اجتمع كونجرس الولايات المتحدة المستجدة وأصدر قراره يوم 6 يوليو عام 1785 أي بعد 9 سنوات من نجاح حركة الاستقلال الأميركية وجاء في هذا القرار:


                ـ إن الكونجرس انتهى إلى أن تكون وحدة النقد في الولايات المتحدة الأميركية هي دولار واحد.


                بيد أن استخدام الدولار لم يقتصر على أغراض العملة النقدية أو المضمار الاقتصادي.. لقد قيض للدولار أن يقتحم أيضا مجال العلاقات الدولية تحت مسمى «السياسة الدولارية» التي نشأت أصلا في عهد رئيس أسبق هو ويليام تافت (1909 ـ 1913) الذي استخدم الدولار للتأثير على مجريات الأمور في صين - تلك الأيام وتحت شعار أنه يحرص على أن يحل دولار الخزائن محل رصاص المدافع لتحقيق أهداف تجارية مشروعة.. ورغم جاذبية مثل هذه الشعارات.


                . فقد استمرت السياسة الدولارية مؤثرة وفعالة لخدمة أغراض ومصالح الحكومات الأميركية المتعاقبة وفي مقدمتها التأثير على سياسات الحكومات في شرق وغرب العالم.. ولاسيما في فترات الحروب الساخنة أو الباردة.


                حيث لم تتردد واشنطون في تطبيق السياسة الدولارية على قرار منح المعونات وكسب تأييد السياسيين وتدبير انقلابات للإطاحة بنظم الحكم ما بين أميركا اللاتينية إلى دول الكاريبي إلى منطقة الشرق الأوسط (إيران ـ الشاه على سبيل المثال).. ثم توسعت المسألة لدرجة يقول معها المعجم الأميركي للمصطلحات التاريخية:


                «أن مصطلح السياسة الدولارية أصبح يستخدم الآن في إطار من التوسع والتعميم ليصف أي إجراء اقتصادي تعتمده أميركا من اجل تحقيق أغراض سياستها الخارجية».


                ديربي:


                في عام 1066 للميلاد تعرضت السواحل الجنوبية للجزر البريطانية لغزوة شاملة على يد قوات فرنسية الأصل بقيادة ويليام الغازي أو الفاتح (1028- 1087م) الذي ألحق الهزيمة بالانجليز في موقعة «هاسنتنغز» الشهيرة ويسجل له هذا التاريخ أنه المؤسس الأول للنظام الإقطاعي في بريطانيا.


                ولأن المسائل نسبية، كان هذا النظام وضعا أكثر تقدما وأقل فوضوية عن سابقه الذي كان نظاما - أو فلنقل كان حالة فوضوية تقوم على أساس تناحر القبائل البدائية الشديدة التخلف. عاشت سلالة ويليام الفاتح في انجلترا وانحدرت من أصلابها عائلة ستانلي التي آلت إليها في مرحلة ما مِلْكية أراض شاسعة ووراثة لقب من ألقاب الشرف والنبالة هو لقب ايرل أوف ديربي.. وكان ذلك في القرن الخامس عشر للميلاد..


                ومع توارث اللقب عبر الزمن عاش واحد من افراد هذه الأسرة الارستقراطية هو الإيرل (اللورد) رقم 12 في سلسلة العائلة، وكان معروفا عنه شغفه الشديد بالخيول وحرصه البالغ على تربيتها ورغم أن كان الإيرل المذكور رجلا عزوفا عن الشهرة والمجد فقد قرر أن ينظم سباقا سنويا تتبارى فيه الخيول التي يبلغ عمرها 3 سنوات.


                وبدأت أولى دورات هذا السباق عام 1780 وبعدها ذاعت شهرة السباق لتشمل أراضي الجزر البريطانية كلها وليصبح أشهر سباق للخيول على أرض انجلترا.


                ولأن الانجليز قوم يراعون التقاليد المتبعة والأعراف الموروثة ـ إلى حد الغلو في بعض الأحيان ـ فقد حرصوا على حضور مثل هذه المسابقات وهم يرتدون قبعة خاصة مرتفعة الحواف بحيث كانت تضفي على مشاهدي سباقات الجياد منظرا غريبا وشديد التميز في آن معا.. وبعد الحرب الأهلية الأميركية التي وضعت أوزارها عند منتصف ستينات القرن 19، بدأ منظمو الألعاب الرياضية الأميركية يستوردون هذه القبعات البريطانية الغريبة التي حملت من يومها اسم «قبعات ديربي»..


                وعلى الطريقة الأميركية كان لابد من تطوير وتعديل هذه القبعات إلى موديل يروق للأميركان الذين صنعوها على شكل قبعة على شكل القبة لغطاء الرأس تحيطها حواف ضيقة وبالغة الصلابة.. وكان أن أقبل رجال أميركا على ارتداء هذه القبعات وخاصة في مواسم سباق الخيل مرددين اسمها المتواتر وهو «ديربي هاتس» ومع أول سباق للخيل نظمه الأميركان في ولاية كنتكي في عام 1785.. أصبحت الديربي هات هي القبعة المفضلة لدى كل الرجال من مشاهدي هذه السباقات ومواسمها..


                وفي كل حال فقد تواصلت هذه المناسبات أو المواسم والمظاهرات الرياضية تحت اسمها الشهير في عالم مسابقات الجياد الأصيلة والسريعة : اسم ديربي الذي مازال يسجل ـ سواء في أصله المنتمي إلى ايرل انجليزي سابق أو سواء بفضل القبعة الغريبة التي طورها الرياضيون ومصممو الأزياء الأميركان ـ يسجل ذكرى عائلة ديربي التي عاشت في انجلترا منذ أكثر من 5 قرون من عمر هذا الزمان.


                دومينو:


                الكلمة مشتقة أساسا من لفظة «دومينوس» اللاتينية وتعني السيد أو الوجيه المحترم.. ومن هذا الأصل اشتقوا ألفاظا تصدق أولا على عباءة الكاهن باعتبار مكانته الموقرة في مجتمعه.. وبعدها تعارف الفرنسيون على ارتداء عباءات وأزياء مختلفة في حفلاتهم التنكرية خلال القرون الرابع عشر إلى السابع عشر والثامن عشر..


                وكانوا يقصدون من ذلك نوعا من تخفيف الفروق الاجتماعية بين الطبقات حيث كان المزارع أو الحِرَفي يرتدي أو بالأدق ـ يتنكر ـ في هيئة مركيز مبجل في حين كانت الكونتيسة الارستقراطية ترتدي أسمالا ـ أو ما يبدو انه أسمال فلاّحة أو امرأة من فئات الشعب الكادحة.


                وهكذا..


                بعدها اصطنع الفرنسيون اللعبة الشهيرة التي تُرص فيها قطع النرد على رقعة خشبية مخصوصة حيث يحرك اللاعبون قطعهم التي تحمل أرقاما تحدد الفائزين والخاسرين. لكن مصفوفة قطع النرد فوق رقعة الدومينو كانت ومازالت تتميز بخاصية أنك ما أنت تلمس القطعة الأولى أو المجاورة لها.. حتى تبدأ القطع في التهاوي تباعا واحدة تلو الأخرى..


                بعضها يمكث قليلا ولكنه لا يلبث أن يسقط إلى حيث تتبدد المصفوفة بأكملها.. الأكيد أن كان هناك من يلاحظ هذه الظاهرة البسيطة.. ومنها استقى المعنيون الخاصية الأولى من مصفوفة الدومينو وهي «سلسلة التأثير» التي قد تعيد إلى الذهن ما وعته الثقافة الإسلامية من تكافل المسلمين الأشبه بالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر..


                ثم جاء دور علماء السياسة الذين صاغوا من مسلسل التأثير بالتداعي مقولة فكرية مازالت تحمل اسمها في علوم السياسة والعلاقات الدولية وهي:


                * نظرية الدومينو.


                ومعناها ان وجود نظام ما.. أو شيوع فكرة ما.. في بلد ما.. كفيل حسب نظرية الدومينو بأن ينتقل تأثيره إلى الأقطار المجاورة..


                ولعل أول القائلين بهذه النظرية كان الرئيس الأميركي الأسبق أيزنهاور (ت عام1969) الذي نبه إلى أن استيلاء الشيوعيين على مقاليد ؟يتنام الشمالية (نظام هوشي منه) كفيل، حسب نظرية الدومينو بأن ينقل تأثير الشيوعية إلى ؟يتنام الجنوبية ومنها إلى سائر أنحاء جنوب شرقي آسيا.. وكان في هذه المقولة ما أدى إلى توريط أميركا في مستنقع ؟


                يتنام وقد ثبت علميا خطأ النظرية على نحو ما يوضحه هنري كيسنجر في كتابه الموسوعي بعنوان «الدبلوماسية» (ص701)، وإن كان كيسنجر يؤكد أن أميركا لم تكن تملك ان تقف مكتوفة الأيدي أمام تطورات الأحداث في تلك المنطقة الآسيوية خلال عقد الستينات.. فالسياسي - يضيف كيسنجر في نفس السياق - لا يملك ببساطة أن يعتمد السلبية كمبدأ سياسي رغم أن محصلة حرب ؟يتنام اقتضت ثمنا فادحا دفعته أميركا من مواردها وضميرها وثقتها بنفسها.


                في آسيا وأميركا اللاتينية


                ورغم أن نظرية الدومينو ثبت خطؤها على المسرح الآسيوي..الذي انقسم إلى معسكر تحت السيطرة الشيوعية في ؟يتنام والى معسكر آخر وقع تحت سيطرة نظام الخمير الحمر الإرهابي الدموي في كمبوديا ـ إلا أن السياسة الأميركية ما لبثت أن عاودت مؤخرا اعتماد وتفعيل نظرية الدومينو من جديد.. ولكن على مسرح قارة أميركا اللاتينية هذه المرة، حيث تعمل واشنطن بغير هوادة على محاربة ما تتصوره بأنه موجات اليسار الجديد المعادية للولايات المتحدة..


                ورغم أن واشنطون عملت منذ أيام كيسنجر نفسه على قلب نظام حكم الرئيس سلفاتور الليندي الاشتراكي في شيلي ودعمت النظام الفاشي البديل الذي قاده الجنرال أوغسطو بينوشيه واستهل عهده باغتيال اللينيدي شخصيا على سلالم قصر الرئاسة في العاصمة سنتياغو - إلا أن واشنطون تخشى من تداعيات التأثير بالإشعاع أو النموذج أو بسلسلة رصّة أحجار الدومينو ـ خاصة ومازالت أميركا اللاتينية تصغي إلى أصوات قيادات يسارية قوية في أقطار غنية بموارد الغاز الطبيعي مثل موراليس (بوليفيا) أو بالبترول شافيز (في فنزويلا) أو في أقطار يمكن أن تعود الى نفوذ اليسار (الساندانيسا في نيكاراغوا) دع عنك نظام فيديل كاسترو في كوبا..


                فما بالك إذا كان اسم الثائر الكولومبي اليساري أرنستو شي جيفارا مازال يتردد رغم اغتياله في عام 1967 كأسطورة في أنحاء قارة أميركا الجنوبية بأسرها.


                كل هذه الظواهر تخشاها دوائر واشنطون وتدفعها إلى معاودة النظر والاهتمام بنظرية الدومينو وما قد تفضي إليه من حلقات سلسلة التأثر والتأثير.

                تعليق

                • محمد زعل السلوم
                  عضو منتسب
                  • Oct 2009
                  • 746

                  #9
                  ذو النون.. الذهب.. الذهبي

                  نانوبيديا» -الحلقة العاشرة
                  ذو النون.. الذهب.. الذهبي
                  بقلم :محمد الخولي



                  ذو النون: في متون ثقافتنا العربية الإسلامية يتردد هذا اللقب في أكثر من موضع ويرتبط بأكثر من مناسبة.. ومن هذه المواضع نتوقف في هذا السياق عند ثلاثة:


                  أولها ما أورده القرآن الكريم (سورة الأنبياء الآية 89,88) «وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين».


                  ورد اسم هذا النبي معطوفا على مفعول به من فعل واذكر في الكتاب.. وفي هذا الصدد يقول شيخنا أبوعبدالله محمد الأنصاري القرطبي (الجزء الحادي عشر من الجامع لأحكام القرآن). إنه لقب ليونس بن متّى.. أما النون فهو الحوت الذي ابتلع يونس.. وإن كانت اللغة تشير الى النونة وهي أقرب الى الغمّازة في ذقن الصبي تزيده بهاء..


                  ويذهب القرطبي وجمهرة من المفسرين الى أن يونس كان ضيق الصدر فلما حمّلته السماء أعباء النبوة ناء صدره كبشر بتبعاتها الجسام.. وذهب مغاضبا من أجل ربه بمعنى أن غضب على قومه الذين كفروا بمعبوده عز وجل. وقيل أيضا انه كان شابا ولماّ يحمل أعباء النبوة أو ينوء بواجباتها.. وقيل خرج بكل هذه السورة النفسية من إقليم نينوى (في العراق) الى بحر الروم (الأبيض المتوسط).


