فهد عامر الأحمدي
في عام 1986كنت في ولاية منسوتا الأمريكية لتعلم اللغة الإنجليزية. وسرعان ما تعرفت على زميل مغربي رائع يدعى "عبد القادر".. الطريف أنني كنت (ومازلت) لا أفهم اللهجة المغربية في حين لم يكن هو يفهم اللهجة الحجازية ولا يفقه شيئا مما أقول... وفي النهاية توصلنا الى حل يرضي الطرفين وأصبحنا نتحدث باللغة الإنجليزية بشكل دائم!!!
... وكان معنا في نفس الفصل مهندس سعودي يدعى بساماً درس فن الديكور في إيطاليا.. ولأنني أعرف أنه يتحدث اللغة الإيطالية بطلاقة استغربت ذات يوم حين سمعته يتجاذب أطراف الحديث مع شاب أسباني كان ضمن مجموعتنا. وحين انتهيا سألته: هل تتحدث الأسبانية أيضا؟ فقال بلهجة الأستاذ: "اسمع ، الإيطالية قريبة من الأسبانية والفرق بينهما مثل الفرق بين اللهجة المغربية واللهجة الخليجية.. أنت وعبدالقادر مثلا تتعبان في الكلام لكنكما تتفاهمان في النهاية ويمشي الحال"!
وفي مناسبة لاحقة رأيت الشاب الأسباني يتحدث مع فتاة من البرازيل (التي يتحدث سكانها اللغة البرتغالية) فسألته سؤالا مشابها: هل تتحدث البرتغالية!!؟ فقدم نفس التفسير تقريبا: اللغة الأسبانية لا تختلف كثيرا عن البرتغالية وبقليل من الصبر يمكننا التحدث طوال الليل!!!
هذه الأمثلة الثلاثة تثبت أن الفرق بين "اللهجة" و"اللغة" تعريف مطاطي وواسع تحدده نظرتنا الثقافية والتاريخية أكثر من الواقع المعاش أو مستوى التفاهم بين الطرفين..
ففي حين نصر نحن وأشقاؤنا المغاربة على تحدثنا بلغة عربية واحدة نلاحظ (على أرض الواقع) عجزنا عن التفاهم بسبب حدة الاختلاف بين اللهجتين.. وفي المقابل يمكن للمواطن الأسباني والبرتغالي والإيطالي التفاهم بلغاتهم المحلية (كونها تفرعت من اللغة اللاتينية القديمة) ومع ذلك يصر ثلاثتهم على استقلاليتها كلغات قومية مستقلة!!
... ومن المعروف أن (أي لغة) يمكن أن تنفصل وتتشعب بمرور الزمن الى لغات فرعية كثيرة؛ فكما تفرعت اللغة السامية القديمة الى العربية والعبرية والقبطية والأمهرية والسريانية؛ تفرعت اللغة اللاتينية الى الفرنسية، والإيطالية، والأسبانية، والبرتغالية (وبالتالي توجد أرضيات مشتركة كثيرة بين هذه اللغات).... ومن تفرع - الى تفرع - وصل عدد اللغات العالمية اليوم الى 6000لغة مختلفة (في حين لم يكن البشر يتحدثون غير لغة واحدة زمن نوح عليه السلام)!!
وأول مظاهر التفرع (أو الانفصال اللغوي) يأتي من خلال ظهور لهجات متمايزة ضمن اللغة الأم.. وحدة التباين بين هذه اللهجات تختلف بين سهلة، ومتوسطة، وصعبة، وغير مفهومة.. فاللهجة المصرية مثلا تبدو - لظروف ثقافية وتاريخية - أسهل من أي لهجة عربية أخرى حيث يمكن ل90% من العرب فهمها بسهولة.. وفي المقابل قد يصعب على 90% من عرب المشرق فهم اللهجة المغربية أو الجزائرية أو حتى التونسية حين يسمعونها لأول مرة!؟
السؤال هو:
- هل انفصلت اللهجة المغربية فعلا عن اللغة العربية لدرجة تشكيل لغة فرعية مستقلة!؟
- ألا يشكل عجز عرب المشرق عن فهم اللهجة السائدة في المغرب دليلا على انتقالها من طور "اللهجة" المحلية الى "اللغة" الفرعية!؟
- أليس غريبا أن تصل أفلام جزائرية ومغربية كثيرة الى مستوى العالمية (وتفوز في مهرجانات نيس وكان وبرلين) ومع هذا لا يفهمها أو يشاهدها أحد في السعودية ولبنان والبحرين!؟
- وأخيرا؛ لماذا يمكن للأسباني والإيطالي والبرازيلي التفاهم مع بعضهم البعض في حين أعجز أنا عن التفاهم مع شاب مغربي يفترض تحدثه ب "نفس اللغة"!؟
... أيا كان الجواب؛ الواقع يفرض نفسه!