                  فكان أن ابتلي ببطن الحوت على ما يذهب التفسير. ثم ان العلماء توقفوا مليا عند بلاغة الاعجاز في استخدام تعبير «الظلمات» التي عاش وسطها يونس وهو ينادي ربه سبحانه وتعالى.. فقال ابن عباس رضي الله عنه أنها جمعت بين ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت وقد روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه ان دعاء ذي النون في بطن الحوت لم يدع به رجل مسلم قط إلا استجيب له.. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.


                  في الأندلس


                  ومن نينوى في بلاد الرافدين الى طليطلة في الأندلس الإسلامية، وبعد انقضاء قرون من عمر الزمن، حكم «ذو النون» وهو اسم حملته أسرة من البربر تنتمي كما يقول مؤرخوها الى قبيلة هوارة وكانوا من ملوك الطوائف بالأندلس وقد حكموا مدينة طليطلة حتى عام 1092 للميلاد (أي قبل ضياع الأندلس بأربعمئة سنة على وجه التدقيق) وكان من أشهرهم المأمون بن ذي النون الذي خلفه حفيده يحيى القادر وهو آخر حلقة في هذه السلسلة الحاكمة.


                  في مصر


                  أما الاسم الشبيه الآخر هو ذو النون المصري وربما يكون أشهر من حمل هذا اللقب إذ وتناولت سيرته وآثاره مراجع التاريخ العقلي والروحي في مجال الثقافة العربية اسمه أبوالفيض ثوبان -يرجع نسبه الى بلاد النوبة في جنوب مصر.


                  وهو من أعلام حركة التصوف في مصر بل ومن آبائها المؤسسين على نحو ما يقول العلامة أحمد أمين في «ضحى الإسلام». ولد ذو النون في أخميم من صعيد مصر من أبوين نوبيين وقرأ على أشياخ زمانه العلوم الفقهية والشرعية المعروفة في وقته (القرن التاسع الميلادي) وبرع في دروس الفقه وعلم الجرح والتعديل المتخصص في السنّة النبوية الشريفة.


                  ومن مترجمي سيرته من يشهد بأنه درس علوم الكيمياء.. وكان يقرأ الخط الهيروغليفي المصري القديم على البرابي (الآثار الأركيولوجية الفرعونية) وبهذه السعة من العلم رحل ذو النون الى بلاد شتى ما بين تاهرت بالمغرب الى القدس في الشام الى بغداد واليمن ثم الى مكة والمدينة المنورة وقابل في أسفاره عديدا من العلماء والزهاد والرهبان، ثم عاد الى مصر فطلع على الناس بمقولات جديدة وطروحات غير مألوفة من حيث كلامه وتعاليمه عن الأحوال والمقامات ومراتب الحب الإلهي عند المتصوفة.


                  وزاد القول أيضا في أن مصادر المعرفة هي النقل والعقل ثم أضاف مصدرا ثالثا هو.. الكشف وكان يقصد القول بأن هناك علما ظاهرا وعلما باطنا ولكنه كان يعرض كل تعاليمه هذه في أسلوب شعري جذاب على ما يضيف الأستاذ أحمد أمين.


                  وكان طبيعيا أن تثير هذه المقولات المستجدة حفيظة الكثيرين.. منهم من دهش لها، ومنهم من خشي مغبتها ومنهم من اتهم الرجل بالخروج عن صحيح الدين، فكان أن أمر الخليفة العباسي المتوكل بسجن صاحبنا بتهمة الزندقة وبعدها أمر بإطلاق سراح هذا الصوفي الرائد فعاد الى مصر زاهدا عابدا الى أن رحل عن الدنيا ودفن في الجيزة عام 859 للميلاد.


                  ثم تحفل كتب التراجم والسير المعروفة في التراث العربي باسم وفيات الأعيان بعدد من الشخصيات والاعلام ممن يحملون لقبا موحدا هو: ابن ذي النون.. وكثير من هؤلاء المشاهير من علماء وفقهاء ومن أمراء وحكام ينتمون الى اصول البربر من سكان شمال أفريقيا وفي صدارتهم كما هو معروف أهل مولانا طارق بن زياد (ت 720م) فاتح الأندلس الأشهر..


                  وأصل التسمية عندهم هو «زنّون» التي تم تعديلها ربما لتسهيل النطق أو لمجاراة العرف الى «ذي النون» وقد كان زنّون كما يقول كتاب «البيان المغرب» هو الجد الأكبر لعائلة حملت الاسم المعدَّل ومن بعده حفلت التراجم بستة أعلام يحمل كل منهم لقب «ابن ذي النون» كان أشهرهم يحيى بن اسماعيل الذي حمل أيضا لقب المأمون ودان له الملك والسيادة على حواضر وأقاليم شتى في رحاب الاندلس العربية الإسلامية وتوفي عام 1068 للميلاد.


                  هناك أخيرا ذو النون الملقب بالقاضي الرشيد (ت عام 1265م) ويلقب كذلك برشيد الدين وهو صعيدي مصري رحل الى اليمن وتولى إمارة عدن وأنشأ المدرسة الرشيدية في تعز التي توفي بها وكان له مسجد فيها أوقف عليه أملاكا وحسنت سيرته سواء كان واليا أو فقيها شافعيا أو كان قاضيا حتى ليقول مترجمو حياته انه لم يزل مرضيّ السيرة حتى لاقى ربه.


                  الذهب: عرف الناس معدن الذهب منذ مرحلة ما قبل التاريخ المسجل وعرفوا عنه بالذات خاصية تطويعه وامكانية تشكيله الى سبائك وأشكال وأنماط شتى..


                  وهناك من المراجع المعتمدة (موسوعة كولومبيا مثلا) ما يشير الى أن الذهب كان أول معدن استخدمه الإنسان وأضفى عليه القيمة وبدأ يتخذ منه معيارا أو مقياسا لتقدير سائر أصناف المتاع.


                  بل تعامل البشر مع الذهب على أن له خواصا وقوى سحرية مستمدة من عوالم ما وراء الطبيعة.. لهذا شغف أهل العصور الوسطى بعلوم الكيمياء القديمة التي جهد فيها علماء تلك الحقبة في محاولة تحويل معادن أقل قيمة.. الفضة.. الرصاص.. الزنك.. النحاس وما إليها الى ذهب نفيس أبريز وهذه العمليات الكيميائية التي كان يختلط فيها العلم بالأسطورة.. والمختبر بالخرافة كان يشار إليها على أنها السعي لتحويل المعدن الخسيس الى المعدن النفيس..


                  في متون اللغات اشتقوا من الذهب صفات ونعوتا تدل على النهضة والازدهار والرقي والانتعاش.. هكذا عرف الناس العصر الذهبي للفن التشكيلي مثل (عصر النهضة - دا؟نشي ومايكل أنجلو وتيسيان وسائر عمالة فن الرسم والتشكيل في إيطاليا) أو العصر الذهبي للشعر والدراما (العصر الاليزابيثي مثلا في انجلترا.. بين منتصف القرنين الخامس عشر الى السادس عشر حين عاش شكسبير ومارلو وبن جونسون وغيرهم من أعلام الشعر والمسرح) دع عنك عصور ذهبية أيضا عاشتها الثقافة العربية.. زمن هرون الرشيد.. المأمون في الدولة العباسية.. أو زمن العزيز بالله في الدورة الفاطمية.. أو زمن عبدالرحمن الداخل في الدولة الأندلسية.. الخ.


                  وقبل هذه العصور عرفت الحضارات القديمة قيمة الذهب واستخدمته على نطاق واسع بوصفه معدنا متينا وثمينا وقادرا على الصمود أمام أنواء الزمن وتقلّب الحدثان: قدامى المصريون استخرجوه من مناجم صحرائهم - الشرقية بالذات وصنعوا منه تيجان الملوك - الفراعين وأقنعة التوابيت والتماثيل التي كانوا ينشدون منها ضمان التحول الى حيث الخلود بعد الرحيل عن العالم (تأمل مثلا القناع الذهبي للملك الشاب توت غنخ آمون).


                  وفي أساطير اليونان تحتفل الميثولويا بقصة البطل الاغريقي جاسون الذي أمضى ردحا طويلا من حياته بحثا عن الجزّة الذهبية وهي خصلة أسطورية من صوف الحَمَل الذي تمت التضحية به قربانا للآلهة وبقيت الصوفة - أو الجزّة الذهبية معلقة في غابة يحرسها تنين رهيب.. وكانت بذلك رمزا لبحث الإنسان الدائب عن تحقيق ذاته واثبات كفاءته وبلوغ طموحاته..


                  تشترك الانجليزية والألمانية في الإشارة الى الذهب على أنه «جولد»، وتشترك الفرنسية والاسبانية مع الإيطالية والبرتغالية في مصطلح «أور.. أورو». الذهب في اللغات السلافية بشرقي أوروبا هو «زياتو» وفي اليونانية «كريسوس» .


                  فيما تشترك السواحيلية الأفريقية، مع لغتنا الشريفة حيث يشير إخوتنا الأفارقة الى المعدن الجميل بقولهم ذهابو. من ناحيته أيضا يتصف الذهب بخاصية التوصيل الجيد لمسرى الكهرباء.. وقد لا يفوقه في هذه الميزة سوى فلزات الفضة والنحاس.


                  سؤال مشروع


                  ما الذي جعل البشرية تحيط الذهب بكل هذه الهالات من التوقير.. الى حد التقديس في بعض الأعراف والثقافات؟


                  في كتابه الطريف عن «تاريخ النقود» يحاول الكاتب الأميركي «جاك ويثرفورد» الإجابة قائلا:


                  -استرعى اهتمام الناس في أنحاء العالم ذلك التشابه بين صفرة الذهب وبين أشعة الشمس. وبدأ المصريون القدماء يربطون بين الذهب وبين «رع» رمز الشمس ومعبود القدماء. ومع إضفاء القيمة المادية والسعرية على معدن الذهب.. بدأت نزعات الطمع والاحتكار وأنانية الاستئثار باحتياطيات الذهب كي تتداولها النخبة المحظوظة في المجتمع دون سائر خلق الله. تلك هي ظاهرة الاكتناز.


                  وفي ضوء قيمة الذهب اصطلح اقتصاد العصر الحديث على جعله معيار يقاس بواسطته تبادل السلع والخدمات على الصعيد العالمي. وقبل الحرب العظمى عام 1914 درجت الدول في أوروبا وأميركا على الاحتفاظ باحتياطيات من الذهب.. ولكنهم تخلوا عن هذا المعيار بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 ليصبح الدولار.. وبجانبه سلة عملات الدول الفاعلة الكبرى.. أقرب الى المقياس المعمول به في تقييم المعاملات الدولية.


                  مازال للذهب مكانته السامقة في حياة الناس.. ومازال فيلم شارلي شابلن الشهير بعنوان «البحث عن الذهب» يصور اندفاعة الناس في أميركا.. وراء أطماع الثروة في أواخر القرن 19 وأوائل القرن العشرين.. وبشكل مجنون أحيانا.. بل وغير إنساني أحيانا أخرى.. ومازال البشر، والنساء بخاصة، يطمحون الى اقتنائه آية على حلي الزينة وعلامة على الثراء ومخزنا أو مستودعا للقيمة.


                  . ورغم اختلاف تسميات اللغات - كما ألمحنا - إلا أننا نعجب كثيرا أمام بلاغة العربية في المصطلح الذي تستخدمه لوصف هذا المعدن الابريز فتقول انه ذَهَبْ.. وفي تلك إيماؤه لا تخفى الى معنى الذهاب وربما الزوال.. ولا يبقى سوى وجه ربك ذي الجلال والإكرام.


                  الذهبي: هو شمس الدين محمد.. وكان عالما متواضعا وفقيها حكيما وبسيطا لا علاقة له بالذهب سوى علاقة اسم العائلة التي ينتمي اليها.. عاش في الفترة 1274 - 8431 للميلاد وهي فترة الأفول في الحضارة العربية الإسلامية وبنفس المقياس كانت فترة بالنسبة لكتابة التاريخ ومهنة المؤرخين..


                  ويعرف الذهبي في كتاب فوات الوفيات وهو الملحق المعروف لكتاب «وفيات الاعيان» لابن خلكان بأنه كان محدثا بمعنى عالما بالدين ومؤرخا في وقت واحد. وجاء أبوعبدالله من مدينة ميافارقين وهي شمال شرقي ديار بكر في منطقة آسيا الصغرى التركية وعرفت بعدها باسم سيلفان.


                  وينتمي قومه إلى عشائر التركمان التي حَسن إسلامها وأراد النجباء من أبنائها أن يستكملوا علومهم فكان نزوح شمس الدين الذهبي الى الشام حيث عاش ومات في عاصمتها دمشق.. وإن حرص طيلة حياته، وكعادة علماء زمانه، على الطواف في أنحاء العالم الإسلامي وخاصة في القاهرة..


                  ورغم أن هذا العالم الجليل أصيب في بصره، ربما بفعل الانكباب على القراءة والنسخ والتأليف، إلا أنه ترك لأجيال - على ما يقول الزركلي (قاموس الاعلام - المجلد الخامس) تصانيف جليلة وكثيرة تقارب المئة كتاب وفي مقدمتها كتابه «دول الإسلام» في جزأين و«تاريخ الإسلام الكبير» في 36 مجلدا (تأمل!) والكاشف في تراجم أهل الحديث وميزان الاعتدال في نقد الرجال في ثلاثة مجلدات..


                  ومن حسن الحظ أن صادفت هذه الأعمال البحثية والنقدية جهودا واسعة ودؤوبة من أجل نشر عدد منها أو التنويه بعدد آخر، فضلا عما ورد من احالات متعددة الى الكتابات التاريخية للذهبي في متون أعمال كبيرة في عصرنا منها مثلا سلسلة إسلاميات الأستاذ أحمد أمين من الظهر الى الضحى.

                  تعليق

                  • محمد زعل السلوم
                    عضو منتسب
                    • Oct 2009
                    • 746

                    #10
                    روبوت .. رومانسي .. رفراف

                    «نانوبيديا» الحلقة الحادي عشر
                    روبوت .. رومانسي .. رفراف
                    بقلم :محمد الخولي



                    روبوت: أول نطق لهذه الكلمة كان في عام 1923. ولم يكن ذلك في ندوة علمية ولا بين جدران مختبر للالكترونيات.. لقد وردت على لسان ممثلي مسرحية عرضت في لندن ونيويورك وحملت اسم «رور» وأعيد عرضها مرارا لتدخل بها كلمة «روبوت» الى قاموس الانجليزية..


                    مؤلف المسرحية اسمه كارل كابيك وقد عمد الى نحت الكلمة من متن اللغة التشيكية التي تستخدم كلمة «روبوتا» التي تعني العمل القسري أو الشغل الإجباري - السُخرة كما تعبر عنها لغتنا الجميلة في إيجاز دقيق. ومن ثم جاء عنوان المسرحية «رورو» اختصارا لأول الحروف من عبارة: روسوم يونيفرسال روبوت» وتعني المخلوقات الميكانيكية التي سبق تصميمها لكي تؤدي الأعمال اليدوية البسيطة.


                    ولكنها - حسب حبكة الدراما المسرحية - مالبثت أن اكتسبت خبرة وقدرات لدرجة أن النماذج المتقدمة من هذه الميكانيكيات استطاعت أن تطور لنفسها مَلَكات الحس والشعور.. المحبة والكراهية ومن ثم فقد شكلت خطرا داهما يتهدد البشرية في وجودها من أساسه.. بهذا كان موضوع المسرحية خطيرا بقدر ما كان بالغ الحساسية شديد التأثير..


                    وفي وقت كان العالم قد خرج فيه من ويلات الحرب العظمى الأولى التي لم يكن قد انقضى عليها سوى 5 سنوات.. وشهدت بدورها تطورات كانت مذهلة في وقتها .


                    - وكل شيء نسبي طبعا - لم يكن أقلها التحول من المناطيد الطائرة (أشهرها منطاد زبلن الذي سجلته بعبقرية الرصد الملهم أعمال أديب العربية الكبير نجيب محفوظ عليه ألف رحمة ونور - الى حيث ارتفعت المخترعات الى الطائرة نفسها.. الحربية والمدنية على السواء) ومعها في نفس فترة المسرحية التشيكية الأصل استمع الناس لأول مرة في التاريخ الى إذاعات الساحر المستجد المتكلم الذي حمل اسم الراديو..


                    وسط هذا كله أحرزت مسرحية «رور» نجاحا على ضفتي المحيط الأطلسي وبهذا ترددت أصداء كلمة «روبوت» على ألْسنة شتى في انجلترا وأميركا، وبعدها اتسع استخدامها وتوسعت مفاهيمها بحيث لم تعد تقتصر على حكاية الماكينة المعقدة والسوبر - متقدمة التي تكتسب في مظهرها على الأقل بعض ملامح الكائن البشري.. بل امتدت دلالة كلمة «روبوت» الى حيث باتت تصدق على أي أعمال يؤديها الإنسان ذاته بشكل ميكانيكي.. روتيني..


                    فاقد للابتكار أو التجديد أو الإبداع وسط أوضاع وملابسات وأعراف عصر التصنيع الحديث.. (هنا تستدعي الذاكرة ولاشك مشاهد فيلم العصر الحديث لعبقري الكوميديا السينمائية شارلي شابلن الذي ركز على أن انكباب العامل - الصانع الفرد على أداء مهمة صغيرة ضمن عملية التصنيع.. يحول هذا الفرد - الإنسان الى ترس صغير تافه في آلة عاتية جبارة.. مما يؤدي الى تنميط سلوكه.. الى حد قد يجرده في التحليل الأخير من بشريته ذاتها)..


                    بهذا تشير المعاجم والمراجع المحدثة الى أن كلمة «روبوت» أصبحت تصدق على الاستخدام العلمي (الكائن الآلي) وكذلك الاستخدام غير العلمي (الأداء النمطي المتكرر اللامبدع واللامبتكر).. نحن إذن أمام يوتوبيا معكوسة بمعنى أنها عكس المدينة الفاضلة أو المجتمع - الحلم الذي طالما راود أفئدة الفلاسفة.


                    . والمصلحين والشعراء والعاشقين. إنها كما تسمى أحيانا «اليوتوبيا السوداء» حيث التروس تعمل وسط آلة الصناعة الرهيبة الوحشية وحيث يتحول العمل الصناعي الى نوع من العبودية الحديثة أغلالها تروس وحيث الآلة هي السيد والإنسان هو العبد الأسير المجرد من نعمة الفكر وأشواق الروح.


                    ومازال للكلمة تأثيرها البالغ في لغات وثقافات شتى بما في ذلك لساننا وفكرنا العربي، لا لمجرد سهولة نطقها واتساع نطاقها فحسب.. بل لأنها تلبي حاجة أساسية ومحسوسة في زماننا الراهن الذي لابد وأن نحّذر فيه من غلبة المادة على الروح ومن تحول البشر الى كائنات ميكانيكية السلوك لا تحركها سوى دوافع المصلحة أو اكتناز الأموال وضرورات الاستهلاك. لا عجب أن ظلت الكلمة تحتفظ بشكلها الأول وجيناتها اللغوية التشيكية الأصل.. ولا غضاضة في أن تنطقها الملايين.. روبوت..


                    رومانسي: بديهي أن تستدعي كلمة رومانسي وما يشتق منها. في باب.. رومانسية.. كل ما يعيه العقل البشري.. الإنسان المعاصر من أفكار واستدعاءات زفّة الشعور.. ورقي المشاعر.. ولطف الأحاسيس وخاصة بين جموع الشعرا، دع عنك في صفوف أهل اللواعج والأشواق والنجوى والعشق أهل الهوى كما تقول رائعة أم كلثوم..


                    لكن الايتمولويا - علم الاشتقاق والتأصيل اللغوي - يعود بالكلمة، لا الى العشق والهوى، ولكن ببساطة الى مدينة روما إذ كانت صانعة القوانين وعاصمة الامبراطورية وقصبة الحضارة اللاتينية التي دامت مع سطوة الرومان - اللاتين على مدى نحو من ثمانية قرون من حياة الإنسانية..


                    من هنا جاء أصل كلمة رومانسي.. لا بمعنى الرقة وخيال الجامح المحلق.. ولكن ببساطة أيضا جاء من لفظة «رومانوس» وتصدق على كل ما يتصل بمدينة روما وشعبها.. ومن اللفظة السابقة اشتقت اللاتينية أيضا كلمة «رومانيكوس» لتدل على نمط المعيشة داخل روما وأسلوب الحياة بين سكانها..


                    وبعدها أيضا شاع على الألسنة في جنوب أوروبا لفظة رومانيسي بمعنى اللسان الروماني أو النطق حسب ما ينطقه أهل روما ومنها جاءت الألسنة - اللغات الرومانسية - لا بمعنى المفعمة خيالا وعشقا ولكن المشتقة عن أصول اللاتينية التي كانت كما هو معروف لغة الرومان على امتداد امبراطوريتهم الشاسعة الأرجاء.


                    وفي الفرنسية القديمة كانت كلمة «رومانسي» تعني العمل الفني الذي تمت صياغته بالفرنسية. ومن هنا بدأ الطلاق.. أو بالأدق الفراق مع اللاتينية القديمة.


                    لتصدق صفة رومانسي على الأشعار التي كانت تصاغ خلال القرون الوسطى لتتغنى بفضائل الزمن الماضي الجميل.. زمن الفروسية والشهامة والنجدات والبساطة والنشوة لدى سماع أناشيد فرق الطروبادور وهم الشعراء الجوالون والقوّالون أيضا ممن كانوا يحملون آلات الجيتار فوق أكتافهم ويجولون بها وسط القرى والغيطان وفي الحواضر الناشئة في أوروبا يشّنفون آذان الناس ويستعيدون بأشعارهم زمان القيم الذي وليّ وأريج الماضي الذي راح.


                    والأغلب أن كلمة الطروبادور عربية مشتقة من عبارة مقلوبة وأصلها «دور.. طرب» أما آلة الجيتار فهي مشتقة بدورها من كلمة قيثارة العربية حيث يقال أيضا ان الأصول جاءت من لغة الأندلس إذ كانت مملكة عربية إسلامية زاهرة.


                    ومع أدوار الطرب، ومع نوستالجيا الأشواق التي كانت تستروح ذكريات الماضي الذي راح وانقضى.. بكل ما يحفها من سحر وروعة وغموض وبكل ما يتواكب معها من إيقاع النغم وأنفاس الشعر، والارتفاع رقيا عن مفردات الحياة اليومية بكل ماديتها وروتينها.. لصالح تكريس الأبطال الشجعان والتمدح بالغزل الجميل في روعة الجميلات الناعمات الغيد..


                    كما يقول أمير الشعراء احمد شوقي - وسط هذا كله.. تطورت المعاني المستجدة لكلمة رومانسية ورومانسي - أو رومانتيكي كما نقول في بعض المظان العربية.. وربما كانت ثلاثينات القرن 18، على ما تذكر تحديدا بعض المصادر الغربية، هي التي شهدت دخول كلمة رومانتيكية الى استخدامات اللغات الأوروبية وقد أضيفت عليها معاني الحب والصداقة والمثالية والأشواق البعيدة والحنين الواجف وإيقاع نبض المحبين..


                    ثم جاءت حركة الشعر الرومانسي في الأدب الانجليزي وقد استهلها صدور كتاب «أناشيد الشعب» في عام 1799 للشاعرين كولردج وزميله ورد ذورث لتنتهي تماما العلاقة القديمة مع روما وسكانها وأسلوب حياتها وأيضا مع حكاية اللغات الرومانسية بمعنى المتطورة عن اللاتينية ولكي تنفرد «رومانسية» وأخواتها بمعاني الخيال والحب والرقة وما إليها..


                    وأحيانا التمرد على مذهب الكلاسيك الذي يلتزم الى حد المبالغة بما درجت عليه تقاليد الأقدمين.. وهو تمرد نَقَل الفن ومازال من نهج الاتباع الى نهج الابتداع، فما بالك وقد قيض الله للنهج الجديد مبدعين كبارا يأتي في مقدمتهم في الأدب الانجليزي الشعراء شيللي وبايرون وجون كيتس.


                    كما يأتي في طليعتهم عند الفرنسيين شعراء من طراز دي موسيه ورامبو ثم يتصدرهم في إبداعات العربية المعاصرة شعراء مدرسة أبولو منذ ثلاثينات القرن الماضي ما بين علي محمود طه في مصر الى أبي القاسم الشابي في تونس الى جانب كبير من إبداعات جبران خليل جبران في لبنان.


                    رفراف: في لغات أوروبا القروسطية نصادف مادة «راف» التي يوردها معجم «الاشتقاقات الماكرة» كما قد نسميه (تصنيف الأستاذ هوغ روسون وهو باحث متخصص في هذا الباب) وينسِب إليها المعجم معنى الكمية المهملة أو الأكوام المتراكمة.. ألخ.. ومثل كثير من ألفاظ اللغة يبدأ اللفظ بالإشارة الى حدث فعلي أو أوضاع مادية محدودة بالزمان والمكان، ثم لا يلبث أن يتسع الاستخدام أو تجري استعارته لكي يؤدي بضع مهام أخرى تكون اللغة في مسيس الحاجة إليها..


                    وهكذا تحولت مادة «راف» بمعنى التجمع المهمل من مواد السكراب أو الحشد غير المطلوب من الأشياء المتجمعة والمتناثرة في أركان المكان، أي مكان، لتصدُق على البشر وهكذا كتب باحث انجليزي قديم في عام 1599 للميلاد يصف تجمعا من مواطنيه الانجليز بأنهم قوم يتسمون بسذاجة الفكر ونقص المعرفة وقلة التعليم..


                    بصراحة هم لا هنا ولا هناك.. هم.. «رفراف» مضيفا بأنهم أقرب الى أن يكونوا هباء منثورا وتستطيع أن تكنسه في لحظة.. ويبدو أن هذا الاستخدام قد عمد الى تطوير عبارة تقول ان هذا الكائن لا «هو رِف ولا هو رافِ بمعنى أنه لا في العير ولا في النفير حيث يقصد قومنا اليعاربة أن الكائن لا يصلح في رعاية الإبل وقت السلم ولا في الاحتشاد للحرب إذا ما دعى نفير القتال.