في عام 1986كنت في ولاية منسوتا الأمريكية لتعلم اللغة الإنجليزية. وسرعان ما تعرفت على زميل مغربي رائع يدعى "عبد القادر".. الطريف أنني كنت (ومازلت) لا أفهم اللهجة المغربية في حين لم يكن هو يفهم اللهجة الحجازية ولا يفقه شيئا مما أقول... وفي النهاية توصلنا الى حل يرضي الطرفين وأصبحنا نتحدث باللغة الإنجليزية بشكل دائم!!!
... وكان معنا في نفس الفصل مهندس سعودي يدعى بساماً درس فن الديكور في إيطاليا.. ولأنني أعرف أنه يتحدث اللغة الإيطالية بطلاقة استغربت ذات يوم حين سمعته يتجاذب أطراف الحديث مع شاب أسباني كان ضمن مجموعتنا. وحين انتهيا سألته: هل تتحدث الأسبانية أيضا؟ فقال بلهجة الأستاذ: "اسمع ، الإيطالية قريبة من الأسبانية والفرق بينهما مثل الفرق بين اللهجة المغربية واللهجة الخليجية.. أنت وعبدالقادر مثلا تتعبان في الكلام لكنكما تتفاهمان في النهاية ويمشي الحال"!
وفي مناسبة لاحقة رأيت الشاب الأسباني يتحدث مع فتاة من البرازيل (التي يتحدث سكانها اللغة البرتغالية) فسألته سؤالا مشابها: هل تتحدث البرتغالية!!؟ فقدم نفس التفسير تقريبا: اللغة الأسبانية لا تختلف كثيرا عن البرتغالية وبقليل من الصبر يمكننا التحدث طوال الليل!!!
هذه الأمثلة الثلاثة تثبت أن الفرق بين "اللهجة" و"اللغة" تعريف مطاطي وواسع تحدده نظرتنا الثقافية والتاريخية أكثر من الواقع المعاش أو مستوى التفاهم بين الطرفين..
ففي حين نصر نحن وأشقاؤنا المغاربة على تحدثنا بلغة عربية واحدة نلاحظ (على أرض الواقع) عجزنا عن التفاهم بسبب حدة الاختلاف بين اللهجتين.. وفي المقابل يمكن للمواطن الأسباني والبرتغالي والإيطالي التفاهم بلغاتهم المحلية (كونها تفرعت من اللغة اللاتينية القديمة) ومع ذلك يصر ثلاثتهم على استقلاليتها كلغات قومية مستقلة!!
... ومن المعروف أن (أي لغة) يمكن أن تنفصل وتتشعب بمرور الزمن الى لغات فرعية كثيرة؛ فكما تفرعت اللغة السامية القديمة الى العربية والعبرية والقبطية والأمهرية والسريانية؛ تفرعت اللغة اللاتينية الى الفرنسية، والإيطالية، والأسبانية، والبرتغالية (وبالتالي توجد أرضيات مشتركة كثيرة بين هذه اللغات).... ومن تفرع - الى تفرع - وصل عدد اللغات العالمية اليوم الى 6000لغة مختلفة (في حين لم يكن البشر يتحدثون غير لغة واحدة زمن نوح عليه السلام)!!
وأول مظاهر التفرع (أو الانفصال اللغوي) يأتي من خلال ظهور لهجات متمايزة ضمن اللغة الأم.. وحدة التباين بين هذه اللهجات تختلف بين سهلة، ومتوسطة، وصعبة، وغير مفهومة.. فاللهجة المصرية مثلا تبدو - لظروف ثقافية وتاريخية - أسهل من أي لهجة عربية أخرى حيث يمكن ل90% من العرب فهمها بسهولة.. وفي المقابل قد يصعب على 90% من عرب المشرق فهم اللهجة المغربية أو الجزائرية أو حتى التونسية حين يسمعونها لأول مرة!؟
السؤال هو:
- هل انفصلت اللهجة المغربية فعلا عن اللغة العربية لدرجة تشكيل لغة فرعية مستقلة!؟
- ألا يشكل عجز عرب المشرق عن فهم اللهجة السائدة في المغرب دليلا على انتقالها من طور "اللهجة" المحلية الى "اللغة" الفرعية!؟
- أليس غريبا أن تصل أفلام جزائرية ومغربية كثيرة الى مستوى العالمية (وتفوز في مهرجانات نيس وكان وبرلين) ومع هذا لا يفهمها أو يشاهدها أحد في السعودية ولبنان والبحرين!؟
- وأخيرا؛ لماذا يمكن للأسباني والإيطالي والبرازيلي التفاهم مع بعضهم البعض في حين أعجز أنا عن التفاهم مع شاب مغربي يفترض تحدثه ب "نفس اللغة"!؟
... أيا كان الجواب؛ الواقع يفرض نفسه!
تعليق