                    وربما يكون الانجليز قد استعاروا عن جيرانهم الفرنسيين تعبير «سان ريفل أوُ رافل» بمعنى «لا شيء على الإطلاق».. وبخلاف ذلك فنحن لا ننسى أن لغتنا الشريفة تتكلم عن الدهماء.. العامة..


                    وأحيانا الرعاع.. وأحيانا اخرى يتكلم مؤرخنا عبدالرحمن الجبرتي (ت 1822) عن جموع الناس الذين كانوا يتجمعون وقت الشحة والأزمات في حواري قاهرة العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر يحدثون جلبة وثرثرة.. وزياطا.. وما كانوا في نظر الجبرتي سوى جماعات من الزعران والحرافيش.. وحشو العامة.. رفراف كما يقول الغربيون.

                    تعليق

                    • محمد زعل السلوم
                      عضو منتسب
                      • Oct 2009
                      • 746

                      #11
                      شاي.. شانتي.. شوفيني

                      «نانوبيديا»
                      شاي.. شانتي.. شوفيني




                      دائرة معارف مصغرة في 30 حلقة عن مصطلحات ومسميات عاشت في زماننا، من هنا نقدم سبيكة معرفية نحكي فيها عن أصول الكلمات والمصطلحات والمفاهيم التي يستخدمونها في حياتنا الراهنة.. من الانجليزية الى العربية.


                      ومن خلال هذا الجهد الذي استغرق مراحل زمنية مطولة وعمد الى استشارة مراجع متخصصة شتى.. آثرنا أن نعرضه على شكل موسوعة عربية مصغرة نانو موسوعة رتبناها على حروف الأبجدية العربية من الألف الى الياء بحيث نخّص كل حرف منها بثلاثة مصطلحات يطالعها القارئ الكريم على امتداد أيام رمضان المعظم.


                      شاي: في عام 2005 صدر في أميركا كتاب من تأليف توم ستانداج، وهو المحرر العلمي لمجلة الايكونومست البريطانية.. وبين سطوره حاول المؤلف أن يتابع تاريخ الحضارة الإنسانية على مدار عصور شتى، لا من خلال تطور المعمار مثلا ولا من خلال الحروب والغزوات أو حتى تقدم العلم والفكر أو الفلسفة..


                      لقد اختار أن يتابع حضارة البشر من خلال المشروب الذي كانوا يفضلون احتساءه من زمن إلى آخر.. ومن بلد أو ثقافة إلى أخرى ولهذا جاء عنوان الكتاب على النحو التالي: .. تاريخ للعالم في ستة أقداح من بين هذه الأقداح كان طبيعيا أن يتوقف الكاتب الصحفي الانجليزي عند فنجان الشاي..


                      هناك من يربط بين اسم الشاي وبين «تشاينا» الاسم الذي تعرف به الصين في لغات كثيرة.. وثمة أساطير صينية تقول أن أول من احتسى «كاسة شاي» في العالم كان الامبراطور الصيني شن نونغ في الفترة 2737 - 7972 قبل الميلاد.


                      وفي كل حال فأساتذة علم النبات يصنفون شجيرة الشاي ضمن الفصيلة الكاميلية (كاميلا سبينانسيس) وترجع أهمية أوراق هذه الشجيرة إلى أنها ارتبطت - لا بمجرد كونها شرابا لطيفا ومنعشا فقط - ولكن ايضا إلى أنها أنشأت ما يمكن أن يوصف بأنه ثقافة «الشاي» بمعنى أساليب قطفه وخلطه وتحضيره واحتسائه.. الخ.


                      وعلى خلاف مرطبات الكولا التي ذاع صيتها عند الأميركان ومن خلالهم، فإن الشاي مشروب له تاريخ طويل لأنه ارتبط بالتطور الحضاري وأحيانا بالصراعات والمشكلات الدولية التي شهدتها حقب شتى من مراحل العصر الحديث.


                      ورغم أن الشاي يرتبط من حيث الأصل بالصين إلا أنه من حيث الثقافة وربما الاقتصاد ارتبط بالانجليز.. وعلى وجه التحديد بالمد الامبريالي الانجليزي الذي بدأ بعد حركة الكشوف الجغرافية التي حملت أساطيل بريطانيا إلى ما وراء بحار الشرق الأوسط ثم الشرق الآسيوي البعيد.


                      وفيما أطلق الحاكم الإداري البريطاني سير جورج ماكارتني مقولته الشهيرة عام 1773 بأن «هذه الامبراطورية (البريطانية) لا تغرب عن ارضها الشمس» - فإن كاتبا انجليزيا هو سير سوثي سميت (1771- 1845) وجّه شكره إلى مولاه لأنه منح البشر مشروب الشاي وماذا كانت الدنيا ستصنع بغير هذا المشروب العجيب..


                      الذي بلغ من أهميته خلال سنوات السيطرة البريطانية على أجزاء آسيا وأفريقيا.. وخاصة منذ أيام شركة الهند الشرقية في القرن 18 - الحد الذي جعل مؤرخين كثيرين يصفون لندن بأنها كانت «عاصمة امبراطورية الشاي».


                      وإذا تأملت مسميات هذا المشروب الشهير في لغات وثقافات العالم لأدركت على الفور أن ثمة تسميتين هما الغالبتان.. أولهما «تي» في الانجليزية والفرنسية والإيطالية والاسبانية والألمانية ولغات اسكندافيا الشمالية (حتى الأندونيسية..) والثانية هي «شاي» ومشتقاتها الصوتية من التركية إلى العربية إلى التشيكية إلى الروسية..


                      إلى سواحيلية شرق أفريقيا وحتى اليابان. وربما يكون الاستثناء، الذي لم نفهمه، عند أهل بولندا الذين لم يعجبهم فيما يبدو لا كلمة تي ولا كلمة شاي فإذا بالفرد فيهم يسأل ضيفه في مقاهي وارسو مثلا قائلا: - تحب تشرب هرباتو؟.. يعني شاي.


                      ينمو نبات الشاي في المناخ الدافئ وخاصة في قارتي آسيا وافريقيا.. وقد استوردته شركة الهند الشرقية الهولندية إلى أوروبا نحو سنة 1600 للميلاد. وشرع الانجليز في استعماله منذ عصر اعادة النظام الملكي، وربما ابتهاجا بانهاء نظام جمهورية كرومويل في عام 1660 وبعدها احتكرته شركة الهند الشرقية البريطانية وبواسطتها دخل إلى المستعمرات الأميركية.


                      ورغم أن مرطبات الكولا الأميركية التصنيع تعد من أشهر الأسماء شيوعا في العالم المعاصر إلا أن مشروب الشاي يعد أكثر المشروبات (المشاريب كما يقول عمال المقاهي في القاهرة) شيوعا في تاريخ العالم وحاضره لا يسبقه في الأهمية الحيوية سوى الماء بجلالة قدره في حياة البشرية.


                      ليس صدفة إذن أن يختار الكاتب توم ستانداج الذي أشرنا إليه عنوانا للفصل الذي كتبه عن هذا المشروب العبارة التالية: .. قوة.. (أو سلطة) الشاي وبحكم جنسيته فهو يتوقف بقدر كبير من التأمل وربما من الاستعبار إزاء الصلة التي ربطت بين قدح الشاي وبين إزدهار الامبراطورية،


                      وهو ينهي سطوره بالتأكيد على أن حكاية الشاي تعكس الجاه والسلطان اللذين تمتعت بهما امبراطورية بريطانيا حيث كان يتساوى في شرب الشاي القادة والجنود والوزراء والدهماء.. ومن يومها اصبح يصدق على الانجليز حتى الآن صفة أنهم شعب من شاربي الشاي..


                      شانتي: كلمة تنازعتها ثقافات كثيرة رغم أنها تصدق على أوضاع من التعاسة والمشْغبة وقلة الحيلة وسوء الأحوال.. شانتي هو أساسا الكوخ البسيط لا بمعنى عدم التعقيد ولا بمعنى الرغبة في عناق الطبيعة أو الالتحام المباشر بمجاليها..


                      إنها بساطة الفقر المدقع الذي يحتال فيه المرء على سوء الأوضاع فيذهب إلى الغابة إن وجدها.. كي يحتطب أو إلى مستودع النفايات يجمع خشبة من هنا ولوحا من هناك وبعدها يحاول أن يصطنع كوخا يفتقر إلى أبسط مقومات المرافق ولكنه في كل حال سقف..


                      مجرد سقف يغني البشر عن التحاف السماء بمعنى أنه يسترهم عن عيون الآخرين (وهي الجحيم كما قالها يوما الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر) وقد يقيهم أنواء الطقس الذي لا يرحم قيظا في منطقة هنا أو زمهريرا في إقليم هناك..


                      لأمر ما ارتبطت أكواخ شانتي بالمهاجرين الأيرلنديين إلى الأصقاع الأميركية وهناك من ذهب إلى أن الكلمة مشتقة من مقطعين في لغة هؤلاء الأيرلنديين وهما «شن» بمعنى قديم و«تيج» بمعنى بيت ولم يكن الأمر غريبا لأن الكوخ ما هو إلا بيت قديم أو مثوى متهالك إلى حد التداعي والتهافت.


                      لكن البحث اللغوي الحديث عمد إلى متابعة أصل الكلمة فإذا بها وقد دخلت عمود الانجليزية - الأميركية ـ من اصل فرنسي وعن طريق الحدود الكندية.. يعني من الأقاليم الناطقة بالفرنسية الواقعة في كندا شمالي الولايات المتحدة ومنها بالذات إقليم كيبيك وعاصمته مونتريال ـ مونريال كما يحب أهلها أن ينطقونها في إيقاعها الفرنسي.


                      الكلمة الفرنسية هي شانتييه ومعناها مستودع الأخشاب وهي بدورها مأخوذة من اللاتينية الأم «كانثيروس» التي تشير إلى دواب الحمل مثل الحمير أو الخيول التي تحمل الحطب فوق ظهورها آية على أنها من الطبقة الدنيا، طبقة الشغيلة من فصائل الأنعام. ويرجع أصل الكلمة بنفس نطقها اللاتيني إلى اللغة اليونانية وكلها تحيل إلى الأخشاب الرخيصة


                      ومن ثم إلى الأكواخ الفقيرة التي يراها الناظرون أو الزائرون متراصة يتساند بعضها إلى بعض خوف التداعي والوقوع - ومن ثم فهي تشكل في مجموعها شانتي تاون أي أحياء الشقاء التي عادة ما توجد على أطراف المدن الكبرى بسبب الهجرات المرتجلة المتدفقة إليها من فقراء الأرياف والبوادي


                      وأحيانا تكون هذه الأحياء الفقيرة موجودة في قلب العواصم والحواضر موروثة عن أوضاع عتيقة لم تمتد إليها بعد أيادي التمدين أو التطوير أو العمران ومن ثم فهي تحمل اسما دالا على أصلها وهو يرادف معنى «الأحياء ـ أو التجمعات الداخلية».


                      شوفيني: في ذروة مجد بونابرت ارتفعت شعارات نابليون وخفقت راياته وذاعت انتصاراته فاتحا وغازيا وقنصلا وامبراطورا وبطلا تاريخيا.. وكان طبيعيا أن يحتشد من حول اسمه وأمجاده معجبون ومؤيدون كثيرون..


                      ومن هؤلاء المعجبين عاش الجندي الفرنسي البسيط «نيكولاس شوفيني» أسيرا لكاريزما الامبراطور الذي كان يرى فيه البطل المغوار والإنسان العظيم.. وكان ذلك طبيعيا بحكم نجومية الامبراطور، وتواضع العسكري «شوفيني».


                      لكن الذي لم يكن طبيعيا هو أن يظل المسيو شوفيني يردد شعارات الامبراطورية بعد سقوطها ويعلن اعجابه وولاءه لجلالة امبراطور فرنسا وزين رجالاتها وتاج رأسها نابوليون بونابرت.. رغم أن الأخير كان قد تحوّل من امبراطور في قصر ؟رساي في باريس إلى مجرد أسير مهزوم ومنفي في جزيرة سانت هيلانة في قلب البحر المحيط.


                      راحت أيام الامبراطورية، وغربت شمس بونابرت.. وسكتت كل الأصوات وضمدت كل نوازع الحماس إلا عند نيكولاس شوفيني المذكور أعلاه الذي ظل حتى آخر أيام حياته، ورغم أن الدنيا تغيرت، يعلن عن ولائه للامبراطور..


                      ويحتفل بمناسبات الامبراطور ويردد أمام القاصي والداني شعارات وخطب وأقوال الامبراطور.. وهكذا تحولت المسألة من وهج الشعور الوطني إلى حالة أقرب إلى الدروشة التي كانت مثار إشفاق البعض وسخرية البعض الآخر.. لكن فريقا ثالثا ما لبث أن اشتق معاني مهمة من اسم الجندي البونابرتي الساذج فكان أن بقي ذِكره في التاريخ..


                      بعد أن تحول اسمه من «شوفين» إلى صفة شوفيني والى مذهب أو اتجاه سلوكي بل وسياسي وهو «شوفينية».. وكل هذه المسميات تصدق على المبالغة في التمسك المذهبي إلى درجة التعصب المرفوض بل والأحمق المأفون في بعض الأحيان..


                      في النصف الأول من القرن 19 كان الشوفيني هو الوطني المتعصب لدرجة الانغلاق.. ودخل هذا المعنى إلى الثقافة الانجليزية مع أواخر ذلك القرن ليعني التعصب الأعمى لكل مبدأ أو مذهب أو فكرة أو نظرية. ومع تنامي الحركات النسائية المطالبة بحقوق المرأة..


                      استعاروا ـ بالأدق استعرن ـ نفس المصطلح ليصدق على تعصب الرجل لذكورته وعلى حساب حقوق النصف الآخر من المجتمع. ومن هنا جاء تعبير شوفينية الذكورة.. ترى أليس هناك مرادف للمرأة التي تتعصب إلى حد الغلو لبنات جنسها؟ المشكلة أنه لم يصح لنا حتى تاريخه أن نصادف التعبير المرادف أو المقابل الذي يصف مثل هذه السيدة أو الآنسة بأنها فيميل شوفينست بمعنى «الأنثى المتعصبة» إلى حد خطير.


                      يكتبها : محمد الخولي

                      تعليق

                      • محمد زعل السلوم
                        عضو منتسب
                        • Oct 2009
                        • 746

                        #12
                        صنداي .. «صامي» .. صندوق البريد

                        نانوبيديا»
                        صنداي .. «صامي» .. صندوق البريد




                        دائرة معارف مصغرة في 30 حلقة عن مصطلحات ومسميات عاشت في زماننا، من هنا نقدم سبيكة معرفية نحكي فيها عن أصول الكلمات والمصطلحات والمفاهيم التي يستخدمونها في حياتنا الراهنة.. من الانجليزية الى العربية. ومن خلال هذا الجهد الذي استغرق مراحل زمنية مطولة وعمد الى استشارة مراجع متخصصة شتى.. آثرنا أن نعرضه على شكل موسوعة عربية مصغرة نانو موسوعة رتبناها على حروف الأبجدية العربية من الألف الى الياء بحيث نخّص كل حرف منها بثلاثة مصطلحات يطالعها القارئ الكريم على امتداد أيام رمضان المعظم.


                        صنداي: عندما احتاج الانجليز إلى تسمية شهور السنة فقد لجأوا إلى استعارتها من أصول لاتينية ولكنهم استوردوها عن طريق جيرانهم الفرنسيين.. حدثت هذه العمليات من الاستعارة والاستيراد في عام 1000 للميلاد أو نحوه، وهي الفترة التي شهدت تدفق العناصر الفرنسية بالغزو وبالهجرة وبالزيارة من شمالي فرنسا إلى الجزر البريطانية حاملة معها أساليب الحياة وموتيفات الثقافة الفرنسية ومفردات اللغة الفرنسية التي تطورت عن اللغة اللاتينية الأم. وكان أن طبعت بذلك اللغة الانجليزية التي وقعت تحت نوعين من المؤثرات كان أولهما المؤثر الجرماني - السكسوني وكان الثاني هو ذلك المؤثر الفرنسي - اللاتيني الذي أشرنا إليه فيما سبق من سطور.


                        من ناحية أخرى ظلت أسماء الأيام مقتصرة في معظمها على المؤثر الجرماني. ويذهب بعض الباحثين إلى أن تقسيم الأسبوع إلى 7 أيام لا يرجع فقط إلى حضارة الرومان بل يرجع إلى عهد أقدم من ذلك وهو مرحلة الحضارة البابلية التي ازدهرت - كما هو معروف - في بلاد الرافدين، أرض العراق القديم. هنالك ربط البابليون بين أيام الأسبوع وبين الأجرام السماوية السبعة التي كانت معروفة في زمانهم.


                        ثم ورث الرومان هذا الربط وهذا التقسيم فكان أن صاغوا من لغتهم أسماء الأيام وقد ارتبطت بالكواكب والنجوم وكان منها سولس دايس وهو يوم الشمس الذي أصبح أول أيام الأسبوع.. فهو الأحد (أي رقم واحد) ومن بعده ثاني الأيام وهو يوم القمر لوناي دايس (لوندي بالفرنسية) أي الاثنين.. ومارتس دايس الثلاثاء (ماردي) أي يوم الكوكب مارْس وميركوري دايس - الأربعاء وهو يوم الكوكب ميركوري الزئبقي - عطارد ومن بعده اليوم الخامس وهو يوم جوفس دايس وهو يوم كبير المعبودين جو؟، ويوم ؟ينوس فيريس دايس أي الجمعة وأخيرا يوم الكوكب زحل - ساتوري دايس.


                        الثقافة الجرمانية التي نقل عنها الانجليز كان لها رأي آخر.. لقد عمدت لا إلى نقل أيام الأسبوع بالصيغة السابقة ولكن إلى ترجمة معانيها.. وهكذا أصبح القمر مثلا هو مون داي (منداي الانجليزية) وأصبح يوم الشمس أيضا هو (صن داي) وهكذا. اختلطت الثقافات بالخرافات.. وامتزجت تقسيمات الروزنامة بالميثولويا الحافلة بأسماء الأرباب والأوثان والرموز التي كان القدماء يقدسونها فوق الأرض فيما تفرغ بعضهم من أجل أن يرصد مسارها في أجواز السماء..


                        ومن هنا ورث الإنسان المعاصر، في أكثر من لغة وثقافة، كل هذه الروافد المختلطة التي انحدرت من أصولها الفينيقية أو البابلية أو الفرعونية أو الفارسية أو السنسكريتية فكان أن اندمجت مع حضارة الاغريق والرومان والسكسون وال؟ايكنج - النُورس في شمال أوروبا لتصب في نهر الحضارة الواحد الذي ما برح البشر يمتحون من مَعينه حتى الآن.


                        صامي: جنس من سكان أهل الشمال الأوروبي وهم رحّل يجوبون الصحارى الثلجية في منطقة القطب هم بدو ثلجيون إن صح التعبير لأنهم يتنقّلون بقطعان حيواناتهم وعبراتهم المتزلجة على صفحة الجليد المصقول في منطقة لابلاند القطبية الدائمة الثلوج في معظم فصول العام.. يفضل العلماء اطلاق لفظة «صامي» و«صاميين» للدلالة على جنسهم بدلا من كلمة «سامي» و«ساميين» وهم الشعوب المعروفة في منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتها بطبيعة الحال شعوبنا الناطقة باللغة العربية.


                        منطقة لابلاند التي يسكنها هؤلاء الصاميون تشتق اسمها من لفظة لابي بالفنلندية بمعنى المساحة الشاسعة وهي تمتد لتشمل أراضي في فنلندا والسويد والنرويج.. ورغم قسوة طقسها إلا أن بها غابات صنوبرية وبحيرات عديدة ومستودعات طبيعية من أغنى الثروات المعدنية (حديد ونحاس ونيكل).


                        لكن سكان الأصل الصامي يشتغلون أساسا برعي حيوان الرنّة ويزاولون صيد البر والبحر ويُعتقد أن أصلهم من بدو آسيا الوسطى طوحت بهم الرحلة إلى تلك الأصقاع الشمالية من قارة أوروبا فاتخذوا منها مستقرا ومستودعا عبر مراحل سبقت من التاريخ.. وقد ظلوا على بداوتهم بعيدا عن العقائد الدينية إلى أن نشط بين صفوفهم مبشرون من الروس وأهل سكندناوه فكان أن تحولوا إلى المسيحية في القرن الثامن عشر للميلاد..


                        ورغم أن هناك إحصاءات تفيد بأن عددهم بلغ 30 ألفا إلا أن المصادر المتخصصة تؤكد أن حجمهم أكبر بعدة اضعاف وأن المشكلة هي صعوبة حصرهم إحصائيا بحكم أسلوب حياتهم البعيد عن الاستقرار (تقول مصادر برلمان الصامي السويدي أن عددهم في النرويج وحدها بلغ 40 ألف نسمة) وتفيد مصادر أخرى بأن الأجيال الصاميّة الجديدة بدأت تتخلى عن احتراف مهن الرعي وصيد الأسماك والصيد البري لصالح احتراف مهن جديدة أخرى في مجالات الصناعة أو الخدمات.. الدنيا تتغير والحياة أصبحت أكثر تعقيدا والمعايش صعبة حتى عند سكان الصامي، جيران القطب الشمالي من كوكب الأرض.


                        صندوق البريد: البريد هو توصيل الرسائل التي درج الناس على التواصل بواسطتها منذ الزمان القديم.. عرف قدماء الفرس والعرب والرومان نظام توصيل الرسائل وكان أغلبها لصالح الدولة وحكامها وعمّالها ومصالح رعاياها الرسمية ويقال إن لفظة البريد مشتقة من معنى البَرَد وهو الثلج الذي كان يغطي رؤوس الجبال حيث كان يتعين على دواب الرسائل - البغال بالذات - أن تصعد من أجل توصيل ما تحمله جعبتها من خطابات تتعلق بشئون البلاد والعباد.


                        لفظة «ميل» التي تدل على نظام البريد تعود إلى كلمة «حقيبة» في الألمانية القديمة وقد استعارتها الفرنسية في مراحل سبقت لتقصد بها الحقيبة الجلدية وينطقها الفرنسيين بوصفها «مال» ثم استعارها الانجليز، وكثيرا ما يفعلون، عام 1200 للميلاد لتدل على أي حقيبة والسلام ولكن مع مجئ القرن 17.. بدأوا يحددون الاستخدام لينصرف بالذات إلى الحقيبة - المصنوعة غالبا من قماش خشن وسميك لتحمل الرسائل العامة والخاصة.. «زكيبة البريد» كما كان يسميها الصحفي المصري الرائد أحمد الصاوي محمد الذي كان يحرر بابا في جريدة الأهرام يحمل هذا الاسم إلى جانب مقاله الذي ظل ينشر لسنوات طويلة تحت اسمه الشهير «ما قلّ ودلّ».


                        على أن نظام البريد الحديث اكتسب طابعه المؤسسي، الحكومي العام.. والأهلي الخاص في خمسينات القرن السابع عشر وتحديدا في عام 1553 في فرنسا حين منح ملكها لويس الرابع عشر رئيس ديوانه فيلاييه امتيازا بإنشاء صناديق للبريد توضع في كبرى شوارع العاصمة باريس ويتم توزيع المراسلات نظير درهم واحد يدفعه الراسل مقدما لكل خطاب يراد توصيله إلى أحياء المدينة الأخرى.. وبعد 3 سنوات (1657) أدخلت انجلترا نفس النظام في عاصمتها لندن وسائر حواضرها الكبرى..


                        وفي هذا الإطار استحدثوا نظام طوابع خاصة يتم لصقها على صفحة الرسالة لدى دفع المعلوم.. ورغم أن زكيبة البريد المصنوع من مادة الجوت - السيسل النباتية السميكة كانت المفضلة عمليا لدى السادة سعاة البريد - إلا أن عالما سويديا هو الدكتور وايبرغ توصل إلى اختراع الصندوق الميكانيكي الذي تفرغ محتوياته من الصندوق العمومي إلى حيث تنزل الرسائل والطرود الخفيفة في الحقيبة التقليدية للبريد.. ثم تفتح قاعدة الصندوق بطريقة آلية تحول بين العامل أو الموظف وبين أن يتناول بيديه أيا من محتويات الصندوق في حين تفتح الحقيبة بمفتاح خاص في مصلحة البريد.


                        أما وسائل نقل الرسائل فقد تطورت تبعا لتطور الحضارة الإنسانية ما بين أفراد العبيد الذين كانت تكتب الرسائل على جلود رؤوسهم ثم ينتظرون إلى أن يطول الشعر ليغطي فروة الرأس وطبعا يخفي مضمون الرسالة.. إلى كتائب العدائين الذين كانوا يركضون من محطة إلى أخرى في أنحاء العالم القديم.. إلى النجاّبين الذين كانوا يمتطون الدواب السريعة كما صوروهم في أفلام هوليوود أو البطيئة (كما صورهم في أغنية ساخرة الكوميدان الأشهر إسماعيل ياسين)..


                        وبعدها جاء دور الكوتش أو عربة البريد الشهيرة التي كانت تنقل الغيد الحسان في أرياف وبوادي أميركا وغالبا ما تعرضت للسطو والنهب في حكايات أفلام رعاة البقر.. ثم جاء دور السفن البخارية (كان أشهرها في العالم العربي بواخر البوستة الخديوية في مصر) وبعدها دخل الطيران - البريد الجوي عالم نقل الرسائل السريعة بين أقطار المعمورة وكان ذلك اعتبارا من سنة 1918.


                        وربما ظن الكثيرون من أهل النصف الأول من القرن العشرين أن حكاية طائرة النقل الجوي هي آخر صيحات، أو ختام السبل الناجعة للبريد المحلي والعالمي.. لكن ها هو العالم وقد طور الوسائل المستخدمة حيث بدأ بالتصوير - الاستنساخ خلال الحرب العالمية الثانية وفي السبعينات توصلوا إلى مبرقة الفاكس العجيبة.. ولم تغرب شمس القرن العشرين إلا وقد دخل إلى حياة الناس البريد الالكتروني الذي يبعث بالرسالة ويتلقى الرد عليها خلال ومضات ينبض بها جهاز الحاسوب..


                        مع هذا كله.. تظل الرسالة المكتوبة بخط اليد.. ويظل لصندوق البريد الميكانيكي وحتى الحقيبة الجلدية البسيطة - يظل لهذا كله أهميته في زمن الإيميل ومازال مرأى ساعي البريد أو ساعيته مألوفا ومرغوبا تطالعه العين كل صباح في أكثر دول العالم تقدما.. آية على أن التواصل الإنساني بين الناس مازال أمرا مهما ومندوبا إليه في كل حال.


                        يكتبها : محمد الخولي

                        تعليق

                        • محمد زعل السلوم
                          عضو منتسب
                          • Oct 2009
                          • 746

                          #13
                          ضريبة الملح .. الضحك .. ضريح

                          «نانوبيديا» -الحلقة السادس عشر
                          ضريبة الملح .. الضحك .. ضريح
                          بقلم :محمد الخولي



                          ـ إن جابِل ـ ضريبة الملح عند الفرنسيس - كانت من الأسباب الأساسية لاندلاع ثورة فرنسا الكبرى في 14 يوليه من عام 1789.


                          في هذا الخصوص، يسترعي الاهتمام الكتاب الذي أصدره العالم الألماني ماتياس شيلندر عام 1875 بعنوان «داز سالز» (عن الملح) وتكلم فيه عن ارتباط رآه عبر التاريخ بين ضرائب الملح ونظم الاستبداد والطغيان في العالم على نحو ما شهدته حضارات غابرة في أقطار مثل المكسيك غربا والصين شرقا..


                          وكان بين هذه النظم فرنسا في وسط الكرة الأرضية بعد أن فرضت حكوماتها ضريبة الملح - الجابِلْ المذكورة أعلاه - مدعية أنها ضريبة رؤوس بمعنى أنها مفروضة على كل أبناء الدولة الفرنسية. ولم يكن ذلك صحيحا، بل كان الصحيح أنها كانت مستحقة فقط على الغلابة.. الفقراء من معدمي الفلاحين (ممن لا يملكون أرضا ولا عقارا) وعلى صغار الحرفيين ممن لا يملكون شروى نقير كما يقول المثل العربي القديم والمعنى يفيد العاجز من فرط الفاقة عن شراء نواة البلح).


                          هكذا كان فقراء فرنسا لا يجدون مع الخبز سوى أن يقتاتوا بالملح.. ثم يدفعون أيضا ضريبة على هذا الملح الذي يقتاتون، هذا بينما كان الموسرون من الأرستقراطية والإقطاعيين وأصحاب الضياع الشاسعة والأبعاديات والقصور القوطية المعمار.. ومعهم الكرادلة والجنرالات وحاشية الملك ووصيفات الملكة وسائر نبلاء نظام أسرة البوربون - كان هؤلاء القادرون يعفون من ضريبة الملح فضلا عن امتيازاتهم الطائلة الأخرى. وكلما نضبت خزائن العاصمة باريس واحتاجت قصور ؟


                          رساي والتويلري إلى أموال جديدة لزوم الترف والمتعة الفارغة وأحيانا لزوم الغزوات العسكرية العقيمة.. كان ملوك فرنسا يتوسعون في ضريبة الملح لدرجة أن جاء عام 1760 فإذا بالملك لويس الرابع عشر.. يعتبر ضريبة الملح مصدرا أساسيا لخزانته القومية ولم يقتصر أمر ضريبة الجابِل على فداحة المبالغ ولا على تحميل العبء على كاهل عامة الفقراء وإعفاء السادة الموسرين وصفوة الأغنياء..


                          بل زاد الأمر فداحة أسلوب الجباية الفظ الغليظ الذي كان يتبعه جباة الحكومة وقد حملوا اسم «الجابيلوز» الذي أصبح مرادفا لكل موظف حكومي قاس ومتجبر حيث كان كل منهم مشروع طاغية.. أو فرعوناً صغيراً كما يقول المصريون.


                          وفي هذا الجو المشبع بالظلم والمترع بالقسوة والتمييز كان طبيعيا أن تستشري آفة فساد الحكومة ورشوة عملائها ومحاولات تهريب الملح بعيدا عن أعين السلطة ولو في مواضع من أجساد البشر.. هذا فضلا عن تنامي السخط الشعبي العام الذي تولدت في أتونه شرارة الرفض والتمرد والثورة حين زحف العامة الساخطون على سجن الباستيل صبيحة الرابع عشر من يوليو.


                          وبعدها انعقدت أول جمعية برلمانية في ظل الوضع الثوري الجديد وكان أول قرار أصدرته هو إلغاء ضريبة الملح التي وصفها خطباء الثورة وزعماؤها بأنها بغيضة إلى أفئدة جميع الفرنسيين. ومنذ صدر القرار النهائي بالانعقاد في عام 1791 نسى أهل فرنسا ضريبة الملح ولم يبق منها سوى تاريخها وما ارتبط بها منذ القرن الخامس عشر من معاناة وشظف وحرمان.


                          الضحك: هو الحالة أو المزاج النفسي التي يعيشها الإنسان السوّي في كل أطوار حياته، سواء كان الضحك من باب التفكه والسعادة والحبور أو إدراك المفارقة في المواقف أو الأقوال وهو ما يفهمه الموهوبون في لمحة ذكاء.. أو سواء كان ضحكا كالبكاء على نحو ما قال المتنبي. وفي هذه الحالة يكاد المرء (يجهش) بالضحك من شدة المأساة والتعبير لكاتب كبير من مصر هو الأستاذ كامل زهيري.. وقد ورد الضحك في الكتاب الكريم في سبعة مواضع منها ما يفيد الاستنكار إزاء الذين يعجبون من هذا الحديث..


                          وإذا بهم يضحكون بغير مسؤولية ولا يبكون تدبرا للعواقب: أين هذا الضحك اللاهي الخائب غير المسؤول من نبي الله سليمان.. وقد وهبته السماء معجزة فّهْم لغة الحيوان.. فإذا به يسمع النملة الشاطرة الذكية تنصح قومها أن يدخلوا مساكنهم (شقوقهم في شعاب المباني) وإلا داست عليهم جنود سليمان وساعتها.. ترتسم الصورة الجميلة لسليمان عليه السلام.. إنسانا ودودا وشغوفا.. فكان أن ابتسّم.. ضاحكا من قولها وما لبث أن شفع هذه اللحظة الرائعة من تواصل الإنسان مع الحيوان وكلاهما من فطرة الله عزّ وجل فكان أن سارع نبي الله إلى مناجاة مولاه قائلا:


                          «رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه» والتبسّم يقول عمنا القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» هو أول الضحك. (أحيانا ينفجر الإنسان ضاحكا دون اجتياز مرحلة الابتسام) ومع ذلك فلنا أن نوافق المفسر الكلاسيكي الكبير على أن الضحك يبدأ معتدلا بالبسمة فإذا زاد واتسع نطاقه فهو يوصل إلى القهقهة وإن غلب التبسم على ضحك الأنبياء.. أما عبارة «رب أوزعني» كما وردت في هذا الموضع الجميل من سورة النمل (الآية 19) فمعناها «رب ألهمني» والله أعلم.


                          وليس لأحد أن يظن أن الضحك مجرد لهو ولعب أو حالة أو أسلوب لإزجاء الفراغ. هناك «علم اسمه.. الضحك» كما يقول صديقنا الراحل منذ أسابيع البروفيسور أحمد مستجير أستاذ علم الوراثة (في كتاب مختصر وجميل أصدره مستجير، عليه رحمة الله، في سلسلة «بحور العلم» في مثل أيامنا هذه من العام الماضي). وفي الكتاب يقول:


                          - نولد جميعا ولدينا القدرة على الضحك: إنه لغة عالمية لا تحتاج إلى أن نتعلمها.. كل الشعوب تضحك فالضحك جزء من السلوك البشري. والفرد منا يضحك في المتوسط 17 مرة كل يوم.. بل أننا نضحك أكثر مما نأكل أو نغني أو نحب. والضحك هو أقصر المسافات بين اثنين وأنت إذا رأيت شخصا يضحك شاركته الضحك حتى قبل أن تعرف السبب.


                          . بعدها يمضي عالم البيولويا العربي وقد كان أيضا أديبا وشاعرا ولغويا قديرا - ليواصل دراسته العلمية تحت عناوين من قبيل: لماذا نضحك.. وما هو الضحك.. وهل تضحك الحيوانات؟ ثم التشريح الصوتي للضحك ودائرة الضحك في المخ والسلوك الاجتماعي واللغوي للضحك.. الخ.


                          وهو لا ينسى أن يقدّم بين يدي هذا البحث العلمي الطريف بزهرة يقطفها من بستان شاعرنا العربي التونسي الكبير أبي القاسم الشابي في بيته الأشهر واصفا وجه الحبيبة يقول:


                          كالسماء الضحوك كالليلة القمر


                          اء كالورد، كابتسام الوليد


                          ومثلما ذهب أحمد مستجير إلى أن هناك علما اسمه الضحك.. فقد سبق الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون (1859 - 1491( إلى التعامل مع ظاهرة الضحك من منظور الفكر والفلسفة وعلم الاجتماع. (وعليه فقد ظل برجسون الحاصل على جائزة نوبل العالمية سنة (1927) معنيا بالضحك وتحديدا بإبداعات الكوميديا بوصفها ظاهرة اجتماعية في حين أن التراجيديا - المأساة كانت في رأيه ظاهرة فردية..


                          وفي رسالته الشهيرة عن الضحك جاء تركيز الفيلسوف الفرنسي على نشوء الضحك نتيجة المفارقة بين الأعراف الاجتماعية المقبولة أو السارية وبين سلوك الفرد البشري الذي كثيرا ما يكون ميكانيكيا أو تلقائيا وأحيانا فطريا بغير تأمل أو روية.. وهي مفارقة يلحظها الناس ويضحكون منها على مستوى الموقف واللغة وأنماط الشخصية.


                          في كل حال.. فقد يسترعي الاهتمام ما تكاد تجمع عليه نظريات علمية حديثة من حقيقة تقول:


                          -النساء يضحكن أكثر من الرجال.


                          من أين يأتي النكد إذن؟!


                          ضريح: هو بداهة المبنى المخصوص الذي يودع فيه رفات الراحلين البارزين من أعلام البشر.. ويسمى أحيانا المشهد أو التُربة (المدفن) ويتخذ في الثقافة الإسلامية أشكالا معمارية شتى مربعة أو مستطيلة وإن كان المصممون يستلهمون في هيكلته معمار المساجد وقد يلحقونه بها.


                          ومن أشهر الأضرحة الإسلامية تاج محل الشهير الذي بناه الملك شاه جيهان (1630 - 8461( ليضم رفات زوجته التي كان كَلِفاَ بها وهي الأميرة «ممتاز محل».. وقد صممه المهندس الأستاذ عيسى في مدينة أجرا - ولاية أوتار برادش بالهند ومازال يعد نموذجا رائعا ونفيسا لإبداع العمارة الإسلامية حيث يجمع بين عناصر البهاء والفخامة والإبداع.


                          وفيما جاء تاج محل تجسيدا عاطرا في عالم الإسلام لمحبة زوج طيب عطوف لزوجة جميلة راحلة.. فقد جاء نظيره في التاريخ القديم ضريحاً آخر تم تشييده عام 352 قبل الميلاد في منطقة هاليكارناسوس تخليدا لذكرى زوج حكيم ومحارب اسمه ماوسولوسي كان يدير باسم الامبراطورية الفارسية القديمة منطقة الحكم الذاتي فيما يعرف حاليا بالأناضول جنوب غربي تركيا..


                          كان الرجل شغوفا بفكرة تخليد ذكراه. وبعد أن شرع في بناء ضريحه الخاص كي يدفن فيه - توفي قبل أن يكمله فما كان من زوجته الوفية «أرتمسيا» إلا أن عكفت على استكمال الصرح السامق الجميل.. لدرجة أن اعتبره اليونان واحدا من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، ورغم أن الضريح المذكور أصبح اليوم أثراً بعد عين بسبب ما أصاب المنطقة من زلازل وهزات أرضية فضلا عن استخدام أنقاض البناء في تشييد صروح مستجدة أخرى.


                          فقد خلعت الثقافة الغربية من العصور القديمة إلى عصر النهضة والعصر الحديث اسم الحاكم القديم ماوسولوس على أي ضريح يضم رفات المشاهير، وبه دخلت إلى لغات الغرب كلمة ماوسولوم منذ القرن الخامس عشر وحتى اليوم شريطة أن يكون البناء تحفة معمارية وأن يدل بتصميمه وتنفيذه ومشهده الخارجي، فضلا عن مداخله ومجمل مرافقه على أنه استلهم موتيفة أو موضوعه مستمدة من الثقافة العقائدية أو الفكرية أو الإبداعية، السائدة لكي يمثل بامتياز تعبيرا صادقا عنها..


                          وليس صدفة في كل حال أن يرتبط الضريحان الشهيران في تاريخ العالم.. ماوسولوم القديم الذي انمحى وتاج محل الذي مازال صرحا رائعا يستهوي الزائرين ويسر الناظرين.. بوشيجة إنسانية طيبة تتمثل في وفاء الزوجة المحبة في حالة الأول وتتجسد في إخلاص الزوج الحادب في حالة الصرح الثاني.

                          تعليق

                          • محمد زعل السلوم
                            عضو منتسب
                            • Oct 2009
                            • 746

                            #14
                            زيرو.. زودياك.. زا

                            نانوبيديا» الحلقة الثانية عشر
                            زيرو.. زودياك.. زا
                            بقلم :محمد الخولي



                            زيرو: رغم أن الكلمة تستدعي بداهة حشداً من الأفكار والطروحات وربما الذكريات السلبية.. وخاصة في أذهان التلاميذ والطلاب.. وربما أيضاً في أذهان قطاعات من بيدهم مقاليد الأمور حين يعمد هذا الطرف أو ذاك إلى تذكيرهم بضروب الفشل الذي منيت به شعوبهم وأوطانهم في مجالات التنمية.. أو التعليم أو حتى المنافسات الرياضية أو الفنية وما إليها.. رغم هذا كله فإن علماء الرياضيات.. والحواسيب والإحصاءات يحتفلون بالزيرو أو بالصفر ويرون أنه بدونه أو بغير وجوده في حياة البشر لصادفت الحضارة عنتاً شديداً ومصاعب جمة ومشاكل بغير حدود..


                            كلمة «زيرو» كما يتعامل معها «معجم أسرار الكلمات» من سلسلة التراث اللغوي الأميركي يعود الفضل فيها إلى استعارة من اللغة العربية وبالتحديد من مصطلح «صفر». والكلمة في مادتها العربية تفيد الفراغ ومنها طبعاً عبارة صفر اليدين بمعنى خاوي الوفاض في لغتنا وهو البساط يفرش للمرء كي يقعد عليه فإذا كان خالياً فالمعنى هو الجدب.. الفقر وقلة الأثاث وضيق المعاش..


                            الخ.. وهناك من يعود بكلمة صفر في لغتنا الشريفة إلى أصل من السنسكريتية - لغة الهند القديمة وتعني فيها أيضاً معنى الخلو والفراغ واللاكمية.. ولا جناح على لغتنا، فالمعروف أن العرب في عصر اندفاعتهم النهضوية مع العصور العباسية.. كانوا يعرفون - بيقين ـ أن مشعل الحضارة الإنسانية قد انتهى إلى أيديهم وأصبح من مسؤولياتهم بعد أن استضاءت حياتهم وأفكارهم وطموحاتهم وإبداعاتهم بنور الإسلام وهديه ـ فكان أن شرعوا، ولا تثريب عليهم، يفيدون من حضارات من سبقوهم.


                            وإذا كانوا قد نهلوا من كلاسيكيات اليونان والرومان في علوم المنطق والفلسفة.. فقد أفادوا كثيراً من انجازات العقلية الهندية في مجال الرياضيات على وجه الخصوص.. وإن كان منطقياً أن يواصلوا مسيرة النهضة الإنسانية بأن يضيفوا إلى ما أنجزه هؤلاء أو أبدعه أولئك..


                            ومثلما أضاف ابن رشد في غرب العالم الإسلامي (1126ـ 1198) إلى فلسفة أرسطو حتى تداولت أوروبا اسمه بصيغة ابتدعتها وهي «أ؟يروس» وما برحت تعرفه باسم «المعلم الثاني» بعد أرسطو - فقد جاء «أبوعبدالله الخوارزمي» (ت850م) من مشرق العالم الإسلامي لكي يحدث ما يشبه الثورة في دنيا الرياضيات، فوضع كتابه في علم الحساب وأسس علم «الجبر» مستقلاً عن الحساب وأخذته عنه أوروبا والعالم بنفس الاسم،


                            تماماً كما أخذت جداول الأرقام الرياضية التي ابتدعها أبو عبدالله وخلعت عليها اسم اللوغريتمات وهو تصحيف عن اسم الخوارزميات المشتقة من لقب العالم المسلم الذي ترجمت أعماله من العربية إلى اللاتينية منذ القرن الثاني عشر للميلاد. كلمة «زيرو» دخلت إلى الانجليزية نقلاً عن الإيطالية في القرن السابع عشر.


                            ورغم أنها كانت مرادفة لكلمة زيفرا أو صفرا المستخدمة بنفس المعنى في العصور الوسطى، إلا أن تداول الكلمتين ما لبث أن أدى إلى اختلاف معنى كل منهما: احتفظت كلمة زيرو بمعنى الصفر الذي كان إدخاله في نظام الحساب العَشري أهم خطوات ترقية نظام العَدَد مما أتاح بالتالي استخدام الأعداد الكبيرة في العمليات الحسابية وهو ما فتح الباب رحباً واسعاً أمام حسابات في علوم أكثر تعقيداً مثل الفلك والكيمياء والفيزياء..


                            من ناحية أخرى تميزت كلمة صفرا أو زيفرا بمعنى مختلف حيث طورت لنفسها معنى الرمز.. الكود والشيفرة أو الشفرة في العربية التي اشتقوا منها فعل «تشفير» وأحياناً «ترميز» بل واشتقوا كلمة ترامُز كناية عن عملية الاستخدام المتبادل للشفرة بحيث يبدأ الأمر بالتشفير.. الترميز.. التكويد (تأمل ثراء الاشتقاق العربي)


                            وينتهي بفك الشفرة والرد عليها من الطرف الآخر للعملية التي ربما كان أول من شرع في استخدامها هم جماعات من أهل التصوف وأرباب الأحوال.. أخوان الصفا مثلاً.. ثم كانت محور أنشطة هيئات وأجهزة الاستخبارات.. ومن بعدها دوائر العمل الدبلوماسي.. إلى حيث حطت رحالها أيضاً على ضفاف التعامل مع الحواسيب الالكترونية التي ما انفكت تزحف لتسيطر على أنشطة الحيز الراهن من عمر زماننا.


                            زودياك مادة «زو» في أصلها اليوناني تنصرف إلى معنى الحياة.. الكائن الحي.. وبديهي أن ينصرف الذهن فورا إلى أن «زو» في الانجليزية هي حديقة الحيوان وعند اللغات بنات عمومتها يستخدم نفس الاسم مع إضافة بارك بمعنى حديقة في الفرنسية أو الاسبانية، على أن اليونانية تستخدم كلمة زودياك لتعني الخطوط المائلة التي تشكل دائرة تضم رموزاً لكائنات حية تشير بالدرجة الأولى إلى رهط من فصائل الحيوان..


                            ومن ثم فالمعنى الحرفي لكلمة «زودياك» أصبح عند اليونان هو دائرة الحيوانات الصغيرة. ولكن العرب وقد برعوا - كما لا يخفى عليك - في علوم الفلك ورصد حركات الأجرام السماوية.. أطلقوا على زودياك عبارة «دائرة البروج». والبرج في لغة العرب هو أصلاً ركن الحصن بمعنى أنه زاوية من تقسيمات أجواز الفضاء السماوي على نحو ما يشتغل به الفلكيون..


                            وقد أقسم كتابنا الأكرم بالسماء ذات البروج وفي هذا المعنى ذهب أئمة المفسرين إلى أقوال أربعة على نحو ما يفصلها القرطبي رحمه الله أحدها ذات النجوم، والثاني ذات القصور - الدور الفارهة السامقة الباذخة - (وهنا نستدعي معنى الصروح أو الحصون) والثالث أنها ذات الخَلْق الحسن والتشكيل الرائع الذي أبدعه فاطرها عز وجل أما المعنى الرابع فهو السماء ذات المنازل ما بين الكواكب والشمس والقمر.


                            ومن نفس المواد اللغوية يدخل إلى العربية مصطلح «الزايرجة» وهو بدوره جدول تنجيمي ورد وصفه في مقدمة عبدالرحمن ابن خلدون وقد فصّل ذلك العلامة الشهير (1322 - 6041( عناصر تركيب هذا الجدول وأساليب استخدامه، ويقال ان لهذه الجداول الفلكية التي أبدعها علماء المغرب المسلمون صلة بمثيلاتها التي يعرفها الفرس باسم «الزيج».. وهذه الجداول ترسم ما تصفه بأنه التقاسيم التي تضم التطابق بين بروج الكواكب ومنازلها وبين حظوظ البشر ومسارات حياتهم.


                            ويدلل هذا على الشغف المفهوم من جانب الناس لاستطلاع ما يضمره المستقبل، حيث وفيما تعتقد جمهرة لا يستهان بحجمها من الناس بهذا الربط بين دائرة البروج إلى 12 برجاً أو 12 علامة يعطي منها 30 درجة من الطول أو الامتداد ويرمز لكل من هذه البروج بعلامة أو رسم أو شكل يفيد معناها الموروث منذ عصور الإغريق. وأغلب هذه المعاني - كما ألمحنا- يرتبط بأنواع الحيوان.. الحَمَل.. الثور.. السرطان (البحري).. الأسد.. والجِدْي ثم الدلو (وعاء الماء) والحوت (أصناف السمك).


                            ويذهب الفلكيون إلى أن مسارات الشمس والقمر والكواكب الكبرى تقع ضمن إطار هذه الدائرة السماوية.. مسارات الأجرام في السماء وحظوظ البشر فوق الأرض. بيد أن ثمة ظاهرة يرتقبها باستمرار محبو الطبيعة وعاشقو الحياة بصرف النظر عن حكاية الأبراج الحظوظ: هي ظاهرة النور الزودياكي..


                            أو الضوء البروجي الذي يجسده وهج رائع الجمال ينتشر في صفحة السموات ويرى في الغرب بعد المغيب فيما يشاهده أهل الشرق قبل انبلاج الصبح وإطلالة الشروق.. وسبحان ربنا العظيم. زا: واضح أنها مقطع بغير معنى.. ولكنها مقطع في كل حال، بمعنى أنها صوت، أو بالأدق صويت مقطوع من أصل مكتمل ومفهوم أو كان مكتملاً وكان مفهوماً.. وببساطة: فالأصل - تصوَّر! ـ هو فطيرة البيتزا الإيطالية الشهيرة.


                            وقد درج الشباب في الغرب وربما في أصقاع أخرى على أن يختصروا من الكلمات حروفاً ومقاطع وأجزاء مع الإبقاء على أجزاء يمكن أن تفي بالمراد.. هكذا تحولت «البيتزا» إلى مجرد «زا» آخر مقاطع الكلمة تماماً كما أصبحت كلمة «فون» عَلَماً يدل على التليفون أو الهاتف كما ترجمناه بصيغة بليغة ورقيقة إلى لغتنا العربية. صحيح أن «فون» تنصرف أساسا عند ناطقها الانجليزية إلى معنى الصوت أو الجرْس وعندما أدخلوا عليها البادئة اليونانية الأصل - تيلي فقد أنجزوا بها معنى الصوت البعيد،


                            تماماً مثل تيليسكوب بمعنى الصورة البعيدة أو تيلغراف بمعنى الكتابة البعيدة.. إلا أن استخدامات الشباب المعاصر.. بكل عجلته وربما بكل ضجره إزاء التأني في استيفاء الأبعاد والظلال والتفاصيل.. آثر أن يحول الهاتف إلى مجرد فون، وأن يختصر حافلة الركاب من أو مني باص


                            ومعناها ركوبة الجميع (وتؤديها إلى حد معقول لفظة حافلة) إلى حيث يقتصر الاستخدام الراهن على كلمة «باص».. بل يصل هذا الاختصار - الذي نراه مخلاّ وربما مفتقراً إلى كياسة الفطنة وحسن الذوق إلى حيث يتحدث الشاب في الغرب عن والديه فإذا به - أو بها - يكف عن استخدام لفظة الأبوين - بِيرنت في الانجليزية ـ


                            ويقتصر على آخر مقاطعها وهو «رنت» وهي كلمة تعني بداهة الإيجاز أو الاستئجار.. صحيح أن أصحاب المطاعم لم يتعودوا كثيراً بعد على أن يقدموا «زا» كناية على البيتزا.. ولا المجتمع استساغ بعد كلمة رنت -الإيجار بدلاً من «بيرنت» لتدل على الوالدين المحترمين.. لكن من يدري ما يؤول إليه الحال خلال الخمسين عاماً المقبلة؟ لقد بدأ الناس يتعاملون مع فون وباص ومثيلاتها بقدر ملحوظ من التوجس والاستغراب وأحياناً الاستهجان..


                            ومازلنا في بلادنا اليعربية السعيدة نتحفظ على استخدامات شباب الحواسيب والانترنت مصطلحاتهم في مجالات التسييف (بمعنى الحفظ) والتدليت (بمعنى الحذف) والتهنيج (بمعنى التوقف).. والتصطيب (بمعنى الإنشاء) وما إليها.. لكن الكلمات حظوظ مثل الأفراد تماماً.. منها ما ينشأ ثم يتوارى ويذوي وينتهي.. ومنها ما يصمد ويستمر ويفرض نفسه على مجالات الاستخدام بلطف أحياناً.. وبإصرار مثابر أحياناً أخرى وبصفاقة بالغة في بعض الأحيان.

                            تعليق

                            • محمد زعل السلوم
                              عضو منتسب
                              • Oct 2009
                              • 746

                              #15
                              طابور .. طروادة .. طرابلس

                              «نانوبيديا» -الحلقة السابع عشر
                              طابور .. طروادة .. طرابلس




                              طابور: في عالم البناء والتشييد تصدق الكلمة على العمود في تصاميم المعمار التي اشتهر منها معماريات قدماء المصريين وفي صدارتها صرح الكرنك (في صعيد مصر الأعلى) ويزينه بهو الأعمدة الذي تعلوه تشكيلات نبات البردي المرتبط أبدا بمياه النيل.


                              وهناك كذلك صرح الاكروبول الذي يقوم على هضبة تطل على أثينا عاصمة اليونان وقد بدأ قدماء الإغريق تشييده وجرت عليه عوادي الزمان إلى أن أمر المصلح بركليس الإغريقي (ت429ق.م) بإعادة بنائه فاسترجع بهاءه الغابر وخاصة عند بوابته الرائعة التي عرفت باسم البروبولايا.


                              أما الطابور في عالم تعبئة الجيوش وحشد القوات للزحف إلى ساحات القتال فهو بداهة الصف من المحاربين ينتظم أفراده في أنساق رأسية أي في متوالية من البشر كل فرد في أثر زميله..


                              وما كان لأحد أن يماري أو يناقش مثل هذه الأنساق سواء كانت في تصميم المعمار أو في ساحات القتال.. لولا ما حدث خلال السنوات الأخيرة من عقد ثلاثينات القرن العشرين.. وفي أقاليم أسبانيا على وجه الخصوص.


                              في ذلك الزمان والمكان اشتعلت نيران الحرب الأهلية الأسبانية. دامت الحرب ثلاث سنوات بين عامي 1936 و1939 (العام الأخير شهد اندلاع حرب أخرى أشد خطرا وأوسع نطاقا وهي الحرب العالمية الثانية).


                              وكان طرفا الحرب الاسبانية هما: الوطنيون أو القوميون وهم اليمين الوطني والديني والارستقراطية القديمة وقد انضم إليهم الجنرال فرانكو قائدا لقوات الكتائب الفاشية.


                              أما الطرف الآخر فكان يتألف من العناصر اللبرالية وقوى اليسار والاشتراكيين والشيوعيين. وعلى المستوى الخارجي نالت قوى اليمين دعما من إيطاليا الفاشية (موسوليني) والمانيا النازية (هتلر) وخاصة بالنسبة لتجريب الأسلحة الجديدة وتكنولوجيا القتال المتقدمة وهو ما تم استخدامه في الحرب العالمية بعد ذلك بفترة وجيزة.


                              فيما توافدت على اسبانيا للمشاركة مع قوى اليسار ومؤازرتها عناصر من المثقفين والمبدعين والفنانين من بلاد شتى فكان أن جاءهم من أميركا الروائي ارنست همنغواي (1899 - 1691( وجاءهم من انجلترا الروائي جورج أورويل فضلا عن مشاركة شاعر اسبانيا الشهير فدريكو جارسيا لوركا (1898 - 6391(..


                              والحق أن مشاركة مثل هؤلاء الأدباء وأهل الانتلجنسيا كانت مفيدة معنويا وربما كان فيها ما أشعل في نفوسهم روح الإيثار والإبداع أو حتى المغامرة إلا أنهم كانوا بداهة أقل خبرة بفنون الحرب وأدنى تجربة بشظف القتال.. ومن ثم فقد كان النصر لقوات الفاشست التي دخل قائدها فرانكو ليسيطر على العاصمة مدريد ويفرض على اسبانيا حكمه الديكتاتوري حتى يوم وفاته في عام 1975.


                              مع ذلك بقي كثير من الإبداع الأدبي كمحصلة للحرب الأهلية الأسبانية وبقيت معها حكاية الطابور.. الخامس التي مازالت قائمة ومتواترة حتى أيامنا.


                              أصل الحكاية يرجع إلى الجنرال «مولا» الذي كان يزحف على مدريد على رأس أربعة طوابير مسلحة من الجنود والضباط.. ربما راجعه أركان حربه في قلة عدد الطوابير الزاحفة والهادفة بغرض الاستيلاء على عاصمة البلاد.. وكان جوابه الذي مازال مسجلا في دفاتر التاريخ:


                              ـ لا تخشوا شيئا.. لدينا طابور «خامس» مستعد لانتظارنا والتعاون معنا داخل المدينة ذاتها.


                              كان الجنرال الاسباني يشير إلى جموع المؤيدين والمتعاطفين ولاسيما العيون والأرصاد والجواسيس الموالون لقواته ممن لا يعرفهم أحد وممن حرصوا على ستر ولائهم بانتظار لحظة الانقضاض المناسبة.


                              بعدها شاع استعمال هذا التعبير وخاصة حين سعى المحللون إلى تفسير السهولة الغريبة التي استطاعت بها جيوش هتلر أن تغزو أقطارا مجاورة في غرب وشمال أوروبا مثل هولندا أو النرويج.. يومها قال قائلهم:


                              ـ لم يكن الفضل فقط للقوات الزاحفة، بل كان لديهم المعلومات الموثوقة والاستخبارات الدقيقة والمتعاطفون المتسترون.. كان لديهم الطابور الخامس..


                              ولأن كل شئ يتغير حتى المصطلحات الراسخة المستقرة، فقد فضل دهاقنة الإعلام الأميركي، وخاصة بعد 11 سبتمبر ألا يستخدموا تعبير الطابور الخامس.. وبدلا منه استقروا على مصطلح «الخلايا النائمة» بمعنى المخططات الكامنة تحت السطح ولكنها لا تلبث أن تنشط للعمل في أي لحظة.. وهو مصطلح سلبي مازال ساريا ومتواترا في مفردات السياسة والميديا الأميركية لزوم الاستمرار في ترويع الجماهير وإدامة استنفارها.


                              طروادة: بها يحتفل تراث الإغريق وإبداعهم الثقافي الذي لايزال جزءا عزيزا من ذاكرة الإنسانية حتى الآن.. دارت على ساحاتها حرب طروادة الشهيرة التي خلدتها أبيات ملحمة «الإلياذة» المرتبطة باسم هوميروس شاعر الإغريق القديم الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد وإن تنافست على إدعاء مولده ونشأته كثير من حواضر العالم القديم ومنها اثينا وأزمير..


                              وكم افتتن أدباء الدنيا على مر العصور بإلياذة هوميروس.. وقد ترجمها إلى العربية سليمان البستاني (1856 - 5291( وكان من رجال الأدب وأعلام السياسة:


                              ولد في لبنان وعاش في كل من القاهرة وبغداد والبصرة وبيروت والآستانة وتولى الوزارة والنيابة في البرلمان واحتشد لترجمة ملحمة هوميروس وأتقن من أجل الترجمة عدة لغات ثم عمد إلى تصديرها بمقدمة ضافية تعد بدورها من عيون الكتابات الأدبية حيث أجمل فيها تاريخ الأدب عند العرب.


                              وترتبط طروادة بأمور شتى منها طبعا حربها الشهيرة مع اليونان من أجل استرداد هيلين اليونانية الجميلة التي اختطفها أمير طروادة الشاب وكان اسمه باريس..


                              وعندما أبحرت الأساطيل من أثينا واتجهت شرقا إلى ساحة القتال في طروادة بأرض الأناضول، البلاد التي تغني هوميروس بثرائها وازدهارها على يد مليكها الأشيب الوقور بريام وابنه الفارس الشجاع هكتور فضلا عن ثراء طروادة غنية بمواردها المعدنية والزراعية..


                              وبهذا كله ربما كانت مؤهلة لكي تهزم غزاة اليونان أو على الأقل تصمد أمامهم، لولا.. أن اصطنع الغزاة حيلة أدخلوا بها حصانا من خشب إلى داخل المدينة وكأنه لعبة أو ملهاة..


                              لكن كان يختبئ في جوف اللعبة الخشبية عدد من الفرسان الأغارقة الذين ساعدوا على فتح أبواب المدينة واستباحة مرافقها أمام الغزاة القادمين.. ومن هنا أصبح تعبير «حصان طروادة» عَلَما على كل حيلة أو مؤامرة تقصد إلى التضليل والخداع..


                              ولأن طروادة كانت غنية بمناجم الذهب - على نحو ما تقول أساطير الميثولوجيا - فقد اصطنعوا مصطلح «الوزن الطروادي» أو «نظام طروادة» الذي يتم بمقتضاه وزن وتقدير قيمة المعادن النفيسة وأحيانا المواد الخطيرة (العقاقير الثمينة). والحق أن تلك نسبة غير صحيحة، وأن طروادة لا علاقة لها بالمسألة لا من قريب ولا من بعيد..


                              والمشكلة هي الخلط بين طروادة (طُروى في الانجليزية) وبين مدينة طروى الفرنسية التي كانت مركزا تجاريا مزدهرا أيام العصور الوسطى وكانت موئلا لأكثر من سوق وأكثر من معرض للتجارة وعرض السلع المهمة في تلك الأيام ابتداء من الذهب والفضة وليس انتهاء بالسكر والمشروبات والحبوب.


                              . وفي تلك المدينة اعتمدوا تقسيم الرطل (باوند) إلى 12 أوقية وخلعوا على الأجزاء الصغرى تسمية «أونصة طروى» فكان أن خَلَط الناس بينها وبين ملحمة الإلياذة وأسموها «أوقية طروادة» ربما من باب الإعجاب بما أبدعته عبقرية شاعر الإغريق الأكبر هوميروس.


                              طرابلس: عند شطري الوطن العربي توجد مدينتان باسم واحد: الأولى طرابلس - المشرق في لبنان.. والثانية طرابلس الغرب في ليبيا.. وهذه المشاركة.. هل نقول التآخي في الاسم، تعكس عراقة التاريخ الممتد الذي تصدر عنه المدينتان.. حيث قد يرجع الاسم الموحد إلى لغة اليونان فيفيد المقطع الأول من الاسم بمعنى الثلاثة أو الثلاثي..


                              فيما يفيد المقطع الثاني «بولِس» بمعنى المدينة أو الحاضرة على نحو ما كانت أثينا أو اسبرطة في دنيا الإغريق. هذا النمط من الحواضر المثلثة كان سائدا منذ أيام النشأة الأولى لكل من المدينتين:


                              طرابلس - لبنان التي يرجع تشييدها إلى الفينيقيين نحو 800 سنة قبل الميلاد لتكون عاصمة اتحاد لممالك فينقية كانت زاهرة في تلك الفترة الباكرة وظلت على ازدهارها حتى أيام الرومان إلى أن فتحها المسلمون عام 638 للميلاد لتبقى ميناء وحاضرة متوسطية وموئلا للثقافة العربية القومية فضلا عن آثارها التي تجمع بين المسجد الكبير وقلعة دو سان جيل من أيام الحروب الصليبية إضافة إلى حمامات أثرية ومكتبات إسلامية.


                              طرابلس الإفريقية - التوأم مدينة متوسطية بدورها يعود تاريخها أيضا إلى أيام الرومان (القرن السابع قبل الميلاد) إلى أن فتحتها قوات عمرو بن العاص بعد فتح مصر.. وكان ذلك تحديدا في عام 643 للميلاد ومازالت عاصمة الجماهيرية الليبية.


                              وشأن كل الحواضر والثغور الساحلية ذات الأهمية الاستراتيجية، كان طبيعيا أن تتعرض كل من المدينتين إلى غزوات وحروب، وأن تخضع في هذه المرحلة أو تلك لقوات الغزو الامبريالية على اختلاف العصور والجنسيات: طرابلس لبنان استولى عليها (الصليبيون) بل حّولوها إلى إمارة لاتينية في الفترة 1109 - 9821 للميلاد .


                              ولكنها استردت طابعها الوطني والقومي وهويتها العربية - الإسلامية بعد أن زحفت قوات السلطان المملوكي قلاوون (1279 - 1290) من القاهرة والشام إلى حيث استعادت طرابلس وطردت منها قوات الاحتلال الأوروبي الذي كان يرفع شعار الصليب.


                              من ناحيتها أيضا تعرضت طرابلس الغرب - الأفريقية إلى غزوات جحافل قرطاجنة والرومان ثم استولت عليها قوات قبائل الواندال البربرية الأوروبية وبعدها قوات بيزنطة (الدولة الرومانية الشرقية) عام 534 للميلاد إلى أن أضاءت بنور الإسلام واكتسبت هويتها العربية بعد أن وصلتها قوات عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي سرح فاتح منطقة أفريقية إلى حيث أقطار المغرب العربي.

                              تعليق

                              يعمل...